"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من
أهل العلم؛ يدعون مَنْ ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى،
ويبصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه؟ وكم من ضال تائه قد هدوه؟
فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين
وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؛ الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة،
فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله
وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلَّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهَّال الناس
بما يُشبِّهون عليهم؛ فنعوذ بالله من فتن المضلين"، هذه الخطبة التي ابتدأ بها
الإمام أحمد رحمه الله كتابه في الرد على الجهمية والزنادقة، أما بعد:
فمن هذه البقية الباقية من أهل العلم العلامة الشيخ ربيع بن
هادي المدخلي حفظه الله وعافاه، فقد ردَّ الله عزَّ وجلَّ بجهاده دعاة الباطل وأذلهم،
وكسر به ألوية البدع والفتن من المميعة الجفاة والحدادية الغلاة ونكَّل بهم وشرَّدهم،
وهو حفظه الله بين الحين والآخر - مع كبر سنه وضعف صحته وضيق وقته وكثرة مشاغله - يصفع
هاتين الطائفتين من أهل الإفراط والتفريط صفعات تكشف عن جهلهم وتلبيساتهم، وتدل على
انحرافهم عن سبيل أهل الحق وموافقة أهل الباطل في زيغهم وشبهاتهم، فالله نسأل أن يحفظ
لنا الشيخ منافحاً عن الحق وأهله ومناوئاً للباطل ودعاته.
وفي هذه المرة، يصفع الشيخ ربيع حفظه الله تعالى طائفة الحدادية
ومَنْ كان على طريقتهم في الطعن بجمهور أهل العلم بفرية الإرجاء ومخالفة الإجماع!،
ويكتب وفقه الله وعافاه رداً على المتعالم المغرور عادل آل حمدان يُبين فيه جهله وتخليطه
في مسألة "تارك الصلاة" ومن ضمنها مسألة "تارك العمل"، وعنوان
مقاله [متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء وبمخالفة السنة وإجماع
الصحابة على تكفير تارك الصلاة].
فأحببتُ أن أقتطف من مقال الشيخ حفظه الله كلماتٍ تُبيِّن للجميع
- (هنا) و (هناك) و (هنالك) - نظرته إلى الخلاف في مسألتي "تارك الصلاة"
و "تارك العمل"، لعلهم أن يكفُّوا من اتهام أهل السنة بتهمة الإرجاء ومخالفة
الإجماع الموهوم، أو أن يكشفوا اللثام عن وجوههم بكل جرأة وصراحة ويتركوا التمسح بالشيخ
ربيع حفظه الله وجمهور العلماء الذين يخالفونهم في هاتين المسألتين، وإليكم هذه المقتطفات
من كلامه حفظه الله:
((وهذا القول من عادل واضح في أنه يُخرج مَنْ لا
يكفِّر تارك الصلاة من أهل السنة؛ فانتبه))
((فكلام ابن بطة مأخوذ من كلام الإمام أحمد وكذا
كلام البربهاري، وهما واضحان جداً في عدم التكفير بترك الفرائض، ومنها الصلاة))
((فما رأي المنصفين من أهل العلم في عادل آل حمدان
في قوله تعليقاً على أقوال أناس من أهل السنة بل علمائها المستميتين في نصرة السنة
والذب عنها: "وهذا القول من أهل السنة في سائر الأعمال إلا الصلاة، فإنه لا خلاف
بينهم في كفر تاركها؛ سواء كان تركها جاحداً لها، أو تركها تهاوناً وتكاسلاً"،
ألا يخرج قوله هذا الكثير والكثير من أهل السنة والحديث ومنهم الإمام الزهري والإمام
مالك وأصحابه وحماد بن زيد والشافعي وأصحابه وعلى رأسهم أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو
ثور والمزني والربيع بن سليمان والبويطي وكثير وكثير من أهل الحديث.
وهل قول الإمام أحمد بعدم تكفير "تارك الصلاة"
وقوله بعدم تكفير "تارك العمل"، هل حينما قال هذا وذاك كان مرجئاً؟!
وهل قول البربهاري وقول ابن بطة وابن البناء - كما
سيأتي- بعدم تكفير "تاركي العمل"، وبدخولهم الجنة بشفاعة النبي صلى الله
عليه وسلم؛ هل أخرجتهم هذه الأقوال من السنة إلى بدعة الإرجاء؟! إنَّ هذا الرجل لا
يرى أهل السنة إلا مَنْ يكفِّر تارك الصلاة، ومَنْ عداهم ليس من أهل السنة))
((وهذا تصريح من ابن البناء بعدم تكفير "تارك
العمل"))
((إنَّ هذا التأويل لكلام ابن البناء باطل، لا يقصده
ابن البناء، ولا يدل عليه كلامه من قريب ولا من بعيد، ثم كيف يدخل الله النار من هذا
حاله؟! رجل
أسلم وشرع فوراً يخوض معمعة الجهاد حتى استشهد في سبيل الله، وشهد له رسول الله صلى
الله عليه وسلم بحسن الإسلام، وأنه دخل الجنة وَزُوِّج من الحور العين؛ تعالى الله
وتنـزه عما ينسبه إليه هذا الرجل))
((ثم إنَّ شأن ابن البناء شأن الإمام أحمد وعدد من
أتباعه، فتراهم أحياناً لا يكفرون "تارك الصلاة"، بل "تارك الأركان"،
وتارة أخرى لا يكفِّرون "تارك العمل"، كما نقلنا ذلك عنهم آنفاً؛ أخذاً منهم
بأحاديث الشفاعة واستسلاماً لها؛ لأنهم إذا وقفوا أمامها لا يسعهم إلا التسليم بها،
فإذا وقف أحدهم أمام أحاديث الشفاعة الصريحة في أنه يخرج من النار من في قلبه أدنى
أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، ويخرج من النار من لم يعمل خيراً قط؛ لا يسعه إلا التسليم
بهذه الأحاديث، وهذا يخالف قول الخوارج من جهة، وقول المرجئة من جهة أخرى.
فالخوارج يكفِّرون بالذنوب، ويحكمون على مرتكبيها
بالنار والخلود فيها، ولا يلتفتون لنصوص الوعد ونصوص الشفاعة.
والمرجئة يقولون: مَنْ شهد أن لا إله إلا الله فإنه
مستكمل الإيمان، ولا يضر مع الإيمان ذنب، ويوجبون الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله
مصراً بقلبه على ترك الفرائض، ولا يلتفتون لنصوص الوعيد ولا لأحاديث الشفاعة، وما فيها
من الدلالات على أنَّ الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه إلا أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة،
فالطائفتان (أي الخوارج والمرجئة) لم يؤمنا بأحاديث الشفاعة التي دلّتْ على معاقبة
المذنبين بالنار، ثم خروجهم منها بالشفاعة))
((من هذه الأقوال: أنَّ التارك لها لا يكفر مع الإقرار
بالوجوب، وهو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي، وهو
إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره كما يقول شيخ الإسلام))
((وإذا كان لا يُكفِّر إلا بترك الأركان الأربعة
فهو لا يُكفِّر بما بعدها من الأعمال، وكذلك لا يُكفِّر بترك الصلاة ولا بترك ركنين
آخرين.
فيكون
معرَّضاً لسخط عادل ومَنْ على شاكلته؛ لأنه يشارك مَنْ لا يكفر "تارك العمل"
مشاركة كبيرة جداً يستحق الإلحاق به في الحكم عليه بأنه مرجئ على المذهب الحدادي!،
وأخشى أن يكفروهما.
ومَنْ لا يكفِّر بترك الصلاة لا يكفِّر بترك باقي
الأركان ولا بما بعدها من العمل، فهو مرجئ شديد الإرجاء!؛ وإنْ كان مثل الزهري ومالك
والشافعي وجميع مَنْ لا يكفر تارك الصلاة!!، ومنهم جماهير أهل الحديث!!!، وحتى عادل
ومَنْ على شاكلته واقعون في الإرجاء؛ لأنهم لا يكفِّرون بترك الأركان الثلاثة، فتصير
الأمة كلها مرجئة على منهج عادل وأضرابه. إنَّ الرمي بالإرجاء لسهل جداً عند الخوارج!،
وعند عادل ومَنْ على منهجه!!. أما عند أهل السنة فلا؛ لعدلهم وورعهم واحترامهم لمن
يقول: الإيمان قول وعمل واعتقاد، ويخالف المرجئة، ويستنكر قولهم وما يؤدي إليه))
((وهذا القول يدل على قلة مَنْ يكفر تارك الصلاة
من الحنابلة، حيث لم يحك ابن قدامة التكفير إلا عن ابن حامد وابن شاقلا))
((فهل هؤلاء العلماء مرجئة؟! وهل الإمام أحمد حينما
كان يرى عدم التكفير بالأركان الأربعة مرجئاً؟!، وهل كان ابن بطة من المرجئة حينما
أخذ برواية الإمام أحمد؟! وهل ابن البناء مرجئ بتقريره الكلام السابق؟!
وهل الأئمة الزهري ومالك والشافعي وجمهور أهل الحديث
مرجئة؟!! إنه لا يرمي هؤلاء بالإرجاء وأمثالهم إلا من عنده نزعة خارجية قوية))
((الظاهر أنَّ قول ابن نصر هذا مبني على دعوى عبدالله
بن شقيق الإجماع!؛ وهذه الدعوى لم تثبت))
((إنَّ المخالفين لمن يكفِّر تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً
كثيرون، وفيهم أئمة عظماء من فقهاء ومحدثين، ولهم أدلتهم الكثيرة، وهم مجتهدون، فلخلافهم
مكانته واعتباره، ومَنْ هنا لا تجد الطرفين إلا يحترم بعضهم بعضاً ويوقر بعضهم بعضاً؛
لأنَّ اختلاف الطرفين قائم على الأدلة من الكتاب والسنة،. وليس قائماً على الأهواء
كما هو الشأن في مخالفات أهل البدع لأهل السنة، فافهم هذا وقف عند حدك))
((وهذا الإمام أحمد لا يرمي بالإرجاء مَنْ لا يُكفِّر
تارك الفرائض، بل له قول يوافقهم فيه، كما أسلفنا نقل ذلك عنه؛ لأنَّ لهم أدلتهم وبراهينهم
من الكتاب والسنة. فكم هي المسافة بين منهج أهل السنة حقاً وبين منهج عادل ومَنْ على شاكلته،
الذين يرمون أهل السنة حقاً بالإرجاء، ويجعلون ذلك شغلهم الشاغل؟!))
((فدلَّ هذا الحديث أنَّ الشفاعة ستكون لأصناف من
هذه الأمة:
الصنف الأول: المصلون الصائمون القائمون بالحج، فهؤلاء
مع قيامهم بهذه الأركان دخلوا النار بذنوب أوبقتهم، فمن لا يقوم بها أشد عذاباً منهم
وأشد.
الصنف الثاني: من في قلبه مثقال دينار من خير، فهؤلاء
خرجوا من النار بما في قلوبهم من الإيمان وأعمال القلوب، ومنها إخلاصهم في التوحيد.
والصنف الثالث: من في قلبه مثقال ذرة من خير، وهذا
الخير هو الإيمان مع الإخلاص فيه.
الصنف الرابع: صنف لم يعملوا خيراً قط، يخرجهم الله
من النار بما في قلوبهم من الإيمان والإخلاص وبمحض رحمة الله!، ويسميهم أهل الجنة عتقاء
الله، ويقولون أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه.
وهذا النفي إنما هو "لأعمال الجوارح" لا
لأعمال القلوب، ومنها إخلاص التوحيد، صرّح بهذا كله رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي
لا يقول إلا الحق، ولا ينطق عن الهوى))
((أما السلف المكفِّرون لتارك الصلاة فإنهم يحترمون
إخوانهم غير المكفِّرين له، ويعتبرونهم من أهل السنة، ويعتبرون علماءهم من أعلام السنة،
ولا يرمونهم بالإرجاء، حاشاهم أن يفعلوا ذلك. كيف وهم يعلمون أنَّ إخوانهم مجتهدون،
ولهم أدلتهم وبراهينهم على ما ذهبوا إليه، وأنَّ لهم أجر المجتهدين في فهم النصوص،
فإنْ أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، كما نصَّ على ذلك رسول الله صلى
الله عليه وسلم. فهل يجوز لعادل وأمثاله أن يطعنوا فيهم وهم يؤمنون بهذه النصوص، ويقولون:
إنْ كان مرتكبو هذه الكبائر مستحلين لارتكابها فهم كفار، وإنْ كانوا غير مستحلين فهم
مجرمون ومستحقون للعذاب والنكال الشديد بالنار، وكذا يقولون في تارك الصلاة تهاوناً
وكسلاً، والمرجئة لا تقول هذا، بل توجب على الله أن يدخل هذه الأصناف الجنة، إلى آخر
ضلالاتهم)).
قلتُ:
فأين دعوى الإجماع على تكفير تارك الصلاة؟!
وأين الإجماع على تكفير تارك العمل؟!
وما هو قول مَنْ لا زال يتمسَّح في (الظاهر) بالشيخ ربيع حفظه
الله ويتَّهم مَنْ يقول بقوله وقول جمهور العلماء قديماً وحديثاً بفرية الإرجاء؟!
{الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}
فهذا الحقُّ ليس به خفاءُ *****
فدعني عن بنياتِ الطريقِ
كتبه: أبو معاذ رائد آل طاهر
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.