-->

السبت، 12 يناير 2013

وقفة مع الذين يستدلون بفتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في الانتخابات


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإنَّ مسألة "الانتخابات" من نوازل العصر، وقد اتفق أهل العلم المعاصرين أنها مستوردة من بلاد الغرب وأنها من وسائل الكفار، وأنَّ اختيار الحاكم ونوابه وعماله لم يكن في عهد الخلافة الإسلامية بهذه الطريقة الغربية، وأنَّ الانتخابات مبنية على مبدأ الديمقراطية وحرية الرأي والمساواة بين جميع الناس في الحقوق والأحكام؛ وهذا كله على خلاف النصوص القطعية في الكتاب والسنة؛ بل على خلاف الإجماع، بل هذه من مبادئ الكفار.
ولم يخرج عن اتفاق علماء العصر إلا شذوذ من الناس راحوا يشرعون هذه الانتخابات من حيث التأصيل والاستدلال لها ببعض الشبهات، وجعلوها كمبدأ الشورى في الإسلام!، مع أنَّ الفرق بينما لا يخفى على البصير.
وقد تكلَّم أهل العلم المعاصرين عن مفاسد الانتخابات في مجالسهم وفتاواهم، وقد أسهب في ذكرها الشيخ محمد الإمام حفظه الله تعالى في كتابه: "تنوير الظلمات لكشف مفاسد وشبهات الانتخابات"، وقد جمعتُها في مقال بعنوان: "كلمة حول حكم الانتخابات القادمة"، لمن أراد أن يطلع على ذلك.
وأما حكم الانتخابات من حيث الواقع؛ أي لو أنَّ المسلمين في بلد ما أبوا إلا التعامل بهذه الوسيلة الغربية، وصار الحاكم لا يُنصَّب بالطرق الإسلامية واقعاً، فهل لعموم المسلمين أن يشاركوا في هذه الانتخابات من حيث التصويت والترشيح أم لا؟
اختلف أهل العلم المعاصرين في هذه، فمنهم من رأى المنع مطلقاً، ومنهم مَنْ أجازها بشروط وضوابط وفرق بين الانتخابات (التصويت) وبين الترشيح (الدخول في الحكومة)، ومنهم مَنْ أوجب الانتخابات.
والقول الأخير هو قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى حيث سُئل في لقاء الباب المفتوح (س211): ما حكم الانتخابات الموجودة في الكويت, علماً بأنَّ أغلب من دخلها من الإسلاميين ورجال الدعوة فتنوا في دينهم؟ وأيضاً ما حكم الانتخابات الفرعية القبلية الموجودة فيها يا شيخ؟!
فأجاب الشيخ رحمه الله تعالى: ((أنا أرى أنَّ الانتخابات واجبة, يجب أن نعين من نرى أنَّ فيه خيراً, لأنه إذا تقاعس أهل الخير من يحل محلهم؟ أهل الشر, أو الناس السلبيون الذين ليس عندهم لا خير ولا شر؛ أتباع كل ناعق، فلا بد أن نختار من نراه صالحاً.
فإذا قال قائل: اخترنا واحداً لكن أغلب المجلس على خلاف ذلك؟
نقول: لا بأس, هذا الواحد إذا جعل الله فيه بركة وألقى كلمة الحق في هذا المجلس سيكون لها تأثير ولابد, لكن ينقصنا الصدق مع الله, نعتمد على الأمور المادية الحسية ولا ننظر إلى كلمة الله عز وجل, ماذا تقول في موسى عليه السلام عندما طلب منه فرعون موعداً ليأتي بالسحرة كلهم, واعده موسى ضحى يوم الزينة -يوم الزينة هو: يوم العيد؛ لأنَّ الناس يتزينون يوم العيد- في رابعة النهار وليس في الليل, في مكان مستوٍ, فاجتمع العالم، فقال لهم موسى عليه الصلاة والسلام: "وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى" كلمة واحدة صارت قنبلة, قال الله عز وجل: "فَتَنَازَعُوا أمرهُمْ بَيْنَهُمْ" الفاء دالة على الترتيب والتعقيب والسببية, من وقت ما قال الكلمة هذه تنازعوا أمرهم بينهم, وإذا تنازع الناس فهو فشل, كما قال الله عز وجل: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا"؛ "فَتَنَازَعُوا أمرهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى", والنتيجة أنَّ هؤلاء السحرة الذين جاءوا ليضادوا موسى صاروا معه, ألقوا سجداً لله, وأعلنوا: "آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى", وفرعون إمامهم, أثرت كلمة الحق من واحد أمام أمة عظيمة زعيمها أعتى حاكم.
فأقول: حتى لو فرض أنَّ مجلس البرلمان ليس فيه إلا عدد قليل من أهل الحق، والصواب سينفعون, لكن عليهم أن يصدقوا الله عز وجل.
أما القول: إنَّ البرلمان لا يجوز، ولا مشاركة الفاسقين, ولا الجلوس معهم؟
هل نقول: نجلس لنوافقهم؟!
نجلس معهم لنبين لهم الصواب.
بعض الإخوان من أهل العلم قالوا: لا تجوز المشاركة, لأنَّ هذا الرجل المستقيم يجلس إلى الرجل المنحرف!, هل هذا الرجل المستقيم جلس لينحرف أم ليقيم المعوج؟!
نعم؛ ليقيم المعوج ويعدل منه, إذا لم ينجح هذه المرة نجح في المرة الثانية))
وهذه الفتوى قد استغلها بعض الناس –منهم سلفيون وأكثرهم حزبيون- وراحوا يوجبون الانتخابات على جميع الناس!، ويشنِّعون على غيرهم ممن يعرف زيف الانتخابات ويحرص على عدم إشغال الشباب السلفي بمثل هذه الأوهام، ثم صاروا من أهل الدعايات الانتخابية الذين ينشئون المجالس هنا وهناك من أجل الدعاية لقائمة فلان أو للجماعة الفلانية، وينشرون الأوراق والصور التعريفية بمرشحيهم، وأحدثوا الفتنة والفرقة بين السلفيين من أجل أولئك المرشحين الحزبيين أو العلمانيين!!.
من أجل ذلك كانت هذه الوقفة مع هؤلاء الذين يستدلون بفتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى؛ وهذه الوقفة، يمكن جمعها في عدة نقاط:
الأولى: أنَّ أقوال أهل العلم –في حال الخلاف بينهم- يحتج لهم لا يحتج بهم، والتقليد –مع ظهور الدليل- حرام.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع 26/  202-203]: ((وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة: النص، والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية؛ لا بأقوال بعض العلماء؛ فإنَّ أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية لا يحتج بها على الأدلة الشرعية. ومَنْ تربى على مذهب قد تعوَّده واعتقد ما فيه وهو لا يحسن الأدلة الشرعية وتنازع العلماء لا يفرق بين ما جاء عن الرسول وتلقته الأمة بالقبول بحيث يجب الإيمان به وبين ما قاله بعض العلماء ويتعسَّر أو يتعذَّر إقامة الحجة عليه، ومَنْ كان لا يفرق بين هذا وهذا: لم يحسن أن يتكلم في العلم بكلام العلماء، وإنما هو من المقلدة الناقلين لأقوال غيرهم)).
وقد سُئل الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى في تحفة المجيب [ص314-318/   س211]: احتج أصحاب الانتخابات بقول الألباني وابن باز وابن عثيمين فما قولكم في ذلك؟!
الجواب: ((الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. أما بعد: فأصحاب الانتخابات هم أعداء هؤلاء المشايخ، فقد كنا بالأمس نسمع في هيئة المعاهد العلمية بصنعاء أنَّ الألباني ماسوني!، عندما أفتى للذين في فلسطين من المسلمين بأن يخرجوا لأنها أصبحت دار حرب، شنوا عليه الغارات وضللوه وبدعوه، وهكذا الشيخ ابن باز عندما أفتى في قضية الخليج هاجموه، وعندما أفتى بالصلح مع اليهود؛ ونحن نتكلم على هذا مع قطع النظر عن صحة هذه الفتوى، فهاجموه وحملوا عليه، ومنهم يوسف القرضاوي لا بارك الله فيه، فهم يريدون إحراق أهل العلم، فلا تصلح لهم حزبية إلا إذا احتيج إلى استفتائهم، فالحزبيون يذهبون إلى مشايخهم أمثال القرضاوي وفلان وفلان، أما العلماء فلا يذهبون إليهم بل يريدون إحراقهم.
وهذه الفتوى قد اتصلت بشأنها بالشيخ الألباني حفظه الله وقلتُ له: كيف أبحت الانتخابات؟! قال: أنا ما أبحتها؛ ولكن من باب ارتكاب أخف الضررين.
فننظر هل حصل في الجزائر أخف الضررين أم حصل أعظم الضررين؟ واقرؤوا ترجمة أبي حنيفة تجدون علمائنا ينهون عن الرأي والاستحسان، ويرون أنه سبيل الاعتزال وسبيل التجهم.
أما فتوى الشيخ الألباني فهم يأخذونها من زمن قديم، وأما الشيخ ابن عثيمين فمن عجيب أمره أنه يحرم الأحزاب والجماعات ويبيح ما هو أعظم وأخطر منها وهي الانتخابات التي هي وسيلة إلى الديمقراطية!!.
فأقول لهؤلاء الملبسين: لو تراجع هؤلاء المشايخ أكنتم متراجعين عن هذا أم لا؟!
ونقول: إننا نرى حرمة التقليد؛ فلا يجوز لنا أن نقلد الشيخ الألباني ولا الشيخ ابن باز ولا الشيخ ابن عثيمين، فإنَّ الله تعالى يقول في كتابه الكريم: "اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون"، ويقول سبحانه وتعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم"، فأهل السنة لا يقلدون.
ثم نقول للمشايخ: إنَّ فتواكم هذه خطيرة جداً!، ألم تعلموا أنَّ بوش -أخزاه الله- عندما كان رئيساً لأمريكا يقول: أن السعودية والكويت لم تطبقا الديمقراطية!، فعلى المشايخ أن يتراجعوا عن هذه الفتوى.
وأنا أشهدكم أنني متراجع عن أي خطأ في كتبي أو أشرطتي أو دعوتي لله عز وجل، أتراجع بنفس طيبة مطمئنة.
والمشايخ لا عليهم إذا تراجعوا، بل هو الواجب عليهم، لأنهم لا يدرون بالذي يحدث في اليمن، وما الذي يدور في المجالس النيابية، وما هو الفساد الذي يحصل بسبب الانتخابات، قتل وقتال من أجل الانتخابات، وخروج النساء متبرجات، وتصوير للنساء من أجل الانتخابات، ومساواة الكتاب والسنة والدين بالكفر من أجل الانتخابات، وأي مصلحة حققت هذه الانتخابات؟!
فيجب على المشايخ أن يتراجعوا، وسنرسل إليهم إن شاء الله، فإنْ لم يتراجعوا فنحن نشهد الله أننا براء من فتواهم لأنها مخالفة للكتاب والسنة، رضوا أم غضبوا، أعراضنا ودماؤنا فداء للإسلام، ولا نبالي بحمد الله.
والقوم قد احترقوا، ويعرفون أنَّ كلامهم ليس له قيمة، وإنْ شئت أرسلت رجلاً ولا يشعر الناس، ولكن لا يكون حزبياً، ليعلموا أنَّ الإخوان المسلمين قد احترقوا في اليمن، والفضل في هذا لله عز وجل.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتراجع ونصرة المظلوم ونصرة إخوانهم أهل السنة يعتبر واجبا عليهم، ودعونا من الرأي والاستحسان.
ونحن نقول للمشايخ: هل حصلت الانتخابات في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندما اختلفوا في شأن أسامة بن زيد هل يكون هو الأمير أم غيره؟ فهل قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: انتخبوا فمن حصلت له الأصوات الكثيرة فهو الأمير!، وهل حصلت الانتخابات في زمن أبي بكر؟! وهل حصلت الانتخابات في زمن عمر؟!
وما جاء أنَّ عبد الرحمن بن عوف تتبع الناس حتى النساء في خدورهن، فهذا يحتاج إلى نظر لأنه خارج الصحيح، فلا بد من جمع الطرق، وأنا متأكد أنها إذا جمعت الطرق سيكون شاذاً، والشاذ من قسم الضعيف، ثم بحث عنه بعض الإخوة فوجد هذه الزيادة في غاية الضعف.
هل حصلت الانتخابات في العصر الأموي أو العباسي أو العثماني؟!
أم إنها جاءتنا من قبل أعداء الإسلام؛ وصدق النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذ يقول: "لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلكتموه".
فهي تعتبر فرقة وتشتيت شمل وعداء وبغض، حتى بين الأسرة الواحدة، من أجل هذه الانتخابات الدخيلة، ولا يضحك علينا الإخوان المسلمون فإنهم ربما ينتخبون شخصاً لا يصلي ويقولون: نيته طيبة أو ينتخبون شيخاً جاهلاً.
ولقد كانوا يمنون الناس في الانتخابات الأولى أن ما بينهم وبين أن يحكموا الإسلام إلا أن تنتهي الانتخابات، فأين الحكم بالإسلام؟
وأين إنجازات وزاراتهم التي كانوا فيها؟
والإخوان المسلمون هم الذين يقولون: إننا نقرر الأمر في مجلس النواب فتأتينا الأوامر بغير ذلك، ثم نخرج بما أتتنا به الأوامر من هنا وهناك!!.
فاتقوا الله أيها المشايخ؛ لا تقودونا إلى إتباع أمريكا، وإلى الديمقراطية التي تبيح ما حرم الله، والتي قد أباحت اللواط في بعض الدول الكفرية، وأباحت كل محرم؛ فنحن مسلمون عندنا كتاب ربنا: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله".
فهل لنا دين في الزمن المتقدم ودين في الوقت الحاضر أم هو دين واحد إلى أن تقوم الساعة؟
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"، فعسى أن يتراجع المشايخ عن هذه الفتوى، وسننظر ماذا يعمل الإصلاحيون؟! والله المستعان)) انتهى كلام الشيخ مقبل.
الثانية: أنَّه لا يحتج بالخلاف في رد النصوص في حال ضعف الخلاف وظهور القول الراجح.
قال العلامة الشاطبي في الموافقات [4/  141-142]: ((حكى الخطابي في مسألة البتع المذكور في الحديث عن بعض الناس أنه قال: "إنَّ الناس لما اختلفوا في الأشربة وأجمعوا على تحريم خمر العنب واختلفوا فيما سواه؛ حرمنا ما اجتمعوا على تحريمه وأبحنا ما سواه"!، قال: "وهذا خطأ فاحش؛ وقد أمر الله تعالى المتنازعين أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول"، قال: "ولو لزم ما ذهب إليه هذا القائل للزم مثله في الربا والصرف ونكاح المتعة؛ لأنَّ الأمة قد اختلفت فيها"، قال: "وليس الاختلاف حجة!، وبيان السنة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين" هذا مختصر ما قال.
والقائل بهذا راجع إلى أن يتبع ما يشتهيه، ويجعل القول الموافق حجة له، ويدرأ بها عن نفسه، فهو قد أخذ القول وسيلة إلى إتباع هواه لا وسيلة إلى تقواه!، وذلك أبعد له من أن يكون ممتثلاً لأمر الشارع، وأقرب إلى أن يكون ممن اتخذ إلهه هواه، ومن هذا أيضاً: جعل بعض الناس الاختلاف رحمة للتوسع في الأقوال وعدم التحجير على رأي واحد!)) انتهى كلام الشاطبي.
وقد سُئل العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى؛ فضيلة الشيخ: هل ينكر على المرأة التي تكشف الوجه، أم أنَّ المسألة خلافية، والمسائل الخلافية لا إنكار فيها؟!
فكان جوابه: ((لو أننا قلنا: المسائل الخلافية لا ينكر فيها على الإطلاق!، ذهب الدين كلّه حين تتبع الرخص!، لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين الناس!.
نضرب مثلاً: هذا رجلٌ مسَّ امرأة لشهوة، وأكل لحم إبل، ثم قام ليصلي، فقال: أنا أتبع الإمام أحمد في أنَّ مسَّ المرأة لا ينقض الوضوء، وأتبع الشافعي في أنَّ لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وسأصلي على هذه الحال، فهل صلاته الآن صحيحة على المذهبين؟ هي غير صحيحة؛ لأنها إن لم تبطل على مذهب الإمام أحمد بن حنبل بطلت على مذهب الإمام الشافعي، وإن لم تبطل على مذهب الإمام الشافعي بطلت على مذهب الإمام أحمد، فيضيع دين الإنسان!.
 المسائل الخلافية تنقسم إلى قسمين: قسم مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف؛ بمعنى أنَّ الخلاف ثابت حقاً وله حكم النظر، فهذا لا إنكار فيه على المجتهد....
القسم الثاني من قسمي الخلاف: لا مساغ له ولا محل للاجتهاد فيه، فينكر على المخالف فيه؛ لأنه لا عذر له)).
الثالثة: أنَّ بعض الناس يأخذ من كلام أهل العلم ما يشتهي ويهوى ويعرض عما يخالفه؛ وحينها لا يقبل استدلاله بالجملة، لأنه متلاعب.
فقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في لقاء الباب المفتوح: عن الموقف الصحيح للمسلم عند اختلاف العلماء في مسألة من المسائل الفرعية؟
فكان من ضمن جوابه رحمه الله تعالى أن قال: ((ولكن المحذور: أن تذهب إلى عالم ترضاه في علمه ودينه وتستفتيه، ثم إذا أفتاك بما لا يوافق هواك ضربت بفتواه عرض الحائط!، ثم ذهبت إلى رجل آخر لعله أيسر؛ فهذا هو الحرام؛ لأنَّ هذا تلاعب بدين الله، وما أكثر الذين يفعلون ذلك!!؛ يستفتي هذا العالم فإذا لم يوافقه على هواه، قال: أذهب إلى فلان، ذهب إلى فلان فوجد قوله أشد من الأول قال: "كل هؤلاء ما عندهم علم"!!، فيأتي الثالث والرابع والخامس حتى يصل إلى ما يوافق هواه!، فحينئذ يقول: ألقت عصاها واستقر بها النوى... كما قر عيناً بالإياب المسافر؛ هذا هو الذي لا يجوز)).
الرابعة: أنَّ العالم غير معصوم فقد يجتهد أو يزل؛ فيكون مأجوراً ومعذوراً، ولا يُعذر من يتبعه في زلته ورخصته إلا لمقلِّد لم يظهر له الحق.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [الفتاوى الكبرى 6/  92]: ((إنَّ الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور؛ لا يجوز أن يتبع فيها!، مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين)).
الخامسة: أنَّ مَنْ تبين له الحق وجب عليه أن يرجع عن قوله ولا يصر عليه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في المجموع [20/  213-214]: ((أما إذا قدر على الاجتهاد التام الذي يعتقد معه أنَّ القول الآخر ليس معه ما يدفع به النص فهذا يجب عليه إتباع النصوص!؛ وإنْ لم يفعل كان متبعاً للظن وما تهوى الأنفس، وكان من أكبر العصاة لله ولرسوله، بخلاف مَنْ يقول: قد يكون للقول الآخر حجة راجحة على هذا النص وأنا لا أعلمها؟ فهذا يقال له: قد قال الله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، والذي تستطيعه من العلم والفقه في هذه المسألة قد دلَّك على أنَّ هذا القول هو الراجح، فعليك أن تتبع ذلك!، ثم إن تبين لك فيما بعد أنَّ للنص معارضاً راجحاً كان حكمك في ذلك حكم المجتهد المستقل إذا تغير اجتهاده. وانتقال الإنسان من قول إلى قول لأجل ما تبين له من الحق هو محمود فيه، بخلاف إصراره على قول لا حجة معه عليه وترك القول الذي وضحت حجته!، أو الانتقال عن قول إلى قول لمجرد عادة وإتباع هوى!؛ فهذا مذموم)).
السادسة: ما هي حجة مَنْ يقول بوجوب الانتخابات؟
إنْ قيل: فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
قلنا: هو رأي تبناه الشيخ رحمه الله تعالى وغيره من أهل العلم على خلافه!.
فأين الحجة على صحة رأيه وبطلان رأي غيره؟!
فإنْ قيل: إنَّ الله عزَّ وجل أمرنا أن نرجع إلى أهل العلم في النوازل؟
قلنا: لكن إن اختلفوا أمرنا بالرجوع إلى الكتاب والسنة.
فإنْ قيل: المسألة خلافية؛ فلا يُنكر على المخالف؟!
قيل: مسائل الخلاف؛ منها ما يُنكر على المخالف؛ وذلك إذا ضعف الخلاف وظهرت الحجة.
فإنْ قيل: ما لا يتم به الواجب فهو واجب، وتقليل الشر واجب ولا يتم إلا عن طريق الانتخابات؟
قيل: هذه القاعدة في المباحات لا في المحظورات، فالمباح قد يجب إذا كان وسيلة لواجب، وأما الحرام فيدخل في قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وهي قاعدة يهودية!، وأصل الانتخابات حرام.
فإن قيل: الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى احتج بصنيع موسى عليه السلام مع السحرة؟
قيل: هو احتجاج بعيد، وفرق بين أن تناظر قوماً أُمرتَ بمناظرتهم ومجالستهم لنصرة الحق وإبطال الباطل بتأييد من الله عز وجل، وبين الجلوس لسنوات في برلمان قد التزم دستوراً وقوانين خلاف ما عليه أحكام الإسلام وشريعته، وكذا فرق بين تأييد الله تعالى له بآية تخضع لها العقول السليمة وبين كلمة في برلمان يخضع للديمقراطية فيكون الفصل فيه مبني على كثرة الأصوات!.
فمعرفة المعوج من العدل وبيان الصواب من الباطل مقياسه في البرلمان هو كثرة الأصوات!.
ثم أليس في المشاركة في البرلمان إقرار لأهل الباطل على باطلهم.
ولهذا لما سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى؛ هل أفتيتم بجواز الانتخابات؟ وما حكمها؟
فأجاب: ((نعم أفتينا بذلك - ولا بد من هذا! – لأنه إذا فُقِدَ صوت المسلمين؛ معناه: تَمَحُّض المجلس لأهل الشر، إذا شارك المسلمون في الانتخابات؛ انتخبوا مَنْ يرون أنهم أهل لذلك, فيحصل بهذا خير وبركة))
علَّق علي الحلبي في كتابه [الأسئلة القطرية في مسائل الإيمان والتكفير المنهجية] على كلمة الشيخ ابن عثيمين هذه فقال: ((وهي مسألة خلاف بين علماء أهل السنة المعاصرين؛ ولِمُخالفِ أستاذِنا رحمه الله أن يقولَ: إنَّ وجود صوتٍ للمسلمين - بغير تأثيرٍ فاعِلٍ!- هو تزيينٌ للمنكر وتمشيةٌ للباطِلِ!، وبخاصةٍ أنَّ (جميع!) التجارب المعاصرة - أثبتت فَشَلَ ذلك (!) بغير استثناء - وللأسف الشديد!!!)).
ومع هذا لا زال بعض أنصار الحلبي - أمثال أبي العباس عماد طارق – يدندنون حول حتمية وجود صوت إسلامي في البرلمان الديمقراطي!.
قلتُ:
ثم مِن أين يأتي العون والتأييد من الله عزَّ وجل للمرشَّح؛ وهو قد حرص على المنصب؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه: ((لا تسأل الإمارة؛ فإنك إنْ أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإنْ أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها)) رواه البخاري ومسلم، والواجب منع مَنْ يحرص على الولاية منها لا ترغيبه فيها فضلاً عن الإيجاب!؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال: أحدهما يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله وقال الآخر مثل ذلك. فقال: ((إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه)) وفي رواية قال: ((لا نستعمل على عملنا مَنْ أراد)) رواه البخاري ومسلم؛ فكيف بمَنْ يقوم بالدعايات الانتخابية ويصرف لها الأموال والأوقات والجهود والطاقات للحصول عليها؟!. وقد أنذر صلى الله عليه وسلم من هذا الحال الذي نراه اليوم في وقت الانتخابات وذمَّـه فقال: ((إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة)) رواه البخاري.
ثم ماذا استطاع أن يصنع هرقل مثلاً؛ وهو الملك، عظيم الروم، حينما أراد أن يُغير حال قومه بما لا يرضوه؟! تأمَّل في قصته -يا عبد الله- لتعلم هل يستطيع أحد الإسلاميين أن يغير حال قوم عاشوا عليه عشرات أو مئات السنين بكلمة في برلمان أو مجلس قيادي أو إداري؟!
فقد جاء في خاتمة محادثة هرقل لأبي سفيان رضي الله عنه أنه قال: ((وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكُ أظنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه. وليبلغنَّ ملكه ما تحت قدمي.
قال: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم؛ سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فاني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنَّ عليك إثم الأريسيين و{يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله - إلى قوله - اشهدوا بأنا مسلمون}. فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عند وكثر اللغط وأمر بنا فأخرجنا. قال فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقناً بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.
قال الزهري: فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم في دار له فقال: يا معشر الروم؛ هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد، وأن يثبت لكم ملككم؟ قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدها قد غلقت. فقال: عليَّ بهم، فدعا بهم، فقال: إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم فقد رأيت منكم الذي أحببت، فسجدوا له ورضوا عنه)) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه.
تأملوا يا رعاكم الله؛ لما دعاهم إلى ما فيه رشدهم وفلاحهم وعزتهم حاصوا كحيصة الحمر الوحشية ورفضوا هذه الدعوة وهرعوا إلى الأبواب ليحدثوا الفتنة في البلد!، فلما رأى منهم هرقل -وهو الملك وليس نائباً في برلمان!- هذا الرفض لم يجد له حلاً إلا أن يدَّعي أنَّ ذلك كان اختباراً لولائهم!.
فأنَّى إذن لنائب إسلامي يدعو برلمانين على اختلاف أديانهم وطوائفهم وأحزابهم إلى ما فيه رشدهم وفلاحهم وينتظر منهم  أن يستجيبوا لكلمته؟!!
ولهذا جاء في فتوى الشيخ الألباني رحمه الله تعالى لأهل الجزائر:
((السؤال الثاني: ما الحكم الشرعي في النصرة والتأييد المتعلقين بالمسألة المشار إليها سابقاً [الانتخابات التشريعية]؟
الجواب: في الوقت الذي لا ننصح أحداً من إخواننا المسلمين أن يرشِّح نفسه ليكون نائباً في برلمان لا يحكم بما أنزل الله؛ وإنْ كان قد نصَّ في دستوره "دين الدولة: الإسلام"!!؛ فإنَّ هذا النص قد ثبت عملياً أنه وضع لتخدير أعضاء النواب الطيبي القلوب!!، ذلك لأنه لا يستطيع أن يغيِّر شيئاً من مواد الدستور المخالفة للإسلام؛ كما ثبت عملياً في بعض البلاد التي في دستورها النص المذكور.
هذا إنْ لم يتورط مع الزمن أن يُقر بعض الأحكام المخالفة للإسلام بدعوى أنَّ الوقت لم يحن بعدُ لتغييرها كما رأينا في بعض البلاد!؛ يُغَيرِّ النائب زيّه الإسلامي، ويتزيّا بالزي الغربي مسايرة منه لسائر النواب!، فدخل البرلمان ليُصلِح غيره فأفسد نفسه!، وأوَّل الغيث قطرٌ ثم ينهمر!!، لذلك فنحن لا ننصح أحداً أن يرشح نفسه))
وفصَّل رحمه الله تعالى ذلك أكثر فقال كما في سلسلة الهدى والنور شريط رقم (660): ((كل من الانتخابات يدور حول قاعدة غير إسلامية، بل هي قاعدة يهودية صهيونية: ا لغاية تبرر الوسيلة؛ أنا أفصِّل بين أن يرشِّح المسلم نفسه في مجلس من مجالس البلديات, وبين أن يختار هو من يُظَن أنَّ شره في ذلك المجلس أقل من غيره، يجب التفريق حتى في الانتخابات الكبرى. وأنا كتبتُ في هذا إلى جماعة الإنقاذ في الجزائر فقد أرسلوا إلي سؤالاً عن الانتخابات؟، فبينت لهم بشيء من التفصيل ما ذكرتُ آنفاً من أنّ هذه الانتخابات والبرلمانات ليست إسلامية، وأنني لا أنصح مسلماً أن يرشِّح نفسه ليكون نائباً في هذا البرلمان لأنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً أبداً للإسلام، بل سيجرفه التيار كما يقع في كل الحكومات القائمة اليوم في البلاد العربية؛ ولكن مع ذلك قلتُ: إذا كان هناك مسلمون - وهذا موجود مع الأسف في كل بلاد الإسلام - يرشحون أنفسهم ليدخلوا البرلمان بزعم تقليل الشر!؛ فنحن لا نستطيع أن نصدهم عن ترشيح أنفسهم صداً؛ لأننا لا نملك إلا النصح والبيان والبلاغ، فإذا كان هو واقعياً سيرشح نفسه للانتخابات الكبرى أو الصغرى -على حد تعبيرك-؛ فيرشح مسلم نفسه ويرشح نصراني أو شيوعي أو نحو ذلك؛  فإذا ما أمكننا أن نصد المسلم من أن يرشح نفسه سواء للانتخاب الصغير أو الكبير فنحن نختاره, لماذا؟ لأنّ هناك قاعدة إسلامية على أساسها نحن نقول ما قلنا: إذا وقع المسلم بين شرّين، اختار أقلهما شرّاً، لا شك أنَّ وجود رئيس بلدية مسلم هو بلا شك أقل شراً -ولا أقول خير!- من وجود رئيس بلدية كافر أو ملحد، لكن هذا الرئيس يحرق نفسه وهو لا يدري؛ لأنه لما يرشح نفسه بدعوى أنه يريد أن يقلل الشر -وقد يفعل- ولكنه لا يدري بأنه يحترق من ناحية أخرى؛ فيكون مثله كمثل العالم الذي لا يعمل بعلمه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "مثل العالم الذي لا يعمل بعلمه كمثل المصباح يحرق نفسه ويضيء غيره". لهذا نحن نفرق بين أن نَنتخِب وبين أن نُنتخَب؛ لا نرشح أنفسنا لنُنتخَب لأننا سنحترق, أما مَنْ أبى إلا أن يحرق نفسه قليلاً أو كثيراً ويرشح نفسه في هذه الانتخابات أو تلك، فنحن من باب دفع الشر الأكبر بالشر الأصغر نختار هذا المسلم على ذاك الكافر أو على ذاك الملحد)).
وهذا كله على فرض نزاهة الانتخابات وتحقق الهدف المنشود منها؛ فكيف وهي مزيفة تباع فيها الذمم وتشترى؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في الشرح الممتع وهو يتكلم عن عدم إمكانية تحقق الإمامة العامة على جميع دول المسلمين: ((وهذا هو الواقع الآن، فالبلاد التي في ناحية واحدة تجدهم يجعلون انتخابات!، ويحصل صراع على السلطة ورشاوى وبيع للذمم إلى غير ذلك!، فإذا كان أهل البلد الواحد لا يستطيعون أن يولوا عليهم واحداً إلا بمثل هذه الانتخابات المزيفة فكيف بالمسلمين عموماً؟!! هذا لا يمكن)).
السابعة: أنَّ المسائل قد تكون اجتهادية في مبدئها ثم يتخذها البعض شعاراً لأمر لا يسوغ؛ فحينها يجب الإنكار.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [منهاج السنة 1/ 44]: ((المسألة اجتهادية فلا تنكر إلا إذا صارت شعاراً لأمر لا يسوغ فتكون دليلاً على ما يجب إنكاره، وإنْ كانت نفسها يسوغ فيها الاجتهاد)).
وهذا ما يحصل لمن لم يقف عند حد الضرورة وصار ممن يقوم بالدعايات الانتخابية التي هي من شعار السياسين الحزبيين، وصار يجالس المخالفين لمنهج السلف، ويجادل في الدفاع عن كبرائهم!، بل ويثني عليهم.
والبعض اتخذ ذلك مفتاحاً للقول بمشروعية التحزب والدخول في العملية السياسية بتكتل حزبي منظَّم؛ ولا شك أنَّ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى لا يقر ذلك بالمرة.
فقد سُئل رحمه الله: هل هناك نصوصٌ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيهما إباحة تعدد الجماعات أو الإخوان؟
فكان جوابه: ((أقول: ليس في الكتاب ولا في السنة ما يبيح تعدد الأحزاب والجماعات!!، بل إن في الكتاب والسنة ما يذم ذلك، قال الله تعالى (إنَّ الذينَ فَرَّقُوا دينهم وَكانُوا شِيَعَاً لستَ مِنْهُم في شَئ إنَما أمْرُهُم إلى الله ثُمَّ ينبئهم بِمَا كانوا يَفعَلُون) وقال تعالى: (كلُ حِزبٍ بمَا لَدَيْهم فَرِحُون) ولا شك أن هذه الأحزاب تتنافى ما أمر الله به بل ما حث الله عليه  في قوله (وأنَّ هَذه أمَّتُكم أمَّةً وَاحدَة وَأنا رَبُكم فَاتَّقون).
وقول بعضهم: إنه لا يمكن للدعوة أن تقوى إلا إذا كانت تحت حزب؟!
نقول: هذا ليس بصحيح، بل إن الدعوة  تقوى كل ما كان الإنسان منطوياً تحت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم متبعاً لآثار النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين)) [من شريط مجموع كلام العلماء في عبدالرحمن عبد الخالق/  الوجه الثاني].
قلتُ:
فإذا لم يبح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إنشاء الأحزاب وتعددها؛ فكيف سيدخل الإسلاميون في الانتخابات ويصلون إلى قبة البرلمان ويكون لهم تأثير في القرار؟!
لا يمكن لمستقل أن يصل إلى البرلمان ويكون له صوت مؤثر فيه، وهذا ما لا يخفى على أحد.
فعجباً لمن يأخذ بفتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الترشح للانتخابات والدخول في البرلمان، وفي الوقت نفسه يعرض عن فتواه في تحريم التحزب!!.
وأختم هذا التعليق بما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [الفتاوى الكبرى 6/ 92]: ((فإذا كنا قد حُذِّرنا من "زلة العالم"!، وقيل لنا: أنها أخوف ما يخاف علينا، وأمرنا مع ذلك أنْ لا يرجع عنه!، فالواجب على مَنْ شرح الله صدره للإسلام إذا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلَّد بها، بل يسكت عن ذكرها إلى أن يتيقن صحتها، وإلا توقَّف في قبولها!، فما أكثر ما يحكى عن الأئمة ما لا حقيقة له، وكثير من المسائل يخرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعة؛ مع أنَّ ذلك الإمام لو رأى أنها تفضي إلى ذلك لما التزمها!!، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب!، ومَنْ علم فقه الأئمة وورعهم علم أنهم لو رأوا هذه الحيل وما أفضت إليه من التلاعب بالدين لقطعوا بتحريم ما لم يقطعوا به أولاً)).
والله الموفق.

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.