-->

الأربعاء، 13 فبراير 2013

إنكار سكوت العلماء عند وقوع الأزمات من طريقة أهل الأهواء (وقفة مع علي الحلبي)


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
قرأتُ مقالاً بعنوان [كلمة حول أحداث مصـــــر]، وهو عبارة عن كلمة مفرغة لعلي الحلبي بتاريخ 23 – صفر – 1432ﻫ في مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فاستوقفني فيها قوله:
((فلننظر إلى ما يجري في مصر كما نظرنا إلى ما جرى قريباً في تونس، ولنتأمل ما يجري هذه الساعةَ في لبنان، بل ما وقع اليوم في عمَّان، وما جرى ليس بعيداً عن صنعاء، في أمور مستجدة تكاد أمتنا لم تمر بها ولم تعرفها!، ولكن لا نزال إلى هذه الساعة نفتقد الصوت الشرعي الحر الذي يحكم على الأمور بدلائلها لا بقائلها، بحجتها لا بنسبتها، ليكون الحكم الناتج عن هذا وذاك حكماً شرعياً أدنى إلى الصواب، وأقرب إلى الحق بغير ارتياب)).
قلتُ في نفسي: ماذا يريد الحلبي بقوله: ((لا نزال إلى هذه الساعة نفتقد الصوت الشرعي الحر الذي يحكم على الأمور))؟!
الصوت الشرعي: هو صوت العلماء الراسخين؛ والعلماء الراسخون قد قالوا كلمتهم في حكم المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات والخروج في مسيرات على الحكام؛ مراراً وتكراراً، في أحوال عدة، وظروف متنوعة.
حتى قال الحلبي في كلمته هذه:
((أقول: لا أعرف عالماً من أهل السنة وأصحاب العقيدة الصحيحة في هذا الزمان إلا على الإنكار والتشديد الشديد على هذه المظاهرات والإعتصامات والإضرابات؛ لما عرفوا من كونها أولاً أصلاً غير شرعي، وثانياً لما يترتب عليها من فساد للبلاد والعباد)).
قلتُ:
وإذا كان الأمر كذلك؛ فماذا يريد الحلبي في كلامه السابق؟!
ثم ماذا يقصد بقوله: ((في أمور مستجدة تكاد أمتنا لم تمر بها ولم تعرفها))؟!
أليست المظاهرات هي المظاهرات؛ سواء كانت في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل؟!

ألا يعلم الحلبي أنَّ مثل هذا الاستغراب والاستنكار من سكوت العلماء قد يكون سبباً في تهييج العوام ضدهم والانتقاص منهم؟!

ألا يعلم الحلبي أنَّ مثل هذا التعريض بسكوت العلماء في وقت الأزمات قد سلكه أهل الأهواء ممَنْ كان يستنكر فعالهم؛ أمثال سفر الحوالي وسلمان العودة؟!
قال سفر الحوالي في كتابه وعد كيسنجر [الوعد الحق والوعد المفترى ص130] في أزمة الخليج وغزو الكويت: ((كل الأطراف تتكلم عن الأزمة حتى الفنانين والفنانات!!!، والساكتون أو المُسَكَّتون هم: أهل العلم والدعوة!!، إلا مَنْ أيد الواقع كما هو دون الإشارة إلى أخطاء الماضي وواجبات المستقبل)).
وقال في شريط بعنوان [ففروا إلى الله]: ((لماذا نضع اللوم دائماً على جهة معينة؟ وخاصة الذي يعيش في معترك معين, وظروف معينة، تحتم عليه المجاملات وأوضاع صعبة!!. نحن الذين في بحبوحة أن نقول الحق في بيوتنا في مساجدنا.
علماؤنا يا إخوان كفاهم، كفاهم، لا نبرر لهم كل شيء!!، لا نقول: إنهم معصومون.
نحن نقول: نعم عندهم تقصير في معرفة الواقع!!، عندهم أشياء نحن نستكملهم  فيها ليس من فضلنا عليهم، لكن نحن عشنا أحداث هم ما عاشوها بحكم الزمن الذي عاشوا أو بحكم أوضاع أخرى!!.
ومع ذلك أقول المسؤولية الأساس علينا نحن طلبة العلم بالدرجة الأولى!!، وبعض هؤلاء العلماء قد بدأ يسلم الأمر لأنه انتهوا في السن!!)).
وقال سلمان العودة في تحليله للأحداث في أزمة الخليج الأولى [المجلة الإماراتية، العدد(223)، الصفحة(11)]: ((الأحداث التي حدثت في الخليج لم تزد على أنها: كشفت النقاب عن علل وأدواء خفية كان المسلمون يعانون منها، وأكدت على أنهم ليسوا على مستوى مواجهة مثل هذه الأحداث الكبيرة، وكشفت كذلك عن عدم وجود مرجعية علمية صحيحة وموثوقة للمسلمين؛ بحيث أنها تحصر نطاق الخلاف وتستطيع أن تقدم لها حلاً جاهزاً وتحليلاً ناضجاً)).

ألا يعلم الحلبي أنَّ كلام العلماء عند وقوع الفتن قد يستغله دعاة التهييج والغوغاء - إذا وقع على خلاف ما يشتهون – فيحرضون عوام الناس للخروج على العلماء والأمراء؟!
 قال سفر الحوالي في [وعد كسينجر ص113] وهو يُخاطب هيئة كبار العلماء في بلاد الحرمين: ((ونتيجة لهذا الغليان الذي لم يهدأ!؛ احتاجت الحكومة لصوت إسلامي مضاد!، فكان إعلان التأييد في مجلس القضاء الأعلى!، ثم في هيئتكم الموقرة!، وتم طلب ذلك من المحاكم الشرعية!!)).

ألم يكن الحلبي يردد كثيراً ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [منهاج السنة النبوية 4/187]: ((والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء!، فصار الأكابر رضي الله عنهم عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها؛ وهذا شأن الفتن كما قال تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة". وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا مَنْ عصمه الله))؟!.
فهل غفل عن هذا؟
أم ماذا؟!

ألا يعلم الحلبي أنَّ سكوت العلماء قد يكون هو المشروع في أحوال معينة؟!
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [المجموع 20/57-59]: ((وهذا باب التعارض باب واسع جداً؛ لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإنَّ هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة. فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم؛ فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات؛ لكون الأهواء قارنت الآراء، ولهذا جاء في الحديث: "إنَّ الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات".
فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل، وقد يكون الواجب في بعضها كما بينته فيما تقدم العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء لا التحليل والإسقاط. مثل: أن يكون في أمره بطاعة فعلاً لمعصية أكبر منها فيترك الأمر بها دفعاً لوقوع تلك المعصية، مثل: أن ترفع مذنباً إلى ذي سلطان ظالم فيعتدى عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضرراً من ذنبه، ومثل: أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركاً لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات؛ فيسكت عن النهي خوفاً أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر.
فالعالم تارة يأمر، وتارة ينهي، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الاباحة؛ كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح كما تقدم بحسب الإمكان.
فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن إما لجهله وإما لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه، فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه؛ كما قيل: إنَّ من المسائل مسائل جوابها السكوت، كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر.
 فالعالم في البيان والبلاغ كذلك، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن؛ كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله، تسليماً إلى بيانها)).
هل غفل الحلبي عن هذا أيضاً؟
أم لا يعلم مثل هذا النص من هذا الإمام؟!

أقول: كيف لا يعلم الحلبي ذلك؟
وقد كتب فتحي بن محمد سلطان الموصلي مقالاً في مجلتهم الأصالة ذكر فيه أسباب سكوت العلماء، ونقل فيه ما تقدَّم من كلام شيخ الإسلام؛ حتى قال في آخر المقال:
((فإنَّ سكوت العالم – أحياناً - يكون مناسباً عندما تتسيّس الآراء والمواقف!، وتتحزّب الرجال على غير هدى من الله!، وعندما ينطق الرويبضة!، وعندما يحرص أهل الضلالة على تحجير دور العلماء!، وعندما يكون مدار المنازعات على حظوظ دنيويّة وأغراض نفسيّة!، فآنذاك يُعلم الفرق بين سكوت بعض العلماء وثرثرة كثيرٍ مِن الجهال!!.
وإذا تقرر أنَّ السكوت – أحياناً - يكون جواباً؛ ففرق بين السكوت الراجح، والتعطيل للعلم والدعوة والعزلة المذمومة التي تفوِّت على الناس مصالحهم ودينهم وعقيدتهم.
فالعالم إذا سكت عن مسألة معيّنة لمصلحة راجحة؛ فهو قد اشتغل بغيرها - تعليماً وتصنيفاً -؛ فانتقل من المفضول إلى الفاضل؛ بعد إذ أدرك أن القيام بوظائف العبوديّة - ظاهراً وباطناً -، وإحياء السنن النبويّة، والتطبب بالأدوية القرآنيّة، والتَّفقه على الآثار السلفيّة، فيه الغنية عن الخوض في الأمور المشتبه؛ والتَّعلق بالمصالح المظنونة.
وبهذا يتبين أن السكوت – أحياناً - من صور الجواب الحكيم، فالموفق -في الفتن - يحسن الظن بالعلماء، ويعتبرهم من وسائل حفظ الشريعة، وهو لا يسأل عن مشروعيّة سكوتهم؛ بل يسألُ: لماذا سكتوا؟، ففرق بين السؤال عن مشروعيّة الفعل، وبين السؤال عن حكمة الفعل)).

فماذا يريد الحلبي من العلماء؟!
نحتاج إلى جواب صريح وواضح منه.

ثم أين قول الحلبي المتقدِّم: ((أقول: لا أعرف عالماً من أهل السنة وأصحاب العقيدة الصحيحة في هذا الزمان إلا على الإنكار والتشديد الشديد على هذه المظاهرات))، من موقفه من دعوة محمد حسان للمظاهرات؟!
حيث قال الحلبي في الاعتذار له: ((فما الموقف المنضبط الذي كان (واجباً) اتخاذُه في هكذا واقع عسِر شديد – على الأقل: من الشيخ محمد حسّان، أو مَن هو في موقعه وموقفه- ؟!!. أقول: لا شكّ أنَّ الذي يُراقب غيرُ المعايش!، والذي رِجلاه في النار غيرُ الذي رجلاه في الماء!)).
هل هذا هو الإنكار والتشديد الشديد؟!

وقال الحلبي في الاعتذار لمحمد حسان مرة أخرى:
((فاسأل نفسك أيها الطاعن – ولا أقول: المنتقد!- فالانتقادُ الشريفُ مقبولٌ:
لو كنت في موقع الشيخ محمد حسان..وموقفه ..ماذا تصنع؟!
بل ماذا تستطيع أن تصنع؟!
وأنت حقيقةً وواقعاً -كما يقال - بين فكّيْ كمّاشة؟!
هل تستطيع أن تقول لتلك الجماهير الغاضبة الثائرة المتجمهرة المتجمعة
 بعشرات الألاف:
إنَّ المظاهرات حرام؟!
أو:
إنَّ علماءنا يحرّمون هذه الصنائع الشنائع؟!
أو:
ارجعوا إلى أماكنكم وبيوتكم؟!
أو:
فضّوا جمعكم؟!
لا شك ولا ريب أنَّ هذه (الأوامر) - الموافقة للشريعة وفتاوى أئمة العلم - هي الحق الذي نعتقده في حكم هذه الأعمال ظاهراً وباطناً.
ولكنْ:
هل يستطيع أيُّ أحد، في أيِّ ظرف أن يخاطب كلّ أحد؟!
أم أنَّ لكل هذا ضوابطَه وروابطه؟؟!!
إنَّ العلاج النافع للمريض الواقع يحتاج إلى المحل القابل، فإذا لم يكن المحل قابلاً للعلاج؛ فسيكون به هُلْكُهُ وهلاكُه!!!)).
أقول:
وإذا كان الأمر كما وصفته؛ فلماذا تستفقد صوت العلماء الراسخين؟!
لماذا تطالبهم بالكلام في هذا الأزمة؟!
هل صار هلاك أو سقوط محمد حسان – في نظرك – أخطر وأعظم على الأمة وشبابها من سقوط العلماء الراسخين؟!

وأقول:
يظهر أنَّ الحلبي صار في حاله الجديد لا يفرق بين الإنكار وبين الاعتذار!
أو أنَّ الاعتذار مع شيء من التخطئة وعدم الرضا صار عنده من أبواب الإنكار الشديد!!.

والله؛ لم نجد في مقاله [لا دفاعاً عن الشيخ محمد حسّان ! ولكنْ ؛ إطفاءً للنيران ، وتسكيناً للثوَران] إلا الإنكار على المنتقدين المنكرين لحال محمد حسان وتحريضه على المظاهرات؟
فعلي الحلبي لا يستعمل الإنكار الشديد إلا في وجه السلفيين!!، مع الأسف الشديد.

وقال الحلبي في الاعتذار عن محمد حسان مرة ثالثة:
((لم يخرج الشيخ محمد حسان -وفقنا الله وإياكم وإياه -عن استعمال هذه القواعد وتنزيلها فيما قاله أمسِ؛ بغضّ النظر عن كون اجتهاده –فيه - خطأً أو صواباً-، فلا يخرج طالب العلم عن هذا أو ذاك-؛ فكل بني آدم خطّاء)).
قلتُ: نعم؛ ولكن ((وخير الخطائين التوابون))!، فهل تاب محمد حسان؟
ننتظر من الحلبي أن يتوِّبه؛ كما توَّبه قديماً توبة توافقية سطحية!

ثم قال الحلبي: ((مع التنبّه والتنبيه إلى نقطتين مهمّتين:

الأولى: احتمال اضطراره لبعض ما قال، ووقوع الضرورة عليه في ذلك، والمعافى يحمد الله)).
قلتُ: ما شاء الله؛ دفاع مستميت لا حد له!.
كيف يضطر؛ وهو ينادي بالمظاهرات، ويحرص على لقاء الفضائيات، ويخرج مع أولاده، ويدعو الفضليات (!!) للخروج للتعبير عن رأيهنَّ ومطالبة حقوقهنَّ؟!
نعم؛ المعافى يحمد الله على نعمة السنة والإتباع ومحاربة البدع والمبتدعة.
وقال الحلبي: ((الثانية: أنَّ فحوى كلامه المنتقَد -حتى منّا!- ولكنْ؛ لا نطعن به عليه- موافقٌ لكلام الرئيس مبارك!، ومتّسق مع كلام رئيس مجلس الشعب فتحي سرور -ومَن معهم-!، وذلك بإقرارهم واعترافهم بمطالب الجماهير المتظاهرة)).

عجيب؛ ألا تعلم يا أيها الحلبي أنَّ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ينكر المظاهرات ولا يبيحها حتى لو كانت بإذن ولي الأمر؟!
ولينظر القارئ مقال [فتاوى العلماء في المظاهرات] في سحاب.
فكيف وولي أمرهم والمسؤولون جميعاً يُطالبون الجماهير بعدم الخروج وعدم التجمع ويمنعون التجوال في الشوارع؛ ولكنَّ الجماهير يخالفون أوامرهم؟!!
ثم أين الإقرار بالمطالب الشعبية من قبل الحاكم ومَنْ معه، من حكم المظاهرات التي هي محل الإنكار على محمد حسان؟!
والله المستعان.

أبو معاذ رائد آل طاهر

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.