-->

الأربعاء، 13 فبراير 2013

علي الحلبي وتلمّس المعاذير لأهل الانحراف ( سيد قطب مثالاً!!)



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
لا ريب أنَّ كل سلفي منصف غير متعصب يلاحظ ما عليه الحلبي منذ فترة من الزمان من التماس المعاذير غير الشرعية لأهل الانحراف، وهذا الأمر يستدعي العجب والغرابة من حال هذا الرجل.
لكن لما اطلعتُ على كلام له يعترف فيه أنه كان يتلمَّس المعاذير في القليل والكثير لـ(سيد قطب) رأس أهل الفتن!؛ لكونه متأثراً عاطفياً جداً به وبأسلوبه في الكتابة!، تيقنتُ أنَّ التماس المعاذير الذي يقوم به الحلبي اليوم لأهل الانحراف ممَنْ هم دون سيد قطب حتماً غير مبني على العلم؛ من أدلة وقرائن وشواهد وبينات وبراهين، وإنما مبني على المؤثرات العاطفية!.    
فقد قال الحلبي في كتابه [حق كلمة الإمام الألباني في سيد قطب ص19-26]: ((موقفان واقعيان حدثا لي شخصياً؛ أحدهما قديم جداً، والآخر حديث نسبياً، أما الأول:....، وأما الموقف الثاني: وهو يكاد يكون سراً – أُسطره مكتوباً على الملأ للمرة الأولى في حياتي – وإنْ كنتُ قد ذكرته مشافهة لعدد قليل من الإخوة؛ وهو أنني إلى سنوات قليلة ماضية كنتُ متأثراً عاطفياً جداً بـ(سيد قطب) وأُسلوبه، بل أدلُّ على "ظلاله"، وأُرشد إلى "كلامه"، وأتلمَّس له المعاذير في القليل والكثير!!، إلى أن أوقفني بعض الإخوة الغيورين جزاهم الله خيراً، على كلام سيد قطب في كتابه "كتب وشخصيات ص282" حيث قال: "... وحين يركن معاوية وزميله (عمرو) إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم، لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل؛ فلا عجب أن ينجحا ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح".
فوالله لقد جاءتني غضبة الحقُّ الكُبَّار، وحميةُ النصرة للصحب الأخيار؛ أفاضل الخلق الأبرار.
فعمَّن يتكلَّم هذا؟!
ومَنْ هو ذا حتى يقول مثل هذا الكلام الفجِّ؟!.
أفأُتابعُ هواي، وأغضُّ طرفي، وأنصاع لعاطفتي؟!
أم أن الحق أحقُّ بالإتباع، وأجدر بالاقتناع؟!
هو هذا والله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فكأنها شوكة وانتقشت)).

أقول: لي على هذا الكلام وقفات:
الوقفة الأولى: أنَّ تأليف الحلبي لهذا الكتاب كان في عام 1426ﻫ /2005 كما هو مثبَّت في الكتاب في طبعته الأولى/دار التوحيد والسنة، أي بعد وفاة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بـست سنوات تقريباً.
فإذا كان هذا التأثر بسيد قطب وأسلوبه ودلالة الناس إلى ظلاله وإرشادهم إلى كلامه بعد وفاة الشيخ الألباني؛ فهذه والله طآمة، لأنَّ الشيخ رحمه الله تعالى قال في سيد قطب مقولته المشهورة بخط يده في تقييمه لكتاب ["العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم" ص3 من طبعته الثانية عام 1421هـ] للشيخ ربيع حفظه الله تعالى، حيث قال الشيخ الألباني: ((كل ما رددتَه على سيد قطب حق وصواب، ومنه يتبين لكل قارئ مسلم على شيء من الثقافة الإسلامية: أنَّ سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله وفروعه، فجزاك الله خير الجزاء أيها الأخ الربيع على قيامك بواجب البيان، والكشف عن جهله وانحرافه عن الإسلام)).
والعجيب أنَّ الحلبي نقل كلام الألباني هذا بخط يده في آخر كتابه [حق كلمة الإمام الألباني في سيد قطب ص82]!.
فكيف يلتمس الحلبي المعاذير لسيد قطب بعد هذا البيان الجلي؟!
ومعلوم أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى له عدة مؤلفات في كشف عقائد سيد قطب الباطلة وبيان انحرافاته؛ منها كتاب: [أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره] في عام 1413ﻫ، أي بينه وبين تأليف الحلبي لكتابه آنف الذكر ما يقارب (13) سنة!!.
وهذا يعني أنَّ قول الحلبي: ((وهو أنني إلى سنوات قليلة ماضية كنتُ متأثراً عاطفياً جداً بـ(سيد قطب) وأُسلوبه، بل أدلُّ على "ظلاله"، وأُرشد إلى "كلامه"، وأتلمَّس له المعاذير في القليل والكثير!!)) بعد كتاب [أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره] حتماً؛ وإلا ما كانت سنوات قليلة!!.

ومنها كتاب [مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم] وكانت طبعتُه الثانية (!) في عام 1415ﻫ، أي قبل تأليف الحلبي لكتابه آنف الذكر بـ (11) سنة!!، وهذا يعني أيضاً تأثر الحلبي بسيد قطب والاعتذار له كان بعد كتاب الشيخ ربيع هذا، وإلا ما كانت سنوات قليلة أيضاً!!.
ومنها كتاب [نظرة سيد قطب إلى أصحاب رسول الله] وهو تلخيص لكتاب "العدالة الاجتماعية" لسيد قطب الذي ملأه سيد طعناً في عثمان رضي الله عنه وغيره من الأصحاب.
ومنها كتاب [نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم].
ومنها رسالة [ينبوع الفتن والأحداث الذي ينبغي على الأمة معرفته ثم ردمه].
ومنها ما احتواه كتاب [الحد الفاصل بين الحق والباطل] من كشف لحال سيد قطب، والكتاب في أصله رد على البيان المنسوب لبكر أبو زيد، وما فيه من تعظيم ودفاع عن سيد قطب.

والسؤال الذي يطرح نفسه:
هل اطلع علي الحلبي على هذه الكتب، ثم كان يتلمَّس المعاذير لسيد قطب؟!

أقول:
لا شك أنه كان مطلعاً ولو على بعضها.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فماذا ننتظر من الحلبي اليوم؟!
إذا كانت كل انحرافات سيد قطب وضلالاته في غالب كتبه، وبالأخص تفسيره الظلال، ثم بعد هذا يلتمس الحلبي له الأعذار في القليل والكثير من الانحرافات!، ويرشد الناس إلى تفسيره الظلال!، ويدلهم على كلامه!.
فليس للسلفيين أمل – إلا ما شاء الله - أن يدين الحلبي مَنْ يلتمس لهم المعاذير في هذه الأيام!!، والله المستعان.

الوقفة الثانية: أنَّ الحلبي في منهجه في التماس المعاذير يسير عاطفياً لا علمياً.
فهو يعلم أنَّ الحجج العلمية تدين سيد قطب بالانحراف والجهل والضلال، لكن تأثره العاطفي به هو المانع من قبول تلك الحجج والبراهين!.
ومن هنا نعرف: ما معنى شرط (الإقناع) الذي يريده الحلبي من السلفيين اعتباره في مسألة الإلزام في التبديع هذه الأيام؟!.
ثم لا أدري ما هو الباعث الذي يجعل الحلبي يتعاطف مع سيد قطب؟!
هل حقاً يستحق مثل هذا الضال المضل أن يتعاطف معه السلفيون؟!!
رجل ينتقص من نبي الله موسى عليه السلام ويسخر منه!
وينتقص من عثمان ويطعن به، ويطعن في معظم الصحابة رضي الله عنهم!
ويقول بوحدة الوجود والحلول والجبر!
ويقول بعقيدة المعتزلة في خلق القرآن!
وينتهج منهج تحريف الصفات!
ويدعو إلى وحدة الأديان والإخاء مع الكفار وحرية العبادة!
ويُحرِّف معنى (لا إله إلا الله) ومعنى (الشرك) و (الصراع بين الرسل وأقوامهم) ويحصر ذلك كله في الحاكمية!
ويُكفِّر الحكام والمجتمعات كآفة!
ويُثني على الخوارج الذين خرجوا على حكم الخليفة عثمان رضي الله عنه حتى قتلوه.
ويطعن ويستهزأ بالعلماء على مدى العصور!
ويقر بالاشتراكية والمبادئ الهدَّامة والقوانين الوضعية!
وينكر خبر الآحاد في العقائد!
ويُفسِّر القرآن بهواه وخواطره!
إلى غير ذلك من الضلالات الكبرى.
فهل مثل هذا حقاً يستحق التعاطف؟!
إنْ قال الحلبي: نعم يستحق.
فنقول له: تعاطف مع الخوارج الأوائل إذن!!.

الوقفة الثالثة: قول الحلبي: ((إلى أن أوقفني بعض الإخوة الغيورين جزاهم الله خيراً، على كلام سيد قطب في كتابه "كتب وشخصيات ص282")).
أقول:
وأين الحلبي من كتب الشيخ ربيع حفظه الله تعالى؟!!
هل كان يجهلها؟!
أم كان لا يأبه بها؟!
أم كانت تشتمل على الغلو الذي لا يرتضيه؟!
أم ماذا؟
ثم:
أين الحلبي من موقف الشيخ الألباني رحمه الله تعالى الأخير في سيد قطب؟!
هل كان يوافقه أم يخالفه؟!
ثم:
هل طعن سيد قطب في الصحابيين الجليلين (معاوية) و (عمرو بن العاص) رضي الله عنهما هو السبب الأقوى في نظر الحلبي؟!
طيب:
وطعنه في موسى النبي عليه السلام؟!
وطعنه في عثمان الخليفة الراشد رضي الله عنه؟!
وانحرافاته الكثيرة وضلالاته المتقدِّمة؟!
هل هذه كلها تستحق الاعتذار لسيد قطب!، بينما القشة التي قصمت ظهره – عند الحلبي - هي طعنه في معاوية وعمرو رضي الله عنهما فحسب؟!
الأمر حقاً يستحق العجب!

الوقفة الرابعة: وبعد أن نقل الحلبي كلام سيد قطب وطعنه في معاوية وعمرو رضي الله عنهما، والذي (أقنعه) ولم (يقنعه) ما سواه، قال: ((فوالله لقد جاءتني غضبة الحقُّ الكُبَّار، وحميةُ النصرة للصحب الأخيار؛ أفاضل الخلق الأبرار، فعمَّن يتكلَّم هذا؟! ومَنْ هو ذا حتى يقول مثل هذا الكلام الفجِّ؟!)).
أقول:
الحمد لله ...الحمد لله...الحمد لله!
أخيراً جاءت غضبة الحق وحمية النصرة، الحمد لله رب العالمين!
لكن ألا يراها القارئ المنصف أنها متأخرة جداً!.
ومع هذا:
فالحمد لله أنها جاءت!
لكن متى تأتي هذه الغضبة والحمية في مَنْ وصف بعض الصحابة بـ(الغثاء)؟!
ولماذا كان الحلبي يجادل عنهم؟!
بل وصل الأمر به أن لا يعتبر وصف الأصحاب بالغثاء سباً استدلالاً بحديث ((ولكنكم يومئذ غثاء كغثاء السيل))!!!.
فالسؤال المطروح للحلبي: أليست غثاء من الكلام الفجِّ؟!
فأين غضبة الحق الكبَّار وحمية النصرة للصحب الأخيار؟!
أين هي يا رجل؟
هل ماتت؟!
إنا لله وإنا إليه راجعون!

الوقفة الخامسة: قوله بعد تلك الغضبة والحمية: ((أفأُتابعُ هواي، وأغضُّ طرفي، وأنصاع لعاطفتي؟! أم أن الحق أحقُّ بالإتباع، وأجدر بالاقتناع؟!
هو هذا والله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فكأنها شوكة وانتقشت)).
أقول:
وهذا اعتراف صريح من الحلبي أنه كان يلتمس المعاذير لسيد قطب من باعث الهوى والعاطفة!
فما الفرق بين الأمس واليوم؟!
وبخاصة أنَّ ضلالات القوم الذين يدافع عنهم اليوم فرع من ضلالات ذاك الأصل!.
ثم:
إذا كان انحراف واحد من انحرافات سيد قطب في كلمة صدرت منه أوجب الإتباع و (الإقناع)؛ فما بال الحلبي لم (يقتنع) بما تقدَّم من انحرافات الرجل الكثيرة وضلالاته الجسيمة؟!
ثم أين (الإقناع)؛ وأهل العلم اليوم أوقفوا الحلبي على عدة انحرافات وضلالات – وهو يقر بذلك! – لمن يدافع عنهم ويجادل؟!
هل الشوكة التي أصابك بها هؤلاء أشد من الشوكة التي أصابك بها سيد قطب؟!
لماذا يسر عليك انتقاش شوكة سيد قطب بينما عسر عليه انتقاش شوكة هؤلاء؟!.

الوقفة السادسة: أنَّ كتاب الحلبي [حق كلمة الإمام الألباني في سيد قطب] إنما ردَّ فيه على وائل البتيري في كتابه [كلمة حق للمحدِّث الألباني في الأستاذ سيد قطب] وعلى مقدميه (محمد إبراهيم شقرة) و (صلاح الخالدي)، وردَّ فيه أيضاً على تشغيبات ابن محمد إبراهيم شقرة، وعلى كل مَنْ يُعظِّم سيد قطب ويغلو فيه ويدافع عنه ويبرر له، وبيَّن الحلبي تناقضاتهم ومغالطاتهم الكثيرة.
وذكر الحلبي في ص9-10 من مقدمة الكتاب، وهو يُبين الغاية من كتابته: ((لامتحانهم، وإقامة الحجة عليهم، لعلهم يرجعون إلى الحق كله، لا أن يتراجعوا عنه جله، فلقد موَّه القوم كثيراً كثيراً، وشوَّهوا، وكابروا، واستكبروا، وكأنَّ قراءهم لا عقول لهم)).
ثم بعد المدخل للكتاب، ذكر الموقفين الواقعين له، ومنه: موقفه من التماس المعاذير لسيد قطب، ثم رجوعه عن ذلك؛ بعدما اطلع على طعن سيد قطب في معاوية وعمرو رضي الله عنهما.
وهذا يعني: أنه يدعوهم إلى التراجع ويلزمهم به؛ وإلا فما معنى إقامة الحجة عليهم؟!.
بل علي الحلبي يلزمهم بجرح سيد قطب والتحذير منه بنفس كلام الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في سيد قطب الذي نقلوه هم (المردود عليه) ولم (يقتنعوا) به!، وأخذه من مصادرهم الحلبي وألزمهم به وجعله دليلاً على تناقضاتهم ومغالطاتهم وعنادهم!.
والسؤال المطروح للحلبي الآن:
أين موقفك هذا من تعظيم عدنان عرور والحويني ومحمد حسان وأمثالهم لسيد قطب ودفاعهم عنه وجدالهم للسلفيين فيه؟!
ما الفرق بين (محمد إبراهيم شقرة) وبين (عدنان عرور) مثلاًً؛ وكلاهما معظِّم لسيد قطب وغال فيه؟!
أم أنَّ (علاقة) عدنان عرور معكم، و(عداوة) محمد إبراهيم شقرة لكم؛ هي المقياس؟!
والسؤال الآخر: كيف تلزم القوم بكلام الألباني في سيد قطب وقد نقلوه هم ولم يقتنعوا به؟!
فأين شرط الإقناع في الإلزام الذي تدندن حوله اليوم؟!!
نسأل الله تعالى السلامة من إتباع الهوى.
والله الموفِّق.

أبو معاذ رائد آل طاهر

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.