-->

الأربعاء، 13 فبراير 2013

إنكار سكوت العلماء عند وقوع الأزمات (وقفة مع المأربي)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد كتبتُ مقالاً بعنوان [إنكار سكوت العلماء عند وقوع الأزمات من طريقة أهل الأهواء (وقفة مع علي الحلبي)]، وكان وقفة مع كلمة لعلي الحلبي في هذه الأزمة التي تعصف بالأمة.
حيث قال في مقاله [كلمة حول أحداث مصـــــر]: ((فلننظر إلى ما يجري في مصر كما نظرنا إلى ما جرى قريباً في تونس، ولنتأمل ما يجري هذه الساعةَ في لبنان، بل ما وقع اليوم في عمَّان، وما جرى ليس بعيداً عن صنعاء، في أمور مستجدة تكاد أمتنا لم تمر بها ولم تعرفها!، ولكن لا نزال إلى هذه الساعة نفتقد الصوت الشرعي الحر الذي يحكم على الأمور بدلائلها لا بقائلها، بحجتها لا بنسبتها، ليكون الحكم الناتج عن هذا وذاك حكماً شرعياً أدنى إلى الصواب، وأقرب إلى الحق بغير ارتياب)).
فالحلبي هنا يستنكر سكوت العلماء في أول الأزمة، مع إنَّ فتاوى العلماء مشهورة معروفة في المظاهرات والمسيرات سواء اشتملت على الاعتداء والمنكرات والتشغيب أو كانت مظاهرات سلمية وسواء أذن لها الحاكم أو لم يأذن.
وكأنَّ الحلبي يسأل الآن عن صوت العلماء في المظاهرات التي تؤول إلى سقوط النظام، ولا يريد كلامهم في المظاهرات التي لا ثمرة فيها كما كان في الماضي، وهذا التفاف على فتوى العلماء وتلبيس ومراوغة.
وذكرتُ في المقال الآنف الذكر أنَّ إنكار سكوت العلماء في وقت المحن العظيمة والأزمات الكبيرة ليس من طريقة دعاة المنهج السلفي، بل هي من طريقة أهل الأهواء وبالأخص دعاة فقه الواقع الحركي، وهم دعاة الفتنة والتشعيب.
وضربتُ لذلك أمثلة؛ منها ما قاله القطبي المفتون سفر الحوالي في كتابه وعد كيسنجر [الوعد الحق والوعد المفترى ص130] في أزمة الخليج وغزو الكويت: ((كل الأطراف تتكلَّم عن الأزمة حتى الفنانين والفنانات!!!، والساكتون أو المُسَكَّتون هم: أهل العلم والدعوة!!)).

وفي هذا المقال أنقل للقراء الأكارم كلام أبي الحسن المأربي المفتون ليعرفوا وجه التشابه بين القوم، أو ليعرفوا المسلك الذي سيؤول إليه القوم!.
فقد اطلعتُ على الكلمة المسجَّلة للمأربي بين يدي رئيس اليمن بتاريخ 28/2/2011، وما اشتملت عليه من مخالفات، من أعظمها: إقرار العمل بحكم الديمقراطية في البلاد والسكوت عن بيان مفاسدها وحكم العلماء فيها، ومنها: التأييد لما يُسمى حكومة المعارضة (حكومة الظل!) من تتبع ونقد ومراقبة ومحاسبة للحكومة وبيانها، ومنها: الدعوة إلى تتبع أخطاء الحكومة والإنكار عليها ولو علناً أمام الشعوب، ومن المخالفات أيضاً: الإقرار بمبدأ الموازنة في الكلام والمواقف على الحكام أو على المعارضة، ومنها: تحسين بعض فعال المعارضة والثوار دعاة الفتنة والتشغيب، ومنها: وصف الحاضرين جميعاً بالعلماء والإشادة بهم على ما فيهم من صوفيين قبوريين وشيعة وعلمانيين وإخوان مسلمين.

ومن هذه المخالفات: استنكاره لسكوت العلماء في هذه الأزمة – مع أنهم لم يسكتوا! – على طريقة سفر الحوالي، حيث قال في أول الكلام:
((أيها الأحبة في الله؛ هذه الأزمة التي نعيشها نحن نحتاج أن نبحث ما هو الدواء؟، أما الداء فأشهر من أن يُذكر وأشهر من أن يُوصف، والحمل عليكم معشر العلماء عظيم، وإنْ كنتم قد غُيبتم أو غَيبتم أنفسكم، فإنَّ العلماء عندما لا تكون لهم المبادرة، ويكون الكلام لأصحاب التحليلات السياسية والبرامج الفضائية، والنساء العاريات يتكلَّمن في أمر الأمة، والعلماء قابعون ساكتون؛ فماذا ننتظر؟!)).
أقول:
ما الفرق بين كلام سفر الحوالي قديماً وبين كلام المأربي اليوم؟
ثم:
العلماء بينوا حكم هذه المظاهرات وحذَّروا منها ومن عواقبها وذكروا ارتباطها بجهات معادية للإسلام، أعلنوا هذا الأمر بكل وضوح وشجاعة، فلم يسكتوا ولم يبتغوا مرضات الشعوب.
فماذا يريد الحلبي والمأربي من العلماء بعد هذا؟!!
لكن:
يبقى العجب أنَّ الحلبي يقول: ((أقول: لا أعرف عالماً من أهل السنة وأصحاب العقيدة الصحيحة في هذا الزمان إلا على الإنكار والتشديد الشديد على هذه المظاهرات والإعتصامات والإضرابات؛ لما عرفوا من كونها أولاً أصلاً غير شرعي، وثانياً لما يترتب عليها من فساد للبلاد والعباد)).
بينما المأربي يقول: ((وجوابًا على الشق الثاني من السؤال: فإنَّ المظاهرات والمسيرات السلمية مسألة موضع اجتهاد بين العلماء، فمنهم من يرى منعها مطلقاً، وهم جماعة من أكابر علماء العصر، ومنهم من يجعلها من الجهاد الذي قد يصل إلى درجة الواجبات الكبرى، ومنهم من يُفصِّل. ولي دراسة موسَّعة في ذلك سأوضح فيها لاحقاً رأيي بجلاء، وكل هذا يجعلها من المسائل الاجتهادية التي يُنظر فيها إلى المآل، وتوزن بميزان تزاحم المصالح والمفاسد، وهل روعيت ضوابطها وشروطها أم لا؟.
لكن مع هذا كله!؛ فلا أراها خروجاً إذا روعيت ضوابطها الشرعية المفصَّلة في غير هذا الموضع، لاسيما ووليّ الأمر نفسه يسمح بها حسب الدستور الديمقراطي، الذي رضي به المتظاهِر والمتظاهَر عليه، فهذه شبهة مانعة من الحكم على فاعلها بالخروج على الولاة، فإذا لم تتوافر الضوابط الشرعية فهي مخالفة للشرع لا تجوز)).
أقول:
وبسبب هذا التناقض بين الرجلين في هذه المسألة، تناقض كتَّاب منتديات كل السلفيين تبعاً لهما!!.
أما كون المأربي لا يراها خروجاً؛ فلا عبرة في قوله أمام جزم الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى حينما سُئل: هل يمكن القول بأنَّ المظاهرات والمسيرات تعتبر من الخروج على ولي الأمر؟
فكان جوابه صريحاً جازماً: ((لا شك إنها من وسائل الخروج، بل هي من الخروج لا شك)).
أما كون ولي الأمر يسمح بها؛ فلا عبرة لهذا في الحكم عليها عند العلماء الراسخين، فقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا كان حاكم يحكم بغير ما أنزل الله ثم سمح لبعض الناس أن يعملوا مظاهرة تسمى عصامية؛ مع ضوابط يضعها الحاكم، ويمضي هؤلاء الناس على هذا الفعل، ويقولون نحن ما عارضنا الحاكم، ونعمل هذا بإذن الحاكم، هل يجوز هذا شرعاً مع مخالفة النص؟
فكان جوابه:
((عليهم بإتباع السلف؛ إنْ كان هذا موجداً عند السلف فهو خير، وإنْ لم يكن موجوداً فهو شر.
ولا شك أنَّ المظاهرات شر؛ لأنها تؤدي إلى الفوضة لا من المتظاهرين ولا من الآخرين، وربما يحصل فيها اعتداء، إما على الأعراض أو الأموال وإما على الأبدان، لأنَّ الناس في خضام هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران لا يدري ما يقول ولا ما يفعل، فالمظاهرات كلها شر سواء أذن الحاكم أم لم يأذن)).
والله الموفِّق.

أبو معاذ رائد آل طاهر
ي� u � � P� �لضلالات الكبرى.
فهل مثل هذا حقاً يستحق التعاطف؟!
إنْ قال الحلبي: نعم يستحق.
فنقول له: تعاطف مع الخوارج الأوائل إذن!!.

الوقفة الثالثة: قول الحلبي: ((إلى أن أوقفني بعض الإخوة الغيورين جزاهم الله خيراً، على كلام سيد قطب في كتابه "كتب وشخصيات ص282")).
أقول:
وأين الحلبي من كتب الشيخ ربيع حفظه الله تعالى؟!!
هل كان يجهلها؟!
أم كان لا يأبه بها؟!
أم كانت تشتمل على الغلو الذي لا يرتضيه؟!
أم ماذا؟
ثم:
أين الحلبي من موقف الشيخ الألباني رحمه الله تعالى الأخير في سيد قطب؟!
هل كان يوافقه أم يخالفه؟!
ثم:
هل طعن سيد قطب في الصحابيين الجليلين (معاوية) و (عمرو بن العاص) رضي الله عنهما هو السبب الأقوى في نظر الحلبي؟!
طيب:
وطعنه في موسى النبي عليه السلام؟!
وطعنه في عثمان الخليفة الراشد رضي الله عنه؟!
وانحرافاته الكثيرة وضلالاته المتقدِّمة؟!
هل هذه كلها تستحق الاعتذار لسيد قطب!، بينما القشة التي قصمت ظهره – عند الحلبي - هي طعنه في معاوية وعمرو رضي الله عنهما فحسب؟!
الأمر حقاً يستحق العجب!

الوقفة الرابعة: وبعد أن نقل الحلبي كلام سيد قطب وطعنه في معاوية وعمرو رضي الله عنهما، والذي (أقنعه) ولم (يقنعه) ما سواه، قال: ((فوالله لقد جاءتني غضبة الحقُّ الكُبَّار، وحميةُ النصرة للصحب الأخيار؛ أفاضل الخلق الأبرار، فعمَّن يتكلَّم هذا؟! ومَنْ هو ذا حتى يقول مثل هذا الكلام الفجِّ؟!)).
أقول:
الحمد لله ...الحمد لله...الحمد لله!
أخيراً جاءت غضبة الحق وحمية النصرة، الحمد لله رب العالمين!
لكن ألا يراها القارئ المنصف أنها متأخرة جداً!.
ومع هذا:
فالحمد لله أنها جاءت!
لكن متى تأتي هذه الغضبة والحمية في مَنْ وصف بعض الصحابة بـ(الغثاء)؟!
ولماذا كان الحلبي يجادل عنهم؟!
بل وصل الأمر به أن لا يعتبر وصف الأصحاب بالغثاء سباً استدلالاً بحديث ((ولكنكم يومئذ غثاء كغثاء السيل))!!!.
فالسؤال المطروح للحلبي: أليست غثاء من الكلام الفجِّ؟!
فأين غضبة الحق الكبَّار وحمية النصرة للصحب الأخيار؟!
أين هي يا رجل؟
هل ماتت؟!
إنا لله وإنا إليه راجعون!

الوقفة الخامسة: قوله بعد تلك الغضبة والحمية: ((أفأُتابعُ هواي، وأغضُّ طرفي، وأنصاع لعاطفتي؟! أم أن الحق أحقُّ بالإتباع، وأجدر بالاقتناع؟!
هو هذا والله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فكأنها شوكة وانتقشت)).
أقول:
وهذا اعتراف صريح من الحلبي أنه كان يلتمس المعاذير لسيد قطب من باعث الهوى والعاطفة!
فما الفرق بين الأمس واليوم؟!
وبخاصة أنَّ ضلالات القوم الذين يدافع عنهم اليوم فرع من ضلالات ذاك الأصل!.
ثم:
إذا كان انحراف واحد من انحرافات سيد قطب في كلمة صدرت منه أوجب الإتباع و (الإقناع)؛ فما بال الحلبي لم (يقتنع) بما تقدَّم من انحرافات الرجل الكثيرة وضلالاته الجسيمة؟!
ثم أين (الإقناع)؛ وأهل العلم اليوم أوقفوا الحلبي على عدة انحرافات وضلالات – وهو يقر بذلك! – لمن يدافع عنهم ويجادل؟!
هل الشوكة التي أصابك بها هؤلاء أشد من الشوكة التي أصابك بها سيد قطب؟!
لماذا يسر عليك انتقاش شوكة سيد قطب بينما عسر عليه انتقاش شوكة هؤلاء؟!.

الوقفة السادسة: أنَّ كتاب الحلبي [حق كلمة الإمام الألباني في سيد قطب] إنما ردَّ فيه على وائل البتيري في كتابه [كلمة حق للمحدِّث الألباني في الأستاذ سيد قطب] وعلى مقدميه (محمد إبراهيم شقرة) و (صلاح الخالدي)، وردَّ فيه أيضاً على تشغيبات ابن محمد إبراهيم شقرة، وعلى كل مَنْ يُعظِّم سيد قطب ويغلو فيه ويدافع عنه ويبرر له، وبيَّن الحلبي تناقضاتهم ومغالطاتهم الكثيرة.
وذكر الحلبي في ص9-10 من مقدمة الكتاب، وهو يُبين الغاية من كتابته: ((لامتحانهم، وإقامة الحجة عليهم، لعلهم يرجعون إلى الحق كله، لا أن يتراجعوا عنه جله، فلقد موَّه القوم كثيراً كثيراً، وشوَّهوا، وكابروا، واستكبروا، وكأنَّ قراءهم لا عقول لهم)).
ثم بعد المدخل للكتاب، ذكر الموقفين الواقعين له، ومنه: موقفه من التماس المعاذير لسيد قطب، ثم رجوعه عن ذلك؛ بعدما اطلع على طعن سيد قطب في معاوية وعمرو رضي الله عنهما.
وهذا يعني: أنه يدعوهم إلى التراجع ويلزمهم به؛ وإلا فما معنى إقامة الحجة عليهم؟!.
بل علي الحلبي يلزمهم بجرح سيد قطب والتحذير منه بنفس كلام الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في سيد قطب الذي نقلوه هم (المردود عليه) ولم (يقتنعوا) به!، وأخذه من مصادرهم الحلبي وألزمهم به وجعله دليلاً على تناقضاتهم ومغالطاتهم وعنادهم!.
والسؤال المطروح للحلبي الآن:
أين موقفك هذا من تعظيم عدنان عرور والحويني ومحمد حسان وأمثالهم لسيد قطب ودفاعهم عنه وجدالهم للسلفيين فيه؟!
ما الفرق بين (محمد إبراهيم شقرة) وبين (عدنان عرور) مثلاًً؛ وكلاهما معظِّم لسيد قطب وغال فيه؟!
أم أنَّ (علاقة) عدنان عرور معكم، و(عداوة) محمد إبراهيم شقرة لكم؛ هي المقياس؟!
والسؤال الآخر: كيف تلزم القوم بكلام الألباني في سيد قطب وقد نقلوه هم ولم يقتنعوا به؟!
فأين شرط الإقناع في الإلزام الذي تدندن حوله اليوم؟!!
نسأل الله تعالى السلامة من إتباع الهوى.
والله الموفِّق.

أبو معاذ رائد آل طاهر

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.