الحمد لله والصلاة والسلام
على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد أطلعني أحد المقربين
- مستنكراً مستغرباً في نفس الوقت - على مقال لأحد المجاهيل المتسترين بعنوان [دَليلٌ
قَوليٌ وعَمليٌ !!! مِن كتاب الله، على قاعدة: (لا نجعل خلافنا في غيرنا سبب للاختلاف
فيما بيننا)]، وأرسله لي على رابط، فلما قرأتُ هذا المقال عرفتُ مصداقية هذا الاستغراب،
ومدى الجهل الذي بلغه هذا المجهول المتستر!؛ الذي أضعتُ معه وقتاً في الرد على أباطيله
وتلفيقاته المبنية على الظن وما تهوى الأنفس!.
لكن هذه المرة ترك القيل
والقال وفلان وعلان، وتوجه إلى النقاش في (المسائل العلمية) لا في (الأحوال الشخصية)
كما كان من قبل!، فلنر مستوى هؤلاء العلمي بعد أن عرفنا مستواهم الأخلاقي!!.
فما هو يا ترى الدليل القولي
من القرآن - كما زعم هذا المتستر - والذي يدل على قاعدة شيخه؟!
هو قوله تعالى: ((فَمَا
لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ
أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)).
كيف فهم هذا المجهول دلالة
هذه الآية على تلك القاعدة الباطلة؟!
قال المتستر: ((السؤال:
أليس هذا اختلاف بين الصحابة في المنافقين حتى صاروا فرقتين؟ فرقة تقول: نقتلهم، وفرقة
تقول: لا هم المؤمنون، فاختلافهم في المنافقين في القتل وعدمه؛ لم يجرهم إلى التدابر!!
والتقاطع!! والهجر!! والتبديع!! والتفسيق!! والتضليل!!، وحاشاهم أن يصلوا إلى مثل هذه
الأمور، حاشاهم، بل بقوا إخوة يُحب بعضهم بعضاً، ويترضى بعضهم على بعض، فهذا شاهد قولي؛
من قول الله، وعملي من عمل الصحابة رضي الله عنهم، والآن مَن هو الذي منهجه مُحدث!!!
؟؟؟ الإجابة لإخواننا الغلاة
هداهم الله)).
والجواب على هذه الشبهة
المتهافتة وما استدل به عليها من عدة وجوه:
الأول: أنَّ الله سبحانه
وتعالى وصف الفئة المختلَف فيها بالنفاق، وبيَّن للفئة الثانية التي حكمت بإيمانها
سبب كفرهم، وأنه لا سبيل لكم إلى هدايتهم.
فدلَّ هذا أنَّ الاختلاف
المذموم في الآية إنما هو بسبب الفئة الثانية التي حكمت بإيمان هؤلاء المنافقين، وما
يترتب على ذلك من موالاة وعصمة الدم، وليس الخلاف بسبب الفئة الأولى.
الثاني: يظهر أنَّ هذا المجهول المتستر يجهل الآية
التي جاءت بعدها، والتي تنقض زعمه هذا من غير حاجة إلى مراجعة تفسير الآية وكلام العلماء
فيها!.
قال تعالى بعدها مباشرة:
((وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ
مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ
نَصِيرًا)).
فهذه الآية تدل على تخطئة
الفئة التي وصفت هؤلاء المنافقين بالإيمان وأوجبت موالاتهم وحرمت قتالهم، والله عزَّ
وجلَّ حكم بكفرهم ونفاقهم، وحذَّر من موالاتهم، وأوجب قتالهم.
وانظر أيها المجهول إلى
هذا التوبيخ والتقريع: ((وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء))
لمجرد أنهم حكموا بإيمانهم لشبهة حصلت لهم في نفوسهم، فكيف بما يحصل من أهل التمييع
والترقيع في دفاعهم عن دعاة وحدة الأديان والثناء على رسالتهم والمشاركة في مؤتمراتهم؟!!
ثم قوله تعالى: ((فَلاَ
تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء)) أليس فيه إلزام؟!
فلو اتخذوهم أولياء بعد
هذا البيان والحجة التي أزالت تلك الشبهة في النفوس، فهل تبقى قاعدة شيخكم (لا نجعل
اختلافنا في غيرنا سبباً للاختلاف فيما بيننا) تعمل فيهم؟!!
بمعنى: لا لوم على مَنْ
والاهم، ولا تضليل، ولا تفسيق، ولا هجر ومقاطعة!!!، ويعذر بعضهم بعضاً في هؤلاء!!.
أجيبوا؟!
الثالث: أما استدلاله بكلام
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره لهذه الآية ففيه قصور واضح في النقل!، لأنه لم
ينقل عنه رحمه الله ما يدل على نقض شبهته!!، فقد قال رحمه الله في نفس الموضع: ((فإذا
كان الله أركسهم بما كسبوا، فالصواب مع مَنْ قال: إنهم كافرون مرتدون))، وقال في الفوائد
المستبطة من الآية: ((7- توبيخ أولئك المؤمنين الذين يريدون أن يهدوا مَنْ أضل الله،
لقوله: "أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ"، فإنْ قال قائل:
يشكل على هذا إشكالاً كبيراً؛ الدعوةُ إلى الله عزّ وجل ومحاولة إصلاح الخلق؛ فإنَّ
الداعي يريد أن يهتدي المدعوون؟ فيقال: الجواب عن هذا؛ أنَّ الله أنكر على هؤلاء
الذين يشاهدون أنَّ الله أضل هؤلاء بالنفاق، والعياذ بالله، ويحاولون أن يحكموا بإسلامهم،
ويقولون: إنهم مسلمون، كما هي الفئة الثانية)).
وبهذا نعرف أنَّ الإنكار إنما أُريد به الفئة التي لم تحكم بكفر
هؤلاء المنافقين، وليس الإنكار على الفئتين معاً!.
ومما يزيد هذا الأمر وضوحاً، ما قاله الإمام الطبري رحمه الله
في تفسيره: ((الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ
فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ
أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً" يَعْنِي
جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: "فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ"،
فَمَا شَأْنُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَهْلِ النِّفَاقِ فِرقتيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ،
"وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا" يَعْنِي بِذَلِكَ: وَاللَّهُ رَدَّهُمْ
إِلَى أَحْكَامِ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي إِبَاحَةِ دِمَائِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيهِمْ،
"بِمَا كَسَبُوا" يعني: بماكذبو الله ورسوله وكفرو بعد اسلامهم، وَالإِرْكَاسُ:
الرَّدُّ)).
وقال أيضاً: ((وَإِنَّمَا هَذَا خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
ذِكْرُهُ لِلْفِئَةِ الَّتِي دَافَعَتْ عَنْ هَؤُلاَءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ
اللَّهُ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ، يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَتَبْغُونَ
هِدَايَةَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَضَلَّهُمُ اللَّهُ فَخَذَلَهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِ
الإِسْلامِ بِمُدَافَعَتِكِمْ عَنْ قِتَالِهِمْ مَنْ أَرَادَ قِتَالَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؟!)).
وقال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره: ((المراد بالمنافقين
المذكورين في هذه الآيات: المنافقون المظهرون إسلامهم ولم يهاجروا مع كفرهم، وكان قد
وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه، فبعضهم تحرَّج عن قتالهم وقطعِ موالاتهم
بسبب ما أظهروه من الإيمان، وبعضهم عَلِمَ أحوالهم بقرائن أفعالهم فحكم بكفرهم، فأخبرهم
الله تعالى أنه لا ينبغي لكم أن تشتبهوا فيهم ولا تشكوا، بل أمرهم واضح غير مشكل، إنهم
منافقون قد تكرر كفرهم، وودوا مع ذلك كفركم وأن تكونوا مثلهم، فإذا تحققتم ذلك منهم
"فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ"، وهذا يستلزم عدم محبتهم لأنَّ
الولاية فرع المحبة، ويستلزم أيضاً بغضهم وعداوتهم لأنَّ النهي عن الشيء أمر بضده.
وهذا الأمر موقَّت بهجرتهم، فإذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المسلمين، كما كان النبي
صلى الله عليه وسلم يجري أحكام الإسلام لكل مَنْ كان معه وهاجر إليه، وسواء كان مؤمناً
حقيقة أو ظاهر الإيمان، وأنهم إن لم يهاجروا وتولوا عنها "فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" أي: في أي وقت وأي محل كان)).
فذم الاختلاف الذي حصل بين الصحابة بسبب الحكم على هؤلاء المنافقين
بالكفر أو الإيمان وما يترتب عليه من أحكام، ليس معناه ذم الطائفتين، وأنه لا ينكر
أحدهما على الآخر، وإنما المقصود به ذم الاختلاف - من جهة الفئة الثانية - التي توقفت
في تكفير هؤلاء المنافقين، فحصل بسببهم هذا الاختلاف.
أما قول هذا المجهول المتستر: ((ملاحظة: ذكرت تفسير الآية للفائدة،
وإلا فمنطوق الآية واضح لا يحتاج إلى شرح وتفسير في الدلالة على القاعدة، للإطلاع)).
أي منطوق يا رجل؟!
وأي وضوح؟!
وأي دلالة؟!
فمنطوق الآية: أنَّ الفئة المختلف فيها هم منافقون مرتدون لا
سبيل إلى هدايتهم، فكيف تختلفون أيها المؤمنون في حكمهم؟!
فهذا وجه الإنكار!
فمَنْ المقصود به؟!
الفئة الأولى؟
أم الثانية؟!
أم كلاهما؟!
أجب!.
والوضوح: تدل عليه الآية التي بعدها، والتي حذَّرت من موالاتهم
وأوجبت قتالهم!.
وأما الدلالة: فتدل على أنَّ أمثال هؤلاء المنافقين لا يجوز
التوقف في حكمهم ولا موالاتهم ولا الدفاع عنهم ولا الاعتذار لهم!، لأنَّ هذا ما يريده
هؤلاء، فليحذر أهل الإيمان من مكرهم وخبثهم، ((وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ
فَتَكُونُونَ سَوَاء))!.
فأين هذا من قواعد مميعة العصر؟!
ما معنى قاعدة الحلبي: ((لا نجعل خلافنا في غيرنا سبباً للخلاف
بيننا))؟
أطلق الحلبي هذه القاعدة بهذه الصورة في أول الأمر، فلما ردَّ
عليه بعض أهل السنة بأنَّ هذه القاعدة يدخل فيها الاختلاف في الأصول والكليات والعقائد
والمنهج واختلاف التضاد!!، حاول تقييد هذه القاعدة بما يزيدها بعداً عن الحق والهدى
فقال: ((وهذا نفسه معنى ما أكرره دائماً من قولي: "لا يجوز أن نجعل خلافنا - الاجتهادي
المعتبر - نحن أهل السنة - في غيرنا - ممن خالف السنة: من مبتدعٍ، أو سننيٍّ وقع في
بدعة - سبباً في الخلاف بيننا - نحن أهل السنة -، بل نتناصح بالعلم والحق، ونتواصى
بالصبر والمرحمة)).
أي لو ثبت أنَّ فلاناً مبتدعٌ - فضلاً عن سني وقع في بدعة!
- فلا يجوز أن نختلف بسببه من جهة الحكم عليه والتعامل معه.
أي:
مَنْ لا يبدِّعه فلا نختلف معه!
ومَنْ جالسه وصاحبه ولم يهجره فلا نختلف معه!
ومَنْ أثنى عليه ودافع عنه واعتذر له فلا نختلف معه!
فالحلبي لا يجيز الاختلاف مطلقاً في هذه المسألة!، وهذا التأصيل
أشد من قاعدة: ((ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه))، التي تجيز الاختلاف لكن مع
الاعتذار والتسامح، وأما الحلبي فلا يقبل الاختلاف أصلاً!.
ثم أراد الحلبي أن يجيز الاختلاف في هذا المبتدع من باب الرد
والنقد والبيان والنصيحة فيما بين المختلفين من أهل السنة، لكن من غير إلزام ولا إنكار
ولا تشنيع ولا هجر ولا تبديع، بدعوى أنَّ هذا الاختلاف هو في التطبيق لا في التنزيل!،
وفي وجهات النظر لا في أصول المنهج!، فقال في محاضرة بعنوان [الجرح والتعديل أصول وضوابط]:
((ونقطة متعلِّقة بهذا الأمر أيها الإخوة في الله أيضاً وهي: إنَّ اختلافنا في غيرنا
من: مبتدع!، من حزبي!، من حركي!، من تكفيري!، من صوفي!، من غير ذلك!!، ممن ليس بنقي،
لا يجوز أن يكون سبباً نختلف فيه فيما بيننا.
فإنْ اختلفنا: فليكن الاختلاف موصولاً بوجهات النظر؛ حتى ينصح
بعضُناً بعضاً، ويوصل بعضنا حقه لأخيه، أما أن نختلف فيما بيننا لأننا اختلفنا في هذا
المبتدع أو في ذاك، فنتدابر، ونتقاطع، ونتهاجر، ونتصارم؛ فإننا سنفتت بعضنا بعضاً ولو
بعد حين!، ومن سيكون الفرح؟ ومن سيكون المسرور؟ ومن سيكون ذا الحبور؟ إلا هذا المبتدع
الهالك المغرور!، لماذا؟ لأنه أصبح ينظر وينتظر، ينظر إلى الخصام، وينتظر النتيجة؛
ليكون واحداً من هؤلاء المختلفين ساقطاً، فيرتاح منه وينأى بنفسه عنه.
فهذا الاختلاف الذي قد ينشأ بين أهل السنة لأنهم اختلفوا في
غيرهم؛ لم يختلفوا في غيرهم بسبب اختلافهم في الأصول أو في القواعد أو في التأصيل المنهجي،
وإنما اختلفوا في تطبيق هذه القواعد والأصول.
عليه فما عرفتُه قد لا تعرفه، وما وقفتَ عليه قد يكون غائباً
عني، ويكون حكمي بقدر علمي، ويكون حكمك مبنياً على معرفتك؛ فتكون النتيجة منك بحسب
علمك، ومني بحسب جهلي.
نعم، هنالك خطأ، لا يمكن أن يكون زيد أو عمرو سنياً ومبتدعاً
في آن!، لا بد أن يكون إما سنياً وإما مبتدعاً، ولكن قد تختلف الأنظار كما اختلفت من
قبلُ الأقوال، لا يمكن أن يكون ثقة ومتروكاً في آنٍ!، وإنما هذا يكون باختلاف الأنظار
في الحكم على هذه الأفكار.
وكذلك أيها الإخوة لا
يلزم من هذا الأمر الذي أسلفته وذكرته من إنْ اختلفنا في غيرنا لا يجوز أن يكون اختلافاً
بيننا، أقول: لا يلزم من هذا أن نسكت عن الحق، أو أن نغمض عيوننا عن الحق، أو نغلق
باب التواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
باب البيان، باب النقد، باب الرد، فهذه أبواب مشْرَعة، ولكن
لمن هو أهل لها، وبقواعدها المنضبطة، وأصولها الأمنية)).
قلتُ:
فالحلبي يصرِّح بأنه لا إلزام ولا خصام ولا إنكار ولا تشنيع
- فضلاً عن التحذير والهجر والتبديع - إذا اختلف أهل السنة في مبتدع ولو كان صوفياً
فما فوق!!!، أو وما تحت!.
فقاعدته هي:
غلق باب الإلزام في التبديع مطلقاً!
لأنَّ الحلبي لم يذكر أنَّ الأدلة الواضحة والبراهين القاطعة
في تبديع فلان من الناس تكون ملزمة للآخرين في تبديعه، وإنما ترك الباب مفتوحاً أمام
النقد والرد والبيان دون إلزام ولا إنكار ولا خصام!. فلو ظهرت انحرافات هذا المبتدع
بالأدلة والبراهين فليست ملزمة للآخرين!.
وتارة يشترط الحلبي الإجماع لصحة هذا الإلزام!، أي إجماع العلماء
على تبديع هذا الرجل فيكون تبديعه ملزماً، وتارة يشترط حصول الاقتناع في نفس المخالف
في تبديعه!، أي إذا اقتنع المخالف - في تبديعه أولاً - أنَّ هذا الرجل مبتدع فيلزمه
التبديع حينئذ، ولا يلزم غيره ممن لم يقتنع!.
وبهذا لا يرى الحلبي أنَّ الأدلة والبراهين (الجرح المفسَّر)
على تبديع فلان من الناس ملزمة للآخرين إلا إذا أجمع كل العلماء على ذلك التبديع، أو
اقتنع المخالف به!، وفي هذا رد لقاعدة (وجوب تقديم الجرح المفسَّر على التعديل المجمل)،
ثم يزعم أنَّ الخلاف معه في التطبيق والتنزيل لا في المنهج والتأصيل!.
مثال عملي:
(سيد قطب) خالف في تبديعه ابن جبرين وبكر أبو زيد مع ظهور ضلالاته
وانحرافاته الكبيرة، ودافعا عنه وجادلا بالباطل، وطعنا بشدة فيمن يتكلَّم فيه ويحذِّر
منه.
فهل يلزم الحلبي غيره بتبديع سيد قطب أم لا؟!
بل هل يلزم غيره بتبديع ابن عربي الصوفي أم لا؟!
وهل يلزم غيره بتبديع الجهم بن صفوان أم لا؟!
.
.
.
.
فإنْ ألزم بذلك؛ فقد خالف قاعدته ونقض أصله!.
وإنْ لم يلزم به، فما معنى (التمييع) إلا هذا؟!
وأين كلام الأئمة في إلحاق الرجل الذي يجالس أهل البدع ويماشيهم
أو يعتذر لهم ويدافع عنهم بالمبتدعة بعد التعريف بهم وبيان حالهم له [انظر مقال بعنوان
"تحذير الخلق من المذبذب بين أهل الباطل وأهل الحق"]؟!
أليس هذا من قبيل الإلزام أم ماذا؟!
والغريب أني لم أطلع على إلزام من قبل الحلبي لغيره إلا في ثلاثة
مواضع، والأغرب من ذلك: أنه لم يف بهذا الإلزام حتى في هذا المواضع!، مما يدلُّ على
أنه يغلق باب إلزام الغير بالتبديع مطلقاً ولو ظهر له عناده وإصراره وعدم استجابته
للنصائح والبيان المتكرر:
وإليكم إلزامات الحلبي لغيره وموقفه منها بعد:
الإلزام الأول:
قوله في بيان لجمعية إحياء التراث: ((وإِنِّي لأَذْكُرُ تَمامًا
أَنِّي انْتَقَدْتُ هَذِهِ الجَمْعِيَّة عِنْدَ بَعْضِ رُؤُوسِها وَكِبَارِ أَفْرَادِهَا
مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً ثَلاَثَةَ انْتِقَادَاتٍ كُبْرَى:
أَوَّلها: انْشِغَالُهُم الكَبِير بِالعَمَلِ السِّيَاسِي، واستغراقهم
فيه.
وَثَانِيهَا: بعض المَسَالِكُ الحِزْبِيَّةُ فِيهِم؛ وَقَد اعْتَرَفَ
بِهَا كَبِيرٌ مِنْ كُبَرَائِهِم أَمَامِي.
وَثَالِثُها: عَدَمُ تَبَرُّئِهِم مِنْ رَأْسٍ مِنْ رُؤُوسِهِم
السَّابِقِين وَهُوَ "عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَبْد الخَالِق"، وَقَد انْحَرَفَ
مَنْهَجُهُ!، نازعًا مَنْزِعَ التكفيرِ؛ وَهُمْ يَعْرِفُون!!،
وَهَذِهِ فُرْصَةٌ أُكَرِّرُ فِيهَا نُصْحِي لِهَؤُلاءِ الإِخْوَةِ - رُغْمَ مُخَالَفَتِي
لَهُم في أشياء - بِلُزُومِ التَّبَرُّؤِ مِنْ هَذا الرَّأْس؛ لِمَا يَنْتُجُ مِنْ
عَدَمِ التَّبَرُّؤِ مِنْهُ مِنْ شَدِيدِ البلاء والبَأْس!!، فضلاً عن المُلاحظات
الأخرى التي فَتَحَتْ عليهم أبوابَ شرٍّ كثيرة)).
قلتُ:
أليس هذا إلزاماً منه لغيره بالبراءة من شخص ظهر انحرافه؟!
الجواب نعم بلا أدنى ريب!
فلماذا إذن يعيب الحلبي على السلفيين مثل هذا الإلزام؟!!
وأين تطبيقه العملي وموقفه من عدم استجابة جمعية إحياء التراث
لهذا الإلزام؟!
أم هو مجرد حبر على ورق!!
الإلزام الثاني:
قال الحلبي في أحد مجالسه المسجَّلة المشهورة: ((فإذا قال أبو
إسحاق الحويني في محمد عبد المقصود وفوزي السعيد وربعهم من التكفيريين الجهلة الذين
يطعنون بنا وبمشايخنا ويتهموننا بالإرجاء؛ قال: بأنهم علماء!، فهذا يدل على جهله، ويدل
على ابتداعه، ويدل على أنه على وشك الخروج من السلفية؛ التي لم يعرف إلا بها، والتي
لم ندعو له وننتصر له إلا بسببها، فإذا خرج منها وناوئ أشياخها وأهلها وأبناها، فالحق
والله أغلى منه، وأغلى من ألف مثله، والله ناصر دينه)).
قلتُ:
أليس هذا إلزاماً منه لغيره ممن يثني على أشخاص معينين عرفوا
بالانحراف؟!
أليس مفاد كلامه تبديع مَنْ أثنى على المنحرفين؟!
فلماذا يعيب هو على السلفيين مثل هذا اليوم؟!
والأغرب من ذلك أنَّ الحويني أثنى في جلسة مسجَّلة بمناسبة عقيقة
ابنته على أولئك فقال: ((الذين شرَّفونا في هذا الحفل المبارك - ونسأل الله تبارك وتعالى
أن ينفعكم بهم - تفضل يا شيخ محمد عبدالمقصود، الشيخ محمد عبدالمقصود، والشيخ فوزي
السعيد، والشيخ سيد العربي: هؤلاء نجوم!!، هم نجوم لا يحتاجون إلى تذكير منا!!)).
فأين تطبيق هذا الإلزام على أرض الواقع؟!
أم هو حبر على ورق كذلك؟!
الإلزام الثالث:
قال الحلبي في كتابه [منهج السلف الصالح] مشيراً إلى موقف الشيخ
ربيع حفظه الله من سلمان وسفر: ((وَالعَجَبُ الَّذِي لاَ يَكَادُ يَنْقَضِي مِمَّا
سَمِعْتُهُ شَخْصِيًّا قريباً مِنْ بَعْضِ فُضَلاءِ المَشَايِخِ مِنْ حَمَلَةِ أَلْوِيَةِ
التَّبْدِيع عِنْدَ إِنْكَارِهِ عَلَيَّ عَدَمَ مُوافَقَتِهِ عَلَى تَبْدِيعِهِ بَعْضَهُم:
أَنَّهُ لاَ يُبَدِّعُ هَذِين!، مَعَ أَنَّهُما بِدُونِ مَثْنَوِيَّةٍ مُشْعِلا أَوَّلِ
شَرَارَةٍ مِنْ نَارِ الفُرْقَةِ والاِخْتِلاف، وَالتَّكْفِير، وَفِتْنَةِ الخُرُوجِ
وَالإِرْجَاء، وَ.. وَ.. وَهُوَ مُقِرٌّ لِهَذا كُلِّه أنَّهُ مِن باطلِ هؤلاءِ!!،
فَمَا ضَوَابِطُ التَّبْدِيعِ إِذَن؟! وَهَلاَّ أَنْكَرْنَا عَلَيْهِ مَا أَنْكَرَهُ عَلَيْنا؟!
أمْ أنَّ (الخُروج)، و(التكفير) لَيْسَا مِن البِدَع؟! لا أظُنُّ ذلك كذلك!، مَعَ أَنَّ كَثِيراً! مِمَّن
يُبَدِّعُهُم لَيْسُوا أَكْثَرَ شَرًّا مِنْ هَذَيْن!!، فَأَيْشٍ إذَنْ؟!!)).
قلتُ:
هذه الدعوى باطلة من وجهين:
الأولى: أنَّ الشيخ ربيع حفظه الله يبدِّع هذين (سفر وسلمان)
ويصرح بذلك من قبل ومن بعد، فقد ذكر الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في كتابه [أبو الحسن
يدافع بالباطل والعدوان عن الإخوان ودعاة حرية ووحدة الأديان ص129-130] أنَّ محموداً
الحداد وعبداللطيف باشميل طلبا منه قديماً أن يبدِّع سفراً وسلمان وغيرهم من القطبية،
فكان الشيخ ربيع يقول لهم: "لن أسبق العلماء في الحكم عليهم"، ثم قال الشيخ
ربيع حفظه الله: "حتى اشتدَّت فتنتهم، وظهرت أحوالهم، وعرف العلماء واقعهم، فوصفهم
ابن باز بأنهم دعاة الباطل وأهل الصيد في الماء العكر، ثم أجمع هيئة كبار العلماء على
أنه يجب على هؤلاء سفر وسلمان ومن معهما في الفتن أن يتوبوا إلى الله وإلا فيجب أن
يمنعوا من الدروس والمحاضرات تحصيناً للناس من ضررهم، فأبوا إلا العناد، حتى تم سجنهم
بناء على هذا القرار من هيئة كبار العلماء، وأدانهم العلامة الألباني بأنهم خوارج عصرية،
وأنهم يدندنون حول التكفير بالذنوب، فبعد هذه المواقف والإدانات: صرحتُ أنا وغيري من
السلفيين بتبديعهم)).
الثانية: أنَّ الحلبي نفسه أقرَّ بهذا في كتابه نفسه، وفي نفس
الموضع!؛ لكن في أصل الكتاب لا في حاشيته!، مما يدل على تناقضه بين الدعوى الكاذبة
ونقيضتها!!، فقد قال علي الحلبي في كتابه [منهج السلف الصالح/ الطبعة الثانية ص182-184]:
((عِنْدَ حَرْبِ الخَلِيجِ الأُولَى؛ لَـمَّا خَرَجَ سَلْمَان العَوْدَة، وَسَفَر الحَوَالِي
ومَن معهما عَلَى عُلَمَاءِ بِلاَدِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْن، وَخَالَفُوهُم بِمَا
أَفْتَوْا بِهِ حِينَذَاك. فكَانَتْ كَلِمَةُ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ السَّلَفِيَّةِ
مُجْتَمِعَةً على انْتِقَادِ هَؤُلاء وَالكَلاَمِ عَلَيْهِم، بَلْ تَبْدِيعِهِم،
وَلَمْ يَكُنْ هَذا الأَمْرُ -فِي الأَوَّلِ- ظَاهِراً لِشَيْخِنا رِحَمِهُ الله؛ بَلْ
كَانَ -غَالِباً- يُدافِعُ عَنْهُم، ويُثْنِي عليهِم، وَيَنْقُضُ قَوْلَ الطَّاعِنِ
بِهِم. وَرَأَيْتُ بِأُمِّ عَيْنِي رُدُودَ شَيْخِنا القَوِيَّةَ عَلَى ذَاكَ الشَّابِ
المُتَحَمِّس القَادِمِ مِنْ سَفَرٍ بَعِيدٍ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ لَهُ لِيَنْتَزِعَ
مِنْ شَيْخِنا حُكْماً بِتَبْدِيعِ هَؤُلاء!، فَرَدَّ عَلَيْهِ شَيْخُنا بِقُوَّة،
وَنَاقَشَهُ بِشِدَّة؛ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الشَّابِّ إِلَّا أَن انْتَكَسَ ومَرِض،
وَذَهَبَ إِلى المُسْتَشْفَى لَيْلَتَها، ثُمَّ كَرَّ مُسافِراً رَاجِعاً صَبِيحَةَ
اليَوْمِ التَّالِي مُباشَرَةً!. وَفِي الوَقْت الَّذِي كَانَ فِيهِ مَوْقِفُ شَيْخِنا
عَلَى هَذا الحَالِ؛ كُنْتُ أَنَا – مَعَ أَكْثَرِ إِخْوَانِنا السَّلَفِيِّين في الأُرْدُنّ
- مُخَالِفينَ لَهُ، وَمُوافِقينَ كَلامَ فَضِيلَةِ الشَّيْخ ربيع بن هادي حَفِظَهُ
الله فِي هَذَين وَمَنْ مَعَهُما رَدًّا وَتَحْذِيراً)).
وأقول:
على فرض أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله لا يبدِّع هذين كما يزعم
الحلبي!؛ أليس مطالبة الحلبي له بتبديعهما هو من قبيل الإلزام؟!
فلماذا يعيب مثل هذا الإلزام من قبل السلفيين له بتبديع محمد
حسان وأبي الحسن المأربي اللذين أشعلا نار الفتنة والاختلاف والخروج على الحكام في
هذا الزمان؟ أم أنَّ الخروج ليس من البدع؟! أم أنَّ خارجية سلمان وسفر عصرية، وخارجية
محمد حسان والمأربي غير عصرية؟!
ثم:
أين مثل هذا الإلزام مع صاحبه المتفلسف (محتار السفسطائي) حينما
قال في مقال له بعنوان [فتوى بعنوان: منهج سفر وسلمان] وهي في موقعه الخاص: ((والشيخ
سفر الحوالي وكذلك الشيخ سلمان العودة من العلماء!!؛ سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم في
بعض الأشياء. وكوني اختلف معهم في بعض المسائل التي هي: إما من قسم موارد الاختلاف،
أو من الاختلاف الذي له أسباب موضوعية ووجيهة؛ فلا يجوز لي بحال أن أسميهم بغير اسمهم!،
أو أنسبهم إلى طائفة غير طائفة أهل السنة!!، فإنَّ الحقيقة المستفادة من هذا الاسم
تستغرق غالب أحوالهم ومقالاتهم التي اطلعت عليها، ولولا البغي الحاصل بين أهل السنة
مؤخَّراً لما وصل النزاع إلى ما وصل إليه!!.
على كل حال ذاك زمان وهذا زمان، والواجب علينا الإقرار للشيخين
بفضلهم، وعذرهم فيما نعتقد أنهم أخطئوا فيه، دون أن يلزم من ذلك متابعتهما؛ لأنهم انطلقوا
من أصول سنية ومواقف علمية يحتملها العقل والأصول!!، والاجتهاد فيها واسع!، وليس الإشكال
في الاختلاف معهم بعلم وإنصاف، ولكن الإشكال في جعل الخلاف وسيلة للذم والتبديع والتضليل!!،
فهذا غير مقبول بحال فيمن صحت سنيته. فعلينا أن نرتقي إلى مستوى أئمة السلف في سلوكهم
مع بعضهم، فقد اختلف الصحابة في الفتنة الكبرى فاعتزل بعضهم وقاتل بعضهم ومع ذلك نصحح
موقفهم جميعاً، وإن كنا نرجح موقفاً على موقف، وكذلك كان الحال بين أئمة السنة؛ والأمثلة
كثيرة)).
صدق مَنْ قال:
وعين الرضى عن كل عيب كليلة ........ وعين السخط تبدي المساويا
جزاكم الله خيراً على الدخول لهذا الموضوع والتعليق بهذه الكلمات:
وإليكم هذه الأقوال من بعض ما ذكرتُه في مقالي [تحذير الخلق
من المذبذب بين أهل الباطل وأهل الحق] من أقوال الأئمة والعلماء قديماً وحديثاً مما
يدل على صحة الإلزام بالتبديع بعد التعريف والبيان، وبطلان قاعدة "لا نجعل خلافنا
في غيرنا سبباً للاختلاف فيما بيننا":
1- روى ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده عن عقبة بن علقمة قال:
((كنتُ عند أرطأة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنة
ويخالطهم؛ فإذا ذُكر أهلُ البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم؟ فقال أرطأة:
"هو منهم لا يلبس عليكم أمره"، قال: فأنكرتُ ذلك من قول أرطأة، فقدمتُ على
الأوزاعي وكان كشَّافاً لهذه الأشياء إذا بلغته!، فقال: "صدق أرطأة، والقول ما
قال، هذا ينهي عن ذكرهم، ومتى يُحذروا إذا لم يشاد بذكرهم؟!")). وقال الأوزاعي
رحمه الله: ((إذا رأيته يمشي مع صاحب بدعة، وحلف أنه على غير رأيه فلا تصدقه)).
2 - وفي طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى: قال عثمان
بن إسماعيل السكري سمعتُ أبا داود السجستاني يقول: قلتُ لأبي عبدالله أحمد بن حنبل:
أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أترك كلامه؟ قال: ((لا، أو تُعلمه أنَّ
الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة؛ فإن ترك كلامه فكلِّمه، وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود
رضي الله عنه:"المرء بخدنه")).
وفي المصدر نفسه: قال الخلال
أخبرنا المروذي: أنَّ أبا عبدالله ذكر حارثاً المحاسبي فقال: ((حارث أصل البلية - يعني
حوادث كلام جهم - ما الآفة إلا حارث، عامة مَنْ صحبه انتهك إلا ابن العلاف؛ فإنه مات
مستوراً!، حذِّروا عن حارث أشدَّ التحذير)) قلت: إنَّ قوماً يختلفون إليه؟ قال: ((نتقدم
إليهم لعلهم لا يعرفون بدعته؛ فإنْ قبلوا وإلا هجروا، ليس للحارث توبة، يُشهد عليه
ويجحد، إنما التوبة لمن اعترف)).
وقال إسحاق: سمعتُ أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول:
((أخزى الله الكرابيسي لا يُجالس ولا يُكلَّم ولا تكتب كتبه، ولا يُجالس مَنْ يُجالسه))،
وقال أيضاً: ((إياك إياك وحسين الكرابيسي، لا تكلِّمه، ولا تكلِّم مَنْ يكلِّمه)) أعاد
ذلك أربع مرات أو خمس مرات!.
3- قال ابن الحاج رحمه
الله في [حز الغلاصم في إفحام المخاصم ص110]: ((إذ يقول في سورة مكية: "وإذا رأيت
الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا
تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين"، وقد بيَّن الله سبحانه عقوبة من فعل ذلك
وخالف ما أمره الله إذ يقول في سورة مدنية: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم
أيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً
مثلهم إنَّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً. فبيَّن سبحانه بقوله:
"وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ" ما كان أمرهم به من قوله في
السورة المكيّة "فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"،
ثم بيَّن في هذه السورة المدنية أنَّ مجالسة مَنْ هذه صفته لحوقٌ به في اعتقاده، وقد
ذهب قوم من أئمة هذا الأمة إلى هذا المذهب، وحكم بموجب هذه الآيات في مُجالِس أهل البدع
على المعاشرة والمخالطة؛ منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك، فإنهم قالوا في
رجل شأنه مجالسة أهل البدع قالوا: يُنهى عن مجالستهم، فإن انتهى وإلا أُلحق بهم؛ يعنون
في الحكم، قيل لهم: فإنه يقول: إني أجالسهم لأباينهم وأرد عليهم؟ قالوا: ينهى عن مجالستهم
فإنْ لم ينته أُلحق بهم)).
4- وقال ابن بطة رحمه الله
في [الإبانة ص262]: ((ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن
أمكنك أن لا تقربه في جوارك. ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه - أي من
البدع - وهجرانه والمقت له، وهجران مَنْ والاه ونصره وذبَّ عنه وصاحبه وإنْ كان الفاعل
لذلك يظهر السنة!)).
5- وقال البربهاري رحمه الله في [شرح السنة ص121]:
(وإذا رأيتَ الرّجلَ يَجلسُ مع رجلٍ من أهلِ الأهواءِ فَحَذِّرْهُ وعَرِّفْهُ؛ فإن
جَلَسَ معه بعدما عَلِمَ فاتّقِهِ، فإنَّه صاحبُ هوىً).
6- وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله في [القول
البليغ ص230] بعد أن نقل رواية الإمام أحمد في التعريف بالمبتدع قبل الإلحاق به؛ وقد
تقدم ذكرها: ((وهذه الرواية عن الإمام أحمد ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين،
ويجادلون عنهم بالباطل. فمن كان منهم عالماً بأنَّ التبليغيين من أهل البدع والضلالات
والجهالات، وهو مع هذا يمدحهم، ويجادل عنهم؛ فإنّه يلحق بهم، ويعامل بما يعاملون به،
من البغض والهجر والتجنُّب، ومن كان جاهلاً بهم، فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع
والضلالات والجهالات، فإنْ لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلم بهم فإنه يُلحق
بهم، ويُعامل بما يُعاملون به)).
7- وسُئل
الشيخ ابن باز رحمه الله كما في شريط مسجَّل في تعليقه على كتاب [فضل الإسلام]: الذي
يثني على أهل البدع ويمدحهم؛ هل يلحق بهم؟! فأجاب: ((نعم ما فيه شك، مَنْ أثنى عليهم
ومدحهم هو داع لهم، يدعو لهم، هذا من دعاتهم!، نسأل الله العافية)).
وكتبه أبو
معاذ رائد آل طاهر
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.