إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي
له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ أما
بعد:
فإنَّ من أفسد القواعد التي أصَّلها الحلبي والمأربي
في دفاعهم عن الباطل وأهله باسم الدفاع عن أهل السنة وحفظ مكانتهم والاعتذار لهم؛ قاعدتين
خطيرتين:
القاعدة
الأولى: وجوب حمل المجمل على المفصل في كلام البشر سوى الأنبياء، ثم في التطبيق
يقصرون هذا الحمل على أهل السنة!؛ فيقولون: يحمل كلام السني المجمل – الذي يحتمل حقاً
وباطلاً – على الحق من باب وجوب حسن الظن به.
قال
أبو الحسن المأربي في [شريط رقم (1) من أشرطته
المسماة بالقول الأمين]: ((يقول هنا الإمام
ابن القيم: "والكلمة الواحدة يقولها اثنان "أي يقولها شخصان أو رجلان"
يريد أحدهما بها "أو يريد بها أحدهما" أعظم الباطل ويريد بها الآخر محض الحق
"يعني كلمة واحدة تخرج من شخصين أحدهما مبطل بها والثاني محق بها" يقول الإمام
ابن القيم: "والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عليه".
يعني كيف نحملها؟
على المعنى الحق؟
أو نحملها على المعنى الباطل؟
نرجع إلى سيرة هذا القائل وإلى طريقته ومنهجه الذي عرف به؛ فنحمل على الحق إنْ
كان سنياً، ونحمل على الباطل إنْ كان مبتدعاً)).
ويكفي في بطلانها ما قاله
معاذ رضي الله عنه لأحد أصحابه: ((وأُحذِّركم زيغةَ الحكيم، فإنَّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم،
وقد يقول المنافق كلمة الحق))
رواه أبو داود وصححه الألباني.
القاعدة الثانية: الألفاظ الباطلة التي تشتمل على الانتقاص في جناب الصحابة؛ قد تصدر من
السني أو من المعظِّم لهم فتكون من الخطأ اللفظي أو سبق اللسان، وإذا صدرت من غيرهم
تكون سباً وطعناً.
وقد سُئل الحلبي في مجلس في بيته: هل
القول بالغثائية يعد سباً للصحابة أم لا؟ فأجاب: ((يفرَّق بين المتكلِّم؛ بين أن يكون معظماً للصحابة أم لا؟! يمكن أن يقال
أنَّ الكلمة تعد سباً؛ لكن يفرق بين القائل لها)).
وقال في منتدياته أثناء جواب له عن هذه
اللفظة: ((وأنا أعلم وأحلف بالله تعالى؛ أنَّ هؤلاء يعرفون أننا لا يمكن أن نصف
الصحابة بالغثائية، وأنَّ هذا لو صدر
من رجل سني فهذا سبق لسان)).
ويكفي
في بطلان هذه القاعدة ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمر رضي الله عنه قال: ((إنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ،
وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ: فَمَنْ أَظْهَرَ
لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ،
اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ
وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ!!)).
قلتُ:
فإذا
تكلَّم المسلم – ولو كان سنياً معظِّماً لجناب الصحابة - بكلمة فيها سوء أو انتقاص
في حق الصحابة: فإنَّ الواجب عليه أن يستغفر الله من ذلك، ويتبرأ مما قال ويرجع عنه
فور سماعه أو تنبيهه بها، ويسعى إلى إصلاح ما أفسد: إما بحذف الكلام السيء إنْ استطاع
ذلك، أو بالتحذير منه والبراءة في بيان معلن إذا كان ما قاله قد انتشر في بقاع الأرض؛
حتى لو كان ذلك منه من قبيل سبق اللسان أو الزلات والسقطات أو الخطأ اللفظي أو سوء
التعبير. فإنْ لم يتراجع عن ذلك ويتبرأ فمن حق أهل السنة أن يردُّوا عليه وينكروا ويشنِّعوا
ولو كان لم يقصد الإساءة والطعن أو كانت سريرته حسنة أو كان من المعظِّمين للصحابة
في مواطن أخرى من كتبه، بل قد ينسب إلى البدعة إنْ أصرَّ على هذا الطعن والإساءة.
وأما
إنْ صدرت ألفاظ فيها انتقاص في حق الصحابة من (أئمة أعلام) قد توفَّاهم الله عز وجل،
ممن عُرِفَ بنصرة السنة ومحاربة البدع، فمثل هؤلاء يُردُّ خطؤهم ويحذَّر الناس منه
مع حفظ مكانتهم، وقد يشنِّع عليهم علماء آخرون بسبب ذلك؛ فلا ينسب هؤلاء العلماء إلى
الغلو والتشديد.
قال العلامة
الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في رده على إحدى شبهات المأربي في رسالته [إبطال مزاعم أبي الحسن حول المجمل والمفصل]:
((والحق: أنه ليس كلُّ كلام يتأول ولو من أمثال
شعبة رحمه الله!، فلو وقع من شعبة مثل ما وقع من هؤلاء لحكم عليه أحمد وغيره بمثل ما
حكموا به عليهم.
وعلى كل حال؛ قد يتسامح مع بعض كبار أئمة السنة فيما يند
منهم مخالفاً لمنهجهم وعقيدتهم وعلمهم ودعوتهم وذبهم عن السنة وغير ذلك من القرائن
القوية التي تمنع من إرادة المعنى السيئ المخالف لمنهجهم وعقيدتهم الخ. وقد لا يتسامح
بعض العلماء حتى في مثل هذا؛ فلا يلومهم علماء السنة ولا يحاسبونهم ولا يحاربونهم ولا
يحتجون عليهم بهذا الأصل المزعوم)).
وقال في موضع
آخر لرد شبهة أخرى: ((والحاصل:
أنَّ بعض العلماء قد يعذرون بعض كبار العلماء في بعض العبارات، ولا يعذرونهم في كل
شيء!؛ لأنهم غير معصومين. وبعضهم لا يعذرهم؛ كما هو حال الإمام أحمد ومئات العلماء
في عصره الذين لم يعذروا مَنْ وقف في القرآن من المنتسبين للسنة وأهل الحديث!، وكما
هو حال العلماء الذين شنَّعوا على ابن حبان والهروي؛ لأنَّ كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين
التوابون. وكتب الجرح والتعديل والفقه والتفسير وشروح الحديث مملوءة بنقد كلام العلماء
وغيرهم وتضليل الضالين من المنسوبين إلى السنة وغيرها، وإنَّ في ذلك لعبرة للمعتبرين
الفاقهين)).
وقال في رد
شبهة اعتذار شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله تعالى للهروي: ((ولم يحملا المجمل على المفصَّل المعروف عند الأصوليين، وإنما
أحسنا به الظن لقرائن عظيمة وكثيرة وقويّة؛ وهي جهاده العظيم في نصرة السنة، فقد كان
سيفاً مسلولاً على أهل البدع، وله مؤلفات كثيرة تدعوا إلى السنة وتنافح عنها وتسحق
أهل البدع. ومن مؤلفاته ما نقله أبو الحسن عن الإمام ابن القيم بالنسبة لقوله الموهم
للاتحاد الصوفي. أما بالنسبة لعقيدة الفناء والجبر؛ فقد أدانه شيخ الإسلام ابن تيمية
بهما، ولم يحمل المجمل على المفصل الذي يزعمه أبو الحسن!، ولشيخ الإسلام في موضع آخر
من المنهاج اعتذار عن كلامه الموهم للاتحاد، فهو تارة يصرح بإدانته وتارة يعتذر له،
وليس شيء من ذلك من باب المجمل والمفصل)).
قلتُ:
والخلاصة في
هذه المسألة؛ أنَّ ما قد يجده الباحث هنا وهناك في مصنفات العلماء من الاعتذار لكبار
أهل السنة - المشهورين بها المعروفين بمحاربة البدع وأهلها - الذين صدرت منهم كلمات
مجملة مشتبهة أو كلمات ظاهرها فيه إساءة فقد يعتذر لهم أحياناً للقرائن التي تعرف عنهم
من سيرتهم وجهادهم، لكن من غير إيجاب لحمل مجملهم على مفصلهم!، ولا تأصيل عام!، ولا
طعن ولا تشنيع في حق مَنْ ينكر عليهم ويحذِّر من أخطائهم من أهل العلم الآخرين!.
ولهذا
نلاحظ أنَّ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى إنما اعتذار في كتابه [رفع الملام] عن [الأئمة
الأعلام] أي الذين لهم قدم صدق في الإسلام، ولم يعتذر عن (كل) سني ولو كان مجرد شيخ
أو داعية أو طالب علم أو شاب عامي!، فإنَّ الاعتذار عن كل سني يفتح باباً من الجرأة
في الطعن بالصحابة والدين، فليعلم هذا.
وبعد
هذه المقدِّمة أقول:
اطلعتُ
على كلام في غاية السوء تكلَّم فيه عماد طارق المعروف بأبي العباس – وهو عضو متميز
في منتديات الحلبي!، وأستاذهم الشهير!! – في حق بعض الصحابة الذين اختلفوا في صفين
والجمل، ووصفهم بالحزبية المذمومة فقال في حلقته التاسعة (الحزبية مفهومها
وأقسامها وسماتها) من سلسلته (بين منهجين):
((لما كان الإنسانُ مدني
(كذا!) بطبعه، اجتماعي (كذا!) بفطرته، مأمور (كذا!) - شرعاً- بالاجتماع والتعاون والتناصر مع أبناء دينه، كان مما لا انفكاك عنه أن لا يسلم إنسان عن الوقوع في شيء من مظاهر الحزبية المذمومة
- إلا مَنْ عصمه الله من الخطأ - فكان لله خالصاً قصده، وبالله مستعيناً على سائر
أمره، ومع الله في تنفيذ شرعه؛ فهؤلاء خير الناس من بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد
فأخطأ؛ بتحزَّب كل منهم إما إلى فئة علي رضي الله عنه، أو إلى فئة عائشة رضي الله عنها، أو
إلى فئة معاوية رضي الله عنه)).
وقد قال قبل ذلك مؤصلاً:
((فليس كل تحزب مذموم، فقد يتحزب الإنسان لحزب الله:
فيكون ممدوحاً، وقد يتحزب لغير حزب الله أو لما ليس من مقالات ولا أحوال حزب الله:
فيكون مذموماً)).
وقال بعدها: ((الناس لا يخرجون بعموم قسمتهم عن أن يكونوا من حزب الله أو من حزب الشيطان؛
وأنَّ المدح والذم يتناولهم
بحسب ما اجتمعوا عليه من موجب ذلك)).
قلتُ:
فلينظر القراء إلى هؤلاء
كيف إذا أرادوا التمثيل في أمور منكرة جاؤوا إلى خير القرون المفضلة وإلى خير الناس
فمثَّلوا بهم!، فبالأمس قاس الشيخ عبدالمالك رمضاني هداه الله وعفا عنه أمهات المؤمنين
العفيفات على امرأة مريضة فاجرة (صاحبة الشاشة)، وعماد طارق هنا يتكلَّم عن مظاهر الحزبية
المذمومة فلا يجد له مثالاً إلا في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم!!!.
ولينظر القارئ بتأمل؛ كيف
استثنى هذا الكاتب من مظاهر الحزبية مَنْ عصمه الله، ثم ذكر أسباب هذه العصمة فقال:
((فكان لله خالصاً قصده، وبالله مستعيناً على سائر أمره،
ومع الله في تنفيذ شرعه))، ثم ذكر مثال الحزبية المذمومة في بعض الصحابة!.
فماذا يفهم القارئ من هذا؟!
يفهم أنَّ هؤلاء الصحابة
الذين ذكرهم عماد طارق لم يكونوا مخلصين في قصدهم!، ولا مستعينين بالله في سائر أمرهم!،
ولا منفذين لشرعه!، ولهذا لم يُعصموا من مظاهر الحزبية المذمومة كما عصم غيرهم!!!!.
فهل يتكلَّم سني بهذه الطريقة
في مَنْ يعرف أنهم خير الناس؟!!
هل نفد قاموس الأمثلة عند
عماد طارق ولم يبق في ذهنه إلا الصحابة يمثِّل بهم لهذه الحزبية المقيتة؟!
أين هو من حديث النبي صلى
الله عليه وسلم: ((إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا)) صححه الألباني؟!
ومعلومٌ أنَّ وصف عماد لبعضهم
بالتحزب المذموم هو خلاف الإمساك عما شجر بينهم؛ إلا في عقول أهل السفسطة فلا يُعدُّ
من ذلك!.
وأين هو من قول إمام أهل
السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله في كتاب السنة: ((ومن السنة الواضحة الثابتة البينة المعروفة:
ذكرُ محاسن أصحاب رسول الله أجمعين، والكفُّ عن ذكر ما شجر بينهم،
فمَنْ سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أحداً منهم، أو تنقصه، أو طعن
عليهم، أو عرَّض بعيبهم، أو عاب أحداً منهم؛ فهو
مبتدع، رافضي خبيث، مخالف (أو مجاف)، لا يقبل الله منه
صرفاً ولا عدلاً))؟.
وقال أيضاً في أصول السنة: ((ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
بغضه بحدث كان منه أو ذكر مساوئه: كان مبتدعاً؛ حتى يترحم عليهم جميعاً، ويكون قلبه
لهم سليماً))؟
وأين هو من قول الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته: ((ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم،
ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير
يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق
وطغيان))؟.
أين هو من قول شيخ الإسلام
رحمه الله في الواسطية: ((ومن أصول أهل السنة والجماعة:
سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم))؟
وقال: ((ويمسكون عما شجر من الصحابة!؛ ويقولون: إنَّ هذه الآثار المروية في
مساوئهم؛ منها: ما هو كذب، ومنها: ما قد زيد فيه ونقص وغيِّر عن وجهه، والصحيح منه:
هم فيه معذورون؛ إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون)).
والغريب أنَّ عماد طارق في
حلقته هذه استنكر إطلاق الحزبية والتحزب على الدعاة المنحرفين في هذا العصر؛ حتى زعم
قائلاً: ((ولم تكن هذه التهمة رائجة في
أوساط السلفيين في حال حياة الأئمة الكبار الثلاثة؟))، لكنه – مع الأسف الشديد - وجد لهذا الوصف مثالاً في خير الناس من
خير القرون!!!، والله المستعان على ما يصفون.
وأقول له:
يا عماد طارق هذا شيخك المأربي
الذي رضعت - مدة من الزمان! - من كتبه وتسجيلاته هذا المنهج المبني على التشنيع على
أهل الحق والتجديع!، والترقيع لأهل الباطل والتلميع!، قد أسس حزباً سياسياً معلناً
مع إخوانه السروريين، وصار هو الناطق الرسمي له، فهل يُمكن لك أن تصفه بالحزبية المذمومة
كما وصفت أولئك الصحابة؟!
هل تستطيع؟!
سبحان ربي مقلِّب القلوب!
هذا؛ وقد رددتُ على عماد
طارق حلقته هذه – بله سلسلته القديمة كلها – في رسالتين مفصلتين؛ الأولى: [تبصير كل ذي عينين بالمنهج المنشهود في سلسلة حلقات "بين منهجين"]، والثانية: [تبيين الحقائق في التعليق على
تتمة ونقض عماد طارق]، لمن شاء أن يطلع عليهما،
وهما منشورتان في شبكة سحاب.
وقبل أيام اطلعتُ على مقال
– وهو بتاريخ 19/3/2010 ! – لعماد طارق [مشابهة (غلاة التجريح) لـ(أهل البدع) الطاعنين في (أهل السنة) بفرية (الطعن
في الأصحاب)]، ظاهره فيه الرحمة، ولكن
غايته الطعن بالشيخ ربيع حفظه الله تعالى أولاً، وتأصيل القواعد الباطلة في حماية أهل
الباطل من الإدانة والتشنيع ثانياً، على طريقته المعروفة في الإلزام بالزلات وتتبع
رخص العلماء!، وقد صنع عماد طارق في مقاله هذا ما لا يفعله إلا مَنْ كان من أهل المكر
الخبثاء، والله حسيبه.
فقد نقل في أول مقاله بعض ما انتُقد على شيخ الإسلام
رحمه الله مما زعم فيه أهل البدع من المتصوفة والأشاعرة والقبوريين أنَّ شيخ الإسلام
يطعن في أبي بكر وعمر وعلي وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين!!!، ولم يأتِ عماد بكلام شيخ
الإسلام من مصادره حتى يُلاحظ القارئ صدق هذه الانتقادات من كذبها!، بل اكتفى بما قاله
هؤلاء!!، ولم يحرر الأمر ويحققه!، فماذا يقصد من هذا؟!، يقصد عدم التشنيع على مَنْ
صدر منه ما يخدش جناب الصحابة والاعتذار له كما فعل العلماء مع شيخ الإسلام!!!، وهذه
طريقته في الإلزام التي اعتدنا عليها مراراً وتكراراً.
ثم قفز عماد طارق مباشرة
قفزة طويلة – وهي بيت القصيد كما يُقال! – فقال: ((قلتُ: وقد شابه أهل البدع هؤلاء بعض غلاة التجريح فزعم أحدهم قائلاً...))، ونقل كلاماً عن غيره
- (وقد بيَّن أحد المعلِّقين وهو الجنيدي على مقاله: بأنَّ هذا المنقول عنه هو فوزي
البحريني!!) - فيه أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله قد طعن ببعض الصحابة، فهو يريد بهذا
إلزام السلفيين في عدم التشنيع والإنكار على مَنْ يصف الصحابة بأوصاف السوء، لأنه الطاعن
لم يقصد، وإنما هو من سبق اللسان، فإنْ لم يقبلوا بإلزامه هذا فعليهم أن ينسبوا الشيخ
ربيعاً حفظه الله بأنه يطعن في الصحابة!.
ومن خبث صنعه أنه لم يسمِّ
هذا الطاعن في الشيخ ربيع!، وأخبث من ذلك أنه جعل كلامه بين قوسين صغيرين؛ حتى لا يتميز
عن كلامه!، فكأنَّ كلام الطاعن في الشيخ جديد في هذه الأيام!.
وتكمن هذه الخطورة في هذا
الصنيع الخبيث، أنَّ الطاعن (البحريني) صرَّح أنَّ الشيخ ربيعاً لم يرجع عن هذه الأخطاء
إلى الآن فقال: ((إنها والله قطبية وقع فيها
ربيع المدخلي، وإنها والله لفتنة وقع فيها ربيع المدخلي، وهو يعلم عن أكثر زلاته هذه،
ولم يرجع ولم يتب عنها إلى الآن!!!))، وقال مرة أخرى: ((ومما سبق انتقاد على ربيع المدخلي، إلا أنه لم يُجب عنه، فلم يُبدِ عذراً،
ولا أعلن تراجعه عنه))، وقال ثالثة: ((فهذه عدة عبارات سيئة ودنيئة
حقاً في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتراجع عنها، وقد مضى على نشر
ذلك مدة طويلة، ولم يعلن توبته وخجله من هذه العبارات؛ فأين الذين يزعمون
الغيرة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!!، وهذا يعتبر رفضاً وخبثاً يأثم
عليه الشخص كائناً من كان...))، وقال: ((فعليه التوبة والرجوع عن الطعن في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين)).
أقول:
والحقيقة التي لا تخفى على
عماد طارق – الذي كان ولا زال يُنقِّب منذ فترة طويلة في كتب الشيخ ربيع وتسجيلاته لا من باب التحذير
والحكم بالتبديع وإنما من باب الإلزام فحسب! – ولا على غيره من الموافقين والمخالفين؛
أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى قد أعلن توبته من هذه الألفاظ ورجع عنها وتبرأ منها
في رسالة رفع الله به شأن الشيخ ربيع في نفوس السلفيين بعنوان [الكرُّ على الخيانة والمكر/ (الحلقة الأولى) بتاريخ 25/ربيع الأول/1423هـ!!]،
وهو منشور في موقع الشيخ ربيع حفظه الله!، وقد جاء في الكتاب تراجع الشيخ وبراءته من
هذه الألفاظ بكل صراحة ووضوح:
فمما قاله الشيخ حفظه الله:
((وما صدر مني من عبارات
في حقِّهما فإنه من سبق اللسان قطعاً؛ مثل قولي في خالد رضي الله عنه "يلخبط"،
أستغفر الله وأتوب إلى الله منه، وما قلته في حق سمرة خلال استنباطي من قول عمر رضي
الله عنه: قاتل الله سمرة؛ يعني أنَّ سمرة حصلت "عنده حيلة تشبه حيلة اليهود"،
فهذه العبارة مني سيئة، أستغفر الله وأتوب إليه منها، وأحذِّر الناس منها ومن أمثالها)).
وقال: ((وأدين الله بأنه لو أنفق أحد خيار المسلمين مثل أحد ذهباً ما بلغ مد
أحدهم ولا نصيفه، وإنَّ قلبي ليعتصر ألماً من تلك العبارات، وأرجو أن أكون من الوقَّافين
عند كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلَّم)).
وقال: ((ومع هذا؛ فأنا أستغفر الله من كلمة "يلخبط" فإنها كلمة سيئة)).
وقال: ((هذا ما قلته، وهو لتقرير منهج السلف في النقد والتحذير من أخطاء الصالحين
وضلالات المضلين، وليس لتقرير الباطل والذب عنه كما هو واقع خصوم هذا المنهج وما يستتبع
ذلك من النيل من الصحابة والعلماء وتهديم الأصول السلفية والضراوة على أهل الحق والسنة،
وقد تند من المنافح عن الحق والداعي إليه كلمة تند منه كما هو حال البشر، كما حصل مني
كلمة في حق الصحابي الجليل سمرة بن جندب التي استغفر الله منها، وإنني يعلم الله لفي
غاية الخجل منها، ولو نبهني عليها عدو أو صديق لحذفتها، ورميت بها بعيداً، ولما ترددت
لحظة في نبذها)).
وقال: ((ومع
كلِّ هذا؛ فأنا أرى أنَّ عبارتي سيئة، وهي من سبق اللسان، وأستغفر الله منها كثيراً،
ولو نبهني أحد وقت نطقي بها لحذفتها، وقد رضي الله عن هذا الصحابي الجليل وإخوانه من
الصحابة أجمعين كما في محكم التنزيل وفي سنة رسوله الكريم، وهو عقيدة أهل السنة والجماعة،
وهو الذي أدين الله به باطناً وظاهراً، وعليه أوالي وأعادي)).
فلماذا لم يشر عماد طارق
ولو مجرد إشارة إلى تراجع الشيخ هذا – إنْ كان فعلاً يدافع عمن طعن فيه كما يزعم هو
والمعلِّقون على مقاله! -؟!
أيها القراء الكرام؛ هل هذا صنيع أهل التقى أم صنيع أهل الهوى؟!
وهل يستطيع عماد طارق ومَنْ
فوقه من شيوخه – ممن لا يصلوا إلى مرتبة الشيخ ربيع - أن يصرِّحوا بالرجوع عن الأوصاف
التي أطلقوها في حق الصحابة كما فعل الشيخ ربيع؟!
أم إنَّ الكبر سيكون مانعاً من النطق وحاجباً على القلب؟!
أم إنَّ بطانة السوء قد تبتعد؟!
ثم هل الشيخ ربيع حفظه الله
لما عرف غلطه في إطلاق تلك الأوصاف على الصحابة راح يجادل ويراوغ ويؤصِّل لحماية نفسه
وغيره من الإدانة والإنكار، أم بيَّن مراده، ورجع عن غلطه، واستغفر ربه منه، وأعلن
براءته وحذَّر من ذلك؟!
وهل لو وجدنا عبارة أخرى
في كلام الشيخ حفظه الله ثم عرضناها عليه؛ هل سيرجع أم لا؟!
الجواب معروف؛ فلا نقول إلا
ما قاله ربنا: ((قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)).
بل نقل عماد طارق عن البحريني
قوله: ((قال ربيع المدخلي وهو يذم الاشتغال بالسياسة: "والله كان الصحابة
فقهاء، في أمور
السياسة ما ينجحون، ما يستطيعون في الإذاعة والإشاعة، يقعون في فتنة...")).
بينما نص عبارة الشيخ ربيع
هي: ((والله كان الصحابة فقهاء في السياسة، ما ينجحون وما يستطيعون أن يستنبطوا
في الإذاعة الإشاعة، يقعون في فتنة....))، وهو يتكلَّم في قوله
تعالى: ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ
الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ)).
فالشيخ حفظه الله لم ينف
عن الصحابة عدم النجاح في السياسة كما يزعم البحريني ومقلدوه!، وإنما نفى عنهم الإشاعة
والإذاعة في حال الفتن، فهل هذا أمر محمود أم مذموم؟!
ولينظر أهل الإنصاف ماذا
يفعل غلاة الحدادية ومقلدوهم من بتر في الكلام وخيانة في النقل؟!
ثم سؤال لهم محرج/ مَنْ الذي
يأخذ من موقع الأثري الآن؟!
وقد قال عماد طارق في أحد
مقالاته: ((وأنَّ من يخالف الشيخ ربيع لو أراد أن يطعن
فيه؛ فهو غير محتاج لأن يلمِّح، فحسبه لأن ينظر في موقع الأثري!!، أو ما كتبه الشيخ
أبو الحسن المأربي!!، ليخرج بحصيلة وافرة مما يمكن أن يستخدم كمبررات واضحة وصريحة للطعن في الشيخ ربيع، وليس أحد في منتدانا
فوق سلطان العلم)).
وأخيراً:
لا أجد ما أختم به مقالي
هذا – مذكِّراً نفسي أولاً وغيري - إلا قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ
مَعَ الصَّادِقِينَ)).
وأما طعوناتهم في ديني أو
تشكيكهم فيه وسبهم وشتمهم وتحقيرهم وتسفيههم فلا يضرني ذلك ولله الحمد، وبخاصة وأنا
أعلم أنَّ هذا هو طريق أهل الحق، فمن سار على نهجهم فلا ريب أنه سيلاقي ما لاقوه، وإذا
كان فرعون وقومه اعترضوا على موسى عليه السلام بشيء قد فعله وتاب منه فقالوا: ((وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ))،
فكيف بمَنْ هو دونه من الناس؟!
ورحم الله العلامة ابن القيم القائل في مدارج السالكين:
((فإذا أراد المؤمن الذي قد
رزقه الله بصيرة في دينه وفقهاً في سنة رسوله وفهماً في كتابه، وأراه ما الناس فيه
من الأهواء والبدع والضلالات، وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله
وأصحابه؛ فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطِّن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع
فيه، وطعنهم عليه وإزرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه؛ كما كان سلفهم
من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه. فأما إن دعاهم إلى ذلك وقدح فيما هم عليه فهنالك
تقوم قيامتهم!، ويبغون له الغوائل!، وينصبون له الحبائل!، ويجلبون عليه بخيل كبيرهم
ورجله!، فهو غريب في دينه لفساد أديانهم، غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريب
في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم،
غريب في نسبته لمخالفة نسبهم، غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم.
وبالجملة فهو غريب
في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعداً ولا معيناً، فهو عالم بين جهَّال،
صاحب سنة بين أهل بدع، داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع، آمرٌ بالمعروف
ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف)).
والله الموفِّق.
كتبه: أبو معاذ رائد آل طاهر
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.