-->

الأربعاء، 13 فبراير 2013

بين الحلبي والطيباوي؛ هل تعارض أم توافق؟! [نسخة معدلة ومزيدة]


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:
فإنَّ ما يراه القارئ من تناقض بين آراء الحلبي وبين آراء الطيباوي يقف حائراً متسائلاً؛ كيف للحلبي أن يمدح مقالات هذا الرجل وينصح به؟!
  • هل لأنَّ الحرب الآن ضد الشيخ ربيع توجب عليهما التوافق وترك الاختلاف فيما بينهما جانباً؟!
  • أم أنَّ الحلبي أفلس ممن يقف معه في حربه وفتنته هذه؛ فلم يجد إلا أن يستنجد ولو بنطيحة أو متردية؟!
  • أم أنَّ المنهج الواسع الأفيح يحتمل في طياته مثل هذه الصور من التناقض؟!
  • أم أنَّ الحلبي قد تغيرت مواقفه وآراؤه كما تغير منهجه ودعوته؟!

لعل الأخير هو الأقرب، وقد يكون كل ما تقدَّم هو السبب؛ والله أعلم.
فلنضرب أمثلة على التناقض الحاصل بين الرجلين:
الأول: تبديع الحلبي لسفر وسلمان، وثناء الطيباوي عليهما والدفاع عن سنيتهما.
قال الحلبي في [رسالته المفتوحة للشيخ ربيع]: ((أمْ بَلَغَكَ (!) -حفظَكَ اللهُ- أنَّنا نُدافعُ عن (سَفَر وسَلمان)، فضلاً عن (سيد ومحمد آل قطب)، أو (أبي غُدَّة والكَوثريّ)، أو (المَسْعَرِيّ والمليباري)، أو (ابن لادِن والظَّواهري)؛ بَلْهَ (الجعد والجَهْم)، أو (البَكْرِي والأخنائِي)، أو (أبي الهُذَيْل والقاضي عبدالجَبَّار) -وأشباهِهم وأشياعِهم!- من رؤوس أهل البدع المتقدّمين والمتأخّرين-؟ لا؛ والذي فَلَقَ الحَبَّة، وبَرَأَ النَّسْمَة!!!)).

بينما قال الطيباوي في [فتوى بعنوان: منهج سفر وسلمان] وهي في موقعه: ((والشيخ سفر الحوالي وكذلك الشيخ سلمان العودة من العلماء!!؛ سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم في بعض الأشياء. وكوني اختلف معهم في بعض المسائل التي هي: إما من قسم موارد الاختلاف، أو من الاختلاف الذي له أسباب موضوعية ووجيهة؛ فلا يجوز لي بحال أن أسميهم بغير اسمهم!، أو أنسبهم إلى طائفة غير طائفة أهل السنة!!، فإنَّ الحقيقة المستفادة من هذا الاسم تستغرق غالب أحوالهم ومقالاتهم التي اطلعت عليها، ولولا البغي الحاصل بين أهل السنة مؤخَّراً لما وصل النزاع إلى ما وصل إليه!!.
على كل حال ذاك زمان وهذا زمان، والواجب علينا الإقرار للشيخين بفضلهم، وعذرهم فيما نعتقد أنهم أخطئوا فيه، دون أن يلزم من ذلك متابعتهما؛ لأنهم انطلقوا من أصول سنية ومواقف علمية يحتملها العقل والأصول!!، والاجتهاد فيها واسع!، وليس الإشكال في الاختلاف معهم بعلم وإنصاف، ولكن الإشكال في جعل الخلاف وسيلة للذم والتبديع والتضليل!!، فهذا غير مقبول بحال فيمن صحت سنيته. فعلينا أن نرتقي إلى مستوى أئمة السلف في سلوكهم مع بعضهم، فقد اختلف الصحابة في الفتنة الكبرى فاعتزل بعضهم وقاتل بعضهم ومع ذلك نصحح موقفهم جميعاً، وإن كنا نرجح موقفاً على موقف، وكذلك كان الحال بين أئمة السنة؛ والأمثلة كثيرة)).

أقول للمستترين المبطلين: ماذا سيقول الشيخ العباد حفظه الله تعالى على هذا الكلام وصاحبه؛ لو اطَّلع عليه وعَلِمَ أنَّ الحلبي يثني على أمثاله؟!
وبخاصة والشيخ العباد هو القائل: ((الكتاب الذي كتبته أخيراً وهو "رفقاً أهل السنَّة بأهل السنَّة" لا علاقة للذين ذكرتهم في (مدارك النظر) بهذا الكتاب!،  لا يعني الإخوان المسلمين!، ولا يعني المفتونين بسيّد قطب وغيره من الحركيين!، ولا يعني أيضاً المفتونين بفقه الواقع والنيل من الحكام وكذلك التزهيد في العلماء!، لا يعني هؤلاء لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يعني أهل السنَّة فقط، لا يعني هذه الطوائف!!، وهذه الفرق المنحرفة عن منهج أهل السنَّة والجماعة وعن طريقة أهل السنَّة والجـماعة!!)).
فكيف لو عَرف أنَّ الطيباوي يُدخل الإخوان المسلمين في إطار أهل السنة؟!!
ملاحظة/ أرسلها إلى بعض أولئك الذين لا زالوا يتهمون الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى أنه لم يبدِّع سفراً الحوالي وسلمان العودة:
حيث ذكر الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في كتابه [أبو الحسن يدافع بالباطل والعدوان عن الإخوان ودعاة حرية ووحدة الأديان ص129-130] أنَّ محموداً الحداد وعبد اللطيف باشميل طلبا منه قديماً أن يبدِّع سفراً وسلمان وغيرهم من القطبية، فكان الشيخ ربيع يقول لهم: لن أسبق العلماء في الحكم عليهم، ثم قال الشيخ ربيع: ((حتى اشتدت فتنتهم، وظهرت أحوالهم، وعرف العلماء واقعهم، فوصفهم ابن باز بأنهم دعاة الباطل وأهل الصيد في الماء العكر، ثم أجمع هيئة كبار العلماء على أنه يجب على هؤلاء سفر وسلمان ومن معهما في الفتن أن يتوبوا إلى الله وإلا فيجب أن يمنعوا من الدروس والمحاضرات تحصيناً للناس من ضررهم، فأبوا إلا العناد، حتى تم سجنهم بناء على هذا القرار من هيئة كبار العلماء، وأدانهم العلامة الألباني بأنهم خوارج عصرية، وأنهم يدندنون حول التكفير بالذنوب، فبعد هذه المواقف والإدانات صرحتُ أنا وغيري من السلفيين بتبديعهم)).

المثال الثاني: ثناء الحلبي على كلمة الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في "مسألة إقامة الحجة في التبديع"، بينما أفرد الطيباوي مقالاً كاملاً في الاعتراض عليها.
وكلمة الشيخ ربيع في مسألة هل يشترط إقامة الحجة في التبديع؟؛ نقلتـُها في مقالي [الحاوي في كشف سفسطات الطيباوي]؛ وخلاصتها: أنَّ
1-  أهل البدع؛ يبدَّعون من غير إقامة حجة.
2-  أهل السنة؛ لهم حالتان:
أ‌-        وقعوا في بدعة واضحة؛ كخلق القرآن أو القدر أو رأي الخوارج: فهؤلاء يبدعون من غير إقامة حجة.
ب‌-    وقعوا في بدعة خفية وكانوا متحرين للحق؛ لهم حالتان:
-       إنْ كانوا قد ماتوا: فلا يجوز تبديعهم بل يذكرون بالخير.
-       وإنْ كانوا أحياء: فيناصحون ويبين لهم الحق ولا يتسرع في تبديعهم؛ فإن أصروا فيبدعون.
أقول: هذه الكلمة من الشيخ ربيع حفظه الله تعالى كلمة دقيقة مبنية على استقراء لعمل السلف.
وقد اطَّلع علي الحلبي على هذه الكلمة قديماً؛ فقال: ((ولقد أعجبني جداً كلامٌ لفضيلة الأستاذ الشيخ أبي محمد ربيع بن هادي المدخلي أعلى الله مقامه في الدارين في بعض "أجوبته" الأخيرة؛ لما قسَّم (مَنْ وقع في بدعة) إلى أقسام ...ثم نقل الحلبي القسم (2)/ (ب) منها.
ثم قال: وهذا البيان الدقيق من فضيلته جزاه الله خيراً؛ يؤكِّد لزوم مجانبة مثل تلكم الألفاظ (يقصد: غثاء!) يقيناً؛ وإنْ اختلفت في حكمها أنظار العلماء، وذلك جمعاً للكلمة وتوحيداً للصف، فضلاً عن أصل تعظيم الصحابة والمحافظة على مكانتهم العلية)).
ثم قال في آخر كلمته:
((واختم كلامي هذا بتلكم النصيحة الغالية العزيزة التي ختم بها فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي نفع الله بعلومه "أجوبته" المتقدم ذكر طرف منها، حيث قال جزاه الله خيراً: ...ونقل الحلبي آخر وصية الشيخ ربيع ثم قال:
أقول: أين المتجاوبون مع كلامه؟!
وأين المؤتلفون مع قصده ومرامه؟!))
المصدر: [مجلة الأصالة/ العدد (45) ص21-23 بتاريخ: 15- صفر - 1425ﻫ]
هذا موقف الحلبي من كلمة الشيخ ربيع.
أما موقف الطيباوي؛ فقد كتب في رد هذه الكلمة وتشويهها، مقالاً بعنوان [الاعتراض الرفيع على الشيخ ربيع في مسألة التبديع بدون إقامة الحجة]، بدأه بالطعن القبيح بمنهج الشيخ ربيع حفظه الله تعالى بلا هوادة، وملأه بالسفسطات والتأصيلات المحدثة، بل ولم يسلم من اعتراضه ما نقله الحلبي معجباً به!!.

المثال الثالث: الحلبي يُلزم مَنْ لا يُبدِّع مَنْ يعتقدهم هو مبتدعة؛ بل ويجرحهم ويبدعهم، والطيباوي ينكر مثل هذا الإلزام فضلاً عن التبديع.
فقد قال الحلبي في أحد مجالسة المسجَّلة: ((فإذا قال أبو إسحاق الحويني في محمد عبد المقصود وفوزي السعيد وربعهم من التكفيريين الجهلة الذين يطعنون بنا وبمشايخنا ويتهموننا بالإرجاء؛ قال: بأنهم علماء!. فهذا يدل على جهله!، ويدل على ابتداعه!، ويدل على أنه على وشك الخروج من السلفية!؛ التي لم يُعرف إلا بها، والتي لم ندعو له وننتصر له إلا بسببها. فإذا خرج منها وناوئ أشياخها وأهلها وأبناها، فالحق والله أغلى منه، وأغلى من ألف مثله، والله ناصر دينه)).

أما الطيباوي فقد سجَّل تأصيلاته الفلسفية التي تنافي مثل هذا التأصيل في مقاله [حسم السِّجال حول مذهب الشِّيخ ربيع في الرِّجال]، هذا المقال الذي شرَّق وغرَّب فيه، وتفلسف وتمنطق كعادته، وجاء فيه إلى بعض الأمثلة التي اختلف فيها أئمة الحديث في أحد الرواة تجريحاً وتعديلاً بسبب خفاء أو اشتباه حاله، أو بسبب أصل الاختلاف في الأخذ عن رواية المبتدع؛ فبعضهم يروي عنه، وبعضهم لا يروي عنه، فيريد الطيباوي أن ينزلها على أهل الأهواء الذين صرَّحوا بتأصيلاتهم الحادثة ثم يأتي مَنْ ينافح عنهم وينتصر لهم ويجرح العلماء من أجلهم!.

وقد قال الطيباوي في مقاله السابق: ((هذا هو منهج أهل السنة عندما يختلفون في الحكم على رجل، ولا يعتبرون تناقض مواقفهم بالنسبة لرجل محنة؛ يجرحون بعضهم البعض بسببها)).
فأين هذا من كلام الحلبي المتقدِّم؟!
أقول: ونحن قد قلنا للحلبي ولا زلنا؛ لنختبر صدق كلمته هذه: هذا الحويني قد أثنى في جلسة مسجَّلة بمناسبة عقيقة ابنته ميمونة على مَنْ أشرت إليهم فقال: ((الذين شرَّفونا في هذا الحفل المبارك ونسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعكم بهم؛ تفضل يا شيخ محمد عبد المقصود. الشيخ محمد عبد المقصود، والشيخ فوزي السعيد، والشيخ سيد العربي: هؤلاء نجوم!!!، هم نجوم لا يحتاجون إلى تذكير منا!!)).
فأين موقفك الذي تتوعَّد به منه؟!

المثال الرابع: علي الحلبي ينكر مصطلح ((سلفية المعتقد عصرانية المواجهة)) كثيراً، بينما يستنصر الطيباوي له.
أما كلام الحلبي فهو معروف في مواضعه.
وأما الفيلسوف الجديد الطيباوي؛ فقد كتب مقالاً بعنوان [المخالفات العقدية عند عبد الحميد العربي/ الحلقة الأولى/ الكشف الصوفي عند عبد الحميد العربي].
مَنْ يطالع هذا المقال يجد أنَّ الطيباوي رجل مريض حقاً!؛  ولهذا فهو يتعلَّق بأي شيء ليخرج الذي في رأسه.
فقد هوَّل وصرخ قبل فترة أنَّ الشيخ المفضال عبد الحميد العربي وفقه الله تعالى عنده مخالفات عقدية، وأنه سيخرجها كحلقات!!.
فإذا بالحلقة الأولى في "الكشف الصوفي" مبنية على كلمة قالها الشيخ عبدالحميد وهي: ((لقد أُلقي في روعي أنَّ قمة دمشق العشرين ستكون فاتحة خير لعشرات القمم الآتية...)) إلى آخر كلامه، مع أنَّ الطيباوي فسَّر معنى الروع بالنفس، فكأنه قال: أُلقي في نفسي، وهذه كلمة تقال، وقد قالها - كما ذكرها العربي - بعض الصحابة كما نقل ذلك عنهم الطيباوي نفسه!!.
بل قال الطيباوي بالحرف الواحد: ((تحرير مسألة الإلقاء في الروع: بعض الناس يصعب عليه أن يقول "ألقي في روعي" مع أنه يعلم جواز استعمالها)).
قلتُ: لا أدري؛ هل يدري هذا الفيلسوف ما يخرج من رأسه؟!
وقال الطيباوي: ((ولذلك كل من استعمل هذه الكلمة كأبي بكر، وعمر، وابن عباس، وأنس بن مالك؛ لم يعارضها عندهم خاطر باطل، وجاءت كما أخبروا، بخلاف صاحبنا الحجوطي فإنه خاب أمله؛ مما يعني أنَّ قلبه ليس من نوع هذه القلوب)).
قلتُ: وهل قلبك يا طيباوي من نوع تلك القلوب؟!!!
وحتى لا نطيل معه؛ لأنَّ إطالة الكلام معه ضرب من الجدل العقيم:
مما استنكره الطيباوي على الشيخ عبدالحميد العربي؛ ما قاله الطيباوي: ((ولذلك تجد عبد الحميد العربي كما في شريط فديو له يزعم وجود سلفية المعتقد عصرانية المواجهة!.
ولست أدري؛ هل يريدها سلفية المعتقد رومانية المواجهة، أم فضائية المواجهة؟! فكأنه يقول: لا نواجه مخالفات هذا العصر، ونعيش في مواجهة الفرق البائدة والمنقرضة)).
قلتُ: يقصد أنَّ الشيخ عبدالحميد يذكر بعض مَنْ يتبنى هذه الدعوة الباطلة "سلفية المعتقد عصرانية المواجهة" ويتكلَّم عليهم.
والطيباوي ينتصر لها ولهم؛ كما كان دعاة فقه الواقع الحركيون ينتصرون لها، وبنفس العبارات " مواجهة الفرق البائدة والمنقرضة"!!.
نعم يا طيباوي؛ إذن شرك القصور لا شرك القبور، أليس كذلك؟!!
ومواجهة طواغيت العصر لا مواجهة الفرق البائدة والمنقرضة؟!!
إذن هذه خلاصة ما تدعو إليه: ((سلفية المعتقد عصرانية المواجهة))!!!.
وأخيراً:
هل بين الطيباوي والحلبي تعارض أم توافق؟!
أم القضية قضية وقت فحسب؟!
هل صرَّح بهذا المنهج الطيباوي ووقف في ظهره الحلبي مقوياً وسانداً؟!
هل لا زال الطيباوي يستحق الثناء والنصح به؟!
متى يتيقظ الغافلون الذين يحسنون الظن بأمثال هؤلاء؟!
متى ينتبهون؟!

كتبه: أبو معاذ رائد آل طاهر

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.