-->

الأربعاء، 13 فبراير 2013

الرد على ما جاء من أباطيل وتشغيبات في مقال [الشوائب الحزبية، والرواسب الإخوانية ...]



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فلا زال أهل الباطل يسعون بكل سبيل إلى تنفير الناس عن أهل العلم الراسخين، والطعن بهم، وفصل الشباب والعوام عنهم؛ بالتشغيب والتلبيس والكذب والباطل، لأنهم يعلمون أنَّه لا نجاة للناس – وبالأخص في أيام الفتن - إلا بالالتفاف حول علمائهم، وما دام الناس متمسكين بعلمائهم فلا سبيل إلى دعوتهم إلى المناهج الباطلة أبداً.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلمُ من أصحاب محمد ومن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا))، وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: ((لا يزالُ الناسُ بخير ما بقي الأولُ حتى يتعلَّمَ الآخرُ؛ فإن هلك الأول قبل أن يتعلَّمَ الآخرُ هلك الناسُ)).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته:
والجهلُ داءٌ قاتلٌ وشفـــاؤه         أمران في التركيب متفقــانِ
نصٌّ من القرآن أو من سنــة          وطبيب ذاك العالم الربانــي
ومن أمثلة أهل الباطل الذين يسعون إلى تنفير الناس عن علمائهم ما يقوم به مشرفو [منتديات كل السلفيين] – منذ زمان! - والتي هي بإشراف علي الحلبي، من نشر مقالات بعيدة كل البعد عن لغة العلم والحجة والبرهان، وإنما تشتمل على التلبيس والتشغيب والبهتان.
ومن ذلك: مقالهم الأخير والذي هو بعنوان [الشوائب الحزبية، والرواسب الإخوانية، العالقة في منهجية الشيخ ربيع المدخلي!!]، ولو كان عندهم مسحة حياء لما سوَّدوا مقالهم بمثل هذا الكذب والهراء؛ فضلاً عن هذا العنوان الباطل ظاهر البطلان بلا مراء، ولكنَّ القوم لا يقفون عند حد معين في حربهم وعداوتهم ضد العلامة المجاهد الشيخ ربيع حفظه الله تعالى وضد السلفيين الذين لا يسكتون عن باطلهم ولا عن باطل مَنْ يدافعون عنهم من أهل البدع، لهذا فهم قد فتحوا باب الجرح والتجريح والطعن والتقريح والانتقاص والتهم الباطلة والتحذير والتنفير والتأليب بشتى الأساليب الفاجرة على مصراعيه!!!، ومن غير حواجز ولا حدود ولا محرمات!، وأما حالهم مع المبتدعة فلا جرح ولا تحذير ولا تشنيع ولا تبديع ولا إنكار ولا إلزام، بل ولا تصريح بأعيانهم حتى في نقدهم الهزيل أحياناً والمليء بالاعتذار والموازنة بين الحسنات والسيئات!!، لأنَّ باب الجرح مع هؤلاء مغلق بإحكام، ومفتاحه في سرداب مظلم!، والله المستعان.
ولو أردنا أنَّ نردَّ على كل ما جاء في هذا المقال من أباطيل لطال بنا المقام والكلام، لكننا نريد أن نقف عندهم فيما جاء في مقالهم من تهمة الشيخ ربيع حفظه الله تعالى بتأمير بعض الناس على البلاد!!، التي أكثروا فيها اللغط والتشغيب في مقالهم المشار إليه، بل لعلها المقصود الأول من كتابة مقالهم!، وإنما ما سواها جاء تبعاً أو تتميماً لها!.
فلنشرع في الرد على هؤلاء بعون الله تعالى وتوفيقه:

قال هؤلاء المبطلون: ((ونحن - في هذا المقال - سوف نحاول أن نسلط الضوء على بعض السلوكيات والممارسات الحزبية التي لا زالت حاضرة في منهجية الشيخ ربيع, ولم تُعرَف عن غيره من المشايخ السلفيين المعروفين, وإنما هي رواسب لا تزال عالقة في منهجيته - سدده الله - من تلك العلاقة الإخوانية السابقة!!)).
أقول لهم:
لا يعرف السلفيون – في هذا العصر بل والذي قبله- رجلاً كشف مناهج الإخوان، وأباطيل وانحرافات وضلالات زعمائهم مثل الشيخ ربيع حفظه الله تعالى، وكتابات وأشرطة الشيخ في فضح الإخوان والرد عليهم والتحذير من قواعدهم ومسالكهم متوفرة ومنتشرة ومستفيضة، ولا يُمكن لأحد – مهما تكابر ومهما تعالى عن قبول الحق – أن يُنكر هذا!.
فاتهام الشيخ ربيع بالإخوانية هو كاتهام الإمام أحمد بقول المعتزلة في خلق القرآن!!!، أو كاتهام شيخ الإسلام ابن تيمية بالأشعرية ونفاة الصفات أو بالرفض والقدرية!!!، أو كاتهام مجدد التوحيد الشيخ محمد عبد الوهاب بالقبورية وتقليد دين الآباء والأجداد!!!.
فهل يقبل هذا عاقل فضلاً عن طالب علم أو عالم؟!!
ووالله لو قيل للإخوان المسلمين: إنَّ الشيخ ربيعاً المدخلي متأثر بكم!، لضحكوا على سذاجة عقل هذا القائل بلا أدنى ريب!!!.
ولكنَّ أهل الباطل كما وصفهم الله عز وجل: ((وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)).
وأقول:
ثم لماذا لا يُسلِّط هؤلاء المبطلون – مثلاً - الضوء على السلوكيات والممارسات الحزبية التي لا زالت حاضرة في منهج جمعية إحياء التراث؟!
ألم يقل شيخهم ومشرفهم علي الحلبي وهو يذكر ملاحظاته على هذه الجمعية:
((أَوَّلها: انْشِغَالُهُم الكَبِير بِالعَمَلِ السِّيَاسِي، واستغراقهم فيه.
وَثَانِيهَا: بعض المَسَالِكُ الحِزْبِيَّةُ فِيهِم؛ وَقَد اعْتَرَفَ بِهَا كَبِيرٌ مِنْ كُبَرَائِهِم أَمَامِي.
وَثَالِثُها: عَدَمُ تَبَرُّئِهِم مِنْ رَأْسٍ مِنْ رُؤُوسِهِم السَّابِقِين -وَهُوَ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَبْد الخَالِق)- وَقَد انْحَرَفَ مَنْهَجُهُ نازعًا مَنْزِعَ التكفيرِ؛ وَهُمْ يَعْرِفُون!!)).
أم أنَّ حزبية الشيخ ربيع – في نظر هؤلاء! – أشد من حزبية هذه الجمعية؟!
ولماذا لا يعتذرون للشيخ ربيع كما يعتذرون لهذه الجمعية وزعمائها وأعضائها؟!
وقد قال شيخهم الحلبي في كتاب [حُكْم العَمَل الجَمَاعِي] لعبدالله السبت، وما فيه من دعوة صريحة إلى العمل المنظم والإمارة والبيعة: ((نعم؛ قد يكون تجويز الشيخين الفاضلين لهذا الأمر من باب الترتيب والنظام الإداري، لا من باب الإمارة الحزبية أو البيعة غير الشرعية!، والإلزام بما لا يلزم!)).
فما بال قد (أعضاء هذه الجمعية) تعمل، وقد (الشيخ ربيع) لا تعمل؟!

وقال هؤلاء: ((ومن أبرز أمثلة ذلك:
أولاً: تنصيبه الأمراء على السلفيين في بعض البلدان والأمصار!!!!!.
إنَّ من أبرز سمات دعوة الإخوان المسلمين الحزبية, تنصيبهم الأمراء على أتباعهم في البلدان والمناطق, وقد يستغرب الكثيرون من قولنا: أن هذه السمة لا زالت عالقة في منهجية الشيخ ربيع المدخلي, ولهذا تراه ينصب الأمراء على السلفيين في بعض المناطق والأمصار, ومن ذلك ما تستمعون إليه في [هذا المقطع] المسجل في شهر شعبان الماضي، جواباً على السؤال التالي :
"السائل: شيخنا الذي وصلنا منكم أن [فلانا] أمير العراق؛ هذا الذي بلغنا, هذا الذي نعلمه؟
الشيخ : نعم أمّرته , أمّرته على العراق , ولكن طلع شيء ثاني ؛ فماذا أصنع؟! كان عمر يولي واحداً على البلاد, وبعدين لما يشوف فيه شيء يعزله؛ أجبتك أم لا؟!.
السائل: وما الذي ظهر في [فلان]؟
الشيخ: هذا ليس أميراً على السلفيين أبداً, لا إمارة له أبداً، لأنه على الباطل!، والباطل كثير وكثير وكثير, منها واحد: أنه مع علي حسن, وعلي حسن يفرق السلفيين في العالم وهو معه!!!!!!!!)).
أقول: في كلامهم هذه عدة مغالطات:
الأولى: دعوى أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى يؤمِّر بعض الناس على السلفيين في بعض البلاد، دعوى كاذبة، وإنما لم يقع هذا قط إلا في حال السلفيين في العراق على وجه الخصوص، على تفصيل سيأتي.
فهذا التعميم في الكلام من أبطل ما يكون.
الثانية: أنَّ المقطع المنقول، هو من أحد الأشرطة المسجَّلة بين مجموعة من المقلِّدة العوام من أهل العراق وبين الشيخ ربيع حفظه الله تعالى، وهذه الأشرطة مَنْ يستمعها يلاحظ مدى إساءة الأدب من قبل هذه المجموعة الماكرة المتعصبة، وذلك مثل: علو صوتهم على الشيخ مراراً، وكثرة مقاطعتهم لكلام الشيخ، وعدم تقدير واحترام الشيخ في توجيه العبارات التي لا تليق إليه، وعدم التفاتهم لحديث الشيخ ولا للحجج التي يذكرها، وإنما الجدل المتواصل بالباطل وبلا علم ولا برهان، هذا مع جهل مركب فضيع، وتضخيم لحال السلفيين في العراق بعد فتنة الحلبي بالكذب والتلبيس، ومع كونهم جهلة إلا أنهم يتحدثون من علو مكانة، وكأنَّ لهم سلطاناً على الحلبي وعلى أبي منار، فهم يتعهدون للشيخ ربيع حفظه الله تعالى بإقناع الحلبي وأبي منار بالتوبة!، وإعلانها في المواقع وفي جميع الأمصار التي انتشرت فيها فتنة الحلبي وتأصيلاته الباطلة!!، وكذا في تعاملهم مع الشيخ؛ فهم لم يأتوا ليسألوا الشيخ ولا ليسمعوا منه أدلة وبراهين تبديعه للحلبي ولأبي منار، ولا ليسمعوا منه نصائحه وتوجيهاته في مثل هذه الفتن، وإنما جاؤوا لينصحوا الشيخ حفظه الله تعالى!، جاؤوا ليقولوا له: كف يا شيخ – لوجه الله! - عن الكلام في الحلبي وفي أبي منار!، والشيخ يقول لهم: أما حقي وطعوناتهم فيَّ فأنا متنازل عنه كله، وأما حق الله – وهو الانتصار للمنهج السلفي وكشف المبطلين والرد عليهم – فلا أتنازل عنه؛ لأنه ليس من حقي، ولكنهم عندهم من الجهل والبلادة ما لا يُطاق، بل إننا والله نعجب كيف صبر عليهم الشيخ حفظه الله تعالى كل هذه المدة، وهم أهل جدل وشقاق وباطل، ليس من غايتهم معرفة المحق ومعرفة المبطل، وإنما غايتهم إسكات الشيخ من الكلام في الحلبي وأبي منار فحسب.
والمستمع للجلسة يلاحظ أنَّ هذه المجموعة كلها تتكلَّم في آن واحد مع الشيخ!، ويتنقَّلون من موضوع إلى آخر في أقل من دقيقة!، وكم مرة حاول الشيخ حفظه الله تعالى بحزم وشدة إسكاتهم بقوله: اسمع اسمع اسمع؛ ليعرِّفهم بالأدلة والبراهين، ولكنهم لا ينصتون له ولا يلتفتون، حتى يضطر الشيخ أن يكرر عليهم هذه الكلمة مراراً حتى يسكتوا!.
وفي أثناء هجمتهم جميعاً على الشيخ حفظه الله تعالى، وكان الشيخ يرد على هذا، ويجيب هذا، وينصح هذا، فيرى منهم عدم التفات بل مواصلة في الجدل والشقاق، فيشدد عليهم الشيخ القول،  فإذا بأحدهم يستغل هذه الفرصة فينتقل إلى السؤال عن تأمير أبي منار على العراق؛ قائلاً: ((شيخنا الذي وصلنا منكم أن أبو المنار أمير العراق؛ هذا الذي بلغنا, هذا الذي نعلمه؛ الآن في هذه العمرة سمعنا كلام غير هذا؟))، فلم يكن سؤال متعلِّم أو مستفهم، وإنما سؤوال معترض مستنكر!.
والشيخ حفظه الله تعالى لم يسأله متى أمَّره؟ ولا وقف عند هذه المسألة ولا التفت إليها، وإنما قاطعه قائلاً: ((نعم أمّرته على العراق، ولكن طلع شيء ثاني؛ فماذا أصنع؟! عمر يولي واحداً على البلاد, وبعدين لما يشوف فيه شيء يعزله؛ أجبتك أم لا؟!))، فالشيخ حفظه الله تعالى أراد أن يجيبه عن سبب تغير حكمه في أبي منار، ليس إلا، وليس في ذلك إقرار لمبدأ التأمير الحزبي كما زعم هؤلاء المبطلون!.
فقائل المعترض:  ((وما الذي ظهر في أبي منار؟)).
فقال الشيخ بحزم: ((هذا ليس أميراً على السلفيين أبداً, لا إمارة له، لأنه على الباطل!)).
فقال المعترض: وما هو الباطل؟!
فقال الشيخ: ((الباطل كثير وكثير وكثير, منها واحد: أنه مع علي حسن, وعلي حسن يفرق المسلمين في العالم وهو معه)).
الثالثة: أنَّ هؤلاء المبطلين لم ينقلوا لنا عن طريق التسجيل ما حصل بين الشيخ ربيع وبين مجموعة أهل العراق، هذه الجلسة التي يزعمون فيها أنَّ الشيخ أمَّر أبا منار على السلفيين في العراق.
والذي نعرفه من أحد الإخوة الثقات ممَنْ كان حاضراً في تلك الجلسة: أنَّ أبا المنار وبعض طلبة العلم المعروفين والشباب السلفي في العراق لما كانوا على وفاق ودعوة واحدة، جاؤوا إلى الشيخ ربيع حفظه الله تعالى وذكروا له ما يحصل في العراق من أحداث شداد من قبل الروافض وتسلطهم على أهل السنة في محافظات كثيرة، ومنها أنَّ بعض السياسيين طرح فكرة تقسيم العراق إلى إمارات، وأنَّ محافظة صلاح الدين ستكون إمارة منفصلة، فأخبر أبو منار وآخرون الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى أنَّ لهم قدرة وسلطاناً على إدارة شؤون محافظة صلاح الدين؛ من شرطة ودوائر رسمية ومؤسسات مدنية، والوقف السني والمساجد التابع له في المحافظة، هذا مع علاقات واسعة وروابط وثيقة بالعشائر ووجهاء وساسة المحافظة، وأخبروه أنَّ أبا منار قادر على إدارة المحافظة، فأيدهم الشيخ حفظه الله تعالى، ولم ير في ذلك بأساً؛ حفاظاً على الشباب السلفي من تسلِّط الروافض على محافظاتهم؛ وبالتالي إيذائهم وفتنتهم عن دينهم.
وقد أخبرنا هذا الأخ وفقه الله تعالى، أنَّ هؤلاء لما خرجوا من عند الشيخ ربيع حفظه الله تعالى تواصوا فيما بينهم جميعاً على وجوب كتمان هذا الشريط!، بل غلَّط بعضهم بعضاً، لكونهم لم ينقلوا واقع الدعوة السلفية ودعاتها ولا حال أهل السنة في المحافظات السنية على ما هي عليه!!، وإنما هوَّلوا الواقع والحال؛ حتى استحصل بعضهم على ما يريد، واستنكر البعض الآخر ما حصل!.
وهذا هو ما حصل!
فهل يجد السلفي المنصف أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى من خلال هذه القصة يقر مبدأ الإمارة الحزبية؟!
أم هو مجرد التشغيب والترصد بالباطل والتلبيس؟!
الرابعة: أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى لو صدرت منه في تلك الجلسة لفظة التأمير لأبي منار، فليس مراده الإمارة الحزبية قطعاً، لأنَّ سياق القصة يأبى ذلك، وكذلك المعروف من منهج الشيخ ربيع في محاربة الحزبية وما يتعلَّق بها من إمارة وبيعة وتنظيم يدفع تلك التهمة.
وإنما مراد الشيخ حفظه الله تعالى إدارة المحافظة في حال تقسيم العراق إلى إمارات؛ وهذا أمر غير مستنكر، بل يجب تعيين أميراً على إدارة شؤون الناس الدنيوية.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [مجموع الفتاوى ج28ص390 –392]: ((فصل: يجب أن يُعرف أنَّ ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فان بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" رواه أبو دواد من حديث أبي سعيد وأبي هريرة، وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم"، فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع.
ولأنَّ الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والامارة؛ ولهذا روي "أنَّ السلطان ظل الله في الأرض"، ويقال: "ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان"، والتجربة تبين ذلك.
ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: "لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يرضى لكم ثلاثاً أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وان تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولا ه الله أمركم" رواه مسلم، وقال: "ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولا ة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإنَّ دعوتهم تحيط من ورائهم" رواه أهل السنن، وفى الصحيح عنه أنه قال: "الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة" قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربةً يتقرب بها إلى الله؛ فإنَّ التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال بها، وقد روى كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ذئبان جائعان أرسلا في زربية غنم بأفسد لها من حرص المرء على: المال والشرف لدينه" قال الترمذي حديث حسن صحيح، فأخبر أنَّ حرص المرء على المال والرياسة يفسد دينه، مثل أو أكثر من فساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم)).
ثم قال رحمه الله تعالى: ((فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين وأقام فيها ما يمكنه من الواجبات واجتناب ما يمكنه من المحرمات: لم يُؤاخذ بما يعجز عنه، فإنَّ تولية الأبرار خير للأُمة من تولية الفجار، ومن كان عاجزاً عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء للأئمة ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير: لم يكلف ما يعجز عنه، فإنَّ قوام الدين: بالكتاب الهادي والحديد الناصر كما ذكره الله تعالى)).
وقال رحمه الله تعالى في [منهاج السنة النبوية ج1ص557-559]: ((وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات مات ميتة جاهلية، ومن قتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه"، فذم الخروج عن الطاعة ومفارقة الجماعة، وجعل ذلك ميتة جاهلية؛ لأنَّ أهل الجاهلية لم يكن لهم رأس يجمعهم.
والنبي صلى الله عليه وسلم دائماً يأمر بإقامة رأس؛ حتى أمر بذلك في السفر إذا كانوا ثلاثة فأمر بالإمارة في أقل عدد وأقصر اجتماع، وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال"نعم"، قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دخن"، قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر"، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها"، فقلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: "نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟، قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟!، قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"، وفي لفظ آخر: قلت: وهل وراء ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: كيف؟ قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس"، قال قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير وإنْ ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع")).
قلتُ:
فولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها؛ وهذه الإمارة هي التي سُئل عنها الشيخ ربيع حفظه الله تعالى، وهي إمارة سياسة الناس وإدارة شؤون حياتهم وإقامة الشعائر والحدود، ولم يُسأل عن الإمارة الحزبية المبنية على التنظيم السري والبيعة السرية في وسط حكومات رسمية!.
فأين وجه الإنكار في هذا التأمير؟!
الخامسة: أنهم حملوا الإمارة الشرعية على الإمارة الحزبية؛ وهذا تلبيس قبيح، لأنَّ حمل الإمارة الشرعية على الحزبية والعكس من قبيل قياس الشبه الباطل (وهو مجرد التشابه بالصورة الخالية من الأوصاف والمعاني)؛ الذي لم يتفوه به إلا المبطلون.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في [إعلام الموقعين 1/148-150]: ((فصل قياس الشبه: وأما قياس الشبه فلم يحكه الله سبحانه إلا عن المبطلين: فمنه قوله تعالى إخباراً عن إخوة يوسف أنهم قالوا لما وجدوا الصواع في رحل أخيهم: "إنْ يسرق فقد سرق أخ له من قبل"، فلم يجمعوا بين الأصل والفرع بعلة ولا دليلها، وإنما ألحقوا أحدهما بالآخر من غير دليل جامع سوى مجرد الشبه الجامع بينه وبين يوسف، فقالوا: هذا مقيس على أخيه بينهما شبه من وجوه عديدة وذاك قد سرق فكذلك هذا، وهذا هو الجمع بالشبه الفارغ والقياس بالصورة المجردة عن العلة المقتضية للتساوي، وهو قياس فاسد، والتساوي في قرابة الأخوة ليس بعلة للتساوي في السرقة لو كانت حقاً، ولا دليل على التساوي فيها فيكون الجمع لنوع شبه خال عن العلة ودليلها.
ومنه قوله تعالى إخبارا ًعن الكفار أنهم قالوا: "ما نراك إلا بشراً مثلنا"، فاعتبروا صورة مجرد الآدمية وشبه المجانسة فيها، واستدلوا بذلك على أنَّ حكم أحد الشبهين حكم الآخر، فكما لا نكون نحن رسلاً فكذلك أنتم، فإذا تساوينا في هذا الشبه فأنتم مثلنا لا مزية لكم علينا، وهذا من أبطل القياس، فإنَّ الواقع من التخصيص والتفضيل وجعل بعض هذا النوع شريفاً وبعضه دنياً وبعضه مرؤوساً وبعضه رئيساً وبعضه ملكاً وبعضه سوقة يبطل هذا القياس؛ كما أشار سبحانه إلى ذلك في قوله: "أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون"، وإجابة الرسل عن هذا السؤال بقولهم "إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده"، وأجاب الله سبحانه عنه بقوله: "الله أعلم حيث يجعل رسالاته"، وكذلك قوله سبحانه: "وقال الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذا لخاسرون"؛ فاعتبروا المساواة في البشرية وما هو من خصائصها من الأكل والشرب وهذا مجرد قياس شبه وجمع صوري، ونظير هذا قوله: "ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا"، ومن هذا: قياس المشركين الربا على البيع بمجرد الشبه الصوري، ومنه: قياسهم الميتة على الذكي في إباحة الأكل بمجرد الشبه.
 وبالجملة: فلم يجيء هذا القياس في القرآن إلا مردوداً مذموماً!!.
ومن ذلك قوله تعالى: "إنَّ الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين. ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها"، فبين الله سبحانه أنَّ هذه الأصنام أشباح وصور خالية عن صفات الإلهية، وأنَّ المعنى المعتبر معدوم فيها، وأنها لو دعيت لم تجب، فهي صورة خالية عن أوصاف ومعان تقتضي عبادتها، وزاد هذا تقريراً بقوله: "ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها" أي: أنَّ جميع ما لهذه الأصنام من الأعضاء التي نحتتها أيديكم إنما هي صور عاطلة عن حقائقها وصفاتها؛ لأن المعنى المراد المختص بالرِّجل هو مشيها وهو معدوم في هذه الرِّجل، والمعنى المختص باليد هو بطشها وهو معدوم في هذه اليد، والمراد بالعين إبصارها وهو معدوم في هذه العين، ومن الأذن سمعها وهو معدوم فيها، والصور في ذلك كله ثابتة موجودة وكلها فارغة خالية من الأوصاف والمعاني فاستوى وجودها وعدمها، وهذا كله مدحض لقياس الشبه الخالي عن العلة المؤثرة والوصف المقتضي للحكم، والله أعلم)).
قلتُ:
ومجرد تشابه الألفاظ - مع اختلاف المعنى - لا يسوغ لأحد أن يُعبِّر عن المعنى الحق باللفظ الباطل؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في [مفتاح دار السعادة 1/141]: ((وإذا تأمل العاقل الفطن هذا القدر وتدبره: رأى أكثر الناس يقبل المذهب والمقالة بلفظ ويردها بعينها بلفظ آخر، وقد رأيتُ أنا من هذا في كتب الناس ما شاء الله، وكم رد من الحق بتشنيعه بلباس من اللفظ قبيح؟.
وفي مثل هذا قال أئمة السنة منهم الإمام احمد وغيره: لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة شنعت؛ فهؤلاء الجهمية يسمون إثبات صفات الكمال لله من حياته وعلمه وكلامه وسمعه وبصره وسائر ما وصف به نفسه تشبيهاً وتجسيماً ومن أثبت ذلك مشبهاً!، فلا ينفر من هذا المعنى الحق لأجل هذه التسمية الباطلة إلا العقول الصغيرة القاصرة خفافيش البصائر.
وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل، ولا تغتر باللفظ كما قيل في هذا المعنى:
 تقول هذا جنى النحل تمدحه ... وإن تشأ قلتَ: ذا قيء الزنابير
مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما ... والحق قد يعتريه سوء تعبير
 فإذا أردتَ الاطلاع على كنه المعنى هل هو حق أو باطل؟، فجرده من لباس العبارة، وجرد قلبك عن النفرة والميل، ثم اعط النظر حقه، ناظراً بعين الانصاف، ولا تكن ممن ينظر في مقالة أصحابه ومن يحسن ظنه نظراً تاماً بكل قلبه، ثم ينظر في مقالة خصومه وممن يسيء ظنه به كنظر الشزر والملاحظة، فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ، والناظر بعين المحبة عكسه، وما سلم من هذا إلا من أراد الله كرامته وارتضاه لقبول الحق، وقد قيل:
 وعين الرضا عن كل عيب كلِيلة ... كما أنَّ عين السخط تبدي المساويا
وقال آخر:
 نظروا بعين عداوة لو أنها ... عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا
فإذا كان هذا في نظر العين الذي يدرك المحسوسات ولا يتمكن من المكابرة فيها؛ فما الظن بنظر القلب الذي يدرك المعاني التي هي عرضة المكابرة، والله المستعان على معرفة الحق وقبوله، ورد الباطل وعدم الاغترار به)).
وقال رحمه الله تعالى في رده على المعطلة لصفات الله عز وجل [الصواعق المرسلة 3/944]: ((فنفيتم المعنى الحق وسميتموه بالاسم المنكر!، وكنتم في ذلك بمنزلة من سمع أنَّ في العسل شفاء ولم يره، فسأل عنه فقيل له: مائع رقيق أصفر يشبه العذرة تتقيأه الزنابير!!، ومَنْ لم يعرف العسل ينفر عنه بهذا التعريف، ومَنْ عرفه وذاقه لم يزده هذا التعريف عنده إلا محبة له ورغبة فيه، وما أحسن ما قال القائل:
 تقول هذا جني النحل تمدحه ... وإن تشاء قلتَ: ذا قيء الزنابير
 مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما ... والحق قد يعتريه سوء تعبير
 وأشد ما حاول أعداء الرسول من التنفير عنه: سوء التعبير عما جاء به، وضرب الأمثال القبيحة له، والتعبير عن تلك المعاني التي لا أحسن منها بألفاظ منكرة!، ألقوها في مسامع المغترين المخدوعين، فوصلت إلى قلوبهم فنفرت منه، وهذا شأن كل مبطل!، وكل مَنْ يكيد الحق وأهله!، هذه طريقه ومسلكه، وأكثر العقول كما عهدت تقبل القول بعبارة، وترده بعينه بعبارة أخرى)).
وما أشبه هؤلاء المبطلون الذين حملوا كلام الشيخ ربيع على الإمارة الحزبية بحال هؤلاء المبطلين الذين يكيدون الحق وأهله، ويخدعون الناس الذين يسمعون له ويغترون بهم؟!
ولا يقول مبطل: أنَّ هذا من حمل المجمل على المفصل؛ والشيخ ربيع لا يقول به؟!
فجواب ذلك: أنَّ كلام الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في الجلسة القديمة ليس مجملاً؛ بل يوضحه سياق الكلام الذي دار بينه وبين العراقيين، وأنه أراد الإمارة في إدارة شؤون المحافظة بعد غياب الأمن والاستقرار، ولا يحق لأحد أن يزعم أنه مجمل من غير أن يستمع له أو يعلم تفاصيل ما جرى في الجلسة!.
وإنَّ من أغرب ما نراه من صنيع هؤلاء المبطلين أنهم يعتذرون لأهل البدع والمنحرفين بدعوى قصور في العبارة أو خطأ لفظي!، كمثل اعتذارهم للمأربي في وصفه لبعض الصحابة بأنهم غثاء، واعتذارهم للحويني في تكفيره للمصر على الذنب، مع أنَّ ألفاظ هؤلاء وسياق كلامهم لا يحتمل التأويل ولا الاعتذار، ثم إذا جاؤوا إلى كلمة يقولها الشيخ ربيع في سياق معين، فيقطعونها من ذلك السياق، ويلبسونها بلباس من اللفظ القبيح، ويحملونها على المعنى الباطل، ثم يأتي بعدها التجريح والتحذير والتنفير والتكسير والتأليب، ويزعمون أنهم على خطى رسالة [رفقاً أهل السنة بأهل السنة]!!.

وقال هؤلاء المبطلون: ((والشيخ ربيع المدخلي يستدل على مشروعية تأميره لـ(فلان) على السلفيين في العراق؛ بفعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في تنصيبه الأمراء على البلدان والأمصار وعزله لهم؛ فواضح من الاستدلال - دون تكلف الرد أو القبول! - أن المقصود بالإمارة هي الإمارة العامة التي توجب السمع والطاعة!!)).
نقول لهؤلاء:
الشيخ ربيع حفظه الله تعالى لم يؤمِّر أحداً من العراقيين ابتداء!، بل هم طلبوا مشورته ونصيحته، وصوَّروا له حالهم وواقعهم بما لا يحتمل إلا الإذن لهم بإدارة شؤون محافظتهم كما تقدَّم بيان ذلك، وهذا يشبه كلام العلماء الذين أجازوا المشاركة في الانتخابات – مع إنها من مسالك الحزبيين والإخوانيين كما هو معلوم – من باب تقليل الشر، وحماية الدين الحق وأهله من بطش وتسلط المخالفين.
فهل يُقال للعلماء الذين أجازوا المشاركة في الانتخابات من أجل تقليل الشر؛ أنَّ عندهم شوائب حزبية ورواسب إخوانية؟!
ما لكم لا تنطقون؟
وأما الكلام في الاستدلال بفعل عمر رضي الله عنه؛ فلا يلزم الاستدلال بفعل أحد الخلفاء الراشدين أن يجعل المستدل نفسه في مقام ذلك الخليفة من حيث وجوب السمع والطاعة، ولو لزم ذلك لبطل الاستدلال بفعل الخلفاء من غير الخليفة، وهذا باطل بيقين.
   
وقال هؤلاء المبطلون: ((خامساً: فصل الشيخ ربيع لمخالفيه وإقصائهم من دائرة الدعوة السلفية.
ولا أدل على هذه السلوكية مما تقدم معنا في المقطع الصوتي السابق, حيث إنه (خلع) فلاناً من الإمارة, وفي نفس الشريط نسبه إلى البدعة والضلالة بعد أن كان أميراً!!, والسبب الوحيد لأنه خالفه في موقفه من الشيخ علي الحلبي!)).
نقول لهؤلاء:
وأما فصل المخالفين للمنهج السلفي عن الاختلاط بالشباب وإقصاؤهم من دائرة الدعوة السلفية؛ فهذا هو الحق، وما سواه فهو من قبيل التمييع الباطل!.
وأما كون الشيخ ربيع بدَّع أبا منار لسبب واحد؛ وهو عدم موافقته على تبديع الحلبي، فهذا خلاف ما صرَّح به الشيخ حفظه الله تعالى حيث قال كما نقله المبطلون أنفسهم: ((لا إمارة له أبداً، لأنه على الباطل!، والباطل كثير وكثير وكثير, منها واحد: أنه مع علي حسن, وعلي حسن يفرق السلفيين في العالم وهو معه))، فكون الشيخ حفظه الله تعالى يذكر سبباً واحداً كمثال، لا ينفي الباطل الكثير الذي وصف به أبا منار!.

وقال هؤلاء المبطلون: ((من خلال ما تقدم عرضه، يمكننا الخلوص بالنتائج التالية:
أولاً: إنَّ الشيخ ربيعاً بن هادي المدخلي واقعٌ فعلاً في جملة كبيرة من السلوكيات والممارسات الحزبية المرفوضة في المنهجية السلفية , والتي من أبرزها:
1- تنصيبه الأمراء على السلفيين في بعض البلدان والأمصار!!)).
نقول لهؤلاء:
وهذا إصرارٌ على الباطل والتلبيس!
فالشيخ حفظه الله تعالى لم يُنصِّب أحداً أميراً على بلد من بلاد المسلمين، وإنما أذِن لأهل محافظة في العراق استناداً على ما ذكروه من واقع شديد وحال مروع.
وأما باقي السلوكيات والممارسات المذكورة في مقالهم؛ فلا قيمة لها، ولا تستحق الجواب عنها أصلاً.

وقال هؤلاء المبطلون: ((ثانياً: إنَّ الشيخ ربيعاً المدخلي قد نصّب (فلاناً) أميراً على السلفيين في العراق, ولا نعرف أيضاً مَنْ قد نصب على غير العراق, أو مَن نصب على العراق بعد أن (عزل) أمير السلفيين في العراق!!، وهنا حُق لنا أن نتساءل: أليست هذه هي حقيقة الصورة الحزبية التي ذمها مشايخ الدعوة السلفية قاطبة؛ فلم اختلاف الكلمة؟!!.
ثم ما مدى صلاحية الشيخ ربيع المدخلي التي تؤهله لمثل هذا التنصيب؛ بل والعزل أيضاً؟!
فإن كان؛ فمن الذي أعطاه هذا الحق؟؟!!.
ومن أي منطلق قام الشيخ ربيع بتنصيبه (لفلان) أميراً على السلفيين في العراق , وربما غيره في بلد آخر؟!.
ومَن سبقه إلى هذا التنصيب من أهل العلم؟!
وما الفرق بينه وبين غيره من القيادات الحزبية في هذا الأمر؟!
وبأي وجه يمكن للشيخ ربيع ومقلديه أن يردوا على من يتهمهم بأنهم تنظيم حزبي يتزعمه الشيخ ربيع المدخلي بدليل هذا التأمير والعزل؟!)).
نقول:
فلينظر القارئ المنصف إلى هذا التهويل والتشغيب مع ما يصدر من الشيخ ربيع حفظه الله تعالى من كلام ومواقف، ثم لينظر إلى اعتذار هؤلاء لأهل البدع والضلال وما يصدر عنهم من كلمات ومواقف تدل على الانحراف ولا تحتمل التأويل، والدفاع عنهم، والطعن بمَنْ يحذِّر منهم، والتبرير لهم بشتى الأساليب ولو كان العقل السليم يرفضها فضلاً عن الشرع الحكيم!.
ولينظر القارئ كيف يبني هؤلاء أحكامهم على الشيخ ربيع بالظنون والأوهام؛ كقولهم: ((ولا نعرف أيضاً مَن قد نصَّب على غير العراق, أو مَن نصَّب على العراق بعد أن (عزل) أمير السلفيين في العراق!!))، وقولهم: ((قام الشيخ ربيع بتنصيبه (لفلان) أميراً على السلفيين في العراق, وربما غيره في بلد آخر!))، وأما أحكام العلماء في تجريح أهل الانحراف؛ حتى لو كانت بالأدلة الصريحة والبراهين القاطعة؛ فلا عبرة لها إلا بشرط أن يقتنعوا كما صرح بذلك شيخهم الحلبي في كتابه!، وإقناع مثل هؤلاء من أعسر الأمور وأصعبها!!.
ولينظر القارئ إلى تسويغهم وصف الشيخ ربيع حفظه الله تعالى والسلفيين الذين يقفون معه في نصرة الحق ورد الباطل بأنهم ((تنظيم حزبي))!!!، ولينظر إلى دليلهم الواضح (!) وبرهانهم القاطع (!): ((بدليل هذا التأمير والعزل)).
فلا أدري أين مثل هذا الوصف مع جمعية إحياء التراث؛ وما عندها من إمارة وبيعة وتنظيم؟!
أم أنَّ ألسنة هؤلاء في وضع (صامت!) مع المبتدعة، بينما في وضع (تنشيط!) مع الشيخ ربيع والسلفيين؟!!

وقال هؤلاء المبطلون: ((ولو عكسنا لقلنا: إننا قد أقمنا الأدلة على وقوع الشيخ ربيع المدخلي في جملة كبيرة من السلوكيات والممارسات الحزبية؛ وبناء على أصل الشيخ ربيع؛ فإنَّ كل من ينبري للدفاع عنه في هذه التهمة أو غيرها فهو حزبي!!. ولا نقول: جوابه علينا هو جوابنا عليه!، ذلكم لأنَّ جوابنا مقرون بالدليل، وجوابه عن الدليل معزول!)).
نقول لهؤلاء:
طيب؛ ليكن (التأمير والعزل) دليلاً على الحزبية، أليس في جميعة إحياء التراث عدة حالات على مثل هذا التأمير والعزل!.
فما بال الدليل يعمل تارة ولا يعمل تارة أخرى؟!
وأما أنَّ أجوبة الشيخ ربيع معزولة عن الدليل؛ فنعم هذا يقوله مَنْ وصفه ربنا جلَّ وعلا بقوله: ((فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ))، وأما أهل البصر والبصيرة فلا يخفى عليهم ذلك أبداً.
فكيف وقد ظهر لكثير ممَنْ كان أعمى مثلكم حال محمد حسان والمأربي وعدنان العرعور والحويني بعد هذه الثورات المعاصرة؟!!

وقال هؤلاء المبطلون: ((وعلى هذا التأصيل: فمَن كان يرى أنَّ الشيخ ربيعاً واقع في الحزبية المذمومة؛ كان له أن يراه (مبتدعاً) - على وفق ما تقتضيه أصوله – هو!!، ونحن (إلى الآن) -مع كل التبديع الذي مارسه علينا الشيخ ربيع - بالباطل- لا نبدعه)).
نقول:
فلينظر القارئ إلى تلاعب هؤلاء بعقول الناس!
كيف يفتحون المجال لتبديع الشيخ ربيع، ويصفونه بالحزبية والإخوانية، ويذكرون الدليل على ذلك (التأمير والعزل)!!، ثم يقولون: ونحن إلى الآن لا نبدِّعه!!!.
لكن مَنْ كان يرى أنَّ الشيخ ربيعاً واقع في الحزبية المذمومة كان له أن يراه مبتدعاً!!!.
فالأمر على حسب إرادة ورؤية الناظر في أحوال الشيخ!، حتى لا يختلفون فيه أو يتخاصمون!، مَنْ راه مبتدعاً فليبدِّعه!، ومَنْ لم يره مبتدعاً فلا يُبدِّعه!، والخلاف شر!، ولا نجعل تبديع الشيخ ربيع سبباً للخلاف بيننا!!، بل يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلافنا فيه من تبديع الشيخ ربيع!!؛ هذا هو لسان حالهم، بل هذا هو لازم قالهم.
ولا أدري لماذا لا يصرِّح هؤلاء بتبديع الشيخ ربيع؛ وهم الذين قالوا: ((إنَّ الشيخ ربيعاً بن هادي المدخلي واقعٌ فعلاً في جملة كبيرة من السلوكيات والممارسات الحزبية المرفوضة في المنهجية السلفية))؟
أليس هذا يتناقض مع قولهم السابق في عدم تبديع الشيخ؛ مع أنهم قيدوا التبديع بقولهم: ((فمَن كان يرى أنَّ الشيخ ربيعاً واقع في الحزبية المذمومة؛ كان له أن يراه: مبتدعاً)).
فهو في نظرهم واقع في الحزبية المذمومة فلماذا لا يُصرِّحون بتبديعه؟!!
وإذا كانت السلوكيات والممارسات الحزبية الكثيرة مع الأدلة المقرونة معها لا تكون سبباً لتبديع الرجل؛ فحقاً هؤلاء مميعة إلى النخاع!!، ولا يُرجى منهم التصريح بالتبديع في حق مَنْ يستحقه بعد موت الأئمة الثلاث!.
وقال هؤلاء المبطلون: ((خامساً: إنَّ كثيراً من السلوكيات والممارسات الحزبية التي قامت في الشيخ ربيع المدخلي قد تعدت إلى أتباعه ومقلديه بسب توجيهه لهم وتقليدهم إياه, بما أفضى إلى تفرق مَنْ حوله إلى جماعات وأحزاب متناحرة متآكلة)).
نقول لهؤلاء:
أما التفرق والتحزب؛ فهذا ظاهر لكل قارئ في أحوال مَنْ كنتم تنافحون عنهم!
فهذا محمد حسان؛ قد تفرَّقتم فيه، بعد أن ولاكم ظهره متوجهاً إلى أصحاب الدرب الأوائل  الإخوان المسلمين!
وهذا المأربي؛ قد أنشأ حزباً وولاكم ظهره، وجمع فيه القطبيين والسروريين وغيرهم.
وهذا عدنان عرور؛ انظروا إلى أعضاء منتداكم كيف يتشاجرون فيه، بين مؤيِّد للشيخ العباد في التحذير منه، وكذلك ملاحظات الشيخ عبد المالك رمضاني، وبين رافض مدافع عنه بالباطل.
وأما الحويني؛ فهو في نظر كثير منكم: بين بين؛ لا يصرِّح إلى الآن بما يدين الله تعالى به في هذه الأحداث، ولهذا تفرقتم في بيان قوله!.
فمَنْ بقي معكم؟!
مع أنَّ القلة والكثرة ليست معياراً لمعرفة الحق!
وكذلك ليس كل تفرق مذموماً، بل تفريق الحق وأهله عن الباطل وأهله محمود، ومن أجله جاءت دعوة الرسل وأنزل الله تعالى الكتب.

وقال هؤلاء المبطلون: ((والشيخ ربيع المدخلي - وأنصاره وأعوانه - من أكثر الناس طعناً بالعلماء السلفيين؛ حتى لا تكاد تجد أحداً منهم نجى منهم!!، بل وصفوا كثيراً منهم بالتمييع!، فهم - على ضوء هذا التأصيل - قد ساروا على طريقة الإخوان المسلمين في إسقاط المنهج السلفي من خلال إسقاط رموزه)).
نقول لهؤلاء:
يظهر أنَّكم تكتبون في ظلمة الليل بلا نور ولا إضاءة!
وإلا فماذا تسمون مقالكم هذا: ابتداء من عنوانه، ومروراً بطياته، ووصولاً إلى خلاصته وخاتمته؟!
أليس طعناً  - وفتحاً لباب الطعن على مصراعيه - في عالم من علماء الأمة شهد له الأكابر ممَنْ تتمسحون بهم؟!
وهل صار رموز السلفيين في هذا العصر: محمد حسان وعدنان عرور والحويني والمأربي وصادق الغرياني ومحمد المغراوي؟!
أم تقصدون: حسن البنا وسيد قطب والمودودي وحكمتيار وغيرهم من زعماء الإخوان، ممن دافع عنهم وتباكى عليهم المأربي في كتابه [الدفاع عن أهل الإتباع]؟!
أم تقصدون: الذين وقعَّوا على رسالة عمان من كافة المذاهب والفرق والأديان، أنهم رموز السلفيين، والذين وصفهم شيخكم الحلبي بالعلماء الثقات؟!
أم تقصدون: شيخكم الحلبي فحسب؟!
لكن هذا لا يصدق عليه قولكم: ((حتى لا تكاد تجد أحداً منهم نجى منهم!!، بل وصفوا كثيراً منهم بالتمييع!)).
فمَنْ هم هؤلاء الكثير والذين هم رموز السلفيين في هذا العصر؟!!
لعلكم تقصدون:
إسقاطكم للجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله تعالى؛ لأنها طعنت في شيخكم وحذَّرت منه!.
أو إسقاطهم للشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى لأنه تكلَّم في شيخكم الحلبي.
أو إسقاطكم للشيخ أحمد النجمي رحمه الله تعالى لأنه بدَّع شيوخكم.
أو إسقاطكم للشيخ ربيع المدخلي حفظه الله تعالى لأنه بدَّع شيخكم الحلبي.
أو إسقاطكم للشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى لأنه بدَّع شيخكم الحلبي.
أو إسقاطكم للشيخ زيد المدخلي وصالح السحيمي حفظهما الله تعالى لأنهما بدَّعا شيخكم المأربي.
أو إسقاط الشيخ عبد المالك رمضاني لأنه حذَّر من شيوخكم الحويني وعدنان عرعور!
أو غيرهم.... ممَنْ تصفونهم بـ(الغلاة) تسقيطاً وتنفيراً.
فعجباً لمنهجكم القائم على الدفاع والاعتذار والرفق بأهل البدع من جهة، ومن جهة أخرى قائم على الطعن والإنكار والغلظة مع أهل السنة.
نسأل الله تعالى أن يُبصِّر الجميع بالمنهج الحق، وأن يرزقنا الثبات عليه وحسن الخاتمة، إنه ولي المؤمنين.

كتبه: أبو معاذ رائد آل طاهر

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.