-->

السبت، 2 فبراير 2013

حكم صلاة الفرض جماعة في المسجد وبيان فضلها


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإنَّ من المظاهر التي يتألم منها قلب المسلم الغيور على دينه، والتي تدل على مدى ابتعاد المسلمين عن دينهم وانشغالهم بزخارف الدنيا وزينتها، والتي تزيد من ضعف المسلمين أمام أعدائهم وذلتهم وهوانهم: ظاهرة ((صلاة الفرض في غير المسجد))!!؛ وكأنَّ المساجد بنيت لكبار السنِّ أو لثلة قليلة من شباب الإسلام!!، بل ومن الغريب: أن نلاحظ بعض ممن يُشار إليه ويُستمع لقوله ويُؤخذ برأيه يتكاسل عن صلاة الفرض في المسجد لغرض أو حظ من حظوظ النفس أو الأهل أو الدنيا!!، والأغرب من ذلك: أن تجد البعض يتعذر بالمعاذيير التي يعلم هو في قرارة نفسه أنها مجرد أماني واهية لا يُمكن له أن يتعذر بها أمام الله يوم يقف أمامه ويقول له: يا فلان لِمَ هجرت المساجد؟! يا فلان لِمَ لَم تصلِّ الفرض مع الجماعة؟!، بل والبعض أخذ يقول: الصلاة في المسجد غير واجبة!!؛ وبهذا استطاع أن يجد له العذر الشرعي كما يزعم!!.
فنقول لهؤلاء جميعاً: اعلموا أنَّ صلاة الفرض واجبة جماعة في المسجد إذا سمع الأذان للصلاة على كل: رجل، بالغ، صحيح من المرض، مقيم غير مسافر، لم يمنعه عذر شرعي؛ ومن لم يحضر صلاة الجماعة: فهو آثم يستحق عقاب الله؛ وإليك أدلة ذلك:        
1- قال تعالى: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)) البقرة/43، قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: {وقوله: "وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ " أي: صلوا مع المصلين, ففيه: الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها} انظر [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص44]؛ وهذا واضح فإنَّ قوله تعالى:(واركعوا) أمر من الله جل جلاله، وقوله:(مع الراكعين) صفة أداء هذا الأمر، ولا يمكن تحقيق هذا الأمر على مراد الله إلا بأدائه على هذه الصفة ((مع الراكعين)) أي: مع المصلين جماعة في المسجد. وقد يقول قائل: وماذا سيحصل إذا خالف المسلم أمر الله تعالى أو أمر رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟! نقول له: يصيبه ما قال تعالى: ((فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ: أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) النور/63.

2- قال تعالى: ((وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً)) النساء/102، قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: ((وهذه الآية تدل على أنَّ صلاة الجماعة فرض عين من وجهين:
أحدهما: أنَّ الله تعالى أمر بها في هذه الحالة الشديدة؛ وقت اشتداد الخوف من الأعداء، وحذر مهاجمتهم، فإذا أوجبها في هذه الحالة الشديدة فإيجابها في حالة الطمأنينة والأمن من باب أَوْلَى وأحرى.
والثاني: أنَّ المصلين صلاة الخوف يتركون فيها كثيراً من الشروط واللوازم، ويعفى فيها عن كثير من الأفعال المبطلة في غيرها؛ وما ذاك إلا لتأكد وجوب الجماعة, لأنه لا تعارض بين واجب ومستحب، فلولا وجوب الجماعة, لم تترك هذه الأمور اللازمة لأجلها)).

3- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده: لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف– آتيهم من خلفهم - إلى رجال: فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده: لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين– مابين ظلفي الشاة من اللحم -  حسنتين لشهد العشاء!!)) أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، وأخرجا عنه واللفظ لمسلم: ((إنَّ أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر!!، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً؛ ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار!!))، ورواه ابن ماجه عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لينتهين رجال عن ترك الجماعة: أو لأحرقن بيوتهم)) وصححه الألباني؛ يا عبدالله ألا تخشى أن تكون من المنافقين؟! ثم هل هذا الوعيد بالإحراق على ترك مستحب أم واجب؟!!.

4- عن أبي هريرة قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد؛ فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته؟ فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟)) قال: نعم، قال: ((فأجب!!)) رواه مسلم، ورواه ابن ماجه عن بن أم مكتوم قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني كبير!!، ضرير!!، شاسع الدار!! – أي بعيد الدار عن المسجد -، وليس لي قائد يلاومني!! – أي الرجل الذي يقوده إلى المسجد لا يتلائم معه -: فهل تجد من رخصة؟ قال: ((هل تسمع النداء؟)) قلت: نعم، قال: ((ما أجد لك رخصة!!)) صححه الألباني، وفي رواية أبي داود قال الضرير:  يا رسول الله إنَّ المدينة كثيرة الهوام والسباع – حيوانات مفترسة - !!؛ تصوَّر أنَّ مع كل هذه العوائق ولم يرخص له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: فكيف بالسالم من هذا العوائق؟!!.  

5- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سمع النداء فلم يأته: فلا صلاة له إلا من عذر!!)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني؛ فمن سمع الأذان ولم يأتي إلى المسجد من غير عذر شرعي مقبول: فلا صلاة له!!؛ وقد اختلف أهل العلم: هل المراد بقوله ((فلا صلاة له)) أي: لا صلاة صحيحة أم لا صلاة كاملة؟! فكيف يا عبدالله يهنأ لك بال وصلاتك بين النقص والبطلان؟!.

6- عن ابن عباس وابن عمر أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لينتهين أقوام عن ودعهم – أي: تركهم – الجماعات: أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني، والغفلة هي صفة تاركي المساجد في هذا العصر!!.

7- عن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: ((أشاهد – أي: هل حضر – فلان؟)) قالوا: لا، قال: ((أشاهد فلان؟)) قالوا: لا، قال: ((إنَّ هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين!!، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب، وإنَّ الصف الأول على مثل صف الملائكة ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإنَّ صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى)) رواه أبو داود وحسنه الألباني.

8- عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان؛ فعليك بالجماعة: فإنما يأكل الذئب القاصية – أي: الشاة المنفردة المبتعدة عن القطيع -)) قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وحسنه الألباني.
فهذه النصوص تدل على وجوب الصلاة جماعة في المسجد؛ فهل ستمتثل لأمر الله تعالى ولأمر رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟ أم ستبقى عاصياً لاهياً غافلاً منغمساً في الدنيا؟ فأيَّاك أن تكون ممن قال الله فيهم: ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ: رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ)) فيأتي له الجواب: ((كَلاَّ، إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)).
ثم اعلم أنَّ لصلاة الجماعة في المسجد فضل، قد بينه لنا نبينا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؛ فإليك جملة من ذلك:   
1- عن عبد الله بن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ – أي: الفرد - بسبع وعشرين درجة)) أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، وفي رواية أبي سعيد الخدري: ((بخمس وعشرين درجة)) أخرجها البخاري، وفي رواية عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعاً وعشرين درجة؛ وذلك أنَّ أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة - لا يريد إلا الصلاة - فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه اللهم اغفر له اللهم تب عليه؛ ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه)) أخرجها البخاري ومسلم واللفظ له.

2- عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد: غفر الله له ذنوبه)) أخرجه مسلم.

3- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من غدا إلى المسجد أو راح: أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح)) رواه مسلم؛ غدا: الخروج أول النهار، راح: الخروج آخر النهار، نزلاً: منزلاً.

4- عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه، فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى العشاء في جماعة: فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة: فكأنما صلى الليل كله)) رواه مسلم.

5- عن بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد: بالنور التام يوم القيامة)) رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني. وهذه نداءات لمن لا يصلي العشاء أو الصبح في المسجد؛ فهل تجد لها أذان تسمع؟!!.

وأخيراً: تدبر في حال سلفنا الصالح مع صلاة الجماعة في المسجد:
عن عبد الله بن مسعود قال: ((مَن سره أن يلقى الله غداً مسلماً: فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنَّ – أي في المساجد -  فإنَّ الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم!!، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له: بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة. ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا : منافق معلوم النفاق!!!، ولقد كان الرجلُ يؤتى به يُهادى بين الرجلين – يتحامل على رجلين - حتى يقام في الصف!!!)) رواه مسلم.

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.