-->

الأربعاء، 13 فبراير 2013

الوقفات الموجزات مع عماد طارق المأربي في وقفاته مع الشيخ الجابري



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد قرأتُ مقال العلامة الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى الموسوم بـ ((تحذير المحب والرفيق من سلوك بنيات الطريق)) في بيانه ونصحه للشيخ إبراهيم الرحيلي وفقه الله تعالى للسداد، بعد أن صدرت من الشيخ الرحيلي هداه الله كلمات استنكرها السلفيون الذين اطلعوا عليها في كل مكان، فكان بيان الشيخ الجابري حفظه الله تعالى نصيحة قيمة نافعة، انتفعنا منها ولله الحمد، ونسأل الله تعالى أن ينتفع منها الشيخ الرحيلي فيرجع عن عباراته وكلماته المنتقدة.
لكنَّ أبا العباس عماد طارق وهو أحد أعضاء منتديات كل المميعين قد كتبَ وقفات يردُّ فيها نصيحة الشيخ الجابري ويضيع الحق ويميعه ويرقع الباطل ويلمعه، وليس ذلك بمستغرب عنه!، فهو معروف بانتصاره للباطل والسعي في تلمييعه وترقيعه بشتى وسائل التلبيس؛ ومن أعظم وسائله في ذلك: تتبع رخص (بعض) العلماء في (نتف) من كلامهم!.
فهو لا ينظر إلى المسائل التي يُناقِش فيها نظرة علمية تأصيلية مبنية على الحجة والبرهان ويتميز فيها وجه الحق عن البطلان، وإنما نظرة توسعية تجميعية تمييعية، يُحاول فيها تهوين الخلاف وتضييع الحق، ولهذا يخرج القارئ – دائماً - من مقالاته وردوده لا يعرف الحق في هذه المسائل التي يناقش فيها، بل لا يخرج إلا بشيء واحد لا غير؛ وهو الاعتذار لأهل الأخطاء والانتصار لهم، والتشنيع على المنتقدين لهم الرادين عليهم المبينين لحالهم!!.
فصار همُّه الأول والأخير: لا إنكار،، ولا تشنيع، ولا إلزام، ولا رد، ولا نقد، ولا نصيحة، ولا بيان!!، بل مراده وغايته وهدفه المنشود: دع هذا يكتب بما يعتقده صواباً وذاك يكتب بما يعتقده صواباً؛ مع عدم إثارة أي خلاف أو إنكار ولو كان علمياً، يعني على طريقة الإخوان المسلمين: "ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"، لا على طريقة أذنابهم من المميعين: "التحذير من الأخطاء دون التعرض للذوات" التي هي من قواعده المشهورة المدونة في بعض ردوده!، فهو لا يقبل حتى التصحيح والنصيحة والبيان – كما هو ملاحظ في وقفاته مع نصيحة الشيخ الجابري هنا -،  فضلاً عن التحذير من الأخطاء، فضلاً عن الإنكار والتشنيع، فضلاً عن التجريح والتبديع!!.
وقد كنتُ عازماً الرد عليه وبيان تلبيساته تفصيلاً، لكن توقفتُ في ذلك حرصاً على وقتي من الضياع في الرد على مثله، والله يعلم ذلك مني، وأرجو ممَنْ يطالبني بذلك قبول عذري.
لكن لا بأس بهذه الوقفات الموجزات:

الأولى:
أنَّ تقسيم الدين إلى أصول وفروع أمر حادث، وأول مَنْ قال به المعتزلة، وقد فرقوا بينهما في كون: الأصول هي العلميات والخبريات، أو القطعيات، أو العقليات، وأما الفروع فهي العمليات والأحكام، أو الظنيات، أو السمعيات، والمقصود من هذا التفريق: عدم إعذار المخطئ – وإن كان عن اجتهاد سائغ - في الأصول، وإعذاره في الفروع، وهذا باطل، وفيه ما فيه من التناقض.
لكنَّ هذه المصطلحات والتقسيمات قد ترد في كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وغيره من الأئمة والعلماء، فإما المراد بها مخاطبة المخالفين بنفس مصطلحاتهم وتقسيماتهم ليحصل المراد من الرد عليهم، وإما المراد به التقسيم اللغوي؛ فالأصل ما يُبنى عليه غيره، والفرع ما يُبنى على غيره، من باب معرفة الأولويات والأساسيات وما يتفرع منها من مسائل، لا من باب الإعذار وعدمه كما يزعم المعتزلة وأفراخهم، ولا من باب التهوين من الفروع، كبدعة الإخوان وأذنابهم الذين يقول: تقسيم الدين إلى لباب وقشور.

الثانية:
أنَّ مسائل الاعتقاد نعم فيها أصول وفيها فروع، أو فيها مسائل إجمالية كلية وفيها مسائل تتفرع عنها أو تلحق بها، فأما مسائل الاعتقاد الأصولية فلم يقع فيها الخلاف بين سلف هذه الأمة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [درء تعارض العقل والنقل 5/ 363]: ((كما قال فيهم الإمام أحمد: "هم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب"، ولو اعتصموا بالكتاب والسنة لاتفقوا كما اتفق أهل السنة والحديث، فإنَّ أئمة السنة والحديث لم يختلفوا في شيء من أصول دينهم)).
وسُئل رحمه الله تعالى: عن رجلين اختلفا في الاعتقاد، فقال أحدهما: من لا يعتقد أنَّ الله سبحانه وتعالى في السماء فهو ضال، وقال الآخر: إنَّ الله سبحانه لا ينحصر في مكان؛ وهما شافعيان، فبينوا لنا ما نتبع من عقيدة الشافعي رضي الله عنه؟ وما الصواب في ذلك؟
فكان جوابه [المجموع 5/ 256]: ((الحمد لله، اعتقاد الشافعي رضي الله عنه هو اعتقاد سلف أئمة الإسلام كمالك والثوري والأوزاعي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وهو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم كالفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني وسهل بن عبد الله التستري وغيرهم. فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة وأمثالهم نزاع في أصول الدين. وكذلك أبو حنيفة رحمة الله عليه؛ فإنَّ الاعتقاد الثابت عنه في التوحيد والقدر ونحو ذلك موافق لاعتقاد هؤلاء، واعتقاد هؤلاء هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وهو ما نطق به الكتاب والسنة)).
وقال رحمه الله تعالى في [المجموع 19/ 274]: ((وهكذا الفقه إنما وقع فيه الاختلاف لما خفي عليهم بيان صاحب الشرع، ولكن هذا إنما يقع النزاع في الدقيق منه، وأما الجليل فلا يتنازعون فيه. والصحابة أنفسهم تنازعوا في بعض ذلك ولم يتنازعوا في العقائد ولا في الطريق إلى الله التي يصير بها الرجل من أولياء الله الأبرار المقربين)).
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في [إعلام الموقعين 1/ 49]: ((أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان، وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيماناً. ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكاتب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلاً، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلها أمراً واحداً، وأجروها على سنن واحد، ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين، وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين)).
قلتُ:
وعلى هذا؛ فلا يقال: مسائل الاعتقاد وقع فيها الخلاف بين السلف أو بين الصحابة، ولا يُقال: مسائل أصول الدين حصل الاختلاف فيها عند أئمة السلف كما حصل في مسائل الأحكام العملية، هذا الكلام خلاف الواقع، ويفتح باب من الإيهام والتلبيس، فقد يتوهم القارئ أو السامع أنَّ الخلاف في العقيدة سائغ، أو قد يُلبِّس البعض فيزعم أنَّ بعض المناهج الدعوية المعاصرة تدخل في إطار أهل السنة والجماعة وإن ظهر منا شيء من المخالفات في مسائل الاعتقاد.
أقـول:
وأما المسائل الأخرى التي تتفرع منها أو تلحق بها فقد وقع شيء من الخلاف في بعض جزئياتها، إما بسبب عدم ورد نص فيها أصلاً؛ وهي مما سكت الشارع عنها وإنما أُثير الكلام فيها وخاض الناس في تفاصيلها بعد زمن الوحي، أو عدم قطعية النص، أو اختلاف دلالات النصوص فيها.
وفي مثل هذه المسائل قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع 19/ 208]: ((وفي المسائل العلمية ما لا يأثم المتنازعون فيه؛ كتنازع الصحابة: هل رأى محمد ربه؟، وكتنازعهم في بعض النصوص: هل قاله النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وما أراد بمعناه؟ وكتنازعهم في بعض الكلمات: هل هي من القرآن أم لا؟، وكتنازعهم في بعض معاني القرآن والسنة: هل أراد الله ورسوله كذا وكذا؟، وكتنازع الناس في دقيق الكلام كمسألة الجوهر الفرد وتماثل الأجسام وبقاء الأعراض ونحو ذلك، فليس في هذا تكفير ولا تفسيق)).
وقد يكون الخلاف ليس خلافاً حقيقياً؛ وإنما يمكن حمل كل قول من المختلفين على وجه لا يخالف الآخر.
كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في [اجتماع الجيوش الإسلامية ص12] في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه: ((وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرؤية له: إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس فيمن قال ذلك، وشيخنا يقول ليس ذلك بخلاف في الحقيقة؛ فإنَّ ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه)).
قلتُ:
ولهذا لما سُئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله  تعالى السؤال الآتي: أحسن الله إليكم؛ هل يحق لنا أن نقول: إنَّ الصحابة قد اختلفوا في بعض مسائل العقيدة؟
سارع للإنكار والنفي الجازم: ((مَنْ قال هذا؟! ما ذُكِر عن الصحابة اختلاف في العقيدة أبداً، حاشا وكلا، الذي يدَّعي أنهم اختلفوا في شيء من العقيدة كذَّاب)).
ثم لما سُئل حفظه الله تعالى: أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة، وهذا سائل يقول: يقول بعض الناس: إنَّ السلف اختلفوا في بعض مسائل العقيدة مثل: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، وأنَّ هذا حصل بين الصحابة؛ فهل هذا الكلام صحيح؟
فقال: ((ما هو في مسائل العقيدة، مسائل العقيدة إثبات الرؤية في الجنة أنَّ المؤمنين يرونه في الجنة، أما في الدنيا لا يراه أحد، ولا رآه موسى، "قال ربي أرني أنظر إليك ،قال لن تراني"، هذا في الدنيا، ولا هو بهذا اختلاف في العقيدة، هذا اختلاف هل وقعت الرؤية لأحد في الدنيا أو لم تقع؟، ما هو باختلاف في العقيدة، رؤية الله في الجنة هذه اتفق عليها أهل السنة والجماعة)).
وقال الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله تعالى في [المجموع في ترجمة العلامة المحدث حماد الأنصاري (2/ 493) مسألة رقم124]: ((الصحابة لم يختلفوا في العقيدة أبداً، إنما الخلاف وقع بعدهم)).
وسئلت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله تعالى ورقم الفتوى (21008): هل يجوز القول: إنَّ الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في العقيدة، مثل: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه سبحانه في ليلة المعراج، وهل الموتى يسمعون أم لا؟، ويقول: إنَّ هذا من العقيدة؟
فكان جوابهم: ((العقيدة الإسلامية - والحمد لله - ليس فيها اختلاف بين الصحابة ولا غيرهم ممن جاء بعدهم من أهل السنة والجماعة؛ لأنهم يعتقدون ما دل عليه الكتاب والسنة، ولا يحدثون شيئاً من عند أنفسهم أو بآرائهم، وهذا الذي سبب اجتماعهم واتفاقهم على عقيدة واحدة ومنهج واحد؛ عملا بقوله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقوا"، ومن ذلك مسألة رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، فهم مجمعون على ثبوتها بموجب الأدلة المتواترة من الكتاب والسنة، ولم يختلفوا فيها. وأما الاختلاف في هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج رؤية بصرية، فهو اختلاف في واقعة معينة في الدنيا، وليس اختلاف في الرؤية يوم القيامة، والذي عليه جمهورهم وهو الحق أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه لا ببصره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن ذلك قال : نور أنى أراه، فنفى رؤيته لربه ببصره في هذا المقام لوجود الحجاب المانع من ذلك وهو النور، ولأنهم مجمعون على أنَّ أحداً لا يرى ربه في هذه الدنيا، كما في الحديث: "واعلموا أنَّ أحداً منكم لا يرى ربه حتى يموت" رواه مسلم، إلا في حق نبينا صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه لم يره بهذا الاعتبار، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)).
وسُئل الشيخ صالح بن محمد اللحيدان حفظه الله تعالى في [محاضرة صفات الفرقة الناجية والطائفة المنصورة]: أحسن الله إليكم سماحة الشيخ هنالك من يقرر ويقول: أنَّ الصحابة اختلفوا في مسائل العقيدة؛ فما حكم ذلك أفتونا مأجورين؟
الشيخ: ((أستغفر الله هذا لا يقوله إلا مبتدعٌ ضال، يقول الصحابة اختلفوا!!، الصحابة أهل عقيدة، إذا وجد خلاف بينهم فإنما هو في بعض الأمور الاجتهادية في الأعمال، وأما في أمور العقيدة بأنَّ الله واحدٌ أحد، أنه السميع البصير، أنه الفعال لما يريد، أنه الخلاق، أنه خالق كل شيء، المطلع على كل شيء، لا لن يختلفوا، ولا يثير هذا الأمر إلا داعية فتنة، إما انه يتستر في إدعائه أنه من أهل الخير قد يكون عرف خيراً وصار يتحدث بالخير الذي يعرفه ليوهن الناس وليجرهم إلى الباطل الذي يجنح إليه ويحرص على إشاعته، إن كان من المغترين فليستغفر الله وليتب وليرجع إلى أهل العلم يسألهم، وإن كان.. ممن يحب أن يخفي المقاصد ويغطي أهدافه فَليُفصح ليتوق الناس شره)).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى في رده المعروف بـ [الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي ص118]: ((الصحابة رضي الله عنهم لم يختلفوا في العقيدة، ومثل اختلاف عائشة وابن عباس رضي الله عنهما في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه ليلة المعراج لا يُعدُّ خلافاً في العقيدة؛ لدلالة الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة وإجماع أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية الله في الدار الآخرة))، وقال في ص137: ((الصحابةُ رضي الله عنهم لم يختلفوا في العقائد كما زعم المالكي!، وما جاء عن بعضهم من مثل الاختلاف في رؤية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ربَّه ليلة المعراج لا يعدُّ اختلافاً في رؤية الله، فإنَّهم متَّفقون على رؤية الله في الدار الآخرة)).
قلتُ:
فهذه الأجوبة كلها حازمة وحاسمة في نفي وقع الخلاف في العقيدة بين السلف الصالح، فراح عماد طارق – وهو ينهج منهج المأربي حذو القذة بالقذة في تتبع رخص العلماء ونتف كلامهم! – يبحث عن قول لإمام من أئمة السلف ينتصر به للباطل، فلم يجد إلا كلمة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، فنقلها عماد طارق في مقاله على إطلاقها ولم يعرج عليها؛ وهذه طريقته في ضرب كلام العلماء بعضهم ببعض، والنتيجة التي يخرج بها القارئ من مقاله: لا إنكار على مَنْ قال: أنَّ السلف اختلفوا في أصول الدين أو في مسائل العقيدة!!، فهل يفعل هذا الصنيع سلفي؟!! أبداً.
قلتُ:
وأما كلمة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى؛ فإنما جاءت في سياق التعقيب على مَنْ قال أنَّ مسائل العقيدة كلها مبنية على اليقين، فالشيخ رحمه الله تعالى أثناء شرحه للسفارينية كان يدور في ذهنه بعض المسائل التي تتفرع من أصول المسائل الاعتقادية؛ والتي وقع الخلاف فيها بين بعض أهل العلم، فلو كانت كل مسائل العقيدة يقينية لما اختلفوا فيها، ثم ذكر أمثلة على هذه المسائل، ثم قال: ((وكل هذه من العقائد، والقول: بأنَّ العقيدة ليس فيها خلاف على الإطلاق غير صحيح))، ومراده رحمه الله تعالى من كلمته هذه - التي جاءت تبعاً وليس أصالة! -: أنَّ بعض الفروع أو المسائل التي أُلحقت بالعقيدة وقع فيها الخلاف فليست مبنية على اليقين، وقد تقدم بيان ذلك.
ومما يبين ذلك؛ أنه رحمه الله تعالى قد سُئل في [لقاء الباب المفتوح]: هل يصح الاعتراض على الشخص بأنه لا يفرق بين المخالف في العقيدة والمخالف في الفروع، أو لا يصح الاعتراض عليه بهذا؟.
فقال الشيخ: بأي شيء؟!
السائل: هو يقول: إنَّ المخالف في العقيدة لا ينكر عليه مثل شخص خالف في مسائل الفروع.
الشيخ: أمور العقيدة فيها شيء خفيف وفيها شيء ثقيل.
السائل: مثل أمور الغيبيات والأمور الواردة بالتواتر.
فقال الشيخ: ((هذا ينكر عليه، لكن في أشياء في العقيدة خفيفة مثلاً: إذا قال: إنَّ الصراط الذي يوضع على النار ليس أدق من الشعرة، ولا أحد من السيف، وإنما هو صراط عادي، أي: طريق يسلكه الناس، أو قال مثلاً: الذي يوزن ليس الأعمال ولكنه صاحب العمل أو صحائف الأعمال.
أي: مسائل في العقيدة اختلف فيها السلف، لكن أمهات العقيدة لم يختلفوا فيها، فمن أنكر ما يكون في يوم القيامة هذا ينكر عليه، فالمهم أنَّ في بعض مسائل العقيدة أشياء خفيفة فيها اختلاف لا ينكر على من خالف فيها، وهناك أصول لا يمكن إنكارها، فمن أنكرها أنكرنا عليه)).
السائل: هل يوجد في ضابط؟
فقال الشيخ: الضابط تتبع الإنسان لهذه الأمور، ويرى مواقع الخلاف.
السائل: يستدلون بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية أنَّ مَنْ فرَّق بين مسائل العقيدة: مسائل أصول لا يجوز الخلاف فيها، وأنَّ هذه مسائل فقه يجوز الخلاف فيها؛ هم المعتزلة.
فقال الشيخ: ((شيخ الإسلام رحمه الله أنكر أن يقسم الدين إلى أصول وفروع، وقال: إنَّ هذا التقسيم حدث بعد القرون الثلاثة؛ لأنَّ هذا التقسيم يرد عليه أشياء، مثلاً: الصلاة هل هي من الأصول أم الفروع؟ يقول: إنها من الفروع، مع أنها من أصل الأصول، ركن من أركان الإسلام العظمى، وما قاله شيخ الإسلام هو الصحيح.
لكن ما كلفنا به فهو نوعان: عقدي وعملي، لا نقول: أصل وفرع، نقول: شيء عقدي يجب علينا اعتقاده وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وعملي وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، هذه الخمسة هذه عملية، والستة التي هي الإيمان بالله وملائكته، إلخ هذه عقدية، أما أن نقول: أصول وفروع فلا يوجد دليل على ذلك)).
وقال رحمه الله تعالى في رسالة [تعاون الدعاة وأثره في المجتمع/  السؤال (6)]: ((فالحاصل: أنَّ مسائل العقيدة مهمة، ويجب التناصح فيها، كما يجب التناصح أيضاً في الأمور العملية، وإن كانت دائرة الخلاف بين أهل العلم في المسائل العملية أوسع وأكثر، إذ إنَّ المسائل العلمية العقدية لم يحصل فيها اختلاف في الجملة، وإنْ كان بعضها قد وقع فيه بعض الخلاف، كمسألة فناء النار، ومسألة عذاب البرزخ، ومسألة الموازين، ومسألة ما يوزن، وأشياء متعددة، لكن إذا قستها بالخلاف العملي وجدت أنها في دائرة ضيقة ولله الحمد، ولكن مع هذا يجب علينا فيمن خالفنا في الأمور العلمية أو العملية يجب علينا المناصحة وبيان الحق على كل حال)).

الثالثة:
أنَّ البعض لا يفرِّق بين تقرير مسألة عدم الاختلاف في العقائد عند أئمة السلف وبين إعذار مَنْ غلط من بعض أئمة السلف في بعض فروع المسائل العلمية الخبرية، فمعلوم أنَّ ليس كل خلاف معتبراً، ولا كل قول يقدح في اتفاق السلف، بل لو كان ذلك كذلك لكان كثيراً من مسائل الدين الأصولية من مسائل النزاع، بل هذا يلزم منه دخول زلات العلماء في مسائل الدين، حتى تصير شرعاً قد يتعبد بها طائفة من الناس.
ولهذا نجد أنَّ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى الذي ينفي النزاع بين أئمة السلف في أصول الدين والعقائد، هو نفسه يثبت الإعذار وعدم المؤاخذة في حق مَنْ اجتهد من أئمة السلف في المسائل العلمية الدقيقة، فيقول [المجموع 20/ 165]: ((ولا ريب أنَّ الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة وإنْ كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة، وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونة لم يطلب العلم؛ فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته ويثيبه على اجتهاداته ولا يؤاخذه بما أخطأ)).
وقال في [درء تعارض العقل والنقل 1/ 149]: ((وأما أهل العلم والإيمان: فهم على نقيض هذه الحال، يجعلون كلام الله وكلام رسوله هو الأصل الذي يعتمد عليه، وإليه يرد ما تنازع الناس فيه، فما وافقه كان حقاً وما خالفه كان باطلاً، ومَنْ كان قصده متابعته من المؤمنين وأخطأ بعد اجتهاده الذي استفرغ به وسعه غفر الله له خطأه سواء كان خطؤه في المسائل العلمية الخبرية أو المسائل العملية، فإنه ليس كل ما كان معلوماً متيقناً لبعض الناس يجب أن يكون معلوماً متيقناً لغيره، وليس كل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه كل الناس ويفهمونه، بل كثير منهم لم يسمع كثيراً منه، وكثير منهم قد يشتبه عليه ما أراده، وإن كان كلامه في نفسه محكماً مقروناً بما يبين مراده؛ لكن أهل العلم يعلمون ما قاله، ويميزون بين النقل الذي يصدق به والنقل الذي يكذب به، ويعرفون ما يعلم به معاني كلامه صلى الله عليه وسلم)).
وقال في [المجموع 32/ 239]: ((وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء، كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم له أهلٌ؛ فإنَّ الله تعالى عفا للمؤمنين عما أخطئوا كما قال تعالى: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، قال الله: قد فعلت، وأمرنا أن نتبع ما أُنزل إلينا من ربنا ولا نتبع من دونه أولياء)).
وقد تكلَّم العلامة الشاطبي رحمه الله تعالى على خطورة زلة العالم، وذكر فيها عدة آثار؛ ثم قال في [الموافقات 5/ 136-140]:
((إذا ثبت هذا، فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل:
منها: أنَّ زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليدًا له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدًّا بها لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً، فإنَّ هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين...
ومنها: أنه لا يصح اعتمادها خلافاً في المسائل الشرعية؛ لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاده، ولا هي من مسائل الاجتهاد، وإنْ حصل من صاحبها اجتهاد، فهو لم يصادف فيها محلاً، فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد. وإنما يعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة؛ كانت مما يقوى أو يضعف، وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا، فلذلك قيل: إنه لا يصح أن يعتد بها في الخلاف، كما لم يعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل، والمتعة، ومحاشي النساء، وأشباهها من المسائل التى خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها.
فإنْ قيل: فبماذا يعرف من الأقوال ما هو كذلك مما ليس كذلك؟
فالجواب: إنه من وظائف المجتهدين، فهم العارفون بما وافق أو خالف، وأما غيرهم فلا تمييز لهم في هذا المقام، ويعضد هذا أنَّ المخالفة للأدلة الشرعية على مراتب، فمن الأقوال ما يكون خلافاً لدليل قطعي من نص متواتر أو إجماع قطعي في حكم كلي، ومنها ما يكون خلافاً لدليل ظني، والأدلة الظنية متفاوتة، كأخبار الآحاد والقياس الجزئية، فأما المخالف للقطعي فلا إشكال في اطراحه، ولكن العلماء ربما ذكروه للتنبيه عليه وعلى ما فيه، لا للاعتداد به، وأما المخالف للظني ففيه الاجتهاد بناء على التوازن بينه وبين ما اعتمده صاحبه من القياس أو غيره)).
قلتُ:
فمن أقوال العلماء ما تعتبر من الزلات التي يجب أن تطرح ولا يعتد فيها أثناء ذكر الخلاف فضلاً أن يتبع فيها، نعم قد يذكرها بعض أهل العلم من باب التنبيه عليها وعلى ما فيها؛ لا من باب الاعتداد بها في الخلاف.

الرابعة:
وأما معنى السلفية وتحقيقها؛ التي أطال عماد طارق فيها الكلام ليصرف أنظار القراء عن غلط الشيخ الرحيلي هداه الله سواء السبيل في قوله: ((ينبغي أن يعلم أنَّ أهل السنة بحق هم أهل الامتثال الكامل للإسلام اعتقاداً وسلوكاً، ومن قصور الفهم: أن يظن أنَّ السني أو السلفي هو من حقق اعتقاد أهل السنة دون العناية بجانب السلوك والآداب الإسلامية وتأدية حقوق المسلمين فيما بينهم))، التي يفهم منها كل مَنْ عنده أدنى إدراك وفهم ومتجرد من التعصب أنَّ الرحيلي ينكر وصف السني أو السلفي لمن حقق اعتقاد أهل السنة ولم يعتن بجانب الأخلاق، ولا نحتاج إلى سفسطة عماد ولا إلى قفزاته في الكلام.
لكن:
هل غفل عماد طارق أنه قال في أحد حلقات سلسلته (بين منهجين/  المفهوم الواضح الجلي لحقيقة معنى المنهج السلفي): ((ومن خلال ما تقدَّم نعلم بطلان ما زعمه (بعض الناس) من أنه "لا تتحقق السلفية والسنية في أحد حتى يفارق أهل البدع والتحزب قلباً وقالباً"؛ فهذا القول بهذا الإطلاق ليس من المنهج السلفي في شيء، بل هو من جنس أقوال الخوارج))!!.
قلتُ:
فعماد طارق هنا يرد كلام الشيخ ربيع حفظه الله تعالى، بدعوى أنَّ نفي تحقق السلفية لمن لم يفارق أهل التحزب والبدع من جنس قول الخوارج؛ وهذا كذب وتلبيس، وكلام الشيخ ربيع هو الحق الذي لا يرتاب فيه سلفي بصير.
بينما عماد طارق نفسه في رده هنا على الشيخ عبيد الجابري: ((على ما يبدو فإنَّ الشيخ الجابري قد فهم من عبارة الشيخ الرحيلي أنَّ الشيخ الرحيلي يتبنى عقيدة الخوارج في عدم نجاة فساق الملة، وعدم دخولهم تحت المشيئة؛ ولهذا فهو استدل عليه بهذين الوجهين!!!، فإن لم يكن يتبنى هذا فما وجه استدلاله؟؟!!، مع أنَّ غاية ما في عبارة الشيخ الرحيلي هي إثبات أن وصف أهل السنة – بحق - إنما يكون لأهل الامتثال الكامل للإسلام اعتقادا وسلوكا كما هو صريح قوله، وأما من فرط بالامتثال الكامل للإسلام اعتقادا وسلوكا؛ فهو ليس محققاً لمعنى أهل السنة بحق)).
قلتُ:
لماذا يا أبا العباس وصفتَ قول الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في عدم تحقق السنية لمن لم يفارق أهل التحزب والبدع بأنه من جنس أقوال الخوارج!، بينما رفضتَ - ما قوَّلتَ به الشيخ الجابري! - أنَّ الشيخ الرحيلي يتبنى مذهب الخوارج لكونه نفى تحقق السنية في حق مَنْ عنده معاصي أخلاقية؟!
فبأي مكيال تزن يا هذا؟!
وأي الفريقين أحق بوصف موافقة أقوال الخوارج؟!
وأقول: 
ومما قاله عماد طارق في مقاله المشار إليه (بين منهجين/  المفهوم الواضح الجلي لحقيقة معنى المنهج السلفي): ((وعليه: فكل مَنْ كان على مثل ما كان عليه السلف علماً وعملاً كان سلفياً فيما وافق فيه منهجهم، ومَنْ خالفه كان مبتدعًا فيما خالف فيه الحق وإنْ كان سلفيًّا فيما سواه، فلا يوصف المسلم بأنه مبتدع باعتبار الاسم المطلق, ولا بأنه سلفي باعتبار الاسم المطلق؛ ولكن لاعتبار (مطلق الاسم) بمعنى: أنه يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم)).
قلتُ:
يعني: منزلة بين منزلتين!!، فلا يوصف بأنه مبتدع!، ولا يوصف بأنه سلفي!
ثم كل الفرق الهالكة لا شك أنها توافق في بعض المسائل أهل السنة وتخالفها في البعض الآخر؛ فهل يُقال فيها (سلفية في كذا وكذا وكذا، مبتدعة في كذا وكذا وكذا)؟!
وقال هذا الناقد أيضاً: ((فالانتساب إلى السلفية أمر مشروع، وتحقيق معنى السلفية في النفوس واجب على كل مسلم. وبهذا يعلم بطلان قول طوائف من الناس؛ الطائفة الأولى: أوجبت الانتساب إلى منهج السلف بأن يخبر المسلم عن نفسه بأنه (سلفي)؛ وهذا قول باطل مردود من وجهين؛ الأول: لا دليل على هذا الوجوب؛ فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ومن المعلوم أنَّ هذه النسبة هي نسبة اصطلاحية حادثة بعد انقضاء عصر القرون الخيرية الثلاثة، فليس في نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف ما يثبتها، فإيجاب ما لم يوجبه الشرع تقول على الشرع)).
قلتُ:
فالانتساب إلى منهج السلفي بأن يظهر المسلم أنه على مذهب السلف ليس بواجب؛ عند هذا الدَّعي الجهول؟!
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مقام الرد على مَنْ عاب مقولة "أنا على مذهب السلف" وزعم أنَّ قائلها يتظاهر بها [المجموع 4/ 149]: ((فيقال له: لا عيب على مَنْ أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه؛ بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإنَّ مذهب السلف لا يكون إلا حقاً؛ فإنْ كان موافقاً له باطناً وظاهراً فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحق باطناً وظاهراً، وإنْ كان موافقاً له في الظاهر فقط دون الباطن فهو بمنزلة المنافق؛ فتقبل منه علانيته وتوكل سريرته إلى الله، فإنا لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس ولا نشق بطونهم)).
وأما دعواه أنَّ النسبة إلى السلف نسبة اصطلاحية حادثة!!؛ فهذا من تخليطه الذي لا يَلتفت إليه ذو عقل، ويكفينا ما أجاب به الشيخ الألباني رحمه الله تعالى حين سُئل "لماذا التسمي بالسلفية"؟ فقال كما في [مجلة الأصالة العدد التاسع ص 86-90 ]: ((إنَّ كلمة السلف معروفة في لغة العرب وفي لغة الشرع؛ وما يهمنا هنا هو بحثها من الناحية الشرعية؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرض موته للسيدة فاطمة رضي الله عنها: "فاتقي الله واصبري؛ ونعم السلف أنا لك"، ويكثر استعمال العلماء لكلمة السلف، وهذا أكثر من أن يعد ويحصى، وحسبنا مثالاً واحداً وهو ما يحتجون به في محاربة البدع: وكل خير في إتباع من سلف... وكل شر في ابتداع من خلف، ولكن هناك مِن مدَّعي العلم من ينكر هذه النسبة زاعماً أنْ لا أصل لها! فيقول: لا يجوز للمسلم أن يقول: أنا سلفي، وكأنه يقول: لا يجوز أن يقول مسلم: أنا متبع للسلف الصالح فيما كانوا عليه من عقيدة وعبادة وسلوك، لا شك أنَّ مثل هذا الإنكار لو كان يعنيه يلزم منه التبرؤ من الإسلام الصحيح الذي كان عليه سلفنا الصالح، وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم كما يشير الحديث المتواتر الذي في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، فلا يجوز لمسلم أن يتبرأ من الانتساب إلى السلف الصالح، بينما لو تبرأ من أية نسبة أخرى لم يمكن لأحد من أهل العلم أن ينسبه إلى كفر أو فسوق، والذي ينكر هذه التسمية نفسه، ترى ألا ينتسب إلى مذهب من المذاهب؟! سواء أكان هذا المذهب متعلقاً بالعقيدة أو بالفقه؟ فهو إما أن يكون أشعرياً أو ماتريدياً، وإما أن يكون من أهل الحديث، أو حنفياً أو شافعياً أو مالكياً أو حنبلياً؛ مما يدخل في مسمى أهل السنة والجماعة، مع أنَّ الذي ينتسب إلى المذهب الأشعري أو المذاهب الأربعة، فهو ينتسب إلى أشخاص غير معصومين بلا شك، وإنْ كان منهم العلماء الذين يصيبون، فليت شعري هلا أنكر مثل هذه الانتسابات إلى الأفراد غير المعصومين؟. وأما الذي ينتسب إلى السلف الصالح، فإنه ينتسب إلى العصمة على وجه العموم، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الفرقة الناجية أنها تتمسك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه، فمَنْ تمسك به كان يقيناً على هدى من ربه... ولا شك أنَّ التسمية الواضحة الجلية المميزة البينة هي أن نقول: أنا مسلم على الكتاب والسنة وعلى منهج سلفنا الصالح، وهي أن تقول باختصار: "أنا سلفي"))

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى في كتابه [البيان ص 156]: ((كيف يكون التمذهب بالسلفية بدعة!، والبدعة ضلالة؟! وكيف يكون بدعة وهو إتباع لمذهب السلف؟، وإتباع مذهبهم واجب بالكتاب والسنة، وحق وهدى، قال تعالى: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"، فالتمذهب بمذهب السلف سنة وليس بدعة، وإنما البدعة التمذهب بغير مذهبهم)).
وقال الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى تحت عنوان "الانتساب إلى السلفية" من كتابه [أصول وقواعد في المنهج السلفي ص 7-8]: "فإن كثيرًا ممن يَدَّعُون أنهم أهل السنة والجماعة وأنهم على الهدى يَشْمَئِزُّون من الانتساب إلى السلفية؛ وحتى تطمئنَّ قلوبهم إلى هذه النسبة؛ أعني الانتساب إلى السلفية، وتقوَى عزيمتُهم؛ لأنَّ ما وقر في قلوبهم من الاشمئزاز منها فهي وسوسة شيطانية، وقوَّاها في قلوبهم ضعفُ العزيمة وقلَّة الفقه في الدين؛ فلو كانت عزائمهم قوية، وتحصيلهم من الفقه في الدين قويًّا ما اشمئزُّوا من ذلك، ولم يجدوا في أنفسهم غضاضة منه. فنقول لهم: أولاً: جاء من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يدلُّ على ذلك؛ من ذلكم: قوله عليه الصلاة والسلام لابنته فاطمة رضي الله عنها: ((فنعم السلف أنا لك)). الأمر الثاني: أنَّ هذه النسبة لم تكن محدَثة، بل هي من عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيقال لهم: السلف. وكلمة (السلف) دارجةٌ عند أئمة هذه الملة أهل السنة والجماعة؛ ويزيد هذا وضوحاً: الإجماع على صحة الانتساب إلى السلفية، وأنه لا غضاضة في ذلك؛ واسمعوا حكاية الإجماع؛ قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "لا عيبَ على مَنْ أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه؛ بل يجب قَبول ذلك منه اتفاقاً؛ فإنَّ مذهب السلف لا يكون إلا حقاً …)) إلخ العبارة. وراجعوها إن شئتم في الصفحة التاسعة والأربعين بعد المائة، من المجلد الرابع من ((مجموع الفتاوى)) لابن قاسم؛ فهذا عَلَمٌ من أعلام منهجنا المشهود لهم بجلالة القدْر والسابقة في الفضْل ينقل الإجماع؛ ومَن هو ابن تيميه إذا نقل الإجماع؟، إنه حجة في نقل الإجماع، ضمن قِلة من أهل العلم يُحتج بهم في نقل الإجماع؛ فيا شباب الإسلام خاصة ويا أيها المسلمون عامة لا يكوننَّ في صدوركم حرجٌ من الانتساب إلى السلفية، بل ارفعوا بها رؤوسكم، واصدعوا بها، ولا تأخذكم في ذلك لومة لائم. وأزيدُكم شيئاً آخر: ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه في المصدر السابق وبالتحديد في الصفحة على ما أظنّ الخامسة والخمسين بعد المائة أنَّ: "من علامات البدع: ترك انتحال السلف الصالح"؛ فلا تجد خَلَفِيًّا لا سيما المنتسبون إلى الجماعات الدعويَّة الحديثة الظاهرة في الساحة اليوم والمناوئة لأهل السنة والجماعة إلاَّ وهو يكره السلفية، ويكره الانتساب إلى السلفية؛ لأنَّ السلفية ليست مجرَّد نسبة، بل السلفية: تجريد إخلاص لله وتجريد متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فالناسُ يا بَنِيَّ حزبان: حزب الرحمن، وحزب الشيطان؛ فحزب الشيطان: الكفار والمنافقون نفاقاً اعتقادياً، وحزب الرحمن هم المسلمون اللذين لم يَرْكَبوا ما يُخرجهم من مسمى الإيمان إخراجاً كاملاً، وخالصوا حزب الرحمن: اللذين لم يَضلوا ولن يَضلوا ولم يتنكبوا جادة الهدى والحق في كل زمان ومكان، ولم يجتمعوا على ضلالة هم "السلفيون"، أهل السنة والجماعة، الطائفة المنصورة، الفرقة الناجية")).
وأقول أخيراً:
فمثل هذا الكاتب لا يعتد بكتاباته حول السلفية وتحقيق معناها!، وقد رددتُ عليه في حلقته المشار إليها في رسالتي: [تبصير كل ذي عينين بحقيقة المنهج المنشود في سلسلة حلقات "بين منهجين"]، فليراجعها من أحب أن يعرف حاله.

الخامسة:
تبديع (مرجئة الفقهاء) وتغليظ القول فيهم وعدهم من فرق المرجئة؛ هو المذهب الذي كان عليه أئمة السلف الصالح، فليعلم هذا عماد طارق ومختار الطيباوي وأمثالهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [المجموع 7/ 507]: ((وأنكر حماد بن أبي سليمان ومن اتبعه تفاضل الإيمان ودخول الأعمال فيه والاستثناء فيه؛ وهؤلاء من مرجئة الفقهاء. وأما إبراهيم النخعي - إمام أهل الكوفة شيخ حماد بن أبي سليمان – وأمثاله، ومن قبله من أصحاب ابن مسعود كعلقمة والأسود؛ فكانوا من أشد الناس مخالفة للمرجئة، وكانوا يستثنون في الإيمان. لكن حماد بن أبي سليمان خالف سلفه، واتبعه من اتبعه، ودخل في هذا طوائف من أهل الكوفة ومن بعدهم.
ثم إنَّ السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء، وتبديعهم، وتغليظ القول فيهم. ولم أعلم أحداً منهم نطق بتكفيرهم؛ بل هم متفقون على أنهم لا يكفرون في ذلك، وقد نص أحمد وغيره من الأئمة على عدم تكفير هؤلاء المرجئة، ومن نقل عن أحمد أو غيره من الأئمة تكفيرا لهؤلاء أو جعل هؤلاء من أهل البدع المتنازع في تكفيرهم فقد غلط غلطاً عظيماً)).
قلتُ:
فماذا يفهم عماد طارق وأمثاله من قول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ((إنَّ السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء، وتبديعهم، وتغليظ القول فيهم))، هل مرجئة الفقهاء مبتدعة أم أهل سنة؟!
فقول الشيخ الرحيلي: ((ولهذا لما خالف مرجئة الفقهاء أصل أهل السنة في باب الإيمان ووافقوا المرجئة ما بدَّعوهم)) غلط بلا ريب.
وصدق الشيخ الجابري حفظه الله تعالى في رده عليه: ((ما أفادته عبارتك أنه لم يبدعهم أحد من الأئمة مجازفة منك ومخاطرة)).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع 7/ 394-395]: ((وهذه الشبهة التي أوقعتهم مع علم كثير منهم وعبادته وحسن إسلامه وإيمانه، ولهذا دخل في إرجاء الفقهاء جماعة هم عند الأمة أهل علم ودين. ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحداً من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال؛ لا من بدع العقائد. فإنَّ كثيراً من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب، فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله، لا سيما وقد صار ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم، وإلى ظهور الفسق، فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ سبباً لخطأ عظيم في العقائد والأعمال؛ فلهذا عظم القول في ذم الإرجاء، حتى قال إبراهيم النخعي: لفتنتهم - يعني المرجئة - أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة، وقال الزهري: ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء، وقال الأوزاعي: كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان: ليس شيء من الأهواء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء، وقال شريك القاضي - وذكر المرجئة فقال - : هم أخبث قوم حسبك بالرافضة خبثاً ولكن المرجئة يكذبون على الله، وقال سفيان الثوري: تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابري، وقال قتادة: إنما حدث الإرجاء بعد فتنة فرقة ابن الأشعث، وسئل ميمون بن مهران عن كلام المرجئة فقال: أنا أكبر من ذلك، وقال سعيد بن جبير لذر الهمداني: ألا تستحي من رأي أنت أكبر منه، وقال أيوب السختياني: أنا أكبر من دين المرجئة إنَّ أول من تكلم في الإرجاء رجل من أهل المدينة من بني هاشم يقال له: الحسن، وقال زاذان: أتينا الحسن بن محمد فقلنا: ما هذا الكتاب الذي وضعت؟ وكان هو الذي أخرج كتاب المرجئة فقال لي: يا أبا عمر لوددت أني كنت مت قبل أن أخرج هذا الكتاب أو أضع هذا الكتاب، فإنَّ الخطأ في اسم الإيمان ليس كالخطأ في اسم محدث، ولا كالخطأ في غيره من الأسماء، إذ كانت أحكام الدنيا والآخرة متعلقة باسم الإيمان والإسلام والكفر والنفاق)).
قلتُ:
فمذهب مرجئة الفقهاء في باب الأسماء والأحكام بدعة صار ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم، وإلى ظهور الفسق، وصار سبباً لخطأ عظيم في العقائد والأعمال؛ فلهذا عظم قول الأئمة في ذم الإرجاء هذا؟!
وقال شيخ الإسلام [المجموع 7/ 195]: ((والمرجئة ثلاثة أصناف: الذين يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب؛ ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب وهم أكثر فرق المرجئة كما قد ذكر أبو الحسن الأشعري أقوالهم في كتابه وذكر فرقاً كثيرة يطول ذكرهم لكن ذكرنا جمل أقوالهم ومنهم من لا يدخلها في الإيمان كجهم ومن اتبعه كالصالحي وهذا الذي نصره هو وأكثر أصحابه. والقول الثاني: من يقول: هو مجرد قول اللسان وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية، والثالث: تصديق القلب وقول اللسان؛ وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم)).
قلتُ:
فهم من فرق المرجئة وليسوا من أهل السنة؟! فافهم هذا أيها الفطن ولا يهولنك جعجعة الملبسين.
إلا إذا كان عماد طارق وأمثاله لا يرون أنَّ مرجئة الفقهاء من فرق المرجئة!، أو يرون أنَّ الإرجاء مذهباً من مذاهب أهل السنة!!، فهذا له قول آخر.
وقال شيخ الإسلام [المجموع 13/ 38-39]: ((وحدثت المرجئة؛ وكان أكثرهم من أهل الكوفة، ولم يكن أصحاب عبد الله من المرجئة، ولا إبراهيم النخعي وأمثاله، فصاروا نقيض الخوارج والمعتزلة، فقالوا: إنَّ الأعمال ليست من الإيمان، وكانت هذه البدعة أخف البدع، فإنَّ كثيراً من النزاع فيها نزاع في الاسم واللفظ دون الحكم؛ إذ كان الفقهاء الذين يضاف إليهم هذا القول مثل حماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة وغيرهما هم مع سائر أهل السنة متفقين على أنَّ الله يعذب من يعذبه من أهل الكبائر بالنار ثم يخرجهم بالشفاعة كما جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك، وعلى أنه لا بد في الإيمان أن يتكلم بلسانه، وعلى أنَّ الأعمال المفروضة واجبة وتاركها مستحق للذم والعقاب؛ فكان في الأعمال: هل هي من الإيمان؟ وفي الاستثناء؟ ونحو ذلك، عامته نزاع لفظي)).
وقال [المجموع 18/ 271]: ((والحزب الثاني وافقوا أهل السنة على أنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد، ثم ظنوا أنَّ هذا لا يكون إلا مع وجود كمال الإيمان؛ لاعتقادهم أنَّ الإيمان لا يتبعض، فقالوا: كل فاسق فهو كامل الإيمان، وإيمان الخلق متماثل لا متفاضل، وإنما التفاضل في غير الإيمان من الأعمال، وقالوا: الأعمال ليست من الإيمان؛ لأنَّ الله فرق بين الإيمان والأعمال في كتابه. ثم قال الفقهاء المعتبرون من أهل هذا القول: إنَّ الإيمان هو تصديق القلب وقول اللسان؛ وهذا المنقول عن حماد بن أبي سليمان ومن وافقه كأبي حنيفة وغيره)).
قلتُ:
ولعلَّ بعض المعاصرين فهم من موافقة مرجئة الفقهاء لأهل السنة في جملة من مسائل الإيمان التي خالفت فيها باقي فرق المرجئة؛ جعلهم يتصورون أنهم داخلون في دائرة أهل السنة!، أو كان مرادهم إدخال الفقهاء المعتبرين منهم كحماد بن أبي سليمان ومَنْ وافقه كأبي حنيفة وغيره؛ لا بالنظر إلى منهج هذه الفرقة، والله أعلم.

السادسة:
أما الثناء على الجهم وفرقته الضالة والانتصار لهم؛ فقول الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى: ((لا تصدر إلا من جاهل أو مبتدع ضال مضل))، هو الحق الذي لا محيص عنه.
وأما قول الشيخ الرحيلي: ((أنا أقول لك: لو رجل عنده علم وما بدَّع الجهم بن صفوان، وعنده علم وعنده خير، أقول لك: عدم تبديعه لجهم بن صفوان تجنبه، واطلب العلم))، فقول باطل بيقين، لأنَّ طلب العلم على مثل هذا الرجل لا يسلم من زلل وانحراف، بل لا يسمن ولا يغني من جوع، كيف لرجل لم يبصر انحرافات وضلالات الجهم بن صفوان بعد اطلاعه على كلام السلف فيه، ثم يتصدر للتدريس والعلم؟!!، لا يمكن أن يؤخذ العلم عن مثل هذا، وأما الخير الذي عنده فموجود عند علماء أهل السنة ولله الحمد.
وقد سُئل الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله تعالى السؤال الآتي: أحسن الله إليكم شيخنا، هناك مَنْ يقرر أنَّ الإنسان يأخذ العلم من كل من عنده علم، بل لو أنَّ إنساناً عنده علم ولكن لا يُبدِّع الجهم بن صفوان قال: "اترك عدم تبديعه وخذ منه العلم"، فهل هذا التقرير صحيح؟
فكان جوابه حفظه الله تعالى: ((ما هو صحيح؛ لا يُؤخذ العلم إلا عن أهله المستقيمين عليه المعروفين به، أما الذي يُروِّج البدع ويُهوِّن من شأنها فهذا لا يُؤخذ عنه العلم؛ لأنه يُؤثِّر على مَنْ جالسه ومن تعلم عليه ويتساهل في أمر البدع. وإذا وصل الأمر إلى أنَّ الجهم بن صفوان لا يُبدَّع فمَنْ الذي يُبدَّع؟!!، الجهم بن صفوان كفروه؛ لأنه يقول القرآن مخلوق!، إنَّ الله لا يتكلم!، جحد صفة من صفات الله جحود، نفي، فوصف الله بالنقص والعياذ بالله، الله جل وعلا عاب على المشركين أنهم يعبدون أصناماً لا تكلمهم "ألم يروا أنه لا يكلمهم"، الذين اتخذوا العجل قال الله جل وعلا: "ألم يروا أنه لا يكلمهم"، وإبراهيم عليه السلام قال لأبيه : "يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنك شيئاً"، فهذا الذي يقول: إنَّ الجهم مُبتدع فقط، أو لا يُبَدَّع!!، هذا في الحقيقة يُروِّج البدع ويُهوِّن من شأنها)) [اللقاء المفتوح في المسجد الكبير بالطائف يوم الخميس 17 شعبان 1431 هـ/  ضمن دورة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى العلمية لعام 1431ه]ـ
قلتُ:
وفرقٌ ظاهر بين طلب الرواية من طريق مبتدع معروف بالصدق أو استفادة عالم بصير من كتاب مبتدع في الحديث أو الفقه أو أصول الفقه، وبين طلب العلم على يد هذا المبتدع مباشرة وأخذ ما عنده من علم وخير، فالطالب يتأثر بشيخه لا محال، وطلب الرواية من باب الضرورة وصيانة الشريعة وحفظ الدين. والله الموفِّق

كتبه: أبو معاذ رائد آل طاهر

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.