-->

الثلاثاء، 12 فبراير 2013

تبصير كل ذي عينين بحقيقة المنهج المنشود في سلسلة حلقات "بين منهجين"[2]


مع حلقته الثانية: (منهج الموازنة في حال تقويم ونقد المخالف)

ذكر الكاتب في هذا الحلقة؛ أنَّ مسألة الموازنة في كلام أهل العلم المعاصرين منحصرة في حالتين؛ فقال: ((وأكتفي بنقل أقوال المجتهدين من أئمة الدعوة السلفية المعاصرين في هذه المسألة, ففيها عصارة نظرهم واجتهادهم؛ ونحن إنما لهم تبع في هذا النظر، فجمعت أقوالهم في هذه المسألة فوجدتها منحصرة في حالتين وعلى النحو التالي:
الحالة الأولى: الموازنة في معرض ترجمة المخالف وتقويمه؛ فهنا لا بد من ذكر ما له من حسنات, وما وقع فيه من زلات...
الحالة الثانية: في معرض النقد والتحذير من الأخطاء؛ ففي هذه الحالة الأصل: عدم ذكر حسنات وممادح المنقود، لأنَّ المقصود التحذير من الشخص؛ وذكر محاسنه مفضي إلى تقليل قيمة النقد...))
وفي كل حالة من الحالتين استدل الكاتب بأقوال أئمة الدعوة السلفية المعاصرة.
ثم فرَّع على الحالة الثانية مسألتين؛ فقال: ((ويتفرع -عن هذه الحالة- مسألتان:
المسألة الأولى: بدعية القول بوجوب ذكر حسنات المنقود...
المسألة الثانية: جواز ذكر حسنات المنقود عند الحاجة والمصلحة؛ ولا يعني بدعية القول بوجوب ذكر حسنات المنقود, أنَّ ذكر الحسنات محرم, فنفي الوجوب لا يستلزم منه إثبات التحريم؛ والأدلة على مشروعية ذكر حسنات المنقود كثيرة منها: قوله تعالى: ((ويسألونك عن الخمر والميسر, قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس, وإثمهما أكبر من نفعهما)), ففي هذه الآية إشارة إلى محاسن الخمر لبيان أنَّ مفسدتها أرجح من مصلحتها, فلا ينبغي أن يغتر بما فيها من مصالح. ومنها حديث عائشة أنها قالت: (واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل: هادياً خريتاً؛ وهو على دين كفار قريش، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث)، ففيه دلالة على أنَّ المشرك (وهو من أعظم ألفاظ الجرح), يجوز أن تذكر حسناته لبيان ما فيه من أمور يمكن لأهل الإسلام الاستفادة منها)).
قلتُ: الكاتب ذكر هنا حالتين لمسألة (الموازنة بين الحسنات والسيئات عند ذكر أهل البدع)، بينما سيذكر في الحلقة الثامنة أنَّ للمسألة ستة حالات!!، وفرق هناك بين حالة الترجمة وحالة التقويم!!، وسيأتي الكلام عن ذلك في وقته؛ إنْ شاء الله تعالى.
لكن الذي يحتاج أن نقف عنده هنا؛ أنَّ الكاتب جوَّز ذكر حسنات المنقود عند الحاجة والمصلحة!، وانتبهوا إلى لفظة (المنقود) أي في حالة النقد والتحذير!، ثم تأملوا معي سعة دلالة لفظتي (الحاجة والمصلحة).
ومَنْ من الناس اليوم ممن يُثني على أهل البدع مَنْ لا يدَّعي هذا؟!
لتعلموا أنَّ مآل هذا التأصيل في هذا التفريع الثاني هو نقض للتأصيل المذكور في الحالة الثانية!!.
وأما الاستدلال؛ فهو على طريقة القائلين ببدعة الموازنة!، فالآية أولاً منسوخة بآية أخرى ذكرت أنَّ عواقب الخمر وخيمة ومفاسده عظيمة من غير الإشارة إلى شيء من منفعته!، فهل من العدل والإنصاف الأخذ ببعض الكتاب والإعراض عن البعض الآخر؟! ثم الإشارة إلى شيء من منفعة الخمر في الآية المنسوخة؛ هل سيق من باب العدل والموازنة في نقد الأشياء فضلاً عن الأعيان؟! أم سيق من باب الإخبار بواقع الحال عند بعض الناس؟! حيث كان في الخمر منفعة لهم من جهة ثمن بيعها ولذتها، ومنفعة الميسر كانت فيما يصاب به من أموال بالقمار، أتعتبر هذه منافع في الخمر والميسر من حيث ذاتهما، أم من حيث مستعملهما؟!
على هذا القياس الباطل؛ يكون البغاء فيه منفعة ولم يذكرها الله عز وجل؟! لأنَّ الباغيات ينتفعن بالمال والبغاة ينتفون باللذة!!، وهكذا كل الفواحش والمنكرات، نعوذ بالله من الهوى والفواحش.
وإنما كانت الآية الأولى تمهيداً وتقدمة لتحريم الخمر والميسر؛ فالخطاب موجَّه إلى المتعلِّقين بهما بشبهة أنَّ فيهما منفعة لهم، فخرج الجواب في دفع تلك الشبهة المقترنة بالهوى.
وكذلك حديث الخريت؛ فقول عائشة لم يكن في موضع التحذير منه!، ولم تذكر حسناته من باب العدل والموازنة!، وإنما من باب الإخبار بواقع حاله!!
وكذلك وصف شيخ الإسلام لبعض الكفار والمنافقين والمبتدعة بشدة الذكاء، إنما هو من باب الإخبار بواقع حالهم، ومن باب التأنيب حيث لم ينتفعوا من ذلك بما ينفعهم في الدنيا والآخرة، أو من باب المقارنة بمن هو دونهم في تلك الصفة؛ بمعنى أنَّ هؤلاء مع ذكائهم ضلوا فكيف بمن هو دونهم؟!
والكاتب جعل ذلك كله من باب العدل في الموازنة بين الحسنات والسيئات في موضع التحذير والنقد!!!
ثم قال الكاتب: ((وأما من استدل بما تقدم من النصوص الشرعية وغيرها على وجوب ذكر حسنات المنقود فقد أبعد النجعة, وينظر في رد هذا الاستدلال على الوجوب ونقضه كتاب الشيخ ربيع حفظه الله "منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف" ففيه الكفاية والغنية))
قلتُ: ومثله مَنْ أجاز ذكر الحسنات والسيئات في حال التحذير والنقد والرد، فقد كفانا الشيخ حفظه الله تعالى الرد عليه كذلك.
 وأما ما نقله عن أئمة الدعوة السلفية المعاصرة في بيان جواز ذكر حسنات المبتدع إذا اقتضت المصلحة لذلك بشرط الأمن من مضرتها على الناس؛ فسيأتي الكلام عنه في الحلقة الثامنة، بإذن الله تعالى، لأنَّ الكاتب سيعيده هناك!.
وأما قول الكاتب: ((وهذا الشيخ ربيع حفظه الله فيما سبق النقل عنه قد أشار إلى أنَّ الشيخ ابن باز كان يثني على جماعة التبليغ ويعرج على أخطائها في نفس المقالة؛ فأئمة الدعوة السلفية الثلاثة الكبار المعاصرين يختارون تفصيل القول في مسألة الموازنة في نقد المخالف، وهو نفس التفصيل الذي اختاره شيخنا حفظه الله))
أقول: وهذا عين تتبع الرخص!، فالشيخ ابن باز رحمه الله تعالى كان يُثني على جماعة الإخوان والتبليغ في أول الأمر، ثم تبين له أنهما من الفرق الثنتين والسبعين المتوعَّدة بالنار، فكيف يؤصِّل الكاتب هداه الله تعالى على فتوى عالم رجع عنها؟!
ما تقول أيها الكاتب: في فتوى قديمة أيضاً صدرت من مكتب مفتي عام المملكة في عهد الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى بتاريخ 10/ 4/ 1414ﻫ أي بعد مذكرة توقيف سفر الحوالي وسلمان العودة بسبعة أيام، حيث سُئل فيها الشيخ ابن باز عن حكم الاستماع إلى أشرطة عائض القرني وسفر الحوالي وسلمان العودة وعبد الوهاب الطريري؟ وهل هم مبتدعة؟ وهل هم خوارج أم سلفيون؟ فقال الشيخ: ((أشرطتهم مفيدة، وليسوا مبتدعة، وليسوا خوارج، ولا تجوز غيبتهم، ويجب الذب عنهم كغيرهم من أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وليس واحد منهم معصوماً....))، هل نثني عليهم لأنَّ الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى كان يثني عليهم قديماً؟!

يتبعه الحلقـــ (3) ــة

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.