-->

الخميس، 13 أبريل 2017

المؤاخذة الخامسة على أبي عبد الحق الكردي/ التقلُّب في مسألة المظاهرات وحكم المتظاهرين

سُئل أبو عبد الحق الكردي في جلسة مع بعض الشباب مسجَّلة ومصورة: هل الذين يقومون بالمظاهرات خوارج؟ أو فعلهم فعل الخوارج؟
فكان جوابه: ((لا والله، نحن لا نقول لأحد ولا لهؤلاء: خوارج، ولا نقول: فعلهم فعل الخوارج؛ بل نطلب ونرجو من الحكومة أن تحقق مطالبهم، وأي طلب من مطالبهم حق نرجو من الحكومة أن تحققه لهم.
أما أن نقول: هؤلاء خوارج أو فعلهم فعل الخوارج؛ فهذا ليس من شأننا أن نحكم علی هؤلاء.
وإنما نحن أهل السنة علينا أن ننصح الناس؛ لأنه إذا لم يكن الناس صالحين: فإنَّ الوضع لا ينصلح أبداً، والله أعلم)).

في جوابه هذا عدة وقفات:

الأولى: هل يفهم القارئ أو السامع لهذا الجواب أنه يقول بتحريم المظاهرات أو أنه يُنكر على هؤلاء المتظاهرين هذا الخروج؟!
لم يذكر أبو عبد الحق تحريم المظاهرات ولم يظهر إنكاره على المتظاهرين مع مناسبة هذا في جوابه هنا؛ ولا غرابة في موقفه هذا فهو يتماشى مع قاعدته التي أسسها من قبل في التفريق بين السلفي والحدادي بقوله: "في كثير من الأحيان قول الحق يفضي الى نتائج سيئة!".
ومعلوم أنَّ علماء السلفيين جميعاً في هذا العصر يصرحون بتحريم المظاهرات، وكلامهم معلوم ومنشور ولا أرى حاجة في ذكره هنا، وخاصة أنَّ أبا عبد الحق نفسه ذكر كلامهم في رسالتين له منشورتين!.

الثانية: نفى أبو عبد الحق بإطلاقٍ وجزمٍ مؤكَّدٍ بالقسم أن تكون المظاهرات من الخروج على ولاة الأمور وأن يكون المتظاهرون من الخوارج بلا تفصيل؛ وهذا سابقة جديدة منه، وهي دليل آخر يدلُّ على تقلُّب أبي عبد الحق وتغيره.
وأما كون المظاهرات من الخروج على ولاة الأمر؛ فهذا أمرٌ ظاهر، وقد سُئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله في صوتية منشورة بعنوان [أسئلة في المسجد النبوي بتاريخ يوم الاثنين 11 ربيع الاول 1432هـ]: هل يمكن القول بأنَّ المظاهرات والمسيرات تعتبر من الخروج على ولي الأمر [علماً أنَّ المذكور في الأسئلة المظاهرات السلمية]؟ فكان جوابه حتمياً مؤكَّداً: ((لا شك هي من وسائل الخروج، بل هي من الخروج لا شك)).
وأما كون المتظاهرين من الخوارج فهذا هو الأصل، وما دام أنَّ المظاهرات من الخروج على ولي الأمر، فمن خرج على ولي أمره فهو خارجي كما صرَّح بذلك أهل العلم، وقد ذكر الإمام اللالكائي رحمه الله في "اعتقاد أهل السنة 1/181" بسنده وروايته "أصول السنة" للإمام أحمد رحمه الله وفيها: ((ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة باي وجه كان بالرضا أو بالغلبة: فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق))، وقال الإمام البربهاري رحمه الله في [شرح السنة "76"]: ((ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين: فهو خارجي، وقد شق عصا المسلمين، وخالف الآثار، وميتته ميتة الجاهلية))، وقال الشهرستاني في [الملل والنحل 105/1]: ((كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة يسمى خارجياً؛ سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين بإحسان إلى يوم الدين والأئمة في كل زمان)).

الثالثة: وأما قول أبي عبد الحق: ((بل نطلب ونرجو من الحكومة أن تحقق مطالبهم))، فهذا من باب دغدغة مشاعر الناس ومسايرة حماستهم وموافقة عواطفهم، وكان الواجب عليه أن يطالب الناس بالصبر وعدم الخروج في المظاهرات، وأن يسألوا الله عزَّ وجلَّ حقَّهم، فقد أخرج الشيخان عن أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَلاَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِى كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاَنًا؟ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ"، وأخرجا عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِى عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ".

الرابعة: قول أبي عبد الحق: ((أما أن نقول: هؤلاء خوارج أو فعلهم فعل الخوارج؛ فهذا ليس من شأننا أن نحكم علی هؤلاء، وإنما نحن أهل السنة علينا أن ننصح الناس)).
هذا الكلام أشدُّ من قاعدة "نصحح ولا نجرِّح" أو "نصحح ولا نهدم"!، لأنَّ هذا القاعدة تصرِّح بتصحيح الأخطاء والتوقف في تجريح الأشخاص، أو كما يقول الحلبي: "لواء التصحيح أم بلاء التجريح؟!"، بينما قاعدة أبي عبد الحق فمفادها "ننصح ولا نجرِّح"، فلم يذكر حتى تصحيح الأخطاء هنا!، ولم ينكر فعل المتظاهرين فضلاً أن يحكم عليهم!، فقاعدته أسوأ وأخطر من قاعدة العرعور والمأربي والحلبي [التحذير من الأخطاء وعدم التعرض للأشخاص].
ومما يؤكِّد أنه سائر على قاعدة هؤلاء المميعة، بيانه الجديد الذي زعم فيه أنه تراجع عن تبديع السلفيين بأعيانهم ثم نكص على عقبيه في رسالة له عبر الواتساب!، وقد قال في أول البيان: ((الذي أراه الآن هو أنَّ إطلاق التبديع والتفسيق على المعينين ممن انتسبوا إلى أهل السنة والجماعة "السلفية" ليس من المصلحة الشرعية؛ لما رأينا من الآثار السلبية التي ترتبت على تبديع المعينين منهم، وعدم الاكتفاء بالرد على أخطائهم والتحذير من انحرافاتهم"، وقال في آخره: "وإذا رأوا من الدعاة والعلماء مخالفةً واضحةً ولم يجدوا لمخالفته مساغاً: فليحذروا من مخالفته لأنَّ الإقرار على الخطأ لا يجوز شرعاً, لكن فليكن الرد بأحسن عبارة ودون تهجم أو تجريح"!)).
فهنا يرى أبو عبد الحق الاكتفاء برد الأخطاء والتحذير من المخالفات دون تبديع ولا تجريح، وهذه نصُّ قاعدة العرعور والمأربي والحلبي، بل هذا هو الأصل السادس من أصول حسن البنا حيث قال: ((ولكنا لا نعرض للأشخاص - فيما اختلف فيه - بطعن أو تجريح، ونكلهم إلى نياتهم، وقد أفضوا إلى ما قدَّموا)).
وزعم بعض متعصبة أبي عبد الحق الكردي أنَّ كلام شيخه مقتبس من كلام الشيخ ابن باز رحمه الله، وهذا يدلُّ على أمرين:
1- أنَّ شيخه أبا عبد الحق الكردي يسرق أحياناً كلام غيره ولا يذكر مصدره، بل يعزوه إلى نفسه، وقد رأيتُ بنفسي منه مثل ذلك.
2- أنَّ هذا المتعصب وشيخه من قبل لا يفرِّقان بين كلام الشيخ ابن باز رحمه الله المقيد بـ (فيما يسوغ فيه الاجتهاد) وبين تلاعب أبي عبد الحق في كلام الشيخ ابن باز وإضافة عبارة (مخالفةً واضحة ولم يجدوا لمخالفته مساغاً)، فنصُّ كلام الشيخ ابن باز رحمه الله هو: ((وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الاجتهاد: فإنَّ صاحبه لا يؤاخذ به ولا يثرب عليه إذا كان أهلاً للاجتهاد، فإذا خالفه غيره في ذلك كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن؛ حرصاً على الوصول إلى الحق من أقرب طريق ودفعاً لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين، فإن لم يتيسر ذلك ورأى أحد أنه لا بد من بيان المخالفة فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة ودون تهجم أو تجريح)).
فأين كلام الشيخ ابن باز رحمه الله في [المسائل الاجتهادية] من كلام أبي عبد الحق في [المخالفات الواضحة التي ليس لها مسوَّغ]؟!
والمقصود هنا: أنَّ توقُّف أبي عبد الحق في وصف المتظاهرين بالخوارج مطلقاً مبنيُّ على منهجه الجديد في عدم التجريح في المخالفات الواضحة التي ليس لها مسوَّغ، فليفطن لهذا.
والعجيب أنَّ أبا عبد الحق الكردي يتورَّع في وصف المتظاهرين بالخوارج ولو على سبيل التعميم لا التعيين، وفي الوقت نفسه لا يتورَّع في وصف السلفيين الذين يردون عليه ويكشفون أخطاءه بالحدادية وعلى سبيل التعيين؟!
قال الشيخ ربيع حفظه الله كما في [بيان الجهل والخبال في مقال حسم السجال رد على المسمى بـِ "مختار طيباوي" "الحلقة الأولى"]: ((ومن أصول هؤلاء الذين يلبسون لباس السلفية لحرب أهل السنة ومنهجهم: "نُصحِّح ولا نُجرِّح"، يوهمون الناس أنهم أهل ورع وإنصاف!، وهم بهذا الأصل مخالفون لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح القائم على كتاب الله وسنة رسوله، ومناهضون لأهل الحديث والسنة وأصولهم في الجرح والتعديل من فجر تأريخهم إلى يومنا هذا، والذين شحنت مؤلفاتهم في الجرح والتعديل وكتب الجرح الخاصة بالجرح لأهل البدع وغيرهم من الكذابين والمتهمين، ومناهضون لدواوين أهل السنة في نقد أهل البدع وبيان عقائدهم من جهمية ومعتزلة وخوارج ومرجئة وصوفية وغيرهم ينقدون ويجرحون طوائفهم وأعيان كثير منهم خاصة دعاتهم)).
ومن أراد معرفة بطلان قاعدة أبي عبد الحق "الاكتفاء بالتحذير من المخالفة الواضحة التي ليس لها مسوَّغ دون تجريح المخالف" ومعرفة كلام العلماء الكبار فيها فليراجع مقالي [قاعدة "التحذير من الأخطاء وعدم التعرض للأشخاص" بين حسن البنا وأفراخه من أهل التمييع].
ولما أنكر السلفيون هذه المؤاخذة على أبي عبد الحق لم يتراجع عنها، بل اشتدَّ نكيره هو ومتعصبوه على السلفيين الذين ردوا عليه، وذهبوا يستدلون بكلام بعض العلماء في التفريق بين "الخوارج" و "البغاة"، وسيأتي الكلامه عن ذلك مفصلاً قريباً.

التعليق على جوابه في برنامج "الجواب الكافي": 
ثم خرج أبو عبد الحق في برنامج "الجواب الكافي" مع المقدِّم سعدون حمادي فسأله: هل صحيح بأنكم تنفون أن تكون المظاهرات من الخروج على الحكَّام؟
فأجاب أبو عبد الحق: ((المظاهرات على نوعين بارك الله فيك، وكلا النوعين لا يجوز في شرع الله، هي عادة غربية وما أثمرت حتى في الواقع وفي التجربة، ما أثمرت خيراً وإنما أثمرت دماراً كما لاحظنا ورأينا في سوريا وليبيا ومصر وفي كثير من البلدان في عصرنا هذا، لكن هل كل المتظاهرين على حدٍّ سواء وحكمهم واحد؟ لا، هناك من يخرج يتظاهر بالخروج على الحكومة وإسقاط النظام يعني في أي دولة كانت، الكلام ليس في دولة بعينها، يكفِّرون ويريدون الإطاحة بهذا النظام: نعم هذا هو الخروج، وأما الذي يخرج يطالب بقوته بسبب ظلم الحاكم أو بسبب ظلم الأنظمة الحاكمة، يطالبون بقوتهم ويريدون حقوقهم، نقول: هؤلاء لا يريدون إسقاط الحكومة ولا تكفير ولا تدمير ولا سفك دماء ولا يحملون السلاح، وإنما يطلبون حقوقهم، نقول: هؤلاء ليسوا من الخوارج، مع أنَّ عملهم هذا عملٌ غير شرعي، ووسيلة غير شرعية هذه، وقد يؤدي هذا العمل إلى النوع الأول: فحينئذ يكون من الخروج، لكن في الحالة الآنية الوقتية هل يُعطى القسم الثاني حكم القسم الأول؟ لا، يفترقان ويختلفان بارك الله فيك، مع أنَّ المطالبة بالحقوق لا تكون بهذه الطريقة بارك الله فيكم)).
وهنا صرَّح أبو عبد الحق بأنَّ المظاهرات غير شرعية وأنَّ المطالبة بالحقوق لا تكون بهذه الطريقة، وأنَّ المظاهرات قد تكون خروجاً على الحاكم، وأنَّ قسماً من المتظاهرين قد يكونون من الخوارج، وهذا يخالف إطلاقه في الجواب الأول أعلاه، وهو لم يصرِّح هنا بخطئه أولاً ولم يصرِّح بتراجعه ثانياً، فهذا يدلُّ على تناقضه واضطرابه في مسألة المظاهرات.

والأهم من ذلك أنه قسَّم المظاهرات في جوابه هذا إلى قسمين:
1- مظاهرات لإسقاط النظام وما يصاحب ذلك من تكفير وتدمير وسفك دماء وحمل السلاح، فهذا هو الخروج على الحاكم.
2- مظاهرات للمطالبة بالحقوق بسبب ظلم الحاكم والأنظمة الحاكمة بدون تكفير ولا تدمير ولا سفك دماء ولا حمل سلاح، فهذا ليس من الخروج على الحاكم.
 وهذا يعني بعبارة أخرى أنَّ أبا عبد الحق يذهب إلى تقسيم المظاهرات إلى "مظاهرات سلمية" و "مظاهرات غير سلمية"، ويعدُّ المظاهرات السلمية ليست من الخروج على الحكَّام، وهذا يدلُّ دلالة واضحة على تأثره بأفكار الحزبيين الذين يزورهم بين الحين والآخر ولا يعدُّ ذلك مخالفة شرعية، ويقرر معهم بعض مصطلحاتهم الحادثة.
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله كما في [الإجابات الفاصلة على الشبهات الحاصلة من فوائد وتوجيهات ونصائح هامة]: أفتى أحد الدعاة في إحدى القنوات الفضائية: "أنَّ الخروج على الحاكم هو الخروج المسلح فقط لا الخروج في المظاهرات"، فهل هذا الكلام صحيح؟
فكان جوابه: ((هذا يتكلَّم بغير علم، فإن كان ضالاً فنرجو الله أن يهديه ويرده إلى الصواب، أما إن كان مغرضاً فنرجو الله أن يعامله بما يستحق وأن يكفي المسلمين شره، والخروج على الإمام ليس مقصوراً على السلاح، بل الكلام في حق ولي الأمر وسباب ولي الأمر خروج عليه وتحريض عليه وسبب فتنة وشر، فالكلام لا يقل خطورة عن السلاح، كما قال الشاعر:
فإنَّ النار بالعودين تذكى ....... وإنَّ الحرب أولها كلام
رُبَّ كلمة أثارت حرباً ضروساً، فالخروج على الإمام يكون بالسلاح ويكون بالكلام ويكون بالاعتقاد، إذا اعتقد أنه يجوز الخروج على ولي الأمر)).
وهذا التقسيم الذي ذكره أبو عبد الحق هو في الحقيقة تقسيم بين (الغالب) و (النادر)!، فيندر وجود مظاهرات سلمية في بلداننا كما هو ملاحظ في عصرنا، حيث تبدأ المظاهرات بأنها سلمية في أول الأمر، ثم يركب موجتها أناسٌ لهم أغراض سياسية وينادون بشعارات وهتافات تغاير سلمية المظاهرات، وتزداد الحماسة يوماً بعد يوم، ويفقد الناس صبرهم وتفقد الجهات العسكرية والأمنية صبرهم فتحصل المواجهة بين الصفين؛ وخاصة مع وجود المندسين في هذه الجموع الغوغائية.
قال الشيخ ربيع حفظه الله في مقاله [حكم المظاهرات في الإسلام/ الحلقة الثانية – حوار مع سعود الفنيسان]: ((إنَّ المظاهرات معروفة لدى العرب والعجم، وهي عبارة عن تجمعات غوغائية، يشترك في المطالبات بها المسلم الغِرُّ والكافر، يجوبون فيها الشوارع والميادين، ولهم شعارات وهتافات بأصوات عالية منكرة وحركات بغيضة واختلاط منكر بين الرجال والنساء يحرمه الإسلام ويأباه الشرف والمروءة، وغالباً أو تسعة وتسعين في المائة أن يكون فيها تخريب وتدمير للممتلكات ونهب للمتاجر وإحراق للسيارات، ويكون فيها سفك للدماء، ويندر جداً أن تكون سلمية، والحكم للغالب لا للنادر)).
فهل يعي أبو عبد الحق هذا الأمر لما قسَّم المظاهرات إلى سلمية وغير سلمية؟ أم غفل عنه؟!
العجيب أنَّ أبا عبد الحق جعل الغالب هو النادر فقال: ((وقد يؤدي هذا العمل إلى النوع الأول: فحينئذ يكون من الخروج))، وجعل النادر هو الغالب فقال: ((لكن في الحالة الآنية الوقتية هل يُعطى القسم الثاني حكم القسم الأول؟ لا، يفترقان ويختلفان)).
وهل الأعمال تبنى أحكامها على أولها أم على خواتيمها؟!

وأما جواب أبي عبد الحق الجديد في الفيس بوك:
فبدأه بسؤال خارج موضع المؤاخذة أصلاً فقال: ((هل أبو عبد الحق خالف منهج السلف والعلماء السلفيين لما قال: المتظاهرون للمطالبة برواتبهم وحقوقهم ليس حكمهم حكم الخوارج المكفِّرة المارقين كلاب أهل النار؟)).
فلينظر القارئ المنصف: هل أصل المؤاخذة على أبي عبد الحق كانت في هذا؟!
أبو عبد الحق في جوابه الأول لم يذكر تحريم المظاهرات ولم يُنكر على المتظاهرين أصلاً، ونفى بشدة أن تكون المظاهرات من الخروج على الحكام وأن يكون المتظاهرون من الخوارج مطلقاً، ثم في برنامج الجواب الكافي قسَّم المظاهرات إلى سلمية وغير سلمية، وحكم فقط على (غير السلمية) أنها من الخروج وأنَّ أصحابها خوارج، فهذا محل الانتقاد، وهذا موضع المؤاخذة.
فكفاك تلبيساً يا أبا عبد الحق.
والخوارج ليسوا صنفاً واحداً، قال الشيخ ربيع حفظه الله في مقاله [حكم المظاهرات في الإسلام/ الحلقة الثانية – حوار مع سعود الفنيسان]: ((ومعلوم عند أهل العلم والتأريخ أنَّ الخوارج قسمان:
- قسم يسلُّون السيوف على الحكام والأمة.
- وقسم يُحرِّكون الفتن بالكلام والإثارة والتهييج على الخروج؛ وهم المعرفون بالقعد، ورأس هذا الصنف عمران بن حطان؛ مادح ابن ملجم قاتل علي. وبعض الأحزاب السياسية هم امتداد لهذا النوع من الخوارج، كما أنَّ المعتزلة امتداد لهم)).
فمن يُحرِّك الفتن بالكلام والطعن والخطب الحماسية والشعارت العاطفية ضد الحكام ويهيج الناس للخروج عليهم ويزين هذا الخروج لهم: فهؤلاء خوارج وإن لم يكونوا من القسم الأول، فافهم هذا يا أبا عبد الحق ولا تكن من الغافلين.

وأما جواب أبي عبد الحق عن السؤال - الذي صاغه لنفسه ليخرج من الزلل والتناقض! - فهو أدهى وأمر، حيث قال: ((الجواب/ كلا، لأنه يوجد الفرق بين "الخوارج" و "المتظاهرين" كما يظهر في كلام أئمة الدعوة السلفية)).
هذا الجواب المجمل يدلُّ على أنَّ أبا عبد الحق تراجع عن قوله في "الجواب الكافي"، والذي عدَّ فيه صنفاً من المتظاهرين من الخوارج؛ وهم أصحاب المظاهرات غير السلمية كما تقدَّم في كلامه.
فجوابه الجديد هذا يصرِّح فيه بالتفريق على وجه الإطلاق بين الخوارج والمتظاهرين، وأنَّ المتظاهرين - من غير تفصيل ولا استثناء! - صنف غير الخوارج، والأدهى أنه نسب هذا التفريق إلى أئمة الدعوة بلا نزاع ولا تفصيل!، وهذا يدلُّ على أنه لا يفهم كلام العلماء الذين ذكر كلامهم في جوابه.

- فأما كلام العلامة ابن قدامة المقدسي رحمه الله؛ فهو ذكر أصناف الخارجين على الإمام: قطاع طرق، وبغاة، وخوارج، وذكر صفة قطاع الطرق: قوم يسعون في الأرض الفساد امتنعوا من طاعة الإمام وخرجوا عن قبضته بغير تأويل وكذا لو كانوا نفراً يسيراً ولهم تأويل، والبغاة: قوم من أهل الحق لهم منعة وشوكة خرجوا عن قبضة الإمام ويقصدون خلعه لتأويل سائغ، والخوارج: الذين يكفِّرون بالذنب ويكفِّرون الإمام ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم.
فالسؤال الذي نطرحه على أبي عبد الحق ولا أظنه يجيب عليه: المتظاهرون المطالبون بحقوقهم الذي لا يريدون إسقاط النظام؛ من أي الأصناف الذين ذكرهم ابن قدامة؟!
ثم هب أنَّ المتظاهرين ليسوا من صنف الخوارج مطلقاً كما يزعم أبو عبد الحق، وأنهم من صنف قطَّاع الطرق أو من صنف البغاة، فالعلامة ابن قدامة جعل هذه الأصناف كلها من الخارجين على الإمام، وأبو عبد الحق لا يرى ذلك لا في جوابه الأول أعلاه ولا في جوابه في برنامج الجواب الكافي!. كما أنَّ العلامة ابن قدامة ذكر في كلامه أنَّ هذه الأصناف يعان الإمام على قتالهم ودفع شرهم، بينما أبو عبد الحق طالب الحكومة على تلبية مطالبهم وحقوقهم.

- وأما كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ ففرَّق بين "البغاة" و "الخوارج" وليس بين "المتظاهرين" و "الخوارج"، إلا إذا كان المتظاهرون والبغاة صنفاً واحداً مطلقاً، والبغاة يخرجون على ولاة الأمور يطلبون ما في أيديهم من المال والإمارة كما في كلام شيخ الإسلام رحمه الله، فهل المتظاهرون كذلك؟ نترك الجواب لأبي عبد الحق الذي عدَّ من يطلب إسقاط النظام من "الخوارج" كما في "الجواب الكافي"!.

 - وأما كلام الشيخ ابن باز رحمه الله، فهو رحمه الله قد سُئل أولاً من سائل: متى يسمَّى الرجل خارجياً؟ فقال رحمه الله: "إذا فعل فعلهم، وكفَّر الناس بالمعاصي"، فسأله آخر مباشرة: هل كل من خرج على الحاكم يسمى خارجياً؟ فقال رحمه الله: "لا، الخارجي الذي يكفِّر الناس بالمعاصي ويرى خلودهم في النار".
فالكلام عن الضابط الذي يسمى به الرجل خارجياً، فالخروج على الحاكم قد يكون من البغاة أو الخوارج أو قطاع الطرق، وقد يكون الخارج مجتهداً مخطئاً معذوراً كما حصل من بعض السلف، فلا يكون الخروج على الحاكم ضابطاً في معرفة الخارجي؛ لأنه يشترك معه غيره، ولهذا ذكر الشيخ رحمه الله الضابط الذي يُعرف به الخارجي وهو التكفير بالمعاصي وتخليد أهل الكبائر في النار.
فعاد إليه السائل الأول قائلاً: أحسن الله إليك؛ الخوارج في عهد علي رضي الله عنه لم يعتقدوا تكفير الناس لكنهم خرجوا عليه؟ فقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لكنهم كفَّروه وقتلوه"، فالشيخ ابن باز رحمه الله يتكلَّم عن صفة الخارجي سواء كان يحمل عقيدة تكفير  المسلمين بالمعاصي أو عقيدة تكفير الحاكم ومن رضي بحكمه.
ومعلوم أنَّ مبدأ أمر الخوارج كان الإنكار على ولاة الأمور وذكر معايبهم على رؤوس الخلائق حتى بلغ الأمر إلى المطالبة بخلعهم أو التصريح بتكفيرهم أو الخروج عليهم بالسيف، والخوارج قد يخرجون على الحاكم الذي لم يروا منه كفراً بواحاً لاعتقادهم جواز الخروج على الحاكم الظالم.
قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي كما في [فتاويه ص (331-332)]: ((وحديث العلماء في الفرق الإسلامية عن الخوارج إنما هو عن هؤلاء الذين خرجوا على علي رضي الله عنه من أجل التحكيم، أما طلحة، والزبير، ومعاوية، ومن تبعهم فلم يعرفوا عند علماء المسلمين بهذا الاسم.
ثم صارت كلمة "الخوارج" تطلق على: كل من خرج على إمام من أئمة المسلمين اتفقت الجماعة على إمامته في أي عصر من العصور؛ دون أن يأتي ذلك الإمام بكفر ظاهر ليس له عليه حجة)).
وكون التكفير من الصفات التي يُعرف بها الخوارج فهذا لا يفيد الحصر، بل يُعرف الخارجي بهذه الصفة وبغيرها من الصفات التي امتازوا بها عن غيرهم.  
سُئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله كما في صوتية [متى يحكم على الشخص بأنه خارجي؟"]: أحسن الله إليكم، سائل يقول: هل كل من خرج على الإمام يسمى خارجيًا، أم أنه لابدَّ مع ذلك من إعتقاد المسائل التي يكون بها من الخوارج كتكفير صاحب الكبيرة والخلود في النار وغير ذلك؟
فكان جوابه: ((الخوارج لهم صفات، منها: الخروج على ولي الأمر، ومنها: التكفير بالكبيرة، والتكفير بالكبيرة هذا هو الأصل، هم ما خرجوا على ولي الأمر إلا لأنهم كفَّروه؛ كفَّروه بإرتكاب الكبيرة، فالأصل أنهم يكفِّرون بإرتكاب الكبائر التي دون الشرك، ويتفرع على هذا خروجهم على ولي الأمر، ويتفرع على هذا إستحلال لدماء المسلمين، كله مترتب على أنهم يكفِّرون بالكبيرة، هذا مذهبهم، فسبب ضلالهم: هو التكفير بالكبيرة، نسال الله العافية، نعم. 
فمن اِتصف بخصلة من خصالهم فهو منهم:
- الذي خرج على ولي الأمر هذا من الخوارج.
- الذي يكفر بالكبيرة هذا من الخوارج.
- الذي يستحل دماء المسلمين هذا من الخوارج.
- الذي يجمع بين الأمور الثلاثة هذا هو أشد أنواع الخوارج)).
قال السائل: أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة، وهذا سائل يسأل، السؤال متعلِّق بالسؤال السابق: يقول هل يكون من معاني الخروج الخروج بالكلام واعتقاد القلب من غير حمل للسلاح أو إظهار لما يعتقد في مسائل الخوارج؟
فكان جواب الشيخ: ((هذا كما ذكرنا، فمن اتصف بخصلة من خصالهم فهو منهم؛ سواءً في العقيدة ولو لم يتكلَّم؛ إن رأى أنَّ الخوارج على صواب وهم على حق لكن لا يعلم هذا إلا الله إحنا مالنا قد يكون من الخوارج ونحن لا ندري لأنه يعتقد هذا ويراه، ويكون من الخوارج إذا تكلَّم بكلامهم وكفَّر المسلمين وتكلم بهذا وأظهره، وصار أشد من ذلك إذا حمل السلاح فهو من الخوارج)).
وسُئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله كما في "موقعه الرسمي": متى يسمى الرجل من الخوارج؟! هل إذا فعل خصلة من خصالهم يعد منهم؟! أم يجب أن يعتقد ويعمل جميع أعمالهم؟!
فأجاب: ((من عمل عمل الخوارج وقال بقولهم فإنه يعتبر من الخوارج، الخوارج: هم الذين يخرجون عن إمام المسلمين ويشقون عصا الطاعة، فمن اعتقد هذا الاعتقاد أو فعله مع إمام المسلمين: فإنه من الخوارج، وكذلك من يكفِّر المسلمين بالكبائر التي توجد فيهم: هذا مذهب الخوارج؛ فمن كفَّر المسلمين، كفَّر أحدًا من المسلمين بمعصية دون الشرك: فإنه يعتبر من الخوارج، فهذا مذهب الخوارج، نسأل الله العافية)).
وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه على حديث ذي الخويصرة فقال: [بَابُ مَنْ تَرَكَ قِتَالَ الخَوَارِجِ لِلتَّأَلُّفِ، وَأَنْ لاَ يَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُ]، ومعلوم أنَّ ذي الخويصرة هذا كان رأس الخوارج بقوله للنبي صلى الله عليه وسلم لما قسَّم الغنائم: "اعدل يا محمد"، لم يكن خارجياً بعقيدة التكفير ولا بالخروج بالسيف.
والقعدية عدَّهم العلماء من الخوارج ولم يشهروا السيف في وجه ولاة الأمور، وإنما زيَّنوا للناس الخروج عليهم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة "فتح الباري": ((القَعَدِيَّة: الذين يزينون الخروج على الأئمة ولا يُباشرون ذلك)).
إذاً من يخرج على ولاة الأمر يُعدُّ من الخوارج وإن لم يشاركهم في باقي معتقداتهم، وهذا هو المعروف في عرف المحدثين كما قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله في [فوائد المجاميع (235)]: ((المحدِّثون قد يُطلقون "الخوارج" على مطلق الخارجين عن السلطان وإن كانوا بريئين عن سائر أقوال الخوارج الشاذة)).
لكن ليس كل من خرج على ولاة الأمر يُعدُّ من الخوارج، فقد يكون باغياً متأولاً - وقد يُعذر إذا كان مجتهداً قاصداً للحق فأخطئه، وقد لا يعذر إذا كان داعية إلى الفتنة والفوضى بالجهل والهوى – وقد يكون قاطعاً للطريق مفسداً في الأرض مسفكاً للدم ومتلفاً للمال، وهذا ما لم يفهمه أبو عبد الحق من كلام أهل العلم المذكورين في جوابه الجديد، فظنَّ كلامهم في التفريق بين (الخوارج والبغاة) دليلاً على صحة تفريقه بين (الخوارج والمتظاهرين) مطلقاً، ولهذا هو رجع إلى قوله الأول وملخصه: أنَّ المتظاهرين ليسوا من الخوارج ولا يُعدُّ فعلهم من الخروج مطلقاً، وهذا تأصيل عام.

وإنما فرَّق العلماء قديماً وحديثاً بين "الخوارج" و "البغاة" لا لنفي الخروج عن البغاة ولا لنفي كون الخروج على ولاة الأمور من صفات الخوارج التي يُعرفون بها، وإنما لإخراج من خرج على ولاة الأمور من السلف الصالح بتأويل ولم يكن من الخوارج، وقد استقرَّ قول السلف بعد ذلك على عدم الخروج كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وبعض الناس قد يخرج على ولاة الأمور وهو يرى الخروج عليهم محرَّماً، لكنه يتأول خروجه ببعض المعاذير، أو يكون حاله كمن يفعل المحرَّم وهو يعتقد حرمته، فمثل هؤلاء يدخلون في البغاة لا في الخوارج، لكن هذا وذاك لا يقتضي تأصيلاً عاماً كما فعل أبو عبد الحق، فليفطن لهذا.

 وأما ما ذكره أبو عبد الحق من كلام الشيخ عبيد الجابري حفظه الله، فلو أنه تأمَّل ما جرى حول الجواب من أخذ ورد بين الشيخ والسائل لعرف تمام جواب الشيخ في هذه المسألة، ولكنَّ أبا عبد الحق اكتفى بما ظنَّه أنه يوافق رأيه وأعرض عما بعده.
ودونكم المناقشة كاملة:
سُئل الشيخ عبيد الجابري حفظه الله كما في [أسئلة وأجوبة عبر الهاتف مع الشيخ عبيد الجابري المجموعة الرابعة]، السائل: هل كل من خرج في مظاهرة أو إضراب أو مسيرة أو اعتصام في مخيم خارج المدينة للمطالبة بالحقوق في زعمهم، فتدخل رجال الأمن لتفريقهم، فوقعت مشادات بين المتظاهرين ورجال الأمن، نتج عنها قتلى في كلا الفريقين، فهل يعتبر هؤلاء خوارج؟ وما ضابط الوصف بالخوارج؟
فكان جوابه: ((الظاهر أنَّ هؤلاء المتظاهرين بغاة, إلا إنْ صحب ذلك تكفير الحاكم ومن حوله, والمظاهرات بشتى أشكالها وأسمائها هي خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم, ولعلكم بلغكم "التنبيهات إلى الكشف عن حقيقة المظاهرات" محاضرة خاصة, المحاضرة مستقلة, بُثت من موقع ميراث الأنبياء, بينتُ نشأتها ومكانتها من الدين, وأنها بدعية)).
السائل: أليس البغاة خوارج يا شيخ؟ كما قال علي أو غيره: "إخواننا بغوا علينا".
الشيخ عبيد: ((أولاً: هذه المقالة فيها نظر, في ثبوتها نظر عن علي رضي الله عنه, كما ذكر غير واحد من المحققين.
وثانياً: الخروج على ضربين:
خروج عام: وهو كل من أعلن التمرد على الحاكم وحمل السيف في وجهه, سواء كفَّره أو لم يكفِّره، والبغاة لم يكفِّروا, لكن يَدَّعون مظالم وبخس حقوق وغير ذلك من الأمور، ولهذا قال الفقهاء: "الحاكم يناظرهم فإن ادَّعوا مظلمة رفعها, وإن ألقوا شبهة كشفها".
والثاني: الخروج على الإمام مع تكفيره وتكفير من حوله, وقد يكون يصحب ذلك تكفير القطر كله بما فيه من علماء وخبراء وعوام, يكفرونهم لموالاتهم الحاكم أو لرضاهم به، هذا هو الخروج الخاص؛ سواء حمل السلاح أو لم يحمله, فمن حمل السلاح منهم كان محارباً, ومن حسَّن الخروج وجمع أخطاء الحاكم والجهات النائبة عنه وصار يشهرها في الملأ ويمقتها ويسب إلى غير ذلك من مسببات السخط سخط الخاصة والعامة: هذا هو الخروج القعدي، وأهله يسمون الخوارج القاعدية أو القعدية؛ هم لا يحملون السيف ولكنهم يحرضون الخاصة والعامة على الحاكم)).
السائل : هؤلاء البغاة يا شيخ يوصفون بالخوارج أو لا؟
الشيخ عبيد: ((الخروج العام نعم, أنا قلتُ لك: الخروج قسمان, خروج عام وخروج خاص, فمن حيث الخروج العام العرفي هم خوارج, لكن يفرق بينهم وبين المكفِّرة, بقول "البغاة" بوصفهم بالبغاة)).

والمستفاد من كلام الشيخ عبيد حفظه الله:
1- لا يُعدُّ كل من خرج في مظاهرة أو مسيرة أو اعتصام أو إضراب للمطالبة بالحقوق من الخوارج، وهذا حق، لأنَّ منهم الجاهل الذي خرج بتغرير من دعاة الفتنة والخروج الذين يصوِّرون المظاهرات من وسائل التعبير عن الرأي ومن طرق إصلاح الواقع وإقامة العدل ورد الظلم وإنكار المنكرات والصدع بالحق، فهؤلاء جهلة لا يعلمون حرمة هذا الخروج أصلاً، ومنهم الغوغاء الذين يخرجون من باب إشاعة الفوضى وانفراط الأمن والاختلاط بالنساء وانتهاك المحرمات والتعدي على الحدود فهؤلاء مفسدون في الأرض، ومنهم من يعلم حرمة الخروج ويعتقد حرمته ولكنه يخرج معهم متأولاً أو معتذراً ببعض المعاذير فهؤلاء بغاة، ومنهم من يخرج للإطاحة بالحاكم لأنه لا يعتقد شرعيته ولا شرعية حكومته ويرى جواز الخروج على الحاكم الظالم فهذا على فكر الخوارج، فإن كان عنده بعض الشبهات فتكشف له وتقام الحجة عليه، وإن لم تكن له شبهة فهو من الخوارج، وإن كان يعتقد عقيدة الخوارج في تكفير المسلمين بالمعاصي وتخليدهم في النار واستحلال دمائهم فهذا من الخوارج المكفِّرة.
فالشيخ عبيد حفظه الله فصَّل من جهة الحكم على الأفراد.
2- الخروج على ولاة الأمور على ضربين: خروج عام سواء كفَّر الحاكم أو لم يكفِّره، وخروج خاص وهو خروج مع تكفير الحاكم ومن رضي به، فالأول يدخل فيه البغاة، والثاني هو خروج الخوارج.
3- البغاة يطلق عليهم خوارج بالعرف العام وليسوا خوارج مكفِّرة.
وأبو عبد الحق لم يفهم كلام الشيخ عبيد حفظه الله لأنه لم يرجع إلى تمام جوابه، ولهذا فهو يصوِّر كلام الشيخ عبيد موافقاً لكلامه، وليس كذلك، فالشيخ عبيد حكم على حادثة معينة، وفرَّق بين المتظاهرين البغاة - وعدَّهم من الخوارج في الخروج العام - وبين الخوارج المكفِّرة، وعدَّ الشيخ كل هذه الصور من الخروج على ولاة الأمر، وأما أبو عبد الحق فنفى كون المتظاهرين من الخوارج مطلقاً، ونفى كون فعلهم من الخروج، فأين كلامه من كلام الشيخ عبيد؟!.

وأما قول أبي عبد الحق في خاتمة جوابه الجديد: ((ولا يفهمنَّ أحدٌ أني مؤيدٌ لهذه المظاهرات أو أرى جوازها، لا، بل الناس في بلدي يعرفون أنني أرى تحريمها، وألَّفتُ في تحريمها رسالتين)).
أولاً: أنت في جوابك الأول سكتَّ عن بيان حكم المظاهرات ولم تنكرها أصلاً!؛ مع حاجة الناس إلى بيان حكمها في ذلك الوقت.
ثانياً: أنت هوَّنت من شأن المظاهرات؛ فتارة تنفي صفة الخروج عنها، وتارة تفرِّق بين السلمية وغير السلمية، وتارة تفرِّق بين المتظاهرين والخوارج مطلقاً بلا تفصيل، ولم تصفهم حتى بالبغاة ولا بقطَّاع الطرق.
ثالثاً: كونك كتبتَ رسالتين في إنكار المظاهرات قديماً وكون الناس يعرفون أنك ترى حرمتها هذا لا يعني أنك لا تقع في تناقض واضطراب بسبب منهجك الجديد أو تقع في تمييع وتهوين في الجواب عنها لإرضاء الناس وخشية أن ينفروا عنك أو يزيغ قلبك ويتلون دينك في يوم وليلة؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ قُلُوبَ بَنِى آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ"، وكم داعية كان متصدِّراً الساحة الدعوية ثم انقلب على منهجه القديم وعلى ما كان يقرره من قبل؟!، والأعمال بالخواتيم،  نسأل الله عزَّ وجلَّ الثبات على الهدى حتى الممات وأن يختم لنا بالحسنى.
رابعاً: لو كان الأمر كما تزعم أنَّ الناس في الإقليم يعرفون أنك ترى حرمة المظاهرات في الآونة الأخيرة، فلماذا خرج أحد الخطباء من أصحابك "رمضان قابيل" - وهو من الواقفين معك ويخرج في قناتك "النصيحة" مراراً! - متصدِّراً في مظاهرة في مدينة جمجمال بسبب انقطاع الماء؟ وقد أجرت معه قناة (NRT) الفضائية لقاءاً عن سبب هذه المظاهرة وشاهده آلاف الناس!.
فإن كان هذا الدَّعي لا يعرف أنك تحرم المظاهرات - وهو من أصحابك! - فكيف بعوام الناس؟!
وإن كان يعرف أنك تحرم هذه المظاهرات ومع هذا خرج فيها، فمن ثمارهم تعرفونهم!، هذا من ثمار دعوتك المبنية على المنهج الواسع الأفيح.
ثم لماذا لم تُنكر عليه هذا الخروج في بيان معلن أو تمنعه من إلقاء المحاضرات أو نشر خطبه في قناتك الخاصة على أدنى حال؟!
والله الموفِّق

كتبه/ أبو معاذ رائد آل طاهر

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.