-->

الأحد، 17 فبراير 2013

تحصين العقول من وساوس العيد شريفي في تقريره مبدأ الاعتراض وعدم التسليم لأمر الله والرسول


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد قرأتُ مقالاً جديداً وهو مثبَّت في منتديات أنصار الحلبي بعنوان [هل حقيقة يسوغ الخلاف في المنهج السلفي: في حكم الخروج على الحاكم المسلم إن ظلم وفسق؟]، وأصل المقال جلسة مسجَّلة مع العيد شريفي بتاريخ يوم السبت 19 من شهر ربيع الأول 1433 هـ الموافق 11-02-2012، والجلسة تناقش آراء المأربي الجديدة في مشروعية الخروج على الحاكم الظالم، وأنها من مسائل النزاع!.
فالمأربي بعد أن قال: بمشروعية إنشاء الأحزاب!، وقال: بمشروعية العمل السياسي تحت قبة البرلمان العلماني!، وقال: بمشروعية المظاهرات والاعتصامات والمسيرات بإذن ولي الأمر!، قال أخيراً: بمشروعية الخروج على الحاكم الظالم وأنها مسألة خلافية!، وضلالات هذا الرجل وفساده لا يخفى إلا على جاهل أو مكابر.
ولما عرض صاحب المقال آنف الذكر آراء المأربي واستدلالاته الفاسدة على شيخه العيد شريفي أنكرها ورد استدلالاته؛ لكن مع الترقيع وعدم التشنيع على القائل على طريقة: نصحح ولا نجرِّح!!، وقبل أن يفتتح العيد شريفي رده بدأه بالتعريض بالشيخ ربيع حفظه الله تعالى الذي كشف حال المأربي منذ سنين!، فقال: ((جماعة الشيخ ربيع يجعلون الشيخ ربيع من العلماء!، وغيره من طلبة العلم كالشيخ علي حسن الحلبي والمغراوي ومن كان على شاكلتهم يجعلوهم من طلبة العلم!، ففي ذاك الوقت كنا نحن نقول لهم: إنَّ هناك موازين نزن بها؛ إذا جعلتم العلماء هم الذين من مصاف الشيخ ناصر وأمثالهم؛ حتى الشيخ ربيع لم يصل إلى درجتهِم!)).
قلتُ:
وهذا يعني أنَّ الشيخ ربيعاً والحلبي والمغراوي ومَنْ على شاكلتهم هم أقران!!، فإما أن يكونوا كلهم علماء أو كلهم طلبة علم!!، هكذا يريد هذا الرجل، وكأنَّ مصطلح العلماء الكبار لا يُطلق إلا على الأئمة الثلاثة فقط!!!.
ثم بعد هذه المقدمة؛ أتى العيد شريفي بما يُحيِّر العقول، وما جاء به أسوأ من مقولة المأربي التي ردَّ عليها!!، لأنه قرر في رده هنا: مشروعية الاعتراض وعدم التسليم لأمر الله تعالى أو لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وهذه كلية خطيرة يندرج تحتها أصول فاسدة ومسائل كثيرة باطلة.
وإليكم أيها القراء المنصفون ما قاله هذا الرجل من وسوسة وسفسطة، لتعرفوا مآل هؤلاء المنحرفين المفسدين، وعاقبة الانحراف عن الجادة وأهل العلم الراسخين.
قال العيد شريفي في مقاله المشار إليه أعلاه [كما في التفريغ المنزَّل مع التسجيل الصوتي]:
((إنَّ التربية السلفيّة الصَّحِيحَة غابتْ عن الساحةِ، وأصبحت الدعوة السلفية قائمة على تقليدٍ وعلى تحزبٍ. ورحمَ اللهُ الشيخ ناصر مجدد هذا العصرِ والمكافح والمنافح عن هذه الدعوة السلفيّةِ عندما قال تلك المقولة التي قالها: "لئن تخالفني وأنت مخطئ خير من أن توافقني وأنت مقلدٌ"، هذا ليربي الأجيال على البحث عن الحق، وهذا المنهج ليس منهج اليوم، بل هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو المنهج الرباني.
ويبدو ذلك جلياً من خلال قوله تعالى لما قال تعالى في سورة البقرة: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"، فقالت الملائكة وهي تعترض اعتراضاً استفسارياً: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَك"، إذن هذا الاعتراض الاستفساري.
اعتراض استفساري على مَنْ؟
على العليم الحكيم الخبيرِ!
ومع ذلك ما صدر منه سبحانه وتعالى أي إشارةٍ من لوم أو توبيخٍ أو غير ذلك للملائكةِ؛ لأنهم في اعتراضهم اعتمدوا على علمٍ سابقٍ علَّمهم اللهُ إياهُ، لكن كما يقول القائل: إذا علمتَ شيئاً فقد غابتْ عنك أشياءُ.
فقال المولى عز وجل مبيناً سعة علمهِ راداً على علم الإنسان البسيط الذي يصل له ليس كما هو الحالُ، قال المولى عز وجل: "وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؛ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ..."، ماذا قال؟
قال: "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ"، قال المولى عز وجل: "قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون"، إذا علمتم عن أدم شيئاً فأنا أعلم عنه أشياء أخرى تخول له هذا الاختيار وهذا الاجتباء، فقالوا في نهاية المطاف: "سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ إذن كانت الملائكة هكذا مع رب العالمين.
وعلى هذا النهج سار صحب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تعاملهم معه: فكان إذا أخبرهم بشيء ثم فعل بخلاف ما أخبرهم به ما كان منهم إلا أن يعترضوا ولا يُسلِّموا ولا يَدَّعوا الخصوصية ولا يَدَّعوا نبوة ولا علم كامل وغير ذلك، وإنما يعترضون لما لديهم من أدلة:
فقد صلَّى إحدى صلاتي العشي وسلَّم، فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيتَ؟، وما عنَّف عليهِ أحدٌ، وما قال له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً؛ بل قال ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في موطن آخر لما صلى خمساً، وتكلَّم الصحابةُ فيما بينهم، قال: أحدث شيء؟! قالوا: نعم صليتَ خمساً، قال: "لو حدث شيء لأخبرتكم بهِ".
فلما كان الأمر يمشي على الأدلة السابقة الذكرِ ويمشي على الأصول السابقةِ فإذا جدَّ جديد فلا بد لمن جدَّ عنده الجديد أن يأتي بالجديد، فكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو حدث في الصلاة شيء لأخبرتكم به"، لماذا؟، لأنه يجب أن أخبركم وإلا فتمسكوا بما هو سابقٌ، وهذا استصحاب الأصل السابقِ المتعارف عليه في منهجنا المنهج السلفي، إذاً ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون".
وصلى بعد العصر ركعتين بعدما قد نهى عنها من قبلُ، فإذا بأم سلمة تبعثُ جاريتها لتعترض عليهِ تقول: "قد نهيت عن الصلاة بعد العصر وها أنا أراك تصلي"، وإلى غير ذلك من الأدلة التي نشأ عليها وتربى عليها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولم يعظِّموا مقام الرسول إلى العصمة، ولم يوصلوه إلى العصمة ليدَّعوا له العصمة، إنما هو معصوم فيما يبلغ عن اللهِ، فبعدما بلغ لهم ما جاءهم عن ربهِ فهو بشر مثلهم.
فهمت الآن يا أخانا؟
إذن؛ هذا هو المنهج الذي لا بد أن نعيش به، وأن ننشئ الأجيال على أن تعيش به)).

وسأقف معه وقفتين لا غير؛ لأنَّ فساد كلامه واضح، وإنما نحتاج إلى رد استدلاله بالمتشابه من النصوص:
الوقفة الأولى:
إنَّ دعواه أنَّ الملائكة كانت على نهج الاعتراض مع الله عزَّ وجل دعوة باطلة لا تغيب عن أجهل الناس؛ وقد صرَّح القرآن الكريم في نقضها فقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ))، وقال: ((لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)).
فهل يتصوَّر مسلم - بعد هذا الآيات الصريحة - أنَّ هؤلاء الملائكة كان من عادتهم الاعتراض على أمر الله وعدم التسليم؟!
وأما ما استدل به العيد شريفي من قصة خلق آدم وسؤال الملائكة لربهم: ((أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ))؛ فالملائكة لم تعترض على الله عز وجل!، وإنما كان سؤالهم استفهاماً واستعلاماً للحكمة من خلق آدم بعد أن عرفوا أنَّ كثيراً من ذريته ستفسد في الأرض وتسفك الدماء، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ((وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله!، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول، أي: لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه، وها هنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقاً - قال قتادة: وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها - فقالوا: "أَتَجْعَلُ فِيهَا" الآية؛ وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أنَّ منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟، فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي لك كما سيأتي، أي: ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا؟))
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره: ((واستفهام الملائكة للاستطلاع والاستعلام، وليس للاعتراض!)).

الوقفة الثانية:
دعواه أنَّ الصحابة كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم سائرين على نهج الاعتراض وعدم التسليم؛ في حال تغير فعل النبي صلى الله عليه وسلم على خلاف ما يعلمونه منه؛ هذه دعوى باطلة أيضاً، بل كان الصحابة الكرام على أتم التسليم والانقياد معه صلى الله عليه وسلم في أمره كله؛ وعلى ذلك أمثلة كثيرة: منها ما أخرجه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلة وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة، ومنها قصة نزع النعل الذي أخبره جبريل عليه السلام أنَّ فيه خبثاً فنزعه صلى الله عليه وسلم في الصلاة فنزع الصحابة نعالهم، ومنها لما صلى بهم جالساً فأشار إليهم بالجلوس فجلسوا، ولما خرج إليهم في صلاة الفجر فتذكر أنه جنب فأشار إليهم أن امكثوا فامتثلوا لأمره حتى عاد إليهم، ومنها ما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني اتخذت خاتماً من ذهب" فنبذه وقال: "إنّي لن ألبسه أبداً"، فنبذ الناس خواتيمهم، وما أخرجه البخاري في عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: إنّي أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، ومنها استجابة الصحابة لأمره في أداء صلاة العصر في بني قريظة، وإنما صلى بعضهم قبل الوصول إلى بني قريظة لأنَّ الصلاة أدركتهم في طريقهم ولو أخروها لكانت في وقت المغرب، وليس هذا من قبيل عدم الاستجابة، فإنَّ هؤلاء الصحابة لو كان معهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخَّر الصلاة حتى يدخل بني قريظة لاقتدوا به من غير تردد ولا توقف كما فعلوا ذلك في غزوة الحديبية عندما أخر صلى الله عليه وسلم الصلوات حتى جمعها في وقت واحد.
فالصحابة رضي الله عنهم كانوا من أسرع الناس استجابة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم دون تردد أو إبطاء في الامتثال، ولا سؤال واستفسار عن العلة والحكمة؛ فضلاً عن الاعتراض والجدال.
وما قد يقع من شيء من الجدال والسؤال من بعضهم؛ فإنما هي حالات نادرة قليلة بالنسبة لعادتهم وطريقتهم العامة، ومع هذا فهذه الحالات منها ما يُحمد عليه ومنها ما لا يُحمد، ومنها ما يعد معصية يجب الحذر منها واجتنابها وقد تاب عنها أصحابها واستغفروا الله منها، فلا يجوز لأحد الاستدلال بمثل هذه الحالات النادرة التي لا يُحمد عليها أو التي تعد معصية، ثم يضرب بذلك الأصل العام الذي كانوا عليه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الصارم المسلول [3/194-197]:
((إنَّ الاعتراض قد يكون ذنباً ومعصية يخاف على صاحبه النفاق وإنْ لم يكن نفاقاً مثل قوله تعالى: "يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ"، ومثل مراجعتهم له في فسخ الحج إلى العمرة وإبطائهم عن الحل، وكذلك كراهتهم للحل عام الحديبية، وكراهتهم للصلح ومراجعة من راجع منهم، فإنَّ من فعل ذلك فقد أذنب ذنباً كان عليه أن يستغفر الله منه، كما أنَّ الذين رفعوا أصواتهم فوق صوته أذنبوا ذنباً تابوا منه وقد قال تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ"، قال سهل بن حنيف: "اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعلت"، فهذه أمور صدرت عن شهوة وعجلة لا عن شك في الدين، كما صدر عن حاطب التجسس لقريش؛ مع إنها ذنوب ومعاص يجب على صاحبها أن يتوب، وهي بمنزلة عصيان أمر النبي صلى الله عليه وسلم. ومما يدخل في هذا حديث أبي هريرة في فتح مكة قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن" فقالت الأنصار: أما الرجل فقد أدركته رغبة في قرابته ورأفة في بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي وكان إذا جاء لا يخفى علينا فإذا جاء فليس أحداً منا يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار؛ قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: "قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته؟" قالوا: قد كان ذلك، قال: "كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم والممات مماتكم" فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا إلا لظن بالله وبرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم" رواه مسلم، وذلك أنَّ الأنصار لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد أمَّن أهل مكة وأقرهم على أموالهم ودمائهم - مع دخوله عليهم عنوة وقهراً وتمكنه من قتلهم وأخذ أموالهم لو شاء - خافوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يستوطن مكة ويستبطن قريشاً؛ لأن البلد بلده والعشيرة عشيرته، وأن يكون نزاع النفس إلى الوطن والأهل يوجب انصرافه عنهم، فقال من قال منهم ذلك، ولم يقله الفقهاء وأولو الألباب الذين يعلمون أنه لم يكن له سبيل إلى استيطان مكة، فقالوا ذلك لا طعناً ولا عيباً، ولكن ظناً بالله وبرسوله، والله ورسوله قد صدقاهم - إنما حملهم على ذلك الظن بالله ورسوله - وعذراهم فيما قالوا لما رأوا وسمعوا، ولأن مفارقة الرسول شديد على مثل أولئك المؤمنين الذين هم شعار وغيرهم دثار، والكلمة التي تخرج عن محبة وتعظيم وتشريف وتكريم تغفر لصاحبها؛ بل يحمد عليها وإن كان مثلها لو صدر بدون ذلك استحق صاحبها النكال. وكذلك الفعل ألا ترى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لأبي بكر حين أراد أن يتأخر عن موقعه في الصلاة لما أحسَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم: "مكانك"، فتأخَّر أبو بكر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما منعك أن تثبت مكانك وقد أمرتك"، فقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك أبو أيوب الأنصاري لما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن ينتقل إلى السفل وأن يصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العلو وشق عليه أن يسكن فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكث في مكانه وذكر له أن سكناه أسفل أرفق به من أجل دخول الناس عليه، فامتنع أبو أيوب من ذلك أدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيراً له، فكلمة الأنصار رضي الله عنهم من هذا الباب.
وبالجملة فالكلمات في هذا الباب ثلاثة أقسام:
إحداهن: ما هو كفر مثل قوله: "إنَّ هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله".
الثاني: ما هو ذنب ومعصية يخاف على صاحبه أن يحبط عمله؛ مثل رفع الصوت فوق صوته، ومثل مراجعة من راجعه عام الحديبية بعد ثباته على الصلح، ومجادلة من جادله يوم بدر بعد ما تبين له الحق، وهذا كله يدخل في المخالفة عن أمره.
الثالث: ما ليس من ذلك؛ بل يحمد عليه صاحبه، أو لا يحمد، كقول عمر: "ما بالنا نقصر الصلاة وقد أمِنا؟" وكقول عائشة: "ألم يقل الله: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه"، وكقول حفصة: "ألم يقل الله: "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا"، وكمراجعة الحباب في منزل بدر، ومراجعة سعد في صلح غطفان على نصف تمر المدينة، ومثل مراجعتهم له لما أمرهم بكسر الآنية التي فيها لحوم الحمر فقالوا: "أوَلا نغسلها" فقال: "اغسلوها"، وكذلك رد عمر لأبي هريرة لما خرج مبشراً ومراجعته للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وكذلك مراجعته له لما أذن له في نحر الظهر في بعض المغازي وطلبه منه أن يجمع الأزواد ويدعو الله ففعل ما أشار به عمر؛ ونحو ذلك مما فيه سؤال عن إشكال ليتبين لهم، أو عرض لمصلحة قد يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم)).
واستدلال العيد شريفي بقول ذي اليدين: ((أَقُصِرَتِ الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟)) على أنَّ الصحابة كانوا يعترضون على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يسلِّمون له الأمر؛ من أبطل الاستدلال، فإنَّ الصحابة الذي كانوا معه صلوا ركعتين وسلَّموا كما فعل صلى الله عليه وسلم ولم يتوقَّفوا في ذلك، وتهيب كثيرٌ منهم أن يتكلَّم معه بعد الصلاة وكان فيهم أبو بكر وعمر، فلم يتكلَّم فيهم أحدٌ إلا ذو اليدين بعد أن خرج طائفة من المصلين يخبرون غيرهم أنَّ الصلاة قد قصرت!، فسأل ذو اليدين ذلك السؤال مستفهماً لا معترضاً، وذلك ليعرف عدد ركعات صلاة العصر في مستقبل الأيام؛ هل هي اثنان أم أربع؟، وهل وقع الأمر عن قصد أم سهو؟
ومثل ذلك؛ لما زاد صلى الله عليه وسلم وصلَّى بهم الظهر خمساً، فإنَّ الصحابة اقتدوا به وصلوا خمساً، ثم بعد انتهاء الصلاة سألوه: ((هل حدث في الصلاة شيء؟))، ولم يكن اعتراضاً، وإنما استفهام وطلب بيان لرفع ما استُشِكل عليهم.
وأما حديث أُمَّ سَلَمَةَ وأنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ صَلاَةٍ هَذِهِ؟ مَا كُنْتَ تُصَلِّيهَا، قَالَ: ((إِنَّهُ قَدِمَ وَفْدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَشَغَلُونِي عَنْ رَكْعَتَيْنِ كُنْتُ أَرْكَعُهُمَا بَعْدَ الظُّهْرِ))، فهذا الحديث ليس فيه أنَّ أم سلمة رضي الله عنها اعترضت أو لم تستسلم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا من أبطل القول، بل هي استشكلت أمراً وطلبت تفسيراً له من باب التعليم والبيان.
فأين هذا من استدلال العيد شريفي على تقرير مبدأ الاعتراض وعدم التسليم؟!
وهل استفهام الصحابة في هذه المواضع سببه أنهم لم يعظِّموا مقام الرسول إلى العصمة ولم يدَّعوها له! ولم يدَّعوا نبوته فيها! أم لأنهم استشكلوا أمراً وطلبوا إيضاحه؟!
سبحانك هذا بهتان عظيم!
أقول:
والواجب على أهل الإيمان التصديق بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والامتثال لأمره والكف عن نهيه، والانقياد والتسليم لأمره وحكمه من غير اعتراض ولا خيرة ولا توقف أو تردد، بل يسارعون إلى تنفيذ أمره سواء ظهرت لهم حكمته أو لم تظهر.
قال تعالى: ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)).
وقال تعالى: ((وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ. وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ. أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)).
وقال تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً)).
قال العلامة ابن أبي العز رحمه الله في شرح الطحاوية: ((فالواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن نعارضه بخيال باطل نسميه معقولاً أو نحمله شبهة أو شكاً أو نقدم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم!، فنوحِّده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما نوحِّد المرسِل بالعبادة والخصوع والذل والإنابة والتوكل؛ فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما)).
وعند قول الطحاوي في عقيدته: ((ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه؛ حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان)).
قال الشارح ابن أبي العز: ((أي لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين وينقاد إليها ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه؛ روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله أنه قال: "من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم" وهذا كلام جامع نافع)).
وقال أيضاً: ((والعاقل يعلم أنَّ الرسول معصوم في خبره عن الله تعالى لا يجوز عليه الخطأ فيجب عليه التسليم له والانقياد لأمره، وقد علمنا بالاضطرار من دين الإسلام أنَّ الرجل لو قال للرسول: هذا القرآن الذي تلقيه علينا والحكمة التي جئتنا بها قد تضمن كل منهما أشياء كثيرة تناقض ما علمناه بعقولنا ونحن إنما علمنا صدقك بعقولنا فلو قبلنا جميع ما تقوله مع أنَّ عقولنا تناقض ذلك لكان قدحاً في ما علمنا به صدقك، فنحن نعتقد موجب العقول الناقضة لما ظهر من كلامك وكلامك نعرض عنه لا نتلقى منه هدياً ولا علماً: لم يكن مثل هذا الرجل مؤمناً بما جاء به الرسول!!، ولم يرض منه الرسول بهذا، بل يعلم أنَّ هذا لو ساغ لأمكن كل أحد أن يؤمن بشيء مما جاء به الرسول، إذ العقول متفاوتة والشبهات كثيرة والشياطين لا تزال تلقي الوسواس في النفوس، فيمكن كل أحد أن يقول مثل هذا في كل ما أخبر به الرسول وما أمر به)).
وقال: ((ولا شك أنَّ مَنْ لم يسلِّم للرسول نقص توحيده؛ فإنه يقول برأيه وهواه، ويقلِّد ذا رأي وهوى بغير هدى من الله، فينقص من توحيده بقدر خروجه عما جاء به الرسول، فإنه قد اتخذه في ذلك إلهاً غير الله قال تعالى: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه" أي عبد ما تهواه نفسه)).
وقال: ((اعلم أنَّ مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع؛ ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها!!، بل انقادت وسلَّمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك!، كما في الإنجيل: "يا بني اسرائيل لا تقولوا: لم أمر ربنا؟ ولكن قولوا: بم أمر ربنا"، ولهذا كان سلف هذه الأمة التي هي أكمل الأمم عقولاً ومعارف وعلوماً لا تسأل نبيها: لِمَ أمر الله بكذا؟ ولِمَ نهى عن كذا؟ ولِمَ قدَّر كذا؟ ولِمَ فعل كذا؟، لعلمهم أنَّ ذلك مضاد للإيمان والاستسلام، وأنَّ قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم)).

وبعد هذا؛ يُقال للعيد شريفي وأمثاله وأنصارهم:
هل منهج التسليم والانقياد لأمر الله عز وجل ولأمر الرسول صلى الله عليه وسلم هو الواجب أن ننشئ الأجيال عليه أم منهج الاعتراض وعدم التسليم للأمر كما يزعم العيد شريفي؟!

جزى الله تعالى المشايخ والإخوة الأفاضل على هذا المرور والتعليقات المفيدة

ولقد سمعتُ بالأمس ما قام به العيد شريفي من رد على مقالي أعلاه؛ وخلاصة الجواب على رده:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:

أولاً: لم يقبل العيد شريفي اعتراضي عليه وأنكره بأسلوب فيه تعالم وتعاظم!؛ مع كون اعتراضي عليه نابعاً من علم بخلاف ما قاله!، وهذا العلم مدعَّم بعدة أدلة ونقول مذكورة أعلاه!!، فهو بهذا ينقض أصله الذي يقرره من وجوب الاعتراض وعدم التسليم إذا كان عندك علم سابق!، ولا يسمح لي بالعمل بأصله هذا معه!، فكيف أجاز العمل به مع الله عز وجل!، ومع النبي صلى الله عليه وسلم؟!!.

ثانياً: أطال العيد شريفي - ومَنْ معه في جلسته - الكلام جداً حول الموضوع والرد في مدة (43) دقيقة تماماً!، ولم يتطرق لا هو ولا جلساؤه - لا من قريب ولا من بعيد - إلى الأدلة والنقول التي نقلتُها في مقالي رداً على المبدأ الذي قرره!.
فهل هذا هو الجواب العلمي؟!
وأين مقابلة الحجة بالحجة؟!
ومن باب الأمانة؛ لم ينقل تلميذه له من النقول التي ذكرتُها أعلاه إلا قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لما قال: ((واستفهام الملائكة للاستطلاع والاستعلام، وليس للاعتراض!)).
فأجابه العيد شريفي بقول القاضي عياض وابن حبان وسيأتي بيانه، ثم قال: ((قل له اقرأ!، لا تتوقف عند كلمة قالها الشيخ ابن عثيمين، فإنَّ الشيخ ابن عثيمين ليس كلَّه العلم، بل فيه مِن غيره مَنْ يبين أنَّ هذا من باب الاعتراض الاستفساري، ويُقال: نعم اعتراض استفساري وليس إنكاري)).
ولا أدري لماذا اختار التلميذ كلمة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ولم ينقل كلمة الحافظ ابن كثير رحمه الله – وهو أقدم منه -  لما قال: ((وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله!، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول)).
ثم هل من الحجة العلمية أن يردَّ الشريفي كلام عالم بكلام عالم آخر في موضوع بعيد عن محل الكلام؟!!
يوضحه ما يأتي:

ثالثاً: استدل العيد شريفي بثلاثة علماء في رده:

1- بتبويب الإمام ابن حبان رحمه الله في صحيحه: ((ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى إِبَاحَةِ اعْتِرَاضِ الْمُتَعَلِّمُ عَلَى الْعَالِمِ فِيمَا يَعْلَمُهُ مِنَ الْعِلْمِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ نَعْمَلُ فِي شَيْءٍ نَأْتَنِفُهُ أَمْ فِي شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ قَالَ: بَلْ فِي شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ: يَا عُمَرُ لاَ يُدْرَكُ ذَاكَ إِلاَّ بِالْعَمَلِ قَالَ: إِذًا نَجْتَهِدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ)).
والجواب عنه من أربعة وجوه:

أ- إنَّ عمراً رضي الله عنه لم يعترض على النبي صلى الله عليه وسلم لعدم التسليم بما أخبره به، وإنما سأله أولاً: ((نَعْمَلُ فِي شَيْءٍ نَأْتَنِفُهُ أَمْ فِي شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟))، فلما أجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: ((بَلْ فِي شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ))، استشكل عمر الأمر فطلب زيادة في البيان فقال: ((فَفِيمَ الْعَمَلُ؟))، فليس هذا من باب الاعتراض وعدم التسليم، وإنما من باب الاستفهام والاستعلام.

ب- إنَّ الإمام ابن حبان رحمه الله أراد بالاعتراض مقابلة الجواب بسؤال آخر على وجه الاسترشاد لرفع الاستشكال القائم في الذهن، ولم يرد الاعتراض على وجه التوقف وعدم التسليم الذي أراده العيد الشريفي ويدندن حوله وصرَّح به فقال: ((فكان إذا أخبرهم بشيء ثم فعل بخلاف ما أخبرهم به ما كان منهم إلا أن يعترضوا ولا يُسلِّموا))!.
فهل عمر لم يُسلِّم لما أخبر به صلى الله عليه وسلم؟!

ج- إنَّ الإمام ابن حبان رحمه الله إنما ذكر الإباحة التي تدل على استثناء من أصل عام مانع، فلو كان الأصل هو الاعتراض لما احتاج أن يأتي بدليل الإباحة، بينما العيد الشريفي عدَّ الاعتراض واجباً ونهجاً عاماً لا بد للمسلم أن يسير عليه كما سار عليه الصحابة بزعمه!.
قال العيد شريفي في أول رده: ((فيبدو أنَّ هذا الرجل لم يفهم كلية المنهج الذي تكلَّمنا عنه الذي نريد تقريره في حياتنا العلمية وقد وضحناه في غير ما موطن؛ وبيِّنا أنَّ المسلم إذا كان له من العلم ما سمع به حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم وقال به أحد العلماء (!!) بخلاف ما عنده من العلم يجب عليه أن يبيِّن وأن يعترض ليعلم الصواب من الباطل، وقلنا أنَّ هذا المنهج منهج نبوي ربَّى عليه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وأرضاهم من خلال تعامله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه)).
فهل كان الصحابة الذين استسلموا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في حوادث كثيرة - وقد ذكرنا أمثلة منها – آثمين لأنهم فرَّطوا في أداء الواجب؛ ألا وهو الاعتراض وعدم التسليم؟!
وكيف يوجب علينا الشارع قبول الأخبار والأحكام مع التسليم لها مطلقاً، ثم يوجب علينا الاعتراض وعدم التسليم إذا أخبرنا بخلاف ما كنا نعلم؟!!!
والله تعالى يقول: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)).

د- هل يعتقد الإمام ابن حبان رحمه الله أنَّ سبب اعتراض عمر رضي الله عنه بعد جواب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكون عمر لا يعظِّم مقام الرسول إلى العصمة ولا يدَّعيها له في هذا المقام من الكلام، فيظن عمر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تكلَّم من جهة كونه بشراً يخطئ ويصيب لا من جهة كونه مبلِّغاً عن الله عز وجل؛ كما صرَّح بذلك العيد شريفي فقال: ((وإلى غير ذلك من الأدلة التي نشأ عليها وتربى عليها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولم يعظِّموا مقام الرسول إلى العصمة، ولم يوصلوه إلى العصمة ليدَّعوا له العصمة، إنما هو معصوم فيما يبلغ عن اللهِ، فبعدما بلغ لهم ما جاءهم عن ربهِ فهو بشر مثلهم))؟!.
فهل قال الإمام ابن حبان ذلك أو ظنَّ ذلك؟!
حاشاه!
فأين كلام الإمام ابن حبان من كلام العيد شريفي؟!  

2- بتبويب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: ((باب مَنْ سَمِعَ شَيْئاً فَلَمْ يَفْهَمْهُ فَرَاجَعَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ شَيْئاً لَا تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ" قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ" أَوَ لَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا"، قَالَتْ فَقَالَ: "إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ")).
قلتُ:
فلينظر القراء المنصفون إلى هذا الاستدلال الغريب؟!
هل يجدوا فيه اعتراضاً من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعدم تسليم لخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما يزعم العيد شريفي؟!
أم كان لطلب فهم وزيادة معرفة وبيان، ولدفع إشكال في الأذهان؛ بسبب ما تراه من تعارض ظاهر بين نصين؟!
فأين طلب الفهم والبيان والمعرفة لرفع الاستشكال؛ من الاعتراض وعدم التسليم لعدم تعظيم مقام العصمة والنبوة في مثل هذا الحال؟!

أقول:
والغريب أنَّ العيد شريقي قد ناقض نفسه في رده هذا على ما قاله في جلسته المردود عليها؛ ففي جلسته الأولى صرَّح بالاعتراض وعدم التسليم كما تقدَّم في النقل، بينما في جلسته هذه علَّق على تبويب البخاري فقال: ((فــ"راجع" معناه ماذا؟! كما قال ابن حبان اعترض بما لديه من دليل شرعي آخر؛ ولا يدلُّ هذا على عدم التسليم)).
فهنا صرَّح أنَّ هذا الاعتراض ليس نابعاً من عدم التسليم، بينما في جلسته الأولى قال: ((فكان إذا أخبرهم بشيء ثم فعل بخلاف ما أخبرهم به ما كان منهم إلا أن يعترضوا ولا يُسلِّموا))!!!، وهذا الذي جعلنا نعترض عليه ونرد قوله.
فهل تراجع العيد شريفي؟!
أم تناقض؟!

وخذوا تناقضاً آخر أو تراجعاً:
العيد شريفي في جلسته الأولى جعل السبب في تقرير مبدأ الاعتراض على الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم التسليم بسبب كون الرسول صلى الله عليه وسلم بشراً؛ أي قد يخبرهم بالأمر فإذا رُجع فيه واعترض عليه بما أخبرهم من قبل فلعله يرجع عنه ويكون هذا من باب الخطأ أو النسيان أو السهو أو الغفلة؛ ولهذا قال: ((ولا يَدَّعوا نبوة ولا علم كامل وغير ذلك، وإنما يعترضون لما لديهم من أدلة))، وقال: ((ولم يعظِّموا مقام الرسول إلى العصمة، ولم يوصلوه إلى العصمة ليدَّعوا له العصمة، إنما هو معصوم فيما يبلغ عن اللهِ، فبعدما بلغ لهم ما جاءهم عن ربهِ فهو بشر مثلهم))، بينما في جلسته الثانية ذكر أنَّ سبب هذا الاعتراض من باب طلب البينة والتعلم فقال: ((معنى هذا: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم إذا حدَّث بخلاف ما عند الصحابي من علم سابق أخبره الله به أو النبي صلى الله عليه وسلم اعترض اعتراضاً استفسارياً ليأخذ الأمر على بينة وعلى علم؛ فهذا نهج نبوي، حتى تتربى عليه الأجيال التي رُبِّيت على التسليم للشيوخ، وما من [كلمة غير واضحة] في هذا العصر إلا بسبب هذا التسليم، وهذه التربية الصوفية، التسليمالتسليم!، لمَنْ نسلِّم؟! نُسلِّم لله وللرسول)).
قلتُ:
ولينظر القارئ المنصف إلى هذه الحيدة!، فهل ناقشناه في مسألة التسليم للعلماء والشيوخ أم التسليم لله والرسول؟!
ثم مَنْ أراد أن ينقض مسألة التسليم للشيوخ؛ هل يستدل بما كان من الملائكة مع رب العالمين، وبما كان من الصحابة مع النبي خاتم النبيين عليه السلام؟!
ماذا لو قال له الصوفية الذين أشار إليهم:
لكنَّ الملائكة كانوا يُسلِّمون لأمر الله عز وجل!، والصحابة كانوا يُسلِّمون للنبي صلى الله عليه وسلم!، فأين وجه استدلالك على ذم التسليم من هذه المواقف التي أشرت لها؟!
فإما أن يتناقض!
وإما أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة!؛ فيزعم أنَّ الملائكة والصحابة لم يُسلِّموا!!!، ليصح له وجه الاستدلال بما ذكره.

3- استدل العيد شريفي على المبدأ الذي يقرره (وجوب اعتراض الصحابة على الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخبر بخلاف ما يعلمون من دليل)، بما أخرجه مسلم في صحيحه من طريق جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ: أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: ((لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ من الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا)) قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: ((وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا))، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ((ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً))، ثم علَّق على الحديث، ثم نقل كلام القاضي عياض في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم: ((وقول حفصة: بلى، وانتهار النبي عليه الصلاة والسلام لها، وقولها: "وَإِن مِّنكمْ إِلاَّ وَارِدُها"، وقوله صلى الله عليه وسلم "ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِ ينَ اتَّقَوْا"؛ كله دليل على المناظرة في العلم، وجواز الاعتراض والسؤال فيه لاستخراج الفائدة، وهو مقصد حفصة إن شاء الله، لا أنها قصدت رد مقال النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن قولها: "بلى" جاء طلباً لشأن لما أشكل هذا عليها، واحتاجت إلى تفسيره من هذا الظاهر المخالِف، لما سمعته منه عليه الصلاة والسلام)).
قلتُ:
أولاً؛ لو كان الاعتراض واجباً كما يزعم العيد شريفي، لما انتهرها صلى الله عليه وسلم ابتداء!، لأنها ما قامت إلا بالواجب الشرعي على حد زعم الشريفي!. فانتهاره صلى الله عليه وسلم من أقوى الأدلة على نقض دعوى الشريفي، وأنَّ الواجب التسليم وعدم الاعتراض على ما أخبره به صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ أخباره ما هي إلا وحي من عند الله يجب قبولها والتسليم لها، وهي ليست أخبار ثقات حتى ينازع فيها هؤلاء كعادتهم!!!، فلينتبهوا!.
ثم لما رأت أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها انتهار النبي صلى الله عليه وسلم سارعت إلى بيان أنَّ قولها لم يأت من اعتراض وعدم تسليم كما يزعم الشريفي!، وإنما من فهم نص آخر من القرآن ظاهره يُخالِف ما سمعتُه من النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له الدليل الذي أُشكِل عليها وطلبت تفسيره، فأجاب عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هو وجه كونها مناظرة كما قال القاضي عياض.
والقاضي عياض ذكر أنَّ هذا الدليل فيه جواز الاعتراض والسؤال لاستخراج الفائدة لا من باب رد القول، وهو لم يقل (وجوب) الاعتراض و (عدم التسليم) و (عدم النظر إلى العصمة والنبوة) في مثل هذا الحال لكونه صلى الله عليه وسلم بشراً مثلنا؛ كما يزعم العيد شريفي!!.
وصدق مَنْ قال:
سارتْ مشرقةً وسرتُ مغرباً.................. شتان بين مشرق ومغرب

قلتُ:
والغريب أنَّ العيد شريفي علَّق على كلام القاضي عياض بقوله: ((هذا القاضي عياض ما يَعرف كذلك؛ متى يجب التسليم ومتى يجب الاعتراض؟!، وهذا [يقصد كاتب هذه السطور] لا يُفرِّق بين التسليم وبين الاعتراض!))، ثم قال جليسه: ((الإشكال عند هذا الكاتب في كلمة "اعتراض" وهو فَهِمَ أنَّ الاعتراض ضد الاستسلام!، وأنت يا شيخ قلتَ: "الاعتراض استفساري")).
فأقول لهما معاً:
هل الإشكال عندي أم عندكم؟!
مَنْ الذي قال: ((فكان إذا أخبرهم بشيء ثم فعل بخلاف ما أخبرهم به ما كان منهم إلا أن يعترضوا ولا يُسلِّموا))؛ أنا أم شيخكم العيد شريفي؟!
عجباً والله!
صدق مَنْ قال: رمتني بدائها وانسلت!
فالعيد الشريفي هو الذي لم يفرِّق بين الاعتراض والتسليم في حال أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ما يعلمه الصحابة، فأوجب عليهم: ((أن يعترضوا ولا يُسلِّموا))!!!!!.
وأنا ما استنكرتُ الاعتراض الاستفساري فحسب!، وإنما استنكرتُ الاعتراض وعدم التسليم كما هو ظاهر جداً من عنوان مقالي وردي، فالحمد لله الذي أظهر الحق وجعلكم تستنكرون التسليم أيضاً!.

ومما يدل على أنَّ المقال الذي رددتُ فيه على الشريفي قد أثَّر فيهم ولله الفضل وحده؛ ما قاله تلميذه في بداية الجلسة الجديدة: ((شيخ؛ لما ذكرتم كلام الملائكة مع الله تعالى، وكلام الصحابة لما كانوا يستفسرون من الرسول عليه الصلاة والسلام؛ أنتم قلتم: "اعتراض استفساري" بهذه العبارة، ولم يكن دأبهم الاعتراض!، ولم تقولوا هذا!، وإنما كانوا يستفسرون أو إنْ صح التعبير يعترضون اعتراضاً استفسارياً لما يبدو لهم من النبي صلى الله عليه وسلم ما يُناقض ما عندهم من أدلة أو ما سبق أن تعلموه منه)).
قلتُ:
فلينظر القارئ إلى قول التلميذ: ((أو إنْ صح التعبير يعترضون اعتراضاً استفسارياً))، فهو متحرِّج من هذه اللفظة في أول الجلسة!، لكنه لما سَمِعَ كلام شيخه الذي كرر "الاعتراض الاستفساري" في هذه الجلسة، لم يعترض التلميذ وسلَّم لهذه العبارة وقال بها دون حرج!.
فمَنْ الذي تأثَّر بالتربية الصوفية في التسليم وعدم الاعتراض على الشيوخ؟!!

وأما دعواه أنَّ شيخه العيد شريفي لم يقل أنَّ الملائكة كان دأبهم الاعتراض على الله؛ فهذه دعوى تخالِف التصريح الذي قاله شيخه في جلسته الأولى: ((إذن كانت الملائكة هكذا مع رب العالمين؛
وعلى هذا النهج سار صحب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تعاملهم معه))!!!.
فماذا يفهم هذا التلميذ من عبارة: ((كانت هكذا مع رب العالمين، وعلى هذا النهج...))؟!
فهي عادة ونهج!!!
فهل ظهر لك الآن مَنْ يصدق عليه وصف "الافتراء" حقاً؟!!
فالحمد لله على توفيقه.

وأخيراً:
أما ما سوى هذه النقول التي استدل بها العيد شريفي، فلا أرى أنها تستحق التفصيل في الجواب عنها، لأنَّ العيد شريفي ذكر بعض الأمثلة التي بينَّا معناها من حيث الإجمال في كلام شيخ الإسلام أعلاه، ولم يرد عليه بكلمة!، فلا حاجة إلى إطالة الكلام وتكرار الجواب.

وقبل أن أختم كلامي هذا؛ أحبُّ أن أنقل ثلاثة نقول عن العلامة ابن القيم رحمه الله قيمة ونافعة في موضوعنا هذا، لعلَّ الله عزَّ وجل أن يشفي بهما صدور المعترضين، ويذهب عنهم الحرج والضيق الذي في أنفسهم، ويرفع عنهم الوساوس والشكوك التي في عقولهم، والله الهادي إلى سواء السبيل:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في خاتمة كتابه [ التبيان في أقسام القرآن ص270]: ((ومن ذلك قوله تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً"، أقسم سبحانه بنفسه المقدَّسة قسماً مؤكداً بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع وأحكام الشرع وأحكام المعاد وسائر الصفات وغيرها، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج وهو ضيق الصدر وتنشرح صدروهم لحكمه كل الانشراح وتنفسح له كل الانفساح وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضاً حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض، فهنا قد يحكم الرجل غيره وعنده حرج من حكمه، ولا يلزم من انتفاء الحرج الرضا والتسليم والانقياد؛ إذ قد يحكمه وينتفي الحرج عنه في تحكيمه ولكن لا ينقاد قلبه ولا يرضى كل الرضى بحكمه، والتسليم أخص من انتفاء الحرج، فالحرج مانع، والتسليم أمر وجودي، ولا يلزم من انتفاء الحرج حصوله بمجرد انتفائه، إذ قد ينتفي الحرج ويبقى القلب فارغاً منه ومن الرضى به والتسليم له فتأمله، وعند هذا يعلم أنَّ الرب تبارك وتعالى أقسم على انتفاء إيمان أكثر الخلق؛ وعند الامتحان تعلم هل هذه الأمور الثلاثة موجودة في قلب أكثر من يَدَّعي الإسلام أم لا؟)).

وقال رحمه الله في [الصواعق المرسلة3/ 901-903]: ((إنَّ هذه المعارضة ميراث بالتعصيب من الذين ذمهم الله في كتابه بجدالهم في آياته بغير سلطان وبغير علم، وأخبر أنَّ مصدر تلك المجادلة كبر واستكبار عن قبول الحق ممن يرون أنهم أعلم منهم؛ كما قال تعالى: "فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم"، وهذا شأن النفوس الجاهلة الظالمة إذا كان عندها شيء من علم قد تميزت به عمن هو أجهل منها وحصل لها به نوع رياسة ومال، فإذا جاءها مَنْ هو أعلم منها بحيث تمحى رسوم علومها ومعارفها في علمه ومعرفته عارضته بما عندها من العلم وطعنت فيما عنده بأنواع المطاعن؛ قال تعالى: "كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب. الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار"، وقال تعالى: "الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إنْ في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه"، والسلطان هو الكتاب المنزَّل من السماء، وقال تعالى: "وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق"، وقال تعالى: "وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين. ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً"، وهذا كثير في القرآن يذم به سبحانه الذين عارضوا كتبه ورسله بما عندهم من الرأي والمعقول والبدع والكلام الباطل مشتق من الكفر، فمن عارض الوحي بآراء الرجال كان قوله مشتقاً من أقوال هؤلاء الضلال. قال مالك: "أوَ كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم لجدله"، ومَنْ وقف على أصول هؤلاء المعارضين ومصدرها تبين له أنها نشأت من أصلين: من كبر عن إتباع الحق، وهوى معمي للبصيرة وصادمته شبهات، كالليل المظلم، فكيف لا يعارض من هذا وصفه خبر الأنبياء بعقله وعقل من يحسن به الظن؟!، ثم دخلت تلك الشبهات في قلوب قوم لهم دين وعندهم إيمان وخير فعجزوا عن دفعها فاتخذوها ديناً وظنوها تحقيقاً لما بعث الله به رسوله فحاربوا عليها واستحلوا ممن خالفهم فيها ما حرمه الله ورسوله؛ وهم بين جاهل مقلد، ومجتهد مخطئ حسن القصد، وظالم معتد متعصب، والقيامة موعد الجميع، والأمر يومئذ لله)).

وقال رحمه الله في [الصواعق المرسلة 1/1052-1065]: ((إنَّ الصحابة كانوا يستشكلون بعض النصوص فيه، فيوردون إشكالاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيجيبهم عنها، وكانوا يسألونه عن الجمع بين النصوص التي يوهم ظاهرها التعارض، ولم يكن أحد منهم يورد عليه معقولاً يعارض النص البتة، ولا عرف فيهم أحد - وهم أكمل الأمم عقولاً - عارض نصاً بعقله يوماً من الدهر، وإنما حكى الله سبحانه ذلك عن الكفار كما تقدم؛ وثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: "من نوقش الحساب عذب"، فقالت عائشة: يا رسول الله أليس الله يقول: "فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً"؟ فقال: "بلى ولكن ذلك العرض، ومن نوقش الحساب عذب"، فأشكل عليها الجمع بين النصين حتى بيَّن لها أنه لا تعارض بينهما، وأن الحساب اليسير هو العرض الذي لا بد أن يبين الله فيه لكل عامل عمله؛ كما قال تعالى: "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية"، حتى إذا ظن أنه لن ينجو نجاه الله تعالى بعفوه ومغفرته ورحمته فإذا ناقشه الحساب عذبه ولا بد. ولما قال: "لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة"، قالت له حفصة: أليس الله يقول: "وإن منكم إلا واردها"، قال: "ألم تسمعي قوله تعالى: "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً"؟، فأشكل عليها الجمع بين النصين، وظنت الورود دخولها كما يقال: ورد المدينة إذا دخلها، فأجاب النبي بأنَّ ورود المتقين غير ورود الظالمين، فإنَّ المتقين يردونها وروداً ينجون به من عذابها، والظالمين يردونها وروداً يصيرون جثياً فيها به، فليس الورود كالورود. وقال عمر يوم الحديبية: ألم تكن تحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف به؟ فقال: "هل قلتُ لك إنك تدخله العام؟!"، قال: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به"، فأشكل على عمر رجوعهم عام الحديبية ولم يدخلوا المسجد الحرام ولا طافوا بالبيت وظن أنَّ الدخول والطواف الذي بشرهم به ووعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك العام، فبين له أنَّ اللفظ مطلق لا دليل فيه على ذلك العام بعينه، فتنزيله على ذلك العام غلط، فرجع عمر، وعلم أنه غلط في فهمه. ولما أنزل الله عز وجل: "ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به"، قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله؛ جاءت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءاً؟ فقال: "يا أبا بكر ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ أليست تصيبك اللأواء؟"، قال: بلى، قال: "فذلك مما تجزون به"، فأشكل على الصديق أمر النجاة مع هذه الآية، وظنَّ أنَّ الجزاء في الآخرة ولا بد فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ جزاءه وجزاء المؤمنين بما يعملونه من السوء في الدنيا بما يصيبهم من النصب والحزن والمشقة واللأواء، فيكون ذلك كفارة لسيئاتهم ولا يعاقبون عليها في الآخرة، وهذا مثل قوله: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"، ومثل قوله: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، وقوله: "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم"؛ وإن كان قوله: "من يعمل سوءاً يجز به" أعم، لأنه يتناول الجزاء في الدنيا والآخرة. ولما نزل قوله تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"، قال الصحابة: وأينا يا رسول الله لم يلبس إيمانه بظلم؟ قال: "ذلك الشرك؛ ألم تسمعوا قول العبد الصالح: إنَّ الشرك لظلم عظيم"، فلما أشكل عليهم المراد بالظلم وظنوا أنَّ ظلم النفس داخل فيه وأنَّ من ظلم نفسه أي ظلم كان لا يكون آمناً، أجابهم بأنَّ الظلم الرافع للأمن والهداية على الإطلاق هو الشرك، وهذا والله الجواب الذي يشفي العليل ويروي الغليل، فإنَّ الظلم المطلق التام هو الشرك الذي هو وضع العبادة في غير موضعها،
والأمن والهدى المطلق هو الأمن في الدنيا والآخرة والهدى إلى الصراط المستقيم، فالظلم المطلق التام مانع من الأمن والهدى المطلق، ولا يمنع ذلك أن يكون مطلق الظلم مانعاً من مطلق الأمن ومطلق الهدى؛ فتأمله، فالمطلق للمطلق والحصة للحصة. ولما أنزل الله سبحانه قوله: "لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" أشكل ذلك على بعض الصحابة، وظنوا أنَّ ذلك من تكليفهم مالا يطيقونه، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقابلوا النص بالقبول لا بالعصيان، فبين الله سبحانه وتعالى بعد ذلك أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأنه لا يؤاخذهم بما نسوه وأخطؤوا فيه، وأنه لا يحمل عليهم إصراً كما حمله على الذين من قبلهم، وأنه لا يحملهم مالا طاقة لهم به، وأنهم إنْ قصَّروا في بعض ما أمروا به أو نهوا عنه ثم استعفوه واستغفروه عفى عنهم وغفر لهم ورحمهم، فانظر ماذا أعطاهم الله لما قابلوا خبره بالرضا والتسليم والقبول والانقياد دون المعارضة والرد؟!. ومن ذلك أنَّ عائشة لما سمعت قوله: "إنَّ الميت يعذب ببكاء أهله عليه"، عارضته بقوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، ولم تعارضه بالعقل، بل غلَّطت الراوي، والصواب عدم المعارضة وتصويب الرواة، فإنهم ممن لا يتهم وهم عمر وابنه والمغيرة بن شعبة وغيرهم، والعذاب الحاصل للميت ببكاء أهله عليه وهو تألمه وتأذيه ببكائهم عليه، والوزر المنفي حمل غير صاحبه له هو عقوبة البريء وأخذه بجريمة غيره، وهذا لا ينفي تأذي البريء السليم بمصيبة غيره، فالقوم لم يكونوا يعارضون النصوص بعقولهم وآرائهم وإن كانوا يطلبون الجمع بين نصين يوهم ظاهرهما التعارض. ولهذا لما عارض بلال بن عبدالله قوله: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" برأيه وعقله وقال: والله لنمنعهن، أقبل عليه أبوه عبدالله فسبه سباً ما سبَّه مثله، وقال: أحدِّثك عن رسول الله وتقول والله لنمنعهن؟!، ولما حدَّث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنَّ الحياء خير كله"، فعارضه معارض بقوله: إنَّ منه وقاراً ومنه ضعفاً، فاشتد غضب عمران بن حصين وقال: أُحدِّثك عن رسول الله وتقول منه كذا ومنه كذا؟! وظنَّ أنَّ المعارض زنديق، فقيل له: يا عبدالله لا بأس به. ولما حدَّث عبادة بن الصامت بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الفضة بالفضة ربا إلا هاء وهاء" الحديث، قال معاوية: ما أرى بهذا بأساً؛ يعني بيع آنية الفضة بالفضة متفاضلاً!، غضب عبادة وقال: تراني أقول قال رسول الله وتقول ما أرى بهذا بأساً لا أساكنك بأرض أنت بها أبداً!، ومعاوية لم يعارض النص بالرأي وكان أتقى لله من ذلك، وإنما خصص عمومه وقيد مطلقه بهذه الصورة وما شابهها، ورأى أنَّ التفاضل في مقابل أثر الصنعة لم يدخل في الحديث، وهذا مما يسوغ فيه الاجتهاد!، وإنما أنكر عليه عبادة مقابلته لما رواه بهذا الرأي، ولو قال له: نعم حديث رسول الله على الرأس والعين ولا يجوز مخالفته بوجه ولكن هذه الصورة لا تدخل في لفظه فإنه إنما قال "الفضة بالفضة مثلاً بمثل وزناً بوزن" وهذه الزيادة ليست في مقابلة الفضة وإنما هي في مقابلة الصنعة ولا تذهب الصنعة هدراً؟ لما أنكر عليه عبادة، فإنَّ هذا من تمام فهم النصوص وبيان ما أريد بها .كما أنه هو ومعاذ بن جبل وغيرهما من الصحابة لما ورثوا المسلم من الكافر ولم يورثوا الكافر من المسلم لم يعارضوا قوله: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم"، بآرائهم وعقولهم، بل قيدوا مطلق هذا اللفظ أو خصوا عمومه، وظنوا أنَّ المراد به الحربي، كا فعل ذلك بعض الفقهاء بقوله: "لا يقتل مسلم بكافر"، حيث حملوه على الحربي دون الذمي والمعاهد، والصحابة في ذلك التقييد والتخصيص أعذر من هؤلاء من وجوه كثيرة ليس هذا موضعها، وقد كان السلف يشتد عليهم معارضة النصوص بآراء الرجال ولا يقرون المعارض على ذلك. وكان عبدالله بن عباس يحتج في مسألة متعة الحج بسنة رسول الله وأمره لأصحابه بها، فيقولون له: إنَّ أبا بكر وعمر أفردا الحج ولم يتمتعا؟ فلما أكثروا عليه، قال: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر"، فرحم الله ابن عباس كيف لو رأى أقواماً يعارضون قول الله ورسوله بقول أرسطو وأفلاطون وابن سينا والفارابي وجهم بن صفوان وبشر المريسي وأبي الهذيل العلاف وأضرابهم؟!!. ولقد سئل عبدالله بن عمر عن متعة الحج فأمر بها، فقيل له: إنَّ أباك نهى عنها؟!، فقال: إنَّ أبي لم يرد ما تقولون، فلما أكثروا عليه، قال: أفرسول الله أحق أن تتبعوا أم عمر؟!!. ولما حدَّث حماد عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله: "فلما تجلى ربه للجبل"، قال: وضع إصبعه على طرف خنصره فساخ الجبل، أنكر عليه بعض الحاضرين وقال: أتحدِّث بهذا؟! فضرب حماد في صدره وقال: أُحدثك عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقول أتُحدِّث بهذا؟!.
وهذا كثير جداً لا يتسع له هذا الموضع، فكانت نصوص رسول الله أجلَّ في صدورهم وأعظم في قلوبهم من أن يعارضوها بقول أحد من الناس كائناً من كان،، ولا يثبت قدم الإيمان إلا على ذلك، وفتح باب هذه المعارضة الباطلة سد لباب الإيمان؛ والله المستعان)).

قلتُ:
فلينظر العيد شريفي وتلميذه إلى كلام العلامة ابن القيم هذا؛ هل وصف الصحابة بأنهم كانوا يعترضون على النبي صلى الله عليه وسلم؟! أم كان يقول عنهم: ((إنَّ الصحابة كانوا يستشكلون بعض النصوص، فيوردون إشكالاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيجيبهم عنها، وكانوا يسألونه عن الجمع بين النصوص التي يوهم ظاهرها التعارض))؟.

وأما معارضة الصحابة والعلماء بعضهم لبعض بما ظاهره التعارض في النصوص؛ فليس محلاً للنزاع بيننا!!، لأنَّ أصل التعارض بينهم اختلاف الأفهام، أما الاعتراض على الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يجوز قط، لأنَّ أفهامنا تبعٌ له، وهو معصوم فيما يخبر به ويأمر وينهى ويتعبَّد، ولا نقول بأنه معصوم فيما أخبرنا بما ليس عندنا به علم سابق، وغير معصوم بما عندنا به علم سابق!؛ ولهذا فيحق لنا أن نعترض عليه في الثاني!، ولا يحق أن نعترض عليه في الأول؛ كما أفهم ذلك من كلام العيد شريفي أعلاه، وهذا تأصيل خطير، فعليه أن يتَّق الله ويخشاه، ويترك هذه الوساوس والشكوك والشبهات، وليحذر طلبة العلم من مثل هذه التأصيلات الفاسدة، والله الموفَّق.

وكتبه: أبو معاذ رائد آل طاهر
��QYl� � p� � رغيباً له بالتوبة؛ فلا ينبغي أن يصير أصلاً!.
ثم هو في محل مَنْ وقع في بدعة أو منكر لا فيمن صار مبتدعاً!.
وهو ليس من باب الموازنة بين حسنات المنقود وسيئاته التي يسعى لإثباتها الكاتب عماد من خلال حلقته هذه المعنون لها بـ((الموازنة في حال تقويم ونقد المخالف))؛ والتي بيَّن مراده من الموازنة بقوله: ((بين مسألة الثناء على أهل البدع, ومسألة "الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات" حال تقويم ونقد المخالف عموم وخصوص؛ يجتمعان في ذكر الممادح, ويفترقان في الدوافع والمقاصد))، وقد قال الصويان في كتابه: ((فالموازنة بين الإيجابيات والسلبيات هو عين العدل والإنصاف))!؛ وإنما هو من باب النصيحة والتذكير والترغيب له بالتوبة لعله يرجع عن بدعته.
فكيف تعمم يا أبا العباس هذه الحالة على جواز ذكر محاسن المنقود إذا اقتضت الحاجة والمصلحة؟!
ثم لا ندري نهاية هاتين الكلمتين (الحاجة والمصلحة) ولا حدودهما ولا ضوابطهما؟!
وهما ليسا من لفظ الشيخ ابن باز في هذا النقل أصلاً!.
ولا ندري هل أراد الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى من ذكر محاسن مَنْ وقع في بدعة أن تذكر سراً بينه وبين المنصوح أم علناً؟! فهل تدري أنت ذلك؟!
وأما كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى؛ فكذلك لو رجعنا إلى المصدر وهو [لقاء الباب المفتوح]، لرأينا أنَّ تمام كلام الشيخ يوضح أنَّ المقصود بذكر محاسن المردود عليه هو بيان ما عنده من الحق، إذا رأى مَنْ يرد عليه في ذلك فائدة ولا يخشى من وراء ذلك مضرة كاغترار الناس به، فإنْ خشي ذلك فلا يذكر ولا يُنسب له؛ فقد قال رحمه الله تعالى هناك: ((ولكن إذا تحدثتَ عنه في أي مجلس من المجالس؛ فإنْ رأيتَ في ذكر محاسنه فائدة فلا بأس أن تذكرها، وإنْ خفتَ من مضرة فلا تذكرها؛ لأنه ليس بواجب علينا أن نعرف أنَّ هذا الشخص معه حق أو باطل.
أما ما يقوله من الحق بقطع النظر عن إضافته إليه فيجب قبوله؛ لماذا؟ لأنَّ الحق يجب أن يُقبَل من أي أحد تكلم به، فالله عز وجل قَبِل قول المشركين لما قالوا حين يفعلون الفاحشة: "وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا" قَبِل قولهم: "وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا" لأنه حق، فقال الله تعالى في جوابهم: "قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ"، وسكت عن قولهم: "وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا"، والنبي عليه الصلاة والسلام لما أخبره أبو هريرة بما أوصاه به الشيطان أن يقرأ آية الكرسي كل ليلة؛ ولا يزال عليه من الله حافظ؛ ولا يقربه شيطان حتى يصبح قال النبي عليه الصلاة والسلام: "صَدَقَكَ وهو كَذُوب"، ولما حدَّث حبر اليهود أنهم وجدوا في التوراة: أنَّ الله يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع؛ ضحك النبي عليه الصلاة والسلام مقرراً هذا القول ومصدقاً له.
فالمهم؛ أنَّ الحق يجب قبوله من أي شخص؛ لكن إذا خفتَ أن تنسب هذا إلى قائله وهو رجلُ بِدْعَةٍ وخِفْتَ أن يَغْتَرَّ الناس به ويُعجَبوا به فلا تفعل؛ لأنَّ درء المفاسد أولى من جلب المصالح)).
وأما كلام الشيخ الألباني رحمه الله تعالى الذي استدل به الكاتب عماد في هذه الحالة؛ فهو عبارة عن سؤال سائل: هل من منهج السلف في الرد على المخالف أسلوب الموازنة؛ أي: ذكر حسنات المخالف وذكر سيئاته, أم إنه تمحيص موضع المخالفة والرد عليها دون الالتفات إلى ما له من حسنات أخرى؟
فأجاب الشيخ بقوله: لا أرى ذكر "السيئات" ما أظن هذا أمر وارد في الموضوع، أما ذكر "الأخطاء"، لعلك تريد أن تقول: "الأخطاء".
فقال السائل: "المخالفات"
فقال الشيخ: المخالفات؛ وليتك قلت: المخالفات بدل السيئات.
فقال السائل: هذا الذي جرى على ألسنتهم.
فقال الشيخ: هذا الذي تذكره، ما تذكر "السيئات"، إنما تذكر الأخطاء التي تخالف الكتاب والسنة, أما بأنه أساء بقوله: كذا وكذا؛ فهذا ليس من أسلوب الدعوة.
السائل: طيب؛ بارك الله فيك.
الشيخ: ايش عندك؟
السائل: هذا الذي عندي.
فقال الشيخ: جزاك الله خيراً.
ثم سأله سائل آخر في نفس الموضوع: هل يلزم من ذكر المخالفات ذكر حسنات أخرى؟
فقال الشيخ: هذا يختلف باختلاف المجالس؛ فإن وجد مجال بان يذكر حسناً يفعل, ومن الممكن أن يذكر الحسنات فتضيع الفائدة بذكر الحسنات عن الحسنة الكبرى. انتهى السؤال والجواب بحروفه.
ويظهر أنَّ الكاتب عماداً لم يميز في استماع الشريط بسبب منازعة السائل للشيخ أثناء تصحيح عبارة السائل، لأني أراه قد وضع عبارة: ((فهذا ليس من أسلوب الدعوة, وهذا يختلف باختلاف المجالس, فإنْ وجد مجال بان يذكر [الحسنات] حسنا يفعل, ومن الممكن أن يذكر الحسنات فتضيع الفائدة بذكر الحسنات عن الحسنة الكبرى)) بالخط الأحمر تمييزاً عما سبقها، فيفهم القارئ أنَّ أسلوب الدعوة قد يقتضي ذكر حسنات المخالف في بعض المجالس، وليس الأمر كذلك، وإنما كانت عبارة الشيخ: ((فهذا ليس من أسلوب الدعوة)) تابعة لما قبلها، وهو أنَّ مَنْ يذكر سيئات المخالف من معاصي وذنوب [لا الأخطاء المخالفة للكتاب والسنة] فيقول: أساء فلان في كذا، وأساء في كذا....، أنَّ هذا ليس من أسلوب الدعوة؛ فلينتبه لهذا، لأنَّ الكاتب عماداً أوصل جواب الشيخ على السائل الأول بجوابه على السائل الثاني؛ وهذا خطأ أورثه خطأً آخر وهو تمييز الخط!.
ولابد أن تعلموا أنَّ جواب الشيخ رحمه الله تعالى على السائل الثاني كان في نهاية اللقاء بينهم كما هو ظاهر من سماع الشريط، ولهذا أجمل الشيخ في جوابه؛ والجواب عنه من أوجه:
أولاً: لم يحدد السائل الثاني ولا بيَّن الشيخ في أي حالة تذكر حسنات المخالف؛ هل في الترجمة أم في التحذير والنقد والرد؟، بينما كانت مجالس الشيخ الأخرى مفصَّلة، فأين حمل المجمل على المفصل الذي تقول به؟!
وثانياً: لم يبين الشيخ رحمه الله تعالى هنا مراده من "الحسنات" التي تذكر في بعض المجالس؛ هل هو الحق الذي عند المخالف أم جهوده العلمية أو الدعوية أو سلوكه وعبادته؟.
وقد قال الشيخ رحمه الله تعالى في شريط آخر [سلسلة الهدى والنور/638]: ((إذا كان المقصود هو بيان الحق الذي جاءت مناسبته فهذا شيء، وإذا كان المقصود ترجمة مَنْ نرى أنه أخطأ في مسألة ما فهذا شيء آخر؛ ففي الحالة الأولى ليس شرطاً حينما يرد على المخالف أن تذكر حسناته، أما إذا كان خلاف هذا؛ وهو ما أشرتُ إليه آنفاً أن يتحدَّث عن الشخص ذاته ونفسه فهنا بلا شك ينبغي ألا يتوجه الناقد إلى ذكر أخطائه وإنما يقرن معها أن يذكر محاسنه وحسناته؛ من الانطلاق من قوله تبارك وتعالى: "ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، أما مجرد على الرد؛ هذا خلاف منهج السلف الصالح، وخلاف المعهود من رد الرسول عليه السلام على مَنْ وجد من بعض أصحابه خطأً، وفي اعتقادي الأحاديث التي وردت بمثل هذه المناسبة لو جمعت لكان منها رسالة)).
فالكلام على نقد المخالف قد يكون مجرد رد فلا تذكر محاسن المنقود، وقد يكون في كلامه حق؛ فهذا الحق إذا جاءت مناسبته فيبين لئلا يلتبس على بعض الناس أنَّ كلَّ ما جاء به المنقود هو باطل، فيردون الحق الذي عنده جهلاً به.
وثالثاً: علَّق الشيخ جواز ذكر حسناته باختلاف المجالس لا بالمصلحة والحاجة كما يزعم الكاتب عماد!؛ فقد يكون مجلس عوام، وقد يكون مجلس طلبة علم، وقد يكون خليطاً من هؤلاء وهؤلاء، وقد يكون لطلبة علم لم ترسخ أقدامهم في العلم، فلابد من مراعاة المجالس، لا مراعاة المصلحة والحاجة؛ والأمر بينهما يختلف.
ورابعاً: أنَّ العلة في جواز ذكر حسنات المخالف في بعض المجالس هي تحصيل الفائدة للجالسين؛ وليست هي من باب الموازنة التي عنون لها الكاتب عماد حلقته الثانية وسرد فيها أقوال الأئمة ومنهم الشيخ الألباني.
وأما كلام الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى الذي ذكرته في حلقتك الثانية؛ فلا أدري كيف فهم منه الكاتب عماد جواز ذكر محاسن المخالف في حال النقد والتحذير إذا اقتضت الحاجة والمصلحة؟! مع أنه على العكس من ذلك تماماً فقد صرَّح الشيخ بعدم جواز أن تذكر حسنات المردود عليه وشدَّد في ذلك فقال: ((أما إذا كان المنتَقَد من أهل الضلال، ومن أهل الانحراف، ومن أهل المبادئ الهدّامة أو المشبوهة؛ فهذا لا يجوز لنا أن نذكر حسناته - إن كان له حسنات -؛ لأننا إذا ذكرناها فإنَّ هذا يغرر بالناس؛ فيحسنون الظن بهذا الضال، أو هذا المبتدع، أو هذا الخرافي، أو ذاك الحزبي؛ فيقبلون أفكار هذا الضال، أو هذا المبتدع، أو ذاك المتحزب، والله - جل وعلا - رَدَّ على الكفرة، والمجرمين، والمنافقين، ولم يذكر شيئًا من حسناتهم، وكذلك أئمة السلف يردون على الجهمية والمعتزلة وعلى أهل الضلال، ولا يذكرون شيئًا من حسناتهم؛ لأنَّ حسناتهم مرجوحة بالضلال، أو الكفر، أو الإلحاد، أو النفاق؛ فلا يناسب أنك تَرُدَّ على ضال، مبتدع، منحرف، وتذكر حسناته، وتقول: هو رجل طيب، عنده حسنات، وعنده كذا، لكنه غَلِط!!، نقول لك: ثناؤك عليه أشد من ضلاله، لأنَّ الناس يثقون بثنائك عليه؛ فإذا رَوَّجت لهذا الضال المبتدع ومدحته فقد غرَّرت بالناس، وهذا فتح باب لقبول أفكار المضللين)).
وأما أنه حفظه الله تعالى فرَّق بين التعامل مع السني إذا خالف في مسائل الفقه وبين التعامل مع المبتدع؛ فهي خارج نقطة البحث معك!.
فأين ما تقتضيه (الحاجة والمصلحة) في كلام الفوزان أصلاً؟!!
أم هو كما يقال عندكم في الشام: عنزة ولو طارت!.
وأقول: هذه أقوال الأئمة التي تعلَّق بها الكاتب عماد حتى كررها أكثر من مرة في مقالاته!؛ بل وفي المقال الواحد أحياناً!!، لم نر فيها نصاً عنهم كما يزعم في جواز ذكر محاسن المنقود إذا اقتضت الحاجة والمصلحة!، وإنما هو فهم لنتف من عباراتهم في بعض مجالسهم لم يقصدوا بها ما أراده عماد، وليست هي من ألفاظهم وإنما من لفظه هو كما تبيَّن لكل ذي عينين، أما مَنْ ينظر بعين واحدة أو بعيني غيره فليس لإقناعه من سبيل!.
وبهذا يظهر أنَّ تشنيع الكاتب عماد عليَّ أني قد انتقدتُ كلام الأئمة الثلاثة!، وأنني قد فارقت سبيلهم!!، إلى غير ذلك؛ لا وزن له في مقياس أهل الحق، فلا نشغل أنفسنا به.
وأما انتقاده على قولي: ((ومَنْ من الناس اليوم ممن يُثني على أهل البدع مَنْ لا يدَّعي هذا؟)) أي مَنْ من الناس لا يدَّعي أنَّ ثناءه على أهل البدع مما تقتضيه الحاجة والمصلحة، وكلامي من العام الذي يُراد به الخصوص.
فراح الكاتب عماد يميناً وشمالاً وحمَّل كلمة "الناس" أصنافاً منهم ليسوا محل نزاع بيننا وبينه!!؛ وأنهم يثنون على أهل البدع لا باب الحاجة والمصلحة؛ كالموافق لأهل البدع!، والمقلد لغيره!، والجاهل بحالهم!، والمحب لهم!، والمبين للحق الذي عندهم!، والمحذِّر منهم!، ومن مفاسد وآثار بدعهم!.
بينما كلامنا معه فيمن ينتسب للسلفية وينتسب للعلم ويصرَّح بمحاربة البدع والمبتدعة ثم نراه يثني على أهل البدع الذين ظهرت بدعهم بلا خفاء ويجادل عنهم ويرد مَنْ يتكلَّم ويحذِّر منهم؛ بذريعة ما تقتضيه المصلحة والحاجة!.
هل يريد مني الكاتب عماد أن أذكر له هذه الأوصاف فيمن نخالفه كلما أردنا أن نردَّ عليه أو ننتقد كلاماً له؛ حتى يفهم مَنْ نقصد؟
ليست عندي مشكلة إنْ طلب ذلك مني؛ خروجاً من الإجمال الذي قد يتوهم منه الكاتب غير المقصود من الكلام!!.
مع النقطة الخامسة:
انتقد الكاتب عماد وفقه الله تعالى للسداد كلمة قلتُها فيه وهي: ((وأما الاستدلال؛ فهو على طريقة القائلين ببدعة الموازنة))، أي أنَّ طريقة استدلال الكاتب عماد  على جواز ذكر محاسن المنقود إذا اقتضت الحاجة والمصلحة هي شبيهة بطريقة القائلين ببدعة الموازنة، فرد الكاتب بغلظة!!، ثم سألني: ((فأين وجه الشبه بين الاستدلال على جواز ذكر حسنات المنقودين عند الحاجة والمصلحة, وبين الاستدلال بالنصوص –نفسها- على وجوب ذكر حسنات المنقود–حال النقد- كما هي مقالة من يقول بالموازنة البدعية!!؟))
وجوابي عن سؤاله؛ هو أنَّ كلامي واضح في طريقة "الاستدلال" لا في "الحكم"، فراح الكاتب عماد على عادته يُشنِّع في غير محل النزاع!، ويقول: فرقٌ بين ما يدَّعيه من جواز الموازنة وبين القائلين بوجوب الموازنة!، وهذا واضح من حيث الحكم -لفظاً ونطقاً لا واقعاً وفعلاً-!؛ وبخاصة والكاتب يقول في حلقته الثانية: ((إنَّ نسبة القول أنَّ منهج الموازنات بدعة إلى الشيخ الألباني بهذا الإطلاق: غير دقيقة بالمرة))!، مع أنَّ الشيخ قد صرَّح بهذه البدعية لهذا المنهج في بعض مجالسه أكثر من مرة.
أما طريقة الاستدلال بينهما فمتشابهة من حيث الاستدلال بالنصوص مثل الآية الأولى في الخمر!، والاستدلال بكلام شيخ الإسلام في الثناء على بعض الكفار واليهود والمنافقين والمبتدعة!، وبكلامه رحمه الله تعالى بأنَّ الفعل الواحد أو الفاعل الواحد أو العين الواحدة قد يحمد ويحب ويثاب من جهة ويذم ويبغض ويعاقب من جهة أخرى!، ومَنْ لا يعتقد ذلك فهو على طريقة المعتزلة والخوارج!، وكذا البحث عن بعض النتف من كلام العلماء والاستدلال بها بما لا يصلح أن يكون منهجاً ولا أصلاً!؛ فهذه هي وجه المشابهة؛ فهل عرفت؟.
مع النقطة السادسة:
أما مسألة استدلال الكاتب عماد بقوله تعالى في الخمر: ((قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس)) أنَّ فيه إشارة على ذكر محاسن الخمر!؛ وبالتالي فيه دليل على جواز ذكر محاسن المبتدعة في حال النقد والتحذير!!؛ لأنه قال قبل الاستدلال بالآية: ((والأدلة على مشروعية ذكر حسنات المنقود:)) ثم ذكر الآية!.
فرددتُ عليه في حلقته الثانية، فعاد في تتمة نقضه هنا فشنَّع عليَّ وسفَّهني وجهَّلني؛ حتى أنَّ الناظر -العامي وليس طالب العلم- لرده ليظن أني رددتُ نصاً قطعياً أو أنكرتُ شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة!!، وبخاصة وهو يقرأ قول الكاتب عماد: ((ويكفينا هذا لنعرف أنَّ الأخ المعترض قد تجرأ على قول ربنا سبحانه؛ فعطَّل دلالة الآية المثبتة لوجود منافع في الخمر))، ولا نشغل أنفسنا برد أوصافه التي لا تليق!، وإنما نرد على ما استنكره واستعظمه:
فقول الكاتب عماد: ((النسخ إنما هو في الحكم؛ لا بما تضمنته الآية من خبر عن أن في الخمر والميسر إثم ومنافع, وأنَّ الإثم أكبر من المنافع؛ والأخبار لا تنسخ –كما أظن أنَّ الكاتب المعترض يدركه- وشاهدي هو في الخبر –غير المنسوخ- لا في الحكم المنسوخ؛ فلا وجه لاعتراض الأخ بالنسخ –أصلاً-))
أقول: أنا قلتُ في تعليقي على استدلاله في حلقته الثانية: ((فالآية أولاً منسوخة بآية أخرى ذكرت أنَّ عواقب الخمر وخيمة ومفاسده عظيمة من غير الإشارة إلى شيء من منفعته!، فهل من العدل والإنصاف الأخذ ببعض الكتاب والإعراض عن البعض الآخر؟!))
 فأين وجد الكاتب عماد في كلامي أني أقول بنسخ (خبر) منفعة الخمر؟!
وكلامي واضح في إنكار تصرف الكاتب حين أخذ يستدل بالآية قبل النسخ، وأعرض عن الآية بعد النسخ؛ لا أني أقول بنسخ ما وصف به الخمر قبل النسخ؛ فتنبَّه!.
ثم لو يرجع الكاتب عماد إلى تفسير الإمام الطبري رحمه الله تعالى فإنه سيجد بعض الأقوال عن السلف (ابن عباس ومجاهد والربيع والضحاك) يذهبون إلى أنَّ منافع الخمر قبل التحريم!، وإثمها بعد التحريم؛ فماذا سيقول حينها؟!
وقد قال العلامة المفسِّر الآلوسي رحمه الله تعالى في روح المعاني في ردِّ هذه الأقوال: ((وهي باقية قبل التحريم وبعده، وسلبها بعد التحريم مما لا يعقل ولا يدل عليه دليل)).
ثم حاول الكاتب عماد أن يضم شيخ الإسلام رحمه الله تعالى إلى طريقته في الاستدلال!، وأنه رحمه الله تعالى استدل بالآية على أنَّ العين الواحدة يجتمع فيها أن تكون محمودة مذمومة، مرضية مسخوطة، محبوبة مبغوضة، وكذا استدل بكلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، وأنه استدل بهذه الآية على الموازنة بين جانب المفسدة والمصلحة.
فلينظر كل ذي عينين إلى طريقة الكاتب في النقاش؛ كيف يخرج عن محل النزاع؟!.
هل خلافنا معك يا أبا العباس في الاستدلال بالآية حول "العين الواحدة قد يجتمع فيها أن تكون محمودة مذمومة" وكذا حول "الموازنة بين جانب المفسدة والمصلحة"؟!
أم أنَّ خلافنا معك حول "ذكر محاسن المنقود" أو "الموازنة بين السلبيات والإيجابيات في حال النقد والتحذير"؟!!!
أما الاستدلال بالآية في أشياء أخرى فلا خلاف في ذلك، وقد استدل العلماء فيها كثيراً، وأنا لم أمنع من الاستدلال بها مطلقاً حتى تحتج عليَّ بمثل هذه النقول!؛ وإنما استنكرتُ استدلالك بها على جواز ذكر محاسن المنقود قياساً على محاسن الخمر!.
وإنما قدوتي في هذا الاستنكار شيخ شيوخك الألباني رحمه الله تعالى، حين قال له السائل [بعد حوار حول بدعة منهج الموازنة]: ومن العجائب في هذا قالوا: ربنا عز وجل عندما ذكر الخمر ذكر فوائدها؟!
فقال له الشيخ رحمه الله تعالى: ((الله أكبر؛ هؤلاء "يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، سبحان الله، أنا شايف في عندهم أشياء ما عندنا نحن"))؛ وتمام الكلام تجده في كتاب الشيخ ربيع [منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف].
والشيخ ربيع حفظه الله تعالى قال في كتابه هذا: ((قال أحمد الصويان وفقنا الله وإياه: "وقال تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس"؛ فالله سبحانه وتعالى أثبت النفع في الخمر والميسر، ولكنه حرمهما لغلبة المفاسد".
الجواب:
أولاً: فهل ترى في ضوء هذا المبدأ الذي تقرره وتستشهد له بهذه الآية؛ أنه لا يجوز ذكر الخمر والميسر ومفاسدهما إلا مقروناً بذكر محاسنهما ومنافعهما؟! ومعلوم أنَّ هذه الآية أول آية نزلت في الخمر.
ثم نزلت في الخمر آية النساء: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"، ثم نزلت في الخمر والميسر وغيرهما آيتا المائدة، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون"، فكيف أطلق الله عليهما الرجس وقرنهما بالأنصاب والأزلام، وأضاف إلى ذلك قوله: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون"؟! كيف اقتصر هنا على وصفهما بأخبث الصفات، ولم يذكر شيئاً من منافعهما؟!))
هل رأيتَ أخي عماد كيف يستدل أصحاب الموازنات بمثل ما تستدل به؟!
وما دام البعض استدل بآية الخمر على جواز ذكر محاسن المنقود!؛ فلا نستبعد أن يقولوا بعدها بجواز أخذ ما ينفعنا من أهل البدع ونترك ما يضرنا ويستدلون كذلك بالآية!!؛ وقد قال القرطبي فيها: ((فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس؛ وقالوا: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير، ولم يتركها بعض الناس وقالوا: نأخذ منفعتها ونترك إثمها)).
ثم هل قول الشيخ ربيع: ((ومعلوم أنَّ هذه الآية أول آية نزلت في الخمر)) تفهم منه أنه يقول بنسخ الخبر؟!
وإذا كنتُ أنا مسكيناً –أسأل الله تعالى أن يحشرني في زمرة المساكين!- قد  خضتُ فيما لا علم لي به؛ فهل تتفضَّل وتوضِّح لي ما الفرق بين رد الشيخ ربيع على كلام الصويان، وتعليقي على كلامك من حيث الاستدلال بالآية لا من حيث حكم الموازنة [لكن أرجوك لا تخرج عن موضع النقاش]؟!
أم أنَّ ما وصفتني به ينسحب على الشيخ ربيع أيضاً؟!!
وأما أنَّ الخمر منفعتها في ذاتها وهمية لا حقيقية؛ فقد قال بهذا مَنْ هو أعلم مني ومن حضرتك يا أستاذ؛ ألا وهو إمام علم المقاصد العلامة الشاطبي رحمه الله تعالى حيث قال وهو يحكي أسلوب القرآن في مخاطبة العرب الذين نزل في عصرهم [الموافقات 2/77]: ((وأبطل لهم ما كانوا يعدونه كرماً وأخلاقاً حسنة وليس كذلك، أو فيه من المفاسد ما يربى على المصالح التي توهموها كما قال تعالى: "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه"، ثم بين ما فيها من المفاسد خصوصاً في الخمر والميسر من إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذا في الفساد أعظم مما ظنوه فيهما صلاحاً؛ لأنَّ الخمر كانت عندهم تشجع الجبان وتبعث البخيل على البذل وتنشط الكسالى، والميسر كذلك كان عندهم محموداً لما كانوا يقصدون به من إطعام الفقراء والمساكين والعطف على المحتاجين؛ وقد قال تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"))
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسيره: ((وتأمل قوله تعالى: "منافع للناس"؛ لأنها منافع مادية بحتة تصلح للناس من حيث هم أناس؛ وليست منافعَ ذاتِ خيرٍ ينتفع بها المؤمنون)).
وأما قول الكاتب عماد: ((يبدو أنَّ الأخ رائد قد مال إلى أنَّ الخمر لا منافع ذاتية فيها؛ بل منفعتها (متوهمة) –لا حقيقة لها في نفسها لا من جهة التداوي بها, أو الاستيقاد بها, أو اتخاذها خلاً-!!؛ وهي نسبية تبعاً لحال مستعملها, وهذا القول يتعارض مع –واقع الخمر-, ومع تقريرات أهل العلم)).
فأقول: أما التداوي بالخمر؛ فقد أخرج الإمام الترمذي في سننه [باب: ما جاء في كراهية التداوي بالمسكر] وصححه الألباني حديث: ((إنها ليست بدواء ولكنها داء)).
وأما الاستيقاد بها؛ فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله حرم بيع "الخمر" والميتة والخنزير والأصنام)) فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة؛ فإنه يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود و"يستصبح بها الناس"؟ فقال: ((لا هو حرام)).
وأما الخل؛ فقد أخرج الإمام أبو داود في سننه [باب ما جاء في الخمر تخلل] عن أنس: أنَّ أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً؟ قال: ((أهرقها))، قال: أفلا أجعلها خلاً؟ قال: ((لا))، والحديث في صحيح سنن أبي داود.
فهل نأخذ بقولك أم بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؟!!
وأما أنَّ منفعة الخمر من جهة مستعملها؛ وأنها تعود على شاربها إما باللذة وإما بالمال؛ فقد قال بهذا إمام أهل التفسير الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره: ((وأما قوله: "ومنافع للناس"؛ فإنَّ منافع الخمر كانت أثمانها قبل تحريمها وما يصلون إليه بشربها من اللذة؛ كما قال: الأعشى في صفتها :
  لنا من ضحاها خبث نفس وكأبة ... وذكرى هموم ما تغب أذاتها
وعند العشاء طيب نفس ولذة ... ومال كثير عزة نشواتها
وكما قال حسان :
فنشربها فتتركنا ملوكاً ... وأسداً ما ينهنهنا اللقاء))
وهذا نصُّ ما قلتُه أنا؛ فلم التشنيع بالقول إذن؟!
وأما قول شيخ الإسلام: ((فهذه المسائل؛ مسألة الفعل الواحد، والفاعل الواحد، والعين الواحدة؛ هل يجتمع فيه أن يكون محموداً مذموماً، مرضياً مسخوطاً، محبوباً مبغضاً، مثاباً معاقباً، متلذذاً متألماً؟، يشبه بعضها بعضاً، والاجتماع ممكن من وجهين، لكن من وجه واحد متعذِّر، وقد قال تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا"))
قلتُ: العين الواحدة قد تكون محمودة مذمومة أو نافعة ضارة من جهتين لا من جهة واحدة؛ هذا أمر واضح!، فـمثلاً (الخمر) هي عين من الأعيان قد تجتمع فيها المنفعة والمضرة؛ لكن من جهتين، من جهة المال واللذة لبعض الناس فتكون منفعة، ومن جهة ما يترتب على الإسكار من عواقب سيئة فتكون مضرة، وأما من إحدى تلك الجهتين فيمتنع اجتماع الوصفين فيها؛ وإذا كانت من جهة واحدة يتعذر أن يجتمع فيها الوصفان فمن باب أولى أن يتعذر أن يجتمع الوصفان في ذاتها؛ فتأمَّل!.
ومن باب التوضيح أكثر؛ قد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في أصل الموضوع المنقول منه: مثالاً على الفعل بـ(الصلاة في الأرض المغصوبة)، فيجتمع الأمر والنهي في الفعل الواحد من جهتين؛ فهو مأمور من جهة الصلاة ومنهي عنه من جهة الغصب، لكن يتعذر أن تكون الصلاة مأموراً بها منهياً عنها، وكذا يتعذر أن يكون الغصب مأموراً به منهياً عنه.
وقال رحمه الله تعالى في نفس الموضوع وهو مطوَّل فليرجع إليه من أراد الزيادة [المجموع 19/299]: ((وهذه حال ما اجتمع فيه مصلحة ومفسدة من جميع الأمور؛ لكن التحقيق: أنَّ الفعل المعين كـ"الصلاة في الدار المعينة"، لا يؤمر بعينها وينهى عن عينها؛ لأنه تكليف مالا يطاق، فإنه تكليف للفاعل أن يجمع بين وجود الفعل المعين وعدمه، وإنما يؤمر بها من حيث هي مطلقة، وينهى عن الكون في البقعة، فيكون مورد الأمر غير مورد النهى، ولكن تلازما في المعين، والعبد هو الذي جمع بين المأمور به والمنهي عنه لا أنَّ الشارع أمره بالجمع بينهما؛ فأمره بصلاة مطلقة ونهاه عن كون مطلق!، وأما المعين فالشارع لا يأمر به ولا ينهى عنه كما في سائر المعينات، وهذا أصل مطرد في جميع ما أمر الله به من المطلقات؛ بل في كل أمر)).
قلتُ: إذن قد يحصل الاجتماع بفعل العبد لا من قبل الشارع فيكون مذموماً؛ فليتأمل هذا أيضاً.
أما ما نقلته من كلام الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى؛ فنعم الشارع يأمر بالشيء إذا كان فيه خير محض أو غالب، وينهى عن الشيء إذا كان فيه ضرر محض أو غالب؛ لا نخالف في هذا!، وإنما هل في ذات الخمر منفعة حقيقية؟!
وأما قول الشيخ صالح: ((من منافع الخمر منافع دنيوية في التجارات والأموال، ومن منافعها منافع بدنية يعني تعود على البدن بصحة؛ إلى آخره فيما ذكره المفسرون)).
أما المنافع الدنيوية فلا خلاف فيها.
وأما منافع البدن؛ وأنها تعود على البدن بالصحة، فقد قال الحافظ ابن كثير في تفسيره للآية: ((وأما المنافع فدنيوية من حيث إنَّ فيها نفع البدن وتهضيم الطعام وإخراج الفضلات وتشحيذ بعض الأذهان ولذة الشدة المطربة التي فيها؛ كما قال حسان بن ثابت في جاهليته: ونشربها فتتركنا ملوكاً... وأسداً لا ينهنهنا اللقاء؛ وكذا بيعها والانتفاع بثمنها)).
وهذا الكلام فيه نظر!؛ كيف يكون في الخمر نفع للأبدان وشحذ للأذهان؟!!
وقد قال الآلوسي في روح المعاني: ((وربما أورثت فيه أمراضاً كانت سبباً لهلاكه؛ وقد ذكر الأطباء لها مضار بدنية كثيرة كما لا يخفى على من راجع كتب الطب، وبالجملة: لو لم يكن فيها سوى إزالة العقل والخروج عن حد الاستقامة لكفى، فإنه إذا أختل العقل حصلت الخبائث بأسرها)).
ويظهر لي –والله أعلم- أنَّ مراد من ذكر تلك الأشياء؛ أنَّ فيها نفعاً في ظنِّ الشاربين لها لا على الحقيقة كما تقدَّم معنا من كلام الشاطبي في الموافقات؛ هذا لأنَّ في بعض التفاسير ذكر أشياء أخرى مثل: ((الطرب، ومصادقة الفتيان، وتشجيع الجبان، وتوفير المروءة، وتقوية الطبيعة)) ذكروها من ضمن منافع الخمر!.
وأما قول الكاتب عماد: ((ويكفينا هذا لنعرف أنَّ الأخ المعترض قد تجرأ على قول ربنا سبحانه؛ فعطل دلالة الآية المثبتة لوجود منافع في الخمر؛ ليقيدها من قبل نفسه - وأكرر – من قبل نفسه؛ بأنَّ منافع الخمر المشار إليها في الآية ليست ذاتية, وإنما اعتبارية تبعاً لمستعلمها؛ لا لشيء إلا ليبطل الاستدلال بهذه الآية على ما تقدم)).
أقول: الآية بينت أنَّ في الخمر منافع للناس، فهي تشير إلى آثارها على بعض الناس، ولم يقل الله عز وجل: ((فيهما إثم كبير ومنافع))، بل قال: ((ومنافع للناس))، وفرق بين اللفظين، وقد بيَّنا أنَّ ما زعمه العرب الأوائل أنَّ فيها منافع في ذاتها هو مجرد أوهام وظنون، وإنما نفعها هو فيما يعود على مستعملها من مال أو لذة، ودعوى أنَّ الخمر في ذاتها فيها نفع دعوى لا برهان عليها، والآية لم تفصِّل جهة النفع، فلا داعي للتشنيع!.
أما قول الكاتب عماد: ((فهل يا ترى يدرك الأخ (رائد) –وغيره من الأخوة- أي الطرحين هو (الشبهة المقترنة بالهوى)؟))
قلتُ: يظهر أنَّ الكاتب توهم فظنَّ قولي في آخر التعليق: ((وإنما كانت الآية الأولى تمهيداً وتقدمة لتحريم الخمر والميسر؛ فالخطاب موجَّه إلى المتعلِّقين بهما بشبهة أنَّ فيهما منفعة لهم، فخرج الجواب في دفع تلك الشبهة المقترنة بالهوى))، ظنَّ الكاتب أنه مقصود بهذا الكلام!، وإنما الكلام موجَّه لمن نزلت فيهم الآية!!.
وأما مسألة المقارنة بين الخمر والبغاء التي أردتُ من ورائها إلزام الكاتب عماد، فظنَّ الكاتب أني أقول: بأنَّ للبغاء منافع!، فقال: ((عجيب أمر هذا الأخ, ينكر عليّ إثباتي أنَّ في الخمر منافع –موافقة للّفظ القرآني, ولصريح أقوال العلماء-؛ ثم هو يثبت منفعة في البغاء!!))
قلتُ: بل العجب من عجبك!، كيف فهمتَ هذا؟!
ثم إنْ كنتُ أنا أنكر لفظ القرآن كما تلمِّح!؛ فماذا تنتظر وقد أقمتَ عليَّ الحجة؟! فمتى تصدر الحكم؟! أليس هذا من الغلو الذي تنكره؟!
ثم راح الكاتب عماد ليسعى في إخراجي من ورطة المقارنة بين الخمر والبغاء، واحتمل من قولي أكثر من قصد؛ حتى حيَّر القارئ بفعله هذا!، بينما كلامي واضح جداً.
وأما قوله: ((وقياس منفعة الخمر على منفعة الزنا والبغاء لا يصح بحال))!.
قلتُ: قد ساوى بينهما شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فقال [المجموع 15/421-422]: ((وهذا الباب من أعظم إتباع الهوى، ومن أمر بعشق الصور من المتفلسفة كإبن سينا وذويه أو من الفرس كما يذكر عن بعضهم من جهال المتصوفة فإنهم أهل ضلال، فهم مع مشاركة اليهود في الغي، والنصارى في الضلال، زادوا على الأمتين في ذلك، فإنَّ هذا وإنْ ظن أنَّ فيه منفعة للعاشق كتلطيف نفسه وتهذيب أخلاقه أو للمعشوق من السعي في مصالحه وتعليمه وتأديبه وغير ذلك!، فمضرة ذلك أضعاف منفعته، وأين إثم ذلك من نفعه؟ وإنما هذا يقال: إنَّ في الزنا لكل منهما بما يحصل له من اللذة والسرور ويحصل لها من الجعل وغير ذلك، وكما يقال: إنَّ في شرب الخمر منافع بدنية ونفسية؛ وقال تعالى في الخمر والميسر: "قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"، وهذا قبل التحريم!، دع ما قاله عند التحريم وبعده)).  
مع النقطة السابعة:
حديث الخريت؛ استدل به الكاتب عماد على جواز ذكر حسنات المنقود إذا اقتضت الحاجة والمصلحة، فلما علقتُ عليه في الحلقة الثانية بقولي: ((قول عائشة لم يكن في موضع التحذير منه!، ولم تذكر حسناته من باب العدل والموازنة!، وإنما من باب الإخبار بواقع حاله!!)).
جاء الكاتب عماد في تتمة النقض هذا؛ فقال: ((ومن أين للأخ رائد؟ بل كيف فهم من كلامي؟ بل كيف يتقول عليَّ أني خرّجت الاستشهاد بهذا الحديث أو غيره على باب "ذكر الحسنات في موضع التحذير", أو في باب "العدل والموازنة"؟ بل أنا قد أوردت حديث عائشة  [استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل: هادياً خريتاً، وهو على دين كفار قريش]؛ للتدليل على قولي: "المسألة الثانية: جواز ذكر حسنات المنقود عند الحاجة والمصلحة، ولا يعني بدعية القول بوجوب ذكر حسنات المنقود, أن ذكر الحسنات محرم, فنفي الوجوب لا يستلزم منه إثبات التحريم, والأدلة على مشروعية ذكر حسنات المنقود كثيرة منها..." فأين وجد أني قلت: "حال النقد"؟؟؟!!! مع أني أتبناه للحاجة والمصلحة)).
أقول: يظهر أنَّ الكاتب عماداً بدأ يتعب في الرد!، فلم ينتبه إلى قوله هنا: ((جواز ذكر حسنات المنقود عند الحاجة والمصلحة))!، ماذا يعني ((المنقود))؟!!، أليس معناه ((في حال النقد))؟!.
ثم ألم تقل هنا: ((مشروعية ذكر حسنات المنقود)) وذكرت حديث الخريت؟!
فما معنى سؤالك: كيف يتقول عليَّ أني خرّجت الاستشهاد بهذا الحديث أو غيره على باب "ذكر الحسنات في موضع التحذير"؟
أين التقول عليك؟!
ثم ألم يكن عنوان حلقتك الثانية: ((الموازنة في حال تقويم ونقد المخالف))؟ والتي بيَّنت مرادك من الموازنة فيها بقولك: ((بين مسألة الثناء على أهل البدع, ومسألة "الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات" حال تقويم ونقد المخالف عموم وخصوص؛ يجتمعان في ذكر الممادح, ويفترقان في الدوافع والمقاصد)).
فالموازنة عندك في كلا الأمرين (التقويم)، و(النقد)، وأنت نقلتَ في حلقتك حالات هذه الموازنة؛ ومنها حالة جواز ذكر حسنات المنقود عند الحاجة والمصلحة؛ واستدللت بحديث الخريت!.
فأين التقول عليك؟!.
أما لفظة "العدل" فهي مساوية للفظة الموازنة حتى عند أصحاب الموازنات؛ قال الصويان في كتابه: ((فالموازنة بين الإيجابيات والسلبيات؛ هو عين العدل والإنصاف)).
وضح لنا يا أستاذ أين التقول عليك؛ فقد أعياني هذا الأمر صدقني؟!!!
مع النقطة الثامنة:
قال الكاتب عماد: ((قوله: "والأخ جعل ذلك كله من باب العدل في الموازنة بين الحسنات والسيئات في موضع التحذير والنقد"!!!، قلت -ويؤسفني أن أقول: هذا كذب –من الأخ- صراح!!، لعلَّ دافعه إليه قصور فهمه –وأتمنى ذلك-؛ فأين وجدني –في هذه الحلقة أو في غيرها- أني قد خرجت الاستشهاد بقول شيخ الإسلام -هذا- على (باب العدل في الموازنة بين الحسنات والسيئات في موضع التحذير والنقد) كما افتراه عليّ؟)).
قلتُ: وماذا نفهم من استدلالك به على جواز أحد حالات حلقتك المعنونة بـ ((الموازنة في حال تقويم ونقد المخالف))؟!
فلماذا هذا الاتهام المتكرر (الممل) بأني أتقول عليك أو أكذب عليك كذباً صراحاً؟ وإنما نؤاخذك بما كتبت يداك!؛ فإما أن تكتب بعلم وتضبط عباراتك، وإلا فاكسر قلمك واسترح.
لماذا عنونتَ حلقتك بـ(الموازنة في حال تقويم ونقد المخالف)؟!
يعني لو تركنا حال التقويم جانباً؛ ماذا سيكون العنوان: الموازنة في حال نقد المخالف!، وأنت قد شرحت معنى الموازنة في أول سطرين من حلقتك المنتقدة هذه فقلتَ: ((ومسألة الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات حال تقويم ونقد المخالف...))!، فأين الكذب الصراح يا أستاذ؟
ثم يظهر أنَّك قد غفلتَ أنَّ الموازنة هي العملية التي يتحقق فيها العدل، والميزان والعدل في كلام أهل العلم لا يختلف كما لا يخفى على مثلك.
فمَنْ قال بالموازنة إنما يقول بها بباعث وأصل العدل، ولا يشفع له إنكاره أو جهله بهذا!، فكيف وأنت تشير إلى هذا بقولك في آخر مقالك هذا حين انتصرتَ لسفر الحوالي وسلمان العودة حين أثنى عليهم الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في أول الأمر فقلتَ: ((وهذا الموقف منه رحمه الله؛ يؤكِّد أنَّ الشيخ ابن باز يرى جواز مدح مَنْ انتقدهم وحذَّر من أخطائهم، وعدم موافقته على ظلمهم والبغي عليهم))!.
مع النقطة التاسعة:
أما كتاب الشيخ ربيع حفظه الله تعالى [منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف] فقد قرأته ولله الحمد منذ أكثر من عشرة سنوات، ثم قرأتُ منه الكثير قبل الرد على حلقتيك في الموازنة (الثانية والثامنة) لأستفد منه أكثر، ووجدتُ طريقة استدلالك مثل طريقة الصويان!، لكنَّ الصويان يقول بالوجوب وأنت تقول بالجواز!، فهو أبعد منك في الاستدلال، لكن الطريقة واحدة؛ بل والتطبيق واحد.
والكتاب وإنْ كان أصله الرد على كلام الصويان وأمثاله، لكن نستفيد منه كثيراً في الرد على المجيزين للموازنة في حال النقد أيضاً، ولهذا نجد الشيخ ربيع حفظه الله تعالى -وهو باعترافك يُنكر الموازنة في حال نقد المخالف؛ بل وتدَّعي عليه أكثر من ذلك أنه يُنكر ذكر محاسن أهل البدع حتى في موضع الترجمة!- نجده في ردوده على القائلين بمنهج الموازنة على اختلاف أصنافهم أيضاً يحيل إلى كتابه؛ وهو مصيب في ذلك، لأنَّ الأصل هو رد منهج الموازنة في حال النقد والتحذير، سواء كان هذا المنهج يصرح بالوجوب أو بالجواز!.
بل والشيخ في مواضع من كتابه المشار إليه يذكر بعض الكلمات التي تمنع من ذكر حسنات المنقود ويبين الآثار السيئة على ذكر حسنات المنقود:
مثل قوله: ((منهج الإسلام وأئمته في نقد الأقوال والأشخاص وتقويمها؛ وبيان أنَّ العدل الحقيقي إنما هو في هذا المنهج. القرآن الكريم يمدح المؤمنين دون ذكر أخطائهم، ويذم الكفار والمنافقين دون ذكر محاسنهم!، مدح الله المؤمنين في كثير من الآيات القرآنية، وذكر ما أعد لهم من الجزاء العظيم، ولم يذكر شيئاً من أخطائهم من باب الموازنة)).
وقال: ((وذم الله الكفار والمنافقين والفاسقين في آيات كثيرة، ووصفهم بما فيهم من الكفر والنفاق والفسق، ووصفهم بأنهم صم بكم عمي، ووصفهم بالضلال والجهل، من غير أن يذكر شيئاً من محاسنهم!، لأنها لا تستحق أن تذكر!!، لأنَّ كفرهم وضلالهم قد أفسدا وشوها تلك المحاسن وصيراها هباء منثوراً))
وقال: ((وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من أهل الأهواء دون التفات إلى محاسنهم!، لأنَّ محاسنهم مرجوحة، وخطرهم أشد وأعظم من المصلحة المرجوة من محاسنهم!)).
وقال: ((ومعلوم أنَّ أهل البدع لا يخلون من محاسن، فلم يلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، ولم يذكرها!، ولم يقل: استفيدوا من محاسنهم وأشيدوا بذكرها)).
فهذا هو منهج الكتاب والسنة، ليس فيه ذكر للمخالفين من الكفار والمنافقين والفسَّاق والمبتدعة لشيء من محاسنهم على سبيل الموازنة التي يدَّعيها الكاتب عماد في حلقته المعنون لها: ((الموازنة في حال تقويم ونقد المخالف)).
بل ونقل الشيخ ربيع في مقدمة كتابه أقوال أئمة العصر ومشايخ الدعوة في التحذير من منهج الموازنة، وفي بعضها تصريح بعدم ذكر محاسن المنقود والنهي عن ذلك وبيان مفاسده، وكتاب الشيخ موجود فليقرأه مَنْ أحب أن يتأكد.
فكيف يزعم عماد أنَّ كتاب [منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف] ليس فيه تعرض لمنهج القائلين بجواز ذكر محاسن أهل البدع في حال التحذير والنقد، وإنما هو خاص في منهج القائلين بالوجوب؟!
مع النقطة العاشرة:
 قول الكاتب عماد: ((فالمدح والثناء المفضيان إلى تحسين ظن السامع بالمخالف المنحرف واعتقاد أنه على الجادة السوية يمنع منه سداً لذريعة التغرير)).
أقول: بل لأنَّ الأصل المنع!، وإنما أجزتَ أنتَ ذكرها إذا اقتضت الحاجة والمصلحة، فهو على أصلك يُمنع وليس سداً للذريعة!، وقد قلتَ في حلقتك الثانية: ((في معرض النقد والتحذير من الأخطاء؛ ففي هذه الحالة الأصل عدم ذكر حسنات وممادح المنقود؛ لأنَّ المقصود التحذير من الشخص, وذكر محاسنه مفضي إلى تقليل قيمة النقد)).
 مع النقطة الحادية عشر:
 استدلال الكاتب عماد بثناء الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى على جماعة التبليغ!؛ لا شكَّ أنه تتبع للرخص، وإلا فإنَّ لغيره من علماء العصر نصوصاً صريحة في تضليلهم والتحذير منهم بلا موازنة، بل والشيخ ابن باز عنده فتوى قبل وفاته يصرح فيها بتضليلهم، وأذكر أنَّ للشيخ سعد الحصين مقالاً يبين فيه أنَّ الشيخ ابن باز لم يعرف حقيقة هذه الجماعة في أول الأمر.
فاستدلالك بكلام الشيخ ابن باز هو من باب تتبع الرخص قطعاً.
وإلا نريد أن نسمع منك الآن جواباً لهذا السؤال: ما هو قولك بجماعة التبليغ؟!
أما قولك: ((فتراجع الشيخ ابن باز في حكمه على جماعة التبليغ؛ ليس معناه تراجعه عن منهجيته في التعامل مع المنقودين والمجروحين, ومدحه لهم, وذكره لمحاسنهم؛ فهذا شيء, وحكمه في جماعة التبليغ شيء آخر)).
أقول: سبحان ربي؛ ألا تتصور أنَّ الشيخ لم يكن على معرفة تامة بهم في أول الأمر؟!! أم تستبعده؟!
فمنهجيته الأولى كانت مبنية على عدم معرفة تامة بهذه الجماعة، فكيف نتبع عالماً مهما علت منزلته ومكانته في اجتهاده المخطئ أو في زلته أو رخصته؟!.
وهذا الشيخ الألباني رحمه الله تعالى كان يُثني على سلمان وسفر، فلما تبين له حالهما حذَّر منهما وصنَّفهما بـ(خوارج عصرية)!، أفنلتزم منهجية الشيخ الألباني في الثناء على سلمان وسفر؟!!.
مع النقطة الثانية عشر:
يظهر أنَّ الكاتب عماداً ليس عنده خط أحمر!، ولهذا أراه في المناقشات لا يتوقف عند حد معين!!، بل يُجاري المنازِع له، ويفتح معه أبواباً أخرى من المسائل؛ قد كان يظن به مخالفوه أنَّ بعض هذه المسائل ستوقفه!، لأنها خطوط حمراء بلا خلاف بين السلفيين المعاصرين، ولكنَّ عماداً لا يقف؛ وأظنه لن يقف حتى يأت على آخر الثوابت في منهج الدعوة السلفية فيفتح فيه خلافاً؛ سعياً منه لتوسيع الخلاف، وتحقيقاً لسلسلته في تفريق السلفية إلى منهجين؛ هذا الذي يظهر لي؛ والله تعالى أعلم.
ومن هذه الخطوط الحمراء؛ سلمان العودة وسفر الحوالي!!، أمرهما معروف، وقد قال العلماء الثلاثة وغيرهم كلمتهم فيهم تحذيراً وتضليلاً وتبديعاً.
فحاولتُ أن أذكِّر الكاتب عماداً بفتوى للشيخ ابن باز قديمة في الثناء على هذين المذكورين، فعلتُ ذلك من باب إيقافه في دعوته للسلفيين أن يتبعوا منهجية الشيخ ابن باز في جماعة التبيلغ؛ وأنَّ ثناء الشيخ قد ينبع من عدم معرفته التامة بحال المثنى عليه؛ فماذا كان؟!
إذ بالكاتب عماد يجعل هذا دليلاً آخر على منهجية الشيخ ابن باز التي يدَّعيها؛ فيقول: ((أثنى عليهما ومدحهما, ونصح بسماع أشرطتهما؛ وهذا يؤكد أنَّ موقف الشيخ ابن باز من المخالفين وعلى رأسهما سفر وسلمان؛ هو على خلاف موقف (غلاة التجريح), وأنَّ منهجيته في التعامل معهما؛ يختلف تماماً عن منهجية (غلاة التجريح), وهذا الموقف منه –رحمه الله- يؤكِّد أنَّ الشيخ ابن باز يرى جواز مدح مَنْ انتقدهم وحذَّر من أخطائهم، وعدم موافقته على ظلمهم والبغي عليهم)).
فسلمان وسفر ظلمهما السلفيون وبغوا عليهما!!.
فليهنأ تلاميذ أستاذ عماد ومشجعوه بهذا العدل الذي أقامه الكاتب عماد!.
وليهنأ الشيخ علي الحلبي بتلميذه هذا!.
وقال الكاتب أيضاً: ((لا تعارض بين النقلين عن الشيخ ابن باز؛ فهو رحمه الله أثبت لسفر الحوالي وسلمان العودة أخطاء حذر منها وانتقدها, ومدحهم ودافع عنهم لما يعرفه عنهم رحمه الله من موجب ذلك؛ وهذا يتماشى مع ما قررناه من منهج سابق له؛ لكنه يتعارض تماماً مع منهج "غلاة التبديع")).
ويقول: ((وأما ما كان من أشرطتهما نافع لا مخالفة فيه فيجوز سماعه؛ لكن الأولى أن ينصح بسماع أشرطة العلماء المعروفين كأمثال الشيخ ابن باز والعثيمين والألباني رحمهم الله)).
قلتُ: لا تعليق عندي على هذا، والحكم للقرَّاء!.
أما ما جاء في تنبيه الكاتب عماد وفقه الله تعالى للسداد في خاتمة النقاش:
فقد ذكر أنَّ نقضه في حلقته الثانية فقط جاء في خمسين صفحة.
أقول: فكيف لو جمع نقضه في كل الحلقات؟
فلماذا يتعجَّب البعض من طول موضوعي وهو في (130) صفحة؛ وأنا قد تعقبته فيه في جميع حلقاته؟!!
أما قول الكاتب عماد في النتيجة التي خلص فيها من النقاش معي وشاركه غيره في ذلك: ((أنَّ ما سوَّده الأخ لا يستحق أن أشغل نفسي, أو أشغل إخواني بنشر تتمة الرد عليه؛ فحسب من شاء من الأخوة أن يقيِّم مستوى باقي (تعقبات الأخ) ما تقدم من نقضي لمقدمته وتعقباته على الحلقتين الأولى والثانية؛ ففيهما غنية لكل طالب حق للاستدلال على مستوى فهم الأخ لما يتكلم فيه, أو لما يعترض عليه, أو لما يستشهد أو يستدل به؛ فهو كما يقال -عندنا في العراق-: "يثرد بصفِّ الماعون"؛ لا بل هو غالباً (يثرد بعيداً عن الماعون), وأما صاحب الهوى فلن يكفيه نشر باقي النقض)).
فأقول: بعيداً عن الأمثال الشعبية بينك وبين حضرة المشرف!، لأننا في منتدى علمي وليس في مقهى شعبي كما هو ظاهر!!، نترك التقييم للقرَّاء من ذوي العلم والعدل، لا للمشجعين الشعبيين!.
وقول الكاتب عماد: ((بل أنا لو شئت أن أرُدَّ بما كتبه الأخ رائد على غلاة التجريح؛ لوجدت فيما كتبه مجالاً واسعاً ورحباً!!، بل ولو أردتُ أن أردَّ على بعض –غير قليل- مما قرره الأخ (رائد آل طاهر) بما يقرره الشيخ ربيع المدخلي؛ لفعلت، وما ذاك إلا لأن الأخ رائد –وفقه الله- خاض –مدفوعاً!!- فيما لا علم له به – لا واقعاً ولا شرعاً)).
أقول له: سمعنا وتعوَّدنا على وعيدك وتهديداتك كثيراً، وعرفنا حقيقتها، فافعل ما تشاء ولا تتردد لحظة!.
أما أني مدفوع!؛ فاعلم أني لستُ من المقربين لأحد المشايخ، ولا من المتعاملين مع إحدى الجمعيات، وليس لي علاقة خاصة ولا تواصل مع أحد من المشرفين حتى في المنتديات التي أكتب فيها، وحتى شيخي الذي استفد منه بين الحين والآخر ليس قريباً مني ولا بيننا اتصال، فلا أدري حقاً مَنْ الذي دفعني من الأشخاص؟!
 أما السبب الذي دفعني حقاً للرد عليك والتعليق على مقالاتك: هو نصيحة مني لعموم السلفيين وبالأخص بعض العراقيين الذي اغتروا بمقالاتك، وكذا السعي في بيان حقيقة المنهج الذي تنشده لئلا يلتبس على البعض فيظن أنك تقرر مذهب السلف!!.
فهل عرفتَ مَنْ يدفعني؟
وأما قوله: ((وليس هذا معناه أني لن أتم نقضي لباقي ما كتبه الأخ؛ لا؛ بل سوف أتمه إنْ شاء الله؛ ذاكراً فيه أوجه التعارض بين طروحات الأخ رائد وطروحات غلاة التجريح, وكذلك أوجه معارضة تقريرات الأخ رائد لتقريرات الشيخ ربيع حفظهما الله، ثم بعد أن أنهيه: أحتفظ به في الدرج؛ كما احتفظ بالكثير مما لا أرى مصلحة في نشره في الوقت الحالي, وأدخره ليومه كما أدخر غيره)).
أقول: عاد إلى تهديداته!!!
يا أستاذ؛ أكمل الرد أو لا تكمله!، وبين طروحات وتقريرات مَنْ تشاء على مَنْ تشاء!، فقد عرفنا حقيقة هذه التهديدات!.
أما أنا فبعد هذه المناقشة رأيتُ التوقف لأمرين:
الأول: أنَّ الكلام فيها صار أغلبه في توجيه كلامي وكلامك، أنت تقول: أني متقوِّل عليه!، وأنا أقول: أنك تناقش في غير محل النقاش، فأصبح النقاش جله في هذا.
الثاني: رأيتُ أنَّك ليس لك أبواب مغلقة ولا خطوط حمراء في نقاشك، بل تجاري ولو على خلاف ما يعرفه مشايخك؛ وحتى لا أتقوَّل عليهم أقول: على خلاف ما كنا نعرفه عن مشايخك.
فمن أجل هذين الأمرين، ولأني أرى أني تكلَّمتُ بما لا مزيد عندي لإيضاحه، فأتوقف عن المناقشة، وعن الرد أو التعليقات على تتمة نقض الكاتب عماد إنْ عاد له!، وله الحق طبعاً أن يرد على باقي الحلقات وعلى هذه التعليقات؛ لكن لا ينتظر مني جواباً أو تعليقاً؛ هذا لئلا يصل الأمر إلى ما يزيد من غلظة الكلام وقساوة القلوب بعضنا على بعض؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أحبب حبيبك هوناً ما؛ عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً؛ ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)).
وأعتذر من الكاتب عماد من قطع المناقشة، وكذا اعتذر منه على ما حاء في تعليقاتي من غلظة أو إساءة لشخصه، وأعتذر من باقي الأخوة الأفاضل كذلك.  
وأسأل الله تعالى أن يُبصِّرنا جميعاً بالحق وأن يعيننا على العمل به والدعوة له ونصرته، وأن يثبتنا عليه حتى الممات، وأن يرزقنا الإخلاص والسداد في أقوالنا وأعمالنا وأحكامنا، إنه وليُّ المؤمنين.

وكتبه
أبو معاذ رائد آل طاهر

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.