مع حلقته التاسعة: (الحزبية مفهومها وأقسامها وسماتها)
ذكر في
هذه الحلقة مقدمة تكلَّم فيها كعادته بشدة على غلاة التجريح كما يحلو له أن يسميهم!،
ثم ذكر معنى الحزب وأقسامه، وتذمَّر من وصف الحزبية فأصَّل أصلاً فقال: ((إنَّ وصف الحزبية ليس مما يوجب
مدحاً أو ذماً بذاته؛ بل هو بحسب ما تضمنه من معاني موافقة أو مخالفة للشرع؛ فقد يكون التحزب مباحاً كالاجتماع
والتعاون والتناصر لفعل ما هو مباح، وقد يكون مشروعاً إنْ
اجتمع أصحابه على البر والتقوى، وقد يكون مذموماً إنْ
تضمن مخالفة للشرع)).
قلتُ: هذا
الكلام لا يصح، وهو يفتح الباب للقول بمشروعية التحزب في الإسلام!؛ بل هو صريح في ذلك،
وليس الأمر كما صوَّره الكاتب، بل وصف الحزبية والتحزب إذا أطلق فهو مذموم؛ وأنا
أدعو الكاتب أن يبحث في المصحف عن ألفاظ "حزب"، "أحزاب"،
"شيعاً" ليعرف ذلك، لكن إذا قيد هذا اللفظ أو أضيف إليه مضاف فهو بحسب
ما أضيف إليه؛ فإنْ قيل: حزب الله فهو مدح قطعاً، وإنْ قيل: حزب الشيطان فهو ذم
قطعاً، لكن إن قيل: هذا حزبي أو متحزب أو من الحزبيين أو الأحزاب، فهو وصف من حيث
الإطلاق وهو يفيد الذم كذلك، وهذه الأوصاف أطلقها كبار العلماء على أصحاب الأهواء،
فإطلاقها في موضع الذم لا غبار عليه.
ومجرد تحزيب الناس مذموم!، فضلاً عن المخالفات
الشرعية التي في ذلك والآثار السيئة التي تتبع هذا التحزب؛ قال شيخ الإسلام [28/ 15-16]:
((وليس للمعلِّمين أن يحزِّبوا الناس!، ويفعلوا ما يلقى بينهم العداوة
والبغضاء!!، بل يكونون مثل
"الأخوة" المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى: "وتعاونوا على
البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد
عهداً بموافقته على كل ما يريده وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه، بل من فعل هذا
كان من جنس جنكزخان وأمثاله؛ الذين يجعلون من وافقهم صديقاً والي ومن خالفهم عدواً
باغى، بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله ويفعلوا ما أمر
الله به ورسوله ويحرموا ما حرم الله ورسوله))
وحتى قصد
التعاون على البر والتقوى لا يسوِّغ لصاحبه – عند أكثر أهل العلم - إنشاء تحزب بين
المتعاونين معه أو عقد إخاء خاص بينهم، وإنْ سوَّغ بعضهم مثل هذا النوع من التحزب
فبشرط خلوه من أي مخالفة شرعية؛ وهذا ما يندر وقوعه اليوم!!، وفي هذا يقول شيخ
الإسلام رحمه الله تعالى [3/ 468] وهو يبين حكم الإخاء والتحالف بين المسلمين: ((فمثل هذه المؤاخاة وأمثالها مما يكون فيه تعاون
على ما نهى الله عنه كائناً ما كان حرام باتفاق المسلمين، وإنما النزاع في مؤاخاة يكون
مقصودهما بها "التعاون على البر والتقوى" بحيث تجمعهما طاعة الله وتفرق بينهما
معصية الله؛ كما يقولون: تجمعنا السنة وتفرقنا البدعة؟ فهذه التي فيها النزاع:
فأكثر العلماء لا يرونها استغناء بالمؤاخاة الإيمانية
التي عقدها الله ورسوله، فإنَّ تلك كافية محصلة لكل خير فينبغي أن يجتهد في تحقيق أداء
واجباتها، إذ قد أوجب الله للمؤمن على المؤمن من الحقوق ما هو فوق مطلوب النفوس. ومنهم
من سوَّغها على الوجه المشروع إذا لم تشتمل على شيء من مخالفة الشريعة))
ويوضح ذلك
العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في حاشيته على سنن أبي داود وذلك في شرحه
لحديث: "لا حلف في الإسلام" فيقول: ((فالظاهر -والله أعلم- أنَِّ المراد بالحديث: أنَّ
الله تعالى قد ألَّف بين المسلمين بالإسلام، وجعلهم به إخوة متناصرين متعاضدين يداً
واحدة بمنزلة الجسد الواحد، فقد أغناهم بالإسلام عن الحلف، بل الذي توجبه أخوة الإسلام
لبعضهم على بعض أعظم مما يقتضيه الحلف، فالحلف إنْ اقتضى شيئاً يخالف الإسلام فهو باطل،
وإنْ اقتضى ما يقتضيه الإسلام فلا تأثير له؛ فلا فائدة فيه))
وفرق دقيق
بين معنى التحزب والتحالف وبين معنى التجمع والأخوة!، فالأول يتضمن موالاة للأمر
الذي تحزَّبوا حوله ومعاداة لضده؛ ولهذا نرى الكاتب في تعريفه لقسمي الأحزاب ضمنه
الموالاة والمعادة؛ حيث قال في حزب الله: ((هو كل جماعة اجتمعت على الحق
وتعصَّبت له ووالت وعادت عليه))، وقال في حزب الشيطان: ((كل جماعة اجتمعت على ما كان
مخالفاً للشرع وتعصبت له وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه))،
فليس التحزب مجرد تجمع كما يحاول البعض أن يصوِّره!، بل هو تجمع مع ولاء وبراء
فافطن لهذا.
وأما معنى
التجمع فهو مجرد مشاركة جماعية في تحصيل مطلوب ليس بين المجتمعين فيها ولاء خاص
ولا براء خاص!؛ فصلاة الجماعة تجمع لأداء الصلاة، والحج تجمع لأداء المناسك، وحلقة
العلم تجمع لتحصيل العلم وتعليمه، والدعوة الجماعية تجمع لإيصال الهدى ودين الحق
للناس كآفة، وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجمع لنشر المعروف ومنع
المنكر...إلى آخره.
من هذا
يتبين لنا: أنَّ التحزب إذا أطلق فهو صفة ذم؛ كمثل قول العالم في صاحب هوى: "هذا
حزبي"، أو "متحزب"، أو "من الحزبيين"، فلا ينبغي للكاتب
أن يعترض على مثل هذا الوصف بقوله: ((إنَّ وصف "الحزبية"
ليس مما يوجب مدحاً أو ذماً بذاته))، وقد
أطلق مثل هذه الأوصاف بلا قيد الكثير من أكابر أهل العلم كما لا يخفى على الجميع،
بل ومن مشايخ الكاتب، فعلام الإنكار؟!
وأما ما
نقله الكاتب عن شيخ الإسلام وأنه قال: ((وأما "رأس الحزب"
فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزباً؛ فإنْ كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا
نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. وإنْ
كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في
حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق والباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله
تعالى ورسوله. فإنَّ الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا
بالتعاون على البر والتقوى ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان)).
فليس فيه
تجويز للتحزب في تحصيل الخير!، ولهذا نرى أنَّ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في
كلامه نفسه قد وصف الطائفة التي تعاونت على البر والتقوى بـ"الاجتماع"
وجعل ولاءهم على "الإيمان" من غير زيادة ولا نقصان؛ وهذا لم يُعرف في
واقع الأحزاب ألبتة!!، بينما وصف الثانية التي تعاونت على الإثم والعدوان بـ"التحزب"؛
هذا مع قيد الموالاة والمعاداة الذي سماه التعصب لمن دخل في حزبهم والإعراض عمن لم
يدخل؛ وهذا هو واقع الأحزاب لا محال، فليس في كلامه هذا مخالفة لما تقدَّم.
وأنا
أكتفي بإحالة الكاتب إلى كتاب شيخه [الدعوة إلى الله بين التجمع الحزبي والتعاون
الشرعي] فقد ردَّ على شبه الحزبيين في مشروعية الأحزاب، ومنها استدلالهم بكلام شيخ
الإسلام الذي استدل به الكاتب!!، فإنَّ شيخه صرَّح في ذلك الموضع من الكتاب بأنَّ
حمل كلام شيخ الإسلام هذا على مشروعية التحزب ظلم بيّن وهو خلاف ما تواتر عن شيخ
الإسلام من التنفير والتحذير من الحزبية! فراجعه هناك.
ولا
يُقال: أنَّ التحزب بقصد "التعاون على البر والتقوى" مباح؛ وإنما المحرم
إذا كان بقصد التعاون على الإثم والعدوان!!.
فإننا
نقول: إنَّ أصل التحزب بدعة مضلة، والبدعة المضلة هي كما قال العلامة الشاطبي رحمه
الله تعالى في [الاعتصام ص26]: ((فالبدعة إذن عبارة عن: طريقة في الدين
مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه؛ وهذا على
رأي مَنْ لا يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات، وأما على رأي من أدخل
الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول البدعة: طريقة في الدين مخترعة تضاهي
الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية))،
فلو قصد بالتحزب ما يقصد بالطريقة الشرعية فإنَّ هذا لا يخرجه عن حد البدعة!، فكيف
وللتحزب آثار سيئة على الأمة لا يجهلها الكاتب؟!
وأنا
أتعجب حقاً من الكاتب؛ كيف يبيح التحزب في الإسلام!، بل ويشرعه بقصد التعاون على
البر والتقوى!!، وهو مطلع على كتاب "حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب"
وكتاب "الدعوة إلى الله بين التجمع الحزبي والتعاون الشرعي"، وفيهما
المنع من التحزب في الإسلام مطلقاً وبيان لآثاره الفاسدة على الأمة؟! نسأل الله
تعالى الثبات على الحق ونعوذ به من التقلب والتلون.
وأما قول الكاتب: ((ولم تكن هذه التهمة رائجة في أوساط
السلفيين في حال حياة الأئمة الكبار الثلاثة؟))
قلتُ: يقصد
بالتهمة "التحزب"، وكلامه بعيد عن عصر الأئمة المشار إليهم، بل من أكثر
مَنْ يستعملها مشايخ الكاتب، ولكن يظهر أنه صار ينكر ما يعرفه قديماً!.
وآخر كلمة
الكاتب هذه ذكرتني بأخرى قالها صاحب له في مجال الردود وهي: ((لنعش كما عاش
العلماء السابقون إلى وقت مشايخنا الثلاثة الألباني وابن باز وابن عثيمين مع
اختلافهم في الرجال جرحاً وتعديلاً)).
أقول: هل
انتهت حياة العلم والأئمة المجددين وأكابر أهل العلم بموت الأئمة الثلاثة؟!!
أم أنَّ
اجتماع الأئمة الثلاثة صار إجماعاً يحرم مخالفته؟!
لابد أن
نعلم أنَّ حصر مراجع الأمة في ثلاثة من كبار علمائها؛ وهم الشيخ ابن باز والألباني
وابن عثيمين رحمهم الله تعالى؛ سواء كان في عصرهم!، أو بعد مماتهم!!، تحجير لا
يُقبل، بل هذه بدعة شامية معروفة!!، ومراجع الأمة أكثر من ثلاث سواء كان في عصر
الأئمة المذكورين أو بعد مماتهم!؛ وهذا بشهادة الأئمة الثلاثة أنفسهم وتزكياتهم،
وإنْ كان فضل المشار إليهم بالنسبة إلى غيرهم لا يُنكر، لكن ليُعلم أنَّ هذه
الفكرة المحدثة إنْ لم توقف ستجر إلى إغلاق باب الاجتهاد والتجديد بعد موت الأئمة
لا محال!!.
وأما قول
الكاتب: ((والمؤمنون –بغض النظر عن انتسابهم- إخوة يجب موالاة بعضهم بعضًا
وتناصرهم وتعاونهم على البر والتقوى)).
قلتُ: قيد
"بغض
النظر عن انتسابهم" يقصد به الكاتب انتسابهم المنهجي!، والمؤمنون نعم يوالي
بعضهم بعضاً، لكن انتساب بعضهم إلى غير السلفية من الفرق والأحزاب يوجب مقاطعتهم
ومعاداتهم والتحذير منهم، وقد نقل الكاتب كلام شيخ الإسلام الذي قال فيه مبيناً
صفات الفرقة الناجية: ((وبهذا يتبين: أنَّ أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية
أهل الحديث والسنة الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا
رسول الله, وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزاً بين صحيحها وسقيمها؛ وأئمتهم فقهاء فيها وأهل معرفة
بمعانيها وإتباعاً لها تصديقاً وعملاً وحباً،
وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها))!، أما النصرة والتعاون مع غير السلفيين
فليس على إطلاقه، وإنما قد يُضطر له من باب جلب المصلحة الراجحة ودفع المفسدة
الكبرى، وما سواه فلا.
وأما تعريض الكاتب ببعض
الصحابة، حيث ضرب مثلاً على التحزب المذموم فقال: ((لا
يسلم إنسان عن الوقوع في شيء من مظاهر الحزبية المذمومة إلا مَنْ عصمه الله فكان لله خالصاً
قصده, وبالله مستعيناً على سائر أمره, ومع الله في تنفيذ شرعه؛ فهؤلاء خير الناس
من (بعض صحابة) النبي صلى الله عليه وسلم تحزب كل منهم إما إلى فئة علي رضي الله
عنه، أو إلى فئة عائشة رضي الله عنها, أو إلى فئة معاوية رضي الله عنه)).
قلتُ: صحح الشيخ الألباني
حديث: ((إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا))، ووصفهم بالتحزب المذموم خلاف الإمساك عما شجر
بينهم من اختلاف فتنبه!.
وأما نقل الكاتب عن أحد أعلام
الدعوة السلفية المعاصرة أنه قال: ((وإذا انتسب إلى أنصار السنة
وساعدهم في الحق, أو إلى الإخوان المسلمين ووافقهم على الحق من دون غلو ولا تفريط فلا بأس, أما أن يلزم قولهم ولا
يحيد عنه فهذا لا يجوز، وعليه أن يدور مع الحق حيث دار, إن كان الحق مع الإخوان
المسلمين أخذ به, وإن كان مع أنصار السنة أخذ به, وإن
كان مع غيرهم أخذ به, يدور مع الحق, يعين الجماعات الأخرى في الحق))
قلتُ: كان الواجب على الكاتب
أن لا ينقل مثل هذا الكلام الذي فيه تسويغ للانتساب إلى الإخوان المسلمين!؛ وبخاصة
أنَّ آخر فتوى لهذا العالم قد صرَّح بأنَّ الإخوان المسلمين من الفرق الثنتين
والسبعين الضالة، ولكـن الكاتب على نهجه في تتبع الرخص!!.
ثم ذكر الكاتب سمات حزب الله،
وسمات حزب الشيطان، وذكر أبرز سمات ومظاهر الحزبية المعاصرة من خلال كلام الشيخ
ربيع حفظه الله تعالى، والكاتب بهذا يُقارن بين أقوال الشيخ وبين تطبيقاته العملية
ليظهر للقراء التناقض!!، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما قول الكاتب نقلاً عن
شيخه: ((لا ينبغي أن يكون خلافنا في غيرنا سبباً للاختلاف بيننا)).
قلتُ: هذا القاعدة من حيث
الإطلاق غير صحيحة، ولو نغض النظر عن قائلها ومنهجه ونقول: ما هو وجه الفرق بينها
وبين قاعدة (وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)؟ لماذا أنكر (بعض الناس)
القاعدة الثانية وتقبَّل القاعدة الأولى؟ نعم، الأولى في باب (الحكم على المعينين)
والثانية عامة في كل الأبواب والمسائل، وماذا يعني؟ هل هذا فرق؟
فكيف ونحن نرى (بعض الناس)
يستدل على صحة القاعدة الأولى بكون السلف يعذر بعضهم بعضاً في مسائل الخلاف؛ هكذا
على الإطلاق؛ فما الفرق إذن؟
ولهذا لما
نُبِّه قائل هذه القاعدة لما قد تجره من آثار لا يرتضيها هو نفسه، قام بتقييدها
بـ(الاجتهاد المعتبر) فقال في كتابه: ((لا يجوزُ أنْ نجعلَ خِلافَنا
(الاجتهاديَّ الُمعَْتَبر = نحْنُ أْهلَ السُّنَّة) فِي غَيْرِنا
(مِمنَّ خَالَفَ السُّنَّة: مِْن مُْبتَدِعٍ،
أَوْ سُنِّيٍّ وَقَع فِي بدِْعَة) سَبَباً فِي اِلخَلاِف بَيْنَنا
(َنحْنُ أْهلَ السُّنَّة)؛ بَلْ نَتَناصَحُ بالعِلمِ والحقَِّ، وَنَتَواصَى باِلصَّبِْر وَالَمرْحَمَة)).
فالاجتهاد ليس كله معتبر!،
والاعتذار والسكوت عن المخالف لا يسوغ في كل مسائل الخلاف!، بل قد يجر الخلاف في
الغير إلى الاختلاف فيما بيننا!!، فمثلاً: إذا استبان أمر الغير من الزيغ
والانحراف ولا زال البعض يدافع عنه ويجادل وينصح به ألا يؤدي هذا إلى الاختلاف
فيما بيننا حتماً؛ لكن لا يلزم من هذا التبديع!!، وإلا وقعنا في قاعدة (مَنْ لم
يُبدِّع المبتدع فهو مبتدع)، وما تجر إليه من تسلسل في التبديع مرفوض؛ وفي مثل هذا
النهج قال صاحب الكاتب في الردود: ((أنقل لإخواني المنصفين رأي المشرف العام فضيلة
الشيخ علي الحلبي كان الله له في سيد قطب؛ وهو أنه يبدِّع سيد قطب بدون مثنوية,
ويخطِّئ مَنْ يدافع عن سيد قطب، أو يلتمس له الأعذار!!)) أليس مَنْ يدافع عن سيد
قطب مجتهداً عندكم؟! لكن لا عبرة لاجتهاده ولا يُعذر به!.
ومثال آخر: إذا ظهرت -بعد خلافنا في الحكم على
الغير- قواعد وتأصيلات غريبة عن المنهج الذي ننتمي إليه، فيكون الخلاف في الغير قد
كشف منهج (بعض الناس) من حيث عدم الرسوخ في العلم والضبط في التأصيل أو من حيث
التأثر بمناهج الحزبيين، فهذا قطعاً سيجر إلى الخلاف فيما بيننا، وقد يصل إلى
التبديع كذلك؛ وهذا كحال خلاف السلفيين مع "محمد إبراهيم شقرة" الذي
انكشف فساد منهجه وتأثره بالحزبيين وتخبّطه في جملة من مسائل العلم؛ وقد قلتَ فيه:
((ومَنْ
عرف ما آل إليه أخر حال الشيخ شقرة من غلو ومجانبة للسبيل لم يستغرب بعد أن يجمع
النقيضين فيجعل (البنا والألباني على محجة واحدة في العقيدة والعمل)، ولا يستغرب
أن يصل به الغلو إلى أن يوجه الشكر لسرير المستشفى الذي ضم سفراً الحوالي أيام مرضه فرعاه فقال: "ونشكر لسرير
المستشفى الذي ضمه إليه هذه الليالي والأيام فرعاه"، بل كيف نستغرب أن يصدر
من الشيخ هدانا الله وإياه مثل هذا المقال بعد إقراره بسلامة منهج الثالوث
التكفيري أبي بصير وأبي قتادة وأبي محمد المقدسي))، أنت الذي قلتَ هذا في
مقالك [ما هذا الغلو في(سيد قطب!!)-يا فضيلة الشيخ
محمد إبراهيم شقرة- ؟؟!!]، وقد علَّق عليك أحد كتاب منتداكم قائلاً: ((فقط أردتُ
التنبيه إلى هذه النقطة التي أراها -حسب تصوري القاصر- مجحفة ومجانبة للإنصاف: فالشيخ
عدنان لا يختلف عن الشيخ شقرة بخصوص موقفه من سيد قطب، وأقواله ربما أكثر غلواً، لكننا
نرى تغافلاً عن الأول، في مقابل تشديد على الثاني؛ مع أنهما في هذه الزلة سواء!، فهل
السبب راجع لموقف الشيخ شقرة من مشايخ الشام؟!)).
قلتُ:
وهذا تعليق وجيه.
وأما
استنكار الكاتب لفوضى التصنيف -كما يزعم- بعد نقله مقاطع عدة من كتاب [تصنيف الناس
بين الظن واليقين] حتى قال: ((ومن هذا القبيل؛ تصنيف
السلفيين إلى: حدادية, وعرعورية, ومدخلية, ومغراوية، ومأربية,
وجامية, وحربية, وحوينية, وحسانية... إلخ), وإخراج الجميع من دائرة السلفية
بدعوى إماطة الأذى عن طريق الدعوة, وأنَّ هذا التصنيف هو من قبيل جهاد أهل البدع
والأهواء)) .
قلتُ: وهذا أيضاً من تتبع
الرخص والتلفيق بين الأقوال!؛ فإنك إنْ كنتَ ترفض التصنيف المعاصر مطلقاً كما هو
ظاهر حال صاحب الكتاب الذي تنقل عنه، فلماذا لم تضف إلى استنكارك ورفضك للتصنيف
تصنيف البعض بـ(القطبية، والسرورية، والبنائية، والحوالية ...)؟!
ما هو الضابط في قبولك تصنيف
الناس بالسرورية مثلاً ورفضك لتصنيف البعض الآخر بالحدادية؟! مع أنَّ شيخك في
حاشية كتابه [منهج السلف الصالح] قال: ((الحدادية غلاة في كل شيء))!.
وأيضاً أنت تقبل تصنيف البعض بـ(القطبية)، وصاحب [تصنيف
الناس] يرفض ذلك!؛ أليس نقلك عنه إذاً من باب تتبع الرخص؟! بـيِّن لنا هذا الأمر؟
هداني الله تعالى وإياك لمعرفة الحق ونصرته.
يتبعه الحلقـــ (10) ــة
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.