-->

الثلاثاء، 12 فبراير 2013

تبصير كل ذي عينين بحقيقة المنهج المنشود في سلسلة حلقات "بين منهجين"[11]


مع حلقته الحادية عشر: (الاتهام بالتكفيرية أو الخارجية)

بعد مقدمته في بيان واقع السلفيين وفوضى الاتهام بالتكفير والخارجية كما يزعم!، وذكر فيها كل مَنْ قيل فيه "تكفيري"، وأدخل معهم الشيخ ربيع حفظه الله تعالى كعادته في مقدماته!، وذلك أنَّ البعض قد جمع له عبارات موافقة لنهج دعاة التكفير، ثم وجَّه الكاتب سهم التعريض بالشيخ ربيع حفظه الله تعالى مبكراً فقال: ((ولذلك فلما نظر البعضُ في هذه الأقوال المجموعة للشيخ ربيع بنفس العين التي نظر من خلالها لأقوال غيره من أهل العلم ممن حكم عليهم بأنهم "تكفيريون" ووزنها بنفس الميزان, وعاملها بنفس المعاملة لم يجد مهرباً من أن يصف الشيخ ربيع بأنه "تكفيري خارجي"، وإلا أوقع نفسه بالتناقض والازدواجية والكيل بمكيالين والوزن بميزانين))
قلتُ: لا أزيد على قول الله عزَّ وجل: ((وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)).
ثم ذكر أصلاً فقال: ((فمن قال بكل ما امتازت به الطائفة نسب إليها مطلقاً, ومَنْ خالفها في بعض خصائصها لم تصح نسبته إليها بإطلاق؛ بل يقال: هو منها فيما وافقها فيه مما اختصت به, وليس منها فيما خالفها فيه مما امتازت به عن غيرها))
قلتُ: كيف لا يُنسب المبتدع إلى إحدى الفرق حتى يوافقها في كل ما تمتاز به من خصائص؟! هذا أصل فاسد.
ألم يقل الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ((مَنْ قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي))، حتى ولم يوافق الجهمية في مسألة الصفات؛ بل ولا في مسألة أنَّ القرآن مخلوق؟!
وهذا الأصل الذي ذكره الكاتب سنبينه أكثر في التعليق على حلقته القادمة.
لكن أسأله: الإنسان الذي يوافق المبتدعة في بعض خصائصهم؛ هل يُبدَّع أم لا؟
بل الإنسان الذي يقول قولاً ما قاله السلف هل يُبدَّع أم لا؟!
ونترك الجواب لشيخ الإسلام [المجموع 12/ 238] حيث يقول: ((بل المنصوص عن الإمام أحمد وعامة أصحابه تبديع مَنْ قال: "لفظي بالقرآن غير مخلوق"، كما جهَّموا من قال: "اللفظ بالقرآن مخلوق"!، وقد صنَّف أبو بكر المروذي أخص أصحاب الإمام أحمد به في ذلك رسالة كبيرة مبسوطة، ونقلها عنه أبو بكر الخلال في كتاب السنة الذي جمع فيه كلام الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة في أبواب الاعتقاد، وكان بعض أهل الحديث إذ ذاك أطلق القول بأن لفظي بالقرآن غير مخلوق معارضة لمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فبلغ ذلك الإمام أحمد فأنكر ذلك إنكاراً شديداً، وبدَّع مَنْ قال ذلك، وأخبر أنَّ أحداً من العلماء لم يقل ذلك)).
ثم لو قبلنا جدلاً تفصيل الكاتب وقلنا في رجل تكفيري: هو سلفي لكنه وافق الخوارج في التكفير!، فما معنى بقاء سلفيته وخلافنا مع الخوارج إنما كان في مسألة التكفير!!
وأما قول الكاتب: ((ومن أبرز خصائص الطائفة التكفيرية: أنها تكفر المسلمين بما لا يوجب التكفير شرعاً. وأما تكفير من ثبت وقوعه في موجب التكفير فهو حق, ولا يحكم به على المعينين إلا بعد استكمال شروط التكفير وانتفاء موانعه؛ فمن خالف في مسألة اعتبار شروط التكفير في حق المعينين كان واقعاً في جنس ما وقع لطائفة من أصحاب الإمام أحمد في تكفيرهم الجهمية)).
ثم نقل كلاماً لشيخ الإسلام يُبين فيه أنَّ طائفة من أصحاب الإمام أحمد كانوا يُطلقون التكفير على المعيَّن من غير اعتبار لشروط التكفير، وأنهم لم يتدبروا أنَّ التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأنَّ تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين.
ثم قال: ((ومع اتفاق أصحاب أحمد على أنَّ مقالات الجهمية هي مما يوجب التكفير، إلا أنه لم يحكم من قال بتكفير الجهمية بأعيانهم على من لم يكفرهم بأنه مرجئي مثلاً أو أنه مميع. وبالمقابل لم يحكم من لم يكفر الجهمية بأعيانهم على من كفرهم بأنه تكفيري خارجي, وذلك لأنَّ كلا الفريقين لم يقل بما هو من خصائص أهل الضلال)).
قلتُ: بل مَنْ يكفِّر المسلمين من غير اعتبار لشروط التكفير وموانعه وقيام الحجة وعدمها فهو على غير سبيل الحق!، وهو من خصائص التكفيريين المعاصرين!!. والتوقف عن تكفير المعين لانتفاء شروط التكفير أو لوجود مانع من موانع التكفير أو لعدم قيام الحجة أصل من أصول السلفية، والمخالف فيه زائغ عن سبيلهم.
بل من أظهر العلامات التي يُميَّز بها السلفيون عن التكفيريين اليوم هو هذا الأصل المتقدِّم، فعجباً للكاتب كيف يهوِّن من مخالفته بمسلكه الذي اعتاده وهو تتبع الرخص!!.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [3/ 230-231]: ((وكنتُ أبين لهم: أنَّ ما نقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير مَنْ يقول كذا وكذا فهو أيضاً حق؛ لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين. وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار؛ وهي مسألة الوعيد، فإنَّ نصوص القرآن في الوعيد مطلقة كقوله: "إنَّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً" الآية، وكذلك سائر ما ورد من فعل كذا فله كذا فإنَّ هذه مطلقة عامة، وهى بمنزلة قول من قال من السلف من قال كذا فهو كذا.
ثم الشخص المعين يلتغى حكم الوعيد فيه بتوبة أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولة، والتكفير هو من الوعيد فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول؛ لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة؛ ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإنْ كان مخطئاً...))
فبيَّن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أنَّ التفريق في أحكام التكفير بين الإطلاق والتعيين من مسائل الأصول الكبار.
ثم أنَّ ما نقله الكاتب عن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى؛ بيَّنه نفسه بعد أسطر فقال: ((وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفِّروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون القرآن مخلوق وأنَّ الله لا يرى في الآخرة. وقد نُقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قوماً معينين؛ فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر!!. أو يحمل الأمر على التفصيل فيقال: مَنْ كفَّر بعينه فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه، ومَنْ لم يكفره بعينه فلانتفاء ذلك في حقه؛ هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم، والدليل على هذا الأصل الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار...))، وقد نقل الكاتب هذا الكلام بطوله في ثالث تقريراته مع أنَّ محله في التقرير الأول!!.
قلتُ: فشيخ الإسلام رحمه الله تعالى جعل "اعتبار الشروط والموانع" أصل ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، وأنَّ ما قاله بعض أصحاب أحمد عنه فيه نظر، لكنَّ الكاتب تلقط هذه المقولة منهم ولم يُكمل كلام شيخ الإسلام ليعرف حقيقة الأمر، وجعل الخلاف في اعتبار الشروط والموانع سائغاً!!، وبهذا وقع بما قاله في أحد مقالاته عن شيخ الإسلام أنه قال [مجموع الفتاوى 31\114]: ((هذا منشؤه من عدم التمييز بين الكلام المتصل والكلام المنفصل!؛ ومَنْ علم أنَّ المتكلم لا يجوز اعتبار أول كلامه حتى يسكت سكوتاً قاطعاً، وأنَّ الكاتب لا يجوز اعتبار كتابه حتى يفرغ فراغاً قاطعاً: زالت عنه شبهة في هذا الباب، وعلم صحة ما تقوله العلماء في دلالات الخطاب)).
وأما قول الكاتب: ((مع التنبيه: إلى أنَّ كثرة الأخطاء في الجزئيات الفرعية في باب "الحكم على المعينين" بدعوى الاجتهاد السائغ قد تؤول أو تدل عل وجود انحراف في أصل هذا الموضوع لدى الحاكم سواء في باب التكفير أو التفيسق أو التبديع)).
ثم ذكر كلام الشاطبي الذي يؤكِّد كلامه ثم قال: ((فكثرة إطلاق مثل هذه الأحكام الخاطئة في التكفير والتفسيق والتبديع؛ بدعوى الاجتهاد السائغ، قد تدل مجموعها على وجود انحراف في الأصول؛ فليتنبه)).
قلتُ: كثرة الغلط في الجزئيات الفرعية واحدة من القواعد العظيمة التي أصَّلها الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في معرفة الانحراف عن سبيل أهل الحق؛ وذكر أنها تجري مجرى المخالفة في أصل كلي من أصول أهل الحق، والجزئيات الفرعية مطلقة في كلامه رحمه الله تعالى؛ ولكنَّ الكاتب قيدها في باب "الحكم على المعينين"!!، وسيأتي مثل هذا مكرراً في حلقته القادمة.
ثم بعدما ذكر الكاتب تقريراته الخمسة، جاء ليبين للناس أنَّ الشيخ ربيع حفظه الله تعالى وقع بما ينكره على مخالفيه ويصفهم بسببه بـ"التكفيرية" وهو التلفظ ببعض العبارات التي فهم منها البعض أنها موافقة لمنهج التكفير، وأنا عندما قرأتُ ما نقله الكاتب عن منتقدي الشيخ حفظه الله تعالى تعجبتُ من جهالتهم، كيف أنهم يُحاولون بما أوتوا من جهد أن يلتقطوا للشيخ لفظة ولو بعيدة المعنى في تكفير المعين ليقولوا: الشيخ ربيع تكفيري، أو ليبرروا ما صدر منهم ومن شيوخهم من ألفاظ وقواعد صريحة على نهج التكفيريين!!، فلم يجدوا إلا كلمات حمَّلوها ما لم تحتمل، ثم قالوا: الشيخ ربيع تكفيري!!!.
ثم تعجبتُ أكثر من الكاتب؛ كيف ينقل مثل هذا، ويبني عليه مقارنة بين براءة الشيخ ربيع من التكفير، وبراءة مَنْ وقع في التكفير بالقول الصريح؟! حتى قال في آخر مقاله: ((والذين لا يتعاملون مع مخالفيهم من أهل السنة من منطلق الرحمة بالتماس الأعذار، ويتسرعون في إطلاق الأحكام, فإنه يلزمون عقلاً بأن يعاملوا الشيخ ربيع حفظه الله بسبب هذه الإطلاقات وأضعافها معاملة من حكموا عليهم بأنهم تكفيريون خوارج, وهم قد قالوا من العبارات ما هو أخف من هذه الإطلاقات بأشواط!!.
ولو أننا نظرنا إلى طروحات الشيخ ربيع وأقواله السابقة وغيرها من منظار أهل السنة والجماعة المتقدم بيانه في أول المقالة, لأُلزِمنا بمعاملة الشيخ ربيع بالعلم والعدل, ولبرأناه من تهمة التكفير والخارجية, كما برأنا غيره من أئمة الدعوة السلفية من المتقدمين والمعاصرين والذين وقعوا في جنس ما وقع فيه الشيخ ربيع من الإطلاقات)).
فتذكرتُ مرة أخرى قوله تعالى: ((وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ))، والقراء لهم عقول ولله الحمد يميزون بها بين الإطلاقات الباطلة لبعض مَنْ ينتسب للسلفية، وبين ألفاظ الشيخ ربيع البعيدة كل البعد عن التكفير.
أما عدم اعتراض الشيخ ربيع حفظه الله تعالى أو إقراره -كما نقل الكاتب- على كلام سلمان العودة في شريطه "جلسة على الرصيف" وتكفيره للمجاهر بالمعصية والمتفاخر بها، فقد كذَّب الشيخ ربيع خبر الإقرار!، وأما خبر عدم الاعتراض فهو ليس على سبيل الدفاع عن سلمان، وإنما على سبيل الاحتياط أن ينسب سلمان إلى منهج التكفير بمثل هذه الكلمات؛ وقد قال الشيخ في كتابه [إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشميل ص35]: ((قال في كتابه "القول الجلي ص10": "3- شهد عليه: علي الشريف، وأحمد الجهني، وعبد اللطيف، وخالد بن حمزة، وغيرهم؛ بأنّه لمّا سمع كلام سلمان في (جلسة على الرصيف) في تكفير المجاهر بالمعصية، فأقرّ الشيخ ربيع كلام سلمان" أقول: كذب، فإنّي -والحمد لله- لا أقرّ سلمان ولا غيره على التكفير، بل أنا من أشدّ المقاومين للتّكفير سواء كان من سلمان أو غيره, ولكنّني قلت للحدّاديّة: أنا لا يظهر لي أنّ في كلام سلمان هذا تكفيرًا، وهذا احتياطٌ مِنِّي من ظلم سلمان))، ثم قوله: ((لا يظهر لي أنّ في كلام سلمان هذا تكفيرًا)) فهو لم يجزم!، ولغيره أن يجزم أنَّ كلمات سلمان هذه فيها التكفير بالمعاصي.
والغريب أنَّ الكاتب قال بعده معترضاً على توقف الشيخ ربيع احتياطاً: ((قلت: مع أنَّ سلمان العودة قد صرح بردة المجاهر بهذه المعصية؛ فإنْ لم يكن هذا تكفيراً للمصر على المعصية فلا أعرف ما هو؟! لكن يبدو أنَّ الشيخ ربيع قد وقف في كلام سلمان على ما لم يظهر لنا من قرائن تدفع إرادة سلمان لتكفير المصر على المعصية؛ والله أعلم)).
ووجه الغرابة: أنه لا فرق بين كلام سلمان وبين كلام الحويني الذي كفَّر فيه المصر على المعصية!، لكن الكاتب قَبِلَ الأول وجعله تكفيراً صريحاً!، ورفض الثانية وجعله تهمة باطلة سببها سوء الفهم!!، ودافع عن الحويني وعن كلمته في مقال كامل!.
وللنقل للقراء كلام سلمان العودة ثم نثني بكلمة الحويني ونترك القرار لهم ليحكموا:
كلمة سلمان العودة: 
((وبعضهم يتعدى به المجاهرة إلى أن يسجل المعصية على شريط، ربما سجل بعضهم كما فعل بعض المغنيين ولا كرامة لهم لأنهم مرتدون بفعلهم هذا!، أن يسجل أغنية كيف أنه غرر بفتاة وجرها إلى المنزل وارتكب معها الفاحشة ويذكر كيف وكيف وكيف، ويذكر تفاصيل كثيرة، ويجعل هذا في شريط يسمع عند بعض السفهاء وبعض الفسَّاق وهذه ردة عن الإسلام!، وهذا مخلد والعياذ بالله في نار جهنم إلا أن يتوب، لماذا؟ لأنه لا يؤمن بقول الله عز وجل: "وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّه كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً"؛ بالله عليكم! الذي يَعرف أنّ الزنى حرام وفاحشة ويُسخط الله، هل يفتخر أمام الناس؟! أمام الملايين أو فئات الألوف من الناس؟! ... لا يَفعل هذا مؤمن أبداً))
وأما كلمة الحويني:
((أما الرجل المصر على المعصية وهو يعلم أنها معصية: فهذا مستحل؛ وهذا كفره ظاهر!, كأن يقول: الربا أنا أعلم أنه حرام، لكنني سأفعله، هذا مستحل، واضح الاستحلال فيه, فلا شك في كفر مثل هذا!!))
قال الكاتب في دفاعه: ((إنَّ الخلاف هو: هل أنَّ الإصرار على المعصية هو علامة على الاستحلال الموجب للتكفير أو لا؟ وهذا الخلاف اجتهادي محض متعلق بتحقيق المناط, ولا تعلق له بأصول الخوارج لا من قريب ولا من بعيد!!، والراجح: أنَّ الإصرار لا يعتبر قرينة على الاستحلال))
أقول: إذا كان الإصرار على المعصية يدل على الاستحلال -وبالتالي على الكفر- أو لا يدل؛ وهو محل خلاف وموضع اجتهاد؟ فلماذا الإنكار على سلمان العودة؟! وبالتالي لماذا الإنكار على الشيخ ربيع أصلاً؟!!
وأما استدلالك في مقالك الذي دافعت فيه عن الحويني: أنَّ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى وقع له مثل تلك الألفاظ، كقوله في شرح رياض الصالحين: ((وأما الإنسان الذي يخبر عن نفسه أنه زنى يخبر بذلك عامة الناس فهذا فاضح نفسه، وهو من غير المعافين لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين قالوا من المجاهرون؟ قال: الذي يفعل الذنب ثم يستره الله عليه ثم يصبح يتحدث به". هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن يتحدث بالزنا افتخاراً -والعياذ بالله- يقول: إنه سافر إلى البلد الفلاني وإلى البلد الفلاني وفجر وفعل وزنى بعدة نساء وما أشبه ذلك، يفتخر بهذا، هذا يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأنَّ الذي يفتخر بالزنا مقتضى حاله أنه استحل الزنا والعياذ بالله، ومن استحل الزنا فهو كافر. ويوجد بعض الناس الفسقة يفعل ذلك؛ الذين أصيب المسلمون بالمصائب من أجلهم ومن أجل أفعالهم. يوجد من يتبجح بهذا الأمر إذا سافر إلى بلد معروف بالفسق والمجون مثل بانكوك وغيرها من البلاد الخبيثة التي كلها زنى ولواط وخمر وغير ذلك رجع إلى أصحابه يتبجح بما فعل، هذا كما قلت يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأنَّ من استحل الزنا أو غيره من المحرمات الظاهرة المجمع عليها فإنه يكفر)).
أقول: وهذا جرياً من الكاتب عفا الله عنه وراء تتبع رخص العلماء، والفرق بينهما ظاهر: وهو أنَّ الشيخ العثيمين يرى أنَّ مقتضى حال الذي يتفاخر بالزنا أنه مستحل له، لكنه لم يحكم بكفره حتى يُستتاب ويتحقق حينها من اعتقاده، لأنَّ مقتضى الحال لا يلزم منه التكفير مطلقاً، فقد يحتمل الاستحلال وقد لا يحتمل، والتكفير لا يكون بالمحتمل.
وقول الشيخ العثيمين هذا يُذكرنا بقوله في الذي يحكم بالقوانين الوضعية، حين علَّق على كلام الشيخ الألباني في كتاب [التحذير من فتنة التكفير] فقال: ((كلام الشيخ الألباني هذا جيد جداً؛ لكنّا نخالفه في مسألة أنه لا يحكم بكفرهم إلا إذا اعتقدوا حلّ ذلك!، هذه المسألة تحتاج إلى نظر؛ لأننا نقول: مَنْ حكم بحكم الله وهو يعتقد أنَّ حكم غير الله أولى فهو كافر –وإنْ حكم بحكم الله- وكفْرُه كفْرُ عقيدة، لكنَّ كلامنا عن العمل. وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه في عباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من قانون الشرع فهو كافرٌ، هذا هو الظاهر وإلا من الذي حمله على ذلك؟! قد يكون الذي حمله على ذلك خوفاً من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يُطبق فيكون هنا مداهناً لهم فيحنئذ نقول: هذا كالمداهن في بقية المعاصي)) فما الفرق بينهما؛ وكلاهما يحتمل؟!
ورحم الله تعالى الشيخ الألباني حين قال في شريط "الكفر كفران" في مسألة كفر مَنْ يحكم بالقوانين الوضعية: ((هذا الذي اتخذ نظاماً قد يكون سبب قول القائلين: أنَّ هذا كفر ردة، هو أنهم اتخذوا نظامه دليلاً على ما وقر في نفسه بأنَّ الحكم في الإسلام لا يصلح، أنا أقول: إنْ صح حكمهم أو استنباطهم فيكون هذا حكماً صحيحاً مطابقاً للكفر الاعتقادي، إذاً مناط الحكم والبحث والتفريق بين كفر وكفر وهو: أن ننظر إلى القلب؛ فإنْ كان القلب مؤمناً والعمل كافراً: فهنا يتغلب الحكم المستقر في القلب على الحكم المستقر في العمل، أما إذا كان ما في القلب مطابق للعمل؛ أي هو لا يقر هذا الحكم الذي جاء به الشرع: إما إعراباً وإفصاحاً بلسانه، أو تعبيراً بلسان حاله - يعني التعبير قد يكون بلسان القال أو بلسان الحال -  إذا كان تعبيره عن كفره القلبي بلسان القال: انتهى الموضوع، أما إذا كان بلسان الحال؛ هنا لسان الحال قد يقبل الجدال)).
وقال في [التحذير من فتنة التكفير]: ((فكل المعاصي - وبخاصة ما فشا في هذا الزمان من استحلال عملي للربا والزنى وشرب الخمر وغيرها - هي من الكفر العملي؛ فلا يجوز أن نكفِّر العصاة المتلبسين بشيء من المعاصي لمجرد ارتكابهم لها واستحلالهم إياها عملياً؛ إلا إذا ظهر يقيناً لنا منهم يقيناً ما يكشف لنا عما في قرارة نفوسهم أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله اعتقاداً، فإذا عرفنا أنهم وقعوا في هذه المخالفة القلبية حكمنا حينئذ بأنهم كفروا كفر ردة، أما إذا لم نعلم ذلك فلا سبيل لنا إلى الحكم بكفرهم؛ لأننا نخشى أن نقع تحت وعيد قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما"))
وقال في جلسته مع خالد العنبري: ((نحن لا نختلف في هذا بارك الله فيك؛ هناك أعمالٌ تنبئ عما في القلب، هناك أعمال تصدر من الإنسان تنبئ عما في القلب من الكفر والطغيان؛ من ذلك: الاستهزاء)).
من أقوال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى هذه يتبين لنا أنَّ مقتضى الحال ليس على مستوى واحد، بل هو يحتمل الجدال، ومعلوم أنَّ مَنْ ثبت إسلامه بيقين فلا يزول عنه بالشك، فإذا ظهر من حاله ما يدل يقيناً على استحلال قلبه للمعصية فهذا يكفر، وإلا فإنَّ الاستتابة ستظهر حقيقة الأمر.
فكيف يُقارن كلام الشيخ العثيمين مع الحويني؟!
ثم لو فرضنا صحة المقارنة؛ فنقول: هذه زلة ولا ينبغي أن نتبع فيها الشيخ رحمه الله تعالى فضلاً أن نحتجَّ بها!!، وكلام أهل العلم يُحتج له لا يحتج به؛ أليس كذلك؟!
والفرق بين العثيمين والحويني واضح؛ أنَّ العثيمين رحمه الله تعالى لم يُعرف أنَّ أحداً ناقشه أو راجعه في ذلك ليبين مراده، أما الحويني فهو مصرٌّ على صحة قوله بعد الاعتراض عليه، فقد قال في بيانه المطوَّل لتوضيح الكلمة التي صدرت منه آنفاً كما نقلتَه أنت: ((يعني: واحد واضع أمواله في البنوك، فيقال له: هذا ربا، فيقول: الله يتوب عليه أعمل إيه، لا أجد مَنْ يشغل لي أموالي، الأمانة راحت، وضعنا أموالنا في الشركة الفلانية سرقوها، وضعناها في الشركة العلانية سرقوها، أنا ماذا أفعل؟ ربنا يتوب عليَّ؛ هذا لا يكفر، وإنْ كان مرتكباً لهذه الكبيرة الموبقة؛ وهو وضع الأموال في البنوك. أنسوي بين هذا الذي قال هذا الكلام وبين مَنْ يقول: إنَّ الله حرم الربا ولكني آكله؟! مَنْ الذي يسوي بين هذا في العالمين؟! لا يشك أحد في كفر هذا الجنس على الإطلاق))
وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع 6/ 71]: ((إذا رأيتَ المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتُفرت لعدم بلوغ الحجة له، فلا يُغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول؛ فلهذا يُبدَّع مَنْ بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك، ولا تبدَّع عائشة ونحوها ممن لم يعرف بأنَّ الموتى يسمعون في قبورهم؛ فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع))
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى [رفع الأستار ص47]: ((الخلاف المذموم إنما يكون من المصرين عليه بعدما تبين لهم الحق كما في قوله تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً")).
وأقول للحويني: لا تتعجَّل ولا تتعجَّب، فالذي يسوي بينهما هو المدافع عنك!، حيث جعل هذا من قبيل الخلاف الاجتهادي المحض، ورجَّح عدم التكفير.
وأخيراً أقول: قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [الصارم المسلول 1/ 516]: ((التكفير لا يكون بأمر محتمل، فإذا كان قد قال: "أنا أعتقد أنَّ ذلك ذنب ومعصية وأنا أفعله" فكيف يكفَّر إنْ لم يكن ذلك كفراً؟!))، فهل أكل الربا كفر؟!
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في لقاء الباب المفتوح (50)، السؤال الآتي/ 6: فضيلة الشيخ؛ ما هو ضابط الاستحلال الذي يكفر به العبد؟
فكان جوابه: ((الاستحلال: هو أن يعتقد حِلَّ ما حرمه الله. وأما الاستحلال الفعلي فينظر: إنْ كان هذا الاستحلال مما يكفِّر فهو كافر مرتد، فمثلاً: لو أنَّ الإنسان تعامل بالربا ولا يعتقد أنه حلال لكنه يصر عليه: فإنه لا يكفر؛ لأنه لا يستحله، ولكن لو قال: إنَّ الربا حلال؛ ويعني بذلك الربا الذي حرمه الله فإنه يكفر؛ لأنه مكذب لله ورسوله.
الاستحلال إذاً: استحلال فعلي واستحلال عقدي بقلبه. فالاستحلال الفعلي: ينظر فيه للفعل نفسه، هل يكفِّر أم لا؟
ومعلوم أنَّ أكل الربا لا يكفر به الإنسان، لكنه من كبائر الذنوب، أما لو سجد لصنم فهذا يكفر.. لماذا؟ لأنَّ الفعل يكفِّر؛ هذا هو الضابط.
ولكن لابد من شرط آخر وهو: ألا يكون هذا المستحل معذوراً بجهله، فإنْ كان معذوراً بجهله فإنه لا يكفَّر، مثل أن يكون إنسان حديث عهد بالإسلام لا يدري أنَّ الخمر حرام، فإنَّ هذا وإنْ استحله فإنه لا يكفَّر، حتى يعلم أنه حرام؛ فإذا أصر بعد تعليمه صار كافراً)).


يتبعه الحلقـــ (12) ــة

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.