-->

الثلاثاء، 12 فبراير 2013

التعقبات الفرائد على تعليقات عماد طارق على جواب الشيخ صالح اللحيدان الموسومة بـ(الفوائد)


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
قرأتُ مؤخراً مقالاً لعماد طارق العراقي المكنى بأبي العباس في المنتديات التي فتحت ذراعيها لـ(كل) المميعين بعنوان [الفوائد من نصيحة الشيخ اللحيدان للمختلفين في تبديع مَنْ لم يُبدِّع مَنْ بدَّعه الشيخ ربيع!]، فلم أتعجب كما تعجب هو!.
لأننا اعتدنا على طريقة هؤلاء المميعين، كلما صدر جواب أو نصيحة أو نزلت فتوى أو رسالة لأحد أهل العلم في التحذير من التبديع والتجريح والتحذير والهجر والاختلاف بغير حق، قالوا: هذه ضربة لإخواننا غلاة التبديع؛ ويقصدون بهذا الوصف: السلفيين الذين يُبدِّعون مَنْ يستحق التبديع بالأدلة الصريحة والبراهين القاطعة بعد طول النصح والصبر!!!.
كما فعلوا ذلك مع رسالة الشيخ العباد ونصيحة الشيخ السحيمي حفظهما الله تعالى وغيرهم، وذلك سعياً منهم لغلق باب التجريح، ليرفعوا بدلاً عنه شعار أو لواء: (نصحح ولا نجرح) أو (نصحح ولا نهدم) أو (لواء التصحيح... [لا] لواء التجريح) أو كما قال عماد طارق في إحدى حلقات سلسلته: (من الطريقة القرآنية: بيان الأخطاء دون التعرض للذوات والأعيان)!!.
ولو نظر المنصف إلى حال هؤلاء المميعين في منتدياتهم وكتاباتهم ومجالسهم الخاصة والعامة لوجد منهم تجريحاً للسلفيين بغير حق ولا أدلة ولا برهان، بل تجريحهم قائم على التلبيس والتحريف والبهتان.
فأي الفريقين أحق بهذه النصائح والرسائل التي تصدر في التحذير من التجريح؟!

لكن من مكر هؤلاء:
أنهم يجرِّحون السلفيين وعلماءهم بشتى الأوصاف المنفِّرة، ويُحذِّرون من منهجهم، ويذكرون فيهم أشياء عديدة يعدونها من المخالفات لمنهج السلف زوراً وتلبيساً، ثم كل ذلك لا يستوجب عندهم التبديع ولا الإخراج من أهل السنة والجماعة!.
فهم يُجرِّحون ويُحذِّرون ويهجرون ويتكلِّمون فيما يسمونه مخالفات منهجية في عدة مجالس وكتابات، ثم لا يبدِّعون!!!.
ثم يقولون: نصائح ورسائل العلماء السابقة تحذِّر من التبديع المنفلت أو من الغلو في التبديع، ونحن لا نبدِّعكم، وأنتم تبدِّعوننا، فأنتم أحق بكلام العلماء منا!!!، هكذا.
أقول:
وهذا من مكرهم!
أو:
هذا مبنيٌ على منهجهم المميع الذي لا يعد الانحرافات المنهجية ولو كثرت سبباً للإخراج من السلفية والتبديع!
لكن يبقى عليهم أن يُعاملننا كما يعاملون غيرنا:
يصححون ولا يُجرِّحون!
وإلا تناقضوا، وكانوا أولى الناس بالدخول في نصائح ورسائل العلماء التي تحذِّر من التجريح والتحذير والهجر.
لماذا؟
لأنهم يجرحون ويحذِّرون ويهجرون مَنْ يعدونهم من أهل السنة، بل من علماء السلفيين كالشيخ ربيع حفظه الله تعالى، بينما يكتفون بالتصحيح وبيان الأخطاء في حق مَنْ يعترفون ويقرون بأنَّ عندهم مخالفات وأخطاء، وليسوا من العلماء!!.
أقول:
وأما السلفيون الذين يقيمون باب التجريح والتبديع والتحذير والهجر في مَنْ يستحقه من أهل الانحراف والزيغ بالأدلة والبراهين، وبعد طول مناصحة وصبر عليهم، فهؤلاء لا يدخلون في نصائح ورسائل العلماء آنفة الذكر.
وإلا:
فهؤلاء العلماء الذين ينصحون بترك التبديع والتجريح والهجر؛ هم أنفسهم جرَّحوا وبدَّعوا وحذَّروا من أناس محسوبين على السلفيين!، بل من أناس هم عند المميعين من أهل السنة!، كما جرَّح الشيخ العباد حفظه الله تعالى عدنان عرور وحذَّر منه، وبدَّع الشيخ السحيمي حفظه الله تعالى أبا الحسن المأربي.
فإما أن تقولوا: إنَّ هؤلاء العلماء والمشايخ متناقضون!
أو تقولوا كما نقول: إنما أرادوا بتلك النصائح والرسائل ترك التبديع والتجريح والتحذير والهجر بغير حق.
وهذا الأخير هو الحق الذي لا مناص منه.

وقبل البدء بالتعليق على فوائد عماد طارق على جواب الشيخ صالح اللحيدان:
أحب أن أذكر الفتوى كاملة لأني أرى أنها تستحق النشر عند أهل العراق خاصة، وخاصة بعد أن أشاع بعض الشباب السذج من أنصار أبي المنار تسجيلاً للشيخ صالح اللحيدان حفظه الله تعالى، لا نعرف مدى صحته!، يذكر فيه أنه لا يعرف الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى، جواباً على سؤال سائل من أهل العراق أيضاً!!، وقاموا بنشر هذا التسجيل في عدة مناطق من هذا البلد بين الشباب والعوام عبر أجهزة النقَّال سريعة النشر!، والله المستعان.

السؤال والجواب:
س/ عندنا بعض الأخوة؛ بعض الطلبة في العراق؛ بدؤوا يُبدِّعون بعضهم بعضاً.
فقال المقدِّم: الله المستعان!.
فأكمل السائل كلامه: بسبب بعض الفتاوى لشيخنا العلامة الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله لبعض طلبة العلم؛ فأخذ الشباب هذه الفتاوى, وبدؤوا يُبدِّع بعضهم بعضاً, والفتنة قائمة الآن في العراق، وأنهم تفرقوا فيما بينهم.
فماذا تنصح هؤلاء الشباب الذين بدؤوا يُبدِّعون بعض الطلبة السلفيين, وبعض الطلبة من أهل السنة والجماعة؟
وجزاكم الله خيراً.
 المقدم: الآن تقصد أنَّ طلبة العلم الذين في العراق يُبدّعون أصحابهم، وإلَّا يبدعون العلماء الذين خارج العراق؟
السائل: لا، يبدع بعضهم، مَنْ لم يبدع هذا الشخص الذي بدعه الشيخ ربيع فانه يُبدِّعُه؟
المقدِّم: أعوذ بالله!، طيب، أبشر.
ثم وجَّه المقدِّم الكلام للشيخ اللحيدان: سألك أبو عائشة من العراق؛ هذه إشكالية دائماً، يقولون دائماً؛ هذا الطرح الذي يطرح شيخ صالح، ويستندون على كبار العلماء في السعودية, بالذات أنتم دائماً يطرح اسمكم في هذا الموضوع: ما يسمى اليوم بالتحزبات وتبديع الناس وغير ذلك!، انتقلت هذه، كانت عندنا فترة ولا زال أثرها!، انتقلت إلى الجزائر، وانتقلت إلى العراق، يُبدِّعون بعضهم، يستندون إلى البعض، أحياناً يرضون بكم شيخ صالح، انتم دائماً يذكرون اسمكم وبعض المشايخ الكبار في هيئة كبار العلماء, ما الذي تقولونه في مثل هذا الأمر؟

فكان جواب الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله تعالى:
((أول شيء نصيحتي لمن في العراق أن يَطَّرِحوا هذه الخلافات، هم في أمر عظيم, وكرب كبير, وتلون؛ ما كان مألوفاً ولا معروفاً في العراق إلا في شلايا بسيطة، ينبغي تركها.
الأمر الآخر؛ الشيخ ربيع هادي مدخلي من أهل العلم, ونِعْمَ الرجل، صاحب عقيدة سلفية صحيحة.
وفيما يتعلق بالتبديع؛ الإنسان قد يرى شخصاً مبتدعاً لكنها ليست بدعة تخرجه من الملة، وينتقد بعض الدعاة، ويرى أنهم على خطأ.
مما لا شك فيه؛ أنَّ مقياس الصواب والخطأ: ما يعرض على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
 هؤلاء الذين يُبَدَّعُون قد لا يكونون مبتدِعة، لكن قد يكونون متساهلين؛ وبعض الناس في هذا الزمن صار ينظر في المسائل الخلافية، وينظر أسهل شيء يتقبله السائل أو المجتمع الذي يعيش فيه فيعرضه!.
والواجب: أن يكون الطرح والعرض وفق نواميس الشريعة ومصابيح الهدى؛ آيات القران الكريم, وأحاديث رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
ثم إذا أشكل على أحدٍ من أمر فليعرض هذا الاسم على الآخرين, يقول: (فلان) يقول عن (فلان) كذا وكذا.
ربما لو عرضوا هذا الأمر على الشيخ ربيع تبيّن لهم أنه لا يقصد هذا المسلك الخطير والمنهج المنفر!, وإنما قصد: أنَّ هؤلاء المتساهلين والمنظِّرين والذين يقولون: نسهِّل جمع المسيرة!, ويعمل كل منا بما يعتقد!, ونتسامح عما يعتقده الآخرون!، لا، ليس الأمر كذلك أيضاً، يجب أن يكون الحق هو المهيمن على مشارب الناس ومسالكهم، والله المستعان)).

قلتُ:
ولا يخفى على البصير طريقة السائل والمقدِّم في صياغة السؤال وتهويل الواقع على خلاف ما هو عليه!، محاولة منهم لاستحصال كلام في النيل من الشيخ ربيع حفظه الله تعالى، وطعن العلماء بعضهم في بعض، وضرب المنهج السلفي القائم على التبديع بحق والتحذير من أهل الأهواء بالأدلة والبراهين، ولا نريد أن نقف مع السائل الملبِّس ولا مع المقدِّم الذي اعتدنا منه التعريض بالعلماء السلفيين ومناصرة المنهج القطبي والحزبي والحماسي أكثر من هذا التنبيه؛ الذي لا يخفى على النبيه!.

وأقول:
وما دام أنَّ عماد طارق قدَّم مقدمة قبل الدخول في الفوائد، فلنقف معه وقفة:
قام عماد طارق بتلخيص سؤال السائل فقال: ((وكان السؤال بخصوص شيوع فتنة الغلو في التبديع والتجريح في العراق الجريح)).
أقول: مسألة "التبديع والتجريح" ليست خاصة في أهل العراق يا هذا لو كنتَ منصفاً!، بل في عموم المسلمين، منهم مَنْ يبدِّع ويجرِّح بالحق، ومنهم مَنْ يبدِّع ويجرِّح بالباطل، وهذه المسألة لم تكن وليدة الساعة أو العصر!، بل هي موجودة حتى في القرون الثلاثة المفضلة.
فلا أدري لماذا حصر هذه الفتنة في أهل العراق فقط؟!
هل لأنَّ السائل من أهل العراق وذكر ما يراه فقط؟!
فمعلوم أنَّ رؤية السائل للواقع ليست معياراً، وهي رؤية ضيقة!.
ولهذا لم يحصر المقدِّم هذه الفتنة في أهل العراق!، بل قال: ((ما يسمى اليوم بالتحزبات وتبديع الناس وغير ذلك!، انتقلت هذه، كانت عندنا فترة ولا زال أثرها، انتقلت إلى الجزائر، وانتقلت إلى العراق، يبدعون بعضهم)).

والسؤال الذي يطرح نفسه: مَنْ الذي نقلها إلى العراق؟!
أقول بصراحة:
لا أعرف أحداً من أهل العراق كتب في هذه الفتنة ونشر كتاباته قبل عماد طارق!!!، وهذا أمر لا ينكره إلا جاهل فيما يحصل في مواقع الانترنت من بلايا ورزايا.
ولو أنَّه كتب بإنصاف وتقدير وعلم لهان الخطب، ولكنه متحامل جداً في كتاباته على الشيخ ربيع حفظه الله تعالى، وكان حريصاً في بيان أنَّ الخلاف بين الحلبي والمأربي وغيرهما وأنصارهم وبين الشيخ ربيع حفظه الله تعالى خلاف بين منهجين، وذلك في سلسلة من الحلقات له بعنوان [بين منهجين]، وله عدة طعونات في الشيخ ربيع حفظه الله تعالى، حتى اضطر أصحابه القائمون على الإشراف في منتديات كل السلفيين أن يحذفوا له مقاله الذي اشتمل على قائمته المشهورة، والتي هي سيئة الصيت حتى عند أصحابه!.
وقد بينتُ – ولله الحمد وحده - حال هذا الرجل ومنهجه وتناقضاته ومغالطاته وطعوناته في ثلاث مقالات:
الأول: [تبصير كل ذي عينين بحقيقة المنهج المنشود في سلسلة حلقات بين منهجين]
والثاني: [تبيين الحقائق في التعليق على نقض وتتمة الكاتب أبي العباس عماد طارق]
والثالث: [إسعاف الغارق في بيان تجاوزات عماد طارق]

والآن؛ عماد طارق يظهر بمظهر المتباكي على ما يجري في العراق الجريح!، ولعلَّ تلك الدموع من [دموع التماسيح] التي يعرفها هو جيداً!.
سبحان الله؛ عماد طارق يتباكى على حال أهل العراق وما يجري بين السلفيين من اختلاف!، الله المستعان.

ثم مَنْ الذي دعا مجموعة من الشباب من أهل العراق للحضور إلى دورة في مركز الإمام الألباني رحمه الله تعالى ليدخلوهم في هذا الفتنة ويعلموهم القواعد الباطلة بذريعة دورة علمية مكثفة؟!!
مَنْ؟
ومَنْ كان الوسيط بين أولئك القائمين على الدورة وبين الشباب في العراق؟!
أجب إنْ كان لك لسان يصدق ويقول الحق!

وأقول:
ولماذا يضخِّم البعض ما يحصل في العراق بخصوص هذه الفتنة؟!
نحن نعلم أنَّ هذه الفتنة لم تدخل إلى العراق إلا من طريق مدينة العَلَم في محافظة صلاح الدين وبعض أقضية محافظة الموصل.
أما ما يخص الموصل؛ فالفضل الأول مع الأسف يعود إلى عماد طارق وأنصاره، لأنها منطقته!، وفيها طلابه!، وقد أنشأ فيها مكتبة لنشر الكتب، وهو الآن يقوم بنشر الكتب التي تنصر منهج التمييع مجاناً وبأعداد ضخمة!!، وبخاصة كتابه [الإبانة] مع شريكه في التأليف ياسين نزال!.
وأما ما يخص مدينة العلم في صلاح الدين؛ فالخلاف واقع بين أبي المنار وبين أخينا الشيخ المفضال أبي عبدالحق وفقه الله تعالى قبل هذه الفتنة بمدة طويلة!!، والكل يعرف أسباب الخلاف، وأهل مكة أدرى بشعابها!، لكن لما جاءت فتنة الحلبي زادت الخلاف سعة والفتنة ضراوة، ومع هذا فليس بينهما إلا كيلو متراً أو قريباً من ذلك على ما أذكر من زيارتي هناك، ولا اقتتال بينهم كما يصوِّره البعض، بل بينهما مفاصلة تامة، ولكل منهما طلاب ودورة وأنصار ومسجد خاص بهم.
وأما باقي محافظات ومدن العراق؛ فليس للحلبي أنصار في فتنته إلا أفراد هنا أو هناك لا زالوا يحسنون الظن به، ولا زالوا يظهرون الإجلال للشيخ ربيع حفظه الله تعالى، ويعلنون أنَّ الحلبي طالب علم، وأما الشيخ ربيع فعالم راسخ من علماء السلفيين، وليس لهم علم بما عليه الحلبي من أصول ومخالفات جديدة فضلاً أن يكون لهم نقاش علمي مع المخالفين لهم!، بل إذا أطلعناهم على مخالفاته أقروا أنها أخطاء، وإنما يُنازعون في تبديعه أو التحذير منه!، أو يجعلون الخلاف شخصياً!، أو الخلاف بين الحلبي وبين بطانة الشيخ ربيع لا مع الشيخ نفسه زعموا!، أو يزعمون أنَّ هذه من الفتن التي لا يجوز الخوض فيها!.
ولا يظن الظآنُّ أنَّ السلفيين في العراق لا هم لهم ولا شغل يشغلهم إلا الحلبي وفتنته وأنصاره، كلا، بل شأن هؤلاء في نظر السلفيين شأن غيرهم من الإخوان المسلمين ودعاة التكفير ودعاة السياسة.
السلفيون يردون على هؤلاء وهؤلاء، ويحذِّرون من منهج هؤلاء وهؤلاء، بل السلفيون يردون على دعاة الحدادية الجدد ويحذِّرون منهم كما يردون على دعاة التمييع المعاصر ويُحذِّرون منهم.
وأما الرافضة وعقائدهم الباطلة وأفعالهم الإجرامية وكذلك الصوفية وخزعبلاتهم وضلالاتهم فحالهم واضح في نظر كثير من عوام الناس، وقد انحسر الخوف على أهل السنة من هذه الجهة كثيراً، وإنما الخوف على أهل السنة من مشايخ القنوات الفضائية وبالأخص محمد حسان والحويني وعدنان عرور ومحمد حسين يعقوب ومحمد العريفي وأمثالهم.
فكثير من الناس - ولله الحمد - عرفوا أنَّ المنهج السلفي هو المنهج الحق وهو منهج الرحمة والعلم والعدل والحكمة، ظهر لهم ذلك بجلاء في أوقات الفتن والأزمات، لكنهم مساكين قد يغترون بكل مَنْ رفع اسم السلفية شعاراً له ولقناته ولجماعته وإنْ كان من المنتحلين المبطلين!، لهذا كان الواجب  - بعد دعوتهم للتوحيد والسنة وتعليمهم دينهم الحق - بيان حال هؤلاء المنحرفين وكشف أباطيلهم بالحجة والبرهان وبالحلم والتأني والحكمة، لئلا تتعلَّق قلوب الناس بهم، كما تعلَّقت قلوبهم من قبل بسفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر وعائض القرني وإبراهيم الدويش ونبيل العوضي وأمثالهم، حتى ظهرت فتنة هؤلاء في الخروج على العلماء السلفيين في وقت المحنة، واليوم التاريخ يعيد نفسه، فها هو محمد حسان والمأربي وأمثالهم يفتنون الناس بالدعوة إلى المظاهرات والخروج على الحكام، والله المستعان.

وهنا أحب أن أنبِّه إخواني السلفيين في العراق خاصة إلى أمرين:
الأول: أن يتركوا تقييم الدعوة السلفية من حيث التفصيل في العراق، لأننا نعلم أنَّ المتكلِّم في ذلك لا يُمكن له أن يحيط علماً بحالها وحال القائمين عليها في كل محافظات العراق ومدنه!، بسب صعوبة التنقل في مدن العراق على السلفيين المعروفين بهديهم الظاهر، فتعظيم الدعوة السلفية والقائمين عليها في بعض المناطق وتجاهل مناطق أخرى كثيرة من البخس أو الجهل، ويحدث بسببه فتن واختلاف، ولا طائل من ورائه.
الثاني: تحرير الاختلافات الموجودة بين بعض الإخوة السلفيين وتمحيصها بالعلم والحجة قبل نشرها وإعلانها في المواقع، وقبل التحذير من أصحابها والحكم عليهم.
وأنا أعلم أنَّ كثيراً من هذه الأمور لا تستحق مثل هذا الاختلاف، كما أعلم أنَّ بعض المتكلِّمين فيها ليس مؤهلاً أن يقوم بهذا الأمر، وإنما الدافع في ذلك الشدة المذمومة أو أغراض شخصية أو العجلة وعدم الحكمة والتأني أو التعالم والتصدر المبكر أو الجهل بسمات الحدادية وسمات المميعة.
وقد سمعتُ أنَّ البعض يعدُّ كل شدة وغلظة ومواقف حاسمة مع أهل الأهواء حدادية!، والبعض الآخر يعدُّ كل لين ورفق وحكمة ومراعاة للمصالح والمفاسد تمييعاً!.
والعلماء والمشايخ وطلبة العلم قد بيِّنوا سمات هذه الطائفة وسمات هذه الطائفة، فالواجب على الداعية السلفي وطالب العلم أن يميز بين ذلك وأن يعرف سمات الطائفتين، قبل أن يتعجَّل في إلصاق التهم جزافاً بإخوانه السلفيين الذين هم بأشد الحاجة إلى تماسكهم ووحدتهم في الرد على المخالفين.
وأما المسائل التي تستحق أن ينكر فيه على المخالف؛ فهذه تترك إلى المشايخ وطلبة العلم أن يتناقشوا فيها من حيث التأصيل وينظروا في أصحابها من حيث التنزيل، فإنْ لم يخرجوا فيها بحل شرعي؛ فليعرضوا الأمر إلى العلماء الراسخين خارج البلد ليكون لهم الحسم في مثل هذه الأمور، والله الموفِّق.

والآن؛ نشرع في تعقب فوائد عماد طارق المزعومة!:
قال أبو العباس عماد طارق: ((قلتُ: ويؤخذ من جواب الشيخ اللحيدان حفظه الله جملة فوائد منها:
أولا: نصيحة الشيخ اللحيدان للمختلفين في تبديع من بدعه الشيخ ربيع: أن يطرحوا هذه الخلافات)).
أقول:
لو فرضنا أنَّ أهل السنة في العراق اختلفوا على تلك الصورة المزعومة بسبب فتاوى عالم آخر غير الشيخ ربيع حفظه الله تعالى، فهل تتصور يا عماد طارق أنَّ كلام الشيخ اللحيدان يختلف حينذاك؟!
الجواب: لا يختلف قطعاً.
لماذا؟
لأنَّ العلماء ينكرون الاختلاف على وجه العموم؛ وهم بهذا يمتثلون عدة نصوص شرعية وآثار سلفية تنهى عن الاختلاف وتحذِّر من آثاره.
فكيف بالاختلاف الذي يجر إلى تبديع بعضهم بعضاً؟!
وكيف في بلد يقل فيه العلم ويكثر فيه الجهل؟!
وكيف بالاختلاف الواقع على تلك الصورة في بلد يعيش أهل السنة فيه في كربة عظيمة يحيط بهم أعداء السنة الروافض وغيرهم من كل مكان؟!
لا شك أنَّ النهي عن الاختلاف حينئذ يكون أعظم وأشد.
لهذا فلا ينبغي لعماد طارق أن يصوِّر جواب الشيخ اللحيدان حفظه الله تعالى مخصوص بالشيخ ربيع حفظه الله تعالى وما يصدر منه من تبديع لبعض المنحرفين!
ومما يؤكِّد هذا العموم؛ قول الشيخ اللحيدان بعد: ((وفيما يتعلق بالتبديع؛ الإنسان قد يرى شخصاً مبتدعاً لكنها ليست بدعة تخرجه من الملة، وينتقد بعض الدعاة، ويرى أنهم على خطأ)).
فتأمل قوله (الإنسان)، لتعرف أنَّ النهي عن الاختلاف والتبديع لم يكن مخصوصاً بفتاوى أحد العلماء دون الآخرين!.

وقال عماد طارق:
((ثانيا: تزكية الشيخ اللحيدان لمعتقد الشيخ ربيع وأنه على عقيدة سلفية, وأنه من أهل العلم)).
أقول:
كلمة (لمعتقد) هنا مشكلة!، لأنَّ فيها إيهاماً للقارئ أنَّ الشيخ اللحيدان إنما زكى معتقد الشيخ ربيع دون منهجه!؛ وبخاصة عند مَنْ يفرِّق بين العقيدة والمنهج.
فلا ندري هل قصد عماد طارق ذلك الإيهام أم لا؟!!
لكنَّ الله عز وجل يعلم.
وحتى يطمئن القارئ ولا يقع في ذلك الإيهام؛ أنقل له تزكية أخرى من الشيخ اللحيدان للشيخ ربيع:
فقد سُئل الشيخ اللحيدان في نهاية محاضرة له مسجلة بعنوان: [صفات الطائفة المنصورة والفرقة الناجية] السؤال الآتي: أقرأ وأسمع في بعض المجالس حملة تطعن في فضيلة الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي والتحذير منه والأخذ عنه، وأنه ليس من أهل السنة والجماعة، مما جعلني في حيرة من أمري، فما حكم ذلك؟ نرجو التوضيح، وجزاكم الله خيراً.
 فكان جواب الشيخ حفظه الله تعالى:
((لا شك أنه من أهل العلم، وهو من تلامذة شيخنا الشيخ عبد العزيز في المدينة، وكان من الأساتذة في جامعة المدينة، ولا أعرف عنه انحرافاً؛ لا في عقيدة ولا في أخلاق، بل ظني فيه أنه حسن، وأنه من أهل الخير، ومن المكافحين لدعاة الفتنة.
ثم إني أنصح الشباب: أن يتجنبوا الوقيعة في أهل العلم ويكفوا ألسنتهم، وأن يحرصوا على تقييم أنفسهم، ثم إذا رأوا في أحد فيما يظنون عيباً فليفتشوا أنفسهم ولينظروا فيها، فإذا وجدوا عيوباً فيحرصون على إصلاحها...)) إلى آخر كلامه حفظه الله تعالى.
فتأمل في قوله: ((ومن المكافحين لدعاة الفتنة)).

 وقال عماد طارق:
((ثالثا: إن الشيخ اللحيدان يفرق بين البدعة المخرجة من الملة والبدعة غير المخرجة من الملة)).
أقول:
ومَنْ من السلفيين مَنْ لا يفرِّق بينهما؟!!
فهذا التفريق ليس مذهباً خاصاً بالشيخ اللحيدان حفظه الله تعالى!!
ولا أدري ما هي الفائدة المرجوة هنا؟!
وماذا وراء ذلك؟
هل يقصد عماد طارق من وراء ذلك – مثلاً – طرح الخلافات في البدع غير المخرجة من الملة؟!
ولازم هذا الأمر؛ إدخال جميع الفرق والأفراد الذين ابتدعوا بدعاً غير مخرجة من الملة في أهل السنة، وترك الكلام فيهم، فضلاً عن تبديعهم!!!.
فهل هذا هو المراد؟!

بينما واضح أنَّ قول الشيخ اللحيدان: ((الإنسان قد يرى شخصاً مبتدعاً - لكنها ليست بدعة تخرجه من الملة - وينتقد بعض الدعاة ويرى أنهم على خطأ؛ مما لا شك فيه أنَّ مقياس الصواب والخطأ ما يعرض على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم))، أراد به إخراج (البدع المخرجة من الملة) من الكلام؛ لأنها واضحة لا يقع فيها الخلاف الذي يحتاج إلى معرفة الصواب فيه إلى الكتاب والسنة.

وقال عماد طارق:
((رابعا: أن مقياس الصواب والخطأ في التبديع وغيره هو: ما يعرض على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. أقول: لا ما يعرض على كلام الرجال؛ لان البدعة التي يعد الرجل بها مبتدعا هي ما كانت مخالفة للكتاب والسنة أو الإجماع, لا ما كان مخالفا لاجتهادات الرجال!!!)).
أقول:
أما كون المقياس في معرفة الصواب والخطأ في التبديع وغيره هو ما يُعرض على أدلة الكتاب والسنة، فهذا مما بحت أصوات السلفيين في بيانه لكم ولغيركم.
ولكن؛ ها هو شيخكم الحلبي لا يقبل الأدلة ولو كانت صريحة!، ولا يقبل البراهين ولو كانت قاطعة!، إلا بشرط أن يقتنع المخالِف لها!!، فإنْ اقتنع صارت حجة ملزمة، وإلا فلا تكون حجة ولا ملزمة!.
فمعرفة الصواب عنده يعود إلى قناعة المخالِف بالأدلة لا إلى الأدلة نفسها!!.
فقد نقل شيخكم الحلبي كلاماً للشيخ ربيع حفظه الله تعالى في [هامش كتاب منهج السلف الصالح ص259] جاء في آخره: ((عليكم أن تنظروا في الأدلة وتأخذوا بها كما فعل العلماء وطلاب الحق الصادقون، ولا يجوز لكم أن تخالفوا العلماء الذين حكموا على فلان أو فلان بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة؛ فهذا هو المنطق الذي قرره القرآن والسنة وعلماء الإسلام، بخلاف ما يقرره بعض الخارجين ويدعون إليه من التقليد الأعمى مخالفين في ذلك هذا المنهج العظيم)).
فعلَّق شيخكم الحلبي عليه بقوله: ((قلتُ: قوله "بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة" أي إذا اقتنعوا بها وظهر لهم وجه الحق فيها كما تقدَّم تقييده بذلك مرارًا منه!!.
أما إذا لم يقتنعوا بها !– وهذا ممكن جداً وإلا ما حصل اختلاف قط – فلا سبيل معهم إلا النصح والتفاهم والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
وأما إلزامهم بما لم يقتنعوا به وأطرهم على أن يقولوا بما لم يؤمنوا به: فهذا وجه آخر لذلك التقليد، بل أقبح!!. ثم لو كان الجرح من حيث الواقع واضحاً قاطعاً لما اختلفوا فيه أصلاً، فتأمل)).

وأما قول عماد طارق بعد: ((أقول: لا ما يعرض على كلام الرجال)) فهو كلام مجمل، فالكل يقولون: الكتاب والسنة وترك أقوال الرجال!، والخوارج والمعتزلة وغلاة أهل الرأي والفكر والكلام قالوا في حق الصحابة: هم رجال ونحن رجال!

ونحن نقول لعماد طارق:
إذا كان كلام الرجال مبني على فهم مستنبط من أصل من الكتاب والسنة؛ فهو حجة ملزمة مقنعة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [المجموع: 12/423]: ((ومن المشهور في "كتاب صريح السنة" لمحمد بن جرير الطبري وهو متواتر عنه لما ذكر الكلام في أبواب السنة قال: وأما القول في "ألفاظ العباد بالقرآن" فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى ولا عن تابعي قفا إلا عمن في قوله الشفاء والعفاء وفي إتباعه الرشد والهدى ومَنْ يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فإنَّ أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: "اللفظية جهمية" يقول الله: "حتى يسمع كلام الله" ممن يسمع؟!، قال ابن جرير: وسمعتُ جماعة من أصحابنا - لا أحفظ أسماءهم - يحكون عنه أنه كان يقول: "مَنْ قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومَنْ قال: غير مخلوق فهو مبتدع"، قال ابن جرير: ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله؛ إذ لم يكن لنا إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع)).

ونقول له:
ليس كل خلاف يسوغ الاجتهاد فيه، بل الخلاف نوعان: قوي لا يظهر وجه الحق فيه لتعارض الأدلة واشتباهها فلا يُنكر على المخالف فيه، وخلاف ضعيف يظهر فيه وجه الحق، فهذا ينكر فيه على المخالف؛ بل ويعاقب.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في [جامع العلوم والحكم ص306]: ((والمنكر الذي يجب إنكاره ما كان مجمعاً عليه؛ فأما المختلف فيه: فمن أصحابنا مَنْ قال: لا يجب إنكاره على مَنْ فعله مجتهداً أو مقلداً لمجتهد تقليداً سائغاً، واستثنى القاضي في "الأحكام السلطانية": ما ضَعُفَ فيه الخلاف، وإنْ كان ذريعة إلى محظور متفق عليه كربا النقد؛ فالخلاف فيه ضعيف وهو ذريعة إلى ربا النساء المتفق على تحريمه، وكنكاح المتعة فإنه ذريعة إلى الزنا، وذكر عن إسحاق بن شاقلا أنه ذكر أنَّ المتعة هي الزنا صراحاً؛ عن ابن بطة قال: لا يفسخ نكاح حكم به قاض إنْ كان قد تأوَّل فيه تأويلاً إلا أن يكون قضى لرجل بعقد متعة أو طلق ثلاثاً في لفظ واحد وحكم بالمراجعة من غير زوج فحكمه مردود وعليه العقوبة والنكال.
والمنصوص عن أحمد: الإنكار على الملاعب بالشطرنج، وتأوَّله القاضي على مَنْ لعب بها بغير اجتهاد أو تقليد سائغ؛ وفيه نظر.
فإنَّ المنصوص عنه أنه يحد شارب النبيذ المختلف فيه، وإقامة الحد أبلغ مراتب الإنكار مع أنه لا يفسق عنده بذلك؛ فدلَّ على أنه ينكر كل مختلف فيه ضَعُفَ الخلاف فيه لدلالة السنة على تحريمه، ولا يخرج فاعله المتأوِّل من العدالة بذلك؛ والله أعلم. وكذلك نصَّ أحمد على الإنكار على مَنْ لا يتم صلاته ولا يقيم صلبه من الركوع والسجود مع وجود الاختلاف في وجوب ذلك)).
قلتُ:
ومن أقبح ما صنعه شيخكم الحلبي أنه نقل كلام ابن رجب هذا مبتوراً في هامش كتابه منهج السلف الصالح، على هذه الصورة: ((والمنكر الذي يجب إنكاره ما كان مجمعاً عليه؛ فأما المختلف فيه: فمن أصحابنا مَنْ قال: لا يجب إنكاره على مَنْ فعله مجتهداً أو مقلداً لمجتهد تقليداً سائغاً))، ليثبت أنه لا إنكار في المسائل المختلف فيها على الإطلاق!!، وليصحح أصله الذي فرض على أنصاره: لا إلزام ولا إنكار ولا تشنيع إلا بالمجمع عليه!!.

وأما قول عماد طارق: ((البدعة التي يعد الرجل بها مبتدعا هي ما كانت مخالفة للكتاب والسنة أو الإجماع)).
أقول:
كم من الناس - الذين تدافعون عنهم - يخالفون الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح في أشياء كثيرة، ومع هذا لا تعدونهم من أهل البدع؟!
فأين هذا التأصيل من الواقع والتطبيق والتنزيل؟!
ومن آخر هذه المخالفات الصريحة: تشريع محمد حسان والمأربي للخروج على الحكام في صورة مظاهرات شعبية!!
أليست هذه المظاهرات مخالفة للكتاب والسنة؟
أليس هؤلاء يعرفون أنَّ علماء الدعوة السلفية المعاصرة كافة على التشديد والإنكار الشديد على مثل هذه المظاهرات؟!
فأين التبديع؟!
وهذا عماد طارق نفسه يخالف هذا التأصيل في حقيقته؛ حيث قال في إحدى حلقات سلسلته المشهورة: ((وعليه: فكل مَنْ كان على مثل ما كان عليه السلف علماً وعملاً كان سلفياً فيما وافق فيه منهجهم, ومَنْ خالفه كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق وإنْ كان سلفيّاً فيما سواه، فلا يوصف المسلم بأنه مبتدع باعتبار الاسم المطلق!, ولا بأنه سلفي باعتبار الاسم المطلق؛ ولكن لاعتبار مطلق الاسم، بمعنى أنه يوصف: بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم!!))، فمع كونه يخالف منهج السلف في أشياء قد تقل أو تكثر إلا أنه لا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق!.
وأما جملة ما يُعد به الرجل مبتدعاً؛ فقد أخذها عماد طارق من فتوى لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى، ولكنه اقتطعها من سياقها وأضاف إليه شرط (الإجماع) ليوافق ما يريد، وصنيعه هذا هو مشابه لصنيع شيخه الحلبي في أحد مقالاته، ولهذا سوف أنقل للقارئ كلمة شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كاملة ليعرف مراده ويتبين له الفارق بين ما أراد وبين ما يريده هؤلاء:
سُئل رحمه الله تعالى في [المجموع 35/412-415] السؤال الآتي:
((عن الشهادة على العاصي والمبتدع: هل تجوز بالاستفاضة والشهرة؟ أم لا بد من السماع والمعاينة؟ وإذا كانت الاستفاضة في ذلك كافية فمن ذهب إليه من الأئمة؟ وما وجه حجيته؟ والداعي إلى البدعة والمرجح لها؛ هل يجوز الستر عليه؟ أم تتأكد الشهادة ليحذره الناس؟ وما حد البدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
ما يُجرَّح به الشاهد وغيره مما يقدح في عدالته ودينه فإنه يشهد به إذا علمه الشاهد به بالاستفاضة، ويكون ذلك قدحاً شرعياً؛ كما صرح بذلك طوائف الفقهاء من المالكية والشافعية والحنبلية وغيرهم في كتبهم الكبار والصغار، صرحوا فيما إذا جُرِّحَ الرجلُ جرحاً مفسداً؛ أنه يُجرِّحه الجارحُ بما سمعه منه أو رآه واستفاض، وما أعلم في هذا نزاعاً بين الناس.
فإنَّ المسلمين كلهم يشهدون في وقتنا في مثل عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وأمثالهما من أهل العدل والدين بما لم يعلموه إلا بالاستفاضة.
ويشهدون في مثل الحجاج بن يوسف والمختار بن أبي عبيد وعمرو بن عبيد وغيلان القدري وعبد الله بن سبإ الرافضي ونحوهم من الظلم والبدعة بما لا يعلمونه إلا بالاستفاضة.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيراً؛ فقال: "وجبت"، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شراً؛ فقال: "وجبت وجبت" قالوا: يا رسول الله؛ ما قولك: وجبت وجبت؟! قال: "هذه الجنازة أثنيتم عليها خيراً فقلتُ وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شراً فقلتُ وجبت لها النار؛ أنتم شهداء الله في الأرض"، هذا إذا كان المقصود تفسيقه لرد شهادته وولايته.
وأما إذا كان المقصود التحذير منه واتقاء شره: فيكتفي بما دون ذلك؛ كما قال عبد الله بن مسعود: "اعتبروا الناس بأخدانهم"!!، وبلغ عمر بن الخطاب أنَّ رجلاً يجتمع إليه الأحداث فنهى عن مجالسته. فإذا كان الرجل مخالطاً في السير لأهل الشر: يُحذِّر عنه.
والداعي إلى البدعة مستحق العقوبة باتفاق المسلمين، وعقوبته تكون تارة بالقتل، وتارة بما دونه، كما قتل السلف جهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري، وغيرهم.
ولو قدر أنه لا يستحق العقوبة أو لا يمكن عقوبته: فلا بد من بيان بدعته والتحذير منها؛ فإنَّ هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به ورسوله.
والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة، كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة، فإنَّ عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط وغيرهما قالوا: أصول اثنتين وسبعين فرقة هي أربع: الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة، قيل لابن المبارك: فالجهمية؟ قال: ليست الجهمية من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. و الجهمية نفاة الصفات؛ الذين يقولون: القرآن مخلوق، وإنَّ الله لا يرى في الآخرة، وإن محمداً لم يعرج به إلى الله، وإنَّ الله لا علم له ولا قدرة ولا حياة ونحو ذلك؛ كما يقوله المعتزلة والمتفلسفة ومن اتبعهم. وقد قال عبد الرحمن بن مهدي: هما صنفان فاحذرهما؛ الجهمية والرافضة.
فهذان الصنفان شرار أهل البدع، ومنهم دخلت القرامطة الباطنية كالنصيرية والإسماعيلية، ومنهم اتصلت الاتحادية؛ فإنهم من جنس الطائفة الفرعونية. والرافضة في هذه الأزمان مع الرفض جهمية قدرية؛ فإنهم ضموا إلى الرفض مذهب المعتزلة؛ ثم قد يخرجون إلى مذهب الإسماعيلية ونحو من أهل الزندقة والاتحاد، والله ورسوله أعلم)).
قلتُ:
فالتجريح والتعديل يثبت بالعلم المشتهر كما يثبت بالرؤية والسماع، وهذا مخالف لما عليه المأربي والحلبي وأنصارهم في مسألة التثبت في أخبار الثقات!، أو التشكيك بقاعدة قبول خبر الثقة!، أو التفريق بين خبر الثقة وحكم الثقة!، أو التفريق بين خبر الثقة وجرح الثقة!، أو التفريق بين أخبار الثقات الواردة في المسائل الشرعية العلمية وأخبارهم الواردة في الحكم على قضايا الأعيان، وغيرها من الفروق الحادثة اليوم.
ولا نجد في كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ذكراً لشرط "الإقناع" ولا "الإجماع" الذي يدندن حوله هؤلاء اليوم!
ولا أصَّل قاعدة "لا يلزمني" قبول الجرح!، أو وجهها الآخر: "لا يقنعني"!، كما يؤصِّل هؤلاء لأنصارهم!.
وجعل رحمه الله تعالى شهادة أهل الحق موجبة؛ استدلالاً بالحديث الذي جعلهم شهداء الله في الأرض، ولم يقل: ليس لأحد وصاية على الناس، أو ليست الجنة والنار بيد أحد من البشر، كما يربي هؤلاء أنصارهم ليردوا شهادة العلماء الثقات في أهل الأهواء.
وفرَّق شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في معاملة المخالفين: بين ما يُقصد به التفسيق ورد الشهادة والولاية، وبين ما يُقصد به التحذير واتقاء الشر، فجعل المخالطة لأهل الانحراف والمجالسة كافية في التحذير من الرجل واتقاء شره!، وأما التفسيق فلا بد من العلم المشتهر أو الرؤية أو السماع.
وهذا ما عليه السلفيون اليوم؛ لا يؤاخذون أحداً إلا بأحد ثلاثة أمور: إما أخبار الثقات، أو الكتب والمقالات المدونة له، أو الأشرطة المسجَّلة بصوته، وإذا رأوا رجلاً يخالط المبتدعة ويجالسهم حذَّروا الناس منه اتقاء شره.
ولكن الحلبي أحدث لأنصاره غير ما عليه السلفيون قديماً وحديثاً؛ فاشترط لهم: الإجماع، والإقناع!.
وليتأمل القارئ إلى قول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ((والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة))، هل يجد فيه شرط "الإجماع"؟!
يعني لو اشتهرت بدعة اللفظية في مسألة خلق القرآن عند بعض أهل العلم لا جميعهم، هل يعد الرجل بها من أهل الأهواء أم لا؟!
وهل في كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى - وهو في مقام البيان والتفصيل في مسألة قبول الجرح – أنه لا يحكم على المجروح بالبدعة حتى يجتمع العلماء على تبديعه كما يقول هؤلاء اليوم؟!
فليفطن القارئ لهذا المنهج الحادث ولا يُستغفل بتلاعب القوم وتلبيساتهم.

وقال عماد طارق:
((خامسا: ليس كل من بدّعه البعض يكون مبتدعا في نفس الأمر)) .

أقول:
يظهر أنَّ عماد طارق فهم من قول الشيخ اللحيدان: ((قد لا يكون مبتدعة))، أنَّ الشيخ حفظه الله تعالى يرفض الحكم عليهم بالابتداع مطلقاً، وإنما مراده: أنهم قد يكون من حيث الأصل ينتسبون إلى السنة والسلفية ولا يعلنون مخالفة المنهج السلفي صراحة، لكنهم متساهلون، فهؤلاء تُعرض أقوالهم على الكتاب والسنة، ويُعرضون على أهل العلم، ليُعرف الحكم عليهم.
وكلام عماد طارق كلام مجمل يحتمل الحق ويحتمل الباطل، وهو غير منضبط أصلاً.
فأين التفصيل في هذا المقام؟
وأين الضابط في ذلك؟
إنَّ من طريقة أهل البدع الإجمال في مقام التفصيل؛ فليُعلم هذا.

فأقول:
مَنْ بدَّعه أهل العلم المعتبرين بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة فهو مبتدع، ويجب على مَنْ عرف حاله وبان له أمره أن يبدِّعه نصرة للحق وأهله ومعاداة للباطل وأهله، وإلا فإنه يُلحق به، هذا هو الأصل، ولا يعني هذا ترك المناصحة أو ترك الصبر عليه والتواصي معه بالحق، بل إنْ رأى الراسخ في العلم أنَّ الصبر عليه والتناصح معه قد ينفعه ويرده إلى الحق فليفعل؛ ولكن ليحذر من اغترار الناس برؤيته يخالطه ويجالسه أو يسكت عنه، وإنْ لم ير ذلك فلا حرج عليه أن يحذِّر منه ويهجره دون مناصحة كما صنع عمر رضي الله عنه مع صبيغ العراقي، أما أن نلزم الناصحين بالاستمرار والدوام في مناصحة المنحرفين فترة طويلة أو إلى أمد غير معلوم، ونحن نرى أنَّ هذا المنحرف كل يوم يزداد في غيه وضلاله، ويزداد اغترار الشباب به يوماً بعد يوم، ويعلو شأنه ويرفع من قدره فوق العلماء بسبب هذا السكوت!، فلا يقول بهذا عاقل فضلاً عن سلفي ناصح لإخوانه، غيور على دعوته.
هذا هو خلاصة القول في هذه المسألة؛ والله الموفِّق.

وقال عماد طارق:
((سادسا: ليس كل من كان متساهلا في تبني بعض الأحكام يكون مبتدعاً))
أقول:
فما هو التساهل (أو قل التميع) الذي يكون به صاحبه مبتدعاً؟
أو بعبارة أخرى: ما هو الحد الذي إنْ بلغه المميع يكون مبتدعاً؟
لا أريد أن أطيل على القراء هنا، وإلا فإني هممتُ أن أنقل لك يا أبا العباس هنا - ما كتبته في رسالتي [الإخوان المسلمون والتبليغ بين علماء السلفيين الأكابر ودعاة التمييع المعاصر] - ما قام به الحويني وعدنان عرور ومحمد حسان والمأربي والحلبي وصادق الغرياني والطيباوي من تمييع للثوابت وتضييع للحق، فإنْ شئت فانظره هناك، وقل لنا: هل هذا التمييع يوجب التبديع أم لا؟
فإنْ قلتَ: لا.
قلنا لك: إذن اذكر لنا حد التمييع الذي يوجب التبديع، واترك الإجمال والتعميم!!.
لكن لنختصر شيئاً من ذلك فنقول:
ما تقول فيمن يقول: إنَّ الخلاف بين السلفيين ومخالفيهم من الأحزاب المعاصرة [كالإخوان والتبليغ والتحرير وتنظيم القاعدة وغيرهم] خلاف في الفروع!، أو خلاف اجتهادي فقهي صرف!، أو خلاف أخلاقي!، أو خلاف كاختلاف الصحابة فيما بينهم!!، أو خلاف معاصي وشهوات لا خلاف بدع!، أو خلاف في دائرة أهل السنة والجماعة؟!
هل هذا تمييع أم لا؟
وهل هذا التمييع يوجب التبديع أم لا؟
ننتظر الجواب الصريح لا المجمل.

وقال عماد طارق:
((سابعا: ذم الشيخ اللحيدان ضمنا لمنهج التساهل في تبني الأحكام والإفتاء بمقتضاه؛ موجبا أن يكون الطرح والعرض وفق نواميس الشريعة ومصابيح الهدى، آيات القران الكريم، وأحاديث رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم)).
أقول:
فالشيخ اللحيدان حفظه الله تعالى ذم منهج التمييع المنفلت كما ذم منهج التبديع المنفلت.
فأين هذا من عنوان المقال [الفوائد من نصيحة الشيخ اللحيدان للمختلفين في تبديع مَنْ لم يبدِّع مَنْ بدَّعه الشيخ ربيع!]؟!
هل كانت الفوائد محصورة في ترك التبديع المنفلت فقط؟
وقد أحسن مَنْ قال:
وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ ... وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاوِيَا

قلتُ:
ثم المرجع أن نعرض خلافاتنا إلى أدلة الكتاب والسنة، لا إلى قناعات بشرية متفاوتة لا ضابط لها، كما يشترط هؤلاء في قبول الإلزام والحجة!.

وقال عماد طارق:
((ثامنا: عند الاختلاف في الحكم على معين فيرجع في معرفة حكمه لطرف آخر)).
أقول:
من أمثلة هذا الطرف الذي نصَّ الشيخ اللحيدان للرجوع إليه عند الاختلاف: الشيخ ربيع حفظهما الله تعالى.
فهل ترضون به مرجعاً في الأحكام على الأعيان عند الاختلاف؟!
أم أنَّ عيونكم ستغض الطرف عن هذا (الطرف) المنصوص عليه في الفتوى؟!
حالكم وكتاباتكم تغني عن سؤالكم!

وقال عماد طارق:
((تاسعا: حكم الشيخ اللحيدان على المنهج الذي طرحه السائل في سؤاله: من تبديع البعض لمن لم يبدع من بدعه الشيخ ربيع ! بأنه: مسلك خطير ومنهج منفر)).
أقول:
لينظر القارئ إلى ما يصنع هذا الرجل من تلبيس في صياغة فوائده!
الشيخ اللحيدان حفظه الله تعالى نزَّهه أخاه الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى من منهج التبديع المنفلت غير المبني على الأدلة الشرعية ولا قائم على المصالح المرعية؛ والذي وصفه الشيخ اللحيدان بـ (المسلك الخطير والمنهج المنفِّر)، وجعل اللوم في قصور إدراك المختلفين لما يقصده الشيخ ربيع.
فإذا بعماد طارق يتعلَّق بوصف السائل لما يراه من واقع – مرة بعد أخرى! - كأنه متمم لجواب الشيخ اللحيدان!.
لماذا؟
الجواب: ليظل قارئ فوائده تبع لهواه ومرامه!
أي: إفهام القارئ أنَّ تبديع مَنْ لم يُبدِّع مَنْ بدَّعه الشيخ ربيع مسلك خطير ومنهج منفِّر!
طيب:
وإذا عرضنا الأمر على الشيخ ربيع– كما طلب منا الشيخ اللحيدان حفظه الله تعالى - فذكر لنا الأدلة الصريحة والبراهين القاطعة على تبديع (فلان) المختلف فيه، وليس مراده مجرد وصفه بالتساهل.
هل نلزم بموافقته أم لا؟!
هذا هو موطن الخلاف!
وحقيقته: [قبول الجرح المفسَّر] هل يجب أم لا؟

وقال عماد طارق:
((عاشرا: حسن ظن الشيخ اللحيدان بأخيه الشيخ ربيع من رفضه للمنهج المنفر والمسلك الخطير في التبديع)).
أقول:
حسن ظن أم تزكية؟!
طيب؛ لا نختلف كثيراً.
لكن:
أين حسن ظنكم أنتم برفض الشيخ ربيع لهذا المسلك الخطير والمنهج المنفر في التبديع؟
هل توافقون الشيخ اللحيدان حفظه الله تعالى؟
أم لا توافقونه في هذه، وتوافقونه في غيرها؟!
وما هو الضابط في هذه الموافقة وتلك المخالفة؟!
أقول:
يكفي ما قام به عماد طارق من كتابات في عدة حلقات ومقالات يصف فيها الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى بـ (كبير غلاة التبديع)!!!، ويطعن في منهجه في التعامل مع المنحرفين.
وأما الطيباوي فلا شاغل يشغله ولا غاية يحرص عليها ويسعى لها إلا الإطاحة بمنهج الشيخ ربيع حفظه الله تعالى!، ويكفي البصير أن يقرأ مقاله [الاعتراض الرفيع على الشيخ ربيع في مسألة التبديع بدون إقامة الحجة] ليعرف طعنه وحاله.
وأما شيخكم الحلبي فكتابه [منهج السلف الصالح] لم يؤلفه إلا من أجل ضرب منهج الشيخ ربيع حفظه الله تعالى الذي يصفه بمنهج الغلاة!.
وأما كُتَّاب منتداكم فتبع لكم، بل زادوا عليكم في سوء الأدب!، والله المستعان.
فأين حسن الظن؟!
حسن الظن عندكم معطَّل تماماً مع الشيخ ربيع والسلفيين!، وأما مع الحويني ومحمد حسان والمأربي وغيرهم فيعمل وبقدرة قوية!!.

 وقال عماد طارق:
((أحد عشر: ذم الشيخ اللحيدان لمنهج الإخوان المسلمين القائم: على قاعدة التيسير المطلق, والسكوت عن كل عامل بمعتقد ولو كان فاسدا, ومسامحة المخالفين في معتقدهم!!)).

أقول:
فهذا ذم آخر لمنهج المتساهلين من الإخوان المسلمين وأذنابهم من أهل التمييع.
بل هو على الخصوص؛ ذم ليس لأهل البدع الذي يعلنون مخالفتهم للمنهج السلفي، بل أولئك الذي يرفعون منهج السلف شعاراً لا حقيقة له، ويدل على ذلك قول الشيخ اللحيدان: ((هؤلاء الذين يُبَدَّعُون قد لا يكونون مبتدِعة، لكن قد يكونون متساهلين))، أي لا يكون مبتدعة معروفين بالبدع والمخالفة الصريحة للمنهج السلفي، وإنما ينتسبون للسنة والسلفية، ولكنهم متساهلون!، فالكلام موجَّهه لهؤلاء أصالة.
ومع هذا، اقتصر عنوان مقال الكاتب على ذم منهج التبديع، هكذا على الإطلاق!.
ثم يأتي أحد جهالهم بين الحين والآخر فيقول:
كلام الشيخ (فلان) ضربة قاصمة لمنهج غلاة التبديع!، ويقصدون بهم: الشيخ ربيعاً ومَنْ وافقه من السلفيين.
ومعلوم أنَّ المنهج القائم اليوم على التسامح والتساهل وعدم الإلزام والإنكار والتشنيع في المسائل المختلف فيها  - سواء كانت مسائل شرعية أو قضايا الأعيان - هو منهج أهل التمييع المعاصر؛ الذي رفع شعاره المأربي والحلبي وعدنان عرور والحويني ومحمد حسان وصادق الغرياني ومختار الطيباوي وعماد طارق وأمثالهم.
 وقد قال عماد طارق نفسه في مقاله [لا إلزام إلا بالشرع أو بالتزام العبد]: ((لا بد لنا من أن نبين أي القولين هو الحق: أهو الذي يتبناه شيخنا وقرره في كتابه في مواضع عدة, أم القول الذي تتبناه فرقة التبديع والإقصاء؛ من الإلزام بموارد الاجتهاد؟))
وقال: ((لا إنكار في مسائل الاجتهاد))
وقال: ((لا إلزام بمسائل الاجتهاد))
وقال: ((لا إلزام شرعاً في المسائل الاجتهادية؛ بغية إيضاح: أنَّ هذه المسألة من بدهيات العلم، ولا يماري فيها إلا مكابر)).
وقال: ((لا يُعرف عن أحد من أهل العلم المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين أنه قال بمشروعية الإلزام بالأحكام النقدية الغير منصوص عليها أو المجمع عليها, بل المنقول عنهم أنه: لا إلزام بالأحكام النقدية إلا للمقلدين؛ فلهم أحكامهم المعروفة)).
وقال: ((وكذلك إبطال لزعم البعض أنَّ من مقالات أهل الأهواء "إذا اختلفت اجتهادات العلماء فلا يلزمني قول فلان وفلان", بل هذه المقالة قد ثبتت تقرير معناها بأوجه عدة)).
ماذا تعني هذه الكلمات؟!
تعني أنَّ الإنسان مخير في اختيار القول الذي يتبناه في المسائل الاجتهادية وفي الأحكام النقدية!.
فلو اختلف العلماء في مسألة اجتهادية أو في الحكم على معيَّن: فله أن يأخذ بأي قول يهواه أو يراه!، أو يترجَّح له، ولا يحق لأحد أن يلزمه بقول آخر ولا ينكر عليه.

ويكفي في الرد عليه أن أقول:
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [الفتاوى الكبرى 1/159]: ((ومسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار إلا ببيان الحجة وإيضاح المحجة؛ لا الإنكار المجرد المستند إلى محض التقليد فإنَّ هذا فعل أهل الجهل والأهواء)).
وقال في [منهاج السنة 1/44]: ((المسألة اجتهادية فلا تنكر إلا إذا صارت شعاراً لأمر لا يسوغ فتكون دليلاً على ما يجب إنكاره، وإنْ كانت نفسها يسوغ فيها الاجتهاد)).
قلتُ:
فهذه مسائل اجتهادية ومع هذا ساغ الإنكار فيها على المخالف بالحجة والبيان، فالحجة هي الملزمة، ولا يجوز دفها بمجرد وجود الاختلاف بين العلماء!.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [الفتاوى الكبرى 1/164]: ((إنَّ مثل هذه المسألة أو نحوها من "مسائل الاجتهاد"؛ لا يجوز لمن تمسَّك فيها بأحد القولين أن "ينكر" على الآخر بغير حجة ودليل فهذا خلاف إجماع المسلمين؛ فقد تنازع المسلمون في جبن المجوس والمشركين وليس لمن رجَّح أحد القولين أن ينكر على صاحب القول الآخر إلا "بحجة شرعية"، وكذلك تنازعوا في متروك التسمية وفي ذبائح أهل الكتاب إذا سموا عليها غير الله وفي شحم الثرب والكليتين وذبحهم لذوات الظفر كالإبل والبط ونحو ذلك مما حرمه الله عليهم وتنازعوا في ذبح الكتابي للضحايا ونحو ذلك من المسائل، وقد قال بكل قول طائفة من أهل العلم المشهورين؛ فمن صار إلى قولٍ مقلِّدٍ لقائله لم يكن له أن ينكر على من صار إلى القول الآخر مقلد لقائله؛ لكن إنْ كان مع أحدهما حجة شرعية وجب الانقياد للحجج الشرعية إذا ظهرت!، ولا يجوز لأحد أن يرجِّح قولاً على قول بغير دليل، ولا يتعصب لقول على قول ولا لقائل على قائل بغير حجة؛ بل مَنْ كان مقلداً لزم حل التقليد فلم يرجح ولم يزيف ولم يصوِّب ولم يخطِّئ، ومن كان عنده من العلم والبيان ما يقوله سمع ذلك منه؛ فقبل ما تبين أنه حق ورد ما تبين أنه باطل ووقف ما لم يتبين فيه أحد الأمرين، والله تعالى قد فاوت بين الناس في قوى الأذهان كما فاوت بينهم في قوى الأبدان)).
قلتُ:
فليتأمل القارئ قوله رحمه الله تعالى: ((لكن إنْ كان مع أحدهما حجة شرعية وجب الانقياد للحجج الشرعية إذا ظهرت!)) هل يفيد الإلزام أم لا؟!، مع إنه يتكلَّم عن مسائل اجتهادية كما صرح في أول كلامه.

وقال رحمه الله تعالى في [الفتاوى الكبرى 6/92]: ((وقولهم: "مسائل الخلاف لا إنكار فيها" ليس بصحيح؛ فإنَّ الإنكار إما أن يتوجَّه إلى القول بالحكم، أو العمل. أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً، وإنْ لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند مَنْ يقول "المصيب واحد" وهم عامة السلف والفقهاء. وأما العمل: فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار؛ كما ذكرناه من حديث شارب النبيذ "المختلف فيه"، وكما يُنقض حكم الحاكم إذا خالف سنة؛ وإنْ كان قد اتبع بعض العلماء!. وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ: فلا ينكر على مَنْ عمل بها مجتهداً أو مقلداً.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة أنَّ القائل يعتقد: أنَّ مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد!؛ كما اعتقد ذلك طوائف من الناس، والصواب الذي عليه الأئمة: أنَّ مسائل الاجتهاد لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل: حديث صحيح لا معارض من جنسه، فيسوغ له - إدا عُدم ذلك فيها - الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء الأدلة فيها، وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعنٌ على مَنْ خالفها من المجتهدين؛ كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها، مثل: كون الحامل المتوفى عنها تعتد بوضع الحمل، وإنَّ الجِماع المجرد عن إنزال يوجب الغسل، وإنَّ ربا الفضل والمتعة حرام، وإنَّ النبيذ حرام، وإنَّ السنة في الركوع الأخذ بالركب، وإنَّ دية الأصابع سواء، وإنَّ يد السارق تقطع في ثلاثة دراهم ربع دينار، وإنَّ البائع أحق بسلعته إذا أفلس المشتري، وإنَّ المسلم لا يقتل بالكافر، وإنَّ الحاج يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، وإنَّ التيمم يكفي فيه ضربة واحدة إلى الكوعين، وإنَّ المسح على الخفين جائز حضراً وسفراً؛ إلى غير ذلك مما لا يكاد يحصى.
وبالجملة: مَنْ بلغه ما في هذا الباب من الأحاديث والآثار التي لا معارض لها فليس له عند الله عذر بتقليد مَنْ ينهاه عن تقليده ويقول: "لا يحل لك أن تقول ما قلتُ حتى تعلم من أين قلتُ" أو يقول: "إذا صح الحديث فلا تعبأ بقولي")).
ثم تكلَّم رحمه الله تعالى عن حرمة الحيل ثم قال: ((لو فرضنا أنَّ الحيل من مسائل الاجتهاد! -كما يختاره في بعضها طائفة من أصحابنا وغيرهم- فإنا إنما بينا الأدلة الدالة على تحريمها كما في سائر مسائل الاجتهاد، فأما جواز تقليد مَنْ يخالف فيها ويسوِّغ الخلاف فيها وغير ذلك فليس هذا من مواضع الكلام فيه، وليس الكلام في هذا مما يختص هذا الضرب من المسائل!؛ فلا يحتاج إلى هذا التقرير أن يجيب عن السؤال بالكلية، وحينئذ: فمن وضح له الحق وجب عليه إتباعه!، ومَنْ لم يتضح له الحق فحكمه حكم أمثاله في مثل هذه المسائل)).

قلتُ:
والبعض يحاول – بلبس وتلاعب – أن يصف "المسائل الخلافية" بالمسائل "الاجتهادية"!، وقد يكون لجهله في التفريق بينها!، ثم يقول: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وأما في المسائل الخلافية فيسوغ الإنكار.
ومعلوم أنَّ مسائل الخلاف أعم من مسائل الاجتهاد؛ فالمسألة قد تكون خلافية ولا تكون اجتهادية، وذلك حين يظهر فيها القول الراجح ظهوراً بيناً حتى تصير من المسائل القطعية، فيغلط مَنْ يظن أنَّ كل مسألة خلافية هي اجتهادية!، وأغلط منه مَنْ يجعل مسألة خلافية معينة - يضعف فيها الخلاف - من مسائل الاجتهاد حتى لا ينكر عليه أحد!!.

وأقول:
ولينظر القارئ إلى المنهج الذي يدعو إليه عماد طارق في كلامه الآتي:
قال عماد طارق: ((إنَّ علماء السنة الأعلام كأمثال أركان الدعوة السلفية الثلاث: ابن باز والعثيمين والألباني رحمهم الله, ومن دونهم في الرتبة والطبقة كأمثال: العباد والفوزان حفظهم الله، قطعاً لا يشابهون فالح الحربي ولا من يوافقه في أصوله الباطلة وموجبات التبديع الكاسدة التي يتبناها, وعلى نهج هؤلاء الأعلام يسير علماؤنا حفظهم الله؛ ومنهم شيخنا الحلبي, فهو حفظه الله:
وافق الشيخ الألباني في رفضه لتبديع عدنان عرعور!.
ووافق الشيخ ابن باز في مدحه للمغراوي!.
ووافق الشيخ العباد في رفضه تبديع أبي الحسن المأربي!.
ووافق الشيخ الفوزان في موقفه من فتنة أبي الحسن والشيخ ربيع!.
ووافق كل مَنْ تقدم في موقفهم من مشروعية التعامل بالمعروف مع جمعية إحياء التراث –وزاد عليها احترازه من التعامل معهم-!.
لذلك ثارت عليه ثائرة الحداديين على اختلاف أشكالهم وصورهم ومسمياتهم, وعدوا هذه الموافقة منه تمييعاً ونصرة لأهل البدع والأهواء)).
قلتُ: فهل من منهج علماء الجرح والتعديل أنهم يرجِّحون قول المعدِّل مطلقاً في حق الرواة المختلف فيهم؟!
أم هو منهج المتساهلين في التوثيق؟!
بل هو منهج المميعين مع أهل الأهواء!
أليس في هذا المنهج تتبع لرخص العلماء؟!
أليس في هذا المنهج الاحتجاج بالخلاف في رد الحجة؟!

قد يقول قائل: لماذا ينتهج الحلبي هذا المنهج؟!
فأقول: لأنه لا يجرح الرجل حتى يجمع أهل العلم على جرحه؛ كما صرح بذلك!!.
فلا إلزام عنده وعند أنصاره إلا بشرط (الإجماع) أو بشرط (الإقناع).
أليس هذا هو منهج المتساهلين؟!
إذن كلام الشيخ اللحيدان حفظه الله تعالى يدخل فيه الحلبي والمأربي وأنصارهما أم لا؟!
نترك الجواب للفطن اللبيب لا للمتعصب!
والله الموافِّق.

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.