الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما
بعد:
ففي جلسة جمعتني
مع أحد إخواني في الله، حدثني هذا الأخ - بعد زيارة له إلى مدينة العَلَم في محافظة
صلاح الدين/ العراق - عما يشيعه أبو المنار العَلَمي وأتباعه عن منهج الشيخ ربيع حفظه
الله تعالى، وأنه منهج قائم على قاعدة الحداية: (مَنْ لم يبدِّع المبتدع فهو مبتدع)!،
وأنَّ الشيخ الألباني رحمه الله تعالى أنكر هذه القاعدة، وأنَّ علياً الحلبي على طريقة
شيخه في تلك القاعدة.
فقلتُ للأخ
الذي جاء مستفسراً: هذه القاعدة لا تنفى على إطلاقها ولا تثبت على إطلاقها، لا بد من
التفصيل، ذلك لأنَّ من منهج أئمة سلفنا الصالح أنَّ مَنْ بُيِّن له حال المبتدع وما
عليه من انحرافات وضلالات بالأدلة والبراهين، ثم أصر على ملازمته أو مجالسته - فضلاً
عن موافقته ومناصرته! – فهذا يُلحق بالمبتدع، وأطلعتُه على مقطع من كتابي [البراهين
العتيدة في كشف أحوال وتأصيلات علي الحلبي الجديدة] جاء فيه: ((متى يُلحق الرجل بأهل
البدع؟ وأقول: وكذلك يُلحق بالمبتدع كل مَنْ بان له أمره ولم يهجره، أو لا يقبل التحذير
منه ولا الكلام فيه!. فقد قال الإمام أبو داود السجستاني
رحمه الله تعالى كما في [طبقات الحنابلة: 1/ 160]: قلتُ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل:
أرى رجلًا من أهـل السنة مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: "لا، أو تُعْلِمه
أنَّ الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإنْ ترك كلامه فكلِّمه، وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود:
المرء بخدنه". قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله تعالى في كتابه [القول البليغ:
ص230-231]: "وهذه الرواية عن الإمام أحمد ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين
ويجادلون عنهم بالباطل، فمن كان منهم عالمًا بأنَّ التبليغيين من أهل البدع والضلالات
والجهالات - وهو مع هذا يمدحهم ويجادل عنهم - فإنّه يلحق بهم ويعامل بما يعاملون به؛
من البغض والهجر والتجنُّب، ومَنْ كان جاهلًا بهم فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع
والضلالات والجهالات، فإنْ لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلم بهم، فإنه يُلحق
بهم ويُعامل بما يُعاملون به!!". قلتُ: وهكذا ينبغي تطبيق هذه القاعدة في كل مَنْ
يجادل عن القطبيين والتكفيريين والحزبيين والحداديين والمميعيين، وكل مَنْ يجادل عن
مبطل وصاحب هوى بعد إعلامه بضلالاته وانحرافاته، فيصر على المجادلة)) انتهى النقل.
والحمد لله
بعدما اطلع الأخ على هذا الكلام اطمئن قلبه، وعرف أنَّ القوم يلبسون الحق بالباطل ويجملون
في العبارات، فلا يبينون ولا يفصلون، ومعلوم للجميع أنَّ هذه طريقة المبتدعة!.
وفي نفس اليوم اطلعتُ على كتاب بعنوان [الاعتراض الرفيع على الشيخ ربيع في مسألة التبديع بدون إقامة
الحجة] لأحد مشايخ منتديات كل السلفيين يُدعى (مختار
الطيباوي)!، فقلتُ في نفسي: يظهر أن أبناء جلدتنا قد أوتوا من هنا!.
فبدأتُ أقرأ الكتاب، فظهر لي العجب العجاب، وكلما تقدمتُ
بالقراءة كلما ازداد عجبي من هذا الكاتب، فهو كاتب جريء لا يقف في تأصيلاته – أو قل:
سفسطاته وانحرافاته! – عند حد معين، وقد أراحني حقاً!، لأنَّ مثل هذه الصراحة لا يحتاج
بعدها المرء إلى جهد وتعب في تفصيل الرد، وأما ما يقوم به علي الحلبي ومَنْ لا زال
يخفي مثل هذه الصراحة؛ فهؤلاء يتعبوننا في الرد، لأننا نعلم يقين أنهم على انحراف كبير،
لكن ماذا نصنع حينما نحتاج إلى إفهام بعض القراء الذين اغتروا بزخارف الألفاظ وبتزيين
العبارات، فالحلبي يراوغ في الكتابة ويتلاعب في النقول، ويجمل في العبارات حتى يغتر
قراؤه بكلامه، أما مثل عماد طارق وعمر البطوش ومختار الطيباوي وأمثالهم، فهؤلاء قد
صرَّحوا بمنهجهم من غير تقية ولا مجاملة، فارتاحوا وأراحوا.
وأصل كتاب الطيباوي هو إجابة سائل؛ سأله عن رأيه في فتوى
للشيخ ربيع حفظه الله تعالى حول مسألة اشتراط إقامة الحجة قبل التبديع؛ وإليك نص السؤال
وجواب الشيخ ربيع حفظه الله تعالى:
((السؤال: شيخنا حفظكم الله؛ هناك
سؤال يدور بين طلاب العلم، وهو: هل يشترط في تبديع مَنْ وقع في بدعة أو بُدِّع أن تقام
عليه الحجة لكي يُبدع أو لا يشترط ذلك؛ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن
ابتع هداه أما بعد: فالمشهور عن أهل السنة أنه مَنْ وقع في أمر مكفِّر لا يكفر حتى
تقام عليه الحجة.
أما
مَنْ وقع في بدعة فعلى أقسام:
القسم
الأول: أهل البدع؛ كالروافض والخوارج والجهمية والقدرية والمعتزلة والصوفية القبورية
والمرجئة؛ ومن يلحق بهم: كالإخوان والتبليغ وأمثالهم، فهؤلاء لم يشترط السلف إقامة
الحجة من أجل الحكم عليهم بالبدعة، فالرافضي يقال عنه: مبتدع، والخارجي يقال عنه: مبتدع
وهكذا، سواء أقيمت عليهم الحجة أم لا.
القسم الثاني: مَنْ هو من أهل السنة
ووقع في بدعة واضحة؛ كالقول بخلق القرآن أو القدر أو رأي الخوارج وغيرها؛ فهذا يُبدَّع،
وعليه عمل السلف.
ومثال
ذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه
حين سئل عن القدرية قال: ((فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم
برآء مني)) رواه مسلم. قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل (1/ 254):
"فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل. ويرُاعون
أيضاً الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً. ومن تكلم بما فيه معنى
باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه. ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه
إلى البدعة أيضاً، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة وردَّ باطلاً بباطل" .
أقول:
في هذا النص بيان أمور عظيمة ومهمة يسلكها السلف الصالح للحفاظ على دينهم الحق وحمايته
من غوائل البدع والأخطاء منها:
1-
شدة حذرهم من البدع ومراعاتهم للألفاظ والمعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، فلا
يعبرون - قدر الإمكان - إلا بالألفاظ الشرعية، ولا يطلقونها إلا على المعاني الشرعية
الصحيحة الثابتة بالشرع المحمدي.
2-
أنهم حراس الدين وحماته، فمن تكلم بكلام فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه.
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة؛ ولو كان يرد على أهل الباطل،
وقالوا إنما قابل بدعة ببدعة أخرى، ورد باطلاً بباطل، ولو كان هذا الراد من أفاضل أهل
السنة والجماعة، ولا يقولون ولن يقولوا: يحمل مجمله على مفصله لأنا نعرف أنه من أهل
السنة!.
قال
شيخ الإسلام بعد حكاية هذه الطريقة عن السلف والأئمة: "ومن هذا القصص المعروفة
التي ذكرها الخلال في كتاب السنة هو وغيره في مسألة اللفظ والجبر".
أقول:
يشير رحمه الله تعالى إلى تبديع أئمة السنة مَنْ يقول:" لفظي بالقرآن مخلوق"
لأنه يحتمل حقاً وباطلاً، وكذلك لفظ "الجبر" يحتمل حقاً وباطلاً، وذكر شيخ
الإسلام أنَّ الأئمة كالأوزاعي وأحمد بن حنبل ونحوهما قد أنكروه على الطائفتين التي
تنفيه والتي تثبته.
وقال
رحمه الله: "ويروى إنكار إطلاق "الجبر" عن الزبيدي وسفيان الثوري وعبد
الرحمن بن مهدي وغيرهم. وقال الأوزاعي وأحمد وغيرهما: "من قال جبر فقد اخطأ ومن
قال لم يجبر فقد أخطأ، بل يقال: إنَّ الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ونحو ذلك. وقالوا:
ليس للجبر أصل في الكتاب والسنة وإنما الذي في السنة لفظ "الجبل" لا لفظ
"الجبر"؛ فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأشج عبد القيس:
"إنَّ فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة؛ فقال: أخلقين تخلقت بهما أم خلقين
جبلت عليهما؟، فقال: "بل جبلت عليهما"، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين
يحبهما الله". وقالوا: إنَّ لفظ "الجبر" لفظ مجمل. ثم بين أنه قد يكون
باعتبار حقاً وباعتبار باطلاً، وضرب لكل منهما مثالاً. ثم قال :" فالأئمة منعت
من إطلاق القول بإثبات لفظ الجبر أو نفيه، لأنه بدعة يتناول حقاً وباطلاً".
وقال
الذهبي رحمه الله: "قال أحمد بن كامل القاضي: كان يعقوب بن شيبة من كبار أصحاب
أحمد بن المعذل، والحارث بن مسكين، فقيهاً سرياً، وكان يقف في القرآن. قال الذهبي قلتُ:
أخذ الوقف عن شيخه أحمد المذكور، وقد وقف علي بن الجعد، ومصعب الزبيري، وإسحاق بن أبي
إسرائيل، وجماعة، وخالفهم نحو من ألف إمام، بل سائر أئمة السلف والخلف على نفي الخليقة
على القرآن، وتكفير الجهمية، نسأل الله السلامة في الدين. قال أبو بكر المروذي: أظهر
يعقوب بن شيبة الوقف في ذلك الجانب من بغداد، فحذر أبو عبد الله منه، وقد كان المتوكل
أمر عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان أن يسأل أحمد بن حنبل عمن يقلد القضاء، قال عبد الرحمن:
فسألته عن يعقوب بن شيبة، فقال: مبتدع صاحب هوى!. قال الخطيب: وصفه بذلك لأجل الوقف"
السير (12/ 478).
وقدم
داود الأصبهاني الظاهري بغداد، وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسنٌ، فكلَّم صالحاً أن
يتلطف له في الاستئذان على أبيه، فأتى صالح أباه فقال له: رجل سألني أن يأتيك. قال:
ما اسمه؟. قال: داود. قال: من أين؟ قال: من أهل أصبهان، قال: أيّ شيء صنعته؟ قال وكان
صالح يروغ عن تعريفه إيَّاه، فما زال أبو عبد الله يفحص عنه حتى فطن، فقال: هذا قد
كتب إليّ محمد بن يحيى النيسابوري في أمره أنه زعم أنَّ القرآن محدث فلا يقربني. قال:
يا أبت ينتفي من هذا وينكره، فقال أبو عبد الله: محمد بن يحيى أصدق منه، لا تأذن له
في المصير إليَّ. [تاريخ بغداد ( 8/ 374 )].
القسم
الثالث: من كان من أهل السنة ومعروف بتحري الحق ووقع في بدعة خفية؛ فهذا إنْ كان قد
مات فلا يجوز تبديعه بل يذكر بالخير، وإنْ كان حياً فيناصح ويبين له الحق ولا يتسرع
في تبديعه؛ فإن أصر فيبدع.
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا
ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا
منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل
ربه ما استطاع دخل في قوله : "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، وفي
الحديث أنَّ الله قال: "قد فعلت"، وبسط هذا له موضع آخر)) [معارج الوصول
ص43].
وعلى
كل حال لا يجوز إطلاق اشتراط إقامة الحجة لأهل البدع عموماً ولا نفي ذلك، والأمر كما
ذكرت.
فنصيحتي
لطلاب العلم؛ أن يعتصموا بالكتاب والسنة، وأن ينضبطوا بمنهج السلف في كل ناحية من نواحي
دينهم، وخاصة في باب التكفير والتفسيق والتبديع؛ حتى لا يكثر الجدال والخصام في هذه
القضايا. وأوصي الشباب السلفي خاصة بأن يجتنبوا الأسباب التي تثير الأضغان والاختلاف
والتفرق، الأمور التي أبغضها الله وحذّر منها، وحذّر منها الرسول الكريم صلى الله عليه
وسلم والصحابة الكرام والسلف الصالح، وأن يجتهدوا في إشاعة أسباب المودّة والأخوة فيما
بينهم، الأمور التي يحبها الله ويحبها رسوله صلى الله عليه وسلم. وصلى الله على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم. كتبه: ربيع بن هادي عمير المدخلي في 24/ رمضان/ 1424هـ)).
قلتُ:
هذه فتوى مفصَّلة من عالم راسخ مبنية على استقراء منه لعمل السلف الصالح، فكان ينبغي
على طالب العلم السلفي أن ينتفع منها ويأخذ بها.
لكن ماذا حصل؟!
قام
مختار الطيباوي بتشويه هذه الفتوى، وردَّ عليها بجهل وهوى، وسمى رده بـ(الاعتراض)،
وبيَّن سبب هذه التسمية في هامش
الصفحة الأولى فقال: ((سميته:
"الاعتراض"، لأنَّ الفرق بين النقض والاعتراض هو: أنَّ النقض يهدم
الدليل أصلاً، بينما الاعتراض هو إقامة الدليل على خلاف ما أقام الخصم الدليل
عليه، بحيث يسلم المعترض دليل الخصم، لكنه يرد مدلوله بإقامة دليل يثبت خلاف هذا
المدلول.
أقصد: أنَّ النقاش مع الشيخ ربيع ليس نقاشاً في توثيق
المنقولات؛ فهذا ما لم يفهمه كثير من السلفيين!!، لأنَّ النقولات التي يحتج بها كل
فريق هي تقريباً صحيحة، ولكن الاختلاف في مفهومها وتنزيلها، فهو نقاش في التأويل
والتفسير)).
قلتُ:
وأكثر الاختلاف بين أهل السنة وغيرهم كان من هذا الباب، فلا جديد، ولا يهوِّن هذا من
عمق الخلاف بين المنهجين!.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ((إنَّ منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله))
[السلسلة الصحيحة حديث (2487)].
وحتى
يلاحظ القارئ مدى مصداقية هذه الدعوى التي ذكرها الطيباوي؛ فلنأخذ هذا المثال:
الشيخ
ربيع حفظه الله تعالى ذكر أثر ابن عمر رضي الله عنهما عندما ظهر جماعة من القدرية فقال فيهم:
((فإذا لقيتَ أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني)) رواه مسلم.
فهذا دليل فهم منه الشيخ ربيع فقال:
((القسم الثاني: مَنْ هو من أهل السنة ووقع في بدعة واضحة كالقول بخلق القرآن أو القدر
أو رأي الخوارج وغيرها؛ فهذا يُبدَّع، وعليه عمل السلف)).
بينما فهم منه الطيباوي فقال: ((هذا الحديث لا يصلح مثالاً على الكلام المتقدم، فهو
يتبرأ من عقيدة باطلة مطلقاً، لم يقل: أنا بريء منهم وهم برآء مني ولو كانوا جهالاً، أو لم تبلغهم
الحجة!، فهذا لا يقوله ابن عمر ولا غيره، والواجب التفريق بين الوعيد العام و الوعيد
الخاص، بين التحذير من البدعة، وبين التبديع
بدون إقامة الحجة)).
قلتُ:
فلينظر القارئ المنصف؛ هل ذكر ابن عمر رضي الله عنهما إقامة الحجة؟! وهل قال: لعلهم
جهَّال أو لم تبلغهم الحجة؟! وهل كان حكمه على مقولة أولئك أم على أعيانهم؟ وهل أراد
مجرد التحذير أم الحكم؟!
أم
أنه رضي الله عنه بدَّعهم ولم يستفصل في أمرهم لكون البدعة واضحة، قد دلت عليها النصوص
المحكمة المتواترة؟!
فأي
المنهجين أحق أن يتبع؟!!
والعجيب أنَّ الطيباوي قال في كتابه
آنف الذكر: ((القاعدة الثالثة: التفريق
في المسائل التي يكفي فيها تبليغ الحجة، والمسائل التي يلزم فيها إقامة الحجة. فكل
قول أظهره الرسول صلى الله عليه وسلم وبيّنه فقد قامت الحجة ببيان رسول الله صلى الله
عليه وسلم. وكل قول لم يكن كذلك فلابد من بيان حجته وإظهارها)).
فهل بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم
– فضلاً عن القرآن الكريم – أنَّ الله يعلم الشيء قبل وقوعه، وأنَّ علمه أزلي أم لا؟!
وهل يجهل هذا الأمر عامي من عوام الناس؟!!
نترك الجواب للطيباوي!.
أقول: فلما قرأتُ كتاب الطيباوي، رأيتُ
أنه يجحد حقائق ثابتة بتلبيس وتمويه ويجادل في بديهيات!، وهذه هي عين السفسطة، لهذا
عزمتُ على جمع سفسطات الطيباوي وكشفها للقراء ليعرفوا مدى الفرق بين المنهجين، وليعرفوا
عاقبة المنهج الذي يربي الحلبي أتباعه عليه، ولهذا سميتُ هذا الرد ((الحاوي
في كشف سفسطات مختار الطيباوي)).
ما معنى السفسطة؟!
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ((السفسطة التي هي: جحود
الحقائق الموجودة بالتمويه والتلبيس)) [بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية
1/ 150]
وقال: ((فإنَّ
السفسطة أمر يعرض لكثير من النفوس؛ وهي جحد الحق، وهي لفظه معربة من اليونانية، أصلها
سوفسطيا أي حكمة مموهة!، فلما عُربت قيل: سفسطة)) [الرد على المنطقيين ص329]
وقال: ((فإنَّ
البديهيات لا تكون باطلة؛ بل القدح فيها سفسطة)) [إقامة الدليل على إبطال التحليل
5/ 106]
وقال: ((فمن
أراد أن يدفع العلم اليقيني المستقر في القلوب بالشبه؛ فقد سلك مسلك السفسطة)) [منهاج
السنة النبوية 7/ 339]
وقال: ((وأما
ما قد يعرض لبعضهم في بعض الأحوال من سفسطة تشككه في المعلومات!؛ فتلك من جنس المرض
والوساوس)) [الرد على المنطقيين ص251]
وقال العلامة
صديق حسن خان رحمه الله تعالى: ((وكل ما لا يساعده الحديث والقرآن فذلك في الحقيقة
سفسطة بلا برهان)) [الحطة في ذكر الصحاح الستة ص36].
وقال العلامة
الموفَّق ابن قدامة رحمه الله تعالى في روضة الناظر معلقاً في نقد مذهب مَنْ يقول:
[ليس في المسألة حكم معين، وقول كل واحد من المجتهدين حق وصواب مع تنافيهما]: (( قال
بعض أهل العلم: هذا المذهب أوله سفسطة وآخره زندقة؛ لأنه في الابتداء يجعل الشيء ونقيضه
حقاً!، وبالآخرة يخير المجتهدين بين النقيضين عند تعارض الدليلين!!، ويختار من المذاهب
أطيبها)).
وإليك أخي القارئ سفسطات الطيباوي:
1- الطعن بمنهج الشيخ ربيع حفظه الله تعالى بخلاف
ثناء العلماء الأكابر عليه وبخلاف الواقع
إنَّ من المحزن
حقاً أن نلاحظ القوم يُعرضون عن انحرافات الحويني والعرور ومحمد حسان والمغراوي وأمثالهم،
بل يناصرونهم ويقفون في صفهم ضد السلفيين، مع أنهم يعلمون بيقين أنَّ أولئك عندهم انحرافات
ومخالفات!!، لكنهم لا يجرحونهم، لأنهم يسلكون طريقة [نصحح ولا نجرِّح]!!.
لكن في الوقتِ
نفسه؛ نلاحظ القوم يجرِّحون الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى، ولا يكتفون بالتصحيح!!،
فقد وصف الطيباوي الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى في كتابه هذا أوصافاً قبيحة، وطعن بمنهجه
أكثر من مرة.
فأين التصحيح؟!
قلتُ: يظهر
أنَّ التصحيح فقط مع الحويني ومحمد حسان وأمثالهم!!
أما التجريح؛
فمع الشيخ ربيع المدخلي والشيخ عبيد الجابري وإخوانهم!!
أقول: فقد
ذكر الطيباوي في كتابه هذا؛ أنَّ في منهج الشيخ ربيع من الحزن والأسى ما يشعر المرء
بالحرج والعار في الانتساب للسلف!، وأنه منهج يسبب الضياع والعبث بعقول الشباب!، وأنه
يبذر الطاقات!، وأنه منهج يخدع الناس بالجدال حول فروع الفروع أي الخلافات المجهرية
في مسائل ليست من المطالب الشرعية لاجتناب الحديث عن الإشكالات الحقيقة التي تواجه
أهل السنة في هذا العصر!، وأنه يقوم كلية على شخصنة الخلاف!، وأنه يختصر النقاش العلمي
معه في التجريح وما يتعلق به من قواعد!؛ وهي قواعد تدور كلها على الشخص وليس على القضية
العلمية في حد ذاتها!، وأنه منهج يسارع إلى محاكمة الناقد لا النقد؛ لأنه ينطلق من
منهج سوء الظن بمن يخالفه!، وغلق الباب على أصابع المخالف بكلمات يرددها الرديف له
تتجاوز حد السب والشتيمة إلى درجة سلخ المخالف من إسلامه!، أو سنيته، وحتى من آدميته!!،
وأنَّ همَّ الشيخ ربيع هو تبديع الناس؛ فشغله الشاغل التنقيب في كتبهم وتفتيش أقوالهم
بحثاً عن عيب حتى إذا ظفر بكلمة نزل على قائلها بالحكم المؤبد: مبتدع ضال!!.
ومما قاله
الطيباوي أيضاً بالحرف الواحد: ((إنَّ منهج الشيخ ربيع لا يحمل أية اقتراحات ملموسة
لحل الأزمة بينه وبين بقية السلفيين!، ذلك أنَّ الطريق الذي يقترحه لا يمكن سلوكه!،
فالناس مثله لن تتخلى عن قناعتها لأنها دين، ولأنَّ الشيخ ربيع لا يعرف شيئاً يسمى
تطوير المواقف بالحوار والنقاش لتضييق مساحات الاختلاف)).
وقال: ((والخلاصة
التي سنخرج بها من هذا البحث: أنَّ منهج الشيخ ربيع ليس إلا تعويماً للخلاف العلمي
في مصطلحات الجرح والتعديل!، وتصفيفاً للحقائق المتضادة حتى لا يعرف السامع رأسه من
رجليه!، إنه منهج الانقياد للأتباع)).
وقال: ((لاشك
أنَّ أكثر الناس بات يعرف محصلة المنهج العلمي عند الشيخ ربيع؛ وأنه لا يتجاوز قاعدة
الهجر والتحذير!)).
وقال: ((إنَّ
هذا المنهج وفقاً لنظرة الشيخ ربيع هو اليوم في فقدان للقوة مستمر، فبعد استنفاد أثر
الانطلاقة أصبح يراوح في مكانه!، رغم خطاب النفخ في الرماد، ذلك أنه لم يدرك في غمرة الفرحة بالتوسع أنه ينتشر
في فراغ فكري!)).
وقال: ((يجب
أن نلاحظ أولاً أننا عندما ننتقد المنهج الذي يدعو إليه الشيخ ربيع، فإننا لا نحاكم
السلف، بل أعمال مَنْ ينتسب إليهم ويخالفهم)).
وقال: ((ومنهج
الشيخ ربيع كله تفريق للسلفيين، فضلاً عن مجموع أهل السنة والجماعة)).
وقال: ((لا
أتعجب من الشيخ ربيع!؛ فلم يخلو عصر من عصور الإسلام من علماء غلاة)).
وقال: ((ولعل من أبرز العلامات على عدم الفهم
عن السلف؛ أنه لو طرد الشيخ ربيع أصوله لم
يتوقف عند حد معين، فأدخل كل أهل السنة في منهج نقده!!، حتى لم يبق سنياً حقيقياً في
عرفه إلا هو!!!، والذين لم يشملهم هجومه فلحاجته إليهم!، وإلا لو اتبعنا أصوله لم يبق
أحد)).
وقال في خاتمة كتابه:
((على كل حال؛ هذا المقال الذي نقلته لي يدل على سوء فهم عند الشيخ ربيع!،
ومن هنا نعرف سبب ما يحصل بين أهل السنة من تبديع وتضليل، فإذا كان هذا هو حال الكبير
فكيف حال من يتبعه؟! ولا شك أنَّ الشيخ ربيع من خلال هذه النقولات عن الأئمة يريد إظهار
شدة تعلقه بمنهج أهل السنة، ولكن يبدو أنه بسبب تصورات مسبقة، وبسبب الحروب الكلامية
التي خاضها لم يهضم جيداً المسائل العلمية التي ينقلها عن الأئمة!، أو أهدر شرط المطابقة
لحاجته إلى تبرير عدوانه على علماء ودعاة السنة!!)).
وفي تعليقه على خاتمة وصية الشيخ ربيع التي دعا
فيها إلى عدم التفرق والجدال والخصام، ودعا فيها إلى الاعتصام بالكتاب والسنة وما جاء
عن السلف الصالح، ودعا إلى المودة وإشاعة المحبة، قال الطيباوي: ((فختم
مقاله بمثل هذه الوصية التي كلها تعارض وتناقض وتضارب مع منهجه!!، فكيف لبائع البارود
للمقتتلين أن يدعوهم إلى السلم والتصالح؟!، وقد لا أتعجب من الشيخ ربيع، فلم يخلو عصر
من عصور الإسلام من علماء غلاة!!، فهذا إضافة إلى كونه سوء فهم للنصوص، ومبالغة في
تقريرها تصل درجة الظاهرية، فهو مزاج ونفسية تغلب على صاحبها)).
أقول: لقد
وقع الطيباوي – من خلال هذه الكلمات الغليظة الجائرة! - في ظلم الشيخ ربيع حفظه الله
تعالى وفي أقصى درجاته!، هذا مع الكذب والتلبيس في بيان حقيقة منهج الشيخ.
وبدلاً من
أن يشكر الطيباوي الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى على حرصه الشديد في حماية السنة وحراسة
الدين من انتحال المبطلين، راح الطيباوي ينفِّر المسلمين من منهج الشيخ ربيع، هذا المنهج
الذي أثنى عليه أكابر أهل العلم السلفيين، كما لا يخفى على أحد منهم.
ويظهر أنَّ
شدة التمسك بالسنة والاجتهاد في الدفاع عنها وإعلان معادة المبتدعة والمنحرفين والتحذير
منهم ومن انحرافاتهم صارت عند الطيباوي وأمثاله من الغلو وتفريق صف المسلمين، وهذه
انتكاسة في المفاهيم، ليس لها من دون الله كاشفة.
2- الشيخ ربيع
لا يفرق بين النقد والناقد
قال الطيباوي: ((إنَّ منهج النقد والرد عند الشيخ
ربيع لا يفرق بين النقد والناقد، ولذلك كثيراً ما يسارع إلى محاكمة الناقد لا النقد،
لأنه ينطلق من منهج سوء الظن بمن يخالفه، وهذه إستراتيجيته في الحوار، أو ما يسميه:
"الردود العلمية")).
قلتُ: يظهر أنَّ الطيباوي لا يفرق بين الناقد
والمنقود!!، ولا بين نقد الأخطاء ونقد الأعيان!؛ من جهة اللغة والتعبير اللفظي، هذا
أولاً.
فالصحيح أن يقول: [محاكمة المنقود لا نقد الأخطاء]،
لأنَّ الناقد غير المنقود!، والنقد قد يراد به نقد الأخطاء وقد يراد به نقد الأعيان!.
ثم أقول: الطيباوي يريد من السلفيين أن ينتقدوا
أخطاء أو مخالفات أو انحرافات أهل الأهواء والبدع دون التعرض لذواتهم؛ لأنَّ التعرض
لذواتهم من شخصنة الخلاف كما يزعم هو!!.
وهذا هو بعينه منهج [نصحح ولا نجرح]!، الذي رفع
شعاره عدنان عرور، وناضل من أجله أبو الحسن المأربي، وتبعهم عليه علي الحلبي مقلداً
وملبساً.
وأما قياسهم على بعض الأئمة والعلماء الذين وقع
منهم شيء من الانحراف أو بعض المخالفات كالنووي وابن الجوزي وابن حجر وأمثالهم، فهو
كقياس إخوة يوسف عليه السلام حينما قالوا: ((إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ))، فجعلوا العلة بين الأصل والفرع مجرد الإخوة!.
وكذلك هؤلاء قاسوا انحرافات المخالفين المعاصرين
على ما صدر من انحرافات بعض العلماء المتقدمين لمجرد المخالفة والانحراف!، فقالوا:
هؤلاء وقعوا في الانحراف وأولئك وقعوا في الانحراف، لماذا بدعتم المعاصرين ولم تبدعوا
المتقدمين؟!
قلتُ: وهذا
قياس باطل يدل على جهل كبير!!، لأنَّ الفرق بينهم أنَّ المتقدمين اجتهدوا فأخطؤوا،
وتحروا الحق من جهة الشرع ولم يصيبوه، ولم يُعرف عنهم هل قامت الحجة عليهم أم لا؟،
وإنما خالفوا في مسائل خفية، ولهم مكانة رفيعة وقدم صدق في نصرة السنة ومحاربة البدع
ونشر العلم النافع في الأمة.
أما أكثر المنحرفين اليوم فليسوا من أهل الاجتهاد؛
بل من أهل الأهواء، ومع هذا فقد سلكوا طرق الزيغ في التأصيل والاستدلال والتلقي، وخالفوا
في مسائل ظاهرة معلومة في الدين، وأقيمت عليهم الحجج والبراهين وأزيلت عنهم الشبه؛
ومع هذا أصروا على المخالفة.
فكيف يستوي حال هؤلاء بأولئك؟!!
ومع هذا؛ لم يسكت أهل العلم في بيان انحرافات
وضلالات أولئك العلماء المتقدمين، بل حذَّروا الناس منها نصحاً للأمة مع حفظ مكانة
أهل العلم والاعتذار لهم.
أما الطيباوي وأمثاله فقد سكتوا عن بيان انحرافات
أهل الأهواء المعاصرين!، ونصَّبوا أنفسهم حماة للذب عنهم!!، حتى تعدَّوا على أهل العلم
وأصَّلوا الأصول المخالفة لمنهج السلف من أجلهم!!!.
فالطيباوي وأمثاله لم ينقدوا مخالفات المنحرفين
المتنازع معهم فيهم اليوم أمثال [المغراوي والعرور والمأربي والحويني ومحمد حسان] مع
علمهم بها فضلاً أن ينقدوا أعيانهم!!.
فعلام التلبيس هذا؟!
3-
الطيباوي لا يعرف الحقيقة، ومع هذا يقترح لأهل السنة في هذا
العصر طريقاً يمكن لهم سلوكه
قال الطيباوي: ((إنني هنا لا أزعم أني أملك الحقيقة!، ولكن حسبي أن أحصي عوائق
الطريق وأقترح طريقاً يمكن لأهل السنة سلوكه، وليس طريقاً - قد يكون صحيحا نظرياً
- لكنه مقطوع، أو لا يمكن السير عليه؛ كالطريق الذي يقترحه علينا الشيخ ربيع.
لاشك أنَّ أكثر الناس بات يعرف محصلة المنهج
العلمي عند الشيخ ربيع، وأنه لا يتجاوز قاعدة الهجر والتحذير!، تلك القاعدة النابعة
من فقه سد الذرائع، والتي لا تمثل عند السلف الصالح سوى حل مؤقت مشروط، جعلها هؤلاء
حلاً لكل خلاف علمي وفكري يواجههم، فهي تعبر عن جواب خاطئ لمشكل حقيقي، هو التفرق والتناحر
بين أهل السنة على قضايا لم تكن محل خلاف بين السلف، أو لم تصل إلى الحد التي هي عليه
اليوم))
قلتُ: إذا كنتَ يا طيباوي تعترف أنَّ منهج الشيخ
ربيع صحيح نظرياً، فكيف يكون الصحيح مقطوعاً أو لا يُمكن السير عليه؟!
يظهر أنَّ الطيباوي متأثر بقاعدة: ((منهج السلف
أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم))!!.
وهل تطالب يا طيباوي السلفيين أن يسلكوا طريقك
المقترح وأنت لا تملك الحقيقة؟!
كيف للسلفيين أن يتركوا طريقاً صحيحاً ويسلكوا
طريقاً مقترحاً ممن لا يملك الحقيقة؟!
أما قاعدة (الهجر والتحذير) التي صرتم تحذِّرون منها وتسخرون
بها، فهي قاعدة سلفية في حق الزائغين دلت عليها نصوص شرعية وآثار سلفية كثيرة جداً،
وكان الواجب عليكم أن تحذِّروا الناس من قاعدة (التعاون والمعذرة) التي دعا لها الأخوان
المسلمون بدلاً من التحذير عن قاعدة سلفية!!.
4-
شروط إيقاع الهجر عند الطيباوي
قال الطيباوي: ((ولِمَ لا يعترفون بأنَّ الهجر في هذه القصة [الثلاثة الذين
حلفوا] كان بأمر الإمام، وبوحي من الله تعالى؟ ولِمَ لم يفهموا بعد أنَّ الهجر النافع
هو الهجر الذي يقوم به المجتمع برمته أو غالبيته، كما كان الحال في هذه القصة، وكما
كان الحال في زمن السلف؟!))
قلتُ: فعلى مذهب الطيباوي لا ينفع الهجر إلا
بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون بوحي من الله تعالى.
الثاني: بأمر الإمام الأعظم
الثالث: أن يقوم به المجتمع كله أو أكثره.
أقول: هل كان هجر السلف للمبتدعة بهذه الشروط؟!!
أما الوحي فقد انقطع بعد موت النبي صلى الله
عليه وسلم؛ فليعلم هذا الطيباوي!!.
وأما الإمام الأعظم فقد هجر كثير من أئمة السلف
المعتزلة والجهمية الذين كانوا من بطانة المأمون!، بل وهجروا آخرين من أهل السنة لأنهم
وافقوا المأمون خوفاً من السيف!!، وهو حينئذ الإمام الأعظم!.
وأما شرط (الإجماع) أو (الجمهور) فهذه بدعة شامية
معاصرة، فقد بدَّع سلفنا الأوائل كثيراً من المبتدعة ودعوا إلى هجرهم والتحذير منهم؛
من غير النظر إلى كثرة أو إجماع!!.
فكيف بشرط أن يقوم المجتمع – بما فيه ومَنْ فيه!!
– بذلك الهجر والتحذير؟!!!
ويظهر أنَّ الطيباوي تنبه أنَّ هذه الشروط تعجيزية
لهذا قال مستنكراً علينا: ((لأنهم
لم يفرقوا عملياً بين الهجر التأديبي الذي لم يبق له تقريباً أي شرط وجود!!، وبين الهجر
الوقائي. فالأول يقوم به بالدرجة الأولى العلماء كما في الصلاة على الميت وغير ذلك، بينما الثاني يقوم به العوام
فقط للحفاظ على عقيدتهم ودينهم)).
فانظر أيها القارئ إلى قوله: ((الهجر التأديبي الذي لم يبق له تقريباً أي شرط وجود))!!.
ولهذا؛ فليفطن القارئ أنَّ الطيباوي وأمثاله
يريدون أن يوقفوا الهجر والتحذير في هذا العصر؛ وقد قال الطيباوي مصرحاً بذلك ومستنكراً
أيضاً: ((وإذا كان هذا المنهج ـ
الهجر والتحذير ـ قد تعامل به السلف في وقت ما لأسباب معروفة وبشروط مضبوطة، وكان رد
فعل دفاعي طبيعي اتجاه أفكار جديدة وغريبة دخلت العالم الإسلامي. فهل يجب أن يدوم المؤقت
الذي فقد شروطه، مع ما له من أثر رجعي ارتدادي على أصحابه؟!))
قلتُ: وكأنَّ الإسلام اليوم قد تخلَّص من الاتجاهات الفكرية
الجديدة والغريبة!!، ومعلوم أنَّ الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
5-
التفريق بين مصاحبة المبتدعة ومخالطتهم
قال الطيباوي: ((ولِمَ لا يفرقون بين المخالطة والمصاحبة؟! ولِمَ كل مخالطة
عندهم هي مصاحبة، وليس هذا مذهب السلف؟! فمعلوم أنَّ المصاحبة التي نهى عنها السلف
الصالح هي المصاحبة الخاصة أي حتى يصير من خاصته، مخافة أن يستزلَّه، وهذا لا يوجَّه
للعلماء!!، ولكن للعوام، فأخطئوا في القضية شكلاً وموضوعاً))
قلتُ: يطالب الطيباوي السلفيين بالتفريق بين
مخالطة أهل البدع – وهي عنده جائزة! – وبين مصاحبتهم؛ وهي التي نهى السلف عنها كما
يزعم هو!!.
فأقول: أين التفريق بين مصاحبة المبتدع ومخالطته
من كلام السلف يا طيباوي؟!
هذا كتب السلف موجودة بين أيدينا – ولله الحمد
– لم نجدهم يفرقون بين مخالطة أهل البدع وبين مصاحبتهم!، بل وردت في عباراتهم التصريح
بالنهي عن مخالطتهم!!، بل لم يقبل بعضهم أن يسمع كلمة ولا أن يدخل عليه أحد من أهل
البدع!!، بل كانوا يحكمون على الداخل إلى بلدتهم - وهم لا يعرفونه! - بمدخله؛ فإن دخل
بيت مبتدع أُلحق به!.
فأين هذا التفريق الباطل؟!
ثم أين التفريق في الخشية من شبهات المبتدعة
وفتنتهم بين العلماء وبين العوام؟!
ألم تعلم أنَّ بعض أئمة السلف كان يضع كرسفاً
في أذانه حتى لا يسمع من مبتدع أية؟!!
ألم تعلم أنَّ جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين
قد تأثروا بصحبة أهل البدع، وظهر ذلك في كتاباتهم ومواقفهم؟!
فمن أين لك مثل هذه الفروق يا طيباوي؟!
6-
المنهج البديل عن منهج الهجر والتحذير في نظر الطيباوي
قال الطيباوي: ((هذا هو الحل البديل المقترح لمنهج الإدانة والمفاصلة بإطلاق:
التأليف أولاً، والحوار والنقاش، هو المنهج الوحيد الذي بإمكانه أن يخرجنا من تحت قبضة
التناحر والتدابر، والتفرق الذي ذهب بريح أهل السنة والجماعة))
قلتُ: وإذا لم ينفع التأليف والحوار، هل من الحكمة
الاستمرار عليه أم التحذير والهجر هو الحل؟!
وهل تجميع وتكتيل أهل السنة ينفعهم من أجل مراعاة وحدتهم
والحذر من تفرقهم؛ ولو كانوا غثاء؟!
7-
الطيباوي يدعو إلى مفاصلة عصر السلف الصالح ويحذِّر من تتبع
خطاهم بالكلية
قال الطيباوي: ((وعلى هذا الأساس نحذِّر من الذوبان كلية في خطى السابق!،
لأنَّ لكلٍّ ظروفه وخصائصه!!، والجامع بيننا هو الكتاب والسنة والإجماع، وعلى كل جيل
أن يوقع على عصره. ومَنْ يعتقد أنَّ السلف سلكوا هذا المنهج كما يفعله الشيخ ربيع في
هذا العصر فقد أخطأ عتبة في السلم))
قلتُ: قوله ((وعلى كل جيل أن يوقع على عصره)) لا يحتاج إلى تعليق!
8-
منهج السلف يتطور بحسب ظروف الواقع
قال الطيباوي: ((فمنهج السلف خرج كرد فعل طبيعي موزون ومكيّف مع واقعه!، وهو
منهج مزدوج يعتمد أولاً على الرد العلمي الصحيح ثم الهجر والتحذير إذا توفرت الشروط!،
وكان منهجاً متطوراً حسب ظروفه!.
فبداية كانوا يحذرون فقط ولا يردون؛ لأنهم كانوا
يعتبرون الخصومة في الدين بدعة، وكانوا يكرهون الجدال والمناظرات.
ثم تطور منهجهم إلى الرد والدخول في المناظرات
وتأليف الكتب في رد البدع، بعدما كانوا يعتبرون ذلك ترويجاً للبدعة بنقل شبهاتها، فكانوا
دائماً في بحث مستمر عن أنفع وأصلح المناهج العلمية لنشر السنة ورد البدعة.
ونفس الشيء فعلوا في الرواية عن المبتدع بدؤوا بردها كلية، ثم لما احتاجوا لحفظ العلم فرقوا بين
الداعية وغير الداعية.
فموقفهم من البدعة، ومن الرواية عن المبتدعة،
ومن مناظرتهم، والرد عليهم بالكتب، ومن معاملتهم
لم يكن موقفاً جامداً، بل متطوراً مرنا حسب الظروف؛ بخلاف ما يعتقده الشيخ ربيع وغيره))
قلتُ: قوله ((وكان منهجاً متطوراً حسب ظروفه!)) لا يحتاج إلى تعليق!
9-
الفرح بكل مسلم ولو ظهر منه ما ظهر من البدع والفجور
قال الطيباوي: ((إننا في الحقيقة بحاجة إلى إعادة نظر في العمق!!، ولعل أهمها:
أن نتعلَّم الفرح بالإسلام، فمجرد كون الإنسان مسلماً يلزم أن يمده بسعادة عارمة)).
وقال: ((إنَّ التنوع داخل أهل السنة موجود شئنا أم أبينا، وتجاوزه
وهمٌ يضيِّع علينا كثير من الوقت، والسنة عائلات
علمية ودعوية متفاضلة فيما بينها، هذه حقيقة واضحة، وهم أهل الوسطية الحقيقية، ولكن
حساسية الوسطية أنها تتجاذبها الأطراف، مما يعني أنَّ الميل ـ أحياناً ـ إلى هذا الطرف
أو ذاك لا يستبعد، ولا يمكن تفاديه، فلنتعامل معه برحمة و مسامحة، والوسطية
قد تكون أحيانا البين طرفين، وأحيانا أخرى هي غير الطرفين))
قلتُ: تنبه أيها السلفي البصير إلى قوله ((والسنة
عائلات علمية ودعوية متفاضلة فيما بينها))، وسيظهر لك قريباً ما يوضحه أكثر؟!
أما قوله: ((الميل ـ أحياناً ـ إلى هذا الطرف
أو ذاك لا يستبعد، ولا يمكن تفاديه))
قلتُ: فأين التحذير من السبل التي عن يمين الصراط
المستقيم وعن شماله؛ إذا كان لا يمكن تفاديه؟!
هل كلفنا الله عز وجل بما لا يُطاق؟!!
10-
المسائل المتنازع عليها اليوم هي من موارد الاجتهاد
قال الطيباوي: ((وهناك المسائل التي ليست فيها
أدلة أصلية؛ أي لم يكن فيها سنة ولا إجماع، وهذه محض موارد الاجتهاد، كجميع المسائل
المختلف فيها مؤخراً من: خبر الثقة!، والجرح المفسر!، وحمل المجمل على المفصل!... فالمسائل
الخلافية درجات، والإنكار فيها كذلك درجات. وغاية ما يخالف به الشيخ ربيع غيره من المشائخ
والدعاة هي إما مسائل القسم الثالث أو الثاني
مما لا يجوز فيه الولاء و البراء بحال))
أقول:
هل وجوب قبول خبر الثقة من مسائل الاجتهاد؟!
وهل وجوب قبول الجرح المفسر من مسائل الاجتهاد؟!
وهل حمل المجمل على المفصَّل لحماية أهل البدع
من الإدانة والتجريح؛ من مسائل الاجتهاد؟!
ثم لنفترض جدلاً معك أنها من مسائل الاجتهاد؛
هل لا يسوغ الإنكار والعقوبة في مسائل الاجتهاد مطلقاً؟
ألم تقل أنت: ((ومعلوم أنَّ مسائل الاجتهاد لا
يسوغ فيها الإنكار إلا ببيان الحجة))، وقد نقلتَ ذلك عن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى؟!
ألم يبين الشيخ ربيع وإخوانه السلفيون الحجج
والبراهين في نصرة الحق ورد الباطل؛ فلم يستجب المخالف للحق ولا رجع عن باطله؟!
فلماذا تعيبون عليهم الإنكار والتجريح والتحذير
بعد البيان والحجة؟!
ثم
ألا تعلم يا طيباوي أنَّ المسائل الاجتهادية يسوغ فيها الإنكار إذا صارت شعاراً لأمر
لا يسوغ، ويسوغ فيها العقوبة إذا جرت إلى ضرر في دين الناس:
قال
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [منهاج السنة 1/ 44]: ((المسألة اجتهادية فلا تنكر
إلا إذا صارت شعاراً لأمر لا يسوغ؛ فتكون دليلاً على ما يجب إنكاره، وإنْ كانت نفسها
يسوغ فيها الاجتهاد)).
وقال
رحمه الله تعالى في [المجموع 10/ 375-376]: ((وكذلك يعاقب مَنْ دعا إلى "بدعة"
تضر الناس في دينهم وإنْ كان قد يكون معذوراً فيها في نفس الأمر لاجتهاد أو تقليد،
وكذلك يجوز قتال البغاة وهم "الخارجون على الإمام أو غير الإمام" بتأويل
سائغ مع كونهم عدولاً... وكذلك نقيم الحد على مَنْ شرب "النبيذ المختلف فيه"
وإنْ كانوا قوماً صالحين؛ فتدبر كيف عوقب أقوام في الدنيا على ترك واجب أو فعل محرم
بيِّن في الدين أو الدنيا وإنْ كانوا معذورين فيه؛ لدفع ضرر فعلهم في الدنيا)).
واليوم؛
صارت قاعدة (نصحح ولا نجرح) شعاراً ينتصر له كلُّ مميع ضائع!.
وكذلك
أفسد هؤلاء المميعة اليوم منهج كثير من الشباب السلفي كما هو ملاحظ.
فكيف
لا يسوغ الإنكار ولا العقوبة؟!
أما
قول الطيباوي: ((فكثير من
المسائل المنتقدة على الشيوخ المجروحين - زوراً وظلماً - قال بها كبار أئمة السنة،
ولم تكن في زمانهم خاضعة للولاء والبراء. وبالتالي القدح في مَنْ وافقهم على أقوالهم
هو قدح في إمامتهم))
أقول: يا طيباوي؛ هل الحق يعرف بالرجال أم بالدليل والبرهان؟!
هل لو قال أحد كبار أئمة السلف بقول باطل – اجتهاداً منه
– وتبعه جماعة اليوم، يكون القدح في هذه الجماعة قدحاً في ذلك الإمام؟!
من أين لك مثل هذا التقرير يا طيباوي؟!
ألم تعلم أنَّ
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يقول في [مجموع 10\383]: ((كل
واحد من الناس قد يؤخذ من قوله وأفعاله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وما من الأئمة
إلا مَنْ له أقوال وأفعال لا يتبع عليها؛ مع أنه لا يذم عليها)).
وقال رحمه
الله تعالى في [المجموع 6/ 71]: ((إذا رأيتَ المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم
فاغتُفرت لعدم بلوغ الحجة له، فلا يُغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول؛ فلهذا يُبدَّع
مَنْ بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك، ولا تبدَّع عائشة ونحوها ممن لم
يعرف بأنَّ الموتى يسمعون في قبورهم؛ فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع)).
11-
التصوف العملي
وإرجاء الفقهاء من مذهب أهل السنة عند الطيباوي
قال الطيباوي: ((إلحاق الصوفية ومرجئة الفقهاء بالروافض والجهمية والمعتزلة
لم يقل به أحد من أهل السنة المعتد بأقوالهم ـ فيما طالعتُ إلا في حال التنفير لا التفصيل
ـ، بل هذا باطل من القول لا يقوم عليه دليل. فأهل التصوف أصناف؛ يجب التفريق بين التصوف
السني والتصوف البدعي، والتصوف البدعي منه ما بدعه أخف لا يتجاوز البدع العملية، ومنه
ما بدعه غليظة مثل الحلول والاتحاد؛ وهو التصوف الكشفي أو الفلسفي، فهذا يلحق بالجهمية
نعم. أما غيره فلا يجوز بحال، بل هم من أهل السنة.
ومعلوم أنَّ
كثيراً من المتصوفة والزهاد كالشيخ أبي مدين والشيخ عدي والشيخ عبد القادر الجيلاني،
ومن هم أعلى من هؤلاء عندهم بعض البدع العملية، ولا أعلم أحداً من أهل السنة أطلق عليهم
اسم مبتدع بإطلاق كما يطلق على الرافضي والجهمي، فهذا أول انزلاق للشيخ ربيع))
قلتُ: انظر
أيها القارئ الفطن إلى هذا الطيباوي؛ كيف أدخل التصوف البدعي في منهج أهل السنة والجماعة،
لتعرف حينها ما هي عاقبة المنهج الذي يدعو له مميعة العصر؟!
ولا يدري هذا
الطيباوي أنَّ كلَّ مَنْ فعل عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل ولم يدل عليها دليل شرعي
فإنه مبتدع، وهذا من حيث العموم.
فكيف يكون
التصوف البدعي العملي من منهج أهل السنة؟!
وأما وقوع
بعض الأئمة أو المشايخ الصالحين في شيء من البدع فهؤلاء قد يُعذرون لاجتهادهم وعدم
قيام الحجة عليهم أو عدم بلوغ الدليل إليهم أو لتأويل سائغ أو لسبب من الأسباب التي
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتابه [رفع الملام عن الأئمة الأعلام]، لكن هذا
لا يلزم منه إدخال بدعهم في منهج أهل السنة!!، أو الاعتذار لمن تبعهم وقلدهم مع قيام
الحجة عليهم وبلوغ الحق إليهم كما تقدَّم!، ولا يسوغ هذا نسبة المتصوفة من جهة العمل
والعبادة إلى أهل السنة!!، هذا باطل بيقين.
وكيف تغافل
الطيباوي عن حادثة النفر الذين كانوا يذكرون الله في المسجد بالحصى على هيئة حِلق،
ولهم رأس يكبر فيكبرون بعده ويسبح فيسبحون بعده، ألم تكن بدعتهم من قبيل التصوف البدعي
العملي؟! فأين صارت عاقبتهم؟!
وأما قول الطيباوي
في إدخال إرجاء الفقهاء في معتقد أهل السنة؛ فقد قال بالحرف: ((كذلك مرجئة الفقهاء
هم من أهل السنة)).
أقول: وهذا
باطل؛ مرجئة الفقهاء ليسوا من أهل السنة المحضة، قد يدخلون في مصطلح أهل السنة في مقابل
الرافضة كما قال شيخ الإسلام في المجموع، أما معتقد أهل السنة والجماعة أهل الحديث
فلا يدخلون فيه.
نعم؛ منهم
علماء أجلاء وأئمة كبار وهم من أهل السنة؛ لكنهم وقعوا في الإرجاء اجتهاداً ولم يتبين
لهم الحق، ولهذا نحذِّر الناس من إرجائهم ونحفظ مكانتهم.
أما مرجئة
الفقهاء كمذهب؛ فهي من طوائف المرجئة وليست من أهل السنة!.
فلا تخلط يا
طيباوي بين الاعتذار لأهل العلم الذين وقعوا في ذلك الإرجاء، وبين إدخال هذا المذهب
الرديء في معتقد أهل السنة!.
12- إدخال الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ في فرقة
أهل السنة والجماعة
قال الطيباوي: ((إلحاق الإخوان وجماعة التبليغ بالجهمية
والروافض والمعتزلة قول باطل برمته!، قد يذكره بعضهم من باب التنفير، فالإخوان ليسوا
بجماعة دينية بمعنى فرقة إسلامية لها عقيدة مميزة!!، وإنما هم جماعة دعوية سياسية فيها
السلفي (!!) والأشعري والصوفي وغيرهم، وإنزال هذا الحكم بهم مطلقاً غير صحيح، ولا هو من حكم العلم والعدل!!.
أما جماعة
التبليغ؛ فقد قال بعضهم: أنه رآهم في بلادهم
يطوفون بالقبور!، وهؤلاء غايتهم أنهم كالصوفية، ولكن من أعرفهم شخصياً من جماعة
التبليغ ليسوا قبوريين بل من أهل السنة والجماعة!!، يقولون بالكتاب والسنة، ولا يعظمون
القبور، وليست لهم عناية بعلم الكلام، وهذا لا يجعلهم كالجهمية والمعتزلة والروافض،
بل هم عندي من أهل السنة!!!.
ولكن هم كعوام
أهل السنة، ومعلوم أنَّ السنة ليست شيئاً واحداً، فمن كان غالب حاله السنة فهو سني،
ومن كان غالب حاله البدعة فهو مبتدع.
أما ربط السنة
بمعيار واحد أو مسألة واحدة؛ فهذا ليس بصحيح بتاتاً، غير أنَّ السنة تتفاضل!، وأهلها
متفاضلون!، وكون أهل الحديث والسنة هم أعلى وأعظم أهل السنة لا يخرج البقية من السنة!!!.
كل ما في الأمر
أنهم يأتون التبليغ من بيئات مختلفة، فمنهم من يأتيه من الطرقية، ومنهم من يأتيه من
جماعات أخرى.
والذين أعرفهم
منهم لهم عناية بالدعوة، يعتمدون الكتب الصحيحة كرياض الصالحين، ويستعملون قصص الصحابة
في الدعوة، لا أعلم عنهم الاشتغال بكتب بدعية، وأنا أحكم بما أعلمه عن الناس!!، وليس
بما يقال عنهم، ولا دليل عليه.
ثم من قال
من السلف أنهم كالرافضة والجهمية ولم يعرف السلف بوجودهم؟!!، وما الدليل على إلحاقهم
بأصحاب البدع الغليظة؟!، وقد بيّنت سابقاً الفرق بين بدع الأقوال وبدع العقائد، وبين
البدع العملية والبدع العقدية؟!))
أقول: هنا
تسكب العبرات حقاً!!.
هذا التصريح
من الطيباوي يمثل المنهج الواسع الذي رفع شعاره المأربي ولحقه عليه مَنْ بعده من المميعة
أفراخ الإخوان!.
هذا النص يدل
على مدى جهل هذه الطائفة التي ظهرت اليوم بلبوس السلفية!، والتي تدعو إلى تجديد مفهوم
منهج السلف بحسب واقع الدعاة والدعوات!.
ألم يجعل الأئمة
الثلاثة وغيرهم من كبار علماء العصر الإخوان المسلمين والتبليغ من الفرق الثنتين والسبعين
الهالكة؟!
فمَنْ الذي
يتبع منهج العلماء الكبار ومَنْ الذي يخالفهم؟!!
أبو الحسن
المأربي خرج على السلفيين مدعياً أنَّ الإخوان المسلمين في اليمن غير الإخوان في البلاد
الأخرى؛ ولهذا جعلهم من أهل السنة كما هو معلوم عند الجميع!!.
واليوم الطيباوي
يدَّعي أنَّ جماعة التبليغ الذين يعرفهم من أهل السنة!!.
ولا أدري هل
سيأتي يوم يخرج علينا مدَّع يقول الشيعة الذين عندنا أو الذين أعرفهم من أهل السنة؟!!
ثم مَنْ قال
من أهل العلم أنَّ بدع الأقوال والأعمال لا تخرج الرجل من السنة؟!
ومَنْ قال
أنَّ البدع الغلاظ ما كان منها متعلِّقاً بالاعتقاد، وما سواها فمن البدع الخفيفة؟!
ألم يقل صلى
الله عليه وسلم: ((وكل بدعة ضلالة))، فلماذا هذا التهوين من بدع الأقوال والأعمال؟!!
هذا بالطبع
على فرض أنَّ جماعة الإخوان وجماعة التبليغ ليس عندهم بدع عقائدية!!، وهذا فرض مخالف
للحقيقة والواقع بيقين!!.
قلتُ: ويظهر
أنَّ الطيباوي متأثر جداً بالتفريق الذي أحدثه المعتزلة بين الأصول والفروع من جهة
عدم الإعذار في الاعتقادات والإعذار في العمليات، والله أعلم.
13- إدخال
غلاة التكفير وغلاة التجريح والتبديع في أهل السنة
قال الطيباوي وهو يتحدث عن منهج الشيخ ربيع:
((ونتيجة لهذا المنهج المضطرب، والذي يمثل الغلو الحقيقي في السنة، فأهل السنة:
فيهم غلاة في التكفير، وغلاة في التبديع، وغلاة في التجريح؛ وهذا معروف من قديم
الزمان. والغلو في السنة، في أي مسألة من المسائل ليس هو السنة، بل هو بدعة كسائر البدع،
وإنْ ارتكزت على أصل مشروع أو نقل صحيح)).
قلتُ: فخوارج العصر والحدادية من أهل السنة في نظر الطيباوي!!،
فليفرحوا بمثل هذه التأصيلات الفاسدة والتزكيات الباطلة!.
14-
التفريق بين مفهوم (السلفيين) ومفهوم (أهل السنة والجماعة)
قال الطيباوي: ((ومنهج
الشيخ ربيع كله تفريق للسلفيين فضلاً عن مجموع أهل السنة والجماعة)).
قلتُ: والسلفيون هم أهل السنة والجماعة، لا كما يزعم القطبيون
والسروريون وغيرهم من الحزبيين: أنَّ أهل السنة والجماعة تشتمل جماعات ودعوات وأحزاب
وجمعيات عديدة؛ منهم السلفيون والإخوان والتبليغ والتحرير وجماعة الجهاد وجمعية التراث
وغير ذلك، فهذا التفريق حزبي ومعلوم قديماً.
15- التفريق في كلام السلف بين ما كان منه في مقام
التنفير وما كان منهم في مقام التبديع
يُحاول الطيباوي ومَنْ معه إبعاد الشباب السلفي من الارتباط
بمنهج أئمة السلف وما ورد عنهم من آثار في التعامل مع المبتدعة؛ ولهذا زعموا أنَّ السلف
كثيراً ما يحكمون على الرجل بأنه مبتدع من باب التنفير لا من باب الحكم وإخراجه من
أهل السنة!!.
قال الطيباوي: ((اعتباره مبتدعاً
لا يكون حتى تقام عليه الحجة ويبلغه العلم بها؛ وهذا أصل في الدين قد يتركه بعض الأئمة
أحياناً تقديراً للمصلحة من التنفير من البدعة، والتحذير منها، والمبالغة في النكير،
ولكن في الشريعة لا عقوبة إلا بعد قيام حجة. والإشكال عند بعض الناس أنهم لا يفرقون
بين كلمات التنفير المنتشرة بكثرة في كلام السلف، وبين الحكم الشرعي))
قلتُ: نعم؛ قد يحصل أن ينسب أحد أئمة السلف مقولة لها وجه
حق أو قائلاً إلى البدعة قبل أن يستفصل عن حاله؛ ويكون المراد تنفير الناس من المقولة
لأنها تحتمل حقاً وباطلاً أو تكون ذريعة لباطل أو تنفيرهم من قائلها لحال معين؛ لكن
ليس هذا هو الأصل!، ولم يقع منهم هذا بكثرة كما يزعم هؤلاء!!.
بل الأصل أنَّ نسبة أولئك للبدعة هو حكم بإخراجهم من السنة
لا لمجرد التنفير من أفعالهم أو مقالاتهم؛ فإنْ ورد ما يدل على خلاف هذا الأصل بالقرينة
الثابتة والبرهان البين فيستثنى منه من غير نقض للأصل، فليعلم هذا.
16- تنزيل
كلام البشر بمنزلة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عند التعارض
قال الطيباوي في مسألة حمل المجمل على المفصل: ((فكما نسعى
إلى نفي الاختلاف والتضارب عن النصوص نسعى إلى إنصاف الناس وعدم مؤاخذتهم بالكلام المجمل
الذي يخرج عنهم: لعجز عن اللفظ المطابق، أو عن التعبير بفصاحة، أو لسوء حفظ، أو تداخل
مسائل علمية متشابهة، أو لعدم تحرير ينتفي بكلامهم المفصل.
فنحمل كلام الناس المجمل على ما عرفوا به وشاع عنهم، لا على
حب تصيد الأخطاء لهم!، فإنْ تعددت مخارج كلامهم المجمل، ولم نجد ما ينافيه من كلامهم
الصريح، تعذر الحمل حينئذ وعرفنا بأنه مذهبهم))
أقول: هذا قياس مع فارق واضح!.
ومسألة "حمل المجمل على المفصل"
هي مسألة مذكورة في كتب أصول الفقه فيما يخص أدلة الكتاب والسنة فحسب؛ لأنَّ كلام الشارع
لا يُمكن أن يقع فيه الاختلاف أو الغلط قال تعالى: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ
اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً))، فإذا رأى أحدنا في ظاهر الأمر أنَّ
بين دليلين صحيحين تعارضاً أو تناقضاً في دلالاتهما؛ وكان أحدهما مجملاً والأخر مبيناً؛
فيجب حمل المجمل على المبين لدفع ذلك الاختلاف في أدلة الكتاب والسنة. أما كلام البشر
غير المعصومين فقد يقع في كلامهم الخطأ أو الاختلاف!؛ فإيجاب حمل كلامهم المجمل على
المبين ينبئ باستبعاد أن يقع الخطأ والاختلاف في كلامهم!!؛ وليس الأمر كذلك!، فقد قال
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [الفتاوى الكبرى 4/ 26]: ((وقد
ثبت أنَّ التناقض واقع من كل عالم غير النبيين عليهم السلام)).
لهذا لا ينبغي أن نوجب على الناس
حمل كلام البشر المجمل على كلامهم المفصل، ولا أن نوجب عليهم إذا وجدوا لأحد غلطاً
بيناً أو انحرافاً ظاهراً أن يبحثوا في جميع كلامه وكتبه لعلنا نجد له ما يخالفه فيحمل
كلامه المتقدم عليه.
بل الوجب على المتكلِّم أن يختار
الألفاظ الشرعية ويعرض عن الألفاظ المجملة أو المشتبهة التي تحتمل الحق والباطل فضلاً
أن يكون وجه البطلان فيها ظاهر!.
أما مَنْ عُرِفَ مذهبه – الحق
أو الباطل - وشاع عنه، ثم وجد له كلاماً يحتمل الباطل أو يحتمل الحق، فالأصل ما عُرِفَ
من مذهبه لا ما احتمله كلامه في أحد المواضع، والله أعلم.
أما في الألفاظ التي قد تحتمل
الكفر المخرج من الملة فلا ينبغي الإسراع في إطلاق أحكام التكفير قبل الاستفصال والبيان؛
وهذا من باب الحذر من الوقوع في تكفير الناس بالباطل، وليس من باب حمل المجمل على المفصل
كما يزعم الطيباوي!.
17- عدم الإنكار على مَنْ استعمل الألفاظ التي تحتمل
حقاً وباطلاً إلا بعد المعرفة والتمادي ومخالفة السلف.
قال الطيباوي: ((أما مَنْ عرف أنَّ هذا اللفظ
يحتمل حق وباطل وتمادى في إطلاقه مخالفاً للسلف الذين لم يثبتوه ولم ينفوه، وتقيدوا
بالألفاظ الشرعية فهذا مبتدع، لكن يُفرّق بين إطلاقه ابتداء وإطلاقه انتهاء))
قلتُ: بل الرد والإنكار على مَنْ استعمل الألفاظ المشتبهة
المجملة ابتداء، لأنه لا ينبغي التقدم بين يدي الألفاظ الشرعية، والأصل في مسائل الإثبات
والنفي التوقيف، فمن لم يقف حتى يرد الدليل فقد خالف منهج السلف.
قال
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [درء تعارض العقل والنقل 1/ 145]: ((فطريقة السلف والأئمة:
أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية؛
فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومَنْ تكلَّم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب
والسنة ردوا عليه، ومَنْ تكلَّم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة أيضاً،
وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة ورد باطلاً بباطل))
وقال في موضع آخر [المجموع 20/
540]: ((فإنَّ مَنْ خاطب بلفظ عام يتناول حقاً وباطلاً ولم
يبين مراده توجَّه الاعتراض عليه)).
وقال
شيخ الإسلام كذلك [المجموع 8/ 294]: ((الواجب إطلاق العبارات الحسنة وهي المأثورة التي
جاءت بها النصوص، والتفصيل في العبارات المجملة المشتبهة))
وقال
في [الرد على البكري 2/ 702-703]: ((بل الواجب أن يعبر عن المعنى باللفظ الذي يدل عليه؛
فإن كان اللفظ نصاً أو ظاهراً حصل المقصود، وإنْ كان اللفظ يحتمل معنيين أحدهما صحيح
والآخر فاسد تبين المراد، وإنْ كان اللفظ يفهم منه معنى فاسد لم يطلق إلا مع بيان ما
يزيل المحذور، وإنْ كان اللفظ يوهم بعض المستمعين معنى فاسداً لم يخاطب بذلك اللفظ
إذا علم أنه يوهم معنى فاسداً؛ لأنَّ المقصود بالكلام البيان والإفهام، وأما إذا كان
اللفظ دالاً على المراد وجهل بعض الناس معناه من غير تفريط من المتكلم: فالدرك على
المستمع لا على المتكلم)).
وقال
في [المجموع 12/ 251-252]: ((فهذه المواضع يجب أن تفسَّر الألفاظ المجملة بالألفاظ
المفسَّرة المبينة، وكل لفظ يحتمل حقاً وباطلاً فلا يُطلق إلا مبيناً به المراد الحق
دون الباطل،
فقد قيل أكثر اختلاف العقلاء من وجهة اشتراك الأسماء، وكثير من نزاع الناس في هذا الباب
هو من جهة الألفاظ المجملة التي يفهم منها هذا معنى يثبته ويفهم منها الآخر معنى ينفيه،
ثم النفاة يجمعون بين حق وباطل، والمثبتة يجمعون بين حق وباطل)).
وقال
في [درء التعارض 1/ 42]: ((ولهذا يوجد كثيراً في كلام السلف والأئمة النهي عن إطلاق
موارد النزاع بالنفي والإثبات؛ وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق ولا قصور أو تقصير في
بيان الحق، ولكن لأنَّ تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة على حق وباطل،
ففي إثباتها إثبات حق وباطل، وفي نفيها نفي حق وباطل؛ فيمنع من كلا الإطلاقين، بخلاف
النصوص الإلهية فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل، ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها
يجعلون كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب إتباعه فيثبتون ما أثبته الله
ورسوله وينفون ما نفاه الله ورسوله، ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعاً
من إطلاقها نفياً وإثباتاً، لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الاستفسار والتفصيل،
فإذا تبين المعنى أثبت حقه ونفي باطله، بخلاف كلام الله ورسوله فإنه حق يجب قبوله وإنْ
لم يفهم معناه، وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه))
وقال [درء التعارض 1/ 149]:
((والمقصود هنا: أنَّ الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة
المجملة المشتبهة لما فيه من لبس الحق بالباطل؛ مع ما توقعه من الاشتباه والاختلاف
والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة والألفاظ التي بينت معانيها، فإنَّ ما كان مأثوراً
حصلت له الألفة وما كان معروفاً حصلت به المعرفة؛ كما يُروى عن مالك رحمه الله أنه
قال: "إذا قلَّ العلم ظهر الجفاء وإذا قلَّت الآثار كثرت الأهواء".
فإذا
لم يكن اللفظ منقولاً ولا معناه معقولاً ظهر الجفاء والأهواء، ولهذا تجد قوماً كثيرين
يحبون قوماً ويبغضون قوماً لأجل أهواء لا يعرفون معناها ولا دليلها؛ بل يوالون على
إطلاقها أو يعادون من غير أن تكون منقولة نقلاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم
وسلف الأمة، ومن غير أن يكونوا هم يعقلون معناها ولا يعرفون لازمها ومقتضاها، وسبب
هذا إطلاق أقوال ليست منصوصة وجعلها مذاهب يُدعى إليها ويوالي ويعادى عليها))
قلتُ: ولابد أن نعلم أنَّ استعمال
الألفاظ المجملة التي تشتمل على الحق والباطل مسلك من مسالك المبتدعة ليغرِّروا الناس
وليلبسوا عليهم دينهم!؛ ومثلهم المداهنون الذين يختارون الألفاظ المجملة والأجوبة السياسية
المحتملة!.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى
في [درء التعارض 1/ 120-121]: ((الذين يعارضون الكتاب والسنة
بما يسمونه عقليات من الكلاميات والفلسفيات ونحو ذلك؛ إنما يبنون أمرهم في ذلك على
أقوال مشتبهة مجملة تحتمل معاني متعددة، ويكون ما فيها من الاشتباه لفظاً ومعنى يوجب
تناولها لحق وباطل؛ فبما فيها من الحق يقبل ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس،
ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وهذا منشأ ضلال
من ضلَّ من الأمم قبلنا، وهو منشأ البدع، فإنَّ البدعة لو كانت باطلاً محضاً لظهرت
وبانت وما قبلت، ولو كانت حقاً محضاً لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة؛ فإنَّ السنة لا
تناقض حقاً محضاً لا باطل فيه، ولكن البدعة تشتمل على حق وباطل)) إلى أن قال: ((والمقصود
هنا قوله: يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، وهذا
الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس هو الذي يتضمن الألفاظ المتشابهة المجملة
التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة، وتلك الألفاظ تكون موجودة مستعملة في الكتاب
والسنة وكلام الناس لكن بمعان أخر غير المعاني التي قصدوها هم بها، فيقصدون هم بها
معاني أخر فيحصل الاشتباه والإجمال))
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله
تعالى في [الصواعق المرسلة 3/ 927]: ((قال تعالى:
"ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"، فنهى عن لبس الحق
بالباطل وكتمانه؛ ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر، ومنه التلبيس وهو التدليس
والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره، فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر
الباطل في صورة الحق وتكلم بلفظ له معنيان معنى صحيح ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه
أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل فهذا من الإجمال في اللفظ.
وأما
الاشتباه في المعنى فيكون له وجهان؛ هو حق من أحدهما وباطل من الآخر، فيوهم إرادة الوجه
الصحيح ويكون مراده الباطل. فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة؛
ولاسيما إذا صادفت أذهاناً مخبطة، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب، فسل مثبِّت القلوب
أن يثبِّت قلبك على دينه، وأن لا يوقعك في هذه الظلمات))
وقال في [شفاء العليل ص136]: ((أصل
بلاء أكثر الناس من جهة الألفاظ المجملة التي تشتمل على حق وباطل فيطلقها مَنْ يريد
حقها، فينكرها مَنْ يريد باطلها، فيرد عليه مَنْ يريد حقها؛ وهذا باب إذا تأمله الذكي
الفطن رأى منه عجائب، وخلصه من ورطات تورط فيها أكثر الطوائف)).
18-
اشتراط إقامة الحجة مطلقاً في حق مَنْ ينتمي إلى
السنة ووقع في البدع
قال الطيباوي: ((مَنْ كان ينتمي إلى فرقة بدعها
السلف الصالح فيبدع بدون إقامة الحجة، بمعنى يلحقه اسم المبتدع، ولكن لا يعاقب بدون
إقامة الحجة عليه، ففرق شاسع بين إلحاق الاسم (مبتدع) وإلحاق الحكم. أما غيرهم فلا
يجوز تسميته مبتدعاً إلا بعد قيام الحجة))
وقال: ((نفرق بين أهل السنة؛ وهم من يعمل بأصول أهل السنة
وينتسب إليهم ووقع في بدعة؛ ففعله بدعة باقية على وصفها واسمها، بينما هو لا يعد مبتدعاً
بل مخطئاً. بينما من انتسب إلى طائفة بدعها السلف فيطلق عليه اسم المبتدع، وقد يكون
في الباطن مغفوراً له للاجتهاد أو تقليد جائز)).
وقال: ((والخلاصة أن نقول: إثبات الاسم أو صفة الفعل غير
إثبات الحكم؛ فالمبتدع لا يثبت عليه حكم المبتدع بمجرد فعل البدعة حتى ينظر في الشروط
والموانع التي بينتها سابقاً، وفي نفس الوقت لا يمنع من ذم تلك البدعة والتحذير منها
وبيان بطلانها، وإثبات صفة الفعل إنْ كان سنياً أخطا أي نقول: فعل بدعة، وقع في بدعة،
أو إثبات اسم المبتدع كالمنتمين للطوائف المبتدعة)).
قلتُ: الطيباوي وأمثاله لا يُبدِّعون مَنْ ينتسب إلى أهل
السنة ووقع في بدعة إلا إذا أقيمت عليه الحجة، هكذا على الإطلاق، من غير تفصيل.
وأما الشيخ ربيع حفظه الله تعالى والسلفيون فيفرقون بين جهتين:
الأولى: من جهة البدعة؛ فالبدع الواضحة كخلق القرآن ووحدة
الوجود ووحدة الأديان والتحزب، فتبديع مَنْ وقع فيها لا يحتاج إلى إقامة حجة، لأنها
ظاهرة.
فمثلاً لو دعا شيخ سلفي معروف الآن إلى إنشاء حزب له للدخول
في العمل السياسي؛ فهل نحتاج إلى إقامة الحجة عليه؟!
هل نحتاج إلى إقامة الحجة على الحويني الذي كفَّر المصر على
المعصية؟!
وكذا عندما صرَّح أنَّ الحاكمية أخص خصائص الإلوهية؟!
وعدنان عرور الذي جعل سيد قطب أفضل مَنْ تكلَّم في المنهج؟!!
وهكذا...
قال
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [المجموع 42/ 172]: ((مَنْ خالف الكتاب المستبين والسنة
المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه: فهذا يعامل بما يعامل به
أهل البدع)).
أما المسائل الخفية الدقيقة؛ فيشترط فيها إقامة الحجة للبيان
والاستفصال.
قال
شيخ الإسلام في [المجموع 20/ 166]: ((ولا ريب أنَّ الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة
وإنْ كان ذلك في المسائل العلمية؛ ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة، وإذا كان الله
يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونه لم يطلب العلم، فالفاضل المجتهد
في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه
هو أحق بأن يتقبل الله حسناته ويثيبه على اجتهاداته، ولا يؤاخذه بما أخطأ تحقيقاً لقوله:
"ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"))
الثانية: من جهة صاحب البدعة؛ إنْ كان يتحرى الحق من جهة
الشرع واستفرغ وسعه في تحصيله ولم يناله؛ فهذا لا يبدَّع إلا بعد إقامة الحجة، وأما
إنْ كان مقصِّراً في تحصيل الحق سالكاً سبل الزائغين، فهذا يبدَّع وإنْ لم تقم عليه
الحجة.
قال
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [الفتاوى الكبرى 6/ 92 ]: ((إنَّ الرجل الجليل الذي
له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا، قد تكون منه
الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور؛ لا يجوز أن يتبع فيها مع بقاء مكانته ومنزلته
في قلوب المؤمنين))
وقال
في الهروي وأمثاله [درء التعارض 1/ 283]: ((ثم إنه ما من هؤلاء إلا مَنْ له في الإسلام
مساع مشكورة وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار
لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل
وإنصاف؛ لكن لما التبس عليهم هذا لأصل المأخوذ ابتداء عن المعتزلة -وهم فضلاء عقلاء-
احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من
أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذلك: منهم مَنْ يعظِّمهم لما لهم من المحاسن والفضائل،
ومنهم مَنْ يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل، وخيار الأمور أوساطها؛ وهذا
ليس مخصوصاً بهؤلاء بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين، والله تعالى يتقبل
من جميع عباده المؤمنين الحسنات ويتجاوز لهم عن السيئات))
قال
شيخ الإسلام في [درء التعارض 1/ 283]: ((ولا ريب أنَّ من اجتهد في طلب الحق والدين
من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخطأ في بعض ذلك؛ فالله يغفر له خطأه تحقيقاً للدعاء
الذي استجابه الله لنبيه وللمؤمنين حيث قالوا: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"))
وقال
[المجموع 20/ 30]: ((والمجتهد المخطئ له أجر؛ لأنَّ قصده الحق، وطلبه بحسب وسعه))
وقال
[المجموع 13/ 125]: ((ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين: إنَّ المجتهد الذي
استفرغ وسعه في طلب الحق يأثم؛ لا في الأصول ولا في الفروع)).
بينما
قال في [المجموع 3/ 317]: ((فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من إتباع القرآن والإيمان
مثلاً، أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهى عنها، أو لإتباع هواه بغير هدى من
الله: فهو الظالم لنفسه؛ وهو من أهل الوعيد، بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطناً
وظاهراً الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره الله ورسوله فهذا مغفور له خطؤه))
19- دعوى أنَّ المنهج السلفي المعاصر يحتاج إلى إصلاح
كضرورة وواقع
قال الطيباوي: ((وفي الأخير أقول: إصلاح المنهج
السلفي المعاصر ضرورة شرعية وواقعية ملحة)).
قلتُ: إذن أصل الخلاف ليس مع الشيخ ربيع ولا
غيره من علماء السلفيين المعاصرين!، وإنما حقيقة الخلاف مع المنهج السلفي!، فليفطن
السلفي لهذا ولا ينخدع. فالطيباوي وأمثاله كثيرون يدعون إلى إصلاح المنهج السلفي نفسه!؛
ليلائم الواقع الذي يعيش فيه، ولا يذوب في منهج السلف الأوائل، لأنَّ لكل عصر واقع
خاص به، فينبغي أن يتلائم المنهج بحسب ظروف الواقع المعاصر له!!.
والحقيقة أنَّ هذه هي أساس فكرة الإخوان المسلمين
كما لا يخفى على أحد.
والله الموفِّق
بين
الحلبي والطيباوي؛ هل تعارض أم توافق؟!
[نسخة
معدلة ومزيدة]
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:
فإنَّ ما يراه
القارئ من تناقض بين آراء الحلبي وبين آراء الطيباوي يقف حائراً متسائلاً؛ كيف للحلبي
أن يمدح مقالات هذا الرجل وينصح به؟!
- هل لأنَّ الحرب الآن ضد الشيخ ربيع توجب عليهما التوافق وترك الاختلاف فيما بينهما جانباً؟!
- أم أنَّ الحلبي أفلس ممن يقف معه في حربه وفتنته هذه؛ فلم يجد إلا أن يستنجد ولو بنطيحة أو متردية؟!
- أم أنَّ المنهج الواسع الأفيح يحتمل في طياته مثل هذه الصور من التناقض؟!
- أم أنَّ الحلبي قد تغيرت مواقفه وآراؤه كما تغير منهجه ودعوته؟!
لعل
الأخير هو الأقرب، وقد يكون كل ما تقدَّم هو السبب؛ والله أعلم.
فلنضرب
أمثلة على التناقض الحاصل بين الرجلين:
الأول:
تبديع الحلبي لسفر وسلمان، وثناء الطيباوي عليهما والدفاع عن سنيتهما.
قال
الحلبي في [رسالته المفتوحة للشيخ ربيع]: ((أمْ بَلَغَكَ
(!) -حفظَكَ اللهُ- أنَّنا نُدافعُ عن (سَفَر وسَلمان)، فضلاً عن (سيد ومحمد
آل قطب)، أو (أبي
غُدَّة والكَوثريّ)، أو (المَسْعَرِيّ والمليباري)، أو (ابن لادِن والظَّواهري)؛ بَلْهَ (الجعد والجَهْم)،
أو (البَكْرِي والأخنائِي)، أو (أبي الهُذَيْل والقاضي
عبدالجَبَّار) -وأشباهِهم وأشياعِهم!- من رؤوس أهل البدع المتقدّمين والمتأخّرين-؟ لا؛ والذي فَلَقَ
الحَبَّة، وبَرَأَ النَّسْمَة!!!)).
بينما قال الطيباوي في [فتوى بعنوان:
منهج سفر وسلمان] وهي في
موقعه: ((والشيخ سفر الحوالي وكذلك الشيخ سلمان العودة من العلماء!!؛ سواء
اتفقنا
أو اختلفنا معهم في بعض الأشياء. وكوني اختلف معهم في بعض المسائل التي هي:
إما من
قسم موارد الاختلاف، أو من الاختلاف الذي له أسباب موضوعية ووجيهة؛ فلا يجوز
لي بحال
أن أسميهم بغير اسمهم!، أو أنسبهم إلى طائفة غير طائفة أهل السنة!!، فإنَّ الحقيقة
المستفادة
من هذا الاسم تستغرق غالب أحوالهم ومقالاتهم التي اطلعت عليها، ولولا
البغي الحاصل بين أهل السنة مؤخَّراً
لما وصل النزاع إلى ما وصل إليه!!.
على كل
حال ذاك
زمان وهذا زمان، والواجب علينا الإقرار للشيخين بفضلهم، وعذرهم فيما نعتقد
أنهم أخطئوا
فيه، دون أن يلزم من ذلك متابعتهما؛ لأنهم انطلقوا من أصول سنية ومواقف
علمية يحتملها
العقل والأصول!!، والاجتهاد فيها واسع!، وليس الإشكال في الاختلاف
معهم بعلم
وإنصاف، ولكن الإشكال في جعل الخلاف وسيلة للذم والتبديع والتضليل!!،
فهذا غير
مقبول بحال فيمن صحت سنيته. فعلينا أن نرتقي إلى مستوى أئمة السلف في
سلوكهم
مع بعضهم، فقد اختلف الصحابة في الفتنة الكبرى فاعتزل بعضهم وقاتل بعضهم ومع
ذلك نصحح
موقفهم جميعاً، وإن كنا نرجح موقفاً على موقف، وكذلك كان الحال بين أئمة
السنة؛
والأمثلة كثيرة)).
أقول للمستترين
المبطلين: ماذا سيقول الشيخ العباد حفظه الله تعالى على هذا الكلام وصاحبه؛ لو اطَّلع
عليه وعَلِمَ أنَّ الحلبي يثني على أمثاله؟!
وبخاصة والشيخ العباد
هو القائل: ((الكتاب الذي كتبته
أخيراً وهو "رفقاً أهل السنَّة بأهل السنَّة" لا علاقة
للذين ذكرتهم في (مدارك النظر) بهذا الكتاب!، لا يعني الإخوان المسلمين!، ولا يعني المفتونين بسيّد
قطب وغيره من الحركيين!، ولا يعني أيضاً
المفتونين بفقه الواقع والنيل من
الحكام وكذلك التزهيد في العلماء!، لا يعني هؤلاء لا من
قريب ولا من بعيد، وإنما يعني أهل السنَّة
فقط، لا يعني هذه الطوائف!!، وهذه الفرق المنحرفة عن منهج أهل السنَّة
والجماعة وعن طريقة أهل السنَّة والجـماعة!!)).
فكيف لو عَرف أنَّ
الطيباوي يُدخل الإخوان المسلمين في إطار أهل السنة؟!!
ملاحظة/
أرسلها إلى بعض أولئك الذين لا زالوا يتهمون
الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى أنه لم يبدِّع سفراً الحوالي وسلمان العودة:
حيث
ذكر الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في كتابه [أبو الحسن يدافع بالباطل والعدوان عن الإخوان
ودعاة حرية ووحدة الأديان ص129-130] أنَّ محموداً الحداد وعبد اللطيف باشميل طلبا منه
قديماً أن يبدِّع سفراً وسلمان وغيرهم من القطبية، فكان الشيخ ربيع يقول لهم: لن أسبق
العلماء في الحكم عليهم، ثم قال الشيخ ربيع: ((حتى اشتدت فتنتهم، وظهرت أحوالهم، وعرف
العلماء واقعهم، فوصفهم ابن باز بأنهم دعاة الباطل وأهل الصيد في الماء العكر، ثم أجمع
هيئة كبار العلماء على أنه يجب على هؤلاء سفر وسلمان ومن معهما في الفتن أن يتوبوا
إلى الله وإلا فيجب أن يمنعوا من الدروس والمحاضرات تحصيناً للناس من ضررهم، فأبوا
إلا العناد، حتى تم سجنهم بناء على هذا القرار من هيئة كبار العلماء، وأدانهم العلامة
الألباني بأنهم خوارج عصرية، وأنهم يدندنون حول التكفير بالذنوب، فبعد هذه المواقف
والإدانات صرحتُ أنا وغيري من السلفيين بتبديعهم)).
المثال
الثاني: ثناء الحلبي على كلمة الشيخ ربيع حفظه الله تعالى
في "مسألة إقامة الحجة في التبديع"، بينما أفرد الطيباوي مقالاً كاملاً في
الاعتراض عليها.
وكلمة الشيخ
ربيع في مسألة هل يشترط إقامة الحجة في التبديع؟؛ نقلتـُها في مقالي [الحاوي في كشف
سفسطات الطيباوي]؛ وخلاصتها: أنَّ
1-
أهل البدع؛
يبدَّعون من غير إقامة حجة.
2-
أهل السنة؛
لهم حالتان:
أ-
وقعوا في بدعة
واضحة؛ كخلق القرآن أو القدر أو رأي الخوارج: فهؤلاء يبدعون من غير إقامة حجة.
ب-
وقعوا في بدعة
خفية وكانوا متحرين للحق؛ لهم حالتان:
- إنْ كانوا قد ماتوا: فلا يجوز تبديعهم بل يذكرون بالخير.
- وإنْ كانوا أحياء: فيناصحون ويبين لهم الحق ولا يتسرع في تبديعهم؛ فإن
أصروا فيبدعون.
أقول:
هذه الكلمة من الشيخ ربيع حفظه الله تعالى كلمة دقيقة مبنية على استقراء لعمل السلف.
وقد
اطَّلع علي الحلبي على هذه الكلمة قديماً؛ فقال: ((ولقد أعجبني جداً كلامٌ لفضيلة الأستاذ
الشيخ أبي محمد ربيع بن هادي المدخلي أعلى الله مقامه في الدارين في بعض "أجوبته"
الأخيرة؛ لما قسَّم (مَنْ وقع في بدعة) إلى أقسام ...ثم نقل الحلبي القسم (2)/ (ب) منها.
ثم
قال: وهذا البيان الدقيق من فضيلته جزاه الله خيراً؛ يؤكِّد لزوم مجانبة مثل تلكم الألفاظ
(يقصد: غثاء!) يقيناً؛ وإنْ اختلفت في حكمها أنظار العلماء، وذلك جمعاً للكلمة وتوحيداً
للصف، فضلاً عن أصل تعظيم الصحابة والمحافظة على مكانتهم العلية)).
ثم
قال في آخر كلمته:
((واختم
كلامي هذا بتلكم النصيحة الغالية العزيزة التي ختم بها فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي
نفع الله بعلومه "أجوبته" المتقدم ذكر طرف منها، حيث قال جزاه الله خيراً:
...ونقل الحلبي آخر وصية الشيخ ربيع ثم قال:
أقول:
أين المتجاوبون مع كلامه؟!
وأين
المؤتلفون مع قصده ومرامه؟!))
المصدر:
[مجلة الأصالة/ العدد (45) ص21-23 بتاريخ:
15- صفر - 1425ﻫ]
هذا
موقف الحلبي من كلمة الشيخ ربيع.
أما
موقف الطيباوي؛ فقد كتب في رد هذه الكلمة وتشويهها، مقالاً بعنوان [الاعتراض الرفيع على الشيخ ربيع في مسألة التبديع بدون إقامة
الحجة]، بدأه بالطعن القبيح بمنهج الشيخ ربيع حفظه الله تعالى بلا هوادة، وملأه
بالسفسطات والتأصيلات المحدثة، بل ولم يسلم من اعتراضه ما نقله الحلبي معجباً به!!.
المثال الثالث: الحلبي يُلزم مَنْ لا يُبدِّع مَنْ يعتقدهم هو مبتدعة؛ بل
ويجرحهم ويبدعهم، والطيباوي ينكر مثل هذا الإلزام فضلاً عن التبديع.
فقد قال الحلبي في أحد مجالسة المسجَّلة: ((فإذا
قال أبو إسحاق الحويني في محمد عبد المقصود وفوزي السعيد وربعهم من التكفيريين الجهلة
الذين يطعنون بنا وبمشايخنا
ويتهموننا بالإرجاء؛ قال: بأنهم علماء!. فهذا
يدل على جهله!، ويدل على ابتداعه!، ويدل على أنه على وشك الخروج
من السلفية!؛ التي لم يُعرف إلا بها، والتي
لم ندعو له وننتصر له إلا بسببها. فإذا خرج منها وناوئ أشياخها وأهلها
وأبناها، فالحق والله أغلى منه، وأغلى من ألف مثله، والله ناصر دينه)).
أما الطيباوي فقد سجَّل تأصيلاته
الفلسفية التي تنافي مثل هذا التأصيل في مقاله [حسم السِّجال حول مذهب الشِّيخ
ربيع في الرِّجال]، هذا المقال الذي شرَّق وغرَّب فيه، وتفلسف وتمنطق كعادته، وجاء
فيه إلى بعض الأمثلة التي اختلف فيها أئمة الحديث في أحد الرواة تجريحاً وتعديلاً
بسبب خفاء أو اشتباه حاله، أو بسبب أصل الاختلاف في الأخذ عن رواية المبتدع؛
فبعضهم يروي عنه، وبعضهم لا يروي عنه، فيريد الطيباوي أن ينزلها على أهل الأهواء
الذين صرَّحوا بتأصيلاتهم الحادثة ثم يأتي مَنْ ينافح عنهم وينتصر لهم ويجرح
العلماء من أجلهم!.
وقد قال الطيباوي في مقاله السابق:
((هذا هو
منهج أهل السنة عندما يختلفون في الحكم على رجل، ولا يعتبرون تناقض مواقفهم
بالنسبة
لرجل محنة؛ يجرحون بعضهم البعض بسببها)).
فأين هذا من كلام الحلبي المتقدِّم؟!
أقول: ونحن قد قلنا للحلبي ولا
زلنا؛ لنختبر صدق كلمته هذه: هذا الحويني قد أثنى في جلسة مسجَّلة بمناسبة عقيقة ابنته
ميمونة على مَنْ أشرت إليهم فقال: ((الذين شرَّفونا
في هذا الحفل المبارك ونسأل الله تبارك
وتعالى أن ينفعكم بهم؛ تفضل يا شيخ محمد عبد المقصود. الشيخ محمد عبد المقصود،
والشيخ فوزي السعيد، والشيخ سيد العربي: هؤلاء نجوم!!!، هم نجوم لا يحتاجون
إلى تذكير منا!!)).
فأين
موقفك الذي تتوعَّد به منه؟!
المثال
الرابع: علي الحلبي ينكر مصطلح ((سلفية المعتقد عصرانية
المواجهة))
كثيراً، بينما يستنصر الطيباوي له.
أما
كلام الحلبي فهو معروف في مواضعه.
وأما
الفيلسوف الجديد الطيباوي؛ فقد كتب مقالاً بعنوان [المخالفات العقدية عند عبد
الحميد العربي/ الحلقة الأولى/ الكشف الصوفي عند عبد الحميد العربي].
مَنْ
يطالع هذا المقال يجد أنَّ الطيباوي رجل مريض حقاً!؛ ولهذا فهو يتعلَّق بأي شيء ليخرج الذي في رأسه.
فقد
هوَّل وصرخ قبل فترة أنَّ الشيخ المفضال عبد الحميد العربي وفقه الله تعالى عنده مخالفات
عقدية، وأنه سيخرجها كحلقات!!.
فإذا
بالحلقة الأولى في "الكشف الصوفي" مبنية على كلمة قالها الشيخ عبدالحميد
وهي: ((لقد أُلقي
في روعي أنَّ قمة دمشق العشرين ستكون فاتحة
خير لعشرات القمم الآتية...))
إلى آخر كلامه، مع أنَّ الطيباوي فسَّر معنى الروع بالنفس، فكأنه قال: أُلقي في نفسي،
وهذه كلمة تقال، وقد قالها - كما ذكرها العربي - بعض الصحابة كما نقل ذلك عنهم الطيباوي
نفسه!!.
بل
قال الطيباوي بالحرف الواحد: ((تحرير مسألة الإلقاء في الروع: بعض الناس يصعب عليه أن
يقول
"ألقي في روعي" مع أنه يعلم جواز استعمالها)).
قلتُ:
لا أدري؛ هل يدري هذا الفيلسوف ما يخرج من رأسه؟!
وقال
الطيباوي: ((ولذلك كل من استعمل هذه الكلمة كأبي بكر، وعمر، وابن عباس، وأنس بن
مالك؛ لم يعارضها عندهم خاطر باطل، وجاءت
كما أخبروا، بخلاف صاحبنا الحجوطي فإنه خاب أمله؛ مما يعني أنَّ قلبه ليس من نوع
هذه القلوب)).
قلتُ:
وهل قلبك يا طيباوي من نوع تلك القلوب؟!!!
وحتى
لا نطيل معه؛ لأنَّ إطالة الكلام معه ضرب من الجدل العقيم:
مما
استنكره الطيباوي على الشيخ عبدالحميد العربي؛ ما قاله الطيباوي: ((ولذلك تجد عبد الحميد العربي
كما في شريط فديو له يزعم وجود سلفية المعتقد عصرانية المواجهة!.
ولست أدري؛ هل يريدها سلفية
المعتقد رومانية المواجهة، أم فضائية المواجهة؟! فكأنه يقول: لا نواجه
مخالفات هذا العصر، ونعيش في مواجهة الفرق البائدة والمنقرضة)).
قلتُ:
يقصد أنَّ الشيخ عبدالحميد يذكر بعض مَنْ يتبنى هذه الدعوة الباطلة "سلفية المعتقد عصرانية
المواجهة"
ويتكلَّم عليهم.
والطيباوي
ينتصر لها ولهم؛ كما كان دعاة فقه الواقع الحركيون ينتصرون لها، وبنفس العبارات
" مواجهة
الفرق البائدة والمنقرضة"!!.
نعم
يا طيباوي؛ إذن شرك القصور لا شرك القبور، أليس كذلك؟!!
ومواجهة
طواغيت العصر لا مواجهة الفرق البائدة والمنقرضة؟!!
إذن
هذه خلاصة ما تدعو إليه: ((سلفية المعتقد عصرانية المواجهة))!!!.
وأخيراً:
هل
بين الطيباوي والحلبي تعارض أم توافق؟!
أم
القضية قضية وقت فحسب؟!
هل
صرَّح بهذا المنهج الطيباوي ووقف في ظهره الحلبي مقوياً وسانداً؟!
هل لا زال
الطيباوي يستحق الثناء والنصح به؟!
- متى يتيقظ الغافلون الذين يحسنون الظن بأمثال هؤلاء؟!
-
متى ينتبهون؟!
وكتبه:
أبو معاذ رائد آل طاهر
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.