-->

الثلاثاء، 5 فبراير 2013

الدمعة البازيـــة صورةٌ من التجرد للحق والثبات عليه


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدِّين؛ أمَّا بعد:
فإنَّنا جميعاً نعلم حديث النبيِّ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ؛ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ كَذَلِكَ))، وفي رواية: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ))، وفي أُخرى: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) وهذه الأحاديث رواها البخاري ومسلم - واللفظ له – ، وغيرهم من حفَّاظ الحديث.
ونفهم من ذلك:
أنَّ من صفات هذه الطائفة المنصورة النَّاجية: القيام بالحقِّ وإظهاره والجهاد من أجله؛ لا يضرهم مَنْ خالفهم ولا مَنْ خذلهم، ولا يخافون في الله لومة لائم؛ وذلك إمَّا بالسيف والسنان وإمَّا بالحجة واللسان؛ والثاني أعظم مرتبة وأصعب ولهذا فهو مُقدَّم؛ كما قال العلامة ابن القيِّم رحمه الله تعالى: ((والجهاد بالحجة واللسان مقدَّم على الجهاد بالسيف والسنان))، وقال: ((وهو جهاد خواصِّ الأمة، وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالَم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه - وإن كانوا هم الأقلين عدداً - فهم الأعظمون عند الله قدراً)).
ولقد دوَّن لنا التاريخُ نماذجاً من ذلك الثبات والجهاد - بالحجة واللسان - من أجل إظهار كلمة الحقِّ؛ كثبات ذلك الخليفة الأول الراشد أبي بكر الصدِّيق رضي الله تعالى عنه في " وجوب قتال مانعي الزكاة "  في ظرفٍ من أصعب الظروف التي عصفَت بهذه الأمَّة!! ولم يضرّه مَنْ خالفه من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم - وهم الأكثرون –، حتى رجعوا جميعهم – بعد ذلك - إلى قوله، وكثبات ذاك العالِم المُبَجَّل إمام أهل السُّنَّة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في فتنةٍ كادت أن تشابه فتنة مانعي الزكاة، إنَّها فتنة "القول بخلق القرآن"، وكثبات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في نصرة عقيدة السلف ضد الأشاعرة والمتصوفة، وله معهم مناظرات ومجادلات، قلَّ أن تسمع أو ترى مثلها، يعلمها الكثير منَّا، وكثبات مجدِّد التوحيد الشيخ الإمام محمَّد بن عبدالوهَّاب رحمه الله تعالى في وجه هجمات القبوريين ودحض شبهاتهم وأباطيلهم، ... وغيرهم من أهل العلم قديماً وحديثاً لا يسع المقام لذكرهم.
وفي هذا العصر؛ قد شهدنا - الشيء الكثير – من ثبات أهل العلم الأكابر والمشايخ الأفاضل لإقامة كلمة الحقِّ ضدِّ المناهج المنحرِفة والأقوال المخالِفة لعقيدة السلف وفهمهم، لا يضرهم مَنْ خالفهم ولا مَنْ خذلهم.
ومن أكبر الفتن التي يمرُّ بها هذا العصر – وهي قديمة – فتنة " تكفير الحكَّام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله " وما ترتَّب على ذلك من مِحَن وفتن، وضلال وفساد، وتكفير للعباد والبلاد، وخروج على الحكَّام وطعن بالعلماء، وسفك للدماء، وخراب للأموال، وانتهاك للأعراض، وفقد للأمن والاستقرار إلى غيرها من البلايا والرَّزايا، ولم ينجُ من ذلك حتى بلد التوحيد بل والبيت الحرام!!!.
من أجل ذلك؛ تصدَّى أهلُ العلم لردِّ هذه الفتنة الهوجاء وكشف ضلال أصحابها الغوغاء، وبيان خطورة هذا الفكر والتحذير من مصادره ومنابعه، حِفاظاً لشباب الأمَّة أن ينساقوا وراءه أو يقتفوا آثاره.
ولعلَّ من أروع صورِ الثبات التي سمعناها – وقد رآها بعضنا؛ وإنَّا نغبطه على ذلك – ثبات ذاك الجبل الراسخ مفتي العصر الإمام المحدِّث الفقيه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى في الفتنة ذاتها بوجهها الثاني "حكم مَنْ بدَّل الشرع المبين بالقانون الوضعي اللعين!!" ضدّ المتبنِّين للقول: بكفر الحاكم المُبَدِّل وإن لم يستحِل!!.

مكان اللقاء والحاضرون
التقى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى بمجموعة من المدرسين والمحاضرين والمعيدين في قسم السُّنـَّة وأصول الدِّين في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض؛ فألقى سماحتُه كلمةً حثَّ فيها على العلم والدعوة، وذكر من حال شيخه العلامة الشيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى، وكيف كان يحرص على طلابه في التعليم والأدب، وكيف كان يرعاهم ويهتم بشؤونهم كالأب؛ بل أكثر من ذلك.
وهنا توقَّف عن الكلام رحمه الله تعالى فإذا بالدَّمع من عينيه ينزل حبَّاً لهذا الشيخ المعلِّم المربي وتذكراً لأحواله مع طلابه، ثمَّ يريد سماحتُه مواصلةَ كلامه عنه، فإذا بالدَّمع يصبح أزيزاً كأزيز المِرْجَل، فيرتفع صوته بالبكاء، حتَّى وأنَّ السامع للشريط ليتأثر من ذلك تأثراً شديداً؛ ولهذه الدَّمعة أُطلِقَ على الشريط اسم: "الدَّمعة البازية".
ثم بعد أن أنهى سماحتُه كلمتَه؛ بدأ المقدِّم بعرض مجموعة من الأسئلة عليه في مواضيع مختلفة؛ كمسائل في علم الحديث، وفي حكم تارك الصلاة .... وغير ذلك.
وبانتهاء سماحته من أجوبة هذه الأسئلة؛ ينتهي الوجه الأول من الشريط، ثمَّ يبدأ الوجه الثاني منه وهو بيت القصيد؛ وتدور الأسئلة عن موضوع " كُفر المُبَدِّل للشرع من الحكَّام" وتبدأ الأسئلة عن آية: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ))!!، فانتبه لهذه البداية؛ ثم انظر كيف كانت النِّهاية؟!!.
ملاحظتان قبل بدء الحوار:
1- يعلم كلُّ من سمع الشريط؛ أنَّ كلام الشيخ – وتارة كلام السائل – غير واضح تماماً، ولقد عملنا على جمع الكلام بما نستطيع من جهد؛ ولهذا سترى نقاط بهذه الصورة  "..."  للتعبير عن أنَّ الكلام غير واضح.
2- ما كان من إضافات من كلامنا - للتوضيح أو بيان الصورة على ما هي عليه في الحوار - وضعناه بين قوسين مربعين [ ].

الدَّمعة البازية/ الوجه الثاني:    
ابتدأ المقدِّم سائلاً: في التفسير عن ابن عباس في قوله: ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ [ كفر دون كفر؟!.
فأجاب سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى بقوله: ((إذا لم يستحلها كالرشوة أو على عدو أو لصديق: يكون كفر دون كفر، أما إذا استحلها: يكون كافراً، إذا استحله يكون كفر، لكن إذا حكم لرشوة لا يكون كافراً؛ كفر دون كفر، كما جاء عن مجاهد وغيره)).
السائل: مسألة تبديل الاحكام الشرعية بقوانين؟!!!.
أجاب الشيخ: ((لا يحلُّ له، إذا فعلها [أراد السائل المداخلة فقال: "وقد يدَّعي أنَّه"، فلم يأذن له الشيخ] مستحلاً لها: يكفر [أراد السائل المداخلة مرَّة أخرى فلم ينل]، أما إذا فعلها متأولاً لِإرضاء قومه أو كذا أو كذا: يكون كفر دون كفر، ... قتاله إذا كانت عنده قوة حتى يلتزم، مَنْ غيَّرَ دين الله من زكاة وغيرها يُقاتَل حتى يلتزم)).
السائل: مثلاً الحدود؛ بدَّل حد الزنى وكذا وكذا؟
قاطعه الشيخ بقوله: ((إلى آخره، بدأ يُقاتِل: عُزِّر. [أحد الحاضرين: أو حَبْس، فقال الشيخ:] أو حَبْس)) 
السائل: وضع مواد عفا الله عنك؟!
الشيخ: (( الأصل: عدم الكفر حتى يستحل!!، يكون عاصياً وأتى كبيرة ويستحق العقاب إلى آخره، حتى يستحل!!)).
السائل: حتى يستحل!!، الاستحلال في قلبه ما ندري عنه؟!!
 الشيخ: ((إذا إدَّعى ذلك [السائل: عفا الله عنك!!] إذا ادَّعى أنَّه لا يستحل!!)).
السائل: إذا أباح الزِّنى، وبلغ الطرفين ؟
قاطعه الشيخ: ((هذا كفر، إذا استحلَّ الزنى: هذا كفر)).
أحد الحاضرين!!: لو حصل: أنَّه حكم بشريعة منسوخة وغيَّرها، وفرضها على الناس، وجعلها قانوناً عاماً، وعاقب من رفضه بالسجن أو القتل والتطريد، وما شابه ذلك؟!
الشيخ يسأل: ((نسبها إلى الشريعة؟!))
السائل: حكم بها من غير أن يتكلم [أحد الحاضرين: قانون!!]؟
الشيخ: ((إذا نسبها إلى الشرع: يكون كفراً، [أحد الحاضرين: أكبر أو أصغر؟!! فقال الشيخ:] أكبر؛ إذا نسبها إلى الشريعة، أما إذا لم ينسبها للشريعة مجرد قانون وضعه: فلا، ...)).                 
أحد الحاضرين!!: ما هو الفرق بين الحالة الخاصة في نازلة أو قضية معينة وبين أن يضع قانوناً عاماً للناس كلهم؟!
الشيخ: ((إذا نسبه للشرع: يكفر، أما إذا لم ينسبه للشرع ... : يكون كفر دون كفر)).
نفس السائل!!: ابن كثير في البداية والنهاية: نقل الإجماع على كفره كفراً أكبراً؟!.
الشيخ: ((لعلَّه إذا نسبها للشرع)).
نفس السائل!!: لا، قال: "مَنْ حكم بغير شريعة الله من الشرائع المنزَّلة المنسوخة: فهو كافر، فكيف بِمَنْ حكم بغير ذلك من آراء البشر!!: لاشك أنه ".
قاطعه الشيخ فقال: ((ابن كثير ليس بمعصوم، غلطان ...)).
السائل: هم يجعلونه بدل الشرع، يقولون: هو أحسن وهو أولى وأنسب من الأحكام الشرعية؟!!.
الشيخ: ((هذا قول المستحل!!، إذا قالوا: هذا الشيء أحسن من الشرع أو مثل الشرع: عندئذ يكون حكمه بغير ما أنزل الله كفراً أكبراً)).
السائل: الذين لا يُكفـِّرون الأشخاص وإنَّما يُكفِّرون النظام!!، أي يقولون:هذا النظام كافر، لكن لا نُكفِّر الأشخاص؟!
الشيخ: (( إذا استحل الحكم بغير ما أنزل الله كفر، ولو شخص يُعيَّن؛ إذ يكفر بلا شك، ويقال: فلان كافر؛ إذا استحل الحكم بغير ما أنزل الله أو استحل الزنى يكفر بعينه، أما القتل [يقصد رحمه الله تعالى: قتل هذا الحاكم]  فشيء آخر، القتل يحتاج إلى استتابه)).
[هناك سؤالان غير واضحين لكثرة المتكلِّمين، وبعدهم عن سمَّاعة الصوت؛ لهذا يصعب كتابتهما].
ثم قال أحد الحاضرين: لأنَّ بعضهم يقول: عمر ترك الحدود في المجاعة؛ عام الرَّمادة؟!
الشيخ: ((لم يستحل؛ لأنَّه قد يضطر الإنسان إلى ...)).
المـُقَدِّم: ما الدليل على أنَّه كفر أصغر في قوله تعالى:) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ( ، ما هو الصارف مع أنَّها جاءت بصيغة الحصر؟!!!!!!.
الشيخ: ((محمول على الاستحلال؛ على الأصح، وإن حُمِلَ على غير الاستحلال مثل ما قال ابن عباس نحملها على: كفر دون كفر، والأصل هم كافرون [يقصد رحمه الله تعالى: أنَّ الأصل في الآية أنَّها نزلت في الكفَّار])).
أحد الحاضرين: ما في دليل على أنه إلَّا يستحل هذا؟! ما الدليل على أنه كفر أصغر؟!!
المُقَدِّم يوضح : يعني يا شيخ؛ ما الذي جعلنا نصرف النص عن ظاهره؟!!!!.
الشيخ: ((لإنه مستحل، والآية في الكفار الذين حكموا بغير ما أنزل الله!!، حكموا ... وحكموا...، أما لو حكم زيد لعمرو لرشوة نقول: كَفَر [سائلاً بتعجب]؟!! [فأجاب نفسه] لا يكفر بهذا، أو حكم بقتل زيد بغير حق: لا يكفر بهذا)).
[مداخلة من أحد الحاضرين غير واضحة].
الشيخ يسأل: ((الزاني يكفر؟!)).
المُقَدِّم وأحد الحاضرين: لا يكفر.
الشيخ ((وإذا قالها يكفر؟ [يقصد رحمه الله تعالى: إذا قال أنَّ الزنى حلال يكفر])).
أجابا: كَفَر، ولو لم يزن.
فقال الشيخ: ((ولو لم يزن، خَلَص [انتهى])).
المُقَدِّم: عفا الله عنك؛ نرجع يا سماحة الوالد ] ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله[  علق الحكم بترك الحكم!!؛ فما هو الدليل علـ؟!.
قاطعه الشيخ: ((يحكم بغير ما أنزل الله مستحل له، يُحمل على هذا)).   
المُقَدِّم نفسه: القيد هذا من وين جاء؟!!!!.
الشيخ: ((من الأدلة الأُخرى الدالة عليه، التي تدلّ على: أنَّ المعاصي لا يكفر صاحبها؛ إذا لم يستحله: لا يكون كافراً)).
[وهنا سكت الشيخ رحمه الله منتظراً جواباً أو تعليقاً أو سؤالاً فلم يظفر بشيء من ذلك فواصل كلامه:]
(( فاسق وظالم، وكافر: هذا إذا كان مستحل له، ... المقصود: أنَّه يكون على المستحل، أما إذا حكم بغير ما أنزل الله لهوى فيكون عاصياً مثل من زنى لهوى لا للاستحلال، عقّ والديه لهوى، قتل لهوى فيكون عاصياً، أما إذا قتل مستحلاً، عقَّ والديه مستحلاً لعقوقها، زنى مستحلاً: كفر، وبهذا ... عن الخوارج، يكون بيننا وبين الخوارج حينئذ متسع، ولا نقع بما وقع به الخوارج!!، [أراد أحد الحاضرين المداخلة فقال: حفظكم الله، فلم يأذن له الشيخ] ... مثل الإطلاقات هذه)).
المُقَدِّم: حفظكم الله؛ هذه المسألة قد تكون مشكلة عند كثير من الاخوان!!؛ فلا بأس لو أخذنا بعض.
قاطعه الشيخ: ((هذه مهمة، مهمة، عظيمة)).
السائل: ذكرتم مسألة تكفير العاصي فاعل الكبيرة؛ هذا ليس موضع خلاف؟!!
الشيخ: ((هذه هي مسألة الخوارج، وعلة الخوارج!!!))
[أراد السائل المداخلة بقوله: لا، فلم يستطع، ولم يأذن له الشيخ!!]
فواصل الشيخ كلامه: ((الاطلاقات هذه!!، تركوا المقيدات وأخذوا بالمطلقات، وكفَّروا الناس!!...)).
السائل: الزاني والسارق؟
الشيخ: ((يكفر عند الخوارج!!)).
السائل: عند الخوارج، لكن عند أهل السنة يقولون: هؤلاء عصاة.
الشيخ: ((نعم؛ ما لم يستحلوها)).
أحد الحاضرين!!: ما لم يستحلُّوها، إلاَّ أَنَّهم يرَون أنَّ هناك فرق بين مَنْ يفعل المعصية فنحكم بأنَّه مسلم فاسق أو ناقص الإيمان، وبين مَنْ يجعل المعصية قانوناً ملزماً للناس، لإنه يقولون: لا يتصور من كونه أبعد الشريعة وأقصاها وجعل بدلاً عنها قانوناً ملزماً، ولو قال: أنَّه لا يستحل؛ لا يتصور، إما أنه يستحله أو يرى أنه أفضل للناس أو ما أشبه ذلك!!، وأنَّه يفارق الذي حكم في قضية خاصة لقرابة أو لرشوة؟!!!.
الشيخ: (( لازم الحكم ليس بحكم، قاعدة: لازم الحكم ليس بحكم، قد يكون الذي حكم لهواه أو لقرابة، أنَّه مستحل... هذا بينه وبين الله، أما بينه وبين الناس: فإذا كانت هناك دولة مسلمة تستطيع أن تقاتِل هذا؛ لماذا لا يحكم بما أنزل الله؟!، يُقاتَل؛ مثل ما يُقاتَل مانع الزكاة إذا دافع عنها وقاتَل، يقاتَل قتال مرتدين؛ لإنَّ دفاعه عن الحكم بغير ما أنزل الله مثل دفاعه عن عدم إخراج الزكاة بل أكبر وأعظم يكون كافراً ، مثل ما ذكر الشيخ ...: قتاله يكون قتال المرتدين لا قتال العصاة إذا دافع وقاتل؛ ذكره رحمه الله في كتاب أظنَّه "السياسة" لا؛ في كتاب "فتح المجيد" في باب [أحد الحاضرين: "قتال التتر"] ...، فقتاله ليس مثل قتال المرتدين، فدفاعه عن المعصية مثل دفاع مانع الزكاة في عهد المرتدين سواء بسواء)).
السائل: حفظكم الله؛ الآن بالنسبة لمانع الزكاة إذا قاتل عليها قلنا: أنَّه يقاتَل قتال كفر، لإنَّ امتناعه وقتاله على ذلك دليل على جحد الوجوب؟
الشيخ مقاطعاً: ((نعم؛ لا شك إذا دافع عن الحكم بغير ما أنزل الله، وقال: لا أرجع، فدفاعه دفاع مستحل: يكون كافراً)).
أحد الحاضرين: هؤلاء [أي الحكَّام] مقطوعٌ بأنَّهم سيستميتون ...!!!
الشيخ: ((إذا وقع: كفروا، إذا قيل لهم: تحكموا بما أنزل الله وإلَّا قاتلناكم؟ فأبَوا: يَكفروا، هذا ظنِّي فيهم)).
أحد الحاضرين [بتعجب شديد]: هذا ظَنٌ!!!
الشيخ: ((بلا شك، [وضحك رحمه الله تعالى، وقال:] هذا ظنُ الشيخوخة ...، لكن يتورع الإنسان أن يقول هذا كافر إلّا إذا عرف أنَّه يستحل ...)).
أحد الحاضرين: لا إله إلا الله !!!.
الشيخ [بكلِّ هدوء وإطمئنان] يسأل المُقَدِّم: (( فـي أسئلة عندك؟ والّا خَلَص؟!)).
المُقَدِّم: نحن ننتظر الإذن مـنك!!!.
أحد الحاضرين: هذا البحث خلَاص [يقصد ليس فيه مجال للنقاش والأخذ والرد]؟!
الشيخ: ((هذا البحث لا يمنع من بحث آخر!!، كلُّ أحد يجتهد حتى يطمئنُّ قلبه، هذه المسائل خطيرة، وغير سهلة، هذه المسائل مهمَّة!!)).
المُقَدِّم: هل ترون المسألة يعني اجتهادية؟!!
الشيخ : ((والله أنا هذا الذي اعتقده من النصوص، ذكرها أهل العلم في ما يتعلق بالفَرق بين أهل السنة وبين الخوارج والمعتزلة؛ وبالخصوص الخوارج، وأنَّ فعل المعصية ليس بكفر إلا إذا استحلها أو دافع عنها بقتال!!)).
السائل: قلت سَلّمَكَ الله!!: إذا كوتبوا وطولبوا بالشريعة فلم يرجعوا يُحكم بكــ ؟!.
قاطعه الشيخ: ((إذا قاتلوا  بس [فقط]!!، أما إذا لم يقاتِلوا: فلا)).
السائل: فإن قَتَلوا؟!
وسائل آخر: إذا طولبوا بهذا، إذا طولبوا بهذا.
الشيخ مقاطعاً: (( ...، أمَّا إذا قاتَل دونها: يكفر)).
السائل: لكن الذي سيُطالِب ضعيف، وقد يقاتِل [أي الحاكم؛ لأنَّ الذي يقاتِله ضعيف]؟
الشيخ: ((ما يكفر إلا بهذا!!، ...))
السائل: لا، من طُولِب بالحكم بشرع الله فأبى؟!.
الشيخ: ((نعم؛ يقاتَل: فإن قاتَل كفر، وإن لم يقاتِل: لم يكفر؛ يكون حكمه حكم العصاة!!!)).
السائل : مَنْ الذي يقاتِله؟!!.
الشيخ: ((الدولة المسلمة!!)).
السائل: [الكلام غير واضح؛ ولعلَّه: فإذا لم يكن هناك دولة مسلمة تقاتِل؟].
الشيخ: ((يبقى على حاله!!)).
أحد الحاضرين [بتعجب شديد]: يبقى على حاله!!!.
الشيخ: ((الله المستعان)).
نفس المتعجب: متساهلين [مع ضحكة واضحة!!].
الشيخ: ((الله المستعان)).
السائل: سماحة الشيخ!!؛ الشيخ محمد بن إبراهيم يرحمه الله في رسالته ذكر: أنَّ الدول التي تحكم بالقانون دول كفرية يجب الهجرة منها؟!.
الشيخ: [كلامه قصير وغير واضح؛ ولعلَّه: طلب الاستفسار عن السؤال].
السائل: يحكمون بالقانون.
الشيخ: ((ذكر في رسالته رحمه الله: أنَّه يرى أنَّ هذا ظاهره الكفر؛ يعني أنَّ بعض القوانين دلَّ على رضى واستحلال؛ الله يسامحه، رحمه الله، لكن أنا الذي عندي متوقف، ما يكفي هذا، ما يكفي حتى يعرف أنَّه استحله، أمَّا مجرد أن حكم بغير ما أنزل الله أو أمر بذلك: لا يكفر بذلك، مثل الذي أمر بالحكم على فلان أو قتل فلان: ما يكفر بذلك حتى يستحله، السلطان لا يكفر بذلك ، ولو قتل ما قتل حتى يستحل!!؛ لأنَّه شبه.
وقَبل ذلك عبدالملك بن مروان ومعاوية وغيره لا يكفر بهذا لعدم الإستحلال، وقتل النُّفوس أعظم من الزِّنى، وأعظم من الحكم بغير ما أنزل الله لرشوة)).
السائل: الهجرة تتنوع؛ أنَّه مجرد وجوده في بلاد الكفر: لا يلزمه الهجرة ما لم.
قاطعه الشيخ: ((الهجرة فيها تفصيل ...)).
وبهذا تنتهي الأسئلة الخاصَّة بموضوع " حكم الحكَّام المبدلين لأحكام الشريعة "، ثم تنتقل الأسئلة حول: حكم المعتزلة؟، وحكم مَنْ يقول بخلق القرآن؟ وهل يكفر كفر عين؟، وتكفير رأس المعتزلة أحمد بن أبي دؤاد، والمأمون؟ والأجوبة فيها غير واضحة ...

وأخيراً:
فهذه هي صورة من صور التجرد للحق والثبات عليه، من هذا الإمام الهمام رحمه الله تعالى، وأنت ترى كيف صبر على القوم مع ضحكهم ونبزهم له!!، وكيف صبر على محاصرتهم ومنازعتهم جميعاً وكأنَّ قائلهم يقول: " فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنْ اسْتَعْلَى"!!؛ وكيف بيَّن رحمه الله تعالى أنَّ هذه المسألة – تكفير مَنْ يحكم بالقوانين الوضعية – من المسائل المهمَّة والخطيرة!!، وهي من المسائل التي فارق بها الخوارج والمعتزلة أهل السنة والجماعة!!، وكيف كان جوابه - لمّا ألحَّ السائل مستدلاً بكلام الإمام ابن كثير والشيخ محمد بن إبراهيم رحمهما الله تعالى - ممَّا يدلّ على تجرده للحق وثباته عليه من غير تردد ولا إرتياب!!.
ولعلَّ قائلاً يقول: ولماذا هذا الموضوع في هذا الوقت؟!
فأقول له: كتبت ذلك لأمرين اثنين:
الأول: أنَّه ينبغي علينا أن نسير على آثار أهل العلم وأن نحذوا حذوهم في ((التجرد للحق والثبات عليه)) لا نلتفت إلى مَنْ خالفنا أو مَنْ خذلنا وإن كانوا هم الأكثرين؛ فالحق أحق أن يتبع.
الثاني: ما نراه اليوم من جماعات التكفير والتفجير، والآثار المترتبة من عملياتهم التي لم يخلو منها بلد من بلدان المسلمين وخاصَّة في المملكة العربية السعودية بلد التوحيد والسنَّة؛ هذا البلد الذي ازدادت فيه نسبة هذه العمليات بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.
وأكثرنا يعلم أنَّ هذه العمليات سببها تكفير الحكَّام وولاة الأمر مما يسوِّغ لمنفذي تلك العمليات ما يعملون؛ ولهذا كان علمائنا – ولا يزالون – يسعون لقطع الطريق عن تلك الجماعات من تحقيق مآربهم ومخططاتهم؛ لذا ترى هذا الموقف العظيم من هذا الإمام الجليل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى.
وليست هذه هي الصورة الوحيدة؛ بل هناك صور أخرى له ولغيره من علمائنا الأكابر ومشايخنا الأفاضل في هذا العصر
ضد القطبيين والسروريين والحزبيين والحركيين والتكفيريين والثوريين، فجزاهم الله خيراً على ما قدَّموه لهذا الدِّين.
نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى الحق، وأن يثبتنا عليه، وأن يجنبنا شبهات أهل الأهواء.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك

 

أخوكم ومحبكم

أبو معاذ

21 ذو القعدة 1424

الموافق: 13/1/2004م


إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.