-->

الأربعاء، 23 يناير 2013

مراحل الطريق وسبب الانحراف


 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
 - فإنَّ الله تعالى لم يخلق العباد عبثاً ولا لعباً ولا سدى؛ وإنما خلقهم ليعبدوه، قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))، فإفراد الله تعالى بالعبادة هي الغاية العظمى التي من أجلها خلق الله تعالى الخلق.
- ومن المعلوم أنَّ لكلِّ غاية وسيلة، لا يمكن الوصول إلى تلك الغاية إلا بها وعن طريقها؛ وقد جعل الله تعالى للغاية التي من أجلها خلق الخلق وسيلة هي سلوك الصراط المستقيم؛ قال تعالى: ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي ءَادَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاّ ًكثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ))، ففي قوله: ((وأَنِ اعبدوني هذا صراطٌ مستقيم))، إشارة إلى أنَّ عبادة الله تعالى لا تكون إلا من طريق الصراط المستقيم، وما سوى هذا الصراط فضلال وانحراف؛ قال تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))، فسبيل الحق واحد لا يتعدد، أما سبل الضلال فكثيرة ومتفرِّقة.
- ولمَّا عَلِمَ الشيطان أنه لا طريق لتحقيق تلك الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق ولا يُنال رضى الله إلا من طريق سلوك هذا الصراط والاستقامة عليه توعَّد بكلِّ استكبار وغرور فقال وهو يُخاطب ربّ العزة جلَّ جلاله: ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ))، فالشيطان قاعد على الطريق الوحيد الذي يوصل إلى مرضاة الله ليغوي عباد الله؛ وذلك بان يأتيهم من بين أيديهم إذا زاد إيمانهم وقويت همتهم، فيأتيهم من باب الغلو والإفراط، ويأتيهم من خلفهم إذا نقص إيمانهم وضعفت همتهم، فيأتيهم من باب التهوين والتفريط، ويأتيهم من أيمانهم وشمائلهم بدعاته الذي يدعون إلى السبل المفترقة عن الصراط المستقيم والفرق المخالفة للفرقة الناجية والطائفة المنصورة؛ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ثُمَّ قَالَ: ((هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ)) ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: ((هَذِهِ سُبُلٌ - في رواية: مُتَفَرِّقَةٌ - عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ)) ثُمَّ قَرَأَ: ((إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)) أخرجه أحمد والدارمي وابن ماجه وغيرهم.
- فلابدَّ من طريق أو وسيلة يمكن بها التخلّص من شبهات الشيطان وشهواته عند سلوك الصراط المستقيم؛ وهذا الطريق هو العلم، فبه ينجو العبد من إغواء الشيطان بالشبهات ومن إغرائه بالشهوات؛ وقد أكَّد هذا المعنى؛ أي أنَّ العلم به يحصل الاهتداء إلى الصراط المستقيم، وبه يحصل الثبات والاستقامة عليه، أكَّد هذا المعنى نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام وهو يُخاطب أباه بكلِّ تأدب وشفقة: ((يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا))، فلا سبيل للنجاة من شبهات وشهوات الشيطان إلا بالعلم، ولا يُمكن سلوك الصراط باستقامة وثبات إلا بتحصيل هذا العلم.
- وللعلم طريق لابُدَّ من سلوكه لتحصيله، وطريقه هو التعلّم كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يُعطَه، ومن يتق الشر يُوقَّه)) أخرجه الدارقطني وحسنه الألباني في صحيح الجامع. فلا يحصل العلم بالأماني والتمني، ولا يُنال بالفتور والكسل؛ وإنما يحصل بالجدِّ والاجتهاد في طلبه وتحريه.
- ولا طريق للتعلم إلا بأخذ العلم من حملته وورثته؛ وحملة العلم وورثته هم العلماء، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم، وقال: ((يحمل هذا العلمَ من كلِّ خلفٍ عدولُه: ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)) رواه البيهقي وصححه الألباني، وفي هذين الحديثين دليل على أنَّ العلماء وهم ورثة الأنبياء وعدول هذه الأمة متواجدون وباقون ما بقيَ العلم، وأنه لا يخلو عصر من العصور من أحدهم، حتى إذا ما أشرفت الساعة وقاربت على المجيء قُبِضَ العلماء واحداً واحداً حتى لم يبق منهم عالم فيُرفع العلم ويكثر الجهل ويتخذ الناس الرؤوس الجهَّال كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقال: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا: اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)) متفق عليه، وقال: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى: يُقْبَضَ الْعِلْمُ ...)) وفي رواية: ((إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ ...)) متفق عليه. فتلك هي البداية وهذه هي النهاية.
والمقصود: أنَّ إفراد الله تعالى بالعبادة هي الغاية من الخلق، ولا طريق للوصول إليها وتحقيقها إلا بسلوك الصراط المستقيم، ولا يُمكن سلوك الصراط باستقامة والنجاة من شبهات وشهوات الشيطان القاعد على الصراط المستقيم وأعوانه ودعاته القاعدين على جنبتي الصراط إلا بالعلم، ولا يتحصل العلم إلا بالتعلم، وطريق التعلم أخذ العلم من العلماء؛ ولهذا لما وقع الشرك في بني آدم بعد ما كانوا حنفاء بفترة عشرة قرون كان سببه ترك العلم؛ كما قال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (... أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ: أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ، وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ).
إذن لابدَّ من التعلم، بأخذ العلم من أهله وهم العلماء الأكابر المعروفون بسلامة المعتقد وسداد المنهج، فلا نجاة إلا بذلك كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلمُ من أصحاب محمد ومن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا)، بل لابدَّ من ملازمتهم وسؤالهم والجلوس بين أيديهم وأخذ الفتوى والأحكام منهم قبل فوات الأوان؛ وقد قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: (لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر، فإذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخر؛ هلك الناس)) وقيل لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس؟ قال: هلاك علمائهم.
وهذا الأمر يزاد أهمية عند وقوع الفتن والمحن؛ حين يضطرب الحال ويتخبَّط الناس ويتكلَّم الرويبضات ويلتبس الحق بالباطل والعلماء بالأدعياء، فلابدَّ من التمييز بين هؤلاء وهؤلاء، وقد قال محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: (لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنْ الْإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ) [مقدمة صحيح مسلم] وكان العلم آنذاك هو علم الإسناد.
فلا يؤخذ من كلِّ مَنْ تكلَّم في الفتنة، بل كل مَنْ قال قولاً أو أصدر حكماً سألناه: سمي لنا رجالك، مَنْ هم قائلو هذا القول؟! فإن كانوا من علماء أهل السنة والجماعة الذين اشتهروا في صفوف أهل العلم - فضلاً عن غيرهم -  بعلمهم وورعهم وحكمتهم وحرصهم على الدعوة وشبابها: قُبِلَ قوله، أما إن كان هذا القول لمبتدع قد ناصب العداء لعقيدة وعلماء السلف أو لنكرة لا يُعرف له عين أو حال إلا في الفتنة أو لداعية استحكمت الحماسة من عقله أو لطالب علم تسوَّد قبل أن يتمكَّن من العلم ويرسخ قدمه فيه أو لغيرهم من الرعاع الدهماء أتباع كلِّ ناعق: فلا يلتفت لهم ولا يُنظر فيهم فضلاً أن يؤخذ منهم قولاً أو يُسمع لهم فتوى.
لابدَّ من هذا التمايز؛ لأنَّ هذا العلم دينٌ كما قال ابن سيرين رحمه الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ) [مقدمة صحيح مسلم]، فهذا العلم دينٌ، وهو شرعٌ عن الله، فكيف نأخذ الدين والشرع من كلِّ أحد أو من غير تثبت ولا تمييز بين أهله ومن سواهم. قال يحيى بن سعيد للقاسم بن عبيد الله: يا أبا محمد إنه قبيح على مثلك عظيم أن تسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج أو علم ولا مخرج؟! فقال له القاسم: وعمَّ ذاك؟ قال: لأنك ابن إمامي هدى بن أبي بكر وعمر، قال له القاسم: (أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم، أو آخذ عن غير ثقة) فسكتَ فما أجابه.  وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: (لا يؤخذ العلم من أربعة ويؤخذ ممن سوى ذلك؛ لا يؤخذ من: سفيه يعلن بالسفه وإن كان أروى الناس، ولا يؤخذ من كذَّاب يكذب في أحاديث الناس إذا جرب ذلك عليه وإن كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من صاحب هوى  يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يُحَدِّث) [التقييد 1/436]. والغريب أنَّ الإنسان إذا أصابه مرضٌ بحث من دون كلل ولا ملل عن الطبيب الأخصائي في مرضه ولا يكتفِ بأي طبيب، بل تراه يرفض التطبب على يد طبيب يُعالج مثل مرضه ولا يرضى إلا بالخبير فيه، وطب القلوب أعظم وأخطر من طب الأبدان، فموت البدن مكتوب لا ريب فيه ولا نجاة منه، أما موت القلب فشقاء وضلال في الدنيا وعذاب وخسران في الآخرة.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته:
والجهلُ داء قاتلٌ وشفـــاؤه         أمران في التركيب متفقـانِ
نصٌ من القرآن أو مـن سنـة          وطبيب ذاك العالم الربانـي
وإنَّ من أعظم الانتكاسة التي يُبتلى بها العبد –بذنوبه وتقصيره- أن يرى دعاة الباطل قادة وعلماء ويرى دعاة الحق عبيداً للطواغيت وعملاء، وهذا الأمر نذير خطر يدلُّ على قُرِب الساعة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من أشراط الساعة: أن يلتمس العلم عند الأصاغر)) أخرجه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع، قال أبو صالح محبوب بن موسى سألتُ ابن المبارك مَنْ الأصاغر؟ قال: (أهل البدع) [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/137].
وإنْ قال قائل: ولِمَ لا نأخذ العلم من كلِّ أحد ولو كان مبتدعاً، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها؟!
قلنا له: وكيف نأمن من كذبه بذكر ما يقوِّي ما يهواه وتضعيف ما يُخالفه، قال ابن لهيعة: سمعتُ شيخاً من الخوارج تاب ورجع وهو يقول: (إنَّ هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيَّرناه حديثاً) [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/137]، وهذا من الخوارج الذين يرون كفر فاعل الكبيرة؛ فكيف بمن لا يبالي بالكذب بل يُسوِّغ ذلك لمصلحته.
وقد التمس كثير من الناس – وخاصة من الشباب – الأصاغرَ الأدعياءَ المتعالمين دعاةَ الفتنة والسياسة والمناصب، يأخذون منهم ويسمعون لهم؛ لا لشيء إلا لأنَّهم يوجِّهونهم بما يشتهون ويهوون ويفتونهم بما يتحمَّسون له ويتعاطفون، فاتخذوا رؤوساً جهَّالاً لا يُعرفون بعلم ولا بتزكية عالم وسألوهم في مسائل ونوازل تردد فيها العلماء وأحتار فيها العقلاء، وتركوا الأكابر، بل وتكلَّموا فيهم ووصفوهم بأوصاف السوء وتناسَوا عادة الله في مَنْ يصنع مثل صنيعهم وهي لهم بالمرصاد؛ قال ابن عساكر رحمه الله تعالى: (لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أعراض منتقصيهم معلومة، ومن وقع فيهم بالثلب: ابتلاه الله قبل موته بموت القلب)، وكم رأينا من هذا الصنف المُبتلى، نسأل الله تعالى السلامة والثبات على الحق.
فلابدَّ أن نميَّز بين دعاة الحق وسادة العلم وبين مَنْ سواهم من رويبضات ودعاة على أبواب جهنَّم ورؤوس جهَّال وأئمة ضالين ومنافقين عليمي اللسان ذوي حماسة وبلاغة وحلاوة منطق، فليس كلُّ مَنْ تكلَّم بشيء من العلم وأشار الناس إليه وكثر الجالسون عنده كان عالِماً، كما أنه ليس كلُّ من أزبد وأرعد في خطبته أو درسه كان عالماً، بل العالِم مَنْ انتشر علمه وفتواه في أرجاء المعمورة بمرأى ومسمع من علماء العصر مع قبول ورضى، وسلامة عقيدة وسداد منهج؛ فلا يعرف له عقيدة إلا عقيدة السلف ولا منهج له إلا منهج السلف، هذا مع بلوغه رتبة الاجتهاد.
فعلينا أن نسير على غرز هؤلاء العلماء، وأن لا نتقدَّم بين أيديهم، وأن نلتفَّ حولهم، ونجلس في حلقاتهم، ونسألهم ونسمع لهم، ونعرف حقهم، ونذبُّ عن أعراضهم، وننشر علمهم، وأن نأخذ بتوصياتهم وتوجيهاتهم وفتاواهم وبخاصة في النوازل المدلهمَّة والمسائل الكبار، وأن نحذر مما أو ممن حذَّروا منه، وأن ندعو الناس للارتباط بهم، ونحذِّرهم ممن سواهم، ممن خرج على العلماء وخالف طريقهم.  
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الحق، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.

أبو معاذ رائد آل طاهر
20/صفر/ 1426


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نُشر هذا المقال لأول مرة بتاريخ 24/صفر/1426 الموافق 3/ 4/ 2005، على الرابط:
ويمكن الاطلاع على صورة منه، على الرابط:

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.