الحمد لله والصلاة والسلام
على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدِّين؛ أما بعد:
فهذا جمع موسَّع لأقوال الأئمة
والعلماء قديماً وحديثاً الذين لا يُكفِّرون تارك عمل الجوارح، اكتبه نسفاً لدعوى الإجماع
وفرية الإرجاء التي يدندن حولهما الحدادية في هذا العصر، وفي آخر هذا الجمع جواب الشيخ
ابن باز رحمه الله وجواب اللجنة الدائمة برئاسته في هذه المسألة بالخصوص، والرد على
استدلالات الحدادية بكلام بعض العلماء المعاصرين، وإليكم الأقوال:
1- عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى:
قال
الإمام البخاري رحمه الله تعالى [صحيح البخاري 1 /11]: ((وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى
عدي بن عدي: إنَّ للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً، فمَنْ استكملها استكمل الإيمان،
ومَنْ لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإنْ أعِش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإنْ
أنا متُّ فما أنا على صحبتكم بحريص)).
قلتُ:
فجعل
رحمه الله تعالى الإتيان بالفرائض والشرائع والسنن من الإيمان الذي لا يكمل إلا بها،
ومعلوم أنَّ زوال الكمال ليس زوالاً للأصل خلافاً للخوارج والمعتزلة.
2- الإمامان ابن شهاب الزهري وابن أبي ذئب رحمهما الله تعالى:
قال الزهري رحمه الله تعالى: ((فنرى أنَّ الإسلام الكلمة،
والإيمان العمل))، وهذه الكلمة مشهورة عنه في كتب الأئمة.
قال
العلامة محمد صديق حسن خان القنوجي رحمه الله تعالى في [قطف الثمر في بيان عقيدة أهل
الأثر ص89] معلِّقاً على هذه الكلمة: ((قلت: فعلى هذا؛ قد يخرج الرجل من الإيمان إلى
الإسلام، ولا يخرج من الإسلام إلا إلى الكفر بالله تعالى وتبارك؛ أعاذنا الله منه)).
وبمثل
كلمة الزهري هذه قال الإمام ابن أبي ذئب رحمه الله تعالى: ((الإسلام القول، والإيمان
العمل)).
قال الحافظ ابن رجب في كتابه [فتح الباري
1 /118]: ((واختلف من فرَّق بين الإسلام والإيمان في حقيقة الفرق بينهما؛ فقالت طائفة:
الإسلام كلمة الشهادتين، والإيمان العمل. وهذا مروي عن الزهري وابن أبي ذئب، وهو رواية
عن أحمد، وهي المذهب عند القاضي أبي يعلى وغيره من أصحابه. ويشبه هذا قول ابن زيد في
تفسير هذه الآية قال: لم يصدقوا إيمانهم بأعمالهم فرد الله عليهم وقال: "لَّمْ
تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا" فقال: الإسلام إقرار، والإيمان تصديق.
وهو قول أبي خيثمة وغيره من أهل الحديث. وقد ضعف ابن حامد من أصحابنا هذا القول عن
أحمد وقال: الصحيح أنَّ مذهبه أنَّ الإسلام قول وعمل رواية واحدة؛ ولكن لا يدخل كل
الأعمال في الإسلام كما يدخل في الإيمان، وذكر أنَّ المنصوص عن أحمد أنه لا يكفر تارك
الصلاة، فالصلاة من خصال الإيمان دون الإسلام، وكذلك اجتناب الكبائر من شرائط الإيمان
دون الإسلام؛ كذا قال. وأكثر أصحابنا أنَّ ظاهر مذهب أحمد تكفير تارك الصلاة، فلو لم
تكن الصلاة من الإسلام لم يكن تاركها عنده كافراً. والنصوص الدالة على أنَّ الأعمال
داخلة في الإسلام كثيرة جداً. وقد ذهب طائفة إلى أنَّ الإسلام عام والإيمان خاص، فمن
ارتكب الكبائر خرج من دائرة الإيمان الخاصة إلى دائرة الإسلام العامة)).
قلتُ:
فعند
هذه الطائفة التي تقول: الإسلام كلمة الشهادتين، والإيمان العمل؛ أنَّ الإسلام لا يزول
إلا بما يناقض كلمة التوحيد، وأما ترك العمل وفعل الكبائر فيخرج الرجل بذلك من الإيمان
إلى الإسلام، وليس إلى الكفر، فتأمل.
3- الإمامان مالك والشافعي رحمهما الله تعالى:
فالمعروف
من مذهبهما أنهما لا يكفِّران بترك شيء من المباني الأربعة؛ وهذا يلزم منه إطلاق الإسلام
على مَنْ أتى بالإقرار فقط، لكنه إسلام غير تام.
قال
شيخ الاسلام رحمه الله تعالى في المجموع (7 /370ـ 371 ): ((وأحمد بن حنبل وإنْ كان قد
قال في هذا الموضع: "إنَّ الإسلام هو الكلمة" فقد قال في موضوع آخر:
"إنَّ الأعمال من الاسلام"؛ وهو اتبع هنا الزهري رحمه الله: فإنْ كان مراد
مَنْ قال ذلك أنه بالكلمة يدخل الإسلام ولم يأتِ بتمام الإسلام فهذا قريب. وإنْ كان
مراده أنه أتى بجميع الاسلام وإنْ لم يعمل فهذا غلط قطعاً؛ بل قد أنكر أحمد هذا الجواب؛
وهو قول مَنْ قال يطلق عليه الإسلام وإنْ لم يعمل؛ متابعة لحديث جبريل، فكان ينبغي
أن يذكر قول أحمد جميعه. قال إسماعيل بن سعيد: سألتُ أحمد عن الإسلام والإيمان؟ فقال:
"الإيمان قول وعمل، والإسلام الإقرار"، وقال: وسألتُ أحمد عمن قال في الذي
قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم إذ سأله عن الإسلام؛ فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟
فقال: نعم. فقال قائل: وإنْ لم يفعل الذي قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فهو مسلم
أيضاً؟! فقال: هذا معاند للحديث.
فقد
جعل أحمد من جعله مسلماً إذا لم يأتِ بالخمس: معانداً للحديث؛ مع قوله: "إنَّ
الاسلام الإقرار"، فدل ذلك على أنَّ ذاك أول الدخول في الاسلام، وأنه لا يكون
قائماً بالإسلام الواجب حتى يأتي بالخمس، وإطلاق الإسلام مشروط بها، فإنه ذم مَنْ لم
يتبع حديث جبريل.
وأيضاً
فهو في أكثر أجوبته: يكفِّر مَنْ لم يأتِ بالصلاة بل وبغيرها من المباني، والكافر لا
يكون مسلماً باتفاق المسلمين فعلم أنه لم يريد: "أنَّ الاسلام هو مجرد القول بلا
عمل".
وإنْ
قُدِّر أنه أراد ذلك؛ فهذا يكون أنه لا يكفِّر بترك شيء من المباني الأربعة، وأكثر
الروايات عنه بخلاف ذلك.
والذين
لا يكفِّرون مَنْ ترك هذه المباني يجعلونها من الإسلام: كالشافعي ومالك وأبي حنيفة
وغيرهم، فكيف لا يجعلها أحمد من الإسلام؟! وقوله في دخولها في الاسلام أقوى من قول
غيره)).
وقال
في موضع آخر: ((وأما ما ذكره أحمد في الإسلام فاتبع فيه الزهري حيث قال: "فكانوا
يرون الإسلام الكلمة والإيمان العمل" في حديث سعد بن أبي وقاص؛ وهذا على وجهين:
فإنه
قد يراد به الكلمة بتوابعها من الأعمال الظاهرة؛ وهذا هو الإسلام الذي بينه النبي صلى
الله عليه وسلم حيث قال: "الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول
الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت".
وقد
يراد به الكلمة فقط من غير فعل الواجبات الظاهرة؛ وليس هذا هو الذي جعله النبي صلى
الله عليه وسلم الإسلام.
لكن
قد يقال: إسلام الأعراب كان من هذا.
فيقال:
الأعراب وغيرهم كانوا إذا أسلموا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ألزموا بالأعمال
الظاهرة الصلاة والزكاة والصيام والحج، ولم يكن أحد يُترك بمجرد الكلمة، بل كان من
أظهر المعصية يعاقب عليها.
وأحمد إنْ كان أراد في هذه الرواية أنَّ الإسلام هو الشهادتان
فقط؛ فكل من قالها فهو مسلم، فهذه إحدى الروايات عنه. والرواية الأخرى: لا يكون مسلماً
حتى يأتي بها ويصلي، فإذا لم يصل كان كافراً.
والثالثة: أنه كافر بترك الزكاة أيضاً. والرابعة: أنه يكفر
بترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ما إذا لم يقاتله، وعنه أنه لو قال: أنا أؤديها
ولا أدفعها إلى الإمام لم يكن للإمام أن يقتله. وكذلك عنه رواية: أنه يكفر بترك الصيام
والحج إذا عزم أنه لا يحج أبداً.
ومعلوم أنه على القول بكفر تارك المباني يمتنع أن يكون الإسلام
مجرد الكلمة؛ بل المراد أنه إذا أتى بالكلمة دخل في الإسلام، وهذا صحيح، فإنه يشهد
له بالإسلام ولا يشهد له بالإيمان الذي في القلب، ولا يستثنى في هذا الإسلام؛ لأنه
أمر مشهور، لكن الإسلام الذي هو أداء الخمس كما أمر به يقبل الاستثناء. فالإسلام الذي
لا يستثنى فيه الشهادتان باللسان فقط؛ فإنها لا تزيد ولا تنقص فلا استثناء فيها)).
قلتُ:
فقوله
((ومعلوم أنه على القول بكفر تارك المباني يمتنع
أن يكون الإسلام مجرد الكلمة))، فيه إشارة إلى أنه يثبت
الإسلام بمجرد الكلمة على قول مَنْ لا يكفِّر بترك شيء من المباني، وهذا ما ينفيه بعض
المعاصرين حيث يقولون: مَنْ لا يكفر بترك شيء من المباني الأربعة لا يثبت عنده الإسلام
إلا بعمل صالح ولو كان يسيراً!!.
وقد
قال الإمام مالك رحمة الله عليه أيضاً: ((إنَّ
العبد لو ارتكب جميع الكبائر بعد أن لا يشرك بالله شيئاً وجبت له أرفع المنازل؛ لأنَّ
كل ذنب بين العبد وربه هو منه على رجاء، وصاحب البدعة ليس هو منها على رجاء، إنما يهوى
به في نار جهنم))
ذكره العلامة الشاطبي في [الاعتصام 2 /11]
وقال الإمام
الشافعي رحمه الله تعالى: ((لأن يلقي الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له
من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء))
نقله عنه اللالكائي في [اعتقاد أهل السنة 3 /570]، وابن بطة في [الإبانة 2 /262].
فجعلا
رحمها الله تعالى الشرك بالله تعالى هو الذنب الوحيد الذي يوجب الكفر؛ ولو فعل العبد
ما فعل من الذنوب والكبائر، فإنه لا يخرج من الإسلام ما دام أنه لم يأتِ بما ينقض توحيده
من المكفِّرات.
4- الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى:
قال
بعد أن ذكر خِلال الإيمان التي شُرِّعت بعد النطق بالشهادتين؛ وهي الصلاة والهجرة والقتال
والطواف وحلق الرأس والصدقة، ثم قال: ((فلما علم الله الصدق في قلوبهم فيما تتابع عليهم
من شرائع الإيمان وحدوده، قال الله له: قل لهم: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً"، فمن ترك خلة من خِلال الإيمان جاحداً كان
بها عندنا كافراً، ومن تركها كسلاً أو تهاوناً أدبناه، وكان بها عندنا ناقصاً، هكذا
السنة أبلغها عني من سألك من الناس)) [الشريعة للآجري 2/557].
قلتُ:
فجعل
رحمه الله تعالى الخروج من الإسلام يكون بجحد خلة من خلال الإيمان، وأما من تركها كسلاً
وتهاوناً فهو ناقص الإيمان.
5- رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى:
قال
رحمه الله تعالى: ((والإيمان قول
وعمل، يزيد وينقص، زيادته إذا أحسنت ونقصانه إذا أسأت، ويخرج الرجل من الإيمان إلى
الإسلام، فإن تاب رجع إلى الإيمان، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله العظيم أو
برد فريضة من فرائض الله جاحداً لها، فإنْ تركها كسلاً أو تهاوناً بها كان في مشيئة
الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وأما المعتزلة فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم
أنهم يكفِّرون بالذنب)) [طبقات الحنابلة 1 /343].
قلتُ: فقوله
((ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله العظيم أو برد فريضة من فرائض الله جاحداً
لها))، واضح لا يحتاج إلى تعليق.
وقال
الخلال: ((قال صالح: سألت أبي –أحمد بن حنبل- ما زيادته ونقصانه؟ قال: زيادته العمل
ونقصانه ترك العمل؛ مثل تركه الصلاة والزكاة والحج وأداء الفرائض، فهذا ينقص ويزيد
بالعمل)) [السنة للخلال 3/588].
6- الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى:
قال
رحمه الله تعالى: ((يقول أهل الارجاء: الإيمان قول بلا عمل، ويقول الجهمية: الإيمان
المعرفة بلا قول ولا عمل، ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة والقول والعمل، فمن قال:
الإيمان قول وعمل فقد أخذ بالوثيقة، ومن قال الإيمان قول بلا عمل؛ فقد خاطر، لأنه لا
يدري أيقبل إقراره أو يرد عليه بذنوبه؟)) [السنة لعبد الله بن الإمام أحمد 1 /376]
قلتُ:
فمَنْ أتى بالقول دون العمل فهو على خطر؛ أي تحت المشيئة، إنْ شاء غفر الله تعالى له
وأدخله الجنة، وإنْ شاء عذَّبه ودخل النار، ثم لا يخلَّد فيها.
7- الإمام ابن قتيبة الدينوري رحمه الله تعالى:
قال
في [المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير ص331-332]: (((سألتَ عن حديث النبي صلى الله
عليه وسلم: "الإيمان نيف وسبعون باباً أفضلها: لا إله الا الله وأدناها إماطة
الأذى عن الطريق"، وقلتَ: أتقول لمن لم يمط الأذى عن الطريق ناقص الإيمان؟
أما
وجه هذا الحديث؛ فالإيمان صنفان: أصلٌ وفرعٌ، فالأصل: الشهادتان والتصديق بالبعث والجنة
والنار والملائكة وبكل ما أخبر الله به في كتابه وأشباه هذا مما خبَّر به رسوله عنه،
وهذا هو الأمر الذي من كفر بشيء منه: فقد خرج من الإيمان، ولا يقال له مؤمن ولا ناقص
الإيمان.
ومن
الأصول الصلاة والزكاة والصوم وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً؛ وهذا هو الأمر الذي
من آمن بأنه مفروض عليه ثم قصر في بعضه بتوانٍ او اشتغالٍ فهو ناقص الإيمان حتى يتوب
ويراجع، وكذلك الكبائر إن لابسها غير مستحل لها فهو ناقص الايمان حتى ينزع عنها.
وأما
الفروع: فإماطة الأذى من الإيمان وإفشاء السلام من الإيمان وأشباه هذا…))
وقال
في [تأويل مختلف الحديث
ص173]: ((والموصوفون بالإيمان ثلاثة نفر: رجل
صدق بلسانه دون قلبه؛ كالمنافقين فيقول قد آمن، كما قال الله تعالى عن المنافقين:
"ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا"، وقال: "إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا
والصابئين والنصارى"، ثم قال: "من آمن منهم بالله واليوم الآخر" لأنهم
لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولو كان أراد بالذين آمنوا ههنا المسلمون لم يقل
"من آمن منهم بالله واليوم الآخر"، لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر،
وإنما أراد المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم، والذين هادوا والنصارى، ولا نقول له مؤمن،
كما أنا لا نقول للمنافقين مؤمنون، وإنْ قلنا قد آمنوا؛ لأنَّ إيمانهم لم يكن عن عقد
ولا نية، وكذلك نقول لعاصي الأنبياء صلى الله عليهم وسلم عصى وغوى ولا نقول عاص ولا
غاو، لأنَّ ذنبه لم يكن عن إرهاص ولا عقد كذنوب أعداء الله عز وجل. ورجل صدق بلسانه
وقلبه مع تدنس بالذنوب وتقصير في الطاعات من غير إصرار؛ فنقول قد آمن، وهو مؤمن ما
تناهى عن الكبائر، فإذا لابسها لم يكن في حال الملابسة مؤمناً؛ يريد مستكمل الإيمان،
ألا ترى أنه صلى الله عليه و سلم قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"،
يريد في وقته ذلك، لأنه قبل ذلك الوقت غير مصر فهو مؤمن وبعد ذلك الوقت غير مصر فهو
مؤمن تائب، ومما يزيد في وضوح هذا الحديث الآخر: "إذا زنى الزاني سلب الإيمان،
فإن تاب ألبسه".
ورجل
صدق بلسانه وقلبه وأدى الفرائض واجتنب الكبائر فذلك المؤمن حقاً المستكمل شرائط الإيمان،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه"،
يريد ليس بمستكمل الإيمان، وقال: "لم يؤمن من لم يأمن المسلمون من لسانه ويده"
أي ليس بمستكمل الإيمان، وقال: "لم يؤمن من بات شبعان وبات جاره طاوياً"
أي لم يستكمل الإيمان، وهذا شبيه بقوله: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى
عليه" يريد لا كمال وضوء ولا فضيلة وضوء، وكذلك قول عمر رضي الله عنه: "لا
إيمان لمن لم يحج" يريد لا كمال إيمان، والناس يقولون: فلان لا عقل له، يريدون
ليس هو مستكمل العقل، ولا دين له أي ليس بمستكمل الدين.
وأما
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله فهو في الجنة وإن زنى وإن سرق"
فإنه لا يخلو من وجهين:
أحدهما:
أن يكون قاله على العاقبة؛ يريد أن عاقبة أمره إلى الجنة وإن عذب بالزنا والسرقة.
والآخر:
أن تلحقه رحمة الله تعالى وشفاعة رسوله صلى الله عليه و سلم فيصير إلى الجنة بشهادة
أن لا إله لا الله)).
أقول:
وابن قتيبة من أئمة السلف؛
قال شيخ الاسلام رحمه الله تعالى [المجموع 17 /391-392]: ((وابن قتيبة هو من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب
السنة المشهورة، وله في ذلك مصنفات متعددة. قال فيه صاحب "كتاب التحديث بمناقب
أهل الحديث": وهو أحد أعلام الأئمة والعلماء والفضلاء أجودهم تصنيفاً وأحسنهم
ترصيفاً، له زهاء ثلاثمائة مصنف، وكان يميل إلى مذهب أحمد وإسحاق، وكان معاصراً لإبراهيم
الحربي ومحمد بن نصر المروزي، وكان أهل المغرب يعظمونه ويقولون: من استجاز الوقيعة
في ابن قتيبة يتهم بالزندقة، ويقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه فلا خير فيه)).
وقال في وصفه في [المجموع
25/232]: ((وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم
وابن قتيبة وغير هؤلاء من أئمة السلف والسنة والحديث، وكانوا يتفقهون على مذهب أحمد
وإسحاق، يقدمون قولهما على أقوال غيرهما)).
8- الإمام ابن نصر المروزي رحمه الله تعالى:
قال في رده
على المرجئة [تعظيم قدر الصلاة 2 /713]: ((فتركوا أن يضربوا النخلة مثلاً للإيمان مثلاً كما ضربه الله
عز و جل، ويجعلوا الإيمان له شعباً كما جعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فيشهدوا بالأصل
وبالفروع، ويشهدوا بالزيادة إذا أتى بالأعمال؛ كما أنَّ النخلة فروعها وشعبها أكمل
لها، وهي مزدادة بعد ما ثبت الأصل شعباً وفرعاً، فقد كان يحق عليهم أن ينزلوا المؤمن
بهذه المنزلة فيشهدوا له بالإيمان إذ أتى بالإقرار بالقلب واللسان، ويشهدوا له بالزيادة
كلما ازداد عملاً من الأعمال التي سماها النبي صلى الله عليه و سلم شعباً للإيمان،
وكان كلما ضيع منها شعبة علموا أنه من الكمال أنقص من غيره ممن قام بها، فلا يزيلوا
عنه اسم الإيمان حتى يزول الأصل)).
9- الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله تعالى:
قال
في كتابه [الشريعة 2/656] وهو يتكلَّم عن الاستثناء في الإيمان: ((من صفة أهل الحق
ممن ذكرنا من أهل العلم: الاستثناء في الإيمان لا على جهة الشك - نعوذ بالله من الشك
في الإيمان - ولكن خوف التزكية لأنفسهم من الاستكمال بالإيمان؛ لا يدري أهو ممن يستحق
حقيقة الإيمان أم لا؟ وذلك أن أهل العلم من أهل الحق إذا سألوا: أمؤمن أنت؟ قال: آمنت
بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار وأشباه هذا. والناطق بهذا والمصدِّق
به بقلبه: مؤمن.
وإنما
الاستثناء بالإيمان لا يدري أهو ممن يستوجب ما نعت الله به المؤمنين من حقيقة الإيمان
أم لا؟.
هذا
طريق الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان؛ عندهم أنَّ الاستثناء في الأعمال،
لا يكون في القول والتصديق بالقلب، وإنما الاستثناء في الأعمال الموجبة لحقيقة الإيمان، والناس عندهم
على الظاهر مؤمنون، به يتوارثون، وبه يتناكحون، وبه تجري أحكام ملة الإسلام، ولكن الاستثناء
منهم على حسب ما بيناه له، وبينه العلماء من قبلنا)).
قلتُ:
فجعل رحمه الله تعالى الناطق بإصول الإيمان والمصدِّق بها بقلبه: مؤمناً، ولا شك أنه
يريد ناقص الإيمان؛ لكنه على مذهب مَنْ لا يفرِّق بين الإسلام والإيمان من أهل السنة.
10- الإمام ابن بطة العكبري رحمه الله تعالى:
قال
في الإبانة [1 /286 طبعة دار الحديث]: ((فقد علِمَ العقلاء من المؤمنين ومَنْ شرح الله
صدره ففهم هذا الخطاب من نص الكتاب وصحيح الرواية بالسنة: أنَّ كمال الدين وتمام الإيمان
إنما هو بأداء الفرائض والعمل بالجوارح؛ مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد؛
مع القول باللسان والتصديق بالقلب)).
وقال: ((فمن لقي الله حافظاً
لجوارحه، موفياً كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عليه، لقي الله مؤمناً مستكمل الإيمان،
ومن ضيع شيئاً منها وتعدى ما أمر الله به فيها، لقي الله تعالى ناقص الإيمان، وهو في
مشيئة الله، إنْ شاء غفر له، وإنْ شاء عذبه، ومن جحد شيئاً كان كافراً)).
وقد نقل عنه شيخ الاسلام
رحمه الله تعالى في شرح العمدة بعد أن نصر الرواية عن الإمام أحمد
بعدم تكفير تارك الصلاة كسلاً
وذكر أدلة ذلك؛ ثم علل ذلك فقال في [شرح العمدة 4 /72]: ((ولأنَّ الصلاة عمل من أعمال
الجوارح فلم يكفر بتركه كسائر الأعمال المفروضة، ولأنَّ من أصول أهل السنة: أنهم لا
يكفرون أحداً من أهل السنة بذنب ولا يخرجون عن الاسلام بعمل؛ بخلاف ما عليه الخوارج،
وإنما الكفر بالاعتقادات)).
11- الإمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى:
قال في كتابه
[شرح السنة ص 31]: ((وأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها مؤمنون مسلمون في أحكامهم ومواريثهم
وذبائحهم والصلاة عليهم، ولا نشهد لأحد بحقيقة الإيمان حتى يأتي بجميع شرائع الإسلام،
فإن قصَّر في شيء من ذلك كان ناقص الإيمان حتى يتوب. واعلم أنَّ إيمانه إلى الله تعالى
تام الإيمان أو ناقص الإيمان إلا ما أظهر لك من تضييع شرائع الإسلام. والصلاة على من
مات من أهل القبلة سنة، والمرجوم والزاني والزانية والذي يقتل نفسه وغيره من أهل القبلة
والسكران وغيرهم الصلاة عليهم سنة. ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد
آية من كتاب الله عز وجل أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يصلي
لغير الله أو يذبح لغير الله، وإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام،
فإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالإسم لا بالحقيقة)).
12- الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى:
قال في كتابه [الإيمان ص9]: ((فالأمر الذي عليه السنة عندنا ما نص عليه علماؤنا
مما اقتصصنا في كتابنا هذا: أنَّ الإيمان بالنية والقول والعمل جميعاً، وأنه درجات
بعضها فوق بعض، إلا أنَّ أولها وأعلاها الشهادة باللسان، كما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الحديث الذي جعله فيه بضعة وسبعين جزءاً، فإذا نطق بها القائل وأقر بما
جاء من عند الله لزمه اسم الإيمان بالدخول فيه بالاستكمال عند الله، ولا على تزكية
النفوس، وكلما ازداد لله طاعة وتقوى، ازداد به إيماناً)).
وقال
في ص23: ((وبهذا القول كان يأخذ سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس: يرون أعمال البر جميعاً
من الإزدياد في الإسلام، لأنها كلها عندهم منه، وحجتهم في ذلك ما وصف الله به المؤمنين
في خمس مواضع من كتابه، منه قوله: "الذين قال لهم الناس إنَّ الناس قد جمعوا لكم
فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"، وقوله: "ليستيقن
الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً"، وقوله: "ليزدادوا إيماناً
مع إيمانهم"، وموضعان آخران قد ذكرناهما في الباب الأول، فاتبع أهل السنة هذه
الآيات، وتأولوها أنَّ الزيادات هي الأعمال الزاكية)).
وقال في ص24: ((فهكذا الإيمان هو درجات ومنازل، وإنْ كان سمى أهله اسماً
واحداً، وإنما هو عمل من أعمال تعبد الله به عباده، وفرضه على جوارحهم، وجعل أصله في
معرفة القلب، ثم جعل المنطق شاهداً عليه، ثم الأعمال مصدقة له، وإنما أعطى الله كل
جارحة عملاً لم يعطه الأخرى، فعمل القلب: الاعتقاد، وعمل اللسان: القول، وعمل اليد:
التناول، وعمل الرجل: المشي، وكلها يجمعها اسم العمل، فالإيمان على هذا التناول إنما
هو كله مبني على العمل، من أوله إلى آخره، إلا أنه يتفاضل في الدرجات على ما وصفنا،
وزعم من خالفنا أنَّ القول دون العمل، فهذا عندنا متناقض، لأنه إذا جعله قولاً فقد
أقر أنه عمل)).
وقال في ص33: ((وإنَّ الذي عندنا في هذا الباب كله: أنَّ المعاصي والذنوب
لا تزيل إيماناً، ولا توجب كفراً، ولكنها إنما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه الذي
نعت الله به أهله، واشترطه عليهم في مواضع من كتابه فقال: "إنَّ الله اشترى من
المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله" إلى قوله:
"التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون
عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين"، وقال: "قد أفلح المؤمنون
الذين هم في صلاتهم خاشعون" إلى قوله: "والذين هم على صلواتهم يحافظون. أولئك
هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون"، وقال: "إنما المؤمنون
الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون
الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم
ومغ، فهذه الآيات التي شرحت وأبانت شرائعه المفروضة على أهله ونفت عنه المعاصي كلها،
ثم فسرته السنة بالأحاديث التي فيها خلال الإيمان في الباب الذي في صدر هذا الكتاب،
فلما خالطت هذه المعاصي هذا الإيمان المنعوت بغيرها، قيل: ليس هذا من الشرائط التي
أخذها الله على المؤمنين ولا الأمارات التي يعرف بها أنه الإيمان، فنفت عنهم حينئذ
حقيقته ولم يزل عنهم اسمه، فإنْ قال قائل: كيف يجوز أن يقال: ليس بمؤمن واسم الإيمان
غير زائل عنه؟ قيل: هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن
عامله إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم
لعمله: ما صنعت شيئاً ولا عملت عملا، وإنما وقع معناهم هاهنا على نفي التجويد، لا على
الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم، وغير عامل في الإتقان حتى تكلموا به فيما هو
أكثر من هذا، وذلك كرجل يعق أباه ويبلغ منه الأذى ، فيقال: ما هو بولد، وهم يعلمون
أنه ابن صلبه، ثم يقال مثله في الأخ، والزوجة، والمملوك، وإنما مذهبهم في هذا: المزايلة
الواجبة عليهم من الطاعة والبر، وأما النكاح والرق والأنساب فعلى ما كانت عليه أماكنها
وأسماؤها. فكذلك هذه الذنوب التي ينفى بها الإيمان، إنما أحبطت الحقائق منه الشرائع
التي هي من صفاته، فأما الأسماء فعلى ما كانت قبل ذلك، ولا يقال لهم إلا مؤمنون، وبه
الحكم عليهم، وقد وجدنا مع هذا شواهد لقولنا من التنزيل والسنة)).
وقال في ص34: ((وكذلك كل ما كان فيه ذكر كفر أو شرك لأهل القبلة فهو عندنا
على هذا، ولا يجب اسم الكفر والشرك الذي تزول به أحكام الإسلام ويلحق صاحبه بردة إلا
كلمة الكفر خاصة دون غيرها، وبذلك جاءت الآثار مفسرة)).
13- الإمام ابن منده رحمه الله تعالى:
قال في كتابه الإيمان
[1 /331-332]: ((ذكر اختلاف أقاويل الناس
في الإيمان ما هو؟ فقالت طائفة من المرجئة: الإيمان فعل القلب دون اللسان، وقالت طائفة
منهم: الإيمان فعل اللسان دون القلب وهم أهل الغلو في الإرجاء، وقال جمهور أهل الإرجاء:
الإيمان هو فعل القلب واللسان جميعاً، وقالت الخوارج: الإيمان فعل الطاعات المفترضة
كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح، وقال آخرون: الإيمان فعل القلب واللسان مع اجتناب
الكبائر.
وقال أهل الجماعة: الإيمان هي الطاعات كلها بالقلب
واللسان وسائر الجوارح؛ غير أنَّ له أصلاً وفرعاً، فأصله: المعرفة بالله والتصديق له
وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له
مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة، فإذا أتى بهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه
اسمه وأحكامه، ولا يكون مستكملا له حتى يأتي بفرعه، وفرعه: المفترض عليه أو الفرائض
واجتناب المحارم؛ وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "الإيمان
بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق
والحياء شعبة من الإيمان"، فجعل الإيمان شعباً بعضها باللسان والشفتين وبعضها
بالقلب وبعضها بسائر الجوارح، فشهادة أن لا إله إلا الله فعل اللسان، تقول شهدت أشهد
شهادة، والشهادة فعله بالقلب واللسان لا اختلاف بين المسلمين في ذلك، والحياء في القلب،
وإماطة الأذى عن الطريق فعل سائر الجوارح)).
14- الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى:
فقد بوب باباً في كتابه
[التوحيد 2 /696] فقال: ((باب: "ذكر البيان أنَّ النبي يشفع للشاهد لله بالتوحيد؛
الموحِّد لله بلسانه إذا كان مخلصاً ومصدقاً بذلك بقلبه، لا لمن تكون شهادته بذلك منفردة
عن تصديق القلب")).
قلتُ: فمَنْ شهد لله بالتوحيد
بلسانه بإخلاص وصدق من قلبه، ينال الشفاعة يوم القيامة، فأين عمل الجوارح؟!
وكذلك قال
في كتابه [التوحيد 2 /833]: ((كذلك نقول في فضائل الأعمال التي ذكرنا: أنَّ من عمل من المسلمين
بعض تلك الأعمال ثم سدد وقارب ومات على إيمانه دخل الجنة ولم يدخل النار موضع الكفار
منها؛ وإنْ ارتكب بعض المعاصي لذلك، لا يجتمع قاتل الكافر إذا مات على إيمانه مع الكافر
المقتول في موضع واحد من النار، لا أنه لا يدخل النار ولا موضعاً منها؛ وإنْ ارتكب
جميع الكبائر خلا الشرك بالله عز وجل؛ إذا لم يشأ الله أن يغفر له ما دون الشرك، فقد
خبر الله عز و جل أنَّ للنار سبعة أبواب فقال
لإبليس: "إنَّ عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين" إلى قوله
تعالى: "لكل باب منهم جزء مقسوم"، فأعلمنا ربنا عز وجل أنه قسم تابعي إبليس
من الغاوين سبعة أجزاء على عدد أبواب النار، فجعل لكل باب منهم جزءاً معلوماً، واستثنى
عباده المخلصين من هذا القسم. فكل مرتكب معصية زجر الله عنها فقد أغواه إبليس، والله
عز وجل قد يشاء غفران كل معصية يرتكبها المسلم دون الشرك؛ وإن لم يتب منها، لذاك أعلمنا
في محكم تنزيله في قوله: "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء")).
15- الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
قال رحمه الله تعالى في [التمهيد 18 /40-41 ] معلِّقاً على حديث الرجل
الذي طلب من بنيه أن يحرقوه بعد موته: ((روي من حديث أبي رافع عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال:
"قال رجل لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد"، وهذه اللفظة إنْ صحت رفعت الإشكال
في إيمان هذا الرجل، وإنْ لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها
تعضدها، والنظر يوجبها؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار، لأنَّ الله
عز وجل قد أخبر أنه: "لا يغفر أن يشرك به" لمن مات كافراً، وهذا ما لا مدفع
له ولا خلاف فيه بين أهل القبلة. وفي هذا الأصل ما يدلك على أنَّ قوله في هذا الحديث:
"لم يعمل حسنة قط" أو "لم يعمل خيراً قط" لم يعنِ به إلا ما عدا
التوحيد من الحسنات والخير، وهذا سائغ في لسان العرب، جائز في لغتها؛ أن يؤتى بلفظ
الكل والمراد البعض، والدليل على أنَّ الرجل كان مؤمناً قوله حين قيل له: "لم
فعلت هذا" فقال: "من خشيتك يا رب"، والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق،
بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم كما قال الله عز وجل: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"، قالوا: كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه، ومستحيل
أن يخافه من لا يؤمن به؛ وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده)).
قلتُ: فقوله ((وفي هذا الأصل ما يدلك على أنَّ
قوله في هذا الحديث: "لم يعمل حسنة قط" أو "لم يعمل خيراً قط"
لم يعنِ به إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير))، واضح في نجاة الموحِّد من النار
وإنْ لم يعمل خيراً قط.
16- العلامة أبو محمد اليمني رحمه الله تعالى:
وهو من علماء القرن السادس، وقد حقق كتابه [عقائد
الثلاث وسبعين فرقة] محمد بن عبدالله الغامدي، وبيَّن من خلال ما كتبه في هذا الكتاب
أنه سلفي المعتقد.
قال أبو محمد اليمني رحمه الله تعالى [عقائد
الثلاث وسبعين فرقة 1 /313]: ((وأما مقالة الفرقة السابعة
التي هي أهل السنة والجماعة؛ فإنهم قالوا: الإيمان: إقرار
باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالجوارح، وكل خصلة من خصال الطاعات المفروضة إيمان،
فعلى هذا الإيمان عندهم التصديق، وموضعه القلب، والمعبر عنه باللسان، وظاهر الدليل
عليه بعد الإقرار شهادة الأركان، وهي ثلاثة أشياء: شهادة، واعتقاد، وعمل. فالشهادة
تحقن الدم وتمنع المال وتوجب أحكام الله، والعمل يوجب الديانة
والعدالة، وهذان ظاهران يوجبان الظاهرة الشريعة [هكذا في الأصل ولعل هناك
سقطاً]. فأما
العقيدة فإنها تظهرها الآخرة؛ لأنها خفية لا يعلمها إلا
الله، فمن
ترك العقيدة بالقلب وأظهر الشهادة فهو منافق، ومن اعتقدها بقلبه
وعبّر عنها لسانه وترك العمل بالفرائض عصياناً منه فهو فاسق غير خارج بذلك عن إيمانه،
لكنه يكون ناقصاً، وتجري عليه أحكام المسلمين، اللهم إلا إنْ تركها وهو جاحد بوجوبها
فهو كافر حلال الدم ويجب قتله)).
17- شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
قال رحمه الله تعالى في [المجموع 11 /671]: ((وترك الإيمان
والتوحيد والفرائض التي فرضها الله تعالى على القلب والبدن من الذنوب بلا ريب عند كل
أحد؛ بل هي أعظم الصنفين كما قد بسطناه فيما كتبناه من القواعد قبل ذهابي إلى مصر.
فإنَّ جنس ترك الواجبات أعظم من جنس فعل المحرمات؛ إذ قد يدخل في ذلك ترك الإيمان والتوحيد.
ومَنْ أتى بالإيمان والتوحيد لم يخلَّد في النار ولو فعل ما فعل!، ومَنْ لم يأت بالإيمان
والتوحيد كان مخلداً ولو كانت ذنوبه من جهة الأفعال قليلة)).
وقال في [اقتضاء الصراط المستقيم ص353]: ((وهذا
قد يبتلى به كثير من العباد أرباب القلوب، فإنه قد يغلب على أحدهم ما يجده من حب أو
بغض لأشخاص فيدعوا لأقوام وعلى أقوام بما لا يصلح، فيستجاب له، ويستحق العقوبة على
ذلك الدعاء، كما يستحقها على سائر الذنوب. فإنْ لم يحصل له ما يمحو ذلك من توبة أو
حسنات ماحية أو شفاعة غيره أو غير ذلك؛ وإلا فقد يعاقب: إما بأن يسلب ما عنده من ذوق
طعم الإيمان ووجود حلاوته فينزل عن درجته، وإما بأن يسلب عمل الإيمان فيصير فاسقاً!،
وإما بأن يسلب أصل الإيمان فيكون كافراً منافقاً أو غير منافق)).
وقال: ((قال أهل السنة: إنَّ
مَنْ ترك فروع الإيمان لا يكون كافراً حتى يترك أصل الإيمان؛ وهو الاعتقاد، ولا يلزم
من زوال فروع الحقيقة التي هي ذات شعب وأجزاء زوال اسمها، كالإنسان إذا قطعت يده أو
الشجرة إذا قطع بعض فروعها)) وانظر [العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ص114].
وقال
في [المجموع 10 /355-356]: ((والدِّين القائم بالقلب من الإيمان علماً وحالاً هو الأصل،
والأعمال الظاهرة هي الفروع؛ وهي كمال الإيمان)).
وقال
رحمه الله تعالى [المجموع 7 /637]: ((ثم هو – يقصد: لفظ الإيمان - في الكتاب بمعنيين:
أصل، وفرع واجب، فالأصل: الذي في القلب، وراءه العمل؛ فلهذا يفرق بينهما بقوله:
"آمنوا وعملوا الصالحات"، والذي يجمعهما كما فى قوله: "إنما المؤمنون"
"ولا يستأذنك الذين لا يؤمنون" وحديث الحيا ووفد عبد القيس. وهو مركب من
أصل: لا يتم بدونه، ومن واجب: ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب: يفوت
بفواته علو الدرجة. فالناس فيه: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق.
كالحجِّ
وكالبدن والمسجد وغيرهما من الأعيان والأعمال والصفات؛ فمن سواء أجزائه: ما إذا ذهب
نقص عن الأكمل. ومنه ما نقص عن الكمال؛ وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات. ومنه ما
نقص ركنه: وهو ترك الاعتقاد والقول؛ الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه مسمَّى فقط، وبهذا
تزول شبهات الفرق. وأصله القلب، وكماله العمل الظاهر، بخلاف الإسلام؛ فإنَّ أصله الظاهر
وكماله القلب)).
قلتُ: وهذه نصوص صريحة منه
على نجاة مَنْ لم يعمل من الصالحات شيئاً من الخلود في النار، لكن بشرط أن يموت على
التوحيد.
ولا أدري كيف تكون الأعمال
الظاهرة من كمال الإيمان عند شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، ثم يأتي مَنْ يزعم أنَّ
شيخ الإسلام يكفر مَنْ ترك الأعمال الظاهرة؟!
وقال
الحافظ ابن المحب المقدسي في كتابه [إثبات أحاديث الصفات ص 455/ا باب الشفاعة وهو مخطوط
(المكتبة الظاهرية)]: ((حديث: "شفعت الملائكة وشفع النبيون ولم يبق إلا أرحم الراحمين؛
فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً". قال
شيخنا – ويقصد شيخ الإسلام ابن تيمية -: ليس في الحديث
نفي إيمانهم!، وإنما فيه نفي عملهم الخير، وفي الحديث الآخر: "فيخرج منها من
كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"؛ وقد يحصل في قلب العبد مثقال ذرة من إيمان وإنْ
كان لم يعمل خيراً!، ونفي العمل أيضاً لا يقتضي نفي القول!، بل يقال: فيمن شهد أن لا
إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله ومات ولم يعمل بجوارحه قط إنه لم يعمل خيراً،
فإنَّ العمل قد لا يدخل فيه القول لقوله: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"،
وإذا لم يدخل في النفي إيمان القلب واللسان لم يكن في ذلك ما يناقض القرآن)).
أقول: وابن المحب المقدسي
هو الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد ابن المحب المقدسي، وهو الملقب بـ(ابن
المحب الصامت)، ولد سنة 712ﻫ، وسمع من شيخ الإسلام ابن تيمية (مسند الحارث ابن أبي
أسامة) بقراءة والده عبد الله بن المحب في سنة 718ﻫ.
18- العلامة ابن القيم
رحمه الله تعالى:
قال رحمه الله تعالى في عدة
الصابرين: ((إنَّ الإيمان قول وعمل والقول قول القلب واللسان والعمل عمل القلب والجوارح،
وبيان ذلك: أنَّ مَنْ عرف الله بقلبه ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمناً كما قال عن قوم
فرعون: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم"، وكما قال عن قوم عاد وقوم صالح:
"وعاداً وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل
وكانوا مستبصرين" وقال موسى لفرعون: "لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات
والأرض بصائر"، فهؤلاء حصل قول القلب وهو المعرفة والعلم ولم يكونوا بذلك مؤمنين،
وكذلك مَنْ قال بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمناً؛ بل كان من المنافقين، وكذلك
مَنْ عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من الحب والبغض
والموالاة والمعاداة فيحب الله ورسوله ويوالي أولياء الله ويعادي أعداءه ويستسلم بقلبه
لله وحده وينقاد لمتابعة رسوله وطاعته والتزام شريعته ظاهراً وباطناً. وإذا فعل ذلك
لم يكف في كمال إيمانه حتى يفعل ما أمر به؛ فهذه الأركان الأربعة هي أركان الإيمان
التى قام عليها بناؤه)).
قلتُ: فجعل فعل المأمور بالجوارح
من كمال الإيمان!.
وقال في [حادي الأرواح ص269]:
((قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة؛ "فيقول عز وجل
شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من
النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً فيلقيهم في نهر في أفواه
الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل؛ فيقول أهل الجنة:
هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه"، فهؤلاء
أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار!؛ بحيث صاروا حمماً
وهو الفحم المحترق بالنار.
وظاهر السياق: أنه لم يكن
في قلوبهم مثقال ذرة من خير!؛ فإنَّ لفظ الحديث هكذا: "فيقول ارجعوا فمَنْ وجدتم
في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها
خيراً، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم
الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط".
فهذا السياق يدل على إنَّ
هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، ومع هذا فأخرجتهم الرحمة، ومن هذا رحمته
سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعماً منه بأنه
يفوت الله سبحانه وتعالى، فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيراً قط؛ ومع هذا
فقال له: "ما حملك على ما صنعت"؟ قال: "خشيتك وأنت تعلم" فما تلافاه
إن رحمه الله، فلله سبحانه وتعالى في خلقه حِكم لا تبلغه عقول البشر!!)).
قلت: قوله رحمه الله تعالى:
((وظاهر السياق: أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير))، وتأكيده مرة ثانية بقوله:
((فهذا السياق: يدل على أنَّ هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير))، واضح جداً
أنَّ لفظة: ((لم يعملوا خيراً قط)) على ظاهرها، ويؤكِّد ذلك سياق الحديث.
فإذا لم يكن في قلوبهم مثقال
ذرة من خير؛ فهل عندهم شيء ولو يسير من عمل الجوارح؟!
19- الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى:
قال في كتابه [التخويف من النار ص259]: ((والمراد
بقوله: "لم يعملوا خيراً قط" من أعمال الجوارح؛ وإنْ كان أصل التوحيد معهم،
و لهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه "لم يعمل خيراً
قط غير التوحيد" خرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعاً، ومن حديث ابن مسعود
موقوفاً، ويشهد لهذا ما في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الشفاعة
قال: "فأقول: يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي
وعظمتي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله" خرجاه في الصحيحين، وعند مسلم:
"فيقول: ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك"، وهذا يدل على أنَّ الذين يخرجهم الله
برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد؛ الذين لم يعملوا معها خيراً قط بجوارحهم،
والله أعلم)).
قلتُ: فقوله رحمه الله تعالى
في صفة عتقاء الله: ((هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا معها خيراً قط بجوارحهم))،
صريح لا يحتمل التأويل.
وقال
في [فتح الباري 1 /112]: ((ومعلوم أنَّ الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع
شهادة اللسان؛ وبها يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة، كما سبق ذكره)).
20 - الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:
قال في تفسير قوله تعالى
في سورة هود: "َأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ
وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ
رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد": ((وقد اختلف المفسرون في المراد
من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة، حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه
"زاد المسير"، وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيرًا منها الإمام أبو جعفر
بن جرير رحمه الله في كتابه، واختار هو ما نقله عن خالد بن مَعْدَان والضحاك وقتادة
وأبي سِنَان ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضًا: أنَّ الاستثناء عائد على
العُصاة من أهل التوحيد، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين؛ من الملائكة والنبيين
والمؤمنين، حين يشفعون في أصحاب الكبائر.
ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين،
فتخرج من النار مَنْ لم يعمل خيراًَ قط وقال يوماً من الدهر: لا إله إلا الله؛ كما
وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمضمون ذلك من
حديث أنس وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة.
ولا يبقى بعد ذلك في النار
إلا مَنْ وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها، وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديماً
وحديثاً في تفسير هذه الآية الكريمة)).
قلتُ: فقوله رحمه الله تعالى
في صفة عتقاء الله: ((فتخرج من النار مَنْ لم يعمل خيراًَ قط وقال يوماً من الدهر:
لا إله إلا الله)) هو عين ما قاله ابن رجب.
21- العلامة ابن الوزير الصنعاني رحمه الله تعالى:
قال في كتابه [العواصم والقواصم
ص102]: ((وقد دلَّ حديث الشفاعة أنَّ الخارجين من النار بالشفاعة ثلاث طوائف، وأنَّ
الله يخرج بعدهم من النار برحمته لا بالشفاعة طائفة رابعة لم يعملوا خيراً قط ولا في
قلوبهم خيرٌ قط؛ ممن قال لا إله إلا الله، يسميهم أهل الجنة: عتقاء الله من النار)).
قلتُ: فقوله رحمه الله تعالى
في صفة عتقاء الله: ((لم يعملوا خيراً قط ولا في قلوبهم خيرٌ قط ممن قال: لا إله إلا
الله))، صريح لا يحتمل التأويل أبداً.
22- العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله تعالى:
قال في [رفع الأستار لإبطال
أدلة القائلين بفناء النار ص132-133]: ((وهذا الحديث فيه الإخبار بأنَّ الملائكة قالت:
"لم نذر فيها خيراً" أي: أحداً فيه خير؛ والمراد ما علموه بإعلام الله، ويجوز
أن يقال: لم يعلمهم بكل مَنْ في قلبه خير وأنه بقي مَنْ أخرجهم بقبضته؛ ويدل له أنَّ
لفظ الحديث: "أنه أخرج بالقبضة مَنْ لم يعملوا خيرا قط"، فنفى العمل ولم
ينفِ الاعتقاد، وفي حديث الشفاعة تصريح بإخراج قوم لم يعملوا خيراً قط، ويفيد مفهومه:
أنَّ في قلوبهم خيراً.
ثم سياق الحديث يدل على أنه
أريد بهم أهل التوحيد؛ لأنه تعالى ذكر الشفاعة للملائكة والأنبياء والمؤمنين، ومعلوم
أنَّ هؤلاء يشفعون بعصاة أهل التوحيد)).
قلتُ: فانظروا –يا رعاكم
الله تعالى- إلى قوله: ((سياق الحديث يدل على أنه أريد بهم أهل التوحيد))، لتعلموا
خطأ مَنْ يتعقَّب على فهم أئمة وعلماء السلف فيقول: لو كان المراد بلفظة ((لم يعملوا
خيراً قط)) ظاهرها وعمومها، لدخل في النفي عمل القلب بالكلية!!، فهذا تعقّب فاسد، يخالف
سياق حديث الشفاعة فضلاً عن مخالفة فهم السلف للحديث.
23- العلامة شمس الدين محمد بن أحمد السفاريني رحمه الله تعالى:
قال رحمه الله تعالى في كتابه [لوامع الأنوار
البهية 2 /133-134]: ((قال العلماء رحمهم الله تعالى: طلوع الشمس من مغربها ثابت بالسنة
الصحيحة والأخبار الصريحة، بل وبالكتاب المنزل على النبي المرسل قال تعالى: "يَوْمَ
يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ
مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا" الآية، أجمع المفسرون أو
جمهورهم على أنها طلوع الشمس من مغربها. وقد خبط بعض العلماء في تفسير الآية الكريمة
ولبط، ولم يهتد لمقصودها الذي عليه المحط، وحاصل ذلك المقصود من الآية الكريمة:
إنْ لم يكن إيمانه متحققاً إذا طلعت الشمس من
مغربها لم ينفعه تجديد الإيمان ولم ينفعه فعل بر من جميع الأعمال؛ لأنه فقد الإيمان
الذي هو الأساس لما عداه من تلك الأعمال، فلا ينفعه إيمانه الحادث حينئذ، ولا ما صدر
منه قبل ذلك من الإحسان وعمل البر؛ من صلة الأرحام، وإعتاق الرقاب، وقرى الأضياف، وغير
ذلك مما هو من مكارم الأخلاق، لأنها على غير أساس قال تعالى: "الَّذِينَ كَفَرُوا
بِرَبِّهِم أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ" الآية. والإيمان
الحادث في ذلك الوقت ليس مقبولاً حتى يكون من باب "أسلم على ما سلف من الخير"،
فهؤلاء لا ينفعهم لا بانضمام الأفعال اللاحقة ولا بانضمام أعمالهم السابقة لفقد الأساس
الذي هو الإيمان.
وأما من تحقق اتصافه بالإيمان الشرعي من قبل
ذلك الوقت واستمر إيمانه إلى طلوع الشمس من مغربها فهو لا يخلو:
إما أن يكون مؤمناً مقيماً على المعاصي لم يكسب
في إيمانه خيراً.
أو مؤمناً مخلطاً.
أو مؤمناً تائباً عن المعاصي كاسباً في إيمانه
خيراً ما استطاع.
فالأول: ينفعه الإيمان السابق المجرد من الأعمال
لأصل النجاة فلا يخلد في النار وإن دخلها بذنوبه، فالإيمان السابق ينفعه، وينفعه الإيمان
يومئذ أيضاً لأنه نور على نور، ولكن لا تنفعه التوبة عن المعاصي، ولا يقبل منه حسنة
يعملها بعد ذلك.
والثاني: ينفعه إيمانه السابق لأصل نجاته، وينفعه
ما قدمه من الحسنات لدرجاته، وينفعه إيمان يومئذ أيضاً لما مر، ولكن لا تنفعه توبة
حينئذ من التخليط، ولا حسنة يعملها بعد ذلك ما لم يكن عملها من قبل واستمر على عملها
من نحو صلاة وقراءة وذكر كان يعمله.
والثالث: ينفعه إيمانه السابق لأجل نجاته، وتنفعه
أعماله السابقة الصالحة لدرجاته، وينفعه إيمانه ذلك اليوم أيضاً، وينفعه ما يعمله بعد
ذلك من الحسنات التي سبق منه أمثالها.
وهذا التفصيل؛ مما دلت عليه الآية الكريمة وبينته
الأحاديث الواردة في تفسير قوله تعالى: "يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ
لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي
إِيمَانِهَا خَيْرًا"، من ذلك ما أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس
من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك لا ينفع نفساً إيمانها"
الآية)).
قلتُ:
فقوله ((ينفعه الإيمان السابق المجرد من الأعمال لأصل النجاة فلا يخلد في النار وإن
دخلها بذنوبه)) واضح جداً.
24- مجدد التوحيد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى:
جاء
في [الدرر السنية 1 /102]: ((وسُئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى، عما يقاتل
عليه؟ وعما يكفر الرجل به؟ فأجاب: أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان
الأربعة؛ فالأربعة إذا أقر بها وتركها تهاوناً، فنحن وإنْ قاتلناه على فعلها، فلا نكفره
بتركها؛ والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود؛ ولا نكفِّر إلا ما
أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان، وأيضاً نكفِّره بعد التعريف، إذا عرف وأنكر)).
25- العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى:
جاء
في [الدرر السنية 11 /317 ]: ((وقال شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
سألني الشريف عما نقاتل عليه؟ وما نكفِّر به؟ فقال في الجواب: "إنا لا نقاتل إلا
على ما أجمع عليه العلماء كلهم؛ وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر)).
26- العلامة عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله
تعالى:
جاء
في [الدرر السنية 1/467]: ((وأخبرتهم ببراءة الشيخ من هذا المعتقد والمذهب، وأنه لا
يكفِّر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله: من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله
ورسله، أو بشيء منها؛ بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر، كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم
مع الله وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإلهية، وهذا مجمع عليه
أهل العلم والإيمان)).
27- العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى:
قال
رحمه الله في كتابه [الأسنَّة الحداد ص57] وهو يرد على فرية الحداد من أنَّ الإمام محمد
بن عبد الوهاب يكفِّر الناس: ((وأما ما
زعمه أنه يكفِّر الناس منذ ستمائة سنة، فقد أجاب
الشيخ عن هذا بقوله: "سبحانك هذا بهتان عظيم"، وأما قوله: "ويثبت الإيمان
لكل من تبعه إلى آخره"، فالجواب:
أن يقال: مراد هذا الملحد المفتري أنَّ من تبع الشيخ محمداً على
توحيد الله وتبرأ من عبادة الطواغيت، وتبرأ من الشرك وأهله، ووافقه على إخلاص العبادة
والدعوة لله، وتاب وأناب إلى الله مما كان يفعله من الشرك بالله، ودعوة الصالحين
وغيرهم من الأحياء والأموات، وعرف معنى قول لا إله إلا الله، وأنها نفي وإثبات؛
فشطرها الأول نفي الألوهية مطلقاً، والثاني إثباتها لله، دون ما سواه من أهل
السماوات والأرض من الأحياء والأموات، سماه مؤمناً موحداً، وأثبت له الإيمان وإنْ كان
فاسقاً، فنعم هكذا قال الشيخ رحمه الله، وعلى هذا سائر العلماء من أهل السنة والجماعة.
وذلك أنَّ الإنسان إذا دخل في الإسلام وحكم بإسلامه لا يخرجه من الإسلام ما يفعله
من الكبائر؛ كالسرقة، والزنا وشرب المسكر وأخذ الأموال ظلماً وعدواناً، وإنما يخرجه
من الإسلام إلى الكفر: الشركُ بالله، وإنكار ما جاء به الرسول من الدين؛ بعد معرفته
بذلك وإقامة الحجة عليه، وقد قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ"، فثبت بهذه
الآية المحكمة: أنَّ جميع الذنوب ما خلا الشرك بالله معلقة بالمشيئة؛ قد يغفرها لمن
يشاء من عباده، وأنَّ الشرك بالله لا يغفره إلا بالتوبة، ومن مات عليه فهو من أهل النار
المخلدين فيها، ولو كان من أعبد الناس وأزهدهم، ولا ينفع مع الشرك بالله عمل البتة)).
وقال
رحمه الله تعالى في كتابه [الضياء الشارق ص35]: ((فمن أنكر التكفير جملة فهو محجوج
بالكتاب والسنة، ومن فرَّق بين ما فرق الله ورسوله من
الذنوب ودان بحكم الكتاب والسنة وإجماع الأمة في الفرق بين
الذنوب والكفر فقد أنصف ووافق أهل السنة والجماعة.
ونحن لم نكفِّر أحداً بذنب
دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله؛ إذا قامت عليه الحجة، وقد حكى الإجماع
على ذلك غير واحد كما حكاه في الإعلام لابن حجر الشافعي)).
قلتُ:
وقد
نقل الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في مبحث ["هل
يعتبر مرجئاً مَنْ لا يكفِّر تارك العمل" من كتابه "إتحاف أهل الصدق والعرفان
ص167-171"] - في رده على فوزي البحريني - كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
تعالى: ((أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة؛ فالأربعة إذا
أقر بها وتركها تهاوناً، فنحن وإنْ قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها؛ والعلماء
اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود؛ ولا نكفِّر إلا ما أجمع عليه العلماء
كلهم، وهو الشهادتان)).
ثم قال الشيخ ربيع معلِّقاً عليه: ((فعلماء الأمة اختلفوا
في تكفير تارك الأركان كسلاً، وأجمعوا على تكفير تاركها جحوداً، وأجمعوا على كفر تارك
الشهادتين، والإمام محمد لا يكفِّر إلا بما أجمعوا عليه وهو الشهادتان، وقوله هذا نصٌ
واضحٌ في عدم تكفير تارك العمل؛ إذ ليس وراء الأركان الخمسة من الأعمال ما يكفر به)).
ثم نقل الشيخ ربيع حفظه الله تعالى كلام أئمة الدعوة المعاصرة
وعلمائها من أحفاد الإمام وتلامذته والذين أيَّدوا كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب المتقدِّم،
ثم قال حفظه الله مستنكراً: ((كل هؤلاء مرجئة على أصول
الحدادية!، لأنهم لا يكفِّرون إلا بترك الشهادة؛ فهم يأتون على رأس مَنْ لا يكفِّر
بترك العمل)).
28- العلامة حافظ الحكمي رحمه الله تعالى:
قال
في [معارج القبول 2 /619]: ((الشهادتان وهما شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً
رسول الله، فلا يدخل العبد في الإسلام إلا بهما، ولا يخرج منه إلا بمناقضتهما: إما
بجحود لما دلتا عليه، أو باستكبار عما استلزمتاه))
وقال
[2 /410]: ((وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة وهي أصل الدين وأساسه ورأس أمره وساق
شجرته وعمود فسطاطه، وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعة عنها متشعبة منها، مكملات لها؛
مقيدة بالتزام معناها والعمل بمقتضاها))
وقال
[3/1021]: ((يخرج من النار إنْ كان مات على الإيمان كما تقدم في أحاديث الشفاعة، وإنه
لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد؛ بل يخرج منها برحمة أرحم الرحمين ثم بشفاعة
الشافعين)).
29- العلامة عبيد الله الرحماني المباركفوري شيخ الجامعة السلفية
في الهند رحمه الله تعالى:
قال
رحمه الله تعالى في [مرعاة المفاتيح 1/36-37]: ((وقال السلف من الائمة الثلاثة -مالك
والشافعي وأحمد- وغيرهم من أصحاب الحديث هو -أي الإيمان-: اعتقاد بالقلب ونطق باللسان
وعمل بالأركان، فالإيمان عندهم مركب ذو أجزاء، والأعمال داخلة في حقيقة الإيمان، ومن
هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقصان بحسب الكمية، وقد احتجوا لذلك بالآيات والأحاديث،
وقد بسطها البخاري في جامعه والحافظ ابن تيمية في كتاب الايمان.
قيل:
وهو مذهب المعتزلة والخوارج، إلا أنَّ السلف لم يجعلوا أجزاء الإيمان متساوية الأقدام
فالأعمال عندهم كواجبات الصلاة لا كأركانها: فلا ينعدم الإيمان بانتفاء الأعمال بل
يبقى مع انتفائها، ويكون تارك الأعمال وكذا صاحب الكبيرة: مؤمناً فاسقا لا كافراً؛
بخلاف جزءيه: التصديق والإقرار؛ فإنَّ فاقد التصديق وحده منافق، والمخل بالإقرار وحده:
كافر، أما المخل بالعمل وحده: ففاسق ينجو من الخلود في النار ويدخل الجنة.
وقال
الخوارج والمعتزلة: تارك الأعمال خارج من الايمان، لكون أجزاء الإيمان المركب متساوية
الأقدام في أنَّ انتفاء بعضها –أي بعض كان- يستلزم انتفاء الكل، فالأعمال عندهم ركن
من أركان الإيمان كأركان الصلاة)).
30- العلامة محمد خليل هراس رحمه الله تعالى:
فقد
علَّق الشيخ محمد خليل الهراس رحمه الله تعالى في حاشيته على كتاب التوحيد لابن خزيمة
على كلمته ((لم يعملوا خيراً قط على التمام والكمال)) فقال [كتاب التوحيد لابن خزيمة ص309 طبعة مكتبة
الكليات الأزهرية/الأولى]: ((لا؛ بل ظاهرها أنهم لم يعملوا خيراً قط كما صرح به في
بعض الروايات، أنهم جاؤوا بإيمان مجرد لم يضموا إليه شيئاً من العمل)).
31- العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى:
قال
رحمه الله تعالى في شرحه للأصول الثلاثة معلِّقاً على حديث "الإيمان بضع وستون
شعبة": ((النبي صلى الله عليه وسلم جعل الشُعب متفاوتة، الشعبة الأولى هي التي
يزول الإيمان بزوالها، إذا زالت الشعبة
الأولى شعبة لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله زال الإيمان كله لا يبقى شيء،
وهل إذا ترك الشعبة الأخيرة -الأذى على الطريق فلم يزله- هل يزول إيمانه؟ لا،
ينقص، الشعب الأخرى غير الشعب الأولى، بزوالها ينقص الإيمان بقدر ما يترك
الإنسان شعبة من الشعب، وبقدر ما يرتكب من المحرمات والمعاصي ينقص إيمانه، ولا يزول،
وإنما يزول بزوال كلمة التوحيد والكفر بها والإتيان بما يناقضها)).
32- العلامة الألباني رحمه الله تعالى:
قال رحمه الله تعالى في حواره مع خالد العنبري: ((الذي فهمناه
من أدلة الكتاب والسنة ومن أقوال الأئمة من صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين: أنَّ ما جاوز
العمل القلبي وتعداه إلى ما يتعلق إلى العمل البدني فهو شرط كمال وليس شرط صحة، ولذلك
الزيادة والنقصان الذي هو معروف عند العلماء وجاء ذكره في تضاعيف السؤال إنما يزيد
بهذه الأعمال وينقص.
فهناك ارتباط وثيق جداً بين العمل القلبي والعمل البدني؛ فكلما
ازداد الإيمان في القلب كلما ظهرت آثاره على البدن، وكلما ازداد العمل بدنياً عاد بزيادة
في الإيمان القلبي؛ فهذا هو الذي نفهمه مما أشرت أليه آنفاً من أقوال العلماء الذين
كانوا أعلم الناس بدلالات الكتاب والسنة)).
أقول:
فهذه
نقول عن أئمة السلف وعلماء أهل السنة والحديث في عصور مختلفة وبلدان متنوعة تبين أنَّ
أعمال الجوارح جزء من الإيمان، لكن من تركها لا يكفر؛ لأنها من كمال الإيمان وفرعه،
ولا يخلَّد في النار مَنْ آمن بالله بقلبه ووحَّده بلسانه ولو ترك الأعمال الصالحة
كلها، وهذا ما دلَّ عليه حديث الشفاعة وحديث البطاقة، وإنما يخرج العبد من الإسلام
إذا ترك أصل الإيمان ونقض الشهادتين بناقض اعتقادي أو قولي أو عملي.
ومع
كل هذا النقول؛ يأتي اليوم بعض المعاصرين ويدَّعي الإجماع على تكفير تارك عمل الجوارح
(المباني الأربعة وما دونها من الأعمال)، ويزعم أن لا خلاف بين أهل السنة والحديث في
ذلك، وأنَّ المخالف في هذا موافق لمذهب المرجئة، وقوله خارج عن أقوال أهل السنة والحديث،
والله المستعان.
أقــول:
فإنْ
لم يقنع أحدٌ بهذه الأقوال في نقض دعوى الإجماع على تكفير تارك عمل الجوارح، فليقنع
بفتوى للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، وكذلك بفتوى اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن
باز:
أما
فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في نقض الإجماع المدَّعى:
فقد
جاء في محاضرة بعنوان حوار حول مسائل التكفير سنة 1418ﻫ السؤال الآتي:
س/ هل
العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين ووجود أصل
الإيمان القلبي؛ هل هم من المرجئة؟!
فأجاب
رحمه الله تعالى بقوله: ((لا؛ هؤلاء من أهل السنة والجماعة!. مَنْ قال بعدم كفر من
ترك الصيام أو الزكاة أو الحج، هذا ليس
بكافر لكن أتى كبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء لكن الصواب
لا يكفر كفراً أكبر، أما تارك الصلاة فالأرجح أنه يكفر الكفر الأكبر إذا تعمَّد تركها،
وأما ترك الزكاة والصيام والحج فإنه كفر دون كفر، معصية كبيرة من الكبائر...)) انتهى
النقل.
قلتُ:
فانظروا
يا رعاكم الله؛ الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى يُسأل عن تارك أعمال الجوارح؛ فيجيب
بالخلاف في تارك المباني الأربعة!!.
ألم
يدرك الشيخ ابن باز الفرق بينهما كما يدندن البعض بهذا؟!!
وأين جواب هؤلاء الحدادية
عن هذه الفتوى؟!
أما
فتوى اللجنة الدائمة في نقض دعوى الإجماع:
فقد ورد عليها سؤال وهو رقم
1727، ونصه: يقول رجل لا اله إلا الله محمد رسول الله، ولا يقوم بالأركان الأربعة،
الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ولا يقوم بالأعمال الأخرى المطلوبة في الشريعة الإسلامية؛
هل يستحق هذا الرجل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بحيث لا يدخل النار
ولو لوقت محدود؟
فكان جوابها برئاسة الشيخ
ابن باز: ((مَنْ قال لا اله إلا الله محمد رسول الله وترك الصلاة والزكاة والحج جاحداً
لوجوب هذه الأركان الأربعة أو لواحد منها بعد البلاغ فهو مرتد عن الإسلام، يستتاب فان
تاب قبلت توبته، وكان أهلاً للشفاعة يوم القيامة، إنْ مات على الإيمان، وإنْ أصر على
إنكاره قتله ولي الأمر لكفره وردته، ولا حظ له في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولا
غيره يوم القيامة، وإن ترك الصلاة وحدها كسلاً وفتوراً فهو كافر كفراً يخرج عن ملة
الإسلام في أصح قولي العلماء، فكيف إذا جمع إلى تركها ترك الزكاة وحج بيت الله الحرام؛
وعلى هذا لا يكون أهلاً لشفاعة النبي صلى الله
عليه وسلم ولا غيره إن مات على ذلك، ومَنْ قال من العلماء إنه كافر كفراً عمليا لا
يخرجه عن حظيرة الإسلام بتركه لهذه الأركان يرى أنه أهل للشفاعة فيه، وإنْ كان مرتكباً
لما هو من الكبائر إنْ مات مؤمناً)).
قلتُ:
فانظروا يا رعاكم الله إلى
جواب اللجنة الدائمة عمن لم يكفِّر تارك الأركان الأربعة ولا يقوم بالأعمال الأخرى
المطلوبة؛ كيف كان جوابهم عن تارك الأركان الأربعة فحسب؟!
هل تتصوَّرون أنهم لم يدركوا
الفرق كما أدركه بعض الشباب اليوم؟!!
أم أنهم حادوا عن السؤال؟!!!
وانظر كيف جعلوا المسألة
خلافية!، وأنَّ من لم يكفِّر تارك الأركان الأربعة هو من العلماء الذين يقولون بأنَّ
الشفاعة لأهل الكبائر بعدم الخلود في النار
مبنية على الإيمان لا على الأعمال؟!
فأين جوابكم عن هذه الفتوى
أيضاً؟!!
ثم
لو كان في مسألة كفر تارك عمل الجوارح بالكلية إجماع من قبل المعاصرين؛ لما خفي على
مثل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى!:
فقد
سُئل في شريط [الأسئلة القطرية] سؤال من شقين:
س1/
شخص قال "لا إله إلا الله" مخلصاً من قلبه مصدقاً بقلبه مستسلماً منقاداً
لكنه لم يعمل بجوارحه خيراً قط؛ مع إمكان العمل هل هو داخل في المشيئة أم كافر؟
فأجاب
رحمه الله تعالى بقوله: ((أقول والحمد لله رب العالمين: إذا كان لا يصلي فهو كافر؛
ولو قال لا إله إلا الله. لو كان صادقاً بقول
لا إله إلا الله مخلصاً بها –والله- لن يترك الصلاة. لأنَّ الصلاة
صلة بين الإنسان وبين الله عز وجل، فقد جاء في الأدلة من القرآن والسنة والنظر
الصحيح وإجماع الصحابة كما حكاه غير واحد على أنَّ تارك الصلاة كافر مخلد في نار
جهنم وليس داخلاً تحت المشيئة. ونحن إذا قلنا بذلك لم نقله عن فراغ، ونحن إذا قلنا
بذلك فإنما قلناه لأنه من مدلولات كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم وأقوال الصحابة التي حُكي إجماعهم عليها؛ قال عبد الله بن شقيق: "كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شئ من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة"،
ونقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة الحافظ ابن راهويه رحمه الله؛ وهو
إمام مشهور.
أما
سائر الأعمال!؛ إذا تركها الإنسان كان تحت المشيئة، يعني لو لم يزك
مثلاً فهذا تحت المشيئة لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر عقوبة مانع الزكاة
قال: "ثم يرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى النار"، ومعلوم أنه لو كان كافراً لم
يكن له سبيل إلى الجنة، والصيام والحج كذلك من تركها لم يكفر وهو تحت المشيئة؛ ولكنه
يكون أفسق عباد الله.
الشق
الثاني: يقول: وهل يوجد خلاف بين أهل السنة
في حكم هذا الرجل بناء على حكم تارك مباني الإسلام الأربع والخلاف فيها؟
فأجاب
الشيخ: ((مسألة الخلاف لا أستطيع حصرها!؛ ولكن يجب أن نعلم أنَّ الكفر حكم شرعي لا يتلقى
إلا من الشرع، وأنَّ الأصل في المسلمين الإسلام حتى يدل دليل على خروجهم منه، والتسرع
في التكفير خطيرٌ جداً جداً جداً، حتى أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال محذراً منه – أي من التكفير – من دعا رجلاً بالكفر أو قال :يا عدو
الله؛ وليس كذلك حار عليه – أي على القائل – أي رجع على القائل)).
فأين جوابكم عن هذه النقول؟
أم تأخذون من كلام أهل العلم
ما تظنون أنه يوافق هواكم وتعرضون عن الآخر؟!
وصدق
سلفنا حين قالوا: ((أهل السنة يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا
ما لهم)).
أما استدلال البعض بكلام
الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، حين قال مرة في جواب له: ((لا، بل العمل عند الجميع
شرط صحة، إلا أنهم اختلفوا فيما يصح
الإيمان به منه))، وقال: ((إلا أنَّ جنس العمل لا بد منه لصحة الإيمان عند السلف جميعاً،
لهذا الإيمان عندهم قول وعمل واعتقاد، لا
يصح إلا بها مجتمعة))
فلم أر تحريفاً لكلام الشيخ
رحمه الله تعالى قد تواطأ عليه القوم مثله!!!.
وبيان ذلك:
قال عصام السناني في كتابه [أقوال ذوي العرفان في أنَّ أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان]!!:
((أقوال
سماحة الشيخ ابن باز في الإيمان:
الأول: قال الشيخ رحمه الله عندما سئل: أعمال
الجوَارح؛ هل هي شرط كمالٍ، أَم شرْط صحّة في الإيْمان؟!
فقال: أَعمال الجوارح - كالصَّوم ، والصدقة ،
والزّكاة - هي من كمال الإيْمان، وتَركها ضعفٌ في الإيْمان. أمّا الصّلاة؛ فالصّواب:
أنّ تركها كفرٌ؛ فالإِنسان عندما يأتي بالأعمال الصالحة فإنّ ذلك من كمال الإيْمان.
(نقلاً عن مجلة الفرقان الكويتية: العدد 94).
الثاني: قال الشيخ في حوار مع مجلة المشكاة:
المشكاة: ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح عندما
تكلم على مسألة الإيمان والعمل، وهل هو داخل في المسمى، ذكر أنه شرط كمال، قال الحافظ:
"والمعتزلة قالوا: هو العمل والنّطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السّلف أنّهم
جعلوا الأعمال شرطاً في صحّته والسّلف جعلوها شرطاً في كماله".
فأجاب الشيخ: لا، هو جزء، ما هو بشرط، هو جزء
من الإيمان، الإيمان قول وعمل وعقيدة أي تصديق، والإيمان يتكون من القول والعمل والتصديق
عند أهل السنة والجماعة.
المشكاة: هناك من يقول بأنه داخل في الإيمان؛
لكنه شرط كمال؟
الشيخ: لا، لا، ما هو بشرط كمال، جزء، جزء من
الإيمان. هذا قول المرجئة، المرجئة يرون الإيمان قول وتصديق فقط، والآخرون يقولون:
المعرفة. وبعضهم يقول: التصديق. وكل هذا غلط. الصواب عند أهل السنة: أنَّ الإيمان قول
وعمل وعقيدة، كما في الواسطية، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
المشكاة: المقصود بالعمل؛ جنس العمل؟
الشيخ: من صلاة وصوم، وغير [ذلك من] عمل القلب
من خوف ورجاء.
المشكاة: يذكرون أنكم لم تعلِّقوا على هذا في
أول الفتح؟
الشيخ: ما أدري، تعليقنا قبل أربعين سنة، قبل
أن نذهب إلى المدينة، ونحن ذهبنا للمدينة في سنة 1381 هـ، وسجلنا تصحيحات الفتح أظن
في 1377 هـ أو 87 [لعلها 78] أي تقريباً قبل أربعين سنة. ما أذكر يمكن مر ولم نفطن
له. [نقلا عن مجلة المشكاة المجلد الثاني ، الجزء الثاني ، ص 279، 280].
الثالث: يقول الأخ عبد العزيز بن فيصل الراجحي
في جريدة الجزيرة:
وقد سألتُ شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله عام
(1415هـ) ـ وكنا في أحد دروسه رحمه الله ـ عن الأعمال: أهي شرط صحة للإيمان، أم شرط
كمال؟
فقال رحمه الله: من الأعمال شرط صحة للإيمان؛
لا يصح الإيمان إلا بها كالصلاة، فمن تركها فقد كفر. ومنها ما هو شرط كمال يصح الإيمان
بدونها، مع عصيان تاركها وإثمه.
فقلت له رحمه الله: مَنْ لم يكفر تارك الصلاة
من السلف، أيكون العمل عنده شرط كمال؟ أم شرط صحة؟
فقال: لا، بل العمل عند الجميع شرط صحة، إلا
أنهم اختلفوا فيما يصح الإيمان به منه؛ فقالت جماعة: إنه الصلاة، وعليه إجماع الصحابة
رضي الله عنهم، كما حكاه عبد الله بن شقيق. وقال آخرون بغيرها. إلا أنَّ جنس العمل
لابد منه لصحة الإيمان عند السلف جميعاً. لهذا الإيمان عندهم قول وعمل واعتقاد، لا
يصح إلا بها مجتمعة. [نقلاً عن جريدة الجزيرة - عدد 12506في 13/7/1423هـ].
الرابع: سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله؛ من شهد
أن لا إله إلا الله واعتقد بقلبه ولكن ترك جميع الأعمال، هل يكون مسلماً؟
قال الشيخ رحمه الله: لا، ما يكون مسلماً حتى
يوحد الله بعمله، يوحد الله بخوفه، ورجاءه، ومحبته، والصلاة، ويؤمن أنَّ الله أوجب
كذا، وحرم كذا. ولا يتصور.. ما يتصوّر أنَّ الإنسان المسلم يؤمن بالله يترك جميع الأعمال،
هذا التقدير لا أساس له. لا يمكن يتصور أن يقع من أحد..، نعم؛ لأنَّ الإيمان يحفِّزه
إلى العمل؛ الإيمان الصادق، نعم. [نقلاً من التعليق على فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
الشريط الثاني أول الوجه الثاني]))
أقول:
بعد
هذه النقول عن الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في مسألة تارك العمل، يتبين لنا فيها
أمور:
الأول:
أنَّ مراد الشيخ بجنس العمل أو العمل؛ هو أعمال الجوارح وأعمال القلوب.
الثاني:
أنَّ تارك العمل في تصور الشيخ؛ هو الذي لا يعمل بقلبه ولا بجوارحه، ولا يعمل بتوحيده،
فلا رجاء ولا خوف ولا محبة، ولا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج، ولا إيمان بوجوب ما
أوجبه الله ولا إيمان بتحريم ما حرمه الله؛ والإيمان كما قال جمع من السلف: عمل.
الثالث:
أنَّ الأعمال الصالحة من كمال الإيمان، لكن الصلاة يكفر تاركها للأدلة في ذلك.
الرابع:
أنَّ صورة تارك جنس العمل صورة ذهنية فرضية لا أساس لها ولا واقع.
الخامس:
أنَّ الإيمان عند السلف قول وعمل واعتقاد، لا يصح إلا بها مجتمعة، والعمل جزء منه،
وليس بخارج عنه.
قلتُ:
فالذي
لا يكفِّر تارك عمل الجوارح، ولكنه يعمل بما لا يصح التوحيد إلا به، وعنده عمل قلب؛
هل هذا من أهل السنة على مذهب الشيخ أم لا؟!
وهل
يحق لأحد اتهام أئمة السلف وأتباعهم بالإرجاء من أجل مسألة فرضية لا واقع لها؟!
وهل
تصح دعوى الإجماع في مثل هذه الفرضيات التي لم تقع؟!!!
وإذا
كانت الأعمال الصالحة (أعمال الجوارح) من كمال الإيمان إلا الصلاة عند مَنْ يكفِّر
تاركها، فهل الأعمال الصالحة كلها كمال عند مَنْ لم يكفِّر تاركها؟!
هذه
أسئلة نترك جوابها للبيب لا للبليد!!
أقــول:
وأما ما ينقله البعض من قول أهل العلم المعاصرين في تكفير
تارك العمل بالكلية؛ فهذا لا يلزم منه دعوى الإجماع!!.
وكذلك ما ينقله عن بعض العلماء المعاصرين بأنَّ مسألة تكفير
تارك العمل بالكلية ليست خلافية؛ فهذا حق، لكن مرادهم حتماً: في تكفير مَنْ ترك العمل
كله؛ عمل القلب، والعمل بما لا يصح التوحيد إلا به، والعمل بالجوارح، وإلا تناقض قولهم
مع قولهم بأنَّ تكفير تارك المباني الأربعة مسألة خلافية بين أهل السنة.
ونحن نعلم أنَّ التوحيد يكون بقول اللسان ويكون بعمل الجوارح
ويكون باعتقاد القلب، فمَنْ لم يعمل بالتوحيد بجوارحه فهو مشرك ولو نطق بلا إله إلا
الله عمره كله، وهذا متفق عليه لا خلاف فيه، وهو مراد مَنْ نقل الإجماع من أهل العلم
السلفيين في تكفير تارك العمل في هذا العصر.
والنزاع في تارك المباني الأربعة وما دونها من الأعمال الصالحة،
وليس النزاع في تارك العمل بالتوحيد؛ فتأمل ولا تخلط.
وأما اتهام الشيخ الألباني رحمه الله بأنه جهمي أو مرجئ أو
وافق المرجئة أو تأثر به؛ فهذا كله باطل بيقين، وقد قال
الشيخ رحمه الله تعالى في [السلسلة الضعيفة 1 /213 حديث (94)] ((ومما لا شك فيه أنَّ التساهل بأداء ركن واحد من هذه الأركان
الأربعة العملية مما يعرض فاعل ذلك للوقوع في الكفر كما أشار إلى ذلك قوله صلى الله
عليه وسلم : " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " رواه مسلم وغيره. فيخشى
على من تهاون بالصلاة أن يموت على الكفر؛ والعياذ بالله تعالى. لكن ليس في هذا الحديث
الصحيح ولا في غيره القطع بتكفير تارك الصلاة، وكذا تارك الصيام مع الإيمان بهما، بل
هذا مما تفرد به هذا الحديث الضعيف، والله أعلم. وأما الركن الأول من هذه الأركان الخمسة
"شهادة أن لا إله إلا الله" فبدونها لا ينفع شيء من الأعمال الصالحة، وكذلك
إذا قالها ولم يفهم حقيقة معناها، أو فهم ولكنه أخلَّ به عملياً كالاستغاثة بغير الله
تعالى عند الشدائد ونحوها من الشركيات)).
انتهى
المقصود، والله الموفق، والحمد لله رب العالمين، ونسأله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص والسداد
والعدل وحسن الختام.
كتبه
أبو
معاذ رائد آل طاهر
السابع
من شهر الله المحرَّم لعام 1434
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.