-->

الأحد، 2 أبريل 2017

المؤاخذة الثانية/ الخلاف بين السلفية والصوفية سببه سوء تفاهم أو سوء ظن بين الطرفين

بعد خروج بعض الصوفية في مظاهرات ضد السلفيين بحجة أنَّ داعش سلفية؛ سألت المقدِّمة على شاشة قناة (Rudaw) الفضائية في "مقابلة تلفزيونية" بتاريخ 3/ ربيع الأول/1436 هـ  د. أبا عبد الحق: أنت كشخص سلفي معروف، ما هي النقاط المختلفة بينكم وبين الصوفية؟
فأجاب أبو عبد الحق:
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، لا شك نحن كلنا مسلمون، ونحن نرى أنهم أيضاً مسلمون، ولكن يبدو أنه يوجد سوء تفاهم أو سوء ظن بين الطرفين!.
في التصريحات التي قاموا بها في مسجد "خانقا" أو على الشوارع - يقصد المظاهرات ضد السلفيين - ، تكلَّموا فيها حول السلفيين، وهددوا السلفيين بتهديدات شديدة، كأننا نعيش في بلاد لا حكم فيه، لكن مع الأسف لننظر ما هي اتهاماتهم ضد السلفيين.
المقدِّمة: إذاً هم ليسوا مشركين؟!
أبو عبد الحق: المشرك هو الذي يعبد غير الله، لكن لا يشترط أنَ كل من أخطأ نقول أنه مشرك أو نقول أنه كافر، الآن هم كفَّرونا، ونحن لا نكفِّرهم، ونرى أنهم مسلمون وإخواننا!، ونصيحتنا لهم أن لا تدَّعوا بالدِّين والوطنية أكثر منا.
المقدِّمة: يا دكتور إذا استغاث شخص بالنبي صلى الله وعليه وسلم أو برجل صالح، هل هو مشرك؟!
أبو عبد الحق: لا، لا نقول أنه مشرك، نقول: إنَّ فعله هذا غلط!، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سألت فأسال الله وإذا استعنت فاستعن بالله"، وإذا كنا مسلمين كل يوم في جميع صلاتنا وفي كل ركعة نقول: إياك نعبد وإياك نستعين)).
وكلامه هذا واضح في تمييع الخلاف بين السلفية والصوفية.
ولما ردَّ عليه الأخ يوسف رشيد وفقه الله كلامه هذا، ردَّ عليه أبو عبد الحق بما يدل على مراده وإصراره فقال: ((نعم قلتُ أسباب النزاع أمران:
الأول: سوء تفاهم, وعدم معرفة البعض, والجهل.
الثاني: سبب النزاع هو الظن السيئ والنية الفاسدة.
كما قال الإمام ابن القيم: "إنما يؤتى الرجل من سوء فهمه أو من سوء قصده أو كليهما، فإذا اجتمع كمل نصيبه من الهلاك" مختصر الصواعق 1/485.
لأنه في كلام الصوفية يتبين بأنهم لم يعرفوننا جيداً!, ويفهمون بأننا مع داعش أو مع فكرتهم أو أننا تكفيريون, ويظنون إذا قلنا: قالوا كذا أو هذا شرك وكفر يعني أنهم كفار بدون توفر الشروط وانتفاء الموانع.
أو يسيئون فهمنا!, لأنهم يظنون أننا لا نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، أو أننا لا نقرا أية الكرسي، أو أننا قلنا بأنَّ الصوفية كفَّار!.
السبب الثاني: يوجد خلاف بسبب الظن السيئ, كما ترى الصوفية يظنون بنا بأننا لا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم!؛ لأنه لا نحتفل بمولد النبي, ويظنون بأننا ضدُّ أولياء الله؛ لأننا نقول لا يجوز الاستغاثة بهم والسجود لهم، على هذا أيُّ خطأ كبير في كلامي يا يوسف رشيد؟!)).
أقول:
لفظ كلام العلامة ابن القيم رحمه الله في "مختصر الصواعق" هو: ((وَإِنَّمَا يُؤْتَى الرَّجُلُ مِنْ سُوءِ فَهْمِهِ أَوْ مِنْ سُوءِ قَصْدِهِ أَوْ مِنْ كِلَيْهِمَا، فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا كَمُلَ نَصِيبُهُ مِنَ الضَّلَالِ))، وهذا في عموم من ضلَّ من هذه الأمة.
والكلام مع أبي عبد الحق عن نقاط الاختلاف بين السلفية والصوفية لا عن سبب ضلال الصوفية؛ هذه واحدة.
والثانية: العلامة ابن القيم رحمه الله ذكر سوء الفهم وسوء القصد، ومراده أنَّ سبب ضلال الناس من سوء فهمهم للنصوص أو سوء قصدهم لمعان فاسدة لا تقتضيها، بينما أبو عبد الحق ذكر سوء التفاهم وسوء الظن، ومراده أنَّ خلاف الصوفية والسلفية سببه أحد هذين الأمرين، إما سوء تفاهم بينهم أو سوء ظن بعضهم لبعض، فأين هذا من ذاك؟!
فالاستدلال بكلام ابن القيم رحمه الله بعيدٌ عن موضع النزاع وموضع الانتقاد!.
فكفاك تلبيساً وتمويهاً يا أبا عبد الحق.

وفي مؤتمر (الموصل قلعة الإسلام التعايش) سُئل أبو عبد الحق من أحد المعترضين: السلفية هاجمت التصوف؛ أنا لا أقصد تصوف الخرافة؟
فأجاب أبو عبد الحق: ((إذاً أنا معك يا أخي الحبيب، والله لا نهاجم التصوف؛ تصوف الشيخ عبد القادر الكيلاني وكذلك الجنيد البغدادي، هؤلاء السادة الكرام البررة أبداً، لسنا ضدهم ولا على خلاف معهم؛ بل نجلهم وهم تاج رؤوسنا، لكن صوفية الخرافة كما تفضلت أنت نعم نحن على خلاف معها؛ لأن هذه الخرافة ما تجلب على الإسلام والمسلمين خيراً، وإنما تبث فيهم الخرافة والخزعبلات)).
يظهر أنَّ أبا عبد الحق يحاول في بعض اللقاءات والمؤتمرات أن يقرِّب بين السلفية والصوفية وأن يجمع شملهم تحت دعوى أنهم مسلمون وأنهم إخواننا وأنَّ الخلاف بيننا وبينهم سببه سوء تفاهم من الطرفين أو سوء ظن، وأنَّ التصوف قسمان: تصوف خرافة وتصوف غير خرافة، فالأول نختلف مع أهله، والثاني لسنا ضده ولا خلاف لنا مع أهله.
فأين الدفاع عن السنة وعن المنهج السلفي الذي يدَّعيه أبو عبد الحق في هذه اللقاءات والمؤتمرات؟!
وكيف يزعم مثل هذه المزاعم الباطلة التي تدلُّ على شدة تمييعه للخلاف بيننا وبين الصوفية؟!
  فهل الخلاف بيننا وبين الصوفية سببه سوء ظن أو سوء تفاهم بين الطرفين؟
أم سببه أنَّ الصوفية دعاة قبور وأضرحة ومقامات ومزارات وطرق بدعية شيطانية مبنية على الشرك بالأموات والأحياء بأنواع العبادات التي لا يجوز أن تصرف إلا لله سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى أنواع من الإلحاد والزندقة والتأويلات الباطلة وألوان من البدع والخرافات والخزعبلات، فهل هذه كلها ناتجة عن سوء ظن أو سوء فهم بين الطرفين؟ أم عن دين باطل واعتقاد فاسد؟!
ولما أنكر مشايخ المدينة عليه هذا التمييع، كتب أبو عبد الحق في تراجعه المنشور في سحاب بعنوان [تراجع وبيان]: ((1- أتراجع عن قولي: "دعاء غير الله خطأ"، لأنَّ في هذا الحكم تساهلاً، بل كان الواجب عليَّ أن أقول: "شركٌ" كما صرَّحتُ بذلك في القناة الفضائية نفسها وقلتُ: إنَّ دعاء غير الله شرك أكبر وكفر أكبر مخرج من الدين, وصوتي مسجلٌ محفوظ، وألَّفتُ كتاباً مجلداً مطبوعاً بعنوان (عبادة الله لا عبادة الأشخاص) وبينتُ فيه أنَّ دعاء غير الله شركٌ أكبر, بل منذ أكثر من عشرين سنة وأنا أدعو الناس الى توحيد الله وأبينُ لهم أنَّ دعاء غير الله شرك أكبر, وأنَّ الذين يدعون غير الله ويستغيثون بغيره قد أشركوا بالله شركاً أكبر, أما تنزيل هذا الحكم على الأعيان فيتطلب إقامة الحجة عليهم وإزالة الشبهة عنهم.
2- أتراجع عن كل كلام صدر مني يُفهم منه تمييع الخلاف مع الصوفية، وأدينُ اللهَ بأني أخالُفهم في كل ما خالفوا فيه الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة)).
وهنا وقفة: هل كلام أبي عبد الحق المتقدِّم يُفهم منه تمييع الخلاف أم هو صريح في ذلك؟!
هو صرَّح أنَّ الخلاف سببه سوء تفاهم أو سوء ظن بين الطرفين في لقائه وفي رده، فكيف يزعم أنه يُفهم منه؟!
وفي لقائه [الجواب الكافي/ بتقديم سعدون حمادي] - بعد اللتيا واللتي -  أقرَّ أبو عبد الحق أنَّ التصوف الموجود في واقعنا هو تصوف الشرك والبدعة والخرافة، وصرَّح بحقيقة الخلاف مع الصوفية من جهة العبودية والمتابعة، وقرر أنه أحياناً في حالات نادرة الخلاف مع الصوفية سببه سوء ظن منهم وسوء فهم!، وهذا يناقض كلامه الأول، وهل العبرة بالنادر أم بالغالب؟!
فلماذا إذاً لا يقر أبو عبد الحق بالرجوع عن خطئه الأول ويشكر ناقده؟!
ولماذا يُحاول أن يصوِّر الناقد بأنه ينسب إليه خلاف معتقده بمثل هذا اللقاء المتأخر بعد أن أدانه العلماء الكبار؟!
وأما تبجيل أبي عبد الحق للتصوف الأول ودعواه أنه ليس بيننا وبينه خلاف!، فهذه دعوى غير صحيحة، وقد ادَّعها دكاترة قبله!.
قال الشيخ ربيع حفظه الله في كتابه [كشف زيف التصوف/الرد على لطف الله خوجه]: ((فقد اطلعتُ على مقال للدكتور لطف الله خوجة, نشرته جريدة المدينة في ملحقها المسمى بـ "الرسالة" في يوم الجمعة 5/ 8/1425هـ الموافق 9 سبتمبر 2005م يتحدَّث عن التصوف والصوفية, فرأيتُ أنه أصاب المحز أو قارب في أول مقاله؛ حيث ردَّ القول بأنَّ أصل التصوف صحيح موافق للكتاب والسنة، وردَّ دعوى تقسيم التصوف إلى محمود ومذموم، وأنَّ الكلام المنسوب إلى أئمة الصوفية مثل الجنيد والسري فيه ما يخدم التصوف الفلسفي المذموم، ونفى أي وجود لطريقة صوفية محمودة, ونفذ إلى قوله: "فالحاصل والواقع: أنَّ طريقة هؤلاء الأئمة الذين أعلنوا التقيد بالشريعة مجهولة غير معروفة، فإذا كان هذا هو الحال: فكيف يمكن أن يقال: إنَّ تصوف هؤلاء الأوائل هو التصوف الصحيح؟!"، وقد أجاد في هذا, سددنا الله وإياه في كل قول وعمل, غير أنه بعد هذه الإجادة ذهب يفرق بين أهل التصوف الحقيقي وبين أهل التصوف المجازي!, ويعتبر الأخير من أهل السنة، ولي معه وقفات...
إنَّ حصر التصوف المذموم في الفكرة الفلسفية الغالية وقصر الحكم بالخروج عن السنة على من يتحقق بهذه الفلسفة الغالية ليس بصواب، فأئمة السلف حكموا على عموم الخوارج والقدرية والشيعة بالبدعة ولو لم يكن عندهم فلسفة أو محادة لأنهم خالفوا الكتاب والسنة وأحدثوا في الدين ما ليس فيه بأفهامهم الفاسدة لا لقصدهم المحادة، ولو قصد المبتدع المحادة لله ومعانتده لكفر، ولكن السلف لم يكفروهم لأنهم متأولون وعندهم شبه.
كذلك التصوف كانت بدايته تنطلق من زهد مخالف للزهد الشرعي الذي قرره الكتاب والسنة، وعبادة فيها مجاهدات ونظريات ترصد الوساوس والخطرات، وتميزٌ عن الأمة بهذا المنهج، يضاف إلى ذلك جهلهم بالشريعة واعتمادهم على الأحاديث الضعيفة والموضوعة والقول على الله بغير علم، وكل هذه مخالفات لهدي الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة وفقهاؤها.
فبهذا المنهج المنحرف والتميز به عن الأمة بل عن أهل السنة وارتباطهم به وبشيوخه: شذَّوا عن أهل السنة وحكم عليهم وعلى منهجهم ومؤلفاتهم بالبدعة.
وقد ذكر الكثير من ذلك ابن الجوزي، وهو موجود في مؤلفات الصوفية كالطبقات لأبي عبدالرحمن السُلمي، وكالرسالة للقشيري، وكالإحياء للغزالي، والقوت لأبي طالب المكي، والغنية لعبدالقادر الجيلاني.
وإذن فالتصوف من بدايته مذموم ومبتدع قبل أن تدخله الفلسفة, فحصر الذم في الفلسفة الصوفية غير صواب، فهذا ما يتعلق ببداية التصوف ونشأته وحكم أهله.
أما المتأخرون: فقد زادوا على التصوف وفلسفته أشياء وأشياء ليست مقصورة على شيوخهم وزعمائهم؛ بل هي منتشرة في الأتباع: كالتعلق بالأولياء وقبورهم ومشاهدهم، وكالأوراد المخترعة القائمة على البدع والشركيات والكذب على الله، وكالموالد وما فيها من غلو وشركيات أيضاً...
ولكن يرد عليه: أنَّ التصوف أخلاط وأنواع:
- منها أعمال شركية قبورية وغيرها.
- ومنها أعمال بدعية من صلوات بدعية وأوراد بدعية تخصص بأزمنة معينة وولاءات لطرق معينة ومخاصمات لغيرها ولأهل السنة.
- وموالد فيها شركيات وبدع وغلو في شيوخ الطرق.
وهذه لا شك أنها تخرج العاملين بها عن دائرة السنة إلى دائرة البدع.
فاتضح أنَّ ما قرره الأخ غير صحيح...
أقول: إنَّ المشكلة في حصر الدكتور التصوف المذموم في التصوف الفلسفي المتمثل في الحلول ووحدة الوجود والحكم عليه بالضلال مع حسن ظنه بما عدا ذلك من أنواع التصوف وما لازم التصوف ورافقه من ضلالات تخرج أهلها من دائرة أهل السنة؛ وقد ألمحنا إلى بعضها فيما سلف.
فالدكتور يرى أنَّ التصوف قسمان:
1- فلسفي: فهو ضلال وكفر عنده، وهو مصيب في ذلك ولا ينازعه سني صادق فيه.
2- والقسم الآخر: إنما هو تعبد وزهد ومجاهدة.
أقول:
ليس هذا فحسب هو واقع عموم الصوفية والتصوف، وقد بينتُ ذلك سلفاً، وواقع الصوفية وتاريخهم عامتهم وخاصتهم يؤكد ما ذكرتُ.
وأنا أدعو الدكتور لطف الله أن يقوم بجولة إلى بلاد المسلمين في العالم وغيرها ليرى بأم عينيه واقع الصوفية العقدي والعملي والمنهجي والسلوكي لعامتهم وخاصتهم، هل هو تعبد وتزهد ومجاهدة فحسب؟! فإن وجده كما ذكر سلمنا له، وإن وجده واقعاً مؤلماً يندى له الجبين كما ذكرتُ أنا؛ ويعرفه كل سلفي في العالم: فأرجو من الدكتور أن يغير نظرته هذه وأن يغير حكمه، فالأمر ليس بهذه السهولة التي تبدت له)).
وقال الشيخ ربيع حفظه الله في المصدر نفسه [كشف زيف التصوف/ الرد على د. عبد العزيز القاري]: ((قال القاري: "والإصلاح يكون بالعودة إلى التصوف الصحيح الذي هو مذهب في السلوك مستنبط من الكتاب والسنة وملتزم بحدود الشريعة, وهو الذي أسسه الأوائل من مشايخ السلف كما يسميهم شيخ الإسلام ابن تيمية مثل: إبراهيم بن أدهم, والفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، والسري السقطي، ومعروف الكرخي، والجنيد بن محمد، وعبد القادر الجيلاني".
 أقول: في وصف التصوف بهذه الأوصاف نظر؛ ففيه: عقائد ومناهج وأصول ليست مأخوذة من الكتاب والسنة ولا منضبطة بهما، ولا تجد عقائد وأصول منضبطة إلا عقائد وأصول أهل السنة والحديث ومن سار على نهجهم بخلاف الصوفية وغيرها من الفرق.
قال القاري: "وهدفي كان توجيه الاهتمام ولفت الأنظار - خاصة أنظار إخواننا الصوفية - إلى التصوف الصحيح, ليرتبطوا بالكتاب والسنة ويظلوا داخل حدود الشريعة، ولنتكاتف جميعاً ضد الأخطار المحدقة بنا والتي تتهددنا نحن أهل السنة اليوم".
أقول: هذا الكلام فيه ما فيه, والصوفية اليوم وقبل اليوم ومن عهد الإمام أحمد وإسحاق وأبي زرعة يتخبَّطون في البدع، وكلما امتد بهم الزمان زادوا تخبطاً وبعداً عن منهج أهل السنة وعقائدهم، ولقد أحلت الصوفية وغيرهم إلى غير مليء)).
وقال الشيخ ربيع حفظه الله في المصدر السابق في بيان أثر التصوف في الشيخ عبد القادر الكيلاني: 
((ويقول [عبد القادر الكيلاني] خلال حديثه عن الصوفي والمتصوف: "فالمتصوف المبتديء والصوفي المنتهي ..., المتصوف متحمل والصوفي محمول، حمل المتصوف كل ثقيل وخفيف، فحمل حتى ذابت نفسه وزال هواه وتلاشت إرادته وأمانته فصار صافياً، فسمي صوفياً، فحمل، فصار محمول القدرة، كرة المشيئة، مربى القدس، منبع العلوم والحكم، بيت الأمن والفوز، كهف الأولياء والأبدال وموئلهم ومرجعهم ومتنفسهم ومستراحهم ومسرتهم, إذ هو عين القلادة درة التاج منظر الرب".
ثم يصف المريد بصفات لا يطيقها البشر من المكابدة ثم يقول: "ثم يجاهد نفسه وهواه بأمر الله عز وجل حتى يفارق أخراه وما أعدَّ عز وجل لأوليائه فيها من جنة لرغبته في مولاه!، فيخرج من الأكوان، فيصفى من الأحداث، ويتجوهر لرب الأنام!، فتنقطع منه العلائق والأسباب والأهل والأولاد، فتنسد عنه الجهات وتنفتح في وجهه جهة الجهات وباب الأبواب وهو الرضى بقضاء رب الأنام ورب الأرباب، ويفعل فيه فعل العالم بما كان وما هو آت والخبير بالسرائر والخفيات وما تتحرك به الجوارح وما تضمره القلوب والنيات، ثم يفتح تجاه هذا الباب باب يسمى باب القربة إلى المليك الديان, ثم يرفع منه إلى مجالس الأنس، ثم يجلس على كرسي التوحيد, ثم يرفع عنه الحجب، ويدخل دار الفردانية، ويكشف عنه الجلال والعظمة، فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة بقي بلا هو فانياً عن نفسه وصفاته عن حوله وقوته وحركته وإرادته ومناه ودنياه وأخراه، فيصير كإناء بلور" الغنية (2/ 160).
من أين أخذ عبد القادر صفات الصوفي والمتصوف؟!
هل أخذها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟
ألم ينه رسول الله عن التبتل والرهبانية؟
ألم ينه عن التشدد، وأمر بالاعتدال في العبادة في الصلاة والصوم والنوم والقيام وقراءة القرآن؟
من أين لعبد القادر من أنَّ الصوفي مربى القدس، منبع العلوم والحكم، بيت الأمن والفوز, كهف الأولياء والأبدال وموئلهم ومرجعهم، درة التاج، منظر الرب.
هل قال رسول الله هذا عن نفسه أو عن أحد من أصحابه مثل هذا؟!
أما قال الله لرسوله: "قل لا أملك لكم ضراً ولا رشداً"؟
أما قال لإمام الأنبياء وخاتم الرسل: "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً"؟
وهل يجوز الزهد في الآخرة؟
وهل زهد الأنبياء والصحابة والصديقون فيها؟
ومن أين له أنَّ الصوفي يترقَّى إلى هذه المراتب، فيفتح له باب القربة إلى الملك الديان، ثم يرفع منه إلى مجالس الأنس، ثم يجلس على كرسي التوحيد، ثم ترفع عنه الحجب، فيدخل دار الفردانية، ويكشف عنه الجلال والعظمة، فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة بقي بلا هو!.
فهل الصوفي يرى اللهَ في هذه الدنيا فيعطى منزلة أفضل من منزلة محمد وموسى عليهم الصلاة والسلام؟!
وما معنى بقي "بلا هو" فانياً عن نفسه وصفاته؟ أليس هذا فتحاً للقول بوحدة الوجود؟.
ثم يقول الشيخ عبد القادر بعد ذكر عناية الله بالصوفية: "فالله تعالى تولى إخراجهم من الظلمات إلى النور، وهو عز وجل أطلعهم على ما أضمرت قلوب العباد، وانطوت عليه النيات، إذ جعلهم ربي جواسيس القلوب، والأمناء على السرائر والخفيات، وحرسهم من الأعداء في الخلوات والجلوات، لا شيطان مضل ولا هوى متبع يميل بهم إلى الزلات، قال الله عز وجل: "إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطان"، ولا نفس أمارة بالسوء، ولا شهوة غالبة متبعة تدعوه إلى اللذات المردية في الدركات المخرجة من أهل السنة والجماعات" الغنية (2/ 161).
من أين لعبد القادر أنَّ اللهَ اطلع الصوفية على ما أضمرت قلوب العباد وانطوت عليه النيات وجعلهم جواسيس القلوب والأمناء على السرائر والخفيات إلى آخر هذه الدعاوى الباطلة؟!
فعلم الغيب وبما في قلوب العباد وسرائرهم وخفياتهم أمر مختص بالله لا يشركه فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل, والله يقول: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله".
فإذا كان هذا أثر التصوف في الشيخ عبد القادر المنتمي إلى مذهب الإمام أحمد إمام السنة؛ فكيف بحال غيره؟!)).
أقول:
رد شيخنا الشيخ ربيع حفظه الله على هذين الدكتورين وبيان حقيقة التصوف الأول يغنينا عن الرد على الدكتور الثالث (أبي عبد الحق)، فكلامهم كلهم يخرج من مشكاة واحدة كما يلاحظ القارئ البصير!.

وأما جواب أبي عبد الحق الجديد، فقد كذب فيه عدة كذبات واضحات:
الأولى والثانية: قال أبو عبد الحق في أول هذا الجواب: ((هذه أيضاً كالتهمة الأولى تبرأت منها وبينتُ تراجعي عنها ونشرتُ في سحاب ومع ذلك هم مصرون على ترديد هذه التهمة وإلصاقها بي وتعييبي بها، وهذا نص البيان كما في سحاب: 1- عبارة سوء التفاهم أو سوء الظن موهمة، وقد يُفهم منها أنَّ السلفيين أيضاً ساء فهمهم للصوفية؛ وهذا غير صحيح، إذا قد خانتني العبارة مع أنني لم أقصد هذا المقصد، بل قصدتُ أنَّ الصوفية هم الذين ساء فهمهم للسلفية وساء ظنهم بهم. 2- أما عبارة "الصوفية إخواننا وأنَّ دعاء غير الله غلط وخطأ" فلم يذكر هؤلاء الكتَّاب سبب قولي المتقدِّم "إنهم إخواننا" والظرف الذي قيل فيه هذا القول؟ الجواب: لأنهم لو ذكروا ذلك لتحولت المؤاخذة إلى منقبة كما أبينه إن شاء الله. سبق وأن قلتُ: إنَّ الصوفية بعدما ضاقت بهم الأرض بما رحبت بسبب الدعوة السلفية التي تنطلق من "قناة النصيحة" قاموا بمظاهرة استنكارية في وسط مدينة السليمانية...)).
 الكذبة الأولى/ ليس هذا نص كلامه في البيان المنشور في سحاب، وإنما نص كلامه: ((1- أتراجع عن قولي: "دعاء غير الله خطأ"، لأنَّ في هذا الحكم تساهلاً، بل كان الواجب عليّ أن أقول: (شركٌ) كما صرّحتُ بذلك في القناة الفضائية نفسها، وقلتُ: إنَّ دعاء غير الله شرك أكبر وكفر أكبر مخرج من الدين, - وصوتي مسجلٌ محفوظ –، وألَّفتُ كتاباً مجلداً مطبوعا بعنوان "عبادة الله لا عبادة الأشخاص"، وبينتُ فيه أنَّ دعاء غير الله شركٌ أكبر, بل منذ أكثر من عشرين سنة وأنا أدعو الناس الى توحيد الله وأبين لهم أنَّ دعاء غير الله شرك أكبر, وأنَّ الذين يدعون غير الله ويستغيثون بغيره قد أشركوا بالله شركاً أكبر, أما تنزيل هذا الحكم على الأعيان فيتطلب إقامة الحجة عليهم وإزالة الشبهة عنهم. 2- أتراجع عن كل كلام صدر مني يُفهم منه تمييع الخلاف مع الصوفية، وأدين الله بأني أخالفهم في كل ما خالفوا فيه الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة)).
والفرق واضح بين البيانين!
وهل كلامه أعلاه الذي يدل على تمييعه الخلاف مع الصوفية بطريقة مستهجنة، يُفهم منه التمييع أم هو منطوق؟!
وهل جهودك القديمة في الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك وبيانه تسوِّغ لك يا أبا عبد الحق هذا القول الباطل؟
أم خانتك العبارة مرة أخرى؟!
إذا خانتك العبارة فلماذا تقول في جوابك الجديد: ((بل هم [الصوفية] يسيئون الظنَّ بنا ويبغون علينا، وأردتُ تهدئة الوضع ودفع شرَّهم عن السلفية والسلفيين وقناتهم السلفية "النصيحة"، ولكن المنتقدين الحماسيين الذين لا يعرفون المصالح والمفاسد ولا يُفكرون في مآلات الأمور ولا يعون ذلك لجهلهم بمقاصد الشريعة، ولأنهم لا يتحملون مسؤولية حماية الدعوة السلفية المباركة ولا سيما عند النوازل )).
فكلامك هذا يدلُّ من جديد أنك لا تعرف حقيقة خلاف الصوفية مع السلفيين، فتزعم مرة أخرى أنَّ خلافهم معنا سببه سوء ظنهم بنا!.
يا أبا عبد الحق ادرس التوحيد جيداً وادرس الشرك جيداً، واعرف أنَّ خلافنا مع الصوفية ومع الرافضة خلاف بين أهل التوحيد الخالص والعبودية الصافية لله عزَّ وجلَّ وبين أهل الشرك والقبور والأضرحة والمقامات والمزارات والخرافات والشرك بالأموات، فليس السبب سوء ظن ولا سوء تفاهم ولا مجرد بغي بين طائفتين متنازعتين، وإنما صراع حقيقي بين الحق والباطل وبين التوحيد والشرك، فمتى تفهم هذا يا من دعوتَ إلى التوحيد وحذرتَ من الشرك أكثر من عشرين سنة؟!!.
ثم ألم تعترف بأنَّك تساهلتَ في الكلام بما يُفهم منه تمييع الخلاف مع الصوفية، وأنَّ العبارة خانتك، فلماذا تصب جام غضبك على المنتقدين طعناً وتجهيلاً؟!
وهل تمييع الخلاف مع الصوفية من مقاصد الشريعة؟!
وهل حماية الدعوة السلفية تتطلب تمييع الخلاف مع الصوفية؟!
أم أنَّ الحفاظ على "قناة النصيحة" أصبح أصلاً من أصول الدعوة السلفية ومقصداً من مقاصد الشريعة يجب التنازل عن بعض الأمور من أجله؟!!
واما كلام أبي عبد الحق عن "قناة النصيحة" وحصر الدعوة السلفية فيها؛ فهذا يذكِّرنا بطريقة الحزبيين والجمعيات الحزبية التي تصوِّر جهودها هي الأوحد في الساحة الدعوية!، وهذا كذب، فالدعوة السلفية في إقليم كردستان قائمة - ولله الحمد - بفضل الله عزَّ وجلَّ أولاً ثم بدعوة الإخوة السلفيين من طلبة العلم والدعاة على المنهج السلفي، ولا يتعرضون إلى أذى الصوفية إلا كما يتعرض غيرهم في باقي البلدان من أذى الصوفية والرافضة والخوارج، ومع هذا لم يتنازلوا عن أصل دعوتهم ولا ميَّعوا الخلاف مع مخالفيهم، لكنَّ أبا عبد الحق يهوِّل في تصوير الواقع ويبالغ في حكاية حاله وقناته وما يتعرضون إليه ليسوِّغ لنفسه ما يقوم به من تمييع للثوابت وتضييع للأصول في منهجه الجديد، فليعلم هذا جيداً.
بل أقولها بكل صراحة: إنَّ أذية أبي عبد الحق وطلابه المتهورين المتعصبين أشد على إخواننا في مناطق الإقليم الآن من أذية أهل التصوف، وأبو عبد الحق وأصحابه - لما لهم من علاقات حزبية وارتباطات سياسية! - في مأمن من هذه الأخطار التي يصوِّرونها ويبالغون في نقلها ونشرها من باب المظلومية الموهومة!، فليُعلم هذا أيضاً.
الكذبة الثانية/ زعم أنَّ الكتَّاب الذين كتبوا المؤاخذات عليه لم يذكروا السبب والظرف الذي تكلَّم فيه أبو عبد الحق كلامه الباطل، ويقصد خروج مظاهرات الصوفية ضد السلفية في الإقليم، وهذه كذبة على كتَّاب المؤاخذات، ولو رجع إلى أول مقاله لوجد فيه عبارة: ((بعد خروج بعض الصوفية في مظاهرات ضد السلفيين بحجة أنَّ داعش سلفية؛ سألت المقدِّمة على شاشة قناة (rudaw) الفضائية في "مقابلة تلفزيونية" بتاريخ 3/ ربيع الأول/1436 هـ  ...))، فنحن كتبنا سبب اللقاء وظروفه وهي مظاهرات الصوفية، فكيف يزعم أننا لم نذكر السبب والظرف؟! وقد قيل: حبل الكذب قصير، لكن لم أتصور أن يكون بهذا القصر!!.
الكذبة الثالثة/ قوله: ((ثم أنا لم أخالف الشرع فيما أعلم)) أي في قوله في اللقاء: "دعاء غير الله غلط" ولم يقل: "شرك".
وهذه كذبة أخرى تدلُّ على أنَّ تراجعاته هي مجرد حبر على ورق كما يقال!.
فقد قال أبو عبد الحق في تراجعه في شبكة سحاب: ((أتراجع عن قولي: "دعاء غير الله خطأ"، لأنَّ في هذا الحكم تساهلاً، بل كان الواجب عليّ أن أقول: "شركٌ")).
في هذا التراجع جعلتَ كلامك من قبيل التساهل، وأنَّ الواجب أن تقول: شرك.
وفي جوابك الجديد: تقول: أنا لم أخالف الشرع!
- إما أنَّ الشرع يدعو إلى التساهل والتمييع!!
- وإما أنك كذبتَ في تراجعك أو في جوابك الجديد!
الكذبة الرابعة والخامسة/ قوله في جوابه الجديد: ((وكذلك لم أقل: "إنَّ السلفيين ساء فهمهم للصوفية" وإنما بينتُ أنَّ سبب الخلاف عموماً هو سوء الفهم أو سوء القصد))، وقال أيضاً: ((ولم أقل والله إنَّ السلفيين ساء فهمهم للصوفية في أي شيء، ولا ساء ظنهم بهم، بل قلتُ: "السلفيين على الحق والصوفية على باطل وخرافة ثم بينتُ ضلالاتهم")).
أما زعمك أنك لم تقل: إنَّ السلفيين ساء فهمهم أو ساء ظنهم بالصوفية، وإنما نسبت سوء الظن وسوء الفهم إلى الصوفية فقط، فهذه الكذبة الرابعة!.
قالت المقدِّمة: أنت كشخص سلفي معروف، ما هي النقاط المختلفة بينكم وبين الصوفية؟
فأجاب أبو عبد الحق: ((لا شك نحن كلنا مسلمون، ونحن نرى أنهم أيضاً مسلمون، ولكن يبدو أنه يوجد سوء تفاهم أو سوء ظن بين الطرفين)).
وأما زعمك أنَّك قلتَ في هذا اللقاء: "السلفيين على الحق والصوفية على باطل وخرافة" ثم بينتَ ضلالاتهم، فهذه كذبة لها قرون، وأنى لك إثباتها؟!
وكيف يستقيم قولك هذا مع قولك السابق: "وأردتُ تهدئة الوضع ودفع شرَّهم عن السلفية"؟!
هل يهدأ الوضع بهذا الكلام [الذي لا حقيقة له ولا واقع إلا في أماني أبي عبد الحق!]؟!
الكذبة السادسة/ قوله: ((وإن كان يُفهم من كلامي أنَّ السلفيين أيضاً عندهم سوء فهم وسوء ظن: فهذا باطل، وأنا متراجع عنه، وأبرأ إلى الله منه)).
أولاً: هو منطوق لا مفهوم!، فكفاك كذباً.
ويظهر أنك لا تعرف الفرق بين "المنطوق" و "المفهوم"؟!
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في "إرشاد الفحول": ((فالمنطوق: ما دلَّ عليه اللفظ في محل النطق، أي: يكون حكمًا للمذكور وحالاً من أحواله.
والمفهوم: ما دلَّ عليه اللفظ لا في محل النطق، أي: يكون حكمًا لغير المذكور وحالاً من أحواله.
والحاصل: أنَّ الألفاظ قوالب للمعاني المستفاد منها، فتارة تستفاد منها من جهة النطق تصريحاً، وتارة من جهته تلويحاً، فالأول: المنطوق، والثاني: المفهوم)).
وأبو عبد الحق قال: ((يوجد سوء تفاهم أو سوء ظن بين الطرفين)).
فهل هذا منطوق أم مفهوم؟!
ثانياً: أنت تارة تحيل الغلط إلى فهم السامع أو القارئ!، وتارة إلى عبارتك التي خانتك!.
وكلامك في اللقاء واضح!، وعلى فرض أنه قد يُفهم منه ما لا تريده من المعنى الفاسد، فالواجب عليك أن تزيل هذا الإيهام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في [الرد على البكري 2/ 702 - 703]: ((بل الواجب أن يعبِّر عن المعنى باللفظ الذي يدلُّ عليه؛ فإنْ كان اللفظ نصاً أو ظاهراً حصل المقصود، وإنْ كان اللفظ يحتمل معنيين: أحدهما صحيح والآخر فاسد: تبين المراد، وإنْ كان اللفظ يُفهم منه معنى فاسد لم يُطلق إلا مع بيان ما يزيل المحذور، وإنْ كان اللفظ يوهم بعض المستمعين معنى فاسداً لم يخاطب بذلك اللفظ إذا علم أنه يوهم معنى فاسداً؛ لأنَّ المقصود بالكلام البيان والإفهام، وأما إذا كان اللفظ دالاً على المراد وجهل بعض الناس معناه من غير تفريط من المتكلِّم: فالدرك على المستمع لا على المتكلم)).
وقال رحمه الله كما في [المجموع 20/540]: ((فإنَّ مَنْ خاطب بلفظ عام يتناول حقاً وباطلاً ولم يبين مراده: توجَّه الاعتراض عليه)).
وأبو عبد الحق دائماً يجعل اللوم على فهم السامع والقارئ أو فهم الناقد المعترض!.
بل استدلال أبي عبد الحق بما فهمه من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله - الذي سيأتي الجواب عنه مفصلاً - يدلُّ على إصراره على الغلط وأنه لا يرى نفسه خالف الشرع في هذا التساهل والتمييع لا من جهة أصل الكلمة التي قالها ولا من جهة المقاصد والمصالح والمفاسد وحماية الدعوة السلفية التي يتبجَّح بفهمهما دون ناقديه!.
الكذبة السابعة/ قوله: ((وكذلك بينتُ هذا الأمر في قناة النصيحة الفضائية)) وذكر رابطين!، أما الرابط الأول: فهو مسرحيته مع سعدون حمادي في "الجواب الكافي"، و بيَّن فيه أنَّ الخلاف مع الصوفية في حالات نادرة سببه سوء فهمهم وسوء ظنهم، وهذا يناقض كلامه الأول في لقائه في قناة [Rudaw] الفضائية!، بل يناقض كلامه في "جوابه الجديد المنشور في الفيس بوك" الذي قال في أوله: ((بل قصدتُ أنَّ الصوفية هم الذين ساء فهمهم للسلفية وساء ظنهم بهم)).
وأما الرابط الثاني: فكان مقطعاً من مداخلة لأبي عبد الحق في إحدى القاعات التي جمعتُه مع كبار الصوفية تحت شعار [التصالح الاجتماعي نحو خطبة متزنة]!، وقد اقترح أبو عبد الحق على رئاسة المؤتمر أن يقوموا بعد المؤتمر فيصلوا الظهر ركعتين قصراً لأنهم مسافرون خلف إمام سلفي، ثم يصلي السلفيون خلف إمام صوفي الركعتين الآخريتين يقصد صلاة العصر جمعاً!، وقال أبو عبد الحق: لنرى هل الأساتذة الصوفية يصلون خلفنا أم يكفروننا؟ وبعدها نعرف من المتطرف؟ ومن الذي يكفِّر المقابل؟ ومن المتشدد؟ ومن المتساهل؟، ثم بيَّن أنَّ قناة النصيحة كانت تدعو للبيشمركة ووقفت معهم في جمع المساعدات، وأنَّ داعش لا تمثل الإسلام وأنهم يفسدون ولا يجاهدون، وأنَّ السلفية تصدت للجهالة والخرافة وبينت العقيدة الصحيحة من العقيدة الفاسدة وبينت الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، كل هذا بجواب عام مختصر، ثم دافع عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي طعن فيه أحد المتكلِّمين في المؤتمر وشوَّه سمعته، فبيَّن أبو عبد الحق أنَّ ابن تيمية رحمه الله كان في وقت التتار يسعى إلى فك أسرى اليهود والنصارى كما يسعى إلى فك أسرى المسلمين، في هذه الجزئية فقط!.
فهل يعدُّ أبو عبد الحق مداخلته هذه من قبيل بيان بطلان الصوفية وكشف ضلالهم؟!!!
أم هو الكذب والبهتان في أعلى صوره؟!
وما علاقة هذا الرابط بجوابه الجديد أصلاً؟!
أم يظن أبو عبد الحق أنَّ السلفيين لا يكشفون مثل هذه الألاعيب؟!
وهذا المقطع (المداخلة الهزيلة!) قام أتباعه الغلاة بتصويرها ونشرها كأنها نصرٌ على الصوفية ودحضٌ لأفكارهم!، وأنَّ أبا عبد الحق بيَّن فيها ضلال الصوفية في الوقت الذي قاموا فيه بالتشويش عليه ورفع الأصوات والضجيج حتى لا يُسمع كلامه!، كأنه كان يُبين ضلالهم ويدعوهم إلى منهج السلف الصالح، وهذا كله كذب في كذب، بل هي مداخلة يستجدي فيها أبو عبد الحق من المسؤولين عن هذا التجمع أن يسمحوا له أن يصلي بالصوفية ثم هو يصلي خلفهم!!، ليكشف لهم مَنْ الذي لا يقبل الآخر!!، فهو حريصٌ شديد الحرص على أن يكون هو الذي يقبل الآخر ولا يتشدد معه، فأي نصر؟! وأي بيان؟!

وفي ختام هذا الرد أذكر وقفتين:
الوقفة الأولى/
ما ذكره أبو عبد الحق عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ولم يذكر مصدره!، فقد بحثتُ عنه من قبل وبحث غيري من الإخوة فلم نجده، وطالبناه بالمصدر فلم يذكره!، ثم نبهني أحد إخواني - جزاه الله خيراً - بعد كتابة هذا الرد ونشره: أنَّ كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله موجود في [فتح ذي الجلال والإكرام شرح بلوغ المرام 1/99، وبحثتُ بعدها في "الشرح المجموع من كلام الشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ ابن عثيمين رحمه الله دار ابن الجوزي" الموجود في مكتبة مسجدنا فوجدتُه في (1/71)، ولم أكن أظن أني أجده في هذا الكتاب، ولهذا قمتُ بتعديل الرد].
ونص كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو: ((لو أننا رأينا شخصاً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد، يا محمد، يا محمد ارزقني، افعل.. افعل... هل نصيح به؟ ما نصيح به، ندعه، و إذا انتهى أمسكناه وقلنا: يا أخي، أقول: يا أخي لأنَّ هذا لم يكفر، هذا جاهل, وإلا ما قلتُ: يا أخي وهو مشرك.
هذا لا يصلح، ما يستقيم, دعاء غير الله غلط, ما أقول شرك حتى يطمئن أكثر, أرأيتَ هل الرسول أقدر على أن يجيبك أو الله أقدر؟)).
وهذا الكلام ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من فوائد حديث "بول الأعرابي في المسجد" في "باب المياه" من باب أنَّ الأصل وجوب المبادرة إلى إنكار المنكر إلا إذا كان في تأخيره مصلحة أعظم أو في المبادرة إليه مفسدة أعظم.
وكلام الشيخ رحمه الله في كون الأصلح في دعوة من وقع في الشرك، هل الأصلح المبادرة والتصريح أم لا؟ ومعلوم أنَّ الجاهل يتعامل معه على خلاف ما يتعامل مع العارف من باب الحكمة في دعوته والأسلوب الأحسن في إرشاده إلى الهدى.
فكلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من باب التنزيل والتطبيق بالتي هي أحسن في دعوة بعض الجهلة من هذه الأمة المتلبسين بالشرك الأكبر لا من باب التأصيل كما صوَّر كلامَه أبو عبد الحق، لأنَّ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في باب التأصيل يُصرِّح في كون الاستغاثة بغير الله شركاً، بل وتردد في مخاطبة المستغيث بغير الله بوصف يا أخي، ودونكم البيان في موضعين:
الموضع الأول: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في [اللقاء الشهري 35]: ((كذلك إنسان وجدته أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الرسول عليه الصلاة والسلام منهمكاً غاية الانهماك في الدعاء، يبكي بانفعال، هل من الحكمة أن تتركه حتى يقضي وطره ثم بعدئذٍ تكلمه تقول: هذا حرام، هذا شرك لكن بأسلوب؛ إنَّ النبي عليه الصلاة والسلام لا يرضى بهذا، بل إنَّ النبي عليه الصلاة والسلام إنما بعث ليهدم هذا: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء:25]، "وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" [غافر:60]، وتبين له بلطف.
ولا حرج أنك تمسك يده بهدوء وتجلس معه، لأنَّ العقيدة أمرها مشكل، هذا رجل معتقد من بلده إلى أن وصل إلى المدينة أنَّ أكبر فرصة ينتهزها أن يقف أمام قبر النبي عليه الصلاة والسلام ليدعوه، ائتِ به واجلس معه وطمئنه وبيِّن له، لأنَّ المقصود هو إصلاح حاله وليس الانتقاد، المقصود الإصلاح لا الانتقاد)).
والموضع الثاني: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في [دروس الحرم المدني لعام 1416هـ الدرس/5]: ((لو رأيتَ رجلاً يستغيث بصاحب قبر: يا سيدي! يا مولاي! يا ولي الله! أغثني، مثلاً: يستغيث بصاحب القبر، نحن نعلم أنَّ الاستغاثة بصاحب القبر شركٌ أكبر مخرج عن الملة، فهذا الذي يستغيث بصاحب القبر نقول: لو متَّ على هذا لكنتَ من أصحاب النار، أصحاب النار المخلدين فيها، لقول الله تعالى: "إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ" [المائدة:72].
رأيتَ رجلاً يستغيث بقبر، هل تأتي مباشرة وتقول: أنت كافر! أنت مشرك! قد حرم اللهُ عليك الجنة؟ لا.
ولا يجوز أن تقول هذا، وإن كان واقع الحال هو ما ذكرتَ، لكن لا يجوز، هذا تنفير، اذكر له الحق، والحق مطابقٌ تماماً للفطرة.
قل: يا أخي!، أو لا تقل: يا أخي!، هذه مشكلة!.
هل تقول لهذا الذي يستغيث بالقبر: يا أخي! تعال هذا شرك بالله؟
أو لا تقول: يا أخي؟!
 هو على كل حال؛ هذا الرجل الذي يستغيث بالقبر لا تظن أنه يستغيث به وهو يعتقد أنه شركٌ مخرج عن الإسلام أبداً؛ هذا إذا كان ينتسب إلى الإسلام.
فإذاً يصح أن تقول: يا أخي؛ باعتبار أنه يرى نفسه مسلماً.
وإن شئتَ فقل: يا أخي؛ باعتبارٍ آخر وهو أنه باعتبار ما يكون.
وإن شئت فقل: يا رجل - وتسلم من هذا الإشكال - استغث بالله عز وجل كما قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام وأصحابه: "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ" [الأنفال:9]، الاستجابة مُرتَّبة على الاستغاثة، والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، استغث بالله حتى يستجيب الله لك، وربك على كل شيء قدير، وهذا المخلوق الذي أنت الآن تستغيث به هو ميت هامد؛ ربما تكون الأرض أكلته ولا يبقى من جسده إلا عجب الذنب ولا ينفعك، ثم بعد ذلك ترغبه في التوحيد.
أترون أنَّ هذا يَقبل؟
أو لو قيل له: أنت مشرك، وهذا شرك، ومن أشرك بالله حرم الله عليه الجنة؟
الذي وبَّخته وأنكرتَ عليه بشدة: هذا لا يقبل في الغالب، لكن من أتيته بلطف وموعظة حسنة قَبِلَ)).
فالشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كلامه هنا لم ينف وصف الشرك عن (الاستغاثة بغير الله)، وتردد في وصف المستغيث هذا بالإخوة واستشكله ثم رجَّح أن يقول: يا رجل ولا يقول: يا أخي.
وأما أبو عبد الحق فجوابه كان من باب التأصيل العام، فالمقدِّمة [ذات الحجاب غير الشرعي!] سألت أبا عبد الحق عن حكم شخص استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم أو برجل صالح؛ هل هو مشرك؟ والكلام عام، فيُمكنه أن يقول: نعم من استغاث بغير الله فقد أشرك، ولكننا لا نكفِّره إن كان جاهلاً إلا إذا قامت عليه الحجة، لكنه فرَّ من هذا الجواب العلمي وهو يزعم أنه بيَّن ضلال الصوفية في هذا اللقاء كما تقدَّم!، فماذا قال؟ قال: ((لا نقول أنه مشرك، نقول: إنَّ فعله هذا غلط!))، فهل فعله مجرد غلط أم شرك أكبر؟!، وكلامه في قناة فضائية يشاهدها آلاف من عامة الناس، فكان الواجب عليه تعجيل البيان لا تأخير البيان، والواجب التصريح بالحكم العام ثم التفصيل في حكم المعيَّن، ولكنَّ أبا عبد الحق لم يفعل ذلك كلَّه، فكلامه الباطل يختلف كلياً عن كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ولا يصح قياس كلامه على كلام الشيخ للفارق بين الكلامين.
 وقد اعترف أبو عبد الحق في بيانه المنشور في "شبكة سحاب" أنَّ هذا تساهل منه في الجواب وأنه مخطئ فيه، ثم رجع عن هذا في جوابه الجديد قائلاً: ((أنا لم أخالف الشرع))، واستدلَّ بكلام الشيخ ابن عثيمين الأول وترك كلامه رحمه الله في الموضعين الآخرين؛ وهذا من تتبع الرخص ومن التشهي في أخذ الأقوال على ما يوافق الهوى، والله المستعان.
وأما الوقفة الثانية/
دعواه أنَّ الصوفية إخواننا، فهم نعم إخوانه إن أصرَّ وعاند على هذا وليسوا إخواننا، وقد سُئل شيخنا العلامة الشيخ عبيد الجابري حفظه الله كما في شبكة "الورقات": هل تصح عبارة إخواننا الشيعة، إخواننا الصوفية، إخواننا القطبية, ...الخ، إلى أخر الطوائف البدعية بحجة أنَّ بعض هذه الطوائف لم تخرج عن حد إخوة الإيمان أو حد الإسلام و أنهم من فرق أهل القبلة؟
فأجاب بقوله: ((الإخوة الإيمانية لا يسلبها بالكل إلا الكفر, فالبدع المكفرة سالبة للإخوة الإيمانية، لكن الرافضة بدعتهم مكفرة فليسوا إخواناً لنا, الرافضة ليسوا إخواناً لنا، وكذلك أهل التصوف الذين هم على وحدة الوجود، كذلك الباطنية ليسوا إخواناً لنا, المقصود: أنَّ من كانت بدعته مكفِّرة ليس أخاً لنا, هذا في الجملة من حيث العموم)).
وأبو عبد الحق نفسه قال في أول جوابه مع سعدون حمادي كما في [الجواب الكافي] حول الخلاف مع الصوفية قال: ((لا شكَّ أنَّ المراد بالصوفية في عصرنا: الذين يستغيثون بغير الله والذين يبتدعون في دين الله، نسأل الله العافية، وليست الصوفية الذين ذكرهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كالجنيد والشيخ عبد القادر الكيلاني وغيره رحمهم الله، لا، وإنما نقصد هؤلاء في عصرنا الذين يستغيثون بغير الله منهم، فالخلاف بيننا وبينهم ليس بسبب سوء تفاهم ولا بسبب سوء ظن، وإنما الخلاف بين إفراد الله بالعبادة وبين الإشراك بالله سبحانه وتعالى في العبادة، هذا السبب الأول، والسبب الثاني: بين تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم وبين التقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم والابتداع في دينه، نعم فالخلاف خلافٌ جوهري)).
فهل يُقال فيمن يشرك في عبادة الله ويدعو الناس إلى هذا الشرك علانية ويحارب التوحيد وأهله؛ بالإضافة إلى عقيدة الحلول والاتحاد والفناء والكشف ومعرفة الغيب وغيرها من الضلالات والخرافات: إخواننا؟!!
فأين أنت يا أبا عبد الحق من قول الله عزَّ وجلَّ: "فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ"، أي تابوا من الشرك في عبادة الله كما في التفاسير؟!
والله الموفِّق.


كتبه/ أبو معاذ رائد آل طاهر

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.