الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما
بعد:
فقد استوقفني
مقال في "منتديات كل السلفيين" بعنوان [الأسئلة
العراقية لفضيلة الشيخ علي الحلبي] فظننتُه المقال الذي أبحث عنه مكتوباً وهو [الأسئلة العراقية
للشيخ الفوزان] بقلم علي الحلبي!، فاستغربتُ بعد مطالعة المقال هذا!.
وجدتُ المقال
يشتمل على خمسة أسئلة وجِّهت من قبل مجموعة من العراقيين إلى علي الحلبي عبر الرسائل
الخاصة (حول الفتن وأوضاع العراق المتردية) كما وصفوا الأسئلة بهذا الوصف.
ولا أدري كيف يتوجَّه هؤلاء إلى علي الحلبي لسؤاله في مسائل
كبار!؛ بعد أن ظهر أمره لكل ذي عينين؟! لكن صدق الله تعالى إذ يقول: ((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى
الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ))
ثم أسألهم: هل حصَّلوا على علم نافع وجواب شاف؟!
لنطالع معاً الأسئلة والأجوبة كما جاءت في المقال ثم نحكم
بعدها:
((السؤال الأول: نحنُ مجموعة من السلفيين في
بغداد وضواحيها نسأل: هل العراق اليوم دار كفر أم دار إسلام!؛ بعد أن تسلط
عليه الكفار وأهل البدع؟
الشيخ علي الحلبي: هذا بحسب القدرة على إظهار
الدين، وأنا
أعلم أنَّ بعض الأماكن في العراق خير من بعض، والله المستعان.
السؤال الثاني: ما حكم الهجرة من
العراق
اليوم لأنَّ المسلم أصبح محارباً فيه في دينه ودنياه؟
الشيخ علي الحلبي: بحسب الجواب السابق.
السؤال الثالث: ما حكم الهجرة في حالة أنَّ
البلدان المجاورة للعراق لا تستقبل المهاجرين إلا وفق معاملات رسمية معقدة وتكون
إقامة المسلم وعائلته مؤقتة وغير قانونية وعرضة للطرد في أية لحظة؛ فهل هذا
عذر لترك الهجرة؟
الشيخ علي الحلبي: كل ذلك بحسب الظرف والضرورة
و.. و...
السؤال الرابع: ما حكم الهدي الظاهر اليوم في
العراق حيث
أغلب نواحيه يعجز فيها المسلم عن إظهاره!, والنواحي القليلة التي فيها
هدي ظاهر
تكون هجرة المسلم إليها مظنة الخطر والاعتقال!، وتعسر المعاش!، وذهاب المنعة،
وتسلط السفهاء وأهل البدع, فهل يهاجر إليها أم يترك الهدي الظاهر ويبقى في مكانه
ويستمر في
دعوته لكن دون هدي ظاهر؟
الشيخ علي الحلبي: الجواب نفسه.
الشيخ علي الحلبي: الجواب نفسه.
السؤال الخامس: قال الإمام ابن تيمية في اقتضاء الصراط
المستقيم: إنه يجب على المسلم أن يترك الهدي الظاهر في دار الكفر؛ هل ينطبق
هذا الكلام على العراق اليوم؟
الشيخ علي الحلبي: الجواب نفسه، وأعانكم
الله.
وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد
وعلى آله وصحبه وسلم))
أقول للسائلين: أين الجواب يا
إخوة؟!
لكن مهلاً ... مهلاً!، نعم يوجد
جواب؛ وهو:
بحسب القدرة!!!
بحسب الجواب!!!
بحسب الظروف!!!
الجواب نفسه!!!
الجواب نفسه!!!
يا إخواني؛ هل هذه أجوبة؟!
صدِّقوني – لا أبالغ مع الاعتذار
الشديد لكم!! – لم أر مثل هذه الأجوبة إلا عند علماء الرافضة المعاصرين في أجوبتهم
الإستفتائية!!، مثل قولهم: (بسمه تعالى: يجوز!، بسمه تعالى: نعم!، بسمه تعالى:
بحسب الحال!، بسمه تعالى: بحسب القدرة!، بسمه تعالى: نفس الجواب!)!!!
أي: أنهم يختصرون الجواب بكلمة
موجزة؛ مع أنَّ السؤال يحتاج إلى جواب مفصَّل!، وقد يحتاج إلى موعظة وتذكير وترغيب
وترهيب!!.
يا إخواني؛ أهكذا كان الإمام الألباني رحمه
الله تعالى يجيب أسئلة الناس؟!
كان الألباني لا يمل من الأجوبة
المفصَّلة المطولة ولو كانت مكررة أكثر من مرة!!، وهذا أمر معلوم عنه لا يخفى على
أحد.
بل كان الجالسون يملون من طول
الجواب منه وهو رحمه الله تعالى لا يمل!.
بل ولو كانت في مسائل جزئية
فقهية؛ كان يفصِّل ويستطرد في الجواب مدعَّم بالأدلة والبراهين والآثار، ثم الجواب
عن شبه المخالفين واستدلالاتهم، ثم ذكر الفوائد والفرائد النافعة.
فكيف بمثل هذه المسائل الكبار
(دار كفر أم إسلام؟ الهجرة؟ الهدي الظاهر؟)؟!!
ماذا لو نُشرت هذه الأجوبة – وإني
أحذِّر إخواني من ذلك أشد التحذير!! – في مناطق من العراق، هل يفهم منها طلبة
العلم فضلاً عن عوام الناس جواباً منضبطاً أو قولاً محكماً؟!
حتماً سيفسر كل واحد منهم الجواب
على حسب ما يريد:
فهذا يقول: نحن دار كفر لأننا غير
قادرين على إظهار الدين!؛ ثم يرتب على ذلك آثار وعواقب لا تحمد أبداً!!.
وآخر يقول: نحن دار إسلام، لأننا
قادرين على إظهار الدين.
ثم يختلف الطرفان!
فما زادهم الجواب إلا فتنة
وجهالة!!.
وإني أدعوا إخواني هؤلاء إلى عدم الانشغال بمثل هذه
الأسئلة، ثم عليهم أن يحرصوا على طلب العلم ودعوة الناس إلى التوحيد والسنة، والله
عزَّ وجل يحفظهم ويرعاهم، وأرض الله واسعة، إذا ضاقت في منطقة أو مناطق من البلد
فإنها في مناطق أخر يستطيع المسلم أن يقيم فيها دينه وينشر العلم، ولو أننا بمجرد
مخاوف البعض وتمسك آخرين ببعض المناطق غيرنا هدينا الظاهر وهجرنا البلد بعمومه؛
لأصبح هذا البلد غريباً بعيداً عن العلم والسنة والإيمان، بل نتعاون جميعاً على
إقامة دين الله عز وجل في هذا البلد، والحمد لله دعوتنا لها قبول واسع في أرجائه،
وليس ثمة عوائق حقيقة تمنع من إظهار شعائر هذا الدين والاعتزاز به إلا في مناطق
داخل بغداد العاصمة، وليست هي بأحب في قلوبنا من محبة النبي صلى الله عليه وسلم
لمكة، ومع هذا هجرها حينما لم يستطع من إقامة هذا الدين فيها، ثم عاد إليها عزيزاً
قوياً فاتحاً منتصراً.
وليحذر إخواني من دعوة الحزبيين المتسترين
بلبوس السلفية، الذين يدعون إلى ترك الهدي الظاهر قبل أكثر من عشرين سنة!!!،
وكانوا يحتجون بمثل كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى المشار إليه!!، وبنفس
الاستدلالات (بلد كفر أم بلد إسلام؟!)، وحاولوا مع الشيخ الألباني رحمه الله تعالى
أن يفتي لهم بجواز ترك الهدي الظاهر!؛ فلم يجبهم، لأنه راسخ في العلم خبير بطرائق الحزبيين.
ثم هناك أشرطة مسجلة لأهل العلم
الراسخين في هذه المسألة، تؤكد أهمية المحافظة على هذه الشعيرة في زمن الابتلاء
والفتنة سمعتها قديماً، فحاولوا أن تجدوها وانتفعوا بها؛ بارك الله فيكم.
فإن أبيتم إلا الأجوبة على
أسئلتكم؛ فاعلموا أنَّ للسلفيين علماءاً راسخين مثل سماحة المفتي عبد العزيز آل
الشيخ، ومثل الشيخ الفوزان، والشيخ العباد، والشيخ ربيع المدخلي، والشيخ عبيد
الجابري، والشيخ زيد المدخلي، وغيرهم من أفاضل أهل العلم، اسألوا هؤلاء؛ وفقكم
الله تعالى.
قلتُ: وانظروا إخواني إلى
المعلِّقين على هذا الموضوع، في منتديات كل السلفيين:
المعلِّق الأول: أحمد بن أبي صالح قال:
((سبحان الله؛ هذا جوابٌ _ رُغمَ إجمالهِ _ فهو جواب موفقٌ
وحكيم؛ ولا يطمعُ السائلُ بأكثر منه))
قلتُ: انظروا إلى استغرابه أولاً
بسبب الإجمال في الجواب!، ثم انظروا إلى استدراكه: (جواب موفقٌ وحكيم).
يا أخي وفقك الله؛ أين الجواب
أصلاً!!؛ حتى ننظر هل هو حكيم وموفَّق أم لا؟!!
ثم إذا كان السائل – بهذه الدرجة
من الإدراك والفهم وحل الألغاز!! – لا يطمع بأكثر منه، فلماذا يَسأل غيره
أصلاً؟!!!، بل هذا يُسأل لا يَسأل!!.
والمعلِّق الثاني: وهو الساجد لله!!، قال:
((هل أنت متأكد أنَّ هذه الأجوبة للشيخ علي؟! وطالما أنَّ الشيخ
بيننا؛ فهل يؤكد لنا صحة هذا الكلام؟))
قلتُ: لا أدري؛ هل يركع هذا الأخ لله أم يعاني من عذر فحسبه
السجود؛ هذا أولاً؟!!
وانظروا إلى استغراب هذا الأخ من الأجوبة!، ثم طلبه التأكد
منها!!!.
يا ترى لماذا؟!!
لعلها كما قال الأول (جواب موفقٌ وحكيم ولا يطمعُ السائلُ
بأكثر
منه)!!!.
أقول: وليعلم الجميع أنَّ الإجمال في الكلام واستعمال
الألفاظ المشتبهة من طرائق أهل البدع!، ليجمعوا بين الحق والباطل في الكلام،
وبالتالي يلتفّ حولهم أهل الحق وأهل الباطل، ولا يتفرَّق الناس عنهم!!.
وأقول: وعندي رسالة على وشك الانتهاء منها – بإذن الله، وأسأل الله
تعالى التوفيق والسداد - وهي مطولة ومفصَّلة بعنوان [البراهين العتيدة في كشف أحوال
وتأصيلات علي الحلبي الجديدة]، جمعتُ فيها ما تفرق من ردود ومقالات هنا وهناك من طلبة علم
وكتاب أفاضل، وزدتُ عليهم أشياء أخر كثيرة ومهمة تبين أحوال وتأصيلات الحلبي
المخالفة لتأصيلات أهل السنة وأحوالهم.
ومما ذكرته من أحوال الحلبي الجديدة: [الإجمال في مورد
النزاع ومقام التفصيل]، وقلتُ فيه:
ولا بد أن نعلم أنَّ استعمال الألفاظ
المجملة التي تشتمل على الحق والباطل مسلك من مسالك المبتدعة ليغرِّروا الناس وليلبسوا
عليهم دينهم!؛ ومثلهم المداهنون الذين يختارون الألفاظ المجملة والأجوبة السياسية المحتملة!،
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [درء التعارض 1/ 120-121]: ((الذين
يعارضون الكتاب والسنة بما يسمونه عقليات من الكلاميات والفلسفيات ونحو ذلك؛ إنما يبنون
أمرهم في ذلك على أقوال مشتبهة مجملة تحتمل معاني متعددة، ويكون ما فيها من الاشتباه
لفظاً ومعنى يوجب تناولها لحق وباطل؛ فبما فيها من الحق يقبل ما فيها من الباطل لأجل
الاشتباه والالتباس، ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء صلوات الله وسلامه
عليهم. وهذا منشأ ضلال من ضلَّ من الأمم قبلنا، وهو منشأ البدع، فإنَّ البدعة لو كانت
باطلاً محضاً لظهرت وبانت وما قبلت، ولو كانت حقاً محضاً لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة؛
فإنَّ السنة لا تناقض حقاً محضاً لا باطل فيه، ولكن البدعة تشتمل على حق وباطل)) إلى أن قال: ((والمقصود
هنا قوله: يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، وهذا
الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس هو الذي يتضمن الألفاظ المتشابهة المجملة
التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة، وتلك الألفاظ تكون موجودة مستعملة في الكتاب
والسنة وكلام الناس لكن بمعان أخر غير المعاني التي قصدوها هم بها، فيقصدون هم بها
معاني أخر فيحصل الاشتباه والإجمال)).
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله
تعالى في [الصواعق المرسلة 3/ 927]: ((قال تعالى: "ولا تلبسوا
الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"، فنهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه؛
ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر، ومنه التلبيس وهو التدليس والغش الذي يكون
باطنه خلاف ظاهره، فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق
وتكلم بلفظ له معنيان معنى صحيح ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح
ومراده الباطل فهذا من الإجمال في اللفظ.
وأما
الاشتباه في المعنى فيكون له وجهان؛ هو حق من أحدهما وباطل من الآخر، فيوهم إرادة الوجه
الصحيح ويكون مراده الباطل. فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة؛
ولاسيما إذا صادفت أذهاناً مخبطة، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب، فسل مثبِّت القلوب
أن يثبِّت قلبك على دينه، وأن لا يوقعك في هذه الظلمات))
وقال في [شفاء العليل ص136]: ((أصل
بلاء أكثر الناس من جهة الألفاظ المجملة التي تشتمل على حق وباطل فيطلقها مَنْ يريد
حقها، فينكرها مَنْ يريد باطلها، فيرد عليه مَنْ يريد حقها؛ وهذا باب إذا تأمله الذكي
الفطن رأى منه عجائب، وخلصه من ورطات تورط فيها أكثر الطوائف)) انتهى المراد من النقل.
وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد والإخلاص في الأقوال
والأعمال والأحكام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.