الثلاثاء، 12 فبراير 2013

الإرشاد في كشف المبطلين الذين يستترون خلف رسالة الشيخ العبَّاد


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإنَّ الشيخ عبدالمحسن العبَّاد - حفظه الله تعالى - عالم من العلماء السلفيين المعروفين، وله جهود كبيرة في نشر السنة وبيان العلم وفي ردِّ أباطيل أهل الأهواء، وقد شهد بعلمه ومكانته العلماء الأكابر، نسأل الله تعالى أن يحفظه للأمة معلماً ومربياً، وأن يزيده من فضله، وأن يختم له بالحسنى.
والشيخ العباد حفظه الله تعالى له موقف معروف في قضية النزاع مع أبي الحسن المأربي وأتباعه، حيث كان يرفض الخوض فيه، ويعتبره فتنة بين المنتسبين لأهل السنة، وينصح السلفيين بالانشغال بالعلم والتعليم والدعوة، وينصحهم أن يتركوا الكلام في فلان أو فلان.
وقد كتب الشيخ العباد حفظه الله تعالى رسالته [رفقاً أهل السنة بأهل السنة] مدوناً فيها ما يتبناه من موقف من النزاع المتقدِّم.
واليوم يجدد الشيخ العباد حفظه الله تعالى موقفه، لكن هذه المرة في أثناء النزاع مع علي الحلبي وأصحابه وأتباعه ومَنْ يوافقه ويدافع عنه، ويعيد التأكيد على هذا الموقف في رسالته الوجيزة [مرة أخرى: رفقاً أهل السنة بأهل السنة].
وهذا الموقف من الشيخ العباد - حفظه الله تعالى - استغله بعضُ أهل الأهواء مع اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم في الطعن بأهل العلم السلفيين الذين يقومون بواجب النصيحة والتحذير من المبتدعة ومن أتباعهم والمدافعين عنهم، ونصبوا كلمة الشيخ العباد هذه لتكميم أفواه أهل السنة في بيان تجريح أهل الأهواء والتحذير من انحرافاتهم، حتى جعلوا الجاهل المغرر به يظنُّ أنَّ الشيخ العباد حفظه الله تعالى يقف مع أهل الأهواء هؤلاء ضد علماء السنة الراسخين الذين يحذَّرون منهم، فتستَّر المبتدعة وأفراخهم خلف الشيخ العباد، ورفعوا اسم الشيخ العباد ورسالته شعاراً لنشر انحرافاتهم، وصاحوا بها في وجه كل ناصح غيور على دينه.
ولكي نكشف وجه هؤلاء الذين تستروا خلف الشيخ العباد حفظه الله تعالى؛ كان لنا هذه الوقفات:

الوقفة الأولى: أنَّ الشيخ أحمد النجمي رحمه الله تعالى ردَّ على رسالة الشيخ العباد حفظه الله تعالى، ونصحه، وبيَّن ما في الرسالة من ملاحظات بأسلوب علمي وأدب رفيع واحترام لمكانة العباد وتقدير، وهذا الرد مدوَّن في كتابه [الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية/  الطبعة الثانية 1/ 220-235].
فالسلفي الذي يتحرى الحق عليه أن يقرأ هذا الرد، وينظر في أدلته، ثم تكون الحجة والبراهين هما المقياس لمعرفة المحق منهما. وهذا ما لم يفعله مَنْ ينسب نفسه للسلفية من المخالفين، بل سارعوا إلى نشر رسالة الشيخ العباد!، وغفلوا أنهم بنشرها هكذا يساعدون غيرهم من المبتدعة أن يتسلَّطوا عليهم ويرفضوا أحكامهم!؛ فضلاً عن أحكام أهل الحق من السلفيين فيهم وفي غيرهم!.

الوقفة الثانية: أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى حاول أن يبيِّن للشيخ العباد حفظه الله تعالى ما عليه المخالفون من انحرافات منهجية لا يمكن السكوت عنها، فلم يقبل الشيخ العباد، وأخبره أنه لا يقرأ!، أي لا يقرأ ما يُكتب في مثل هذه النزاعات المعاصرة، كما ذكر ذلك الشيخ ربيع في جلسته مع جماعة من الفلسطينيين من طرف علي الحلبي؛ وهي جلسة مسجَّلة.
وهذا يعني؛ أنَّ الشيخ العباد غير مطلع على تفاصيل انحرافات مَنْ ينسبهم إلى السنة!، وغير مطلع على ردود أهل العلم عليهم مع ما فيها من أدلة وبراهين تدين أولئك.
وقد يهوِّل البعض ويُشغِّب فيقول: كيف تزعمون أنَّ الشيخ العباد لا يقرأ أو لا يعلم؟!
فنقول له: إنًَّ مما يؤكِّد هذا، أنَّ الشيخ العباد حفظه الله تعالى لم يطلع على نصيحة الشيخ النجمي رحمه الله تعالى له، ورده على رسالته الأولى [رفقاً أهل السنة بالسنة]؛ إلا بعد موت الشيخ النجمي وكتابة الشيخ العباد لرسالته الثانية [مرة أخرى رفقاً أهل السنة بأهل السنة]!!، فقد قال الشيخ العباد حفظه الله تعالى في مقال له بعنوان [كلمة توضيح حول نصيحة الشيخ النَّجمي وبيان الشيخ النُّجيمي]: ((أما الشيخ أحمد النجمي المتوفى في العام الماضي رحمه الله فقد كتب لي نصيحة على إثر صدور رسالتي "رفقاً أهل السنة بأهل السنة" في عام 1424هـ، ولم تصل إليَّ هذه النصيحة من قبل!!، وما علمتُ بها!!، إلا بعد نشرها من بعض الناس إثر نشر كلمتي "ومرة أخرى: رفقاً أهل السنة بأهل السنة" في 16/ 1/ 1432هـ، فكانت مناسبة لتجدد ذكره وتجديد الدعاء له رحمه الله وغفر له وتجاوز عنا وعنه وأسكنه فسيح جناته وشملنا بعفوه ومغفرته إذا صرنا إلى ما صار إليه...)).
فالشيخ العباد حفظه الله تعالى لم يطلع على رد الشيخ النجمي رحمه الله تعالى ونصيحته إلا بعد ثمان سنوات!.
ونحن جميعاً قد تعلَّمنا قاعدة علمية تقول: (أنَّ مَنْ علم حجة على مَنْ لم يعلم)، فلو اختلف صحابيان في مسألة قدَّمنا قول مَنْ كان عنده علم، لأننا لو قبلنا الآخر، فهذا يعني أننا نرد البراهين التي أمرنا بالأخذ بها، فكيف بمَنْ دون الصحابة؟!.
ولهذا قال الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى لما سُئل عن كتاب [رفقاً أهل السنة بأهل السنة]: ((أقول: مَنْ عَلِمَ - هذه قاعدة يا ابني محمد - حجة على مَنْ لم يعلم؛ فمن تكلَّم في أبي الحسن تكلم بناء على أدلة وبينات واضحة مثل الشمس في رابعة النهار، وصريحة في نقد أقواله وأعماله. هذه القاعدة؛ فمن جرح أبا الحسن أو غيره بدليل وأقام الدليل على جرحه فالواجب عليه التسليم له وإلا كنا أصحاب أهواء!. وذلك العالم الذي لم يقف على ما وقف عليه الجارحون هذا لا يضره؛ ولكن نحن لا نتابع ذلك العالم!. وأنا أتكلم بصفة عامة لا نتابع ذلك العالم الذي جهل حال المجروح والأمثلة كثيرة جداً فمن أمثلة القدامى: كان الشافعي رحمه الله يوثق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ويزكيه، ولكن العلماء من قبل الشافعي ومن بعده وقفوا على جرح للرجل وأنه ليس بثقة كما يقول الشافعي، فتوثيق الشافعي هذا لإبراهيم ابن أبي يحيى هذا لم ينفعه، ولم يضر الشافعي أهل العلم المحققون على جرح الجارحين)).
قلتُ: ومعلوم أنَّ الجرح المفسَّر مقدَّم على التعديل المبهم؛ قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في حاشية كتابه [دفاع عن الحديث النبوي: ص21]: ((قلتُ: ولذلك لا ينبغي أن يغتر أحدٌ بما ذهب إليه ابن سيد الناس في مقدمة كتابه (عيون الأثر) من توثيق الواقدي!؛ فإنه خالف ما عليه المحققون من الأئمة قديماً وحديثاً، ولمنافاته علم المصطلح على: "وجوب تقديم الجرح المفسر على التعديل"؛ وأي جرح أقوى من الوضع؟، وقد اتهمه به أيضاً الإمام الشافعي الذي يزعم البوطي أنه يقلده، وأبو داود وأبو حاتم، وقال أحمد: كذَّاب)).
ومن أرشيف الحلبي القديم وذلك في [شرحه للباعث الحثيث في النوع الثالث والعشرين (معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل وبيان الجرح والتعديل) شريط رقم (39)] علَّق على عبارة ابن كثير: [وروى ابن الصلاح عن أحمد بن صالح المصري أنه قال: لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه]، فقال الحلبي: ((وهذا كلام في الحقيقة ليس بدقيق!!، بمعنى: أننا نرى بعض الكذابين قد ورد توثيق لهم؛ فهل نقول: هذا لا نترك حديثه لأنَّ الجميع لم يجتمعوا على ترك حديثه؟!، نقول: لا، وإنما الحجة في ذلك كله على ماذا؟ على البينة وتفسير الجرح!!!, فإذا جاءنا جرحٌ مفسَّر في راوٍ وثقَّه زيد أو عمرو من كبار أئمتنا!، فإنَّ الجرح المفسر مقدم على التعديل المبهم!!، بل نقول: مقدم على التعديل مطلقاً، لماذا؟ لأنَّ الجارح معه زيادة علم, ومعه بينة تزيد على الأصل في الراوي وهو الثقة)).
أقول: فما بال الحلبي وأتباعه اليوم يأخذون بالتعديل المبهم ويرفضون الجرح المفسَّر؟!

الوقفة الثالثة: إننا لاحظنا في فتنة سفر وسلمان العودة، أنَّ علماءنا الأكابر كانوا في أول الأمر لا يقبلون الكلام فيهما!، وكان الشيخ ربيع حفظه الله تعالى وإخوانه من مشايخ المدينة يبينون انحرافاتهما لأهل العلم، ويحذِّرون منهما، وكان الحلبي وأصحابه يوافقون مشايخ المدينة في التحذير والتجريح، لكنَّ أهل العلم الأكابر (الألباني وابن باز وابن عثيمين رحمه الله تعالى) كانوا يحسنون الظنَّ بهم، قال الشيخ ربيع في كتابه [أبو الحسن يدافع بالباطل والعدوان عن الإخوان ودعاة حرية ووحدة الأديان ص129-130]: ((حتى اشتدت فتنتهم، وظهرت أحوالهم، وعرف العلماء واقعهم، فوصفهم ابن باز بأنهم دعاة الباطل وأهل الصيد في الماء العكر، ثم أجمع هيئة كبار العلماء على أنه يجب على هؤلاء سفر وسلمان ومن معهما في الفتن أن يتوبوا إلى الله؛ وإلا فيجب أن يمنعوا من الدروس والمحاضرات تحصيناً للناس من ضررهم، فأبوا إلا العناد، حتى تم سجنهم بناء على هذا القرار من هيئة كبار العلماء، وأدانهم العلامة الألباني بأنهم خوارج عصرية، وأنهم يدندنون حول التكفير بالذنوب، فبعد هذه المواقف والإدانات صرحتُ أنا وغيري من السلفيين بتبديعهم)).
فإذا كان الأئمة الثلاثة قد خفي عليهم في أول الأمر حال هؤلاء، وكانوا أيضاً ينسبونهم للسلفية، ويدافعون عنهم، ولا يقبلون تجريحهم، لكن لما ظهر حالهم واطلع العلماء على ضلالاتهم صدعوا بالحق وحذَّروا منهم.
فما بال السلفي الذي مرَّ بمثل هذه التجربة الشديدة يومئذ أن يتوقف اليوم في تجريح مَنْ ذكرهم العلماء بالأدلة والبراهين الموثَّقة من كتبهم وأشرطتهم وأخبار الثقات؛ لا من أجل شيء إلا لأنَّ الشيخ العباد لا يقبل الكلام فيهم، وينهى عن الخوض في مثل هذه الأمور؟!.
وقد قال الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى في تمام جوابه على رسالة [رفقاً أهل السنة بأهل السنة]: ((وخذ مثالاً آخر من الأمثلة المعاصرة: فنحن وغيرنا نرد على سفر وسلمان وغيره من أساطين فقه الواقع وننقد أقوالهم ونكشف عوارها ونبين انحرافها بالدليل، وسماحة الوالد الإمام الأثري العلامة الفقيه المجتهد الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وسماحة الإمام العلامة الفقيه المحقق المدقق المجتهد الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وغيره من مشائخنا هيئة كبار العلماء لم يتكلموا بشيء، بعد نحو أربع سنوات أو خمس سنوات أو ما يقارب هذا صدر قرار من هيئة كبار العلماء بإدانة القوم، قرار خول لولي الأمر إيقافهم، لأنهم وقفوا على أخطائهم وتجاوزاتهم.
ومثال آخر خذه أيضاً: الإمام محدث العصر الشيخ الألباني رحمه الله كان يثني على سفر سلمان وغيرهما ويزكيهم هما وغيرهما، لكن بعد حوالي ست سنوات أو سبع تبين له ما كان خافياً عليه من قبل، فقال قبل موته بسنه: يظهر إننا تعجلنا، وأنَّ أهل المدينة هم أحرى بالقول، فهمت بارك الله فيك، انشر هذه المكالمة على شباب الإمارات، وبلغهم مني السلام، مَنْ قَبِل كان ومَنْ لم يقبل ماذا نصنع به؟!)).
قلتُ: والعجيب أنَّ الحلبي وأتباعه لما حذَّرت اللجنة الدائمة من كتابَيه بعد مطالعة وتفصيل وأدلة!، لم يقبلوا بقرار اللجنة الدائمة مع أنهم علماء أكابر أحال عليهم الشيخ العباد في رسالته [رفقاً أهل السنة بأهل السنة] كمرجعية في أي نزاع يحصل بين المشايخ، فقال: ((عند سؤال طلبة العلم عن حال أشخاص من المشتغلين بالعلم، ينبغي رجوعهم إلى رئاسة الإفتاء بالرياض للسؤال عنهم، وهل يُرجع إليهم في الفتوى وأخذ العلم عنهم أو لا؟. ومَن كان عنده علم بأحوال أشخاص معيَّنين يُمكنه أن يكتب إلى رئاسة الإفتاء ببيان ما يعلمه عنهم للنظر في ذلك، وليكون صدور التجريح والتحذير إذا صدر يكون من جهة يُعتمد عليها في الفتوى، وفي بيان مَن يؤخذ عنه العلم ويُرجع إليه في الفتوى، ولا شكَّ أنَّ الجهة التي يُرجع إليها للإفتاء في المسائل هي التي ينبغي الرجوع إليها في معرفة مَن يُستفتى ويُؤخذ عنه العلم، وألاَّ يجعل أحدٌ نفسه مرجعاً في مثل هذه المهمَّات؛ فإنَّ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))، وقال: ((إذا كان الخطأ الذي رد عليه فيه غير واضح، بل هو من الأمور التي يحتمل أن يكون الرادُّ فيها مصيباً أو مخطئاً، فينبغي الرجوع إلى رئاسة الإفتاء للفصل في ذلك، وأمَّا إذا كان الخطأ واضحاً، فعلى المردود عليه أن يرجع عنه؛ فإنَّ الرجوعَ إلى الحقِّ خيرٌ من التمادي في الباطل)).
أقول: ولم يجعل الحلبي قرار اللجنة تأييداً لمحمد أبو رحيم الذي يخاصمه في مسائل الإيمان!، فكيف يجعل اليوم رسالة الشيخ العباد تأييداً له ورداً على مخالفيه، مع أنَّ الشيخ العباد لم يطالع الردود، ولم يذكر التفاصيل، ولا الأدلة في إثبات سلفية مَنْ لا يقبل تجريحهم، بعد أن جرحهم العلماء الآخرين؟! 

الوقفة الرابعة: أنَّ التستر بعالم من فضلاء الأمة دون الأخذ بالدليل والبراهين هو من طريقة المبطلين الزائغين؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى وهو يبين طريقة أهل التأويل في تزيين باطلهم [الصواعق المرسلة 2/ 441-443]: ((السبب الثالث: أن يعزو المتأول تأويله وبدعته إلى جليل القدر نبيل الذكر من العقلاء أو من آل البيت النبوي أو مَنْ حصل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق ليحليه بذلك في قلوب الأغمار والجهال!، فإنَّ من شأن الناس تعظيم كلام مَنْ يعظم قدره في نفوسهم، وأن يتلقوه بالقبول والميل إليه، وكلما كان ذلك القائل أعظم في نفوسهم كان قبولهم لكلامه أتم، حتى إنهم ليقدمونه على كلام الله ورسوله، ويقولون هو أعلم بالله ورسوله منا.
وبهذه الطريق توصل الرافضة والباطنية والإسماعيلية والنصيرية إلى تنفيق باطلهم وتأويلاتهم حتى أضافوها إلى أهل بيت رسول الله لما علموا أنَّ المسلمين متفقون على محبتهم وتعظيمهم وموالاتهم وإجلالهم، فانتموا إليهم وأظهروا من محبتهم وموالاتهم واللهج بذكرهم وذكر مناقبهم ما خيل إلى السامع أنهم أولياؤهم وأولى الناس بهم، ثم نفقوا باطلهم وإفكهم بنسبته إليهم.
فلا إله إلا الله كم من زندقة وإلحاد وبدعة وضلالة قد نفقت في الوجود بنسبتها إليهم وهم براء منها براءة الأنبياء من التجهم والتعطيل وبراءة المسيح من عبادة الصليب والتثليث وبراءة رسول الله من البدع والضلالات؟!.
وإذا تأملت هذا السبب رأيته هو الغالب على أكثر النفوس!!، وليس معهم سوى إحسان الظن بالقائل بلا برهان من الله ولا حجة قادتهم إلى ذلك!!، وهذا ميراث بالتعصيب من الذين عارضوا دين الرسل بما كان عليه الآباء والأسلاف، فإنهم لحسن ظنهم بهم وتعظيمهم لهم آثروا ما كانوا عليه على ما جاءتهم به الرسل، وكانوا أعظم في صدورهم من أن يخالفوهم، ويشهدوا عليهم بالكفر والضلال، وإنهم كانوا على الباطل، وهذا شأن كل مقلِّد لمن يعظمه فيما خالف فيه الحق إلى يوم القيامة)).
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في [أدب الطلب ومنتهى الأدب ص64]: ((وقد جرت قاعدة أهل البدع في سابق الدهر ولاحقه: بأنهم يفرحون بصدور الكلمة الواحدة عن عالم من العلماء، ويبالغون في إشهارها وإذاعتها فيما بينهم!، ويجعلونها حجة لبدعتهم!، ويضربون بها وجه من أنكر عليهم!؛ كما تجده في كتب الروافض من الروايات لكلمات وقعت من علماء الإسلام فيما يتعلق بما شجر بين الصحابة، وفي المناقب والمثالب، فإنهم يطيرون عند ذلك فرحاً ويجعلونه من أعظم الذخائر والغنائم)).

الوقفة الخامسة: أنَّ من المعلوم عند الجميع أنَّ كلام أهل العلم يحتج له لا يحتج به؛ قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [المجموع: 26/ 202-203]: ((وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة: النص، والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية؛ لا بأقوال بعض العلماء!؛ فإنَّ أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية لا يحتج بها على الأدلة الشرعية. ومَنْ تربى على مذهب قد تعوَّده واعتقد ما فيه وهو لا يحسن الأدلة الشرعية وتنازع العلماء لا يفرق بين ما جاء عن الرسول وتلقته الأمة بالقبول بحيث يجب الإيمان به، وبين ما قاله بعض العلماء ويتعسَّر أو يتعذَّر إقامة الحجة عليه!، ومَنْ كان لا يفرق بين هذا وهذا لم يحسن أن يتكلم في العلم بكلام العلماء، وإنما هو من المقلدة الناقلين لأقوال غيرهم!)).
وقال رحمه الله تعالى في [الفتاوى الكبرى: 6/ 92]: ((إنَّ الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لا يجوز أن يتبع فيها!، مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين.
واعتبر ذلك بمناظرة الإمام عبدالله بن المبارك قال: "كنا بالكوفة فناظروني في ذلك يعني "النبيذ المختلف فيه" فقلتُ لهم: تعالوا فليحتج المحتج منكم عمَّنْ يشاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة، فإنْ لم يتبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه، فاحتجوا، فما جاؤوا عن أحد برخصة إلا جئناهم بشدة، فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبدالله بن مسعود وليس احتجاجهم عنه في شدة النبيذ بشيء يصح عنه، إنما يصح عنه أنه لم ينبذ له في الجَرِّ إلا حَذِرًا.
قال ابن المبارك: فقلتُ للمحتج عنه في الرخصة؛ يا أحمق عد إنَّ ابن مسعود لو كان ها هنا جالسًا فقال: هو لك حلال، وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشدة، كان ينبغي لك أن تحذر أو تجر أو تخشى؟
فقال قائلهم: يا أبا عبدالرحمن؛ فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام؟!!
فقلت لهم: عدوا عند الاحتجاج تسمية الرجال!!!؛ فربَّ رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن يكون منه زلة أفلأحد أن يحتج بها؟!
فإنْ أبيتم، فما قولكم في عطاء وطاووس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة؟
قالوا: كانوا خيارًا.
قلتُ: فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدًا بيد؟
فقالوا: حرام.
فقال ابن المبارك: إنَّ هؤلاء رأوه حلالاً؛ فماتوا وهم يأكلون الحرام؟!!
فبقوا وانقطعت حجتهم!.
قال ابن المبارك: ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال: رآني أبي وأنا أنشد الشعر، فقال لي: يا بني لا تنشد الشعر، فقلت له: يا أبت كان الحسن ينشد وكان ابن سيرين ينشد!!، فقال لي: اي بني إنْ أخذت بشر ما في الحسن وبشر ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله!!".
وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء، فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا لهم أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة!، وهذا باب واسع لا يحصى، مع أنَّ ذلك لا يغض من أقدارهم، ولا يسوغ إتباعهم فيها!، كما قال سبحانه: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"، قال ابن مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم: "ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم"، وقال سليمان التيمي: "إنْ أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله"، قال ابن عبد البر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا المعنى ما ينبغي تأمله...)) [وذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى جملة من الآثار] ثم قال:
((وهذه آثار مشهورة رواها ابن عبد البر وغيره، فإذا كنا قد حُذِّرنا من "زلة العالم"!، وقيل لنا: أنها أخوف ما يخاف علينا، وأمرنا مع ذلك أنْ لا يرجع عنه!، فالواجب على مَنْ شرح الله صدره للإسلام إذا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلد بها!، بل يسكت عن ذكرها إلى أن يتيقن صحتها!، وإلا توقف في قبولها!، فما أكثر ما يحكى عن الأئمة ما لا حقيقة له!، وكثير من المسائل يخرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعة مع أنَّ ذلك الإمام لو رأى أنها تفضي إلى ذلك لما التزمها!!، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، ومَنْ علم فقه الأئمة وورعهم علم أنهم لو رأوا هذه الحيل وما أفضت إليه من التلاعب بالدين لقطعوا بتحريم ما لم يقطعوا به أولاً)).
وقال رحمه الله تعالى [المجموع 10/ 383-385]: ((فجماع هذا: أنَّ هذه الأمور تعطى حقها من الكتاب والسنة، فما جاء به الكتاب والسنة من الخبر والأمر والنهي وجب إتباعه ولم يلتفت إلى مَنْ خالفه كائناً من كان، ولم يجز إتباع أحد في خلاف ذلك كائناً من كان؛ كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة من إتباع الرسول وطاعته. وأنَّ الرجل الذي صدر عنه ذلك يعطى عذره حيث عذرته الشريعة؛ بأن يكون مسلوب العقل، أو ساقط التمييز، أو مجتهداً مخطئاً اجتهاداً قولياً أو عملياً، أو مغلوباً على ذلك الفعل أو الترك بحيث لا يمكنه رد ما صدر عنه من الفعل المنكر بلا ذنب فعله ولا يمكنه أداء ذلك الواجب بلا ذنب فعله، ويكون هذا الباب نوعه محفوظاً، بحيث لا يتبع ما خالف الكتاب والسنة، ولا يجعل ذلك شرعة ولا منهاجاً!!. بل لا سبيل إلى الله ولا شرعة إلا ما جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الأشخاص الذين خالفوا بعض ذلك على الوجوه المتقدمة: فيعذرون ولا يذمون ولا يعاقبون. فإنَّ كل أحد من الناس قد يؤخذ من قوله وأفعاله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما من الأئمة إلا مَنْ له أقوال وأفعال لا يتبع عليها مع أنه لا يذم عليها.
وأما الأقوال والأفعال التي لم يعلم قطعاً مخالفتها للكتاب والسنة بل هي من موارد الاجتهاد التي تنازع فيها أهل العلم والإيمان؛ فهذه الأمور قد تكون قطعية عند بعض من بيَّن الله له الحق فيها لكنه لا يمكنه أن يلزم الناس بما بان له ولم يبن لهم؛ فيلتحق من وجه بالقسم الأول، ومن وجه بالقسم الثاني.
وقد تكون اجتهادية عنده أيضاً، فهذه تسلم لكل مجتهد ومن قلده طريقهم تسليماً نوعياً، بحيث لا ينكر ذلك عليهم كما سلم في القسم الأول تسليماً شخصياً.
وأما الذي لا يسلم إليه حاله: فمثل أن يعرف منه أنه عاقل يتوله ليسقط عنه اللوم؛ ككثير من المنتسبة إلى الشيخ أحمد بن الرفاعي و اليونسية فيما يأتونه من المحرمات ويتركونه من الواجبات، أو يعرف منه أنه يتواجد ويتساكر في وجده ليظن به خيراً ويرفع عنه الملام فيما يقع من الأمور المنكرة، أو يعرف منه أنَّ الحق قد تَبين له وأنه متبع لهواه، أو يعرف منه تجويز الانحراف عن موجب الشريعة المحمدية، وأنه قد يتفوه بما يخالفها، وأنَّ من الرجال من قد يستغني عن الرسول، أو له أن يخالفه، أو أن يجري مع القدر المحض المخالف للدين كما يحكي بعض الكذابين الضالين: أنَّ أهل الصفة قاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار لما انهزم أصحابه وقالوا: نحن مع الله، من غلب كنا معه، وأنه صبيحة الإسراء سمع منه ما جرى بينه وبين ربه من المناجاة، وأنه تواجد في السماء حتى وقع الرداء عنه، وأنَّ السر الذي أوصى إليه أودعه في أرض نبت فيها اليراع فصار في الشبابة بمعنى ذلك السر، أو يسوغ لأحد بعد محمد الخروج عن شريعته كما ساغ للخضر الخروج عن أمر موسى فإنه لم يكن مبعوثاً إليه كما بعث محمد إلى الناس كافة.
فهؤلاء ونحوهم ممن يخالف الشريعة ويبين له الحق فيعرض عنه يجب الإنكار عليهم بحسب ما جاءت به الشريعة من اليد واللسان والقلب. وكذلك أيضاً ينكر على من اتبع الأولين المعذورين في أقوالهم وأفعالهم المخالفة للشرع؛ فإنَّ العذر الذي قام بهم منتف في حقه فلا وجه لمتابعته فيه.
ومن اشتبه أمره من أي القسمين هو؟ توقف فيه، فإنَّ الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة، لكن لا يتوقف في رد ما خالف الكتاب والسنة، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". فلا يسوغ الخروج عن موجب العموم والإطلاق في الكتاب والسنة بالشبهات، ولا يسوغ الذم والعقوبة بالشبهات، ولا يسوغ جعل الشيء حقاً أو باطلاً أو صواباً أو خطأً بالشبهات)).
أقول: فالعالم المجتهد الذي يتحرى الحق من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم وله آثار جليلة في الإسلام وله مكانة عظيمة عند أهل الإسلام؛ إذا خالف في أشياء يُعذر ولا يُذم، بل هو مأجور، يُرد عليه خطئه وتحفظ كرامته ومكانته، أما مَنْ بان له الحق وأعرض عنه واتبع هواه فهذا لا عذر له ولو زعم أنه متبع لذلك المجتهد!!.

الوقفة السادسة: الواجب عند الخلاف: التعويل على ما يؤيده الدليل لا الأخذ بما تشتهي النفوس وتميل إليه، وكون العلماء اختلفوا لا يلزم منه أنَّ نجعل خلافهم حجة في رد الحجج والبراهين.
قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى في مقاله [دعاة التغريب ومصطلحهم "التعددية" و"الأحادية" لانتقاء ما يوافق أهواءهم]:
((وأعود إلى الكلام مع المؤيدين لما سموه بـ "التعددية" المنكرين لما سموه بـ"الأحادية" الذين لا يعتبرون المعروف إلا ما أُجمع على أنه معروف!!، ولا المنكر إلا ما أُجمع على أنه منكر!!، مع أنَّ تتبع رخص العلماء وانتقاء ما يوافق الأهواء والشهوات منها مما أُجمع على أنه منكر!!!، فقد روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 91) عن سليمان التيمي أنه قال: "إذا أخذتَ برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله"، ثم قال ابن عبد البر: "هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا".
ومن أمثلة انتقائهم ما تشتهيه نفوسهم قول بعضهم: إنَّ كشف وجه المرأة جائز!، وإنَّ حضور صلاة الجماعة في المساجد ليس بلازم!، وإنَّ في إغلاق الحوانيت لأداء صلاة الجماعة شلاً للحركة الاقتصادية!؛ وذلك تقديم لتجارة الدنيا على تجارة الآخرة، فينتقون ما يريدون بدعوى أنَّ في ذلك خلافاً!!.
والواجب عند الخلاف: التعويل على ما يؤيده الدليل لا الأخذ بما تشتهي النفوس وتميل إليه!، وقد قال الشافعي كما في كتاب الروح (ص 395) وإعلام الموقعين (2/ 263) لابن القيم: "أجمع الناس على أنَّ من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد"، وقال ابن خزيمة رحمه الله كما في الفتح (3/ 95): "ويحرم على العالم أن يخالف السنة بعد علمه بها"، ومما جاء عن العلماء في التحذير من تتبع الرخص وذم انتقاء ما تشتهيه النفوس من الأقوال ما رواه البيهقي في [سننه الكبرى: 10/ 211] بإسناد حسن عن الأوزاعي رحمه الله قال: "من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام"، وروى أيضًا بإسناد صحيح عن إسماعيل القاضي أنه قال: "دخلت على المعتضد فدفع إليَّ كتابًا نظرتُ فيه، وكان قد جُمع له الرخص من زلل العلماء وما احتج به كلٌّ منهم لنفسه، فقلتُ له: يا أمير المؤمنين؛ مصنف هذا الكتاب زنديق!!، فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟! قلتُ: الأحاديث على ما رُويتْ، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر، وما من عالم إلا وله زلّة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد فأُحرق ذلك الكتاب"، وقال الخطابي رحمه الله في [شرحه صحيح البخاري: 3/ 2091]: "وقال قائل: إنَّ الناس لما اختلفوا في الأشربة وأجمعوا على تحريم خمر العنب واختلفوا فيما سواه، لزمنا ما أجمعوا على تحريمه وأبحنا ما سواه، وهذا خطأ فاحش، وقد أمر الله المتنازعين أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، فكل مختلف فيه من الأشربة مردود إلى تحريم الله وتحريم رسوله الخمر، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: كل شراب أسكر فهو حرام، فأشار إلى الجنس بالاسم العام والنعت الخاص الذي هو علّة الحكم، فكان ذلك حجة على المختلفين" إلى أن قال: "وليس الاختلاف حجة!، وبيان السّنّة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين"، يشير الخطابي بكلامه هذا إلى قول بعض فقهاء الكوفة: إنَّ الخمر من العنب يحرم كثيره وقليله، وإنَّ ما كان من غير العنب يحرم منه الكثير المسكر ولا يحرم منه القليل الذي لا يسكر، وهو تفريق باطل يرده عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" [رواه أبو داود: (3681)] وغيره بإسناد حسن، وقال ابن الصلاح رحمه الله في [فتاويه: ص300]: "مع أنه ليس كل خلاف يُستروح إليه ويعتمد عليه!!، ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء وأخذ بالرخص من أقاويلهم تزندق أو كاد!"، وعزاه إليه ابن القيم في [إغاثة اللهفان: 1/ 228]، وقد قال الشاعر:
وليس كل خلاف جاء معتبراً          إلا خلاف له حظ من النظر
وقال الذهبي رحمه الله في [السير: 8/ 81]: "ومن يتبع رخص المذاهب وزلاّت المجتهدين فقد رقّ دينه"، وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه [إعلام الموقعين: 4/ 211]: "وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة  الغرض"، وقال أيضًا [3/ 300]: "وقولهم: إنَّ مسائل الخلاف لا إنكار فيها؛ ليس بصحيح؛ فإنَّ الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل، أما الأول فإذا كان القول يخالف سنّة أو إجماعًا شائعًا وجب إنكاره اتفاقًا، وإن لم يكن كذلك فإنَّ بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار، وكيف يقول فقيه: لا إنكار في المسائل المختلف فيها!!!، والفقهاء من سائر الطوائف قد صرّحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتابًا أو سنّة وإن كان قد وافق فيه بعضَ العلماء؟!، وأما إذا لم يكن في المسألة سنّة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على مَنْ عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا"، وقال الشاطبي رحمه الله في [الموافقات: 2/ 386]: "فإذا صار المكلَّف في كل مسألة عنَّت له يتبع رخص المذاهب وكلَّ قول وافق فيها هواه، فقد خلع ربقة التقوى، وتمادى في متابعة الهوى، ونقض ما أبرمه الشارع، وأخَّر ما قدَّمه"، وقال أيضًا [4/ 141]: "وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية حتى صار الخلاف في المسائل معدودًا في حجج الإباحة!!، ووقع فيما تقدم وتأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفًا فيه بين أهل العلم!!!، لا بمعنى مراعاة الخلاف فإنَّ له نظراً آخر، بل في غير ذلك، فربما وقع الإفتاء في المسألة بالمنع، فيقال: لِمَ تمنع والمسألة مختلف فيها؟! فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفًا فيها!!، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ على الشريعة؛ حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمدًا وما ليس بحجة حجة"، إلى أن قال: "والقائل بهذا راجع إلى أن يتبع ما يشتهيه، ويجعل القول الموافق حجة له ويدرأ بها عن نفسه، فهو قد أخذ القول وسيلة إلى إتباع هواه، لا وسيلة إلى تقواه، وذلك أبعد له من أن يكون ممتثلًا لأمر الشارع وأقرب إلى أن يكون ممن اتخذ إلهه هواه، ومن هذا أيضًا جعل بعض الناس الاختلاف رحمة للتوسع في الأقوال وعدم التحجير على رأي واحد!!... ويقول: إنَّ الاختلاف رحمة، وربما صرح صاحب هذا القول بالتشنيع على مَنْ لازم القول المشهور أو الموافق للدليل أو الراجح عند أهل النظر والذي عليه أكثر المسلمين، ويقول له: لقد حجَّرت واسعاً وملت بالناس إلى الحرج وما في الدين من حرج وما أشبه ذلك، وهذا القول خطأ كله وجهل بما وضعت له الشريعة، والتوفيق بيد الله"، وهذه النقول عن العلماء توضح فساد ما عليه التغريبيون المتبعون للشهوات، ومن كان على شاكلتهم!!!، ولاسيما كلام الشاطبي الذي كأنه يتحدث عن هؤلاء التغريبيين لانطباق كلامه عليهم بوضوح وجلاء، وهي نقول توضح أنَّ الحق في واد وأنَّ هؤلاء المتكلفين في واد آخر)) انتهى كلام الشيخ العباد بحروفه.
قلتُ: فأين منهج الحلبي والمأربي وأتباعهم من منهج الشيخ العبَّاد حفظه الله تعالى؟!.
فالواجب الانقياد للحجج وقبول البراهين، ولا يتعصب لقول دون آخر، ولا لقائل دون آخر بغير حجة ودليل، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بعد أن ذكر بعض المسائل الفقهية الاجتهادية [الفتاوى الكبرى: 1/ 164]:((وقد قال بكلِّ قول طائفةٌ من أهل العلم المشهورين؛ فمن صار إلى قولٍ مقلِّدٍ لقائله لم يكن له أن ينكر على مَنْ صار إلى القول الآخر مقلد لقائله. لكن إنْ كان مع أحدهما حجة شرعية وجب الانقياد للحجج الشرعية إذا ظهرت!، ولا يجوز لأحد أن يرجِّح قولاً على قول بغير دليل!، ولا يتعصب لقول على قول ولا لقائل على قائل بغير حجة!؛ بل مَنْ كان مقلداً لزم حل التقليد فلم يرجح ولم يزيف ولم يصوِّب ولم يخطِّئ!، ومن كان عنده من العلم والبيان ما يقوله سمع ذلك منه؛ فقبل ما تبين أنه حق، ورد ما تبين أنه باطل، ووقف ما لم يتبين فيه أحد الأمرين، والله تعالى قد فاوت بين الناس في قوى الأذهان كما فاوت بينهم في قوى الأبدان)).

الوقفة السابعة: أنَّ الشيخ العباد حفظه الله تعالى قد أشار أنه لا يقصد بـ (أهل السنة) الذين يُطالِب بالرفق بهم: الإخوان المسلمين أو القطبيين أو السروريين أو دعاة فقه الواقع الحركي أو الذين يطعنون بالحكام ويزهدون بالعلماء.
 فقد سُئل في الحرم يوم الثلاثاء الموافق 8/ 5/ 1424هـ عن مراده بأهل السنة في رسالته [رفقاً أهل السنة بأهل السنة]، فكان جوابه: (((الكتاب الذي كتبته أخيراً وهو "رفقاً أهل السنَّة بأهل السنَّة" لا علاقة للذين ذكرتهم في (مدارك النظر) بهذا الكتاب،  لا يعني الإخوان المسلمين!، ولا يعني المفتونين بسيّد قطب وغيره من الحركيين!، ولا يعني أيضاً المفتونين بفقه الواقع والنيل من الحكام وكذلك التزهيد في العلماء!، لا يعني هؤلاء لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يعني أهل السنَّة فقط، لا يعني هذه الطوائف، وهذه الفرق المنحرفة عن منهج أهل السنَّة والجماعة وعن طريقة أهل السنَّة والجـماعة)).
أقول: فكيف لِمَنْ يدخل الإخوان والتبليغ في مصطلح "أهل السنة والجماعة"، مثل المأربي وعدنان العرور والطيباوي، وكذلك الحلبي الذي أثنى على مقالات الأخير ونصح بها؛ أن يحتج بكلام الشيخ العباد؟!
وكيف لِمَنْ يدافع عن سيد قطب ويعظِّمه أن يحتج بكلام الشيخ العباد؟!
وكيف لِمَنْ يدخل الحوالي وسلمان العودة وعبدالرحمن عبد الخالق وغيرهم من الحركيين في أهل السنة؛ بل من علماء أهل السنة، أن يحتج بكلام الشيخ العباد؟!
 كيف لِمَنْ يعظِّم الحويني والمغراوي ومحمد حسان - جليس التكفيريين الغلاة - الذين ينالون من حكَّام المسلمين ويهيجون الناس في خطاباتهم، أن يحتج بكلام الشيخ العباد؟!
كيف لِمَنْ يطعن بالعلماء الراسخين الذين شهد لهم الشيخ العباد بالعلم، وينفَّر الناس عنهم بالأباطيل والتلبيس والتمويه؛ أن يحتج بكلام الشيخ العباد في رسالته؟!
أقول: ليس لهؤلاء حجة في كلام الشيخ العباد؛ لأنَّ الشيخ العباد لم يقصدهم في رسالته!، فلا يلبسوا الأمر على الناس.

الوقفة الثامنة: الشيخ العباد حفظه الله تعالى إنما قصد برسالته [رفقاً أهل السنة بأهل السنة] نصيحة لأطراف النزاع ومَنْ وافقهم أن يتركوا التجريح والتحذير في بعضهم البعض، وأن لا يشغلوا الشباب والمجالس بفلان وفلان، وامتحان الناس بهم، ومتابعة الردود فيما بينهم، وأن ينشغلوا بطلب العلم وتعليمه ونشره، وأن يوجِّهوا ردودهم إلى أهل البدع المعروفين بعدائهم الصريح للسلفية.
وهذه نصيحة من الشيخ العباد حفظه الله تعالى من وجهة نظره لما يراه من واقع مؤلم في حال المنتسبين للدعوة السلفية، وليست رسالة الشيخ العباد إدانة لمنهج الشيخ ربيع حفظه الله تعالى على الخصوص كما يصوِّره البعض!، كما إنها ليست إقراراً وموافقة للطرف الآخر!.
لكن أهل الأهواء يحاولون أن يستغلوا كلَّ كلمة لأهل العلم بالتأويل والخلط والتلبيس في نصرة منهجهم الباطل ولرد الحق وصدِّ الناس عنه.
ولنا أن نسأل الطرف الآخر – وهم أهل التهوين والتمييع - الذين يزعمون أنَّ كلمة الشيخ العباد جاءت لتؤكِّد إنكاره لما عليه الشيخ ربيع وإخوانه وطلابه من غلو في التجريح والتبديع:
1- هل يوجد في كلامكم ومقالاتكم ومنتدياتكم وكتابكم تحذير وتجريح أم لا يوجد؟!
أقول: لا يخفى على ذي عينين ما يجري في "منتديات كل السلفيين" من تحذير وتجريح بأفحش العبارات وأسوأ الكتابات لمنهج الشيخ ربيع وإخوانه وطلابه السلفيين!.
ولهذا لما سُئل الشيخ ربيع حفظه الله تعالى عن رسالة [رفقاً أهل السنة بأهل السنة]؛ كان من ضمن جوابه أن قال: ((ثم الكتاب في جملته النصيحة، والمآخذ التي فيه عليهم هم، هم الذين طعنوا في العلماء، وجرحوا بالكذب والفجور)). [تسجيل لقاء مع الشيخ بتاريخ11/ 5/ 1424)).
2- هل يوجد عندهم في منتدياتهم انشغال بكثرة الردود على المشايخ السلفيين، ومتابعة ردود الذين يردون عليهم، وغلظة وشدة في الردود، أم لا يوجد؟
أقول: لا يحتاج أن نبرهن على ذلك، فنظرة سريعة إلى منتدياتهم تلاحظ فيها ذلك بوضوح.
3- هل سهام كتاب "منتديات كل السلفيين" موجهة لأهل البدع المظهرين لعدائهم للدعوة السلفية أم موجهة للسلفيين؟!
أقول: بل نجد فيها مَنْ يدخل الإخوان المسلمين والتبليغ في مفهوم أهل السنة، وفيها مَنْ يدافع عن القطبيين  والحزبيين والمتأثرين بهؤلاء، وأما التجريح والتحذير فغالبه في الشيخ ربيع ومَنْ معه من السلفيين!!، ولا يُنكر هذا الأمر إلا جاهل أو مكابر.
قد يقول قائل حتماً: ومنتدياتكم ومواقعكم؛ أليس فيها تحذير وتجريح لنا ولمشايخنا؟!
فنقول: ونحن لا ننكر هذا، لكن وجه الإنكار أنكم جعلتم رسالة الشيخ العباد حفظه الله تعالى موجهة لنا فحسب!، وأنَّ تحذيره من فتنة التحذير والتجريح أراد به الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى وإخوانه وطلابه ومَنْ معه من السلفيين!!، وهذا هو محل التلبيس والتمويه الذي تستعملونه لخداع السذَّج من السلفيين والتلاعب على عقولهم.
بينما الشيخ العباد حفظه الله تعالى يقول: ((على كلِّ طالب علم ناصح لنفسه أن يُعرضَ عن متابعة ما يُنشر في شبكة المعلومات الانترنت، عمَّا يقوله هؤلاء في هؤلاء!، و هؤلاء في هؤلاء!)).
فلا تحمَّلوا رسالته أكثر مما تحمله من معاني النصيحة في ترك الردود ومجانبة التحذير والتجريح ووجوب الانشغال بالعلم ونشره، وهذا واقع من هؤلاء، وواقع من هؤلاء.

الوقفة التاسعة: الشيخ العباد حفظه الله تعالى أراد برسالته – في غالبها – الإنكار على الحدادية الغلاة؛ وهم أتباع فالح الحربي، وهم الطرف الثاني الحقيقي المقابل لأهل التهوين والتمييع.
قال الشيخ العباد حفظه الله تعالى: ((وقريبٌ من بدعة امتحان الناس بالأشخاص؛ ما حصل في هذا الزمان من افتتان فئة قليلة من أهل السنة بتجريح بعض إخوانهم من أهل السنة وتبديعهم، وما ترتَّب على ذلك من هجر وتقاطع بينهم وقطع لطريق الإفادة منهم، وذلك التجريح والتبديع منه ما يكون مبنياً على ظنِّ ما ليس ببدعة بدعة، ومن ذلك أيضاً حصول التحذير من حضور دروس شخص؛ لأنَّه لا يتكلَّم في فلان الفلاني أو الجماعة الفلانية، وقد تولَّى كبر ذلك شخص من تلاميذي بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية، تخرَّج منها عام (1395 ـ 1396هـ)، وكان ترتيبه الرابع بعد المائة من دفعته البالغ عددهم (119) خرِّيجاً!، وهو غير معروف بالاشتغال بالعلم، ولا أعرف له دروساً علمية مسجلة، ولا مؤلَفاً في العلم صغيراً ولا كبيراً، وجلّ بضاعته التجريح والتبديع والتحذير من كثيرين من أهل السنَّة، لا يبلغ هذا الجارحُ كعبَ بعض مَنْ جرحهم لكثرة نفعهم في دروسهم ومحاضراتهم ومؤلفاتهم، ولا ينتهي العجب إذا سمع عاقل شريطاً له يحوي تسجيلاً لمكالمة هاتفية طويلة بين المدينة والجزائر، أكل فيها المسئول لحومَ كثير من أهل السنة، وأضاع فيها السائل مالَه بغير حقٍّ، وقد زاد عدد المسئول عنهم في هذا الشريط على ثلاثين شخصاً، فيهم الوزير والكبير والصغير!!، وفيهم فئة قليلة غير مأسوف عليهم!، وقد نجا مِن هذا الشريط مَنْ لم يُسأل عنه فيه، وبعض الذين نجوا منه لم ينجوا من أشرطة أخرى له، حوتها شبكة المعلومات الإنترنت)). [كتاب ورسائل عبدالمحسن بن حمد العباد البدر/  طبعة دار التوحيد للنشر/  المجلد السادس من ص 320 إلى ص325].
أقول: فهؤلاء هم الطرف الثاني الذين اشتغلوا في فتنة التحذير والتجريح بما لا يستحق وفيمن لا يستحق. ولكنَّ أهل التمييع جعلوا المقصود من كلام الشيخ العباد السلفيين الذين لا يجرحون إلا بقادح مبين بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة فيمَنْ ناصحوه وأقاموا الحجج عليه وصبروا عليه سنين طوال، فلم يزده الصبر إلا غياً وانحرافاً وعناداً، حتى استكثر بمَنْ حوله ممن غرر بهم من الشباب السذَّج، فحينها وجد السلفيين أنفسهم مضطرين للتحذير من هؤلاء المعاندين نصحاً للأمة وكشفاً لأحوال أولئك، مع إنهم يعلمون ما سيعقب هذا التحذير من فرقة وفتنة بالنسبة لبعض الناس ومن تشميت بالنسبة لأعداء السلفية، ولكنَّ هذه الفتنة والفرقة أهون من السكوت على أباطيل وتلبيس أولئك.
قال العلامة الشاطبي رحمه الله تعالى في [الاعتصام 1/ 493]: ((فمثل هؤلاء لا بد من ذكرهم والتشريد بهم؛ لأنَّ ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير عنهم؛ إذا كان سبب ترك التعيين: الخوف من التفرق والعدواة!. ولا شك أنَّ التفرق بين المسلمين وبين الداعين للبدعة وحدهم إذا أقيم عليهم، أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين ومَنْ شايعهم واتبعهم، وإذا تعارض الضرران يركتب أخفهما وأسهلهما، وبعض الشر أهون من جميعه، كقطع اليد المتآكلة، إتلافها أسهل من إتلاف النفس، وهذا شأن الشرع أبدًا يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل)).

الوقفة العاشرة: وأما ما يُنكره الشيخ العباد حفظه الله تعالى على الشيخ ربيع حفظه الله تعالى أو ما لا يوافقه عليه؛ فهو أنَّ الشيخ العباد يرى أنَّ الفتنة التي حصلت بسبب الردود ومتابعتها والانشغال بها حصل بسببها تهاجر وتقاطع وتخاصم بين كثير من الشباب السلفي في كثير من البلاد، فكان يرى ترك الردود والرجوع إلى التأليف في نشر السنة والعلم النافع للأمة، وأنَّ هذا خير من الانشغال بالردود.
فقد سُئل الشيخ العباد حفظه الله تعالى السؤال الآتي: هذا السؤال نطرحه لكي يسجَّل وينتشر كما انتشر ضده، فضيلة الشيخ: ظهرت شائعةٌ حامل لوائها بعض أصحاب القلوب المريضة، يزعمون فيها كذباً أنك طعنت في الشيخ ربيع في درس من دروسك، ولا نظن أنهم يقصدون بذلك إلا ضرب العلماء بعضهم ببعض؛ فما قولكم في هذا؟ وما توجيهكم لهؤلاء؟ فنحن نريد أن يؤخذ الشريط وينتشر تبياناً لباطلهم.
فكان جواب الشيخ العباد:
((الشيخ ربيع يعني من المشتغلين بالعلم في هذا الزمان، وله جهود جيدة وجهود عظيمة يعني في الاشتغال في السنة، وكذلك التأليف له تآليف جيدة وعظيمة ومفيدة.
ولكنه في الآونة الأخيرة انشغل في أمور ما كان ينبغي له أن ينشغل بها، وكان ينبغي أن يشتغل بما كان عليه أولاً من الجدِّ والاجتهاد يعني في الكتابة المفيدة، وفي الآونة الأخيرة حصلت بعض الأمور لا نوافقه عليها، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياه لكل خير، وأن يوفق الجميع لما تحمد عاقبته.
وأنا لا أطعن فيه ولا أحذِّر منه، وأقول: إنه من العلماء المُتمكِّنين، ولو اشتغل بالعلم وجدَّ فيه لأفاد كثيراً، وقبل مدة يعني كانت جهوده أعظم من جهوده في الوقت الحاضر.
فأنا أعتبر الشيخ ربيع من العلماء الذين يُرجع إليهم، وفائدتهم كبيرة، ولكن كلٌ يؤخذ من قوله ويُرد، وليس أحد منا معصوم، ونحن نخالفه في بعض الأمور التي حصلت لا سيما في هذا الزمان، ما حصل من الفتنة التي انتشرت وعمّت، وصار طلاب العلم يتهاجرون، ويتنازعون، ويتخاصمون، بسبب ما جرى بينه وبين غيره.
حيث انقسم الناس إلى قسمين، وعمّت الفتنة وطمّت، وكان عليه وعلى غيره أن يتركوا يعني استمرار هذا الذي حصلت فيه الفتنة، وأن يتركوا الزيادة والاستمرار في ذلك، وأن يشتغل الكل في العلم النافع، دون هذا الذي حصل فيه التفرق وحصل فيه التشتُّت، وأسال الله عز وجل للجميع التوفيق)) [شرح الأربعين النووية  ج 18].
أقول: فأين أهل التمييع الذين يستترون خلف الشيخ العباد من قوله في الشيخ ربيع: ((وأنا لا أطعن فيه ولا أحذِّر منه))؟!
وأما مسألة كثرة الردود؛ فالشيخ العباد حفظه الله تعالى لا يُنكرها، كما قال في رده على فالح الحربي: ((ليس في الرسالة أنََّ الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لا يكثر الردود، بل ردوده كثيرة!، وقد جاء في الرسالة (ص51): "أن يكون الرد برفق ولين ورغبة شديدة في سلامة المخطئ من الخطأ، حيث يكون الخطأ واضحاً جلياً، وينبغي الرجوع إلى ردود الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله للاستفادة منها في الطريقة التي ينبغي أن يكون الردُّ عليها)).
فالشيخ العباد حفظه الله تعالى يُطالب بالرفق واللين والرغبة الشديدة في نصح المخطئ، ولا ينكر كثرة الردود على المنحرفين؛ ولو كثروا.
وهو حفظه الله تعالى القائل في كتابه [الانتصار لأهل السنة والحديث والرد على أباطيل حسن المالكي ص131]: ((إنَّ ما حصل من أهل السنَّة عند ظهور البدع من مقاومة لها ليس هو مجرد كلام في مقابلة كلام!، وإنما هو من قبيل بيان الحق عند ظهور الباطل، وهذا واجب على أهل السنَّة)).
وقال في [ص132]: ((وعلى هذا؛ فإنَّ ردود أهل السنَّة على أهل البدع عند ظهور البدع هو من قبيل بيان الحق عند ظهور الباطل، وليس مجرد ردود أفعال كما هو التعبير العصري)).
وسُئل الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في مكالمة هاتفية: ما قولكم على مَنْ ينشر كتاب ورسـالة الشيخ عبد المحسن العبــَّاد الأخيرة؟
فكان جوابه الشيخ حفظه الله تعالى: ((طيب؛ هذا بارك الله فيك ما يضرني، والمدح والثناء الذي قاله الشيخ ليش ما يعتبرونه؟!، يعني: العبَّاد قال هذا الكلام، والعلماء يُصوِّبُونَنِي جميعاً، إيش فائدتهم من هذا الكلام؟، والدفاع عن الحق يعني أمر مذموم!!، فين عقولكم؟!، يعني يستخفون عقولكم ويلعبون عليها هكذا. عالم واحد - خلافـه عشرات العلماء! - وقال مثل هذا الكلام؛ الحق مع مـَنْ؟!.
ثم الكتاب في جملته نصيحة، والمآخذ التي فيه عليهم هُم، هُم الذين طعنوا في العلماء وجرَّحوا بالكذب والفجور، والسلفيون لو أنهم أهل فِتن لفسَّروا كلامه ونشروه ضد هؤلاء، ولكن هم أهل فتن)).
أقول: وما أجمل ما قاله العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ((القلم الثاني عشر: القلم الجامع؛ وهو قلم الرد على المبطلين، ورفع سنّة المحقين، وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم، وتهافتهم، وخروجهم عن الحق، ودخولهم في الباطل. وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم. وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال. وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف للرسل. فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن)).

الوقفة الحادية عشر؛ وهي الأخيرة: نحن على يقين؛ أنَّ الشيخ العباد حفظه الله تعالى لو اطَّلع على كتابات الحلبي والمأربي وأتباعهما، وما فيها من تمييع للثوابت وتضييع للمسلَّمات، لما كان موقفه هذا، أقصد: مجرد النصح بترك تجريحهم أو التحذير منهم لكونهم من أهل السنة!، ولما استنكر هذه الغلظة أو الشدة في الردود عليهم!.
ويقيننا هذا لم يأتِ من فراغ؛ بل لعلمنا من عدم رضاء الشيخ العباد بأهل البدع، وأنه يصدع بالحق في وجوههم إذا ظهرت له مخالفاتهم، ولا يخشى في الله لومة لائم.
فقد صدع الشيخ العباد بالحق في مقدمة كتاب [مدارك النظر] حين كشف أحوال دعاة ينسبون أنفسهم إلى أهل السنة أيضاً؛ وهم سلمان العودة وسفر الحوالي وعائض القرني وناصر العمر ومحمد المسعري، فتكلَّم فيهم، وحذَّر منهم، ولم يمنعه من الكلام فيهم موقف غيره من أهل العلم المخالف له!، ولم يلتفت لكونهم ينسبون أنفسهم إلى أهل السنة!.
وفي وقتنا المعاصر؛ لما اطَّلع الشيخ العباد على شيء مما عند عدنان عرور – ولعلَّ أحد المقربين للشيخ أطلعه على طوام هذا الرجل– لم يسكت عنه!، ولم يلتفت لكونه ينسب نفسه للسنة والعلم!، ولم يلتفت لما عنده من دروس ومحاضرات!؛ فقال فيه مصرِّحاً كما في جلسة مسجَّلة: ((أَنا نَصيحَتي لكُم أنَّكُم لا تَشتَغلُونَ بِكلامِه ولا بِقواعدِه!، ولا تَلتفتُونَ إلى ما عندَهُ!، لأنَّ عندَه تخليط!!، وأنا سبقَ وأن اِطَّلعتُ على شيءٍ من كلامِه، وَرَأيتُ فيهِ كلاماً مَا يَصلح ولا يَنبَغي، ولهذا ينبَغي اجتناب يعني كلامه، وعدم الاهتمام والاشتغال بهِ، والإنسَان يَشتغل بِكَلام العُلمَاء المحقِقين مثل أشرطَة الشيخ ابنُ باز، والشيخ العُثيمين، وأشرطَة الشيخ الفَوزَان، وأشرطَة الشَيخ عَبد العزيز آل الشيخ، وغيرهم منَ المشَايخ المعتمدين والمأمون جانبهم. وأما الأخ عدنان عرعور فأنا سبق وأن اطلعت على شيء من كلامه ورأيتُ أنَّ عنده تخليط ما يصلح أن يلتفت إليه، ولا أن يشتغل بكلامه، هذا كلامي باختصار بدون حاجة إلى أن تذكرون قواعده وغير قواعده)).
فقال له السائل: نصيحة أخيرة؛ هل تُحضر دروسه؟
فكان جوابه حفظه الله تعالى: ((والله ما ينبغي أن تحضروا دروسه)).
أقول: فالشيخ العباد حفظه الله تعالى لما اطلع على شيء من كلام عدنان عرور، وجد عنده تخليط، فنصح بعدم الأخذ عنه، وحذر من حضور دروسه، فكيف لو اطَّلع على كل انحرافاته؟!
ولو اطَّلع الشيخ العباد على تمييع القوم وما آل إليه أمرهم؛ فهل يسكت عنهم أو يُطالب بالسكوت عنهم؟!
لا يسكت عنهم أبداً.
وهل يقبل أهل التمييع هذا الجرح والتحذير من عدنان عرور؟!
أم سيقولون: عدنان عرور من أهل السنة، وعلينا الأخذ بنصيحة العباد في رسالته [رفقاً أهل السنة بأهل السنة]، ولا نقبل جرحه وتحذيره؟!!
ثم الكثير ممن يجرحهم الحلبي وأتباعه اليوم مثل محمد إبراهيم شقرة وسليم الهلالي وسلمان العودة وسفر الحوالي وعبد الرحمن عبد الخالق يعدهم البعض من أهل السنة!؛ فهل لهم أن يحتجوا برسالة العباد [رفقاً أهل السنة بأهل السنة] في ردِّ تجريحهم والتحذير منهم؟!
أقول: ولهذا أشار الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى قبل قراءة رسالة الشيخ العباد حفظه الله تعالى لما سُئل عنها فقال: ((أنا لم أقرأ كتاب الشيخ عبدالمحسن، ولكن أعلم، بل علمتُ بالتجربة أنَّ أهل الأهواء ينتهزون فرصة سانحة لبعض ما يصدر للمشائخ أهل السنة فيؤولونه لصالحهم وإن لم يكن في صالحهم!. فالشيخ عبدالمحسن حسب العنوان الذي أطلعتُ عليه يوصي أهل السنة ببعضهم، أقول: يوصي أهل السنة ببعضهم، وهذا أمر متفق عليه، كل من أدركنا من علمائنا ومشائخنا ومنهم الشيخ عبدالمحسن حفظه الله هذه وصيته لنا، ونحن إن شاء الله عليها؛ لكن:
أولاً: نقول مَنْ هم أهل السنة؟ فليس كل مَنْ أدعى السنة هو من أهل السنة!!.
ثانياً: الشيخ عبدالمحسن وغيره من مشائخنا وعلمائنا إذا علموا صاحب بدعه لا يقرونه على بدعته، ولهم مواقف صارمة من أهل الأهواء)).


وأخيراً:
أختم بما قاله الشيخ ربيع حفظه الله تعالى؛ لما سُئل بعد ما ألقى محاضرة عبر الهاتف لأهل دار الحديث السلفية بالشحر في اليمن عصر يوم السبت12 جمادى الأولى1424 هجري، والســؤال هو: هنا أمر أوراق انتشرت - وهي المشهورة المعروفة عندكم – [رفقاً أهل السنَّة بأهل السنَّة]، ويثيرها وينشرها بعض أهل الفتن، وتوَّزع مجاناً، ويستغلها أهل السوء، فهل من نصيحة لجميع الأطراف فيما يتعلق بهذه الورقة حفظكم الله؟!
فكان جواب الشيخ ربيع: ((بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
فإنَّ البشر يخطئون ويصيبون مهما بلغوا من العلم والفضل، وإنَّ هذه الرسالة أنا أعتبرها في الأصل نصيحة؛ وإنْ كان عليها بعض الملاحظات.
لكن الطرف الذي فرح بها ووزَّعها في الحقيقة هو الـمَدين، وهو الظالم، وهو المعتدي، وهو البادئ بالفتن والمستمر فيها.
والطرف الآخر - الذين يوزِّعون هذه الأوراق ضده - هم المظلومون والمعتدى عليهم؛ لكنّ هؤلاء على طريقة الحزبيين المكرة، يقلِّبون الأمور، ويجعلون ما عليهم من المآخذ يجعلونها على الآخرين.
الحقيقة أنَّ الشيخ العبَّاد يريد أن يُطفئ الفتنة، ولكنهم ألهبوها من جديد بهذا التصرف، كان ينبغي أن يستفيدوا من ملاحظاته التي لا تنصب إلا على رؤوسهم، والمآخذ التي لم تصدر إلا منهم، ومنها الطعن في العلماء ومحاولة إسقاطهم، وكلما قال عالمٌ حقّـاً  يـُدين به ظلماً وباطلاً بادروا إلى إسقاطه؛ فهذه جريمتهم.
أما السلفيون فهم والله حُمَاة، وذابُّون عن العلماء وأعراضهم، وهذه كتبهم - وبحمد الله - شاهدةٌ بذلك، وأشرطتهم ومواقفهم شاهدةٌ بذلك، [كلمة غير واضحة] الذي ذكر فيه: أنَّ الشباب يطعنون في العلماء!، هذا السلفيون شيبهم وشبابهم برآء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
هم الطاعنون في العلماء، هم المعتدون على العلماء، هم المعتدون على أهل السنَّة، هم المفترون عليهم؛ والذي قاله الشيخ العبَّاد قليلٌ من كثير، فكان تكفيهم هذه الإشارة، كان تكفيهم هذه الإشارة.
الشيخ العبَّاد لا يعتقد في ربيع ومَنْ معه أنهم يطعنون في العلماء لا كباراً ولا صغاراً، لا يعتقد فيهم، وإنما - والله أعلم - هذه إشارة منه إلى هؤلاء الظلمة الحزبيين الهالكين؛ إشارةً إليهم لكن لم يستفيدوا!.
أَفهِمُوا الناس أنهم هم الذين يطعنون في العلماء!، وأنهم هم الذين بدؤوا بالظلم!، وأكثر الناس عندكم يعرفون هذه الحقائق فزيدوهم بصيرة بهذا، وأحبطوا كيدهم ومكرهم؛ فإنَّ هذا من مكائد الحزبيين.
وقد أصدر الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى نصيحة إلى الشباب - نصيحة عامَّة - فهبّ الحزبيون إلى تفسيرها بغير ما يريد الشيخ ابن باز  رحمه الله تعالى، فوجَّه لهم ضربة قاصمة ونفى الظنون عن أهل المدينة ومدحهم وأثنى عليهم، وطعن في هؤلاء الحزبيين الظالمين الذين يجعلون الحق باطلاً والباطل حقاً، أثنى على أهل المدينة خيراً، ثم قال عن هؤلاء الذين فسَّروا بيانه بالكذب والغش واللبس والتلبيس، قال: "أما دعاة الباطل وأهل الصيد في الماء العكر فهم الذين يشوشون على الناس ويقولون المقصود بالكلام كذا وكذا".
فأنا الآن أطلبُ من الشيخ العبَّاد أن يضرب هؤلاء مثل ضربة الشيخ ابن باز، يُبــيِّن أنَّ أهل المدينة هم أهل السنَّة، وكذلك إخوانهم أهل اليمن. وأما هؤلاء فهم دعاة الباطل وأهل الصيد في الماء العكر؛ فلقد – والله - اصطادوا في الماء العكر بعد دعوتهم الطويلة المديدة إلى الباطل، الدعوة المؤصَّلة والمؤصِّلةِ للباطل التي قامت على أصول فاسدة تهدف إلى هدم المنهج السلفي، وإلى إيذاء أهله.
وأذكِّر العبَّاد بأنَّ هؤلاء هم الذين ابتدءوا بالحرب والفتن، وبدؤوا بالكذب والظلم والطغيان، ولم ينتهوا بعد. ثم إنهم يتوجون هذه الأعمال الرديئة بتوزيع هذا الكتاب كأنه لهم!!، وكأن العبَّاد ما كتبه إلا لنصرتهم!!!، ونسوا ما ارتكبوه من الفضائح والظلم والاعتداء؛ بارك الله فيكم.
فبيّـنوا للناس أنَّ هذا الكتاب في حقيقته ضدهم - إن شاء الله - سواءً قصد هذا الشيخ العبَّـاد أو لم يقصد!، وأنا أرجو أن يكون قاصداً ذلك، إنه ضدهم بأنهم هم المعتدون على أصول المنهج السلفي وعلى شيوخه!، هم الذين جاؤوا بالأصول الهدّامة الفاسدة الكاسدة للمحاماة عن أهل البدع والضلال، وارتكبوا ما ارتكبوه من أشياء قد بيّنتها وبيّـنها غيري.
وهذه اللفتة تكفي، وانشروها ليتبصَّرَ الناس، وأكدّوها بما تجدون فيه من المطاعن التي لا تنطبق إلاّ عليهم من الجرح والتعديل بالباطل!، ومن الطعن في العلماء!، ومما هو شرٌ من التبديع من رمي الناس بالغـــثائية، وأنهم أراذل، وأنهم أقزام، وأنهم خلاصة ما يقولونه في هذه المواقع، وبيِّنوا للناس هذا الأمر - بارك الله فيكم - حتى يُحبط الله كيدهم ومكرهم، وانشروا هذا الشريط في كل مكان؛ وفقكم الله لما يُحبه ويرضاه)).
وأسأل الله تعالى أن يوفِّق الجميع لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا الإخلاص والسداد في الأقوال والأعمال والأحوال والأحكام، إنه ولي المؤمنين.
                      
كتبه
أبو معاذ رائد آل طاهر
الاثنين 21 من شهر الله المحرم 1432ﻫ
الموافق: 27/ 12/ 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.