الحمد لله والصلاة والسلام على
رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
يظهر أنَّ مقالي [الحاوي في كشف سفسطات مختار
الطيباوي] كان له
أثر ظاهر في بيان حال هذا الرجل الذي يتستر بالسلفية، والذي نفخ فيه القوم حتى صار
يظن أنَّه أسدٌ!!؛ إذا زأر على أحد فرَّ منه، وحاله على الحقيقة كما قال القائل:
ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
أو كما قال الآخر:
أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة ... ربداء تجفل من صفير الصافرِ
ولا يدري الطيباوي أنَّ أسود
السنة له ولأمثاله بالمرصاد لا يخشون أحداً إلا الله عز وجل، ولا يرجون إلا هو
سبحانه، وقد ردُّوا على شيخه (الحلبي) الذي يزكيه وينصح بمطالعة مقالاته ولم يرجف
لهم بنان، أفيخشون من الطيباوي؟!
فكيف ومقال [الحاوي..] السابق ليس
رداً، وإنما مجرد كشف لتأصيلات هذا المتعاظم المنتفخ؟!
لأني – أظن في نفسي – أنَّ السلفي
البصير يكفيه أن يطلع على هذه التأصيلات ليلاحظ الهاوية التي سيقع فيها كل مميع
إنْ ظل يسير خلف الحلبي وأتباعه!.
وأما لو فكرتُ أن أردَّ عليه لطال
معه الكلام؛ وهو لا يستحق حقاً مثل هذا المقام!.
وأما المصفِّقون للطيباوي على
مدارج منتديات كل السلفيين!، فقد ثبتَ إفلاسهم ولله الحمد، وصدق ظني فيهم أنهم
عاجزون عن الرد، فراحوا يستنجدون بالطيباوي ويصنعون له الدعايات!، وإنما حالهم
كغريق يستنجد بمثله أو بمَنْ لا يعرف السباحة، فلا يجد إلا الصياح!!، فحالهم كما
قال القائل:
المستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار
وأما تهديداتهم وما يتوعَّدون به
من ردود الطيباوي عليَّ؛ وما وصفوني به من أوصاف، فأذكِّرهم بقول القائل:
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وفي أثوابـه أسد هصورُ
بغاث الطير أطولها جسوماً .... ولم
تطل البزاة ولا الصقورُ
وأما الطيباوي الذي توعَّدني
بالرجم؛ فجوابي له هو قول القائل:
زعم الفَرَزدَقُ أن سيقتُلُ مِرْبعاً ... أبشِرْ بطـولِ سلامةٍ يا مـِرْبَعُ
ورأيتُ نَبْلك يا فرزدقُ قَصَّرَت ... ورأيتُ قوسَك ليس فيها مَنزعُ
إنَّ الفرزدق قـد تبين لـؤمُه ... حيث التقى حششاؤه والأخدعُ
وحتى لا أشغل القارئ ولا
أضيع وقته فيما قالوه فيَّ من أوصاف، وفي ردِّ ذلك، لهذا سوف أدخل في مناقشة شبهاتهم
فقط:
قال الأخ المهاجر وفقني
الله تعالى وإياه إلى السداد:
((أمّا عن اعتراض الأخ رائد حفظه الله على منهج المقارنات
-كما يسمّيه- فالحقّ أنّ تلك المقارنات - الإلزامات -
تنفع في معرفة مدى إلتزام المنتقد للأصول التي يدّعي الإحتكام إليها،
فإن أطرد
أحكامه على جميع من وقع في مثل القول المنتقد عنده علم صدقه وتجرّده)).
أقول لهذا الأخ:
منهج المقارنات الذي تدندنون حوله دائماً - وهو: لماذا لا
تبدعون فلاناً كما بدعتم فلاناً؟ ولماذا لا تدافعون عن فلان كما دافعتم عن فلان؟ -
يدل على أنكم لا تفرقون بين رجل وقع في انحراف منهجي وأقيمت عليه الحجج والأدلة وأصر
وعاند وتمادى في الباطل، وبين آخر لا يعلم ولم تقم عليه الحجة ولم يصر على الباطل بعد
معرفته به، أو لا زال في مرحلة المناصحة والصبر عليه لعله يرجع عن انحرافه، أليس من
الظلم المساواة بين هذا وذاك؟!.
قال
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [المجموع 4/ 195]: ((وقد يُغفر له لأجل تأويل إذا كان مجتهداً الاجتهاد الذي يعفى
معه عن المخطئ؛ لكن لا يجوز إتباعه في ذلك كما قال تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون الله". فمن أطاع أحداً في دين لم يأذن الله به من تحليل أو تحريم
أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من هذا الذم نصيب كما يلحق الآمر الناهي. ثم قد يكون
كل منهما معفواً عنه؛ فيتخلف الذم لفوات شرطه أو وجود مانعه، وإنْ كان المقتضي له قائماً.
ويلحق الذم: مَنْ تبين له الحق فتركه، أو قصَّر
في طلبه فلم يتبين له، أو أعرض عن طلبه لهوى أو كسل؛ ونحو ذلك)).
وكذلك الدفاع عن عالم يجاهد أهل البدع وهو بصير بالأحزاب
وحامل لواء الجرح والتعديل بحق بشهادات أكابر العلماء الذين تنسبون منهجكم لهم!، ولم
يتغير عن حاله قديماً ولا حديثاً بشهادتكم!، وبين آخر انقلب على عقبيه وصار يعتذر مِنْ
مواقفه الأصيلة قديماً في صد عدوان أهل البدع ويسميها غلواً يسأل ربه أن يتجاوز عما
كان منه!، بل صار يقول بقواعد تخالف ما كان يقوله في علم الحديث!، بل ويقف مع كل صاحب
هوى كان يجرحه قديماً!، وهذه الأمور لا أحتاج إلى تفصيلها هنا، فقد ذكرتُها في كتابي
[البراهين العتيدة في كشف أحوال وتأصيلات علي الحلبي
الجديدة].
فكيف يستوي هذا بذاك؟!
ويكفيني هنا أن أذكِّرك أخي بقول شيخ الإسلام
رحمه الله تعالى في [المجموع 29/ 43-45]: ((وسبب الفرق بين "أهل
العلم"، و"أهل الأهواء"؛ مع
وجود الاختلاف في قولِ كلٍّ منهما:
أنَّ
"العالم" فعل ما أمر به من حسن القصد والاجتهاد، وهو
مأمور في الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله وإنْ لم يكن مطابقاً؛ لكن اعتقاداً ليس
بيقيني؛ كما يؤمر الحاكم بتصديق الشاهدين ذوي العدل وإنْ كانا في الباطن قد أخطئا أو
كذبا، وكما يؤمر المفتي بتصديق المخبر العدل الضابط أو بإتباع الظاهر فيعتقد ما دل
عليه ذلك وإنْ لم يكن ذلك الاعتقاد مطابقاً، فالاعتقاد الذي يغلب على الظن هو المأمور
به العباد وإنْ كان قد يكون غير مطابق، ولم يؤمروا في الباطن باعتقاد غير مطابق قط.
فإذا اعتقد العالم اعتقادين متضادين في قضية أو قضيتين مع قصده الحق وإتباعه لما أمرنا
بإتباعه من الكتاب والحكمة: عُذر بما لم يعلمه، وهو الخطأ المرفوع عنا.
بخلاف
"أصحاب الأهواء" فإنهم إنْ يتبعون إلا الظن وما
تهوى الأنفس، ويجزمون بما يقولونه بالظن والهوى جزماً لا يقبل النقيض مع عدم العلم
بجزمه؛ فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده لا باطناً ولا ظاهراً، ويقصدون ما لم يؤمروا
بقصده، ويجتهدون اجتهاداً لم يؤمروا به، فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي
مغفرة ما لم يعلموه؛ فكانوا ظالمين شبيهاً بالمغضوب عليهم أو جاهلين شبيهاً بالضالين.
و"المجتهد
الاجتهاد العلمي المحض" ليس له غرض سوى الحق وقد سلك
طريقه.
وأما
"متبع الهوى المحض" فهو مَنْ يعلم الحق ويعاند عنه.
وثم
قسم آخر؛ وهو غالب الناس!: وهو أن يكون له "هوى
فيه شبهة" فتجتمع الشهوة والشبهة، ولهذا جاء في حديث مرسل عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "إنَّ الله يحب البصر الناقد عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل
عند حلول الشهوات".
فـ"المجتهد
المحض" مغفور له ومأجور.
و"صاحب
الهوى المحض" مستوجب العذاب.
وأما
"المجتهد الاجتهاد المركب من شبهة وهوى" فهو
مسيء.
وهم
في ذلك على درجات بحسب ما يغلب، وبحسب الحسنات الماحية، وأكثر المتأخرين من المنتسبين
إلى فقه أو تصوف مبتلون بذلك)).
والله تعالى يقول:
((هَلْ يَسْتَوِي
الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ))؟
وكذلك ليس كلُّ بحر عذباً:
((وَمَا يَسْتَوِي
الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)).
أما سؤال أبي تركي:
((فمن المضطرب في مسائل الإيمان؟!))
جوابي لك:
المضطرب هو شيخكم الحلبي الذي كان يثبت قديماً التفريق بين
أصل الإيمان وبين فرعه وكماله!، ثم في مقاله الجديد: صار يعدُّ التفريق بينهما محدثاً!!.
وأما الشيخ ربيع حفظه الله تعالى فقد ذكر معتقده بكل وضوح،
وبيَّن حكم كل صورة من صور ترك العمل بحسبها، ولكنك تجهل أنَّ مسألة تارك العمل لها
أكثر من صورة.
ثم لو كان له أكثر من قول في التكفير وعدمه؛ فلا يضر، وللإمام
أحمد رحمه الله تعالى في تكفير تارك المباني الأربعة خمسة أقوال!.
هل يعد هذا منه اضطراب؟!
وأما بدر الدين الجزائري:
فانصحه أن يتعلم أبجديات الكتابة أو كيفية الكتابة بالحاسوب
قبل أن يرد!. ومن أغلاطه:
فلتت .. حمات.. صلتهم.. الرضعلة.. الحفظات.. البقونية.. ناظرينِ..!!
هذا مع ركاكة في الأسلوب تدل على صغر سنه وقلة فهمه!؛ المسكين
لا أدري مَنْ أقحمه!. أسأل الله تعالى لي وله الهداية والتوفيق للحق.
وهذا حاله في مجرد كليمات علَّق بها، فكيف لو كتب مقالاً؟!!
وأما أبو سارية:
فدعك يا أخي من التحريش بين السلفيين؛ فهذه صفة الشيطان!!.
وأما منهجكم في المقارنة؛ فقد تقدَّم الرد عليه.
وأما ما استدللتَ به من كلام الشيخ أحمد بازمول وفقه الله
تعالى، فهو حق، وهي كلمة تكتب بماء الذهب، لأنَّ كثيراً من الناس جعل التزكيات مانعاً
من التجريح إذا ظهر تغيره بعد التزكية!.
لكن السؤال: هل الشيخ ربيع حفظه الله تعالى تغير؟! هذه نقطة
البحث فانتبه يا أخي.
وأنا قد ذكَّرتكم بشهادة شيخكم الذي يقول أنه كان لا يرتضي
مثل هذا الغلو عند الشيخ ربيع منذ عام 1991!!، وشهادة مشرفي منتدياتكم أنَّ فتنة التجريح
الذي قادها الشيخ ربيع – كما يصفونها -كانت منذ فترة 1995!!.
أي: قبل صدور التزكيات من أهل العلم؟!
فالتزكيات جاءت بعد ذلك!!
فماذا يعني لكم؟!
أم هي عنزة ولو طارت!!!
أما طلبك مني أن أذكر أسماء الحركيين الذين لم يرتض شيخكم
ردود الشيخ ربيع فيهم، وسماه نوع غلو، فانصحك أن تقرأ كتاب شيخك [رؤية واقعية في المناهج الدعوية]!، وانظر إلى أسمائهم في الهوامش!!، ولا تغفل عن طريقة شيخك
في الكتابة والردود والنقد!.
وأما وصف الإمام الألباني رحمه الله تعالى للشيخ ربيع حفظه
الله تعالى بخصوص شيء من الشدة في الأسلوب، فجوابه مفصَّل في مقالي [لا جديد في وثائق منتديات كل السلفيين]، فلا حاجة للإعادة هنا.
وأما باقي كلامك؛ فاعذرني أخي لم أجد فيه ما يستحق الجواب
عنه!.
أما الأخ أبو زيد2:
فمسألة خبر الثقة، ومسألة الجرح المفسَّر؛ تجد التفصيل فيهما
في كتابي [البراهين العتيدة في كشف أحوال وتأصيلات علي
الحلبي الجديدة]، فقد أفردتُ لهما مبحثين.
لكن لا بأس أن أنقل لك في مسألة "خبر الثقة"
هذا المقطع من الكتاب:
((قد نصَّ
الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى على عدم التفريق في كلام الثقات في الأعيان بين الإخبار
والوصف فقال [توضيح الأفكار: 2/ 118-119]: {والحاصل: أنَّ الدليل قد قام
على قبول خبر العدل؛ إما عن نفسه بأنْ يخبر بأنه ابن فلان أو أنَّ هذه
داره أو جاريته، فهذا لا كلام في قبول خبره عنه بالضرورة الشرعية، بل يقبل خبر
الفاسق بذلك، بل أبلغ من هذا أنه يجب قبول قول الكافر: لا إله إلا الله؛ ويحقن دمه
وماله ونعامله معاملة أهل الإيمان لأخباره بالتوحيد وإنْ كان معتقدًا لخلافه في نفس الأمر
كالمنافق.
وإنْ كان خبره عن غيره كروايته
للأخبار قُبل أيضًا، وإنْ كان عن صفة غيره بأنه عدل
أو فاسق قُبِل أيضًا؛ إذ الكل خبر عدل!!، وقبول خبره
ليس تقليدًا
له؛ بل لما قام عليه من الدليل في قبول خبره، هذا تقرير كلام أهل الأصول
وغيرهم،
ولنا فيه بحث أشرنا إليه في أوائل حاشية ضوء النهار}.
قلتُ: فجعل الصنعاني ما يخبر به الثقة من حال الراوي ووصفه
- أو الحكم - عليه بأنه عدل أو فاسق؛ كل ذلك من قبيل خبر الثقة، فأين تقسيم الحلبي
من هذا؟!)).
أما قولك: ((تحتاج أن تثبت أنها ليست
من مسائل الاجتهاد))
أي: وجوب قبول خبر الثقة!
فجوابه السريع قولك بعد: ((فحين تحتج على منازعك في وجوب قبول حكم الثقة بوجوب قبول خبر الثقة، ويصرح لك جهارا أني لا أنازعك
في هذا الأخير، وهو محل وفاق بيننا)).
وكلامي كان في (وجوب قبول خبر الثقة)!، وهو محل وفاق فأين
الاعتراض؟!.
وأما جوابه العلمي فهو
أنَّ الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى قال في الكفاية: ((وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء
الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك،
ولا اعتراض عليه، فثبت أنَّ من دين جميعهم وجوبه؛ إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل
به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه، والله اعلم)).
وراجع [باب ذكر بعض الدلائل
على
صحة
العمل
بخبر الواحد ووجوبه] في الكفاية للخطيب البغدادي.
وأما التفريق المحدث بين الخبر والحكم في هذه المسألة؛ فجوابه
ما تقدم من كلام الصنعاني، حيث جعل رواية الأخبار ووصف أحد الرواة بأنه عدل أو فاسق؛
كل ذلك خبر عدل.
وأما مسألة الجرح:
فقد قال العلامة اللكنوي
رحمه الله تعالى في الرفع والتنكيل: ((فالحاصل:
إنَّ الذي دلت عليه كلمات الثقاب وشهدت به جمل الأثبات هو: أنه إنْ وجد في شأن راو
تعديل وجرح مبهمان قدم التعديل، وكذا إنْ وجد الجرح مبهماً والتعديل مفسراً قدم التعديل،
وتقديم الجرح إنما هو إذا كان مفسراً سواء كان
التعديل مبهماً أو مفسراً؛ فاحفظ
هذا فانه ينجيك من المزلة والخطل، ويحفظك عن المذلة والجدل)).
قلتُ: تقديم الجرح المفسَّر
على التعديل المبهم؛ قاعدة ثابتة في علم الحديث، وهي مبنية على تقديم قول مَنْ عنده
زيادة علم، وتقديم المبيَّن بالأدلة والبراهين على المبهم، وهذا لا ينازع فيه أحد!.
ولكن أتباع الحلبي صاروا ينازعون في المسلَّمات؛ وهذه من سفسطاتهم، والله المستعان.
نعم ((قد يقدم التعديل على الجرح المفسَّر أيضاً لوجوه عارضة تقتضي
ذلك)) كما قال اللكنوي بعد.
لكن ما هو الأصل؟
الأصل هو: وجوب تقديم الجرح
المفسَّر على التعديل المبهم.
والاستثناء لعارض لا ينقض
الأصل والقاعدة؛ كما هو معلوم.
قال العلامة ابن الوزير
في الروض الباسم: ((وإيّاك والاغترار بقول
الأصوليين: إنَّ الجرح المفسّر مقدّم, فإنّ الرّجال ما أرادوا إلا تلك الصّورة التي
نظروا فيها إلى تجرّدها عن جميع الأمور إلا الجرح المفسّر والتّعديل المجمل, وهذه الصّورة لم يخالف فيها)).
قلتُ: فما معنى ((وهذه الصّورة لم يخالف فيها))؟!
استدراك: إلا الحلبي وأتباعه!
أما قولك أخي: ((فعليك
الإثبات – بالقطع لا بالظن – القطع البين الذي تنقطع معه التأويلات السائغة والمعاذير المقبولة
أنَّ هذا جرح مفسر واضح للملزَم (اسم المفعول به)))
أقول لك:
شيخكم الحلبي يرد الأدلة
ولو كانت واضحة!، ويرد البراهين ولو كانت قاطعة!، إلا بشرط قناعة المخالِف، وانقل لك
مقطعاً من كتابي [البراهين العتيدة]:
((ومما يؤكِّد ذلك أنَّ الحلبي نقل كلامًا للشيخ ربيع حفظه الله تعالى في هامش
كتاب منهج السلف الصالح جاء في آخره ص259: {عليكم أن تنظروا في الأدلة وتأخذوا بها
كما فعل العلماء وطلاب الحق الصادقون، ولا يجوز لكم أن تخالفوا العلماء الذين حكموا
على فلان أو فلان بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة؛ فهذا هو المنطق الذي قرره القرآن
والسنة وعلماء الإسلام، بخلاف ما يقرره بعض الخارجين ويدعون إليه من التقليد الأعمى
مخالفين في ذلك هذا المنهج العظيم}.
فعلَّق الحلبي بقوله: {قلتُ: قوله [بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة] أي إذا اقتنعوا بها وظهر لهم وجه الحق فيها كما تقدَّم
تقييده بذلك مرارًا منه!، أما إذا لم يقتنعوا
بها – وهذا ممكن جدًا وإلا ما حصل اختلاف قط
– فلا سبيل معهم إلا النصح والتفاهم والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وأما إلزامهم بما لم يقتنعوا به وأطرهم على أن يقولوا بما لم يؤمنوا به: فهذا وجه آخر لذلك
التقليد، بل أقبح!!. ثم لو كان الجرح من حيث الواقع واضحًا قاطعًا لما اختلفوا فيه
أصلًا، فتأمل}.
أقول: فالحلبي لا يلزم
بالأدلة ولو كانت واضحة!، ولا بالبراهين ولو كانت قاطعة!، وإنما شرط الإلزام عنده أن
يقتنع الملزَم، فإنْ لم يقتنع فلا سبيل لنا عليه إلا النصح والتفاهم من غير إنكار ولا
تجريح ولا تشنيع!)).
فيا أخي أبا زيد:
أي قطع، وأي وضوح تطالبنا
به، وشيخك هذا مذهبه؟!!
أما قولك: ((فقد
جُرِحَ الشيخ ربيع، والشيخ عبيد بجروح قادحة، مفسرة بينة)).
قلتُ:
أذكر لنا ما هي الجروح
القوادح؟!
ومَنْ الذي جرحهما؟!
وما هي الأدلة والبراهين
عليها؟!
كما صنعنا مع شيخكم الحلبي،
ومن قبله المأربي، وعرور، والحويني، ومحمد حسان، والمغراوي.
والدعاوي ما لم تقيموا عليها
... بينات أصحابها أدعياء
أما قولك: ((قال
الأخ رائد: [وهل حمل المجمل على المفصَّل لحماية أهل البدع من الإدانة والتجريح؛
من مسائل
الاجتهاد؟])) وما بعده من تهويل وحَيدة!.
فيكفي فيه يا أخي أن تجيب على السؤال، ولا أظنك
تخالفنا في الجواب!.
وإن أردتَ مثالاً على ما قلتُ، فعليك أن تقرأ كتاب
المأربي [الدفاع عن أهل الاتباع] وذكر منهم – كما صرح مراراً
وتكراراً – حسن البنا وسيد قطب وقيادات الإخوان والتبليغ وأتباعهم!!!.
أليس الدفاع عن هؤلاء محاماة لأهل البدع أم لا؟!
أم أنك تفرق بين الدفاع والمحاماة كالمحاكم العصرية؟!
أما قولك: ((ثم لماذا لا
تأتي بالضوابط التي ضبطت بها هذه القاعدة ومن أهمها (أنها في إطار أهل السنة) فهل صححوا لسيد قطب؟ أم الغزالي؟
أم البوطي؟ أم النبهاني؟ أم .. ؟ أم..؟))
قلتُ: بل ضُبطت في صنفين من الناس:
الأول: سني
وقع في بدعة.
الثاني: مبتدع!!!.
كما صرَّح بذلك شيخكم فلا تغفل!!.
قال
الحلبي: ((لا يجوزُ أنْ نجعلَ خِلافَنا "الاجتهاديَّ الُمعَْتَبر = نحْنُ أْهلَ السُّنَّة" فِي غَيْرِنا "مِمنَّ خَالَفَ السُّنَّة: مِْن مُْبتَدِعٍ،
أَوْ سُنِّيٍّ وَقَع فِي بدِْعَة" سَبَبًا فِي اِلخَلاِف بَيْنَنا
"َنحْنُ أْهلَ السُّنَّة"؛ بَلْ نَتَناصَحُ بالعِلمِ والحقَِّ، وَنَتَواصَى باِلصَّبِْر وَالَمرْحَمَة)).
ثم
لا أدري ما تقصد في قولك ((في إطار أهل السنة))،
ولا قصد شيخكم بـ ((نحْنُ أْهلَ السُّنَّة))؟!
هل
هم السلفيون فقط؟
أم
يدخل فيهم الإخوان والتبليغ ومرجئة الفقهاء والتصوف العملي البدعي كما فعل الطيباوي،
وأثنى على مقالاته الحلبي ونصح بها؟!
وأحب
أن أنبهك وغيرك إلى ملاحظة مهمة:
اعلم
أنَّ مسائل الخلاف أعم من مسائل الاجتهاد؛ فالمسألة قد تكون خلافية ولا تكون اجتهادية،
وذلك حين يظهر فيها القول الراجح ظهوراً بيناً حتى تصير من المسائل القطعية، فيغلط
مَنْ يظن أنَّ كل مسألة خلافية هي اجتهادية!، وأغلط منه مَنْ يجعل مسألة خلافية معينة
من مسائل الاجتهاد حتى لا ينكر عليه أحد!!.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ((وإنما دخل هذا اللبس من جهة أنَّ القائل يعتقد: أنَّ مسائل
الخلاف هي مسائل الاجتهاد!!؛ كما اعتقد ذلك طوائف من الناس.
والصواب الذي عليه الأئمة:
أنَّ مسائل الاجتهاد لم يكن فيها دليل يجب العمل
به وجوباً ظاهراً مثل: حديث صحيح لا معارض من جنسه، فيسوغ له - إدا عُدم ذلك فيها - الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء الأدلة فيها - وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعنٌ على مَنْ خالفها من
المجتهدين - كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها؛
مثل: كون الحامل المتوفى عنها تعتد بوضع الحمل، وإنَّ الجِماع المجرد عن إنزال يوجب
الغسل، وإنَّ ربا الفضل والمتعة حرام، وإنَّ النبيذ حرام، وإنَّ السنة في الركوع الأخذ
بالركب، وإنَّ دية الأصابع سواء، وإنَّ يد السارق تقطع في ثلاثة دراهم ربع دينار، وإنَّ
البائع أحق بسلعته إذا أفلس المشتري، وإنَّ المسلم لا يقتل بالكافر، وإنَّ الحاج يلبي
حتى يرمي جمرة العقبة، وإنَّ التيمم يكفي فيه ضربة واحدة إلى الكوعين، وإنَّ المسح
على الخفين جائز حضراً وسفراً؛ إلى غير ذلك مما لا يكاد يحصى.
وبالجملة: مَنْ بلغه ما في هذا الباب من الأحاديث والآثار التي لا معارض
لها فليس له عند الله عذر بتقليد
مَنْ ينهاه عن تقليده؛ ويقول: "لا يحل لك أن تقول ما قلتُ حتى تعلم من أين قلتُ"
أو يقول: "إذا صح الحديث فلا تعبأ بقولي")).
ثم تكلَّم رحمه الله تعالى
عن حرمة الحيل ثم قال: ((لو فرضنا
أنَّ الحيل من مسائل الاجتهاد -كما يختاره في بعضها طائفة من أصحابنا وغيرهم!!- فإنا
إنما بينا الأدلة الدالة على تحريمها كما في سائر مسائل الاجتهاد، فأما جواز تقليد
مَنْ يخالف فيها ويسوِّغ الخلاف فيها وغير ذلك فليس هذا من مواضع الكلام فيه، وليس
الكلام في هذا مما يختص هذا الضرب من المسائل!؛ فلا يحتاج إلى هذا التقرير أن يجيب
عن السؤال بالكلية. وحينئذ: فمن وضح له الحق وجب عليه إتباعه!، ومَنْ لم يتضح له الحق
فحكمه حكم أمثاله في مثل هذه المسائل)).
أما
الأخ أبو سعيد عزالدين الأثري:
قول شيخك الحلبي لك: ((لم يُطلب تفسير الجرح – أصلاً - إلا
ليُنظر: هل هو مقبول أم لا؟! وإلا؛ فهل اختلاف علماء الجرح والتعديل فيما بينهم
قائم على الجرح المبهم؟!))
وجوابه:
أولاً: أهل
العلم قبلوا الجرح المبهم - إذا لم يخالفه تعديل أو يسبقه توثيق - إذا كان صادراً من
عارف بأسباب الجرح.
قال الحافظ ابن حجر رحمه
الله تعالى في مقدمة [لسان الميزان: 1/ 16]: ((إذا اختلف
العلماء في جرح رجل وتعديله؛ فالصواب التفصيل: فإنْ كان الجرح والحالة هذه مفسَّراً
قُبِل، وإلا عمل بالتعديل. فأما مَنْ جُهل ولم يعلم فيه سوى قول إمام من أئمة الحديث
أنه ضعيف أو متروك ونحو ذلك فإنَّ القول قوله، ولا نطالبه بتفسير ذلك. فوجه قولهم:
إنَّ الجرح لا يقبل إلا مفسَّراً؛ هو فيمن اخْتُلِفَ في توثيقه وتجريحه)).
فماذا سيصنع الحلبي في الجرح المبهم في مثل هذه
الحالة؟!
هل يُطالبه بالتفسير، ثم ينظر هل يقبله أم لا؟
إنْ قال: نعم، خالف أهل الحديث!.
قلتُ:
ومثل هذا الجرح المبهم كثير في كتب الجرح والتعديل.
ثانياً: وأما
المطالبة بالتفسير فهو من أجل اختلاف أهل الجرح والتعديل في حال الراوي بين التوثيق
والتجريح، كما تقدم من كلام ابن حجر.
ومعنى تفسير الجرح عند
العلماء هو كما جاء في [تهذيب التهذيب: 7/ 241]: ((وكل رجل
ثبتت عدالته؛ لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين
ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه)).
فإذا
قالوا: هذا جرح مفسَّر؛ فهذا يعني: أنَّ الجارح ذكر أمراً في المجروح لا يحتمل غير
جرحه.
فهل
بعد هذا التفسير نحتاج إلى النظر في الجرح؟!
ثالثاً: أهل
العلم كانوا يقدِّمون الجرح المفسَّر على التعديل المبهم؛ ولم يذكر أحدٌ منهم أنه لا
يقبل الجرح المفسَّر إلا بعد النظر في التفسير هل هو مقبول أم لا؟!
لكن
الذي أوقع الحلبي وأتباعه في مثل هذه المتاهات، أنهم وجدوا بعضاً من أهل العلم يرد
جرحاً مفسَّراً صدر من بعض أهل الجرح والتعديل في أحد الرواة، فقاموا بتعطيل قاعدة
وجوب قبول الجرح المفسَّر.
وكان
ينبغي عليهم أن يبينوا أنَّ الجرح المردود إنما كان سبب الرد أنه جرح غير معتبر، والجرح
غير المعتبر يخالف قولهم ((حتى يبين
ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه))، وهذا هو معنى الجرح المفسَّر
عندهم.
فالجرح
إذا لم يكن معتبراً لا يُعدُّ من قبيل الجرح المفسَّر الذي قدَّمه أهل العلم على التعديل
المبهم؛ فافهم هذا.
وإلا
لو كان (الجرح المفسَّر) يحتاج إلى النظر فيه بعد
التفسير، لما اشترطوه - بهذه الصفة - في قبول الجرح في مقابل التعديل المبهم.
الرابع: أنَّ
الحلبي لا يقبل الجرح المفسَّر ولو كان معتبراً!، بل ولو كان مقنعاً!، بل ولو كان بالأدلة
الواضحة والبراهين القاطعة!، إلا بشرط أن يقتنع المخالِف!!. [وقد بينتُ
ذلك بالتفصيل في كتابي (البراهين العتيدة)]
فالقضية
ليست في كون الجرح المفسر يحتاج إلى نظر فيه بعد التفسير؛ هل يقبل أم لا؟!
كلا!
بل
المسألة عند الحلبي أنه لا إلزام بالجرح المفسر المعتبر بالأدلة والبراهين ولو كان
مقنعاً عند الجارح ومَنْ وافقه إلا بشرط الإجماع أو بشرط الإقناع؛ أي: أن يقتنع المخالِف
بكون الجرح معتبراً قادحاً!!.
أقول: وقد
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في
آخر كتابه حكم تارك الصلاة!: ((فليقنع العلماء
إذن من الوجهة النظرية بما عليه جمهور أئمة المسلمين بعدم تكفير تارك الصلاة مع إيمانه
بها؛ وقد قدمنا الدليل القاطع على ذلك من السنة الصحيحة، فلا عذر لأحد بعد ذلك!،
"فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم"))
قلتُ: مع أنَّ أدلة كفر
تارك الصلاة قوية إلا أنَّ الشيخ يدعو المكفِّرين إلى الاقتناع بقول غير المكفِّرين،
ويرى أنه لا عذر لأحد بعد الدليل القاطع.
وقال في مسألة الزيادة
في عدد ركعات صلاة التراويح [ص44-46]: ((هذا هو موقفنا في المسائل الخلافية بين المسلمين الجهر بالحق
بالتي هي أحسن، وعدم تضليل مَنْ يخالفنا لشبهة لا لهوى؛ وهذا هو الذي جرينا عليه منذ
أن هدانا الله لإتباع السنة وذلك من نحو عشرين سنة، ونتمنى مثل هذا الموقف لأولئك المتسرعين
في تضليل المسلمين... إلى أن قال:
فمَنْ لم يقتنع بها لشبهة - لا لهوى ولا إتباعاً للآباء والأجداد
- فليس لأحد عليه من سبيل؛ لاسيما إذا كان لم يلتزمها بعض كبار العلماء كما في هذه
المسألة)).
قلتُ: ففرق الشيخ بين عدم الاقتناع لشبهة، وبين عدم الاقتناع
لهوى أو تقليد.
أما
الأخ أبو الحارث باسم خلف:
شرح
كلام شيخه الحلبي، وقد تقدَّم الرد عليه!.
الأخ
محمد لبيب:
ذكر
كلاماً طويلاً، مختصره أنَّ الثقة قد يغلط، فقاعدة قبول خبر الثقة ليست على إطلاقها.
أقول: الأصل
قبول خبر الثقة.
أما
إن تبين بالقرائن والبراهين أنَّ الثقة قد غلط في الرواية أو الخبر، فلا شك ترد روايته.
لكن
هذا بشرط القرائن والبراهين على غلطه، لا لمجرد الاحتمال، فلا ينبغي التشكيك بأخبار
الثقات بسبب هذه العوارض، فهذه طريقة مَنْ ردَّ خبر الثقة الواحد من المعتزلة وغيرهم.
وأحسن
الأخ عبد الله بن أحمد حين قال معقباً بعدك: ((وهو ما يشبه تقرير قبول زيادة
الثقة؛ فالأصل قبولها، إلا إذا ثبت وجود علة تمنع قبولها، لا كما يفعله المليبارية من
الطعن في هذا الأصل)).
أما
ما قاله الطيباوي في مقاله الجديد
[محاكمة الشيخ ربيع إلى شروطه في
التبديع]
فمقدمته
طويلة مملة!، وصارت معروفة لدينا لأنها مكررة!!، وخلاصتها: الطعن بمنهج الشيخ ربيع
حفظه الله تعالى ومَنْ وافقه من السلفيين على وجه الخصوص، والدعوة إلى تجديد المنهج
السلفي بما يوافق متطلبات العصر ومستجدات الواقع على وجه العموم.
لكن
استوقفتني في المقدمة بعض العبارات:
مثل
قوله ((السلفية
الحدادية)) في وصف الشيخ ربيع ومَنْ وقف معه من السلفيين في نصرة الحق ورد الباطل.
وقوله:
((إنَّ هذا
التيار السلفي المنحرف عن الوسطية الحقة))
أقول: لا
أدري كيف يصفهم بالسلفية ثم يجمع معها الانحراف والغلو؟!
وقديماً
قيل: سلفية علمية!، سلفية جهادية!، سلفية رسمية!، سلفية عصرية!، سلفية تقليدية!، سلفية
تكفيرية....، وكان الحلبي ينكر مثل هذا التقسيم!!.
والآن: سلفية حدادية!
والحلبي
يثني على مقال الطيباوي هذا وينصح به!!.
وقال
الطيباوي مستنكراً: ((أما عدنان عرعور، والمغراوي، والمأربي، والحويني والآن الحلبي،
فكلهم ضلال!،
منهم: من يقول بوحدة الأديان، أي: بجواز التعبد باليهودية والنصرانية
وكلها تقود
إلى الجنة!، ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس خاتماً للأنبياء!، ولا الإسلام
ينسخ
الديانات السابقة!، لأنَّ هذا مفهوم وحدة الأديان!.
أما الدعوة إلى التعايش - ولو
بالعبارات غير الصحيحة - فليس هذا المقصود بوحدة الأديان،
فهي إما
متحدة في جوهرها، وهو كونها ديناً يدان به لله تعالى بحق. أو في شيء آخر؛ فهي متحدة في صفة
الوجود، وفي اسم "الديانات
السماوية" عند بعض الناس، وفي كونها ديناً، ومختلفة في
أشياء.
الذي يهمنا منها أنَّ الإسلام هو
الدين الحق، والبقية ديانات شيطانية باطلة، فهل من تتهمونه بوحدة الأديان أو الدفاع عنها
يقول بهذا؟!
فمن يعتقد أنَّ النصارى واليهود
كفار مأواهم جهنم، من مات منهم على دينه يمكن أن نتهمه بحوار الأديان إذا دلت القرائن
على ذلك، أما أن نتهمه بوحدة الأديان فهذا جهل وظلم)).
أقول:
هذا الكلام فيه مغالطات كثيرة:
الأولى: أنَّ
ما ورد في رسالة عمان عبارات صريحة غير (التعايش السلمي) أو (الحوار الديني)، فقد ورد
فيها ما يدل صريحاً على إيمان أصحاب الديانات الأخرى!، وأنهم أخوة لنا، وأنَّ دياناتهم
سماوية!، وفيه الدعوة إلى إلغاء الفوارق العقدية!، والدعوة إلى الإخوة الإنسانية!، وفيه مودة الكفار!، وحرية العبادة!.
بل
صرح شارحها الأمير
غازي بن محمد بن طلال في (محاور رسالة
عمان)، وفي ملخصها المسمى (إجماع المسلمين على احترام مذاهب الدين)،
وفي مقال (كلمة سواء بيننا وبينكم)، بما يؤكد الدعوة إلى وحدة
الأديان واحترامها، وهذه المقالات مثبَّتة في موقع رسالة عمان الرسمي!!.
فهل
نأخذ بمعاذير وتأويلات الطيباوي أم بالنص الصريح من صاحب الرسالة وشارحها وملخصها؟!
الثاني: حاول
الطيباوي التهوين من مسألة مؤتمرات حوار الأديان، وكأنه لا يدري أنها باب ووسيلة لدعوة
توحيد الأديان التي يراد بها الاجتماع لمحاربة الإلحاد والإرهاب فحسب!، وقد قال الشيخ
عبد الرحمن البراك: ((وهذه الطريقة الماكرة الخبيثة هي ما يسمى بـ"دعوة التقريب
بين الإسلام والنصرانية"، أو "دعوة التقريب
بين الأديان"، أو "وحدة الأديان"، أو "توحيد
الأديان
الثلاثة"، أو "الإبراهيمية"، أو "الملة الإبراهيمية"، أو
"الوحدة الإبراهيمية"، أو "وحدة الكتب
السماوية".
ومن عباراتهم عن هذه الدعوة:
"الإخاء الديني"، و "نبذ التعصب الديني"،
و"الصداقة الإسلامية المسيحية"، و"التضامن الإسلامي المسيحي ضد الشيوعية"
أو "ضد الإلحاد"))
ثم قال:
((وكل هذه الأسماء والعبارات من
لبس الحق بالباطل، ومن زخرف القول لتزيين الباطل، وقد يمعنون في الخداع
والتلبيس فيعبرون عن هذه الدعوة بـ "حوار الحضارات أو "حوار الأديان"،
والغاية من هذه الدعوة أحد أمرين:
1- احترام
الأديان الباطلة!، أو احترام ما يسمى بالأديان
السماوية كاليهودية والنصرانية!، وذلك بعدم الطعن فيها، وبترك الجهر ببطلانها،
وترك إطلاق اسم الكفر على من يدين بها، وهذا ما يعبر عنه بعضهم بـ "التعايش
السلمي بين أهل الملل الثلاث".
2- الاعتراف
بصحتها، وبأنها طريق إلى الله كالإسلام، ومعنى
هذا أن كلاً من اليهود والنصارى والمسلمين لا فرق بينهم إذ كل منهم على دين
صحيح.
وهذه حقيقة الوحدة المزعومة!،
وبهذا يكونون إخوة فلا عداوة ولا بغضاء!؛ بل
لا دعوة ولا جهاد!، والقول بهذه الوحدة كفر بواح، وهو معدود في نواقض الإسلام.
فتحصل مما تقدم أمور:
ـ تحريم ما يتخذ وسيلة إلى ذلك،
مثل ما يسمى بـ: "حوار الأديان"!!، ونحوه من الأسماء.
ـ وأما الحوار بين المسلمين
وأهل الأديان الباطلة لدعوتهم إلى الدخول في الإسلام على أساس
من قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ
سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ
اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، وقوله
تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}، وقوله تعالى:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي
وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي
يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}،
فهو من سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ
اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
ـ تحريم ما يسمى "احترام
الأديان" و"التسامح بين الأديان" الذي مضمونه ترك الطعن
في الأديان الباطلة كاليهودية والنصرانية وغيرهما؛ فإنه لا دين يجب احترامه إلا
دين الإسلام؛ لأنه الدين الحق، دون ما سواه.
ـ أنه لا أخوة بين المسلمين
والكفار، فلا يجوز أن يقال: إخواننا النصارى أو غيرهم من الكافرين، وإنما الأخوة والولاء
بين المؤمنين)).
أقول للطيباوي: فلا تستغفل المسلمين!!،
ولا تكن داعية تروِّج لهذه الفكرة الخبيثة!.
فالحوار بين الأديان المعاصر هو
وسيلة إلى إلغاء الفوارق بينها؛ وبالتالي إلى توحيدها!.
وقد قالت اللجنة الدائمة في عهد
الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: ((وإنَّ من آثار هذه الدعوة الآثمة: إلغاء الفوارق بين الإسلام
والكفر!، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين!،
فلا ولاء ولا براء!، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله
في أرض الله!!)).
وقالت:
((فإنه
لا يجوز
لمسلم
يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً
الدعوة
إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها!، وتسليكها بين
المسلمين!!،
فضلاً
عن الاستجابة
لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها والانتماء إلى محافلها!!!)).
وقالت:
((ومما يجب أن يعلم: أنَّ
دعوة
الكفار بعامة، وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام
واجبة
على
المسلمين،
بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي
هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام،
وذلك الوصول إلى قناعتهم بالإسلام،
ودخولهم
فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن
بينة)).
فإين هذا من الحوار الديني المعاصر؟!
وأين كلام الطيباوي الذي يريد تسليك هذه الفكرة الخبيثة بين
المسلمين من كلام أهل العلم الراسخين؟!
ثم انظر - في التعقيب التالي - إلى الفرق بين كتابة عالم
راسخ يرد فيه على داعية إلى هذه الفكرة، وبين ثناء شيخكم الحلبي، مع المقاربة بين كتابات
دعاة هذه الفكرة.
تعقيب على مقالة شيخ الأزهر جاد
الحق بعنوان [علاقة الإسلام بالأديان الأخرى]:
من عبد العزيز بن عبد الله بن
باز إلى حضرة الأخ سماحة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق
شيخ الأزهر وفقه الله للخير، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
((فقد اطلعتُ على مقالة لسماحتكم
نشرتها صحيفة الجزيرة السعودية في عددها الصادر في
يوم الجمعة 16/ 5/ 1415هـ بعنوان: "علاقة الإسلام بالأديان الأخرى"
ورد في أولها من كلامكم ما نصه:
[الإسلام يحرص على
أن يكون أساس
علاقاته مع الأديان والشعوب الأخرى هو السلام العام والود والتعاون؛
لأنَّ الإنسان
عموماً في نظر الإسلام هو مخلوق عزيز كرمه الله تعالى وفضله على كثير
من خلقه،
يدل لهذا قول الله تعالى في سورة الإسراء: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي
آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ
فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ
عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"، والتكريم الإلهي للإنسان بخلقه وتفضيله
على غيره يعد رباطاً سامياً يشد المسلمين إلى غيرهم من بني الإنسان، فإذا
سمعوا بعد ذلك قول الله تعالى في سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"،
أصبح واجباً عليهم أن يقيموا علاقات المودة والمحبة مع غيرهم من أتباع الديانات
الأخرى، والشعوب غير المسلمة، نزولاً عند هذه الأخوة الإنسانية، وهذا هو معنى
التعارف الوارد في الآية..] الخ.
ولقد كدرني
كثيراً
ما تضمنته هذه الجمل من المعاني المخالفة للآيات القرآنية والأحاديث
النبوية،
ورأيتُ من النصح لسماحتكم التنبيه على ذلك:
فإنه لا يخفى على سماحتكم أنَّ
الله
سبحانه قد أوجب على المؤمنين بغض الكفار ومعاداتهم وعدم مودتهم وموالاتهم،
كما في
قوله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ
وَالنَّصَارَى
أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ
مِنْكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"،
وقال
سبحانه في سورة آل عمران: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا
بِطَانَةً
مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ
بَدَتِ
الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ
بَيَّنَّا
لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ"، وقال سبحانه في سورة
الممتحنة:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
أَوْلِيَاءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ
مِنَ
الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
رَبِّكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي
تُسِرُّونَ
إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا
أَعْلَنْتُمْ
وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ. إِنْ
يَثْقَفُوكُمْ
يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ
وَأَلْسِنَتَهُمْ
بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ. لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ. قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ
إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ
وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" الآية،
وقال سبحانه في سورة المجادلة: "لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا
آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ" الآية.
فهذه الآيات الكريمات وما جاء
في معناها من الآيات الأخرى كلها تدل على وجوب بغض الكفار
ومعاداتهم وقطع المودة بينهم وبين المؤمنين حتى يؤمنوا بالله وحده، أما
التعارف الذي دلت عليه آية الحجرات فلا يلزم منه المودة ولا المحبة للكفار، وإنما تدل
الآية أنَّ الله جعل بني آدم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، فيتمكنوا من المعاملات الجائزة
بينهم شرعاً كالبيع والشراء وتبادل السفراء، وأخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس
وغير ذلك من العلاقات التي لا يترتب عليها مودة ولا محبة.
وهكذا تكريم الله سبحانه لبني
آدم لا يدل على جواز إقامة علاقة المودة والمحبة بين المسلم والكافر،
وإنما يدل ذلك على أنَّ جنس بني آدم قد فضله الله على كثير من خلقه!!.
فلا يجوز أن يستنبط من الآيتين
ما يخالف الآيات المحكمات المتقدمة وغيرها الدالة على وجوب بغض
الكفار في الله ومعاداتهم وتحريم مودتهم وموالاتهم؛ لما بينهم وبين المسلمين
من البون العظيم في الدين.
والواجب
على أهل العلم تفسير القرآن بما يصدق بعضه بعضاً، وتفسير المشتبه بالمحكم،
كما قال الله جل وعلا: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ
مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ"
الآية، مع أنَّ الحكم بحمد الله في الآيات المحكمات المذكورة وغيرها واضح لا شبهة
فيه، والآيتان اللتان في التعارف والتكريم، ليس فيهما ما يخالف ذلك.
وقد ورد في المقال أيضاً ما
نصه: "فنظرة المسلمين إذن إلى غيرهم من أتباع اليهودية والنصرانية
هي نظرة الشريك إلى شركائه في الإيمان بالله والعمل بالرسالة الإلهية التي
لا تختلف في أصولها العامة".
وهذا
- كما لا يخفى على سماحتكم - حكم مخالف للنصوص
الصريحة في دعوة أهل الكتاب وغيرهم إلى الإيمان بالله ورسوله، وتسمية
من لم يستجب منهم لهذه الدعوة كفاراً.
ومن المعلوم أنَّ جميع الشرائع التي جاءت بها
الأنبياء قد نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد من الناس
أن يعمل بغير الشريعة التي جاء بها القرآن الكريم والسنة الصحيحة عن النبي صلى
الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: "قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ"،
وقال تعالى: "فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ
الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، وقال
سبحانه: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"، وقال سبحانه:
"لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ"،
وقال سبحانه: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ
وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ" الآية، وقال عن اليهود والنصارى في
سورة التوبة: "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَابًا
مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا
لِيَعْبُدُوا
إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" والآيتين بعدها.
والآيات في هذا المعنى كثيرة،
كلها تدل على كفر اليهود والنصارى باتخاذهم أحبارهم
ورهبانهم أرباباً من دون الله، وقول اليهود:
عزير
ابن الله، وقول النصارى: المسيح ابن الله، وتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم،
وعدم
إيمانهم به إلا من هداه الله منهم للإسلام.
وقد روى مسلم في صحيحه، عن
النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه
الأمة
يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار"،
وفي الصحيحين
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى
اتخذوا
قبور أنبيائهم مساجد"، والأحاديث الدالة على كفر اليهود والنصارى، وأنهم
أعداء
لنا كثيرة.
وإباحة الله سبحانه للمسلمين
طعام أهل الكتاب ونساءهم المحصنات منهن لا تدل على جواز مودتهم
ومحبتهم!، كما لا يخفى على كل من تدبر الآيات وأعطى المقام حقه من النظر والعناية.
وبذلك كله يتبين لسماحتكم خطأ
ما ورد في المقال من:
- القول بأنَّ الود والمحبة من
أساسيات العلاقة في الإسلام بين الأديان والشعوب!.
- الحكم لأتباع اليهودية والنصرانية
بالإيمان بالله والعمل بالرسالة الإلهية التي لا تختلف
في أصولها العامة.
وتواصياً بالحق؛ كتبت لسماحتكم هذه الرسالة،
راجياً من سماحتكم إعادة النظر في كلامكم في هذين الأمرين، وأن ترجعوا إلى ما
دلت عليه النصوص، وتقوموا بتصحيح ما صدر منكم في الكلمة المذكورة براءة للذمة، ونصحاً
للأمة، وذلك مما يحمد لكم إن شاء الله، وهو يدل على قوة الإيمان، وإيثار الحق على
غيره متى ظهرت أدلته)).
أليست
عبارات مقال شيخ الأزهر كعبارات رسالة عمان؟!
فهل تأولها
الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى كما تأول الحلبي وأتباعه عبارات رسالة عمان؟!
الثالثة: التعايش
السلمي بين الأديان؛ ماذا يعني؟! وماذا يلزم منه؟
الدعوة
إلى التعايش السلمي أي الإقرار بحرية العبادة!، واحترام الأديان الأخرى!، وإظهار المودة
والمحبة مع الكفار!، وتعطيل الجهاد!، وإلغاء عقيدة البراء من الكفار!؛ التي تستلزم
بغضهم ومعاداتهم والتصريح بكفرهم.
فلا أدري
كيف يهوِّن الطيباوي من ذلك؟!
الرابعة: أنَّ
فكرة التعايش السلمي بين الأديان تناقض سنة الله في خلقه؛ حيث جعل سبحانه الصراع بين
الحق والباطل سنة من سنن الكون، لا ينقطع أو يتوقف إلا في أحد حالين:
الأول:
إتباع أهل الإيمان لأهل الكفر.
قال تعالى
في أهل الكتاب: ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ
وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)).
وقال
تعالى في الكفار: ((وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ
حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ))
وقال
تعالى في المنافقين: ((وَدُّواْ لَوْ
تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء))
الثاني:
إتباع أهل الكفر لأهل الإيمان.
قال تعالى:
((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه))
وقال
تعالى: ((وقاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ
يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ
عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ))
وقال
تعالى: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ
وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ
مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء
أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ))
قلتُ:
فهناك
غاية لكلا الفريقين، لا يتوقف أحد الفريقين عن الصراع حتى يحقق غايته. وقد قال تعالى:
((وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ
الأَرْضُ)).
أليست
فكرة التعايش السلمي تناقض هذه السنة الكونية؟!
فلماذا هذه المعاذير يا
طيباوي؟!
قال شيخ الإسلام رحمه الله
تعالى في [المجموع: 2/ 132-133] وهو يتكلَّم عن بدعة الاتحاد في الوجود: ((وهكذا هؤلاء الاتحادية؛ فرؤوسهم هم أئمة كفر، يجب قتلهم ولا
تقبل توبة أحد منهم إذا أُخذ قبل التوبة، فإنه من أعظم الزنادقة الذين يظهرون الإسلام
ويبطنون أعظم الكفر!، وهم الذين يفهمون قولهم ومخالفتهم لدين المسلمين.
ويجب عقوبة كل مَنْ انتسب إليهم، أو ذبَّ عنهم، أو أثنى عليهم،
أو عَظَّمَ كتبهم، أو عرف بمساعدتـهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر
لهم بأنَّ هذا الكلام لا يدري ما هو؟! أو قال: إنَّه صنف هذا الكتاب، وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق!!.
بل تجب عقوبة كل مَنْ عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم.
فإنَّ القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنـَّهم أفسدوا العقول
والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادًا،
ويصدون عن سبيل الله.
فضررهم في الدين أعظم من
ضرر مَنْ يفسد على المسلمين دنياهم ويترك دينهم؛ كقطاع الطريق وكالتتار الذين يأخذون
منهم الأموال ويبقون لهم دينهم.
ولا يستهين بهم مَنْ لم
يعرفهم!، فضلالهم وإضلالهم أعظم من أن يوصف، وهم أشبه الناس بالقرامطة الباطنية.
ولهذا هم يريدون دولة التتار
ويختارون انتصارهم على المسلمين؛ إلا مَنْ كان عاميًا من شيعهم وأتباعهم، فإنه لا يكون
عارفًا بحقيقة أمرهم.
ولهذا يقرون اليهود والنصارى
على ما هم عليه!، ويجعلونهم على حق!!، كما يجعلون عباد الأصنام على حق!!، وكل واحدة
من هذه من أعظم الكفر.
ومنْ كان محسنًا للظن بهم وادَّعى أنه لم يعرف حالهم:
عُرِّفَ حالهم، فإنْ لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار وإلا أُلحق بهم وجعل منهم!.
وأما مَنْ قال: لكلامهم تأويل
يوافق الشريعة!!؛ فإنه من رؤوسهم وأئمتهم!؛ فإنه إنْ كان ذكيًا فإنه يعرف كذب نفسه فيما قاله، وإنْ
كان معتقداً لهذا باطنًا وظاهرًا فهو أكفر من النصارى؛ فمَنْ لم يكفر هؤلاء وجعل لكلامهم تأويلاً كان عن تكفير النصارى بالتثليث والاتحاد
أبعد!!، والله أعلم)).
قال الشيخ بكر
أبو زيد معلقًا على هذا الكلام في كتابه [هجر المبتدع: ص48 – 49]: ((فرحم الله شيخ
الإسلام ابن تيمية وسقاه من سلسبيل الجنة آمين، فإنَّ هذا الكلام في غاية الدقة والأهمية،
وهو وإنْ كان في خصوص مظاهرة (الاتحادية)، لكنه ينتظم جميع المبتدعة!!، فكل مَنْ ظاهر
مبتدعًا فعظَّمه أو عظَّم كتبه، ونشرها بين المسلمين، ونفخ به وبـها، وأشاع ما فيها
من بدع وضلال، ولم يكشفه فيما لديه من زيغ واختلال في الاعتقاد؛ إنَّ من فعل ذلك: فهو
مفرط في أمره، واجب قطع شره لئلا يتعدى على المسلمين. وقد ابتلينا بـهذا الزمان بأقوام
على هذا المنوال يُعظِّمون المبتدعة، وينشرون مقالاتـهم، ولايحذِّرون من سقطاتـهم وما
هم عليه من الضلال!!، فاحذروا: أبا الجهل المبتدع هذا!!، نعوذ بالله من الشقاء وأهله)).
الخامسة: يحاول الطيباوي
أن يحصر مفهوم وحدة الأديان في صورة واحدة؛ وهي أنَّ اليهود والنصارى من أهل الجنة،
وأنَّ دينهم حق، وأنَّ محمداً ليس خاتماً للأنبياء، وأنَّ القرآن لم ينسخ ما قبله من
الكتب!!.
ولا شك أنَّ
هذه أعلى صورة هذه الفكرة الخبيثة.
لكن لهذه الفكرة عدة صور
أو أساليب توصل إليها حتماً:
- منها الدعوة إلى التسامح الديني والتعايش السلمي بين الأديان.
- ومنها الدعوة إلى حرية الفكر والعبادة.
- ومنها الدعوة إلى الإخوة الإنسانية.
- ومنها وصف الكفار بالإخوة والإيمان.
- ومنها الدعوة إلى المودة والمحبة للكفار.
- ومنها الإقرار بأنَّ كتبهم المحرفة سماوية.
- ومنها إيجاد القواسم المشتركة بين الديانات، والالتقاء عليها.
- ومنها إلغاء الفوارق بين الأديان.
- ومنها احترام الأديان الأخرى.
- ومنها الدعوة إلى وحدة الجنس البشري وتكريم الإنسان دون النظر إلى دينه ومن غير المساس بمعتقده.
- ومنها تعطيل جهاد الفتح بدعوى لا قتال حيث لا عدوان.
- ومنها السماح ببناء المعابد والكنائس واحترامها وتعظيمها.
- ومنها احترام الإنجيل والتوراة المحرفين وعدم التعرض لهما.
- ومنها وهي أدناها: الدندنة في الحوارات مع الكفار حول المشروع الحضاري والجوانب الحياتية مثل الاقتصاد والاجتماع والثقافة والأمن وتطبيق الديمقراطية في جميع البلاد.
وغيرها من الصور.
أقول: فلا ينبغي
للطيباوي ولا لغيره أن يحصر مفهوم وحدة الأديان في أعلى صورها!، لأنَّ في ذلك ترويجاً
للصور الأخرى وهم لا يشعرون.
السادسة: أنَّ قول الطيباوي:
((أما الدعوة
إلى التعايش - ولو بالعبارات غير الصحيحة - فليس هذا المقصود بوحدة الأديان،
فهي إما
متحدة في جوهرها، وهو كونها ديناً يدان به لله تعالى بحق. أو في شيء آخر؛ فهي متحدة في صفة
الوجود، وفي اسم "الديانات
السماوية" عند بعض الناس، وفي كونها ديناً، ومختلفة في
أشياء. الذي
يهمنا منها أنَّ الإسلام هو الدين الحق، والبقية ديانات شيطانية باطلة)) فيه لبس
وإجمال!.
فلا أدري ماذا
يقصد ((متحدة
في جوهرها،
وهو كونها ديناً يدان به لله تعالى بحق))؟!!
ما هو الجوهر
المتحد بين الأديان يا فيلسوف؛ أفصح عنه؟!
وقولك: ((أو في شيء آخر))، ما هو؟
أفصح؟!
وقولك: ((فهي متحدة في صفة الوجود))، ماذا تريد به؟! لأنَّ
دين المشركين والصابئة والمجوس أيضاً متحد معها في صفة الوجود!.
هل تريد من
ذلك تسويغ لفظة (وحدة الأديان) كما سوغ البعض لفظة
(وحدة الوجود) بالتأويلات المتعسفة؟!
وقولك: ((وفي اسم "الديانات
السماوية" عند بعض الناس))، مَنْ هؤلاء الناس؟
هل هم علماء
سلفيون أم مفكرون علمانيون أم كتاب عصرانيون أم إخوان مسلمون؟!
وهل توافقهم
على هذه التسمية أم لا؟!
أفصح؟!
أقول: وبعد
المقدمة المملة دخل الطيباوي في الموضوع وهو يتمنطق ويتفلسف على قرائه.
ثم قال: ((وفي هذا المقال سنجد أن
الشيخ ربيعا
وضع لنفسه شروطا في التبديع نقلها عن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ
وعند مقابلة
هذه الشروط
النظرية بالمسائل التي قام الشيخ ربيع بالتبديع بها لبعض أهل السنة كعرعور، والمأربي، والحلبي،
وغيرهم، نجده قد أخل بهذه الشروط إخلالا فاحشا، مما يعني أنه لم يطرد أصوله، ولم يلتزم بها، والمشكلة أنها أصول صحيحة!)).
أقول: كون
أصول الشيخ ربيع حفظه الله تعالى صحيحة هي مشكلة -ولعلها معضلة - عند القوم!!.
وهم
يريدون أصول المنهج السلفي أصولاً نظرية!، كما قال الطيباوي هنا: ((وعند مقابلة هذه الشروط النظرية))؛
لأنها - في نظرهم - لا يمكن أن تطبَّق في هذا العصر!!.
فمَنْ
طبَّق هذه الأصول؛ صاحوا في وجهه: مجرِّح!، غلاة التبديع والتجريح!، حدادي!، أخلَّ
بالأصول!، لم يطرد أصوله!.
نعم،
فهم يريدونها أصولاً جوفاء فارغة، ليس لها واقع!.
ثم ذكر
الطيباوي اثنين وثلاثين خطأً لبعض السلف.
ثم
قال بعدها:
((والأمثلة كثيرة،
فمن
أخطا منهم رد
عليه السلف، وبيّنوا الصواب، ولكن لم نسمعهم يبدعون بعضهم البعض، لان الحكم للغالب،
وهناك فرق
كبير بين سني يقع في خطأ، و بين مبتدع يعتمد على أصول بدعية، فمن أين جاء الشيخ ربيع بمنهجه هذا؟!))
أقول:
سلك
الطيباوي مسلك حسين الكرابيسي في الاستدلال بأخطاء بعض السلف في تسويغ فكرة الأخذ عن
المبتدعة والدفاع عنهم والطعن في علماء السنة الذين يجرحونهم ويحذرون منهم.
فتأمل ما قاله الحافظ ابن رجب البغدادي في شرح علل الترمذي:
((وقد تسلط كثير ممن يطعن في أهل الحديث عليهم
بذكر شيء من هذه العلل، وكان مقصوده بذلك الطعن في الحديث جملة والتشكيك فيه، أو الطعن
في غير حديث أهل الحجاز؛ كما فعله حسين الكرابيسي في كتابه الذي سماه بـ"كتاب
المدلسين"!، وقد ذُكر كتابُه هذا للإمام أحمد فذمه ذمًا شديدًا، وكذلك أنكره عليه
أبو ثور وغيره من العلماء!!. قال المروزي: مضيتُ إلى الكرابيسي وهو إذ ذاك مستور يذب عن السنة ويظهر بأبي عبدالله!!، فقلتُ له: إنَّ كتاب "المدلسين" يريدون أن يعرضوه
على أبي عبد الله فأظهر أنك قد ندمتَ حتى أخبر أبا عبدالله، فقال لي: إنَّ أبا عبدالله
رجل صالح مثله يوفَّق لإصابة الحق؛ وقد رضيتُ أن يُعرض كتابي عليه!، وقال: قد سألني
أبو ثور وابن عقيل وحبيش أن أضرب على هذا الكتاب فأبيتُ عليهم وقلتُ بل أزيد فيه!!!،
ولجَّ في ذلك وأبى أن يرجع عنه!. فجيء بالكتاب إلى أبي عبدالله وهو لا يدري من وضع
الكتاب، وكان في الكتاب الطعن على الأعمش والنصرة للحسن بن صالح. وكان في الكتاب: إنْ قلتَ إنَّ الحسن بن صالح كان يرى رأي
الخوارج فهذا ابن الزبير قد خرج!!؛ فلما قُرئ
على أبي عبدالله قال: "هذا قد جمع
للمخالفين ما لم يحسنوا أن يحتجوا به!!!، حذروا من هذا"، ونهى عنه. وقد تسلَّط بهذا الكتاب طوائف من أهل البدع
من المعتزلة وغيرهم في الطعن على أهل الحديث!!؛ كابن عباد الصاحب ونحوه، وكذلك بعض
أهل الحديث ينقل منه دسائس - إما أنه يخفى عليه أمرها، أو لا يخفى عليه - في الطعن
في الأعمش ونحوه كيعقوب الفسوي وغيره. وأما أهل العلم والمعرفة والسنة والجماعة فإنما
يذكرون علل الحديث نصيحة للدين وحفظًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصيانة لها وتمييزًا مما يدخل
على رواتها من الغلط والسهو والوهم، ولا يوجب ذلك عندهم طعنًا في غير الأحاديث المعللة،
بل تقوى بذلك الأحاديث السليمة عندهم لبراءتها من العلل وسلامتها من الآفات، فهؤلاء
هم العارفون بسنة رسول الله عليه وسلم حقًا، وهم النقاد الجهابذة الذين ينتقدون الحديث
انتقاد الصيرفي الحاذق للنقد البهرج من الخالص، وانتقاد الجوهري الحاذق للجوهر مما
دلس به)).
أقول للقارئ الكريم المنصف:
تأمل ما قاله الكرابيسي: ((إنْ قلتَ إنَّ الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج فهذا ابن الزبير قد خرج!!)).
وبين ما قاله الطيباوي في أحد أمثلته: ((2- ومن السلف مَنْ خرج على
الحكام، وهم كثر، بل أكثر أهل ذاك الزمان كان يرى الخروج كما قال بشر بن
الحارث، حتى وقع الإجماع على النهي عنه)).
أيها السلفي المنصف: هل تجد فرقاً؟!
والأعجب من ذلك: أنَّ الحلبي يضرب مثالاً في الكرابيسي في
مسألة عدم الإلزام بالتجريح!!.
قال الحلبي في هامش كتابه: ((وليس هذا قط باباً يبدِّع فيه بعضهم بعضاً، أو يطعن بعضهم
في بعض، فضلاً عما هو أكثر من ذلك!، ومن أمثلة ذلك: تبديع الإمام أحمد للكرابيسي وهو
مشهور جدًا، حتى قال ناصحًا لبعض مَنْ سأله عنه: "إياك، إياك، إياك وهذا الكرابيسي،
لا تكلِّمه ولا تكلِّم مَنْ يكلِّمه" كما في [تاريخ بغداد: 8/ 565، والكامل:
2/ 365]، مع كون هذا الكرابيسي مع أحمد نفسه زميلي تلمذة عند الإمام الشافعي ومن الرواة
عنه، كما ذكر البيهقي في بيان "خطأ مَنْ أخطأ عن الشافعي ص101" بل قال ابن
حجر في [التهذيب: 1/ 432]: من كبار أصحاب الشافعي، وقال المعلمي في التنكيل (رقم
84): أما الرواية فلم أر مَنْ غمز فيها)).
أقول: لا أدري كيف لم يفهم الحلبي من قول الإمام أحمد ((لا تكلِّمه ولا تكلِّم مَنْ يكلِّمه)) الإلزام؟!
أما كونه زميل الإمام أحمد ومن أصحاب الإمام الشافعي؛ فلا
أدري هل هذه موانع من التجريح والإلزام به؟!
أما الرواية عنه؛ فمعروف الرواية عن أهل البدع، أنَّ فيها
أقوالاً لأهل العلم، وليس من أجل عدم الإلزام بالتجريح؛ فلماذا مثل هذا التلبيس؟!
ومما يكفيني هنا في الرد على مسلك الطيباوي الكرابيسي في
تسويغ الخلاف والتهوين منه وتتبع رخص العلماء؛ ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى
في [الفتاوى الكبرى: 6/ 92]: ((إنَّ الرجل الجليل الذي له في الإسلام
قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا، قد تكون منه الهفوة والزلة
هو فيها معذور بل مأجور لا يجوز أن يتبع فيها!!، مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين.
واعتبر
ذلك بمناظرة الإمام عبد الله بن المبارك قال: "كنا بالكوفة فناظروني في ذلك يعني
"النبيذ المختلف فيه" فقلتُ لهم: تعالوا فليحتج المحتج منكم عمَّنْ يشاء
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة، فإنْ لم يتبين الرد عليه عن ذلك الرجل
بشدة صحت عنه، فاحتجوا، فما جاؤوا عن أحد برخصة إلا جئناهم بشدة، فلما لم يبق في يد
أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود وليس احتجاجهم عنه في شدة النبيذ بشيء يصح عنه، إنما
يصح عنه أنه لم ينبذ له في الجَرِّ إلا حَذِرًا.
قال
ابن المبارك: فقلتُ للمحتج عنه في الرخصة؛ يا أحمق عد إنَّ ابن مسعود لو كان ها هنا
جالسًا فقال: هو لك حلال، وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشدة،
كان ينبغي لك أن تحذر أو تجر أو تخشى؟
فقال
قائلهم: يا أبا عبد الرحمن؛ فالنخعي والشعبي وسمَّى عدة معهما كانوا يشربون الحرام؟!!
فقلتُ
لهم: عدوا عند الاحتجاج تسمية الرجال!؛ فربَّ رجل
في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن يكون منه زلة أفلأحد أن يحتج بها؟!
فإنْ
أبيتم، فما قولكم في عطاء وطاووس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة؟
قالوا:
كانوا خيارًا.
قلتُ:
فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدًا بيد؟
فقالوا:
حرام.
فقال
ابن المبارك: إنَّ هؤلاء رأوه حلالًا؛ فماتوا وهم يأكلون الحرام؟!!
فبقوا
وانقطعت حجتهم.
قال
ابن المبارك: ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال: رآني أبي وأنا أنشد الشعر، فقال لي:
يا بني لا تنشد الشعر، فقلت له: يا أبت كان الحسن ينشد وكان
ابن سيرين ينشد!!، فقال لي: أي بني إنْ أخذت
بشر ما في الحسن وبشر ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله!!".
وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء.
فإنه
ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا لهم أقوال وأفعال خفي
عليهم فيها السنة!، وهذا باب واسع لا يحصى،
مع أنَّ ذلك لا يغض من أقدارهم، ولا يسوغ إتباعهم فيها!،
كما قال سبحانه: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"، قال ابن مجاهد
والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم: "ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا
النبي صلى الله عليه وسلم "، وقال سليمان التيمي: "إنْ أخذت برخصة كل عالم
اجتمع فيك الشر كله"، قال ابن عبد البر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا، وقد روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا المعنى ما ينبغي تأمله...)) [وذكر شيخ
الإسلام رحمه الله تعالى جملة من الآثار] ثم قال:
((وهذه
آثار مشهورة رواها ابن عبد البر وغيره، فإذا كنا قد حُذِّرنا من "زلة العالم"!،
وقيل لنا: أنها أخوف ما يخاف علينا، وأمرنا مع ذلك أنْ لا يرجع عنه!، فالواجب
على مَنْ شرح الله صدره للإسلام إذا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها
لمن يتقلد بها، بل يسكت عن ذكرها إلى أن يتيقن صحتها، وإلا توقف في قبولها!، فما أكثر
ما يحكى عن الأئمة ما لا حقيقة له!، وكثير من المسائل يخرجها بعض الأتباع
على قاعدة متبوعة مع أنَّ ذلك الإمام لو رأى أنها تفضي إلى ذلك لما إلتزمها!!، والشاهد
يرى ما لا يرى الغائب، ومن علم فقه الأئمة وورعهم علم أنهم لو رأوا هذه الحيل وما أفضت
إليه من التلاعب بالدين لقطعوا بتحريم ما لم يقطعوا به أولاً)).
أما
ما قاله الطيباوي بعد: ((والحجة في إجماعهم، وقول غالبيتهم المدعم بالكتاب والسنة ففيهما
الحجة عند
التنازع)).
أقول
للطيباوي: الحجة غير محصورة في الإجماع أو قول الجمهور!!!.
بل
القول المستنبط من أدلة (الكتاب والسنة) حجة ولو لم يقل به إلا واحد من أهل العلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله
تعالى في [المجموع 26/ 202-203]: ((وليس
لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة: النص، والإجماع، ودليل مستنبط
من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية لا بأقوال بعض العلماء؛ فإنَّ أقوال العلماء
يحتج لها بالأدلة الشرعية لا يحتج بها على الأدلة الشرعية. ومَنْ تربى على مذهب قد
تعوَّده واعتقد ما فيه وهو لا يحسن الأدلة الشرعية وتنازع العلماء لا يفرق بين ما جاء
عن الرسول وتلقته الأمة بالقبول بحيث يجب الإيمان به وبين ما قاله بعض العلماء ويتعسَّر
أو يتعذَّر إقامة الحجة عليه، ومَنْ كان لا يفرق بين هذا وهذا: لم يحسن أن يتكلم في
العلم بكلام العلماء، وإنما هو من المقلدة الناقلين لأقوال غيرهم)).
والطيباوي يحاول بحصر الحجة في الإجماع وقول الجمهور كي يرد
أقوال بعض أهل العلم في تبديع المنحرفين المتنازع معهم فيهم، فما من أحد من المنحرفين
إلا ويخفى حاله على أحد أهل العلم المعاصرين، فإنْ توقف هذا العالم في جرحه، قال الطيباوي
وأمثاله: لم يحصل الإجماع!، وقد قال الطيباوي في مقاله نفسه: ((بينما حكم الشيخ ربيع على فلان
وجرحه المفسَّر يبقى اجتهاده وفهمه ما لم يجمع عليه الأئمة!)).
أقول: وخذ مثلاً في سيد قطب؛ جرحه أكثر العلماء المعاصرين،
ودافع عنه ابن جبرين وبكر أبو زيد!!، فما هو حكمه - ولم يجمع عليه - عند الطيباوي والحلبي
وأتباعهم؟!
ثم ذكر
الطيباوي شروط التبديع وهي:
1- مخالفة الكتاب المستبين
2- مخالفة السنة المستفيضة
3- مخالفة الإجماع
4- أن يكون خلافاً غير سائغ.
ثم
قال: ((والسؤال: هل
الذين بدَّعهم الشيخ ربيع، ووصفهم بأوصاف الجهمية والرافضة
تتوفر فيهم
هذه الشروط، فأكثرهم إنما خلافه معهم في مسائل عملية، وليست علمية، وإن كانت
علمية فهي مما يتعلََّق بالمسائل العملية كبعض قضايا مصطلح الحديث، وأصول
الفقه، وفقه الدََّعوة؟! ومَن منهم خالف الكتاب المستبين أو السّنّة
المستفيضة أو
إجماع السلف؟!))
أقول
للطيباوي:
تهوين
الخلاف بمثل هذه الطريقة هو مسلك الإخوان المسلمين!!.
- عملية غير علمية!!
- لوكانت علمية فهي تتعلق بالعملية!!
أقول
للطيباوي الفيلسوف:
هل
الخروج على الحكَّام مسألة عملية أم علمية تتعلق بالعملية؟!
كي
نعرف بعد ذلك؛ هل يجرَّح مَنْ ينادي بالخروج على الحكام أم لا؟!
ولعلَّ
الخروج على الحكَّام من مسائل (فقه الدَّعوة)؟!
ثم
أليس الخلاف في خبر الآحاد من مسائل علم الحديث؛ فكيف أدخله علماؤنا في مسائل الخلاف
العقدية مع المعتزلة ومَنْ وافقهم؟!
أما قوله: ((ومَن منهم خالف الكتاب المستبين أو
السّنّة المستفيضة أو إجماع السلف؟!)).
أقول
له:
هذه
قد بينها العلماء وطلابهم في عدة بيانات ورسائل ومقالات وكتب، بينوا مخالفات العرور
والحويني ومحمد حسان والمأربي والمغراوي والحلبي، ولو أردنا تفصيلها هنا لاحتجنا إلى
كتابة مجلد أو أكثر!!.
لكن
أضرب لك مثالاً من شيخك الحلبي:
قال في مقاله [مسائل الإيمان
والإرجاء من جديد؛ جواباً وتجاوباً]: ((ولا أستعملُ لفظَ: (الشَّرطِ) - لا (كمالاً) ولا (صِحَّةً) !-، ولا (الجِنس)،
ولا (الأصل) و(الفرع) - ونحوها مِن حادثِ الألفاظِ، ومُحْدَث المُصطلحات: التي
أوقَعَتِ الفُرقةَ والامتحانَ بينَ أهل السُّنَّةِ، وأفرحت أهلَ الأهواء من
الخوارجِ وأذنابِهم)).
أقول
للطيباوي:
التفريق
بين الأصل والفرع في مسائل الإيمان:
هل
هو تفريق سلفي أم حادث؟!
هل
دلَّ عليه الكتاب المستبين والسنة المستفيضة وإجماع السلف أم لا؟!
فلماذا يصر الحلبي إلى الآن على إنكار هذا التفريق؟!
وهل هذه مسألة علمية أم عملية أم ...أم...؟!
أما قول الطيباوي: ((والنزاع حول قبول
جرح الثقة لا
خبر الواحد الثقة (لاحظ الفرق، فبينهما من الفرق كما بين السماء و الأرض))).
أقول:
يظهر أنَّ الفروق التي طرأت على قاعدة (قبول خبر الثقة) كثيرة،
وإنما الغاية من ذلك التشكيك بها.
فالحلبي يقول: فرق بين خبر الثقة وحكم الثقة!
والطيباوي: فرق بين جرح الثقة وخبر الثقة!
عماد طارق: فرق بين خبر الثقة في المسائل العلمية وبين خبر
الثقة في قضايا الأعيان!.
أقول للطيباوي:
لو أنَّ أحداً من أهل الجرح والتعديل الثقات قال في أحد الرواة:
فاسق؛ أليس هذا جرح من ثقة؟
سيقول: نعم.
الآن: رواية ثقة لحديث أو خبر؛ أليس هذا خبر ثقة؟
سيقول: نعم.
هل بينهما فرق؟
سيقول: نعم.
فنقول له: كلام العلامة الصنعاني في [توضيح الأفكار: 2/ 118-119]: ((وإنْ كان خبره عن غيره كروايته للأخبار: قُبِلَ
أيضاً،
وإنْ كان عن صفة غيره بأنه: "عدل" أو "فاسق" قُبِلَ أيضاً؛ إذ الكل خبر عدل!!، وقبول خبره
ليس تقليدًا
له؛ بل لما قام عليه من الدليل في قبول خبره، هذا تقرير كلام أهل الأصول
وغيرهم)).
فأين التفريق المزعوم؟!
أما كلام الطيباوي
في الموازنة بين الحسنات والسيئات عند ذكر المبتدعة، فطريقة استدلاله لا تختلف عن طريقة
أحمد الصويان، ومَنْ أراد التفصيل فعليه برد الشيخ ربيع حفظه الله تعالى على الأخير.
أما قول الطيباوي:
((وقد يسأل بعض الناس: لمَ يجتنب كثير من
العلماء
انتقاد منهج
الشيخ ربيع، وإن فعلوا فبتحفظ كبير، وأحياناً في مجالسهم الشخصية؟!
فأقول :كيف يخاطبون من يتفادى بعض محبّيه النقاش بالوقيعة في الناس، وإشاعة
الكراهية، لا يعرفون إلا نهش الأعراض، "وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم" صحيح
رواه ابن أبي الدنيا؟!
كيف لمن يزعم لنفسه الأحقية الشرعية أن يفقد القدرة على
مواجهة مخالفه بدون مسارعة إلى التبديع والتضليل والرمي بالزندقة والسب والشتم
والبهت؟!
هل يدعونا الإسلام إلى الارتفاع والتعالي عن
أخلاق الجاهلية وأدلة الجاهلية، أم إلى بذاءة اللسان و التطاول على
الناس؟!
ألا توجد طريقة شرعية للرد على
المخالف غير طريقة بسط (مصارين) الناس؟!))
أقول للطيباوي:
هذا الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله تعالى ذكر في كتابه
[رفقاً أهل السنة بأهل السنة] ما يعتقده في النزاع المعاصر، أين التطاول عليه؟ أو تبديعه؟!
اكتفى أهل العلم بمناصحته؛ كما فعل الشيخ أحمد النجمي رحمه
الله تعالى في رده على رسالة الشيخ العباد.
وقال الشيخ العباد بنفسه للشيخ ربيع: أنه لا يقرأ لأحد في
هذا النزاع.
والشيخ ربيع لما احتج أتباع الحلبي بالشيخ العباد قال لهم:
العباد لا يقرأ، قالها لي بنفسه أنه لا يقرأ.
هل هذه الكلمات والمناصحات تسميها تبديع وتجريح وتطاول؟!!
سبحان الله!
ولكن الطيباوي بهذا الكلام يحاول التهويل والتشغيب ليس إلا!!.
أما قول الطيباوي:
((فنحن مطالبون بوقف النزيف بين أهل السنة على اختلاف طبقاتهم،
وذلك من خلال إبراز المشترك، والتفاعل حوله، والتركيز عليه، بدلاً من البحث عن الشواذ. وإيجاد
مساحات للحوار العلمي الواعي المقصود منه: احتواء المخالف)).
أقول: أهل السنة في مفهوم الطيباوي يدخل فيهم الإخوان المسلمون
والتبليغ ومرجئة الفقهاء والتصوف العملي البدعي وغلاة التكفير والتبديع، ويدخل فيه
آخرون، لكنه صرَّح بهذا، وبحسب علمي!.
إذن لا بد أن نجد المشترك بين هذه الطبقات أولاً، ثم نطبِّق
قاعدة: ((نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً
فيما اختلفنا فيه)).
وقد قال الطيباوي بعد:
((إننا يجب أن نبحث عن علاقة تكاملية؛ إذا لم نقدر على علاقة
تعاونية!!،
فهذا الحد
الأدنى من الوعي الفطري الذي تمارسه كل الجماعات البشرية التي لها مصالح
وأصول
مشتركة!، ويربطها مصير واحد)).
وما ما بعده من كلام الطيباوي فكله مجرد مشاعر وأماني في
نفس الطيباوي ليس لها علاقة بمنهج السلف الصالح!.
أما ثناء
الحلبي على مقال الطيباوي ونصحه بمطالعته:
فقد قال:
((جزاكم الله
خيرا أبا هارون على هذا المقال العلمي التأصيلي (الجريء) - بحق وبالحق-))
أقول: نعم هو جريء بحق، وليس
كالحلبي يخفي ما لا يبديه!!.
وقد عرفنا ما فيه من أباطيل
ومغالطات!!.
ولكن ((فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي
الصُّدُورِ)).
وأما قول الحلبي: ((ولقد استغربت(!) قلة عدد القراء -
نسبيا- لهذا المقال البديع، والذي من فوّته فقد فوّت على نفسه خيرا كثيرا))
أقول له:
هذا لأنَّ أكثر قرائكم لا يعرفون
ما يسفسط ويتفلسف به الطيباوي من كلمات!.
وقول الحلبي: ((وهذه دعوة مني لأبنائي وإخواني وأصحابي أن يبادروا
بقراءة هذا المقال الرائع، وأن ينهلوا من فوائده الكثار))
لا أملك إلا أن أذكِّر الحلبي
بقوله تعالى: ((لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ
كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ
عِلْمٍ)).
وأذكِّر مَنْ تبعه بقوله سبحانه:
((وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا
وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاً)).
وقال الحلبي: ((وإني لأكاد(!) أرى الطرف الآخر(...)
يحيص حيصة كبرى تجاه هذا المقال؛ ماذا يفعلون! وماذا يقولون!!، إنْ هو إلا التلقّط
والتسقّط – كالعادة!!!-))
أقول للحلبي:
قد أعرضتُ عن مقال الطيباوي في
أول الأمر، لأنَّ الوقت أثمن من الرد عليه حقيقة!، فلما رأيتُك تعتبر إعراض
السلفيين عن سفسطات الطيباوي حيصة كبرى وحيرة عظمى!، توكلتُ على الله تعالى،
وبينتُ عوار هذا المقال كما تقدَّم، وليس في الرد تلقط أو تسقط، بل فيه كشف
لتأصيلات هذا المتعاظم الجريء!.
وقال الحلبي: ((ولعلّي أقدّم لبعض متسرّعيهم(!)
-وهم الأكثرية!-نصا(!!) من كلام الأستاذ الطيباوي؛ يسرحون فيه، ويمرحون في بواطنه وخوافيه!!،
وليطلقوا - بعد - قذائف نيرانهم وإسقاطاتهم وتضليلاتهم وتبديعاتهم..و و و، !!!)).
أقول:
أما
بواطن وخوافي كلام الطيباوي فحق لا مرد له، فهو الفيلسوف المتمنطق!، الذي نحتاج
إلى أن نعرف بواطن كلامه وخوافيه!!، لكن العبرة بالظاهر والله يتولى السرائر!!.
انفخ
أيها الحلبي في الطيباوي كما تشاء، لكن احذر أن ينفجر في وجهك يوماً ما فتندم!.
وأحسن
مَنْ قال:
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيتُ في خلف يزكي بعضهم... بعضاً ليدفع معور عن معور
وقال
الحلبي: ((ألا وهو قوله -في هذا
المقال!- رد
الله عنه كيد الأعادي والعوادي:- "...فهذا الحد الأدنى من الوعي الفطري الذي تمارسه كل
الجماعات البشرية التي لها مصالح وأصول مشتركة، ويربطها مصير واحد..." فهل سيدّعون عليه - هذه المرة -وحدة الأديان؟؟!! أم ماذا - يا هذا - ؟!))
أقول للحلبي:
أما الكلام الذي نقلته عن
الطيباوي فهو ما يؤكِّد على تأثر هذا الرجل بمنهج الإخوان المسلمين!، وقد بينتُ
ذلك، والحلبي يعرف ذلك جيداً، ولهذا قطع أول كلام الطيباوي الذي يدل على قاعدة
التعاون والمعذرة!.
وأما اتهامه بوحدة الأديان؛ فيكفي
ما ذكره الطيباوي من تأويلات متكلِّفة وتسويغات متعسِّفة في الدفاع عن دعاة وحدة
الأديان؛ تجعله من مروجي هذه الفكرة الخبيثة!.
وأما قول الحلبي: ((نحن بانتظار المزيد
والجديد
فضيلة الشيخ أبي هارون)).
أقول:
(المزيد) في الانحراف عن الجادة!.
(الجديد) في إحداث الأصول المخالفة لمنهج السلف!.
ومن هذه التزكية من علي الحلبي للطيباوي:
نعرف يقيناً أنَّ الحلبي يتبنى ما يقوله كل ما يكتبه أتباعه
في منتديات كل السلفيين، وقد أثنى على كتاباتهم بصورة عامة وخاصة.
أقول هذا، حتى لا يأتي مكابر فيقول الحلبي لا يقبل مثل هذه
الكتابات ولا يتبنى مثل هذه التأصيلات فلا تنسبوا كلَّ ما يقال في منتديات كل السلفيين
له!!.
بل هو يتبنى ذلك كله إما تأييداً وموافقة وإما إقراراً. والله
الموفِّق.
وكتبه: أبو معاذ رائد آل طاهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.