الحمد لله والصلاة والسلام على
رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد لاحظتُ في كلام المأربي في
كتابه [الدفاع عن أهل الإتباع] كيف ينكر ردود الشيخ ربيع حفظه الله تعالى على
قيادات ورؤوس الإخوان المسلمين [مثل: حسن البنا وسيد قطب والمودودي والغزالي
وحكمتيار وغيرهم]!؛ بدعوى أنَّ كلام الشيخ ربيع في هؤلاء وردوده يلزم منه
تكفيرهم!.
يبدأ المأربي بصرف أنظار القراء
من النقاش في انحرافات القوم - هل هي ثابتة أم لا؟ وما حكم المتلبِّس فيها؟ وكيف
يُعامل؟ - إلى النقاش في ألفاظ الشيخ ربيع فيهم!؛ هل يستحقون مثل هذه الألفاظ أم
لا بد من تخفيفها وتهوينها؟، وهذه الألفاظ ألا يلزم منها تكفيرهم أم لا؟.
ومن أمثلة ذلك:
قال المأربي وهو يُعرض كلام الشيخ
ربيع في أحد أشرطته ويُعلِّق عليه؛ في كتابه [الدفاع عن أهل الإتباع 2 /438]: ((وفي شريط "لقاء في منزل أبي
معاذ" [أ]، قال [يقصد الشيخ ربيعاً]: "البنا دعا، الغزالي دعا إلى أخوة
اليهود والنصارى!، نتآخى ونقف صفاً واحداً في وجه الإلحاد!". فإذا كان الرجل
مقتنعاً بما يقول؛ فلماذا لا يصرح بكفره؟!، وقد سبق أن قال – كما في شريط
"لقاء مع فضيلته بحائل" [أ] -: "ما فيش أكفر من الدعوة إلى وحدة
الأديان" اﻫ.
فإما أن يصرِّح الرجل بما يعتقده من
تكفيره!، وإلا فهو متناقض!، أو لا يدري ما يخرج من دماغه!!!، أم أنَّ دعوة وحدة
الأديان من الأمور الخفية التي تحتاج إلى إقامة حجة؟!، وإذا كان الأمر كذلك؛
فلماذا تصفها بقولك: "ما فيش أكفر من الدعوة إلى وحدة الأديان"؟!!)). انتهى كلام المأربي.
قلتُ:
المأربي بهذا التهويل والتشغيب صرف ذهن القارئ من أصل الخلاف؛ وهو تبني حسن البنا ومحمد
الغزالي دعوة وحدة الأديان، إلى منازعة الشيخ ربيع في دعوى تكفير هؤلاء!!!.
مع
إنَّ الشيخ حفظه الله تعالى لم يزد عن ذكر ضلالاتهم!، ولم يتطرق إلى الحكم بتكفيرهم
أبداً!، لكنَّ المأربي ملبِّس ماكر، ومدافع عنيد عن الإخوان المسلمين؛ الذين يعتبرهم
- كما صرح بذلك - من أهل السنة!.
وقد
قال حسن البنا مؤسس حزب الإخوان المسلمين في كتاب [الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ1/409]:
((فأُقرر: أنَّ خصومتنا لليهود ليست دينية!!، لأن القرآن حَضَّ على مصافاتهم
ومصادقتهم!!، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية)).
ويقول
محمد الغزالي في كتابه [من هنا نعلم]: ((إنَّ هناك أُسساً لجمع المنتسبين
إلى الأديان في صعيد واحد؛ وهي تجمع بين اليهودي والنصراني والمسلم على أنَّهم إخوة
سواء بسواء!!!)).
وقال:
((إننا نستريح من صميم قلوبنا إلى قيام اتحاد بين الصليب والهلال!!، والذين
يخوضون في العلاقات بين عناصر الشعب المصري صنف من الناس لا يطمئن إلى تقواه ولا ابتغاء
وجه الله)).
وقال: ((فإننا يجب أن نمدَّ أيدينا وأن
نفتح آذاننا وقلوبنا إلى كل دعوة تؤاخي بين الأديان وتقرب بينها!، وتنتزع من قلوب
أتباعها أسباب الشقاق. إننا نقبل مرحبين على كل وحدة توجِّه قوى المتدينين إلى
البناء لا الهدم، وتذكرهم بنسبهم السماوي الكريم، وتصرفهم إلى تكريس الجهود
لمحاربة الإلحاد والفساد، وابتكار أفضل الوسائل لرد البشر إلى دائرة الوحي بعدما
كانوا يفلتون منها إلى الأبد)).
قلتُ: فدعوة وحدة الأديان ليس
معناها أن يقر أصحابها أنها كلها ديانات حقة ليس فيها أباطيل أو ضلالات!، وأنها
كلها تؤدي إلى مرضاة الله وجنته وليس بينها خلاف!؛ كما يزعم الطيباوي محرفاً
وملبساً!، كلا، بل يُراد بها: توحيد الأديان التي تنتسب في أصلها إلى إبراهيم عليه
السلام والتي لها رسول موحى إليه بكتاب منزَّل من عند الله، توحيد هذه الأديان
لمحاربة الإلحاد والفساد، وهذا في زمان البنا والغزالي حينما كانت الشيوعية
والماسونية هي القطب الأكبر في محاربة الأديان.
وأما اليوم وبعد سقوط الشيوعية
الملحدة، وتصاعد الإرهاب والتطرف الديني حتى صار يمثل القطب الجديد الذي حلَّ محل
الشيوعية، لهذا تُعقد مؤتمرات الحوار بين الأديان من أجل توحيد الجهود في محاربة
الإرهاب والتطرف!.
وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق في
الواقع؛ إلا بشرطين:
الأول: إيجاد القواسم المشتركة
بين الأديان؛ والتركيز عليها والعمل على تحقيقها.
الثاني: الإعراض عن الفوارق بين
الأديان والسكوت عنها، وعدم التعرض للآخر بسببها.
وكل دعوة تقوم على التقريب أو
التوحيد بين الفرقاء لا بد أن تبدأ بهذين الشرطين: العمل بنقاط الاتفاق، والإعراض
عن نقاط الخلاف، ولهذا قال الإخوان المسلمون: ((نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر
بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)).
فهذه هي حقيقة دعوات التقريب
والتوحيد الباطلة؛ فليفطن السلفي لهذا.
أقول: فهذه أقوال حسن البنا ومحمد
الغزالي؛ هل زاد الشيخ ربيع - في الكلام الذي نقله المأربي منتقداً مستنكراً! – عن
مجرد ذكر ما عندهم من ضلالات كما هي، فماذا يريد المأربي؟!
هل يريد أن نسكت عن بيان ضلالات
الإخوان المسلمين وأن نعرض عنها؛ وإلا لزمنا القول بتكفيرهم؟!!
والشيخ ربيع حفظه الله تعالى قد
شخَّص حال المأربي تشخيصاً دقيقاً فقال في كتابه الماتع ورده النافع المسمَّى [أبو
الحسن يدافع بالباطل والعدوان عن الإخوان ودعاة حرية ووحدة الأديان]:
((ومع هذه الغرابة؛ فالرجل لم
يسلك طريقة أهل العلم - أو حتى طريق أهل الباطل! - في الأخذ والرد وسوق ما يراه من
الحجج أو الشبه أو نفي ما أدينهم به من البدع والضلال!.
بل سلك طريقاً غريباً انفرد به!؛
وهو أنه يرى أنَّ مجرد سياق الكلام المنتقد وبيانه من هذا أو ذاك أو منهج هذه
الجماعات وعقيدتها أو تلك؛ يراه جريمة وتكفيراً من خلال إلزاماته الباطلة!. فإذا
سقتَ كلاماً لشخص معين وبينتَ ما فيه من الضلال، فهذه عنده تكفير المعين!، ومخالف
لمنهج السلف!، وغلو!؛ مع إنك لم تصرح بالتكفير!!)).
قلتُ: وهذه طريقة يستعملها كل
مميع!، بل ويستعملها الروافض والصوفية!!، الذين ينكرون على أهل السنة وصف الدعاء
من الأموات بالشرك، بدعوى أنَّ في ذلك تكفيراً لهم!.
واليوم الحلبي - وهو يحذو حذو
المأربي في كل شيء مع الأسف! - يستنكر على السلفيين - الذين بيَّنوا أنَّ رسالة
عمان تشتمل في طياتها على فكرة التسامح بين الأديان والتعايش السلمي بينها من خلال
إيجاد قاعدة مشتركة للالتقاء مع الأديان؛ وهذه هي فكرة وحدة الأديان - الحلبي ينكر
عليهم ذلك، ويعده تكفيراً لصاحب الرسالة والموقعين عليها والمؤيدين لها!!.
فماذا يريد الحلبي؟!
يريد من السلفيين أن يسكتوا عما
في رسالة عمان من ضلالات وانحرافات؛ وإلا لزمهم تكفير الحكام والموقعين على
الرسالة!، أو لزمهم فتح باب للخوارج للطعن في الحكام!!.
ولما كان الحلبي من المؤيدين
للرسالة، المثنين عليها، المدافعين عنها، فقد تكلَّم الشيخ ربيع والمشايخ وطلبة
العلم فيه بسبب ذلك، ولكنه أصرَّ وعاند وراوغ وتلاعب وجنَّد أنصاره لنصرة هذه
الرسالة ومحاربة مَنْ يطعن بها ويبين ما فيها من باطل وضلال، حتى حكم المشايخ
بتبديعه في آخر المطاف بعد أن عجزوا معه.
واليوم الحلبي يطالب السلفيين
الذين بدَّعوه بتكفيره!، ويقرُّ على نفسه أنه قد توفرت فيه شروط التكفير!، وانتفت
عنه موانعه!، وقامت عليه الحجة!، فيلح بشدة على السلفيين على الحكم بتكفيره وأن لا
يكتفوا بتبديعه!!، ويعد تبديعه تنازلاً مرفوضاً أو تناقضاً مردوداً!!!.
وهذا الأمر – حقيقة – غريب، يدل
على المستوى المنحدر الذي بلغه هذا الرجل!.
فبدلاً من أن يثبت بالأدلة
والبراهين وأقوال أهل العلم أنَّ الرسالة ليس فيها ما يدل على فكرة وحدة الأديان،
ويثبت أنَّه لا فرق بينها وبين رسالة الإسلام الحق الوسطية؛ وهي شارحة لها، أو
ينفي عن نفسه أنه يثني على هذه الرسالة، بدلاً من ذلك: راح يصرف أنظار القراء إلى
مسألة تكفيره وتكفير الموقعين والمؤيدين!.
يطالب الحلبي الشيخ ربيعاً حفظه
الله تعالى أن يكفِّره!؛ ما دام أنه – يعني الحلبي - يقول بوحدة الأديان ويدافع
عنها، مع علمه بأنها عقيدة كفرية، وصرَّح بذلك من غير إكراه، وبقصد القلب.
فيتساءل الحلبي:
لماذا توقف الشيخ ربيع في تكفيره؟
أو
لماذا تنازل من التكفير إلى
التبديع؟!
والحلبي يريد جواباً على هذا
السؤال.
وجوابه هو:
أنَّ مانع (الجهل) الذي يمنع من
تكفير المعين ليس المراد به: جهل الحكم وهو الكفر وما يترتب عليه، بل يراد به: جهل
ما في القول أو الفعل من كفر.
مثال للتوضيح:
المسلم الذي يجهل أنَّ الدعاء من
الصالحين الأموات شرك، لكنه يعلم أنَّ الشرك لا يغفره الله، ويحبط العمل، ويجعل
صاحبه مخلداً في جهنم.
فهذا يجهل ما في قوله أو عمله من
شرك، لكنه لا يجهل الحكم!، فهذا معذور بالجهل.
لكنَّ المسلم الذي يعلم أنَّ
الدعاء من الصالحين الأموات شرك، لكنه يجهل الأحكام المترتبة على ذلك في الدنيا
والآخرة، فهذا يجهل الحكم!، فليس بمعذور.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح كشف الشبهات: ((فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين:
الأمر الأول: دلالة الكتاب
والسنة على أنَّ هذا مكفِّر؛ لئلا يفتري على الله الكذب.
الأمر الثاني: انطباق الحكم
على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه، وتنتفي الموانع.
ومن أهم الشروط: أن يكون
عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره؛ لقوله تعالى: "ومَنْ يشاقق الرسول من بعدما
تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً"،
فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له.
ولكن؛ هل يشترط
أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره، أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة
وإنْ كان جاهلاً بما يترتب عليها؟
الجواب: الظاهر
الثاني؛ أي إنَّ مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم
بما تقتضيه؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان
لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة، ولأنَّ الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم
وإنْ كان جاهلاً بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالماً ما زنى)).
ثم ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى - بعد
هذا - كلاماً نافعاً في مسألة التوقف في التكفير لشبهة أو تأويل، مع عدم التوقف في
التبديع، وضرب مثالاً في ذلك: الخوارج؛ الذين كفَّروا أكثر الصحابة واستحلوا دماء
المسلمين، ولم يرد عن أحد من الصحابة أنه كفَّرهم؛ مع إنَّ استحلال دماء المسلمين
كفر كما هو معلوم، ومع هذا لم يتوقفوا في تضليلهم وقتالهم ومفارقتهم وتسميتهم
بالخوارج.
ونضرب مثالاً آخر: الجهمية؛ الذين
قالوا بخلق القرآن، فإنَّ الإمام أحمد رحمه الله تعالى دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما
فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، فلم يحكم بكفرهم، لكنه بدَّعهم
وضللهم.
أقول: فهؤلاء المبتدعة لم يكفروا
لمانع التأويل والشبهة، ولكنهم مبتدعة!.
فأي شيء يعيبه الحلبي على الشيخ
ربيع حفظه الله تعالى؟!
هل توقف السلف الصالح في تبديع
هؤلاء؟
كلا.
هل توقف السلف الصالح في تكفيرهم؟
نعم.
فأين المخالفة؟!
وأي الفريقين موافق لما عليه
السلف؟!
الجواب يعرفه اللبيب الفطن.
وينبغي أن نعلم أنَّ أصل الخلاف
مع الحلبي في مسألة رسالة عمان هو:
هل رسالة عمان تحتوي في طياتها
على الدعوة إلى وحدة الأديان أم لا؟!
وكان على علي الحلبي أن يقبل حكم
الشيخ العباد حفظه الله تعالى - ولطالما تمسَّح به وتستر - ولكنه تجرأ هذه المرة وخرج
على الشيخ العباد نفسه، وجعل ما استنكره الشيخ العباد من رسالة عمان - بعد أن لاحظ
فيها الشيخ حفظه الله تعالى عبارات ترشد إلى هذه الفكرة الخبيثة القبيحة الباطلة -
هو الدليل الظاهر الجلي على سلامة الرسالة من فكرة وحدة الأديان!!.
وقد فصَّلتُ ذلك في مقال [أمثلة
من مخالفات الحلبي للشيخ العباد حفظه الله تعالى].
فبمَنْ يقبل الحلبي حَكماً؛ إنْ
رفض حكم الشيخ العباد؟!
وأي انتكاسة في الفهم بلغها هذا
الرجل؟!
ومسألة أخرى: وهي أنَّ الحلبي أقر
– أخيراً - أنَّ رسالة عمان عليها ملاحظات وانتقادات؛ فقال مخاطباً الشيخ ربيع: ((هل لا تَزالُ سدَّدَكَ اللهُ غارِقاً في وَهَم ومُغالَطَةِ أنَّ
"رسالة عمّان - مَعَ التسليمِ بأنّ عليها
مُلاحظاتٍ، أو انتقاداتٍ- تدعُو إلى عقيدةِ (وحدة الأديان) – الكُفريَّة -؟!)).
أقول: وفي كلامه هذا أمور:
الأول: هذا الكلام
يدل على أمرين؛ إما أنَّ الحلبي لا زال يجهل فحوى هذه الرسالة التي تدل على فكرة وحدة
الأديان، وإما أنَّ تهوينه وتمييعه الذي صار نهجاً جديداً له في كل خلاف أو مخالفة
هو السبب؛ والأمر الثاني هو الأظهر، والله أعلم.
الثاني: لم يذكر الحلبي
ما هي هذه الملاحظات أو الانتقادات؟!
ومعلوم أنَّ القراء لا يعرفون عنه إلى الآن إلا ثناءه العام
على فحوى الرسالة!!، فكان الواجب عليه أن يبيِّن هذه الملاحظات، والمقام مقام بيان.
وقد قال الحلبي: ((السلفيُّ
الفَطِن هو الذي يَخافُ اللهَ تعالى ويتَّقِيهِ، ولا يُقيمُ
لِتخوِّفِهِ
مِن بعضِ
الخَلْقِ أو
إرهابِهم
له - كائناً
مَن كان كيفما كانَ! - وَزناً؛ "فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ")).
فأين العمل بهذا التوجيه؟!
الثالث: أنَّ الحلبي يستعمل الألفاظ التي تهوِّن من حجم المخالفة!،
فسمى الكفريات أو الضلالات أو المنكرات أو الانحرافات بأنها (ملاحظات أو انتقادات)،
ولو وجد ألفاظاً أهون لأستعملها هنا!.
ولا أدري كيف تكون مجرد ملاحظات أو انتقادات؛ بينما يقول
في بعض عباراتها الشيخ العباد: ((أما كونه يقال: إنَّ الديانات بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها
حق!، وأنها معتبرة!، وأنه لا فرق بينها!؛ فهذا
الكلام من أبطل ما يكون, ومن أقبح ما يكون)).
ولينظر القارئ ماذا فهم الشيخ العباد من الرسالة؟!
الديانات كلها حق!
الديانات كلها معتبرة!
لا فرق بين الديانات!
ألا يعني هذا؛ أنَّ الشيخ العباد حفظه الله تعالى فهم - من
فقرة واحدة من فقرات الرسالة! - أنها تدعو إلى فكرة وحدة الأديان؟!
أم إنه يُسأل عن رسالة عمان، فيتكلَّم عن غيرها؟!
ثم كيف يُقال لمجرد ملاحظات إنها من أبطل ما يكون ومن أقبح
ما يكون؟!
أم إنَّ هذا من الغلو في الألفاظ أيضاً؟!
وكذلك لينظر القارئ إلى ما وصف به الشيخ الفوزان رسالة عمان:
((هذا كلامٌ ضلالٌ والعياذ بالله))، ((هؤلاء ليسوا مؤمنين، ليسوا من المؤمنين، فهذا خَلْطٌ وتضليل للنَّاس،
يجب إنكاره)).
بل هذا الطيباوي – صاحب التزكيات والثناء العريض من قبل الحلبي!
– يقول في وصف الرسالة:
((وبعد قراءتها بتمعن وروية وجدتُ في نصها الأصلي أو ميثاقها
أموراً باطلة في ديننا!!، إما بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر، وإنْ كان يوجد فيها ما
يُستغلّ لتأويل هذه الأمور.
جاء فيها: "هذه الرّسالة
السمحة
التي أوحى
بها الباري
جلّت قدرته للنبي الأمين محمد صلوات الله وسلامه عليه، وحملها خلفاؤه وآل بيته من بعده عنوان
أخوّة إنسانيّة، وديناً يستوعب النشاط الإنساني كله، ويصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى
عن المنكر، ويكرّم الإنسان، ويقبل الآخر".
وصفهم الإسلام بأنه رسالة سمحة،
أوحى بها الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيه: إقرار بأنَّ الإسلام دين الله،
وأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم نبي ورسول الإسلام، فهذا جيد.
لكن التعريف الحق هو: أن يبيّنوا
أنَّ الإسلام نسخ كل الأديان، فلا يقبل الله دينا سواه، وأنَّ محمداً صلى
الله عليه وسلم خاتم الرسل والنبيين.
ولكن هل من الحكمة في سياق الدفاع
عن الإسلام والتعريف به أن يبدؤوا بهذا القيد؟!)).
قلتُ: فوصف الطيباوي الرسالة بإنَّ فيها أموراً باطلة في
ديننا، يعني ليست مجرد ملاحظات كما يزعم الحلبي!!.
ثم لينظر القارئ إلى دفاع الطيباوي وتأويلاته لهذه الأمور
الباطلة:
قوله: ((وصفُهم الإسلامَ بأنه رسالة سمحة،
أوحى بها الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيه: إقرار بأنَّ الإسلام دين الله،
وأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم نبي ورسول الإسلام، فهذا جيد)).
قلتُ: وهل يُنكر هذا اليهود
والنصارى الذين يقبلون فكرة حوار الأديان ومن ثم دعوة وحدة الأديان؟!
هم يقرون بأنَّ الإسلام دين الله!
ويقرون أنَّ محمداً نبي الإسلام!
لكن؛ هل الإسلام دين الله الذي لا
يقبل سواه؟!
وهل أديانهم سماوية أو محرفة؟
وهل النبي صلى الله عليه وسلم
رسول لجميع العالمين أم للمسلمين فقط؟
هذا الذي لا يقرون به!
فأين الجديد الذي يستحق أن يوصف
بأنه ((جيد))؟!!
أما قوله: ((لكن التعريف الحق هو: أن يبيّنوا
أنَّ الإسلام نسخ كل الأديان، فلا يقبل الله دينا سواه، وأنَّ محمداً صلى
الله عليه وسلم خاتم الرسل والنبيين)).
قلتُ: نعم هذا هو المفروض، لكن هل
تعرضت الرسالة لذلك؟!
كلا!
فماذا يعني هذا؟!
يعني: تمييع الثوابت وتضييع
المسلَّمات!!.
وأما قوله: ((ولكن هل من الحكمة في سياق الدفاع
عن الإسلام والتعريف به أن يبدؤوا بهذا القيد؟!)).
قلتُ: سبحان الله!
وهل الحكمة – في مفهومكم! – تعني التمييع والتضييع؟!
هل من أجل الدفاع عن الإسلام والتعريف به يجب أن لا أذكر
مسلمات وثوابت لا يصح دين المرء إلا بها؟!
هذا تسويغ واضح لدعاة فكرة وحدة الأديان!؛ فلينتبه الطيباوي
وأمثاله لهذا.
ثم يقولون: نحن لا ندافع عن وحدة الأديان!!
وقال الطيباوي: ((وجاء فيها: "ذلك أنّ
أصل
الديانات
الإلهيّة واحد"، وصف المسيحية واليهودية الحالية بأنها ديانات إلهية كلام
باطل!، بل هي ديانات شيطانية!!، وكما قال ابن القيم في (هداية الحيارى): الأديان
ستة، واحد للرحمن وخمسة للشيطان، وهذه الأديان الستة مذكورة في آية الفصل في قوله
تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ
وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ
بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"
الحج. فالعبارة
الصحيحة أن
نقول: "أصل الديانات الإلهي"، ولعل هذا كان قصد المحررين للرسالة، أما
الديانات
الحالية فشيطانية)).
وقال الطيباوي: ((وجاء فيها: "ترفضها الديانات
السّماوية السمحة جميعها"، قلتُ: هذا خطأ بيّن، لا يوصف بالسماحة إلا
الإسلام، وهذا مدخل لفظي إلى عقيدة وحدة الأديان!!، وإنْ لم يقصده – ربما - كاتب الرسالة،
لأنَّ الديانات الأخرى ديانات شيطانية كافرة!، لا سماحة فيها، ولا خير، وهي محل
سخط الله، فيجب أن تكون محل سخط المسلم. ووصفها بأنها سماوية وصف لها بالشرعية،
والأولى تسميتهم كما سماهم القرآن: أهل الكتاب)).
قلتُ: ظاهر من كلام الطيباوي أنه
يستنكر ما في الرسالة من باطل وضلال، ولكنه لا يريد إظهار حجمه وثقله كما هو؛ لئلا
يُطعن في الحلبي الذي أثنى عليها!!.
ومع هذا؛ لم يتحمَّل الطيباوي في
آخر المقال فصرَّح قائلاً:
((وقد قمتُ بنفسي بسؤال الشيخ
الحلبي - كتابة - عن الأمر، فقال لي: "بأنه لم يثن على بنود الرسالة!، وإنما كانت خطبته
أمام ولي أمر بلده!!، فمدح المبادرة التي جاءت في عقب سلسلة تفجيرات استهدفت بلدهم، والتي
كان القصد منها - أي الرسالة - دفع تشويه الغرب للإسلام، وتحريضه على
المسلمين. وأنه يستنكر ويرفض كل كلمة وردت في هذه الرسالة أو في غيرها تخالف القرآن
أو السنة أو الإجماع". ففهمتُ من كلامه أنه يوم أثنى عليها لم ينتبه إلى تفاصيل ما جاء في هذه
الرسالة، وإلى ما حوته من مخالفات لشريعتنا الغراء)).
قلتُ: وهذا تصريح من الطيباوي في
تخطئة الحلبي في ثنائه على رسالة عمان!
وإذا كان الأمر هكذا؛ فلماذا كان
الحلبي يُراوغ ويصر على سلامة الرسالة من المخالفات!؛ والتي منها: ألفاظ لها
مدخل
إلى عقيدة
وحدة الأديان كما أقر الطيباوي هنا؟!
وأما كون الحلبي لم يثن على بنود
الرسالة؛ فهذا لا يعفيه عن الإدانة!، لأنه أثنى على فحوى الرسالة كما صرح، وفحواها
الدعوة إلى هذه الفكرة الخبيثة!.
وأما كونه أثنى عليها بين يدي ولي
أمرهم؛ فهذا جزء من الحقيقة!، فقد أثنى عليها في كتابين أو ثلاث من كتبه منتشرة،
ولا زال ثناؤه إلى الآن!، وأثنى عليها طلابه وأنصاره ثناء كبيراً، وقاموا بنصرتها
وشرحها في عدة مقالات ومجالس ولقاءات؛ ولا زالت في منتداهم إلى الآن!!.
ولم يبين لا الحلبي ولا طلابه ولا
أنصاره شيئاً من هذه المخالفات أو الملاحظات!!.
بل قاموا بتسويغها وتأويلها
تأويلاً متعسِّفاً، يدل على تأثرهم بهذه الفكرة الخبيثة!؛ والله المستعان.
ولا أعرف – بحسب علمي – أحداً
منهم انتقدها وذكر شيئاً مما فيها من مخالفات إلا الطيباوي على حياء!.
ومقال الطيباوي [صِناعَة
التَّبدِيع فِي زَمَن الشَّيخ رَبِيع - النَمَوذَج: وَحْدَةُ الأَديَان
-] يشتمل على
عدة تناقضات ومغالطات وتحريفات وتلبيسات!، هذا ما عدا مقدماته السفسطائية
الفلسفية!، لكنه صرَّح فيه بشيء من مخالفات أو ضلالات رسالة عمان، وأوَّلَ الباقي؛
وهو الأصرح والأظهر!!!.
ثم يقولون:
نحن لا ندافع عن وحدة الأديان!!
أقول:
وأكتفي بهذا القدر، وأما باقي كلام الحلبي في مقاله الجديد
فمجرد تهويل وتشغيب شبعنا منه ومن أمثاله مثل ذلك، فلا يستحق الجواب عنه، ولا ضياع
الوقت فيه.
والله الموفِّق.
استدراك:
ولا يقول الحلبي كما يقول الطيباوي: فرقٌ بين وحدة الأديان وبين التسامح
الديني والأخوة الإنسانية؛ لأنَّ الحلبي بنفسه صرَّح أنَّ هذه الثلاثة كفريات!!!. وذلك
حينما قال في أحد هوامشه في تحقيقه لكتاب العبودية:
((فدندنة بعض
العصرانيين حول (وحدة الأديان) و (التسامح الديني) و (الأخوة الإنسانية) من
ضلالات هؤلاء
المبطلين!، وانحرافاتهم!، بل كفرياتهم!!، وإنما يريدون بذلك اجتثاث أصل
الإسلام!، ومحو حقيقة دين الله من النفوس!، فالحذر الحذر!!)).
أقول:
فأين الحلبي اليوم من حلبي الأمس؟!
بالأمس كانت هذه الألفاظ ضلالات وانحرافات وكفريات.
واليوم صارت ملاحظات وانتقادات!!
أو خطأ لفظي أو مدخل لفظي!!!
وأما قوله (هؤلاء المبطلين)؛ فلماذا ينزعج إذا وصفه أحد بذلك؟!
ولينظر القارئ إلى قوله: (اجتثاث أصل الإسلام!) و (محو حقيقة دين الله من النفوس!).
هل هذا تكفير أو غلو أو خروج؟!
فلماذا التشنيع والتشغيب والتهويل اليوم؟!
والعجيب:
أنَّ الحلبي قال في أحد مقالاته بعد أن ذكر تعليقه السابق على كتاب العبودية: ((فجزى الله خيراً مَنْ دلّني على هذا
النقل)).
أقول:
نعم،
دلَّك عليه، لكن هل استفدتَ منه؟!
لا
نرى ذلك!
بل
ازددتَ عناداً وإصراراً في محاربة ومعاداة الذين لم يزيدوا على ما كنتَ تقوله في الماضي!.
وأقول:
فنحن لا نرى فرقاً من حيث أصل الدعوة وغايتها
ووحدتها بين رسالة عمان وبين مضامين رسالة عمان؛ وهذا واقع ما له من دافع.
ثم لماذا لا يبين لنا الحلبي أو أحد أنصاره ما
هو الفرق بين رسالة عمان وبين الملخص أو المحاور أو المضامين؛ إنْ كانت هناك فروق حقيقية
– لا لفظية - بينها؟!
أبو معاذ رائد آل طاهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.