قال أبو عبد الحق الكردي في رسالته "قذائف الحق"
ص23: ((نعم إنَّ أحكام العلماء على الدعاة اجتهادية)).
وقال في "الجواب الصريح لمن بدَّل الدين
الصحيح" ص81: ((فهو - أي الشيخ ربيعاً - يرى أنَّ أحكامه على الرجال اجتهادية
وليست نصية)).
وفي موضع آخر قال ص83: ((ونحن لا ندعوكم إلى تقليد الشيخ
ربيع، ولا نقول كما تفترون علينا: أنَّ أحكامه على الرجال نصية وليست اجتهادية، بل
هي اجتهادية ومحتملة للخطأ)).
وكلامه هذا عليه وقفات:
الأولى/ معنى [أحكام علماء الجرح والتعديل في الرجال
اجتهادية محتملة للخطأ] أي أنها غير ملزمة للآخرين، فهي مثل المسائل الفقهية
الاجتهادية التي لم يرد فيها نص فتحتمل الصواب وتحتمل الخطأ، ولا تشنيع فيها ولا
تغليظ، وهذا ما يدندن حوله الحلبي ومن كان على طريقته.
قال علي الحلبي في خاتمة [جوابه على رسالة صادق البيضاني
حول "قضايا منهجية"]: ((لو أنَّنِي اختَرْتُ في "محمد حسَّان"
و "الحُوَينِي" مثلاً أو غيرهما قولاً يُناقِضُ القولَ الذي اختارَهُ بعضُ
المشايخِ والعُلماءِ - مِن الطَّعنِ بهِما -؛ فهَل في هذا ما يُناقِضُ منهجَ أهلِ السُّنَّةِ
وطريقتَهم في أحكامِ الجَرحِ والتعديلِ؟! نَعَم؛ أنا أتكلَّمُ عمَّن لهُم أصولٌ سُنِّيَّةٌ
سلفيَّةٌ واضحةٌ صريحةٌ، ولا أتكلَّمُ عن الحزبيِّين والتكفيريِّين -ومَن لَفَّ لَفَّهُم-!.
وعليهِ؛ فإنَّ مخالفتي - أو عدَمَ مُوافقتِي - للشيخ فلان!
أو فُلان في طَعْنِهِ بِفُلانٍ أو فُلان - ممَّن هُم على أُصولِ نَهْجِ السَّلَفِ والسُّنَّةِ
- لا أُؤاخَذُ بها -ألبتَّة؛ ذلكم أنّي - في الوقتِ نفسِهِ - مُوافِقٌ مَن لا يقلُّ
عنهُ مكانةً مِن أهلِ السُّنَّةِ - مِن فُضلاءِ العصرِ وعُلمائهِ - إن لم يكُن أكثرَ
وأكبرَ.
ناهِيكَ عن أصلٍ علميٍّ راسخِ مُقَرَّرٍ، وهو: أنَّ الاختلافَ
في الجَرحِ والتعديلِ - مِن جهةِ الضَّبْطِ، أو العدالةِ، أو البِدعةِ - خلافٌ اجتهاديٌّ
سُنِّيٌّ مُعْتَبَرٌ في القديمِ والحديثِ ضِمنَ الضوابطِ العلميَّةِ المعروفةِ؛ وهذا
جدُّ واضحٍ، ودلائلُ ذلك وشواهدُه - النظريَّة، والتطبيقيَّة - أكبرُ وأكثرُ مِن أنْ
تُحصَرَ،فلا يُجادَلُ بها!، ولا يَنفِي هذا أو يُعارضُ لُزومَ وُجودِ التَّناصُحِ بيننا،
وإبداءِ وُجوه التَّواصِي بالحقِّ والصَّبرِ والمَرحمَة فينا)).
وقال عبد المالك رمضاني في جلسته مع التونسيين: ((أجمع العلماء
أنَّ مسائل الجرح والتعديل مسائل اجتهادية، أجمع العلماء كلهم؛ نستغرب كيف يتوقفون
في هذا الباب؟!)).
وقال أبو العباس عماد طارق - أحد مشرفي منتديات كل
السلفيين - في حلقته الأولى [مبنى الحكم على الرجال: هل هو اجتهادي أو نصي؟] في
سلسلته "بين منهجين": ((أما وقد انتفى النص بموت النبي صلى الله عليه وسلم
فلم يبقى سوى الاجتهاد مصدراً في الحكم على الرجال, ولهذا فقد أطبقت كلمة علماء الأمة
في فنِّ النقد على أنَّ مبنى الحكم على الرجال داخل في باب الاجتهاد))، وقال أيضاً:
((فشيخنا - الحلبي - بحمد الله قد بنى كتابه على ما اتفق عليه أئمة المسلمين في مختلف
العصور من أنَّ مبنى الحكم على الرجال مرده إلى الاجتهاد ومبناه عليه, فهو متبع لأقوال
السلف غير مبتدع؛ كما يزعمه أهل البهت والعدوان)).
والقول بأنَّ كلام علماء الجرح والتعديل في الرجال من
باب الاجتهاد يقتضي تأصيل الأصول الباطلة في الدفاع عن المبطلين ومنها "لا
يلزمني" و "لا يقنعني".
وقد سُئل الشيخ ربيع حفظه الله في [محاضرة مشتركة بين الشيخ
ربيع والشيخ علي بن ناصر الفقيهي يوم الخميس 28 شوال 1431 ه]: هل مسائل الجرح والتعديل
اجتهادية؟ وكيف نرد على مَنْ يقول ذلك؛ وأنه لا يلزمني قول الشيخ الفلاني؟!
فكان جواب الشيخ ربيع حفظه الله: ((مجموعة من المدسوسين
على المنهج السلفي واللابسين للمنهج السلفي زوراً ركَّزوا عل قضية الجرح والتعديل،
"نصحح ولا نجرح" "نريد منهجاً واسعاً أفيح يسع الأمة كلها"
"نصحح ولا نهدم"، يعني ما في تغيير لمنكر ولا بدعة ولا أي شيء، والأمة كلها
في المنهج الواسع الأفيح، حتى الروافض يدخلون، وشرعوا يكيلون التهم للجرح والتعديل
ومن يقوم به، حتى وصل بعضهم [وهو الحلبي] إلى أن يقول: "إنَّ الجرح والتعديل ليس
له أدلة في الكتاب ولا في السنة" الله أكبر!، قلتُ لهذا القائل: كيف تقول هذا
الكلام؟! قال: "خطأ لفظي"!، بعدما نشره في أشرطة قال: "هذا خطأ لفظي"!،
هذا خطأ جوهري، القران مليء بأدلة الجرح والتعديل، طعن في قوم فرعون، طعن في قوم نوح،
طعن في قوم هود، في قوم صالح، في قريش، في أبي لهب في .. ، السنة فيها مليئة، منهج
السلف فيها مليء، وهو سلاح في وجه أهل البدع، فيريدون تحطيم هذا السلاح، وتجريد السلفيين
من هذا السلاح الذي استمد من كتاب الله ومن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، طلع
أول واحد يحارب الجرح والتعديل!، وطلع الثاني!، والثالث!، والرابع! ... ، والعاشر!،
ويتبعهم أفواج!!، وهؤلاء الذين حذرَّتكم منهم يلبسون لباس السلفية ويفرِّقون السلفيين
بهذه القواعد وبهذه التأصيلات، بارك الله فيكم.
واحد قتل نفساً ورآه شاهدان عدلان، أديا بالشهادة عند الحاكم
الشرعي، بماذا يحكم؟ يحكم بالقصاص وإلا خالف كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة
والسلام "وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ"، وأدلة الشهادات وأدلة الجرح
والتعديل شيء واحد، فإنَّ غير العدل لا تقبل شهادته وغير العدل لا تقبل روايته، الكذاب،
الخائن، الذي لا يضبط الكلام؛ هذا لا تقبل منه شهادة ولا يقبل منه جرح ولا تعديل.
وإذا كان عالماً وضابطاً ومتقناً وطعن في شخص قال:
"فلان كذاب"، يجب على الناس أن يقبلوا قوله، وسار السلف على هذا المنهج،
"فلان كذاب" كذاب، "فلان سيء الحفظ" سيء الحفظ، فلان مبتدع، مرجئ،
خارجي، معتزلي كذا ... ، خلص، قالها أحمد، قالها ابن معين، قالها ابن المديني، قالها
البخاري، مشت، كيف؟ لأنَّ الله أمر بقبول خبر العدل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا"، فلا تتبين وتتثبت إلا
من خبر الفاسق، خبر الفاسق ما تقول كذب، يحتمل الصحة؛ لكن أنتَ لا تقبله، تثبت، لكن
خبر العدل ما دام عدلاً ضابطاً ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن تقبل هذا
الخبر، ودواوين السنة مملوءة بأخبار هؤلاء الصادقين، الصادق العدل يروي عن الصادق العدل
على رسول الله عليه الصلاة والسلام، قام ديننا على هذا.
فهؤلاء يريدون أن يسقطوا قواعدنا التي قام عليها ديننا وحديث
رسول الله والنقل عن الصحابة والنقل عن الأئمة، بارك الله فيك، كثير منه يأتي عن العدل الواحد عن العدل
الواحد ويمشي، ويجب قبول هذا بدليل "إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا"،
"وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ".
وفي الأخبار يُكتفى بخبر الواحد فقط، ورسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يرسل شخصاً واحداً إلى كسرى وتقوم به الحجة، ويرسل إلى قيصر شخصاً واحداً
فتقوم عليه الحجة، وإذا ما دخل في الإسلام بتبليغ رسالة هذا الفرد العدل الصادق، إذا
رفض الإسلام ولم يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسول الله يجهز له الجيش، وجهز
عليه الصلاة والسلام لغزوة تبوك للروم بناء على إنهم رفضوا هذه الدعوة التي بلغها رجل
واحد، ويرسل إلى البحرين، ويرسل إلى عمان، ويرسل إلى اليمن، أفراداً يرسل وتقبل أخبارهم،
وتبنى عليهم الحجة، ومن لا يقبل خبرهم تجهز له الجيوش، كيف الآن عشرة، خمسة عشر سلفياً
يتفقون على قضية معينة فترفض، ويقول لا بدَّ من الإجماع.
ومن قواعدهم: أنه لا يقبل جرح وتعديل شخص ولو قال عشرة من
الأئمة المعاصرين أنَّ فلاناً مبتدع عنده كذا وكذا، ما يقبل منهم، هذا من هؤلاء الذين
حذرتكم منهم يدَّعون السلفية وهم يهدمون المنهج السلفي وقواعده وأصوله.
وكم لهم من التأصيلات الفاسدة "لا يلزمني"، تجيء
تنقلُ من كتاب: فلان قال في الكتاب الفلاني في الصفحة الفلانية كذا وكذا؛ ضلالاً واضحاً
كالشمس، يقول لك: "ما يلزمني هذا الكلام"، أيده عشرات في هذا الكلام يقول
لك: "ما يلزمني"، عندهم قاعدة "ما يلزمني"، عندهم قواعد لرفض الحق،
وقواعد لرد الحق، وقواعد في رد قواعد الجرح والتعديل.
فتعلموا قواعد الجرح والتعديل وانظروا منهج السلف وسيروا
على نهجهم، ودعوكم من هؤلاء المضللين المهوِّشين على دين الله الحق وعلى المنهج السلفي
وأهله)).
الثانية/ كلام علماء الجرح والتعديل في الرجال من باب
الأخبار، وهؤلاء العلماء عدول ثقات، فأخبارهم من باب أخبار الثقات، وأخبار الثقات
يجب الأخذ بها.
قال العلامة الصنعاني رحمه الله في [توضيح الأفكار 2/
118 - 119]: ((والتزكية والجرح: من باب الأخبار؛ إذ مفاد قول المزكي:
"فلان عدل" أي: آتٍ بالواجبات تارك للمقبحات محافظ المروءة، وقوله جرحاً:
"هو فاسق" لشربه الخمر مثلاً، الكل إخبار عدل، يجب قبوله لقيام الأدلة
على العمل بخبر العدل؛ وليس تقليداً له.
كما سلف للمصنف رحمه الله نظيره في قول العدل: "هذا
الحديث صحيح"، فإنه قال: إنه خبر عدل، وإنَّ قبوله ليس من التقليد، وإنْ كان ناقض
نفسه في محل آخر، وقد قررنا الصحيح من كلاميه.
والحاصل: أنَّ الدليل قد قام على قبول خبر العدل؛ إما عن
نفسه بأنْ يخبر بأنه ابن فلان أو أنَّ هذه داره أو جاريته، فهذا لا كلام في قبول خبره
عنه بالضرورة الشرعية، بل يقبل خبر الفاسق بذلك، بل أبلغ من هذا أنه يجب قبول قول الكافر:
لا إله إلا الله؛ ويحقن دمه وماله ونعامله معاملة أهل الإيمان لأخباره بالتوحيد وإنْ
كان معتقدًا لخلافه في نفس الأمر كالمنافق.
وإنْ كان خبره عن غيره كروايته للأخبار قُبل أيضاً، وإنْ
كان عن صفة غيره بأنه "عدل" أو "فاسق" قُبِل أيضاً؛ إذ الكل خبر
عدل، وقبول خبره ليس تقليداً له؛ بل لما قام عليه من الدليل في قبول خبره، هذا تقرير
كلام أهل الأصول وغيرهم، ولنا فيه
بحث أشرنا إليه في أوائل حاشية ضوء النهار)).
وقال العلامة الصنعاني رحمه الله في [إرشاد النقاد 108 -
114]: ((فصل: في سبب اختلاف الأقوال في الجرح والتعديل؛ أما ما أشار إليه السائل -
دامت إفادته - من أنه قد يختلف كلام إمامين من أئمة الحديث فيضعف هذا حديثًا وهذا يصححه،
ويرمي هذا رجلاً من الرواة بالجرح وآخر يعدله؛ فهذا مما يشعر بأنَّ التصحيح ونحوه من
مسائل الاجتهاد الذي اختلفت فيه الآراء؟
فجوابه: أنَّ الأمر كذلك؛ أي أنه قد تختلف أقوالهم، فإنه
قال مالك في ابن إسحاق: "إنه دجَّال من الدجاجلة" وقال فيه شعبة: "إنه
أمير المؤمنين في الحديث"، وشعبة إمام لا كلام في ذلك، وإمامة مالك في الدين معلومة
لا تحتاج إلى برهان؛ فهذان إمامان كبيران اختلفا في رجل واحد من رواة الأحاديث، ويتفرع
على هذا الاختلاف في صحة حديث من رواية ابن إسحاق وفي ضعفه.
فإنه قد يجد العالم المتأخر عن زمان هذين الإمامين كلام شعبة
وتوثيقه لابن إسحاق فيصحح حديثاً يكون من رواية ابن إسحاق قائلاً قد ثبتت الرواية عن
إمام من أئمة الدين وهو شعبة بأن ابن إسحاق حجة في روايته وهذا خبر من شعبة يجب قبوله.
وقد يجد العالم الآخر كلام مالك وقدحه في ابن اسحاق، القدح
الذي ليس وراءه وراء، ويرى حديثاً من رواية ابن إسحاق فيضعف الحديث لذلك؛ قائلاً قد
روى لي إمام وهو مالك بأنَّ ابن إسحاق غير مرضي الرواية ولا يساوي فلساً، فيجب رد خبر
فيه ابن إسحاق.
فبسبب هذا الاختلاف حصل اختلاف الأئمة في التصحيح والتضعيف؛
المتفرعين عن اختلاف ما بلغهم من حال بعض الرواة، وكل ذلك راجع إلى الرواية لا إلى
الدراية، فهو ناشئ عن اختلاف الأخبار، فمن صحَّح أو ضعَّف فليس عن رأي ولا استنباط
كما لا يخفى؛ بل عملٌ بالرواية، وكل من المصحِّح والمضعِّف مجتهدٌ عاملٌ برواية عدل،
فعرفت أنَّ الاختلاف في ذلك ليس مداره على الرأي، ولا هو من أدلة أنَّ مسألة التصحيح
وضده اجتهاد.
نعم؛ وقد يأتي مَنْ له فحولة ونقادة ودراية بحقائق الأمور
وحسن وسعة إطلاع على كلام الأئمة فإنه يرجع إلى الترجيح بين التعديل والتجريح، فينظر
في مثل هذه المسألة إلى كلام الجارح ومخرجه فيجده كلاماً خرج مخرج الغضب الذي لا يخلو
عنه البشر ولا يحفظ لسانه حال حصوله إلا من عصمه الله، فإنه لما قال ابن إسحاق:
"اعرضوا عليَّ عِلم مالك فأنا بيطاره"، فبلغ مالكًا فقال: تلك الكلمة الجافية
التي لولا جلالة من قالها وما نرجوه من عفو الله من فلتات اللسان عند الغضب لكان القدح
بها فيمن قالها أقرب إلى القدح فيمن قيلت فيه، فلما وجدناه خرج مخرج الغضب لم نره قادحًا
في ابن إسحاق، فإنه خرج مجرد جزاء السيئة بالسيئة، على أنَّ ابن إسحاق لم يقدح في مالك
ولا في علمه، غاية ما أفاد كلامه أنه أعلم من مالك، وأنه بيطار علومه، وليس في ذلك
قدح على مالك، ونظرنا كلام شعبة في ابن إسحاق؛ فقدمنا قوله لأنه خرج مخرج النصح للمسلمين
ليس له حامل عليه إلا ذلك.
وأما الجامد في ذهنه الأبله في نظره فإنه يقول: قد تعارض
هنا الجرح والتعديل فيقدم الجرح؛ لأنَّ الجارح أولى وإنْ كُثر المعدِّلون، وهذه القاعدة
لو أخذت كلية لم يبق لنا عدل إلا الرسل، فإنه ما سلم فاضل من طاعن من ذلك لا من الخلفاء
الراشدين ولا أحد من أئمة الدين.
كما قيل:
فما سلم صديق من رافض ... ولا نجا من ناصبي علي
ما سلم الله من بريته ... ولا نبي الهدى فكيف أنا؟!
القاعدة ظاهرية يعمل بها فيما تعارض فيه الجرح والتعديل من
المجاهيل.
على أنه لك أن تقول: كلام مالك ليس بقادح في ابن إسحاق؛ لما
علمتَ أنه خرج مخرج الغضب لا مخرج النصح للمسلمين، فلم يعارض في ابن إسحاق جرح. واعلم
أنَّ ذكرنا لابن إسحاق والكلام فيه مثال وطريق يسلك منه إلى نظائره.
وإذا عرفتَ هذا؛ فهذا الترجيح لا يخرج عما ذكرناه عن كونه
من باب قبول أخبار العدول، بل هو منه، إنما لما تعارض الخبران عندنا في حال هذا الراوي تتبعنا
حقائق الخبرين ومحل صدورهما والباعث على التكلم بهما، فظهر الاعتماد على أحدهما دون
الآخر، فهو من باب قبول الأخبار.
فهكذا يلزم الناظر البحث عن حقائق الأحوال وعن الباعث عن
صدورها من أفواه الرجال، فإنه يكون كلامه بعد ذلك أقوم قيلاً وأحسن دليلاً وأوفق نظراً
وأجل قدراً.
فمن عمل برواية التعديل والتزكية، ومن عمل برواية القدح والتجريح
- وإنْ كان الكل قابلين لأخبار العدول عاملين بما يجب عليهم من قبول خبر المنقول -
فالكل مجتهدون، ولكن تخالفت الآثار
وتفاوتت الأنظار، ومن هنا ونحوه: وقع اختلاف المجتهدين في عدة مسائل من أمهات الدين،
والكل مأجورون بالنص الثابت، منهم من له أجر، ومنهم من له أجران.
ومن هنا؛ علمتَ أنَّ اختلاف الأئمة في تصحيح خبر من إمام
وتضعيفه من إمام آخر ناشئ عما تلقوه من أخبار العدول عن الرواة؛ فهذا الإمام لم يبلغه عن الرواة هذا الخبر الذي حكم بصحته
إلا العدالة والضبط فصحح أخبارهم، ولهذا تجد من يتعقب بعض الأحاديث التي صححها إمام
بقوله: كيف تصححه وفيه فلان كذاب؟ ونحو هذا.
ومعلوم أنَّ مَنْ صحح هذا الحديث لم يبلغه أنَّ في رجاله
كذاباً، وهذا الإمام بلغه من أحوال رواة ذلك الخبر أو بعضهم عدم العدالة وسوء الحفظ
أو انقطاع الخبر أو شذوذه حكم عليه بعدم الصحة، وهذا معروف من جبلة العباد وطبائعهم؛
فمن الناس مَنْ يغلب عليه حسن الظن في الناس وتلقي أقوالهم بالصدق، ومن الناس مَنْ
له نباهة وفطنة وطول خبرة لأحوال الناس فلا يكتفي بالظاهر بل يفتش عن الحقائق فيقع
على الحق والصواب)).
فهذا كلام عالم في الحديث، وقد بيِّن رحمه الله أنَّ كلام
علماء الجرح والتعديل هو من قبيل الأخبار، وخبر الثقة ملزم ويجب قبوله إتباعاً للدليل
الذي أمرنا بوجوب قبول خبر الثقة وليس من باب التقليد أو اتباع آراء الرجال؛ قال العلامة
ابن القيم رحمه الله في كتابه [إعلام الموقعين 2/ 254 - 255] أثناء رده على شبهات أهل
التقليد: ((الوجه الستون: قولكم "وقد جاءت الشريعة بقبول قول القائف والخارص والقاسم
والمقوم والحاكمين بالمثل في جزاء الصيد وذلك تقليد لهم محض"؟!
أتعنون به أنه تقليد لبعض العلماء في قبول أقوالهم؟
أو تقليدهم فيما يخبرون به؟
فإنْ عنيتم الأول فهو باطل.
وإن عنيتم الثاني فليس فيه ما تستروحون إليه من التقليد الذي
قام الدليل على بطلانه.
وقبول قول هؤلاء من باب قبول خبر المخبر والشاهد؛ لا من باب
قبول الفتيا في الدين من غير قيام دليل على صحتها؛ بل لمجرد إحسان الظن بقائلها مع
تجويز الخطأ عليه.
فأين قبول الأخبار والشهادات والأقارير إلى التقليد في الفتوى؟!
والمخبر بهذه الأمور يخبر عن أمر حسي؛ طريق العلم به: إدراكه
بالحواس والمشاعر الظاهرة والباطنة.
وقد أمر الله سبحانه بقبول خبر المخبر به؛ إذا كان ظاهر الصدق
والعدالة.
وطرد هذا ونظيره: قبول خبر المخبر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأنه قال أو فعل.
وقبول خبر المخبر عمن أخبر عنه بذلك.
وهلم جراً.
فهذا حق لا ينازع فيه أحد!.
وأما تقليد الرجل فيما يخبر به عن ظنه: فليس فيه أكثر من
العلم بأنَّ ذلك ظنه واجتهاده!، فتقليدنا له في ذلك بمنزلة تقليدنا له فيما يخبر به
عن رؤيته وسماعه وإدراكه.
فأين في هذا ما يوجب علينا أو يسوِّغ لنا أن نفتي بذلك، أو
نحكم به وندين الله به، ونقول هذا هو الحق وما خالفه باطل، ونترك له نصوص القرآن والسنة
وآثار الصحابة وأقوال من عداه من جميع أهل العلم؟!
ومن هذا الباب:
تقليد الأعمى في القبلة ودخول الوقت لغيره؛ وقد كان ابن أم
مكتوم لا يؤذن حتى يقلد غيره في طلوع الفجر ويقال له: أصبحت أصبحت، وكذلك تقليد الناس
للمؤذن في دخول الوقت، وتقليد من في المطمورة لمن يعلمه بأوقات الصلاة والفطر والصوم
وأمثال ذلك.
ومن ذلك: التقليد في قبول الترجمة في الرسالة والتعريف، والتعديل
والجرح؛ كل هذا من باب الأخبار؛ التي أمر الله بقبول المخبر بها إذا كان عدلاً صادقاً.
وقد أجمع الناس على قبول خبر الواحد في الهدية، وإدخال الزوجة على زوجها، وقبول خبر المرأة ذمية
كانت أو مسلمة في انقطاع دم حيضها لوقته، وجواز وطئها أو نكاحها بذلك، وليس هذا تقليد
في الفتيا والحكم!!؛ وإذا كان تقليداً لها، فإنَّ الله سبحانه شرع لنا أن نقبل قولها
ونقلدها فيه، ولم يشرع لنا أن نتلقى أحكامه عن غير رسوله، فضلاً عن أن نترك سنة رسوله
لقول واحد من أهل العلم ونقدم قوله على قول من عداه من الأمة)).
ثم قال رحمه الله في المصدر تفسه [4/ 257 - 258]:
((الوجه الثالث والستون: قولكم "قد أجمع الناس على تقليد
الزوج لمن يهدي إليه زوجته ليلة الدخول، وعلى تقليد الأعمى في القبلة والوقت، وتقليد
المؤذنين، وتقليد الأئمة في الطهارة وقراءة الفاتحة، وتقليد الزوجة في انقطاع دمها
ووطئها وتزويجها"؟
فجوابه: ما تقدم؛ أنَّ استدلالكم بهذا من باب المغاليط!،
وليس هذا من التقليد المذموم على لسان السلف والخلف في شيء، ونحن لم نرجع إلى أقوال
هؤلاء لكونهم أخبروا بها؛ بل لأنَّ الله ورسوله أمر بقبول قولهم وجعله دليلاً على
ترتب الأحكام، فإخبارهم بمنزلة الشهادة والإقرار.
فأين في هذا ما يسوغ التقليد في أحكام الدين والإعراض عن
القرآن والسنن ونصب رجل بعينه ميزاناً على كتاب الله وسنة رسوله؟!)).
فإذا عرفنا أنَّ كلام علماء الجرح والتعديل في الرجال من
باب الأخبار لا من باب الأحكام، وعرفنا أنَّ محل الاجتهاد في معرفة هذه الأخبار
بتفاصيلها واستخراج الحكم المناسب منها، فمن بلغه بعض الآخبار الصحيحة أو الخاطئة
في رجل معين وبنى حكمه عليه بناءاً على ذلك هو في الحقيقة بنى حكمه على خبر، وهو
مجتهد بين الأجر والأجرين لأنه استفرغ وسعه في معرفة حال الرجل، وإذا اختلفت فيه
الآخبار عن العدول الثقات تعديلاً وجرحاً فعليه أن يدرس هذه الأخبار بين ثبوتها
وعدمها وبين متشددها ومتساهلها ومعتدلها وبين مجملها ومفصلها حتى يصل إلى الحكم
المناسب المعتدل في هذا الرجل، وهو مجتهد في هذا أيضاً، وهذه الدراسة لا تخرجها من
كونها أخبار ثقات، فمبنى الحكم على الأخبار، والأخبار ليست محل رأي واستنباط
واجتهاد كالفتيا في المسائل الفقهية الاجتهادية حتى يقال فيها تحتمل الخطأ وتحتمل
الصواب.
قال الشيخ ربيع حفظه الله في مقاله [الحلبيُّ يوهِم الناسَ
أنه على منهجِ الجبالِ من أئمةِ الحديثِ ونقَّادِ الرجال]: ((وقول الحلبي: "هل
أقوال العلماء في باب الجرح والتعديل من باب (الأخبار) التي أصلُها إما الصدق أو الكذب؟!
أم من باب (الأحكام) التي أصلها الاجتهاد خطاً أو صواباً؟!".
أقول: إنَّ أقوال أئمة الجرح والتعديل الأمناء الصادقين
العادلين من باب الأخبار؛ لأنها قائمة على دراسات لأحوال الرواة ورواياتهم وعلى
معرفتهم بسيرهم وأخلاقهم وصدقهم وضبطهم وإتقانهم، أو كذبهم أو سوء حفظهم أو سوء معتقدهم،
ومن طرق كثيرة توصلهم إلى معرفة مراتب الرجال ومراتب رواياتهم؛ لأنَّ الله الذي تعهد
بحفظ دينه أحلهم هذه المنـزلة، فيجب على المسلمين قبول أخبارهم عن أحوال الرجال وعن
أحوال رواياتهم وعقائدهم، هذا هو الأصل.
ومن الأدلة على أنَّ أقوال العلماء في الجرح والتعديل
من باب الأخبار الحديثان النبويان الآتيان:
* عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر بجنازة فأثني عليها
خيراً، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت"، ومر بجنازة
فأثني عليها شراً، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت"،
قال عمر: فدى لك أبي وأمي؛ مر بجنازة فأثني عليها خيراً فقلت: وجبت وجبت وجبت، ومر
بجنازة فأثني عليها شراً فقلت: وجبت وجبت وجبت؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم
شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض" متفق عليه؛ أخرجه البخاري في "صحيحه"
حديث (1367)، ومسلم حديث (949)، واللفظ لمسلم.
الشاهد من هذا الحديث:
1- إقرار النبي صلى الله عليه وسلم شهادة بعض أصحابه على
أناس بالخير والشر.
2- حكمه صلى الله عيه وسلم بالجنة لمن شُهد له بالخير، وبالنار
لمن شُهد عليه بالشر، بناء على هذه الشهادة.
3- قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات (تأكيداً لما سبق):
"أنتم شهداء الله في الأرض".
4- أئمة الجرح والتعديل من أفضل وأكمل شهداء الله في الأرض
بعد صحابة محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب أن تُقبل أخبارهم في الجرح والتعديل، ولا
يردها إلا ضال مضل.
* وفي معنى هذا الحديث ما رواه البخاري بإسناده إلى عَبْدِاللَّهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ
بِهَا مَرَضٌ، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَرَّتْ
بِهِمْ جَنَازَةٌ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ عَلَى
صَاحِبِهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ فَقُلْتُ: وَمَا
وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟! قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ
أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ" فَقُلْنَا: وَثَلَاثَةٌ؟ قَالَ: وَثَلَاثَةٌ،
فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ، ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ الْوَاحِدِ"
أخرجه البخاري في "الجنائز" حديث (1368)، وأخرجه أيضاً في "الشهادات"
برقم (2643).
فعمر والصحابة رضي الله عنهم على هذا المنهج في قبول الجرح
والتعديل من الثقات، واعتبار ذلك من الأخبار لا من الأحكام.
ولعلَّ الذين شهدوا في عهد عمر رضي الله عنه من التابعين،
وعلماء السنة على هذا المنهج، قال الخطيب البغدادي في "الكفاية" (ص39) خلال
استدلاله على مشروعية الجرح للنصيحة: "ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل
بئس رجل العشيرة دليل على أنَّ أخبار المخبر بما يكون في الرجل من العيب على ما يوجب
العلم والدين من النصيحة للسائل ليس بغيبة، إذ لو كان ذلك غيبة لما أطلقه النبي صلى
الله عليه وسلم، وإنما أراد عليه السلام بما ذكر فيه والله أعلم أنَّ بئس للناس الحالة
المذمومة منه وهي الفحش فيجتنبوها، لا أنه أراد الطعن عليه والثلب له، وكذلك أئمتنا
في العلم بهذه الصناعة إنما أطلقوا الجرح فيمن ليس بعدل لئلا يتغطى أمره على مَنْ لا
يخبره فيظنه من أهل العدالة فيحتج بخبره، والإخبار عن حقيقة الأمر إذا كان على الوجه
الذي ذكرناه لا يكون غيبة"، ثم قال: "ومما يؤيد ذلك حديث فاطمة بنت قيس"،
وساق إسناده إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها
البتة وهو غائب بالشام....، وساق الحديث إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"فإذا حللت فآذنيني"، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبى سفيان وأبا
جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن
عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد"، قالت: فكرهته، ثم قال:
"انكحي أسامة بن زيد"، فنكحته، فجعل الله فيه خيراً كثيراً واغتبطت به.
ثم قال: "في هذا الخبر دلالة على أنَّ إجازة الجرح للضعفاء
من جهة النصيحة لتجتنب الرواية عنهم وليعدل عن الاحتجاج بأخبارهم، لأنَّ رسول الله
صلى الله عليه و سلم لما ذكر في أبي جهم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه وأخبر عن معاوية
أنه صعلوك لا مال له عند مشورة استشير فيها لا تتعدى المستشير، كان ذكر العيوب الكامنة
في بعض نقلة السنن التي يؤدي السكوت عن إظهارها عنهم وكشفها عليهم إلى تحريم الحلال
وتحليل الحرام وإلى الفساد في شريعة الإسلام أولى بالجواز وأحق بالإظهار".
أقول: الشاهد منه استدلال الخطيب بهذين الحديثين على مشروعية
الجرح للنصيحة وبأنَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الرجل: "بئس أخو العشيرة"
من باب الإخبار، ومن باب النصيحة وتحذير للناس من أن يقعوا في الفحش، وأن أئمة الإسلام
إنما أطلقوا الجرح في من ليس بعدل؛ لئلا يتغطى أمره على من لا يخبره فيظنه من أهل العدالة
فيحتج بخبره.
أي أن العلماء إنما أطلقوا الجرح في المجروحين إلا لأنهم
يقصدون بذلك النصح للمسلمين، واستدل بحديث فاطمة بنت قيس على جواز الجرح للضعفاء من
جهة النصيحة، واعتبر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحة لفاطمة بأنَّ أبا جهم
لا يضع عصاه عن عاتقه، وأخبر أنَّ معاوية صعلوك لا مال له، اعتبر الخطيب هذا الكلام
من باب الأخبار، لا من باب الأحكام)).
وأخبار الثقات يجب الأخذ بها ولو صدرت من عدل واحد
بالإجماع، وقد نقل الخطيب البغدادي رحمه الله في [الكفاية في علم الرواية ص31] عدة
أدلة على وجوب الأخذ بخبر العدل؛ ثم قال: ((وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين
ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن
أحد منهم إنكار لذلك ولا اعتراض عليه، فثبت أنَّ من دين جميعهم: وجوبه؛ إذ لو كان فيهم
مَنْ كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه، والله اعلم)).
الثالثة/ دعوى أبي عبد الحق أنَّ أحكام الشيخ ربيع حفظه
الله في الرجال - من جهة القدح بالبدعة - اجتهادية محتملة للخطأ، دعوى غير صحيحة،
وهي تخالف ما قرره الشيخ ربيع حفظه الله نفسه.
فقد جاء في رسالة "نصيحة لأهل العراق" ص25:
((تسوغ مخالفة الشيخ ربيع في أحكامه على الرجال؛ لأن مَبْنىَ الحكم على الرجل مرده
إلى الاجتهاد....)).
فقال الشيخ ربيع حفظه الله رداً على هذا الكلام في
الرسالة نفسها: ((إنَّ أحكام الشيخ ربيع على الرجال ليست مبنية على الاجتهاد،
وإنما هي قائمة على دراسة واسعة لأقوال من ينتقدهم من المخالفين للمنهج السلفي
وأهله في مسائل أصولية: بعضها عقدي، وبعضها منهجي)).
وقد كلَّم أبو عبد الحق الشيخ ربيعاً حفظه الله حول هذا
المسألة في بيته السابق في مكة وحاول أن يصوِّر للشيخ ربيع أنَّ منتقديه من
السلفيين يعتقدون أنَّ أحكام الشيخ ربيع نصية ولهذا أنكروا عليه دعواه [أنَّ أحكام
الشيخ ربيع اجتهادية]، والشيخ ربيع حفظه حاول إفهام أبي عبد الحق هذه المسألة
بالدليل والبرهان، لكنه أصرَّ وعاند ولم يرفع بها رأساً.
ونحن لا نقول: أنَّ أحكام علماء الجرح والتعديل في
الرجال نصية أو توقيفية كالنصِّ المنزَّل كما يحاول الحلبي وحزبه تصوير السلفيين،
وتبعهم على هذا أبو عبد الحق ومتعصبته، وإنما نقول: كلام علماء الجرح والتعديل من
باب أخبار الثقات، والنصوص وطريقة السلف تؤكِّد لزوم الأخذ بخبر الثقة وبناء
الأحكام عليه، فكما أنَّ القاضي يحكم بناءاً على شهادة الشهود ويفتي المفتي في
الحادثة بحسب الأخبار والنقول فكذلك علماء الجرح والتعديل يحكمون بناءاً على أخبار
الثقات في الرجل جرحاً أو تعديلاً.
وقد سُئل العلامة
الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في [رد شبهات المائعين والذب عن السلفيين السؤال/2]: ما
منهج السلف في مسألة قبول خبر الثقة؟
فأجاب بقوله: ((منهج السلف والقرآن والسنة على قبول خبر
الثقة ووجوب بناء الأحكام عليها، إذا كان اثنان يشهدان على أنَّ فلاناً قتل فلاناً،
فعلى الحاكم أن يحكم بالحكم الشرعي وهو القصاص من القاتل، وتثبت عقود النكاح بشهادة
رجلين ثقتين، وتثبت عقود المعاملات والديون وغيرها بناء على شهود عدلين ثقتين أو رجل
وامرأتان، فهؤلاء يخرِّبون قواعد الشريعة ويصادمون نصوص الكتاب والسنة بأقوالهم
الضالة المضلة، والمعتزلة هم الذين كانوا يشترطون التعدد في الرواة، أما أهل السنة
فلا)).
وسُئل [في المصدر نفسه السؤال/6]: هل يلزم الرجل أن يقبل
نقل الثقة وحكمه، أم نقله فقط؟!
فأجاب حفظه الله بقوله: ((خبر الثقة الأصل فيه القبول،
إلا إذا خالف العدول؛ كما في الرواية الشاذة، وأما الأصل فيه القبول، ولا يجوز تكذيبُ
المسلم وردُّ ما عنده من الحق، وإذا ما سلكنا هذا المنهج أبطلنا كثيراً من شرائع الإسلام،
لو جلس رجل يعلِّمني من الكتاب والسنة، لو قال لي: قال رسول الله في صحيح البخاري كذا؛
أكذِّبه؟! لا، لما يقول لي: فلان مبتدع، أقول: لا!، هذا المذهب الذي يسمونه بالتثبت
مذهب كاذب، التثبت الذي لا يريد الوصول للحقيقة وإنما يريد رد الحق، فيرد الحق ولا
يتثبت، فيتخذ هذه حجة، وليس ممن يتثبت ليصل إلى الحق والحقيقة، وإنما ليرد الحق، ولهذا
نراهم يردون أخباراً متواترة من علماء أجلاء تتخذ فتواهم وأحكامهم وأخبارهم، ويردونها
بهذا المعول؛ الذي ظاهره معول إسلامي، وهو معول هدَّام ومعول شيطاني)).
الرابعة/ المسائل الاجتهادية: هي المسائل التي لم يرد
فيها دليل أو وردت فيها أدلة خفية أو متعارضة متقاربة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله في [الفتاوى الكبرى 6/ 92]: ((والصواب الذي عليه الأئمة: أنَّ مسائل الاجتهاد
لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً؛ مثل: حديث صحيح لا معارض من جنسه، فيسوغ
له إذا عُدم ذلك فيها الاجتهاد؛ لتعارض الأدلة المتقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها)).
وكلام علماء الجرح والتعديل في الرجال مبنيٌ على أخبار
الثقات عن أحوالهم وما ذكروه في كتبهم ومقالاتهم وما قالوه في دروسهم ومحاضراتهم،
فهذه أدلة يُدان بها الرجل، فكيف يزعم هؤلاء أنَّ كلامهم من باب الاجتهاد؟!
وحقيقة هذه الدعوى [أحكام العلماء في الدعاة اجتهادية
محتملة للخطأ] تعود إلى أمرين لا ثالث لهما:
* إما تكذيب هذه المصادر التي يُدان بها الرجل بلا حجة
ولا بينة أو عدم اعتمادها بالكلية.
* أو تجهيل علماء الجرح والتعديل بما يوجب الجرح وما لا
يوجبه.
وأحلاهما مرٌّ.
وعلى فرض أنَّ كلام علماء الجرح والتعديل في الدعاة من
المسائل الاجتهادية - وليست من باب الأخبار - كما يزعم أهل التمييع وتبعهم أبو عبد
الحق، فمسائل الاجتهاد إذا ظهرت فيها الحجة وجب الانقياد لها، فالمسألة ليست متروكة
للهوى والتشهي على طريقة "لا يلزمني" و "لا يقنعني"، قال شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله في [الفتاوى الكبرى 1/ 164]: ((إنَّ مثل هذه المسألة أو نحوها
من "مسائل الاجتهاد"؛ لا يجوز لمن تمسَّك فيها بأحد القولين أن ينكر
على الآخر بغير حجة ودليل، فهذا خلاف إجماع المسلمين.
فقد تنازع المسلمون في جبن المجوس والمشركين؛ وليس لمن رجَّح
أحد القولين أن ينكر على صاحب القول الآخر إلا بحجة شرعية، وكذلك تنازعوا في متروك
التسمية، وفي ذبائح أهل الكتاب إذا سموا عليها غير الله، وفي شحم الثرب والكليتين،
وذبحهم لذوات الظفر كالإبل والبط ونحو ذلك، مما حرمه الله عليهم، وتنازعوا في ذبح الكتابي
للضحايا، ونحو ذلك من المسائل، وقد قال بكل قول طائفة من أهل العلم المشهورين.
فمن صار إلى قولٍ مقلِّدٍ لقائله لم يكن له أن ينكر على مَنْ
صار إلى القول الآخر مقلد لقائله؛ لكن إنْ كان مع أحدهما حجة شرعية وجب الانقياد
للحجج الشرعية إذا ظهرت، ولا يجوز لأحد أن يرجِّح قولاً على قول بغير دليل، ولا
يتعصب لقول على قول ولا لقائل على قائل بغير حجة)).
وأما جواب أبي عبد الحق المنشور في الفيس بوك:
فقد أكَّد أبو عبد الحق موافقته لأهل التمييع في هذا
الأصل [كلام علماء الجرح والتعديل في الرجال والدعاة من مسائل الاجتهاد]، ونقل
كلامه في رسالته "قذائف الحق" قائلاً: ((اعتقادي في هذه المسألة هو: نعم
إنَّ أحكام العلماء على الدعاة اجتهادية بمعنى أنها تنبني على النظر في حال
المحكوم عليه وتتبع أقواله ومواقفه، ثم وزنها بميزان القرآن والسنة وما كان عليه
سلف الأمة، ثم الخروج بنتيجة هي حكم العالم عليه تجريحاً وتعديلاً مستنداً إلى
الأدلة والبراهين)).
وقد تقدَّم الرد على هذا الأصل الباطل.
ويظهر أنَّ أبا عبد الحق يفهم من تتبع أحوال الدعاة في
أقوالهم ومواقفهم ثم مقارنتها مع أدلة الشرع ومنهج السلف مخالفة أو موافقة ثم
الخروج بالحكم عليهم جرحاً أو تعديلاً من باب الاجتهاد المحتمل غير الملزم!، وهو
يحاول أن يصوِّر هذه الدراسة من باب النظر والرأي والاجتهاد، والأمر ليس كذلك،
فأهل العلم ذكروا أسباب الجرح بأدلتها من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح، فمن
ثبت فيه هذا الجرح من الدعاة بأخبار الثقات أو بمكتوب أو مسموع موثَّق عنه فهو
يستحق الجرح؛ إذاً أين محل النظر والاجتهاد هنا؟! فالمسألة ليست مسألة دلالات
تختلف فيها الأنظار والأفهام حتى يقال فيها إنها من مسائل الاجتهاد، فليفطن السلفي
البصير لهذا.
وأبو عبد الحق في جوابه الجديد احتجَّ على تأصيله هذا
بنقلين عن شيخنا الشيخ ربيع حفظه الله، أما الأول فبتر أوله وآخره ومع هذا لم يفهم
وسطه!، وأما الثاني فأخذه من موقع أهل التمييع وسار على طريقتهم في فهمه والإلزام
به!، ودونكم البيان:
النقل الأول:
قال أبو عبد الحق: ((وقال الشيخ ربيع عن أقوال أئمة
الجرح والتعديل: "أنها قائمة على دراسات لأحوال الرواة ورواياتهم وعلى معرفتهم
بسيرهم وأخلاقهم وصدقهم وضبطهم وإتقانهم، أو كذبهم أو سوء حفظهم أو سوء معتقدهم، ومن
طرق كثيرة توصلهم إلى معرفة مراتب الرجال ومراتب رواياتهم".
فأنا الآن أسأل ألا تُسمَّى هذه الدراسات لأحوال الرواة
والدعاة اجتهاداً؟!)).
وسؤال أبي عبد الحق هذا هو في حقيقته اعتراض أو استدراك
على كلام الشيخ ربيع حفظه الله وموافقة لكلام الحلبي ونصرة له.
فتمام الكلام كما قاله الشيخ ربيع حفظه الله في مقاله [الحلبيُّ
يوهِم الناسَ أنه على منهجِ الجبالِ من أئمةِ الحديثِ ونقَّادِ الرجال] هو: ((وقول
الحلبي: "هل أقوال العلماء في باب الجرح والتعديل من باب (الأخبار) التي أصلُها
إما الصدق أو الكذب؟! أم من باب (الأحكام) التي أصلها الاجتهاد خطاً أو صواباً؟!".
أقول: إنَّ أقوال أئمة الجرح والتعديل الأمناء الصادقين
العادلين من باب الأخبار؛ لأنها قائمة على دراسات لأحوال الرواة ورواياتهم وعلى
معرفتهم بسيرهم وأخلاقهم وصدقهم وضبطهم وإتقانهم، أو كذبهم أو سوء حفظهم أو سوء معتقدهم،
ومن طرق كثيرة توصلهم إلى معرفة مراتب الرجال ومراتب رواياتهم؛ لأنَّ الله الذي تعهد
بحفظ دينه أحلهم هذه المنـزلة، فيجب على المسلمين قبول أخبارهم عن أحوال الرجال
وعن أحوال رواياتهم وعقائدهم، هذا هو الأصل، ومن الأدلة على أنَّ أقوال العلماء في
الجرح والتعديل من باب الأخبار...)).
فلينظر القارئ المنصف إلى صنيع أبي عبد الحق في كلام
الشيخ ربيع حفظه الله: هل فعل ذلك عمداً أم سهواً؟!
والشيخ ربيع حفظه الله في كلامه السابق يرد على سؤال
الحلبي: هل كلام علماء الجرح والتعديل في الرجال من باب الأخبار أم من باب
الاجتهاد؟، ثم يأتي اليوم أبو عبد الحق ملبساً ومحرفاً فيستدل بكلام الشيخ ربيع
على تأصيله الفاسد الذي وافق فيه الحلبي!، ويعيد السؤال جذعاً فيقول: ألا تُسمَّى
هذه الدراسات لأحوال الرواة والدعاة اجتهاداً؟!، وهذا يعني أنَّ كلام الشيخ ربيع
بعضه ينقض بعضاً!.
والجواب عن سؤال أبي عبد الحق: لا، هذه الدراسات من باب
الأخبار لا من أمور الاجتهاد التي يجوز فيها الخلاف، وقد تقدَّم كلام العلماء فلا
حاجة إلى إعادته.
النقل الثاني:
قال أبو عبد الحق: ((بل للشيخ ربيع قول آخر في هذه
المسألة كما في [مجموع الكتب والرسائل 11/242-243]: "وأما قولك [سفر الحوالي]:
«أما الحكم على الأعيان فأمر تطبيقي تبعي له شروطه وضوابطه، ويجوز الخلاف فيه ما دام
اجتهادياً»، فهو كلام حق.
أما السلفيون فهم يلتزمونه...، ولم يلتزمه سيد قطب وأتباعه....،
ولم يراعوا الشروط والضوابط المنوَّه عنها، ولم يقولوا هذا أمر يجوز فيه الخلاف ما
دام اجتهادياً".
يظهر من كلامه هذا أنه يرى أنَّ أقوال الثقات في باب
الجرح والتعديل من الأمور الاجتهادية التابعة للشروط والضوابط، ويجوز فيها الخلاف
لأنها اجتهادية)).
والجواب عن هذا:
1- للشيخ ربيع حفظه الله في هذه المسألة قول واحد، وليس
له قول آخر كما يزعم أهل التمييع وتبعهم أبو عبد الحق، وقول الشيخ ربيع هو [إنَّ أقوال
أئمة الجرح والتعديل الأمناء الصادقين العادلين من باب الأخبار] وليست من باب
الاجتهاد.
2- أخذ أبو عبد الحق هذا النقل عن الشيخ ربيع حفظه الله
من موقع أهل التمييع [الكل إلا السلفيين]، حيث كتبوا مقالاً باسم (مشرفو كل
السلفيين) بعنوان [تناقض الشيخ ربيع المدخلي في تأصيل موقفه من المخالفين, وكشف بعده
عن رسوخ المؤصلين!]، ذكروا فيه كلام الشيخ ربيع من باب التناقض، وكذلك ذكره عماد
طارق في مقال مستقل بعنوان [جديد تناقضات الشيخ المدخلي]، وقال فيه: ((إنَّ أقوال الثقات
في باب الجرح والتعديل من الامور الاجتهادية التي لها تتبع الشروط والضوابط، ويجوز
الخلاف فيه ما زال اجتهادياً))، فجاء أبو عبد الحق بنص هذا الكلام فقال: ((يظهر من
كلامه هذا أنه يرى: أنَّ أقوال الثقات في باب الجرح والتعديل من الأمور الاجتهادية
التابعة للشروط والضوابط، ويجوز فيها الخلاف لأنها اجتهادية)).
فلينظر القارئ إلى مدى التوافق في الألفاظ والتأصيل
والإلزام بين أهل التمييع وبين أبي عبد الحق الكردي.
3- والعجيب أنَّ أهل التمييع كانوا أكثر أمانة من أبي
عبد الحق في نقل كلام الشيخ ربيع حفظه الله المشار إليه، حيث نقلوا الكلام بتمامه،
بينما حذف أبو عبد الحق بعضه ووضع مكان المحذوف نقاطاً من باب التعمية والتمويه
على القارئ.
ولو أنَّ أبا عبد الحق أتعب نفسه قليلاً - إن أحسنَّا به
الظن! - وراجع الكلام من مصدره لعرف وجهته وموضعه، ولكنَّه قصد مدافعة الحق بأدنى
شبهة أو بطريقة التلبيس.
وموضع كلام سفر الحوالي هو في باب [الحكم على الأعيان
بالكفر] وليس في باب [الحكم على الأعيان بالبدعة] فضلاً أن يكون في باب [الجرح
والتعديل] عموماً كما صوَّره أبو عبد الحق تقليداً أو تمويهاً، والفرق بين هذه
الأبواب لا يخفى على السلفي البصير.
وباب تكفير الأعيان من المنتسبين لأهل الإسلام مما جاء
فيه الوعيد الشديد في عدة نصوص، وأما باب الجرح والتعديل فهو علم من أعظم علوم
الشريعة ودلت عليه أدلة كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع وآثار أئمة السلف، وبه
حفظ الدِّين وصانت الشريعة من التحريف والتبديل وانتحال المبطلين وتحريف الغالين
وتأويل الجاهلين، وهو من أعظم أنواع الجهاد، فلا يُقاس باب الحكم على الأعيان
بالكفر والردة على باب الجرح والتعديل.
وكلام سفر الحوالي المشار إليه هو في "ظاهرة الإرجاء"،
وأراد به إثبات أنَّ الأمة في القرون المتأخرة وقعت في هاوية الإرجاء، وأنهم
أجمعوا على كفر الهازل نظرياً لا عملياً، ثم ذكر أنَّ من كفَّر هؤلاء من العلماء
اتهم بالتكفير وذكر مثالاً [شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام المجدد محمد بن عبد
الوهاب، وسيد قطب!!] ثم قال: ((ويعرضون عن تصريح هؤلاء العلماء بأنهم لا يقصدون تكفير
الأعيان، بل تصحيح حقائق الدِّين في القلوب والأذهان))، وعلَّق في الهامش عليه
بقوله: ((وذلك أنَّ تصحيح العقيدة أصل ضروري وواجب حتمي لا يحل السكوت عنه، أما الحكم
على الأعيان؛ فأمر تطبيقي تبعي، له شروطه وضوابطه، ويجوز الخلاف فيه ما دام اجتهادياً)).
فردَّ عليه الشيخ ربيع بكلام طويل، من ذلك قوله كما في [مآخذ
منهجية على سفر الحوالي]: ((وأما قولك: «أما الحكم على الأعيان فأمر تطبيقي تبعي، له
شروطه وضوابطه، ويجوز الخلاف فيه ما دام اجتهادياً»، فهو كلام حق.
أما السلفيون فهم يلتزمونه ويسيرون فيه على طريقة السلف
ومن سار على نهجهم كالإمام ابن تيمية وتلاميذه والإمام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه،
ولم يلتزمه سيد قطب وأتباعه وشنوا على السلفيين ضروب الحرب وكفر بعضهم كثيراً من
السلفيين بأعيانهم، وكفر بعضهم ابن باز وابن عثيمين والألباني بأعيانهم ووصفهم بعضهم
بالثالوث واعتبروهم مع السلفيين من مرجئة الجهمية، ولم يراعوا الشروط والضوابط
المنوَّه عنها ولم يقولوا هذا أمر يجوز فيه الخلاف ما دام اجتهادياً)).
وما تحته خط حذفه أبو عبد الحق من كلام الشيخ ربيع حفظه
الله!، لأنَّ وجود هذا الكلام يُفهم القارئ وجهة الكلام وهو [مسألة تكفير الأعيان]
وهذا ما كتمه أبو عبد الحق تقليداً لغيره أو تمويهاً من نفسه.
فهل يفعل مثل هذه التصرفات من يقصد الحق ويتحراه؟!
والله الموفِّق
كتبه/
أبو معاذ رائد آل طاهر
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.