السبت، 15 يونيو 2013

ما هكذا تورد (يا باسم خلف) الإبل

ما هكذا تورد (يا باسم خلف) الإبل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فكثير ما يتبجَّح الحلبي وحزبه العنيد بأنَّ لهم مقالات كثيرة وصفحات مطولة في الرد على مقالات العلماء والمشايخ وطلبة العلم السلفيين الذين يردون عليهم ويحذرون منهم بالحجة والبرهان، لكن المتأمل في مقالاتهم يجدها خاوية من لغة العلم والحجة مائلة إلى لغة التلبيس والتحريف والبتر والتلاعب بالألفاظ، بالإضافة إلى البعد عن حقيقة الخلاف وأصل الرد.
وقد أحببتُ أن أضرب مثلاً ظاهراً للقراء يُبين ذلك، وذلك بعد أن قرأتُ مؤخراً على عجالة ثلاثة مقالات للمشرف (باسم خلف) في منتدياتهم، وهي:
1) [(مميعون): حجة إبليسية كاذبة ظالمة -ربيع بن هادي...]
2) [تهمة (الإرجاء والمرجئة)وما إليها في بعض كتابات وأجوبة الشيخ ربيع بن هادي–سدده الله-..]
3) [وقفة-ولعلها وقفات- مع المقال الأخير المنسوب للشيخ ربيع-سدده الله-..].

وقد حاول هذا المشرف من خلال هذه المقالات إثبات تناقض الشيخ ربيع حفظه الله بين ما كتبه قديماً في مناسبات معينة، وبين ما كتبه مؤخراً في حق شيخهم الحلبي.
وهذه الطريقة قد تصلح وتكون لهم فيها حجة لو كان كلام الشيخ ربيع حفظه الله هنا وهناك في مناسبة واحدة أو سبب واحد، أما عند تعدد المناسبات فلا تصلح، لأنَّ من الحكمة في مناصحة أهل الغلو أن تناصحهم بنصوص الرفق واللين وعدم التسرع في إطلاق الأحكام وترك إثارة الفتن والفرقة بين السلفيين، وفي مناصحة أهل التمييع أن تذكرهم بالشدة والحزم في معاملة المبتدعة وترك تضييع الأصول والثوابت، لكن الحلبي وحزبه العنيد – مع معرفتهم بذلك جيداً – إلا أنهم من خلال هذه الطريقة يحاولون التلبيس  والبعد عن حقيقة الرد كعادتهم!!.
ولو أنَّ هذا المشرف انشغل بإخراج شيخه من التناقضات العديدة التي ذكرتُه في مقالي [علي الحلبي في يوم وليلة ينقلب موقفه ويتغير رأيه!!]، لكان خيراً له من هذا التعسف في إثبات شيء لم يكن!.
لكن لا بأس أن نقف هذه الوقفات مع مقالات هذا المشرف:

وقفات مع مقاله: [(مميعون): حجة إبليسية كاذبة ظالمة -ربيع بن هادي...]

نقل هذا المشرف كلمة للشيخ ربيع حفظه الله قال فيها: ((إِنَّ الشِّدَّةَ -الَّتِي نَشَأَتْ هَذِهِ الأَيَّام- لَيْسَتْ مِن السَّلَفِيَّةِ في شَيْءٍ!!!، والدَّلِيلُ: أَنَّهَا صَارَتْ سِهَاماً مُسَدَّدَةً إِلَى نُحُورِ دُعَاةِ السُّنَّةِ -بِحَقٍّ-، وَيَسْعَى أَهْلُهَا إِلَى إِسْقَاطِ هَؤُلاءِ الدُّعَاةِ، وَإِبْعَادِهِمْ عَن سَاحَةِ الدَّعْوَةِ؛ بِحُجَّةِ أنَّهُمْ (مُمَيِّعُونَ)!، وَهِيَ حُجَّةٌ إِبْلِيسِيَّةٌ كَاذِبَةٌ ظَالِمَةٌ!، فَصَارُوا بِهذَا الأُسْلُوبِ أَكْبَرَ عَوْنٍ لِخُصُومِ السُّنَّةِ وأَهْلِهَا، عَلَى السَّلَفِيَّةِ وَأَهْلِهَا...، فَإِذَا وُجِدَ أشخاصٌ مُعَيَّنون مَشْهُورُون عند النَّاسِ بالسَّلَفِيَّةِ، والدَّعْوَةِ إليها، وفيهِم عُلَمَاءُ -في نَظَرِ النَّاسِ-؛ فَلاَ يَجُوزُ إِخْراجُهُم مِنَ السَّلَفِيَّةِ-بِسُهُولَة-!، وَهَذَا الإِخْرَاجُ جَرْحٌ شَدِيدٌ فيهِم؛ يَحْتَاجُ إلى أدِلَّةٍ...، فيَجِبُ إِطْفَاءُ هَذِهِ الفِتَنِ؛ بإِبْرازِ (الحُجَجِ والبَرَاهِين) الَّتِي تُبَيِّنُ للنَّاس، وَ(تُقْنِعُهُم) بِأَحَقِّيَّةِ تِلْكَ الأَحْكَام وَصَوَابِهَا، أَو الاعْتِذَارِ عَن هَذِهِ الأَحْكَامِ!))، ثم ذكر المشرف في خاتمة مقاله مصدر النقل فقال: ((عن كتاب شيخنا (منهج السلف الصالح))!.
أقول:
لي على هذا المقال وقفات:
الأولى: عند الرجوع إلى مصدر هذا النقل [كتاب الحلبي/ منهج السلف الصالح؛ كما أشار المشرف في آخر مقاله] نلاحظ أنَّ الحلبي قد تلاعب في هذا النقل تقديماً وتأخيراً وبتراً وتلبيساً!، ثم نسبه إلى الشيخ ربيع حفظه الله وكأنه قاله هكذا!، وهذا الأمر قد اعتاد عليه الحلبي مع الأسف الشديد من قديم، وعندي عليه شواهد عدة ذكرتُها في بعض المقالات، ومن أجل ذلك طعنت فيه اللجنة الدائمة بتحريف كلام العلماء وتحميله ما لا يحتمل.
بيان ذلك:
- الكلام الأول منقول من خاتمة (ملحق) نصيحة الشيخ ربيع الأولى لفالح الحربي.
- والكلام الثاني منقول من أول (النصيحة غير المنشورة)، والتي نشرها الحلبي في كتابه منهج السلف الصالح وجعل لها مقدمة وتعليقات وحواشي أسأت من فهمها.
- والكلام الثالث من نصيحة الشيخ ربيع الأولى لفالح الحربي.
فقام الحلبي بدبلجة هذه المواضع الثلاثة جاعلاً إياها موضعاً واحداً!، ثم يأتي مشرفوه مستغربين (الدبلجة) في نسبة الأقوال إلى الشيخ ربيع حفظه الله!.
ما المقصود من هذا التلاعب في النقل؟!
المقصود هو إفهام القارئ أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله متناقض!، لأنه يُحذِّر من الشدة واتهام السلفيين المشهورين بالتمييع، ثم هو يحكم في علي الحلبي وأمثاله بأنهم مميعة، وهذا تدليس قبيح وتلبيس فاحش.

الوقفة الثانية:
إنَّ نقل كلام العلماء مجرداً عن القيود أو الضوابط التي ضمت إليه في الأصل: هي من طريقة أهل الأهواء، بل لا يمكن للحلبي ولا أمثاله أن يَثبتوا على الاستدلال بهذا النقل في حال احتجَّ به إخواني مضيع أو حزبي مميع على جواز ما يقول به من تحزب ومظاهرات ودخول في العمل السياسي إلى آخره، كأمثال سلمان العودة وسفر الحوالي وناصر العمر وعائض القرني.
ولهذا نلاحظ أنَّ المشرف هذا يتناقض بين تأييده لهذا النقل وبين قوله في صحوته رداً على مسالك المأربي الحزبية السياسية:
((واسمحوا لي بهذا التطفل على كلامكم: إنْ أجزنا للشيخ المأربي - سدده الله - بأن يتحدث عن (غلاة التجريح) في قلب أناس لا أجانب الصواب إذا قلتُ فيهم - في كثير مما يذيعون - (غلاة التمييع)!، فإننا لا نستسيغ سكوته عن (غلاة التمييع) هؤلاء!؛ خاصة وأنه لا ينبغي تأخير البيان عن وقت الحاجة!.
إنَّ المميعيين للمنهج السلفي كثر، وشيوخهم في ذلك - شعروا أم لم يشعروا - هم المميعون للإسلام!.
لكن عتبنا أن يصدر هذا التمييع للمنهج السلفي ممن يزعم أنه سلفي!، ويصدِّر للناس على أنه السلفي المتوسط المعتدل.
والله الذي لا إله إلا هو:
- إنَّ الذي يجيز لنفسه أن يمتدح الديمقراطية ويتمدحها - منهم - أقل ما يقال فيه: أنه مميع للمنهج السلفي...
- والذي لا يرى بأساً في أن يتولى عليه الكتابي الولاية العامة أقل ما يقال فيه: أنه مميع للمنهج السلفي...
- والذي يجيز الخروج على الحكام المسلمين الظالمين أقل ما يقال فيه: أنه مميع للمنهج السلفي...
- والذي يصدِّر مَنْ خالف منهج كبار أهل العلم بامتياز على أنه (إمام السلفية المعاصر) وأنه (الأب الروحي) للدعوة السلفية أقل ما يقال فيه: أنه مميع للمنهج السلفي...
- والذي يدعو النساء مع الرجال والأطفال للخروج على الحاكم المسلم أقل ما يقال فيه: أنه مميع للمنهج السلفي...
ثم...
- الذي يُصدِّر أمثال الشيخ القرضاوي ويجعلهم من العلماء بالمعنى الممدوح: فهو المميع للمنهج السلفي...
- والذي يمتدح صاحب الظلال أمام الناس: فهو المميع للمنهج السلفي...
- والذي لا يحذِّر - وهو المشهور المتبع في بلده - من فكر الخوارج بشتى أصنافهم وألوانهم وأخص المعاصرين منهم: فهو المميع للمنهج السلفي...
- فضلاً عن أن يمتدح بعض هؤلاء ويُصدِّرهم ويجلس معهم ويسخر ويستهزيء ممن يصف أمثال هذا الخارجي بهذا الوصف من أهل العلم، فمثل هذا أقل ما يقال فيه: أنه مميع للمنهج السلفي.
- والذي يريد أن يعيد النظر في كثير من المباديء السلفية: فهو المميع للمنهج السلفي...
- والذي لا يرى فرقاً جوهرياً بين منهج السلف وبين (الإخوان المسلمين): فهو المميع للمنهج السلفي...
- والذي يمتدح التجربة السياسية (للإخوان المسلمين): فهو المميع للمنهج السلفي...
ثم:
لا أعتب على أهل العلم الذين بدَّعوا أمثال هؤلاء، ولا أحرِّج على مَنْ اتبعهم من طلاب العلم على ذلك...
ثم:
أعتب على مَنْ يصف أمثال هؤلاء العلماء بسبب ذا بـ (غلاة التجريح) تنفيراً للناس منهم وصداً للعامة وطلبة العلم عنهم...
أقول:
إنَّ مصطلح (غلاة التجريح) صار مطاطاً يستعمله كل على هواه!، وبحسب ما يراه!.
- فإذا ضلَّل عالم معتبر طريقة (فلان) بالأدلة الصحيحة صار من غلاة التجريح!
- وإذا حذَّر علماؤنا من الخوارج المعاصرين - بحق - وسموهم، صاروا عند هؤلاء من غلاة التجريح!
- وإذا حذَّر علماؤنا من القرضاوي وكتابات قطب وكتابات الشعراوي، وحذروا من ابن عبد المقصود وشيخه، وحذروا من مثل عمرو خالد ومن على شاكلته، وإذا حذروا من المتصوفة والأشاعرة، وإذا حذروا من (الإخوان المسلمين) ومن (التبليغ) صاروا من غلاة التجريح!.
لا حول ولا قوة إلا بالله...
وإذا نُسِبَ للإمام الشافعي قوله - شعرا -:
إن كان رفضا حب آل محمد...... فليشهد الثقلان أني رافضي
وأتمثل قوله:
- إنْ كان التحذير من الضلال وممن يعليهم ويصدرهم ويقتفي أثرهم ويمدحهم غلوا فليشهد الثقلان أني من الغالين.
ونحن نؤمن أنَّ الله حافظ دينه، فكما عاشت الجهابذة فحفظت السنة والحديث، فستعيش الجهابذة في حفظ هذا الدين ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من وافقهم والله المستعان)) انتهى كلام المشرف باسم خلف.
أقول بعد هذا:
فمن المتناقض الآن؟!

الوقفة الرابعة:
لو رجع القارئ إلى تمام كلام الشيخ ربيع حفظه الله في المواضع الثلاثة لما وجد فيها ما يُنتقد فضلاً عن تهمة التناقض!، فالعيب ليس في كلام الشيخ ربيع، إنما العيب في تلاعب الناقل، وإليكم البيان:

قال الشيخ ربيع في الموضع الأول [في رده على أصول فالح الحربي]: ((ولنحذر ما حذر الله رسوله منه من العنف والشدة والتنفير ولا نجعل ذلك منهجاً, وقد يلجأ العاقل الحكيم إلى الشدة المشروعة إذا انسدت في وجهه سبل الحكمة والرفق وسبل التيسير فحينها يستعمل الشدة التي يسمح بها الشرع الحكيم ولا يتجاوز ذلك إلى ما يوقعه في الإثم فيكون حكيماً في هذا التصرف محموداً عليه عند الله وعند العقلاء، ولكل شيء موضعه، وما أوسع مواضع الرفق والحكمة والتيسير فهي الأصل في دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام.
أخي إنَّ الشدة التي نشأت هذه الأيام ليست من السلفية في شيء، والدليل أنها صارت سهاماً مسددة إلى نحور دعاة السنة بحق، ويسعى أهلها إلى إسقاط هؤلاء الدعاة وإبعادهم عن ساحة الدعوة بحجة أنهم مميعون، وهي حجة إبليسية كاذبة ظالمة، فصاروا بهذا الأسلوب أكبر عون لخصوم السنة وأهلها على السلفية وأهلها، فانتبه للألاعيب والمكايد والدسائس التي يستخدمها خصوم السنة ولاسيما في هذا العصر)).

وأما في الموضع الثاني فقد قال الشيخ ربيع حفظه الله: ((مِن الباطلِ قولُ القائل: «لا يُشْتَرَطُ هذا بالنسبة لأسبابِ الجَرْحِ؛ إذ بيانُ أسبابِ الجَرْحِ والتَّعديلِ في عِلْمِ الرِّوَايَةِ!، وليس في كلامِ المُخَالِفِينَ في مناهجِهم، وفي سُلوكِيَّاتِهِمْ».
فَإِذَا وُجِدَ أشخاصٌ مُعَيَّنون مَشْهُورُون عند النَّاسِ بالسَّلَفِيَّةِ والدَّعْوَةِ إليها، وفيهِم عُلَمَاءُ - في نَظَرِ النَّاسِ -؛ فَلاَ يَجُوزُ إِخْراجُهُم مِنَ السَّلَفِيَّةِ بِسُهُولَة!، وَهَذَا الإِخْرَاجُ جَرْحٌ شَدِيدٌ فيهِم؛ يَحْتَاجُ إلى أدِلَّةٍ، فَإِذَا لَمْ يُؤْتَ بالأدِلَّةِ وأسبابِ هذا الجَرْحِ رَأَى الناسُ أَنَّ هَذا ظُلْمٌ لهم، وَتَعَدٍّ عَلَيْهِم، وَطَعْنٌ فِي دِينِهِم بغيرِ وجهِ حَقٍّ؛ فَصَارَ المُتَكَلِّمُ فِيهِم مُتَّهَماً عند الناسِ؛ فيحتاجُ إلى اسْتِبْرَاءِ دينِهِ وعِرْضِه.
وَأَقُولُ لَك أَيُّها الجَارِح:
إِنْ لَمْ تفعلْ -مُبَيِّناً بالحُجَّةِ والبَيِّنَةِ والدَّلِيل- طَعَنَ فيك الناسُ، ولنْ تَرْضَى أنتَ ولا غيرُك بهذا الطَّعنِ؛ فتقومُ الفتنةُ، ويحصُلُ الاختلافُ بين السَّلَفِيِّين وتَكْثُرُ الطُّعُونُ المتبادَلَةُ)).

وقال في الموضع الثالث: ((وأخيراً أقول: إنَّ إصدار الأحكام على أشخاص ينتمون إلى المنهج السلفي وأصواتهم تدوي بأنهم هم السلفيون بدون بيان أسباب وبدون حجج وبراهين قد سبب أضراراً عظيمة وفرقة كبيرة في كل البلدان، فيجب إطفاء هذه الفتن بإبراز الحجج والبراهين التي تبين للناس وتقنعهم بأحقية تلك الأحكام وصوابها أو الاعتذار عن هذه الأحكام.
ألا ترى أنَّ علماء السلف قد أقاموا الحجج والبراهين على ضلال الفرق من روافض وجهمية ومعتزلة وخوارج وقدرية ومرجئة وغيرهم، ولم يكتفوا بإصدار الأحكام على الطوائف والأفراد بدون إقامة الحجج والبراهين الكافية والمقنعة)).

أقول:
فالشيخ حفظه الله يتكلَّم عن شدة ظهرت عند فالح الحربي وحزبه حتى صارت لهم منهجاً عاماً في مواقفهم وردودهم وأحكامهم، وهذه الشدة المذمومة مبنية على الطعن والتبديع في أشخاص مشهورين بالسلفية من غير بيان أسباب التجريح، مما أدى هذا إلى إثارة الفتن والفرقة بين السلفيين، لكن الشدة قد يلجأ إليها العاقل الحكيم إذا أغلقت سبل الرفق واللين في وجهه، وهي الشدة المبنية على جرح الأعيان بالحجة والبرهان، وهذا ما عليه الشيخ حفظه الله من صبر وحلم وتلطف مع المخالف حتى إذا لم ينفع معه ذلك لجأ إلى استعمال الشدة والحزم معه بحسب حاله.
فأين وجه التناقض بين مواقف الشيخ ربيع حفظه الله اليوم، وبين كلامه هذا؟!
لا يوجد تناقض!.

الوقفة الثالثة:
إنَّ كلام الشيخ ربيع حفظه الله المبتور من سباقه وسياقه ولحاقه مع التلاعب فيه لا إشكال فيه لو راعى القارئ ما فيه من قيود؛ فالشيخ حفظه الله يتكلَّم عن شدة في أيام فتنة فالح الحربي لا عن الشدة مطلقاً، وأنَّ إخراج المشهور بالسلفية لا يمكن إلا بالأدلة على ذلك، وأنَّ إطفاء هذه الفتنة لا يكون إلا بإبراز الحجج البالغة والبراهين القوية التي تقطع العذر وتقيم الحجة على المخالف.
فأين التناقض بين هذا وبين مواقف وأحكام الشيخ ربيع حفظه الله اليوم؟!

المقال الثاني:
[تهمة (الإرجاء والمرجئة)وما إليها
في بعض كتابات وأجوبة الشيخ ربيع بن هادي–سدده الله-..]
أقول:
ولي على هذا المقال وقفتان:

الوقفة الأولى:
في هذا المقال يحاول هذا المشرف المتخبط في ردوده أن يثبت التناقض في منهج الشيخ ربيع من جديد، وذلك أنَّ الشيخ حفظه الله في حلقته الثانية في مقاله [الحلبي من أشد الناس شهادة بالزور، ومن أكثرهم وأشدهم وقوعاً في التناقضات المخزية]، نقل فتوى اللجنة الدائمة التي أدانت الحلبي بمذهب الإرجاء في مقدمة المقال، وذلك لإظهار أنَّ العلماء الكبار الذين يتمسَّح بهم البعض اليوم ويدعو إلى التحاكم إليهم في هذا النزاع قد جرحوا الحلبي من قديم وأدانوه بالبدعة، أي قبل أن يتكلَّم فيه الشيخ ربيع وغيره، فالشيخ ليس بدعاً من أهل العلم في ذلك، كما أراد الشيخ ربيع حفظه الله في نقل هذه الفتوى بيان أنَّ الحلبي على أصليه (لا يلزمني) و (لا يقنعني) في التعامل مع ردود العلماء وأحكامهم، وأنه يصر على الباطل ويجادل في محاربة الحق وأهله سنين طوال، بل ويساند أهل الباطل كما أيَّد مراد شكري في رسالته التي تضج بنصرة مذهب الإرجاء.
ولهذا قال الشيخ ربيع حفظه الله بعد هذه الفتوى مبيناً الغاية من نقلها: ((فلم يرفع رأساً بهذا النقد وهذه النصائح من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، واعتبر نفسه عالماً، وفتح مركزاً لمضاهاتهم في المرجعية والإفتاء، وذهب يتخبط في الفتن والجهالات والضلالات والتأصيلات الباطلة المضادة للمنهج السلفي وأصوله إلى يومنا هذا، فكيف لو رأت اللجنة الدائمة هذا الدمار؟!)).
فماذا صنع المشرف المتخبط المدافع عن شيخه بالتعصب والتحزب؟!
ذهب هذا المشرف - كعادته! - باحثاً في كتابات الشيخ ربيع حفظه الله التي ردَّ فيها على شبهات الحدادية الذين يصفون أهل السنة بالإرجاء في مسألة (جنس العمل) المحدثة!، وكأنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله في نقله لهذه الفتوى صار موافقاً لمن يدَّعي الإجماع على كفر تارك جنس العمل!، أو أنه يؤيد فتوى اللجنة الدائمة بكل ما فيها، هذا ما فهمه هذا المشرف أو أراد إفهامه للقارئ ليبرهن على تناقض الشيخ ربيع حفظه الله!، وليس الأمر كذلك.
فالشيخ ربيع حفظه الله ينكر دعوى الإجماع على كفر تارك العمل، وقد كتب في ذلك عدة مقالات صريحة لا ينكرها إلا مكابر، كما إنه لا يكفِّر الحاكم بغير ما أنزل الله - ولو كان في حال القوانين الوضعية - إلا بشرط الاستحلال أو الجحود، وكذلك لا يقر ألفاظ (جنس العمل) و (شرط الصحة وشرط الكمال)، ويدعو السلفيين إلا اجتناب هذه الألفاظ المحدثة والرجوع إلى تعريف الإيمان عند السلف، وأنه قول وعمل يزيد وينقص، وله أصل وفرع (كمال).
وأما علي الحلبي فعنده تخليط واضح في مسائل الإيمان والكفر في أول الأمر، ولهذا ردَّت عليه اللجنة الدائمة، وبدلاً من الرجوع عن الباطل والاعتراف بالخطأ، ظل الحلبي مجادلاً عدة سنين ولم يعترف بخطئه، وقد نصح الشيخ ربيع حفظه الله الحلبي أن يترك جدال اللجنة الدائمة في ذلك، وأن يبتعد عن الألفاظ المحدثة، لكنه عاند كعادته مصراً على أنه لم يوافق المرجئة في كتاباته.
ومما يؤكِّد تخليط الحلبي في هذه المسائل وموافقته لمذهب المرجئة ثلاثة أمور واضحة:
الأمر الأول:
تأييده لمراد شكري في رسالته [إحكام التقرير لأحكام التكفير] التي صرَّح فيها بمذهب الإرجاء فقال: ((لا يكفر المسلم إلا إذا كذَّب النبي  صلى الله عليه وسلم فيما جاء به وأخبر، سواء أكان التكذيب جحودًا كجحود إبليس وفرعون، أم تكذيبًا بمعنى التكذيب))، وقال: ((والمقصود: أنَّ السجود للصنم أو سب الله أو شتم الرسول يتضمن التكذيب للمعلوم من الدين بالضرورة لزامًا))، وقال: ((فظهر وتبين: أنَّ عدَّ السلف العمل من الإيمان إنما يتعلق بكماله؛ وليس بالإيمان نفسه)).
قلتُ:
فكلام مراد شكري هذا يدل على أنه يخرج العمل من نفس الإيمان، وأنَّ الكفر هو التكذيب، وهذا هو عين مذهب المرجئة كما هو معلوم.
وقد كُتب على طرة الكتاب المنشور: ((قرأه وراجعه وقام على طبعه الشيخ علي الحلبي))!!.
وقد ردَّت اللجنة الدائمة – برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله - هذا الكتاب وحذَّرت منه، لأنه ينتصر لمذهب المرجئة، فقال الحلبي متملِّصاً من المسؤولية كما في مجلة الفرقان [العدد 101]: ((الكتابُ إنما يعبر عن وجهة رأي مؤلفه فيما بحثه وظهر له))!.
الأمر الثاني:
قال علي الحلبي في إحدى حواشي كتابه [التحذير من فتنة التكفير/ في طبعته الأولى التي ردَّت عليها اللجنة الدائمة] ص11: ((إنَّ مَنْ ثبت له حكم الإسلام بالإيمان الجازم، إنما يخرج عنه: بالجحود له أو التكذيب به. أما إذا كان شاكًا، أو معاندًا، أو معرضًا، أو منافقًا: فإنه أصلًا ليس بمؤمن)).
فهذا الكلام فيه حصر الكفر والردة بالحجود والتكذيب!.
الأمر الثالث:
ما قام به علي الحلبي من بتر كلام العلماء بما يُفهم القارئ أنَّ الكفر لا يكون بالقول ولا يكون بالعمل، ومثاله:
نقل الحلبي في ص7 تعريف ابن حزم للكفر من كتابه [الإحكام في أصول الأحكام: 1/49] وعزاه خطًا للمحلى!؛ وحصره في الجحود!، وبتر بقية كلام ابن حزم، حيث نقل عنه قوله: ((الكفر: صفة من جحد شيئًا مما افترض الله تعالى الإيمان به بعد قيام الحجة عليه ببلوغ الحق إليه))، وتوقف الحلبي هنا، بينما بقية كلام ابن حزم مباشرة: ((بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معًا، أو عمل عملًا جاء النص بأنه مخرجٌ له بذلك عن اسم الإيمان))!.
وفي ص11 نقل الحلبي كلامًا للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله من كتابه [الإرشاد إلى معرفة الأحكام] مبتورًا هكذا: ((حد الكفر الجامع لجميع أجناسه وأنواعه وأفراده: هو جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه))، بينما قال السعدي في أوله: ((المرتد: هو الذي كفر بعد إسلامه بقولٍ أو فعلٍ أو اعتقادٍ أو شكٍّ، وحد الكفر...))!.
وأما مسألة (شرط الكمال وشرط الصحة) فقد كان يدندن حولها الحلبي في أول الأمر كثيراً، ثم بعد حروب طويلة عاد ليصفها من الألفاظ المحدثة.
ومما يؤكِّد دوام تخبطه في بعض هذه المسائل، أنه كان إلى فترة قريبة لا يعرف معنى (كفر الإعراض) حتى اطلع على كلام ابن القيم رحمه الله؛ كما في لقاء مصوَّر مسجَّل رأيته بنفسي!.
وكذلك تخبطه في إنكار الألفاظ من غير تمييز بين المأثورة وبين المحدثة، فقد قال في مقال له بعد فتنته الجديدة [مسائل الإيمان والإرجاء – مِن جديد! – جوابًا وتجاوُبًا]: ((إنِّي أعتقدُ حَقًا يَقينًا - عن علمٍ ودراسةٍ، وبحثٍ ومُراجعةٍ - أنَّ: 1- الإيمانَ قولٌ وعملٌ واعتقادٌ 2- وأنَّ العملَ أساسٌ في الإيمانِ 3- وأنَّ الإيمانَ يزيدُ وينقُصُ 4- وأنَّهُ - حكمًا - درجاتٌ؛ فمنهُ: الرُّكْنُ، ومنهُ الواجبُ، ومنهُ المستحبُّ 4- ولا أستعملُ لفظَ: الشَّرطِ - لا كمالًا ولا صِحَّةً!-، ولا الجِنس. ولا الأصل والفرع، ونحوها مِن حادثِ الألفاظِ، ومُحْدَث المُصطلحات: التي أوقَعَتِ الفُرقةَ والامتحانَ بينَ أهل السنَّةِ، وأفرحت أهلَ الأهواء من الخوارجِ وأذنابِهم)).
قلتُ:
ومعلوم أنَّ تقسيم الإيمان إلى أصل وفرع مأثور عن السلف، وبه تميز منهج أهل السنة من منهج المرجئة والخوارج.
فبعد هذا البيان أقول:
إنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله يخالف علياً الحلبي في هذه المسائل التي وافق فيها مذهب الإرجاء ولم يعترف أبداً بوقوعه فيها، والتي كانت نتيجة فتوى اللجنة الدائمة في جرحه، ولا يلزم موافقة الشيخ ربيع للحلبي في إنكار دعوى الإجماع والتضليل وتهمة الإرجاء في حق مَن لا يكفر تارك العمل من أئمة السلف وعلماء المسلمين السلفيين ولا يكفر مَن يحكم بالقوانين الوضعية إلا بشرط الاستحلال والحجود أن يكون موافقاً له في كل ما قاله في مسائل الإيمان والكفر!.
لكن من المؤسف أن تجد أنصار الحلبي يحاولون بكل سبيل أن يجعلوا الشيخ ربيعاً موافقاً لشيخهم الحلبي في مسائل الإيمان والكفر، وهذا ظلم وبهتان، فالشيخ ربيع حفظه الله عالم راسخ لم يضطرب في هذه المسائل كما كان من حال الحلبي ولا زال، والله المستعان.

الوقفة الثانية:
إنَّ هذا المشرف – ومن قبل شيخه الحلبي ومشرفو منتداه – قد وجَّه سهام الطعن في نفي تهمة الإرجاء عن الحلبي إلى الشيخ ربيع حفظه الله الذي نقل فتوى اللجنة الدائمة، بينما أعرض عن الطعن باللجنة الدائمة نفسها التي أصدرت الفتوى، والشيخ ربيع حفظه الله نقل هذه الفتوى لما تقدم من مقاصد، فصنيع هؤلاء يدل على أنهم يكيلون بمكيالين، وأنَّ حربهم ليست ضد منهج معين كما يزعمون!، وإنما حربهم ضد عالم راسخ وقف في وجه المبتدعة بكل أصنافهم، وشهد لها كبار العلماء وأثنوا على ردوده وكتاباته، فمنهج هؤلاء المميعة لا يقوم إلا بإسقاط الشيخ ربيع، وأنى لهم ذلك؟!
فالشيخ ربيع حفظه الله مجرد ناقل يدلل في مقدمة مقاله على أنَّ الحلبي يجادل بالباطل منذ سنين، وأنه يتخبَّط في التأصيلات، وأنه لا يرفع رأساً بكلام العلماء الذين أدانوه، وهذا كله حق، وقد ذكرتُ أدلته، لكن لما عجز هؤلاء المميعة عن ردِّ هذا الحق ذهبوا يجادلون حول الإرجاء!، وبيان صفات الحدادية الذين يرمون أهل السنة بهذه الفرية من أجل ما يسمى بجنس العمل وشرط الصحة!، فأين هذا من ذاك؟!، وهذه عادة القوم في ردودهم فاعرفوها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


وقفات مع مقاله في حلقته الأولى:
[وقفة-ولعلها وقفات- مع المقال الأخير المنسوب للشيخ ربيع-سدده الله-..]

ذكر المشرف (باسم خلف) في هذا المقال – مختصراً - ما نقله الشيخ ربيع حفظه الله من إدانة اللجنة الدائمة للحلبي في قولها: ((كما أنَّ في كتابه التهوين من الحكم بغير ما أنزل الله، بدعوى أنَّ العناية بتحقيق التوحيد في هذه المسألة فيه مشابهة للشيعة الرافضة، وهذا غلط شنيع)).
فجعل المشرف من هذا النقل حكاية (!) أراد من خلالها التسوية بين ما قاله علي الحلبي في غلو البعض في (مسألة الحاكمية) ومشابهة ذلك بغلو الرافضة في (مسألة الإمامة)!، وبين ما قام به الشيخ ربيع حفظه الله من ردٍّ على المودودي الذي جعل الخلافة والإمامة أصل الأصول ومسألة المسائل وغاية الدين الحقيقية، وسخر من أركان الإسلام الأخرى كالصلاة والحج والصيام وغير ذلك من العبادات، ونفى عنها اسم العبادة، وهوَّن من شرك القبور والأولياء والصالحين، ودعا إلى التقارب مع الروافض وهوَّن من الاختلاف معهم من أجل مسألة الخلافة والإمامة، فبيِّن الشيخ حفظه الله أنَّ هذا المسلك يشبه مسلك الرافضة في غلوهم في مسألة الإمامة التي جعلوها محور الدين وغايته وأصله دون النظر إلى أهمية أركان الإسلام والغاية التي من أجلها خلق الله الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب.
والمشرف يقصد من ذلك بيان تناقض الشيخ ربيع حفظه الله؛ بدعوى أنه يقول بما يقوله شيخهم الحلبي من تشبيه الغلو في هذه المسألة بمسألة الإمامة عند الرافضة، ثم الآن يؤيد فتوى اللجنة الدائمة!.

ولي وقفات على مقاله هذا:
الوقفة الأولى:
إنَّ التشكيك في نسبة هذا المقال إلى الشيخ ربيع حفظه الله لا برهان عليه، وإذا كانوا قد أصَّلوا أصلاً في التثبت في خبر الثقة والتشكيك في وجوب الأخذ به، وردوا بذلك عدة أخبار في بيان أحوال بعض المبتدعة وشككوا بها، فإنَّ من الخطورة بمكان أن يشككوا في نسبة الكتب والمؤلفات والمقالات من غير برهان ولا قرينة!.
وأما المقال فهو للشيخ ربيع حفظه الله وقد أخبرني مشافهة بأنه أكمله بعد انتهائه من كتابة الحلقة الأولى، وفي هذا ردُّ بالغ على دعوى الحلبي أنَّ الشيخ ربيعاً يبدأ بالحلقة الأولى ثم لا يكمل الحلقة الثانية، وهذه من تخرصات الحلبي!.

الوقفة الثانية:
إنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله إنما نقل فتوى اللجنة الدائمة ليبرهن على مسألة معينة؛ وهي أنَّ الحلبي لا يرفع رأساً بكلام العلماء ولا بنقدهم، وأنه يجادل من سنين بالباطل ولا يرجع إلى الحق؛ لأنه ماض على طريقته وتأصيلاته في رد الأدلة والبراهين بـ (لا يلزمني) و (لا يقنعني)!، وهذا واضح من سياق كلام الشيخ ربيع حفظه الله في مقدمة مقاله.
فإنْ كنتم صادقين في النقد فالواجب عليكم أن تردوا فتوى اللجنة الدائمة، وتوجهوا النقد إليها!، فإن قلتم: إنَّ شيخنا رد ذلك في عدة كتب!، أقول لكم: إنَّ شيخكم رجع إلى حكم اللجنة الدائمة فحذف هذا الكلام من كتابه [التحذير من فتنة الغلو في التكفير في طبعته (الثالثة)]، وقد قال في خاتمة المقدمة: ((ولقد أصلحتُ في هذه الطبعة "الثانية" عدداً من الأوهام العلمية أو الأغلاط المطبعية التي وقعت لي في الطبعة الأولى، إما معرفة ذاتية بالمراجعة والمتابعة وإما استجابة لملاحظات بعض الإخوة الأفاضل الصادقين في نصحهم المخلصين في قولهم، إضافة إلى ضبط العبارات وتنقيح الاصطلاحات وحذف ما انتقد من جمل وكلمات من هذه الطبعة الثالثة عبر فتوى اللجنة الدائمة)).
فهل نقول: تناقض شيخكم في هذه المسألة؟!
أم يقال: قالها تنزلاً ومجاملة وسياسة؟!

الوقفة الثالثة:
إنَّ الشيخ ربيعا حفظه الله عقد فصلاً بعنوان [نظرة علماء الإسلام إلى الإمامة وأدلتهم على وجوبها]، فهو لم يفرِّط في بيان هذا الواجب، ولهذا ردَّ على مَنْ اتهمه بالتقصير فيه فقال: ((وأما الخلافة فما أدري أقرأتَ ما كتبته فيها ونقلته عن علماء الإسلام، أو تناولت الموضوع بأطراف أناملك وأنت مغمض عينيك، ظاناً أنَّ العدل والإنصاف يأتي بمثل هذه السهولة، فاقرأ هذا وذاك من جديد، وقل كلمة الحق مدعماً بالأدلة لا بالتهويل ولا بالتهويش!.
وأما الحكم بما أنزل الله؛ فكيف تتصوَّر أنني أناقش فيه المودودي – أو غيره – وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة لا ينازع فيه حتى الفرق الضالّة المنحرفة، فأعوذ بالله مما نسبه إليّ صاحب "الميزان"، واقرأ مرّة أخرى ما كتبته في الحاكميّة وشمولها لكلّ أبواب الدين؛ لترى مدى الخطأ الذي وقع فيه البرقاوي هداه الله)).
فهل عقد الحلبي فصلاً في بيان أهمية الحكم بما أنزل الله، ووجوب التحاكم إلى شريعة الله في كتابه المنتقَد؟!

الوقفة الرابعة:
يظهر أنَّ المشرف (باسم خلف) قلَّد شيخه الحلبي كعادته!، ولهذا لم يلحظ الفرق بين (الإمامة والخلافة) التي هي من واجبات البشر، وبين (الحكم والتشريع) التي هي من خصائص الله!.
فالحلبي ظنَّ أنَّ المسألتين واحدة!، ولهذا استدل في رده على اللجنة الدائمة بصنيع الشيخ ربيع حفظه الله (وكان في الخلافة والإمامة!) على صحة صنيعه هو (وكان في الحكم بغير ما أنزل الله!)!!، وبين المسألتين فرق ظاهر وضحه الشيخ ربيع حفظه الله في تمام كلامه الذي لم يكمله المشرف في مقاله مع الأسف كعادة شيخه في البتر!!.
قال الشيخ ربيع حفظه الله في كتابه [منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله]: ((ومن اللازم بيانه: أن أوضح للشباب الفرق بين الدولة وحاكميّة الله:
أما الدولة: فهي مجموعة من أفراد البشر قد تكون كافرة، وقد تكون ضالة منحرفة، وقد تكون مؤمنة؛ في خلافة راشدة، أو ملوكية مقصِّرة، كما هو واقع دول الإسلام بعد الخلافة الراشدة، فهؤلاء الأفراد من البشر الذين تكونت منهم الدولة المؤمنة لا يعدون أن يكونوا وسائل لتنفيذ شريعة الله من: القيام بالجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والقصاص، وحماية الأمّة من مكائد الأعداء واعتداؤهم على أراضي المسلمين، وأرواحهم، وأموالهم، وأعراضهم.
فلابدّ للمسلمين من إقامة دولة للقيام بهذه الواجبات العظيمة، إما بمبايعة خليفة يجتمع عليه كل المسلمين، أو يتغلب أحد أفراد الأمة فيكون له شوكة وجيوش وسلطة فتقضي مصلحة الأمّة التسليم له؛ ما دام يعلن الإسلام ويلتزم تنفيذ شرائعه وعقائده وحماية الأمّة من أعدائها إلى آخر التفصيلات المعروفة والمذكورة في مواطنها من دواوين الإسلام، أو بتغلب بعض الأفراد على بعض الأقطار كما حصل في الأقطار الإسلاميّة بعد ضعف الخلافة فتقتضي المصلحة التسليم بهذا الوضع.
أما الحاكمية والحكم: فهي من صفات الله ومن خصائصه التي انفرد بها كما قال تعالى: "إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم"، فلا ينكر هذه الحاكميّة ولا يجحدها إلا كافر بالله شديد العداوة لله ولرسوله وكتبه، بل حتى من يجحد حاكميّة الله في جزئيّة من الجزئيات الفروعيّة فضلاً عن الأصول يكون كافراً بالله خارجاً عن دائرة الإسلام إذا كان جحده لها عن علم، أمّا الجاهل فيعذر حتى تقام عليه الحجة، هذا الذي أقوله يجري في حق الحكام والمحكومين والأفراد والجماعات، وقد قرّر ذلك علماء الإسلام المعتبرون، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم.
فمن يلتزم بهذه الحاكميّة في أصول الدين وفروعه؛ في العقائد والعبادات والمعاملات وفي السياسة والاقتصاد والأخلاق والاجتماع فهو المؤمن، ومن لا يلتزمها في الكل أو في البعض فهو الكافر فرداً كان أو جماعة حاكماً أو محكوماً داعية أو مدعواً.
ووالله إنني أخشى على كثير من الفرق والأحزاب والأفراد من الوقوع في الكفر حيث لا تلتزم بحاكميّة الله في أصول الدين بل وفي فروعه، أخشى على كثير منهم ممن قامت عليه الحجّة وتبين له الحق ثمّ يصرّ على مناهضة الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك والبدع، وإلى مناهضة أهلها ومنابذتهم وتأليب الناس عليهم وتنفير الناس منهم ومن دعوتهم دعوة الأنبياء والرسل والمصلحين المخلصين الصادقين فيقع بعد قيام الحجّة عليه في هوّة الكفر.
وإنني لأدعو الأمّة جميعها حكامها ومحكوميها أفرادها وفرقها وأحزابها أن يؤمنوا جميعاً حق الإيمان بحاكميّة الله العامّة الشاملة لأصول الدين وفروعه، وأن يلتزموا بها كل الالتزام في أصول الدين وفروعه، وأدعو رؤساء الدول مَن كان منهم ملتزماً بحاكميَّة الله وقصّر ولو في شيء من التطبيق أن يلتزم بالتطبيق الكامل في كلّ الميادين في العقائد والعبادات والمعاملات في الاقتصاد والسياسة وفي باب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وأن يجدّوا في محاربة الشرك والبدع وفي محاربة المعاصي والمنكرات وخصوصاً الربا وسائر الكبائر التي تضرّ الأمّة وأخلاقها، فإنَّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وليستشعروا أنَّ الله سائلهم عن كلِّ صغيرة وكبيرة تقع تحت مسؤليّتهم "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيّته"، وأذكرهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاشٌ لهم إلا حرّم الله عليه الجنّة"، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيّة، فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنّة....))، إلى آخر كلام الشيخ حفظه الله.
ثم بعد هذا التفريق بين (الإمامة والخلافة) وبين (الحاكمية)، ردَّ الشيخ ربيع حفظه الله على عصام البرقاوي الذي اتهمه بأنه يشبِّه مسألة الحاكمية بغلو الرافضة في مسألة الإمامة!، وقد نقل ذلك مطولاً المشرف (باسم خلف).
وهذا يعني أنَّ الكلام بين النقلين من كلام الشيخ ربيع حفظه الله، والذي فيه بيان الفرق بين المسألتين: تعمَّد المشرف مع الأسف بتره!!، وذلك ليبرهن للقراء أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله وشيخه الحلبي متفقان في هذا التشبيه!، ثم بعدها ليبين للقراء أنَّ الشيخ ربيعاً متناقض الآن، لأنه وافق اللجنة الدائمة في نقدها للحلبي في هذه المسألة، وقد كان حفظه الله يقول بقول الحلبي فيها قديماً!، بل بدعوى أنَّ شيخه الحلبي أخذها أصالة من الشيخ ربيع حفظه الله!!، كما صرح بذلك الحلبي والبرقاوي، وأيدهما المشرف من غير تحرير ولا تدقيق!.
وليس الأمر كذلك!
بل شيخه الحلبي لم يفهم كلام الشيخ ربيع حفظه الله!، لأنه ظنَّ أنَّ الشيخ حفظه الله يشبِّه غلو البعض في مسألة (الحكم بغير ما أنزل الله) بغلو الرافضة في مسألة (الإمامة)!، بينما الشيخ ربيع حفظه الله إنما كان يتكلَّم عن غلو البعض في مسألة (الإمامة والخلافة)!.
فافهم هذا جيداً أيها المشرف!، ولا تنقاد وراء شيخك في طريقته في البتر والتلبيس!، ولا في سوء فهمه وعدم تفريقه بين المختلفات!، بل عليك أن ترجع إلى الأصول والمصادر.

وأما وقفته الثانية في هذا المقال والتي هي بعنوان:
[ما اصطُلِح على تسميته بـ (المجمل والمفصل) في مقال الشيخ ربيع-سدده الله-]

فقد حاول المشرف جاهداً هذه المرة أن يثبت تناقض الشيخ ربيع حفظه الله، ولم يفلح هذه أيضاً!، وذلك من خلال تهمة الشيخ ربيع حفظه الله بأنه كان إخوانياً متأثراً بهم.
وهذه التهمة قد أطال فيها الكلام الحلبي ومشرفوه وكرروه مراراً مع بعده عن لغة العلم والعدل، وميله إلى لغة بتر الكلام وتحريفه وتحميله ما لا يحتمل كالعادة!، وقد رد هذه التهمة الشيخ ربيع حفظه الله في مقاله الأخير بما لا مزيد بعده، وسوف أتفرغ إن شاء الله للرد على هذه التهمة في مقال مستقل إن أمدَّنا الله تعالى بمزيد من العمر والعلم والسداد.
لكن أردتُ أن أُبين في رد هذه الوقفة، أنَّ هذا المشرف يحاول إثبات تناقض الشيخ ربيع حفظه الله بكل وسيلة وإنْ كانت بعيدة عن لغة العلم، بدعوى أنَّ الشيخ حفظه الله يعمل بقاعدة (حمل المجمل على مفصله) في دفاعه عن نفسه، ولا يقبل أن يعمل بها غيره في الدفاع عن نفسه.
وبيان ذلك:
أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله ردَّ عن نفسه طعونات عبدالرحمن عبدالخالق وعدنان عرعور - في كتابين مستقلين - بكونه كان منتمياً إلى الإخوان المسلمين منتظماً في جماعتهم في أول دعوته!!، وبيَّن حفظه الله أنه مشى مع مجموعة من الإخوان المسلمين كان فيهم مَنْ يدَّعي السلفية ويحسن الظن به من أجل نصيحتهم وتوجيههم، وأنه اشترط عليهم شرطين: الأول: العمل بالمنهج السلفي في دعوتهم ومواقفهم، والثاني: أن لا يبقى في صفوفهم مبتدع بدعة غليظة، فقبل هؤلاء هذه الشروط، فكان الشيخ حفظه الله معهم داعياً مناصحاً وصابراً محتسباً ما يُقارب العشرة سنوات، لكنه وجد منهم بعد البدع الغليظة كالتصوف والتعاطف مع الرافضة ومحاربة منهج السلف الصالح، فعلم حفظه الله أنَّ هؤلاء خدعوه ولم يصدقوا معه، فندم على ذلك أشدَّ الندم، واستغفر الله من تقصيره في خدمة المنهج السلفي خارج هذه المجموعة، فقطع علاقته بهم، وبدأ يُحذِّر منهم ويعاديهم في مجالسه ودروسه، ويكشف أصولهم ودعوتهم الفاسدة.
هذه خلاصة الأمر!
 فماذا كان؟!
جاء المشرف الآن فرأى أنَّ كلام الشيخ ربيع حفظه الله - في كونه مشى مع هذه المجموعة ودخل معهم من أجل المناصحة – (كلام مجمل)، وأنَّ الشروط التي اشترطها الشيخ ربيع حفظه الله (كلام مفصَّل)، ووجد أنَّ الشيخ حفظه الله ذكر هذه الشروط في سرده لهذه الحكاية في ثلاث مواضع (في رده على عبدالرحمن عبدالخالق، وفي رده على عدنان عرعور، وفي مقطع صوتي)، فلم يجد سبيلاً في اتهام الشيخ حفظه الله بحمل المجمل على المفصل؛ لأنَّ التفصيل موجود أصلاً في سياق القصة مراراً، فماذا يفعل لتصح له دعوى التعارض؟! اشترط المشرف أن يكون التفصيل في كل المواضع وإلا كان الشيخ حفظه الله ممن يعمل بقاعدة حمل المجمل على المفصَّل في الموضع الذي لم تذكر فيه الشروط!!!.
 قال المشرف: ((ولا شك أنَّ هذه الشروط لم تَرِد في مواضع من كلام الشيخ ربيع - وإن وردتْ بعدُ في مواضع أخر-، فلماذا يحيل عليها فضيلته؟)).
ثم جاء بيت القصيد فقال: ((وهل هذا إلا محاولة الاستدلال بـ(المفصل) على توضيح (المجمل)، وحمل هذا الأخير عليه؟! مع وجود عبارات للشيخ ربيع صريحة و(مفصلة) غير (مجملة) تفيد تأثُّرَه بـ(الإخوان) وبكتاباتهم!)).
وأوضح مقصده من هذا الصنيع فقال: ((والخلاصة مما سبق - إضافة لتناقض الشيخ ربيع الذي لا يسلم منه بشر - التدليل على أنّ حمل كلام الناس - وخاصة أهل العلم - على ما قصدوه وأرادوه، وعلى سيرتهم ومنهجهم، قاعدة مركوزة في العقول والفطر، وإن أنكرها نفر يسير من المتعاصرين شذّوا بذلك الإنكار عن أهل العلم قديماً وحديثاً)).
أقول:
قاعدة وجوب (حمل المجمل على المفصل) في كلام البشر غير الأنبياء قاعدة باطلة، وقد كثرت المقالات في بيان ذلك، فلا حاجة للإعادة والتكرار.
لكن السؤال الآن:
أين موضع الشاهد من دعوى عمل الشيخ ربيع بهذه القاعدة في دفاعه عن نفسه؟!
أي: أين الكلام المجمل الذي أكَّد فيه الشيخ ربيع أنه كان مع الإخوان المسلمين، ولم يذكر فيه الشروط (أي التفصيل) التي اشترطها لهذه الصحبة؟!
أين هو؟!
وعلى فرض وجوده!؛ هل يلزم أن يذكر الشيخ حفظه الله الشروط في جميع المواضع كي يدفع عن نفسه تهمة الإجمال؛ وبخاصة أنها حكاية – مسرودة مع التفصيل في عدة مواضع! - وليست تقريرات ولا تأصيلات؟!
فإن ثبت هذا كله، ناقشناك بعد ذلك في تهمة التناقض، ودون ذلك خرط القتاد!.

وأما دعوى أنَّ للشيخ ربيع حفظه الله كلاماً صريحاً مفصلاً في تأثره بالإخوان وكتاباتهم، فهذه دعوى عريضة!، وإنما تأثر ببعض ما عندهم في بداية مسيرته لعدم معرفته الواسعة بما كانوا عليه من ضلال، وقد اعتذر من هذه الفترة الشيخ حفظه الله وندم على ما فاته فيها، وقد عوَّضه الله عزَّ وجلَّ فيها معرفة دعوة الإخوان معرفة لا يتقدَّمه فيها عالم في عصره، فصار خبيراً بدعوتهم وضلالهم وزعمائهم وكتاباتهم، وفضحهم حفظه الله وكشف انحرافاتهم، وحذَّر منهم ونهى عن مجالستهم وصحبتهم والقراءة في كتبهم أو الاستدلال بكلامهم أو الثناء عليهم، وهذا كله معلوم عنه مدوَّن في كتبه وموجود في أشرطته، حتى قال فيه الشيخ مقبل رحمه الله: ((الشيخ ربيع له خبرة بمعرفة الواقع لأنه عاش مع الإخوان المفلسين زمناً طويلاً))، وقال: ((وأنا أنصحكم أن تسألوا الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله تعالى، فقد ذهب من عمره الكثير مع الإخوان المسلمين، فهو أعرف الناس بهم وبحقيقتهم وحقيقة الجماعات، وأنا لا أطلب منكم أن تقلِّدوا الشيخ ربيعاً، لكن تستفيدون من علمه)).
ولا غرابة أن يفوت الداعية في أول مسيرته معرفة الأشياء على حقيقتها والأمور على واقعها، لكن الغربة أن يتأثر الداعية برأس الإخوان المسلمين وكتاباته ويدعو لها بعد أن كشف العلماء أمره وأظهروا ضلالاته، بل بعد أن ردَّ هو قبل سنين شبهاته ونقض استدلالاته، وأظنك أيها المشرف لا يخفى عليك من أقصد بهذا الكلام؟! وقد ذكرتُه لك ولأصحابك مراراً فلم تجيبوا عليه، كما أجبناكم بكل صراحة عن موقفنا مما كان من مسيرة الشيخ ربيع حفظه الله الأولى مع الإخوان المسلمين.
أم هو الكيل بمكيالين؟!
مرة أخرى!
قال شيخكم الحلبي في كتابه [حق كلمة الإمام الألباني في سيد قطب ص19-26]: ((موقفان واقعيان حدثا لي شخصياً؛ أحدهما قديم جداً، والآخر حديث نسبياً، أما الأول:....، وأما الموقف الثاني: وهو يكاد يكون سراً – أُسطره مكتوباً على الملأ للمرة الأولى في حياتي – وإنْ كنتُ قد ذكرته مشافهة لعدد قليل من الإخوة؛ وهو أنني إلى سنوات قليلة ماضية كنتُ متأثراً عاطفياً جداً بـ(سيد قطب) وأُسلوبه، بل أدلُّ على "ظلاله"، وأُرشد إلى "كلامه"، وأتلمَّس له المعاذير في القليل والكثير!!، إلى أن أوقفني بعض الإخوة الغيورين جزاهم الله خيراً، على كلام سيد قطب في كتابه "كتب وشخصيات ص282" حيث قال: "... وحين يركن معاوية وزميله (عمرو) إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم، لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل؛ فلا عجب أن ينجحا ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح".
فوالله لقد جاءتني غضبة الحقُّ الكُبَّار، وحميةُ النصرة للصحب الأخيار؛ أفاضل الخلق الأبرار.
فعمَّن يتكلَّم هذا؟!
ومَنْ هو ذا حتى يقول مثل هذا الكلام الفجِّ؟!.
أفأُتابعُ هواي، وأغضُّ طرفي، وأنصاع لعاطفتي؟!
أم أن الحق أحقُّ بالإتباع، وأجدر بالاقتناع؟!
هو هذا والله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فكأنها شوكة وانتقشت)).
أقول:
إنَّ تأليف الحلبي لهذا الكتاب كان في عام 1426ﻫ / 2005 بالإفرنجي!!، كما هو مثبَّت في الكتاب في طبعته الأولى/دار التوحيد والسنة، أي بعد وفاة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بـست سنوات تقريباً.
فالشيخ ربيع حفظه الله كان في بدايته مع الإخوان، وعلي الحلبي صار في نهايته مع الإخوان!، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله في [المجموع 10\299-304]: ((وَالِاعْتِبَارُ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِمَا جَرَى فِي الْبِدَايَةِ، وَالْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا ثُمَّ عَلَّمَهُ فَنَقَلَهُ مِنْ حَالِ النَّقْصِ إلَى حَالِ الْكَمَالِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ قَدْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ قَبْلَ حَالِ الْكَمَالِ بَلْ الِاعْتِبَارُ بِحَالِ كَمَالِهِ ...، وَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَكْفُرْ قَطُّ أَفْضَلُ مِمَّنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ: لَيْسَ بِصَوَابِ؛ بَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْعَاقِبَةِ، وَأَيُّهُمَا كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ فِي عَاقِبَتِهِ كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ بَعْدَ كُفْرِهِمْ هُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَغَيْرِ أَوْلَادِهِمْ.
 بَلْ مَنْ عَرَفَ الشَّرَّ وَذَاقَهُ ثُمَّ عَرَفَ الْخَيْرَ وَذَاقَهُ فَقَدْ تَكُونُ مَعْرِفَتُهُ بِالْخَيْرِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُ وَمَعْرِفَتُهُ بِالشَّرِّ وَبُغْضُهُ لَهُ أَكْمَلَ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَيَذُقْهُمَا كَمَا ذَاقَهُمَا؛ بَلْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا الْخَيْرَ فَقَدْ يَأْتِيهِ الشَّرُّ فَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ شَرٌّ: فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُنْكِرَهُ كَمَا أَنْكَرَهُ الَّذِي عَرَفَهُ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً إذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْجَاهِلِيَّةَ"، وَهُوَ كَمَا قَالَ عُمَرُ؛ فَإِنَّ كَمَالَ الْإِسْلَامِ هُوَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ نَشَأَ فِي الْمَعْرُوفِ لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ فَقَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ بِالْمُنْكَرِ وَضَرَرِهِ مَا عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ، وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْجِهَادِ لِأَهْلِهِ مَا عِنْدَ الْخَبِيرِ بِهِمْ.
وَلِهَذَا يُوجَدُ الْخَبِيرُ بِالشَّرِّ وَأَسْبَابِهِ إذَا كَانَ حَسَنَ الْقَصْدِ عِنْدَهُ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَمَنْعِ أَهْلِهِ وَالْجِهَادِ لَهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَعْظَمَ إيمَانًا وَجِهَادًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ لِكَمَالِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَكَمَالِ مَحَبَّتِهِمْ لِلْخَيْرِ وَبُغْضِهِمْ لِلشَّرِّ لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ حُسْنِ حَالِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقُبْحِ حَالِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ ذَاقَ الْفَقْرَ وَالْمَرَضَ وَالْخَوْفَ أَحْرَصَ عَلَى الْغِنَى وَالصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ مِمَّنْ لَمْ يَذُقْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا يُقَالُ: وَالضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ، وَيُقَالُ: وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "لَسْتُ بِخِبِّ وَلَا يَخْدَعُنِي الْخِبُّ".
فَالْقَلْبُ السَّلِيمُ الْمَحْمُودُ هُوَ الَّذِي يُرِيدُ الْخَيْرَ لَا الشَّرَّ، وَكَمَالُ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ الشَّرَّ فَذَاكَ نَقْصٌ فِيهِ لَا يُمْدَحُ بِهِ!، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي يَكُونُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ وَأَكْرَهُ لَهُ مِمَّنْ لَمْ يَذُقْهُ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُطَّرِدِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الطَّبِيبُ أَعْلَمَ بِالْأَمْرَاضِ مِنْ الْمَرْضَى، وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَطِبَّاءُ الْأَدْيَانِ فَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا يُصْلِحُ الْقُلُوبَ وَيُفْسِدُهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَذُقْ مِنْ الشَّرِّ مَا ذَاقَهُ النَّاسُ.
وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِذَوْقِهِ الشَّرَّ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِهِ وَالنُّفُورِ عَنْهُ وَالْمَحَبَّةِ لِلْخَيْرِ إذَا ذَاقَهُ مَا لَا يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ؛ مِثْلُ مَنْ كَانَ مُشْرِكًا أَوْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَقَدْ عَرَفَ مَا فِي الْكُفْرِ مِنْ الشُّبُهَاتِ وَالْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ وَالظُّلْمَةِ وَالشَّرِّ ثُمَّ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَعَرَّفَهُ مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَرْغَبَ فِيهِ وَأَكْرَهَ لِلْكُفْرِ مِنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ؛ بَلْ هُوَ مُعْرِضٌ عَنْ بَعْضِ حَقِيقَةِ هَذَا وَحَقِيقَةِ هَذَا أَوْ مُقَلِّدٌ فِي مَدْحِ هَذَا وَذَمِّ هَذَا. وَمِثَالُ ذَلِكَ: مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الْجُوعِ ثُمَّ ذَاقَ طَعْمَ الشِّبَعِ بَعْدَهُ، أَوْ ذَاقَ الْمَرَضَ ثُمَّ ذَاقَ طَعْمَ الْعَافِيَةِ بَعْدَهُ، أَوْ ذَاقَ الْخَوْفَ ثُمَّ ذَاقَ الْأَمْنَ بَعْدَهُ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ هَذَا وَرَغْبَتَهُ فِي الْعَافِيَةِ وَالْأَمْنِ وَالشِّبَعِ وَنُفُورَهُ عَنْ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ وَالْمَرَضِ أَعْظَمُ مِمَّنْ لَمْ يُبْتَلَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ دَخَلَ مَعَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ، ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ الْحَقَّ وَتَابَ عَلَيْهِ تَوْبَةً نَصُوحًا وَرَزَقَهُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَقَدْ يَكُونُ بَيَانُهُ لِحَالِهِمْ وَهَجْرُهِ لمساويهم وَجِهَادُهُ لَهُمْ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ؛ قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الخزاعي - وَكَانَ شَدِيدًا عَلَى الْجَهْمِيَّة -: "أَنَا شَدِيدٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنِّي كُنْتُ مِنْهُمْ"، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ"، نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ فَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَهَاجَرُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجَاهَدُوا وَصَبَرُوا.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا أَسْلَمَا تَقَدَّمَا عَلَى مَنْ سَبَقَهُمَا إلَى الْإِسْلَامِ؛ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ سَبَقَهُمَا دُونَهُمَا فِي الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمَا مِنْ كَمَالِ الْجِهَادِ لِلْكُفَّارِ وَالنَّصْرِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَانَ عُمَرُ لِكَوْنِهِ أَكْمَلَ إيمَانًا وَإِخْلَاصًا وَصِدْقًا وَمَعْرِفَةً وَفِرَاسَةً وَنُورًا أَبْعَدَ عَنْ هَوَى النَّفْسِ وَأَعْلَى هِمَّةً فِي إقَامَةِ دِينِ اللَّهِ مُقَدَّمًا عَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ)).
أقول:
فتبين أنَّ انتقال الرجل وتدرجه من حال (النقص) إلى حال (الكمال) أمر طبيعي، لكن أن ينتقل الرجل من (الكمال) إلى (النقص)، فهذا تلون في الدين وتقلب في المواقف، أخرج عبدالرزاق في مصنفه عن معمر عن قتادة قال معمر: وكتب به إلي أيوب السختياني: أنَّ أبا مسعود الأنصاري دخل على حذيفة رضي الله عنه، فقال: أوصنا يا أبا عبد الله، فقال حذيفة: أما جاءك اليقين؟! قال: بلى وربي، قال: ((فإنَّ الضلالة حق الضلالة: أن تعرف اليوم ما كنت تنكر قبل اليوم، وأن تنكر اليوم ما كنت تعرف قبل اليوم، وإياك والتلون، فإنَّ دين الله واحد)).

والله الموفِّق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.