الأحد، 12 يناير 2014

افتتاحيــة هذه المدونة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدِّين؛ أما بعد:
فإنَّ الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ ونشر العلم ورد الأخطاء وبيان الحق وكشف الباطل وأهله من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه، مع كون ذلك كله من الواجبات التي أخذ الله عز وجل الميثاق على مَنْ آتاهم الله تعالى علماً في الشريعة وفقهاً في الدين وبصيرة في الحق أن يبينوها للناس ولا يكتموها، قال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)، وقال تعالى: (وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا)، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ؛ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ) أخرجهما الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه.
وإذا نظر المسلم في واقع المسلمين اليوم وجد أنَّ وسائل الاتصال هذه من شبكات ومواقع ومنتديات قد انتشرت بصورة ملحوظة في أوساطهم، وصارت ظاهرة لا تنفك عن واقع نشر العلم والدعوة إلى الله، فأصبح هذا من الواقع الذي ليس له من دافع، لكن من الناس مَنْ يستعمل هذه الوسائل في نشر باطله وضلاله وتلبيساته وجداله، وهؤلاء هم أهل الزيغ والأهواء؛ ولا غرابة أن يكون هؤلاء هم الأكثر سيطرة واستغلالاً لهذه الوسائل في نشر دعوتهم الباطلة، لأنَّ أهل الحق في عادة الله عز وجل هم الأقلون عدداً لكنهم الأعظمون عند الله وأهل الحق قدراً.
من أجل ذلك كان على أهل العلم وطلبته أن يقوموا بواجب البيان ونشر الهدى من خلال وسائل الاتصال هذه، وبهذا تصل كلمتهم ودعوتهم إلى أكثر الناس عدداً وأبعدهم مكاناً، وقد قام بذلك كبار العلماء والمشايخ وطلبة العلم والدعاة السلفيين، وصار لهم مواقع خاصة بهم تنشر كتاباتهم ومؤلفاتهم وأشرطتهم وفتاواهم، وفي ذلك الخير الوفير والنفع الكثير كما لا يخفى على أحد ولا ينكره أحد.
لكن من المؤسف أنَّ الكثير من هذه المنتديات والمواقع لا تخلو من تسلط وتصدر غير المؤهلين وتعصب وتحزب وتعظيم لبعض المشرفين والمسؤولين عليها، ولهذا نلاحظ التفرق والفتنة وتراشق التهم والصراع بين المنتديات لنصرة مشرفيهم وأعضائهم والدفاع عن مواقعهم ومنتدياتهم، بل صار ولاء الأعضاء والمشاركين وبراؤهم ومدحهم وقدحهم وقربهم وبعدهم وحبهم وبغضهم مبنياً على توجهات مشرف الموقع ومواقفه وقراراته، وهذا المشرف لا يعدو أن يكون طالب علم أو شيخ أو داعية، ولا يصل مهما بالغ أصحابه في تعظيمه ورفع شأنه إلى درجة عالم مجتهد راسخ فضلاً أن يكون من كبار العلماء المعروفين، ومعلوم أيضاً أنَّ أمثال هؤلاء المشرفين لم يصلوا إلى مستوى الرسوخ في العلم الذي بلغه العلماء، ومع هذا صار لهؤلاء في نفوس أنصارهم الملتفين حولهم في تلك المنتديات أعظم منزلة ومهابة من العلماء الكبار!، ثم تتوجه الكتابات والردود بحسب توجهات هذا المشرف ومواقفه، وتُمنع المقالات النافعة الأخرى أو يُوقف الكاتب أو يُطرد أو يُضيَّق عليه ويُؤذى ويوجَّه ضده الأغمار أو يُغلق مقاله لكونه مخالفاً للشروط = مخالفاً لتوجهات المشرف العام أو بعض المشرفين!، فيضيق صدر هذا الكاتب لما رأه من تصدر غير المؤهلين وتسلط بعض المشرفين والمراقبين وتحريش بعض الأغمار المندفعين مع عدم التقدير والاحترام وعدم تثمين الجهود.
فيذهب هذا المضطهَد ويُحدث منتديات جديدة يكون مشرفاً عليها كردة فعل!، ويجتمع معه كل مَنْ يوافقه في مواقفه وقراراته، فيجد ضالته في هذه المنتديات التي يُمكن من خلالها أن يشفي غيضه من خصومه أولئك!، ثم تقوم الحرب بين المنتديات هذه، وينتهض الأنصار هنا وهناك، وينشغل الأعضاء بعضهم في بعض، فيتمزق الصف وتتفرق الكلمة وتضيع الجهود، وتصبح الغاية من هذه المنتديات الانتصار للمشرف وتوجهاته والرد على خصومه وتفنيد اتهاماتهم وطعوناتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولهذا كنتُ أرفض أن أشارك في هذه الفتنة بين المنتديات التي انشقت عن بعضها وانشطرت إلى أكثر من منتدى؛ لأنَّ من أصول أهل السنة المعلومة: لزوم الجماعة ونبذ الفرقة، فلا ينبغي للسلفي أن يكون سبباً أو مشاركاً من قريب أو بعيد في تفريق الجماعة أو إحداث الفرقة.
لهذا فإني أنصح إخواني من طلبة العلم والدعاة السلفيين أن يحذروا من دخائل النفوس ومصائد الشيطان، مع علمي أنَّ هذه المشاكل لا تنحصر أسبابها فيهم وفي منتدياتهم الجديدة، بل ترجع بعض تلك الأسباب إلى سلوكيات بعض القائمين على تلك المنتديات التي انشقوا عنها، لكن مع هذا لا ينبغي أن تكون مواقفنا ردة أفعال أو انفعالات نفسية، وبخاصة ونحن نلاحظ ما يترتب على هذا الانشقاق والتعدد من تفرق مذموم وفتنة كبيرة بين رواد المنتديات هذه.
نعم كان من المفترض أن يكون القائمون على المنتديات السلفية من طلبة العلم المعروفين بسلامة العقيدة وسداد المنهج، وعندهم رسوخ في العلم وأهلية في الكتابة والردود وضبط للمسائل العلمية واعتدال في المواقف والقرارات وخلق رفيع في التعامل مع المشتركين في هذه الشبكة أو الموقع أو المنتدى، ويكون لهم أيضاً معرفة واسعة وتواصل وثيق مع العلماء الكبار، فهؤلاء هم الذين يستحقون أن يُكلَّفوا بمسؤوليات الإشراف والرقابة، ويعيش في ظلهم باقي طلبة العلم والمشتركين على مبدأ العلم والعدل والأدب والإحترام والتقدير، لكن هذا الجانب فيه تقصير واضح بسبب تصدر غير المؤهلين في هذه المناصب والمسؤوليات، وهذا الأمر هو الذي دفع طلبة العلم البارزين وكتَّاب السلفيين المعروفين بهجر هذه المنتديات وتكوين منتديات جديدة!، فكان خطؤهم كردة فعل عن خطأ أولئك، وكان هذا التفرق هو الذي أضعف المنتديات السلفية وشتت جهودهم وضيَّع أوقاتهم وحزَّب بعضهم ضد البعض الآخر!، وما يحصل بعد ذلك من طعونات واتهامات وتحذيرات ومجازفات في إطلاق الأحكام على إخوانهم.
وأما إنشاء المواقع الخاصة التي لا يكتب فيها إلا صاحبها ولا يوجد فيها مشرفون ولا جماعة متعصبة أو متحزبة له، والتي يُمكن من خلالها أن يجمع طالبُ العلم شتات مقالاته وجهوده المتفرقة في عدة منتديات أو في عدة صفحات من المنتدى الواحد في موقع واحد؛ فهذا أمر طيب لا اعتراض عليه ولا مفسدة مترتبة فيه إن شاء الله، لأنه يقلل الجهود والأوقات في تحصيل هذه المقالات ومطالعتها والانتفاع منها، وليس ثمة فرقة ولا فتنة مترتبة على ذلك، لكن يُخشى على صاحب الموقع الخاص من فتنة الوحدة والعزلة عن الجماعة، فإنَّ في الجماعة بركة وعصمة وقوة، وفي التفرد والعزلة شذوذ وضعف وفتنة، وقد يجد المرء الحرية المطلقة في الكتابة من خلال هذه المواقع الخاصة لأنها بلا رقيب ولا حسيب من البشر؛ فلا يقف عند حد الاعتدال والحكمة، ولا يُمسك عن طعن واتهام الآخرين بلا حجة ولا بينة، فإنْ ألزم صاحب هذا الموقع الخاص نفسه تقوى الله عزَّ وجلَّ، وكانت كتاباته بعلم وعدل وأدب فهو على خير كبير، وسعيه مشكور من أولي الإنصاف.
ولهذا عزمتُ على إنشاء هذه المدونة التي جمعتُ فيها وسأجمع - إنْ شاء الله تعالى - كل ما كتبته وأكتبه من كتب ورسائل وبحوث ومقالات وردود إلى غير ذلك ليسهل الانتفاع منها على كثير ممن سألني عن كيفية تحصيلها؛ وبخاصة من أهل بلدي ممن لا خبرة لكثير منهم في وسائل الاتصال هذه وطريقة البحث فيها، أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلها عملاً خالصة لوجهه الكريم لا رياء فيه ولا سمعة، وأن يرزقنا السداد والعدل فيما نكتب، وأن ينفعنا بها وينفع بها، وأن يعصمنا من دسائس النفوس ومضلات الفتن، وأن يثبتنا على الحق حتى الممات ويكتب لنا حسن الختام، وأن يثيب مَنْ قام بإنشاء هذه المدونة بهذه الصورة كأجر الكاتب فيها، فالدالُّ على الخير كفاعله، إنه وليُّ المؤمنين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه
أبو معاذ رائد آل طاهر
غفر الله له ولوالديه ومشايخه وإخوانه السلفيين
السبت 30/صفر/1434 للهجرة
الموافق 12/ 1 /2013


هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته....

    وفقك الله أخي و زادك الله حرصا على نشر السنة و الدعوة لمنهج الأنبياء و الرسل

    و السلام

    ردحذف
  2. حفظكم الله وثبتكم على السنة

    ردحذف

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.