الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى
آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فكثيرٌ ما يحتجُّ البعضُ بتزكية أحد أهل العلم لشخص على حسب
ما يظهر له منه، ثم بعد فترة تظهر لهذا الشخص المزكَّى بعض المخالفات – سواء كانت ظاهرة
أو خفية - في كتبه أو أشرطته، ويُنكِر عليه بعضُ المشايخ أو طلبة العلم، ويردون عليه
بعلم وعدل وأدب، ومن خلال المصادر الموثَّقة والأدلة والبراهين البيِّنة؛ لئلا يغتر
القارئ أو السامع له، ولئلا يستغل هذه المخالفات بعض المغرضين أو المبتدعين في نصرة
باطلهم، فيسمع بهذا الرد بعضُ المتعصبين لذلك الشخص المزكَّى فلا يرد ويدافع عن متبوعه
بعلم وعدل وأدب، وإنما يتعصَّب له، ولا يجد ما يدافع فيه عن شيخه إلا تلك التزكية!،
ويظنُّ المسكين أنَّ هذا من الذبِّ عن أهل العلم، وأنَّ هذا هو سبيل السلف في نصرة
أهل العلم.
لهذا أحببتُ أن أنقل لأمثال هؤلاء أقوال عالمين من علماء العصر
في مسألة الاحتجاج بتزكيات العلماء لرد الأدلة والبراهين أو عدم قبول الجرح المفسَّر:
الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى:
1- سُئل الشيخ ربيع حفظه الله السؤال الآتي: هل القاعدة التي
تقول الجرح المفسَّر مقدَّم على التعديل المبهم مجمع عليها عند علماء الجرح والتعديل؟
وهل يمكن تطبيقها على الجماعات الإسلامية؟ حيث أنَّ بعض أهل العلم عدَّلوا هذه الجماعات،
وبعضهم جرّحوها؛ فهل يقدّم المجرِّح على المعدِّل لإنَّ عنده زيادة علم؟
فكان جوابه حفظه الله: ((نعم هذا المنهج قائم ومستمر إلى يوم
القيامة إن شاء الله؛ لأنه منهج إسلامي وصحيح تقوم عليه حياة المسلمين ويقوم عليها
دينهم ويحمى به دينهم وتحمى به أعراضهم وتحمى به أموالهم، فهذا منهج عظيم لا يحط من
شأنه إلا إنسان منحرف ساذج التصور والتفكير.
فنعم هذا المنهج ماشي الآن في الجماعات؛ فقد يزكي الرجل - وهو
فاضل - بناء على الظاهر ولا يعرف حقيقة ما عليه القوم، فيأتي إنسان يدرس كتبهم ويدرس
واقعهم فيجد أنَّ هذا الذي زكَّاهم قد وقع في خطأ من حيث لا يدري، فزكاهم بناء على
هذا الظاهر، فهذا شيء حصل للأئمّة الكبار.
فكم من إنسان زكَّاه الإمام أحمد فقال تلاميذه الذين لا يصلون
إلى شيء من فضله: عرفوا ما عند هؤلاء وما فيهم من قدح وما فيهم من جرح فأسقطوهم؛ وإن
كان قد زكاهم أحمد رحمه الله؟
وزكَّى الشافعي أناساً وجرحهم آخرون؛ وقدّم جرح هؤلاء المفسر
القائم على معرفة الحقيقة على أقوال الأئمة الذين زكوا بناء على ما ظهر لهم؟
لأنه قد يأتي إنسان يعني عنده طلب علم يتظاهر بالدين والنسك
والأخلاق الطيبة ويلازمك أيام: فتبنيه على الظاهر.
أنا والله زكَّيتُ أناساً في هذا العام، والله لازموني، وما
شاء الله تنسَّك، وكذا، وكذا، وكذا، ثم ظهر لي جرحهم، أنا إذا صلَّى معي وزكى وكذا
وذكر الله وسافر معي وإلى آخره؛ أشهد بناء على ما رأيتُ، لا أزكي على الله أحداً، لكن
يأتي إنسان آخر عرفه أكثر مني، كشف عنه أخطاء، وكشف عنده أشياء تقدح في عدالته، فيجرح،
فيجرحه بعلم ويبرهن على جرحه بالأدلة ويفسِّر جرحه، فيُقدَّم جرحه على تعديلي، وأنا
أستسلم صراحة، قَدَّم الأدلة على جرح هذا الإنسان أقول: خلاص الحق معك.
فجماعة جاؤوا عند عالم من العلماء، وقالوا: نحن ندعو إلى السنة،
وندعوا إلى التوحيد، ونحارب الشرك، ونحارب القبورية، وكذا، وكذا، رأى فيهم الصلاح،
كتب إلى مَنْ يعاونهم؛ فإنهم يدعون إلى السنة، ثم راح ناس معهم، خالطوهم وعاشروهم من
طلابهم، فوجدوا أنَّ الحقيقة تختلف تماماً، وأنَّ هؤلاء أهل بدع، وأنه صوفيَّة، وأنهم
خرافيون، فقَدَّم الأدلة على ما يقول، فيصدق، فيُقدَّم على تعديله، أو تعديل هذا العالم،
هذه قاعدة مطردة مستمرة إن شاء الله للأفراد والجماعات إلى قيام الساعة؛ ما دام هذا
الدين، نعم)).
2- وسُئل حفظه الله السؤال الآتي كما في [شريط "أسباب الإنحراف
وتوجيهات منهجية"]: بعض الدعاة لا تُعرف لهم سلفية وقد حُذِّر منهم، وما زال هناك
مَنْ يجالس أولئك بحجة أنه لم يجرح بجرح مفصَّل، وقد زُكُّوا من قبل الشيخ العباد وغيره،
فانقسم الأخوة بين مجرح ومعدل بسبب أولئك الدعاة؛ فما قولكم لهم؟
فكان جوابه: ((يجب على الشخص الذي يختلف حوله الناس ولا يزكِّي
نفسه بإبراز المنهج السلفي وإنما يعتمد على تزكية فلان وفلان!، وفلان وفلان ليسوا بمعصومين
في تزكياتهم، فقد يزكُّون بناء على ظاهر حال الشخص الذي قد يتملَّقهم ويتظاهر لهم بأنه
على سلفية وعلى منهج صحيح، وهو يبطن خلاف ما يظهر، ولو كان يبطن مثلما يظهر لظهر على
فلتات لسانه وفي جلساته وفي دروسه ومجالسه، فإنَّ الإناء ينضح بما فيه، "وكل إناء
بما فيه ينضح"، فإذا كان سلفياً فلو درَّس أي مادة ولو جغرافيا أو حساب لرأيت
المنهج السلفي ينضح في دروسه وفي جلساته وغيرها.
فأنا أنصح هذا الإنسان الذي لا يُظهر سلفيته ويكتفي بالتزكيات
أن يزكِّي نفسه بالصدع بهذا المنهج في دروسه، في أي مكان من الأمكنة، فإنَّ الأمة بأمس
الحاجة إلى الدعوة الى هذا المنهج السلفي.
فإذا كان هذا الشخص من هذا النوع الذي قلته بأنه يعتمد على التزكيات،
ولا يزكي نفسه؛ فإنَّ هذا يضر نفسه بكتمان العلم وكتمان العقيدة وكتمان هذا المنهج،
وأخشى أن تصدق عليه هذه الآيات [يقصد الشيخ قوله تعالى: "إنَّ الذين يكتمون ما
أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم
اللاعنون"]، التي تلوناها عليكم، في كتمان العلم وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، ومن أعظم المنكرات وأقبحها وشرها عند الله البدع التي تتفشي في أوساط الأمة.
ثم كثير من الناس يعتمد على التزكيات ولا يواجه هذا الواقع المظلم
بما عنده بما يزعمه أنه على المنهج السلفي.
وأنا مرة قلتُ للشيخ ابن باز رحمه الله كان تصدر منه بعض الكلمات
تشبه تزكية لجماعة التبليغ - وإن كان إلى جانبها شيء من لفتات الأذكياء إلى ما عندهم
من ضلال وجهل - فيستغل هؤلاء الكلمات التي فيها شيء من الثناء عليهم، ويخفي أو يخفون
ما فيها من طعن خفي في عقيدتهم ومنهجهم، فيبرزون الثناء ويخفون الجرح، فجلستُ مع الشيخ
رحمه الله جلسة فقلتُ له: يا شيخنا أنت الآن يمنزلة أحمد بن حنبل وابن تيمية رحم الله
الجميع، لك منزلة عند الناس، إذا قلتَ كلمة تلقـفـوها على أنها حق، والآن أنت يصدر
منك كلمات يعتبروها تزكيات لجماعة التبليغ، وإنْ كنت تتحفظ خلال كلامك، ولكنهم عندهم
دهاء ومكر يستغلون التزكية والثناء ويدفنون ما تشير إليه وتلمح إليه من جهل وضلال،
ودار الكلام بيني وبينه، إلى أن قلتُ له: يا شيخ، قال: نعم، قلتُ له: هل جاءك أحد من
أهل الحديث من الهند وباكستان أو من أنصار السنة في مصر والسودان - ذاك الوقت كانوا
على غاية الثبات على المنهج السلفي، ثم هبت أعاصير الفتن والسياسة دبت في الصفوف ووقعت
شيء من الخللة - يطلب منك تزكية على أنهم على حق وعلى سنة، قال: لا، قلتُ: لماذا؟ قال:
لماذا أنت؟ قلتُ: لأنَّ هؤلاء تشهد لهم أعمالهم وتزكيهم بأنهم على الحق، وأما جماعة
التبليغ وأمثالهم فإنَّ أعمالهم لا تزكيهم؛ بل تدينهم بأنهم على ضلال وبدع، فضحك الشيخ
رحمه الله.
فبعض الناس لا تزكيه أعماله ولا مواقفه، ولا تشهد له بأنه سلفي،
فيلجأ إلى هذه الوسائل الدنيئة من الاحتيال على بعض الناس والتملق لهم حتى يحصلوا على
التزكية، ويكتفون بهذا، ويذهبون، ليتهم يكفون بأسهم وشرهم عن أهل الحق والسنة، فيذهبون
ويتصيدون أهل السنة بهذه التزكيات، فتكون مصيدة يضيعون بها شباباً كثيراً، ويحرفونهم
عن المنهج السلفي، وأنا أعرف من هذا النوع كثير، وكثير الذي يسلك هذا المسلك السيء،
نسأل الله العافية، وأن يوفِّقهم لأن يزكوا أنفسهم بأعمالهم، وأن يجعل من أعمالهم شاهداً
لهم بالخير والصلاح وبالمنهج السلفي)).
3- وسُئل حفظه الله كما في [التعليق على كتاب الجواب
الكافي الشريط الثاني]: سؤال آخر يكثر تداوله عندنا في البداية عند الشباب، بخصوص سفر
وسلمان، هؤلاء الشباب ممن لا يزالون يتأثرون بالفكر القطبي، يقولون: نحن الآن لا بد
أن نبقى على العهد الأول؛ وهو استمساكهم بتزكـــية الألباني والشيخ ابن باز في سفر
وسلمان، فإذا أنت قلتَ لهم: إنَّ علماءنا حذَّروا من هؤلاء، وهؤلاء هم سبب الفتنة في
كثير من المواضيع، يقول لك: يا أخي ما عندنا كلام واضح في هؤلاء، فنرجو شيخ أن تقدموا
لهم نصيحة - وهم طلبوا مني توجيه هذا السؤال إليكم - حتى الإنسان لا يسمعها بخصوص الرجلين؟
قال الشيخ ربيع حفظه الله: ((يعني الضعف العلمي يؤدي إلى مثل
هذه التفاهات، قال فلان!، قال فلان!، عندنا منهج يُميَّز به أهل الحق وأهل الباطل،
فلو أنَّ أحمد بن حنبل جاء الآن وزكَّى فلاناً وفلاناً، ثم وجدنا أنَّ هذا الإنسان
لا يستحق هذه التزكية من أقواله وأعماله وكتاباته وأشرطته، هل يجوز لنا أن نتعلق بما
زكَّـاه به ذلك الإمام ابن باز أو الألباني أو أحمد ابن حنبل أو غيرهم؟!
الجـــرح مقــدَّم على التعديل، الجرح المفسَّر مقدَّم على التعديل
المبهم، هذه القواعد لا بد من تطبيقها في ميدان الجرح والتعديل، فمثلاً زكى الألباني
يوماً من الأيام فلاناً، ثم تبين له أنه لا يستحق التزكية فقال عنه: خارجي، وابن باز
في يوم من الأيام زكَّى فلاناً وفلاناً، وتبين له خطأهم فقال عنهم: دعاة باطل، يأتي
أهل الباطل ويشيعون تزكيته ويدفنون الجــرح!.
لو فرضنا أنَّ ابن باز والألباني استمروا على التزكية إلى أن
ماتوا؛ ما عندهم إلا هذه التزكية، هل يلزم الناس أن يأخذوا بتزكيتهم ويغمضون عيونهم
ويقفلوا عقولهم عن أخطاء فلان وفلان الذين زكَّاهم الألباني أو ابن باز؛ الأخطاء واضحة،
والجرح واضح؟!
فهل يجوز لمسلم أن يتعلق بتزكية فلان وفلان، والجرح واضح في
هذا المزكَّى؟ الجرح واضح.
هؤلاء متعلِّقــون برؤوس أهل البدع - ومنهم سيد قطب - يوالون
ويعادون من أجله وأجل أمثاله، ويؤلِّـبون الغوغاء والهمج والرعاع على محاولة مَنْ ينتقدهم
ويبين ضلالهم، هذا جرح قاتل، وألَّفوا المناهج والكتب في تمجيد هؤلاء، هذا جرح خطير
جداً.
لو كان هناك أهل سنة واعين؛ والله لو زكَّاهم ابن باز والألباني
ما نفعهم هذا ما دام هم جرَّحوا أنفسهم بمواقفهم وبأفكارهم وبالمناهج الملتوية التي
سلكوها في محاربة أهل السنة، فوقفوا لهم بالمرصاد، يشوِّهونهم ويؤلفون مناهج، ويجرؤون
الشباب على الطعن والتشويه لمن ينتقد أئمة الضلال.
سيد قطب أمـــة في الضلال، فيه ناس تكون أمة في الهدى، وناس
تكون أمة في الضلال، فسيد قطب أمـــة في الضلال، جمع ضلالات من أطراف شتى؛ من المعنزلة
والخوارج والروافض والصوفية الغلاة أهل وحدة الوجود والاشتراكية، والضلالات، والضلالات
التي ملأ بها كتبه وضيَّع بها شباب الأمة، فالذي يحامي عن هذا، ويوالي ويعادي من أجله،
ويضع المناهج لحماية هذه النوعيات التي جمعت أصناف الضلال، كيف تنفعهم تزكية فلان وفلان؟!
يعني أين المقاييس الإسلامية؟
أين الموازين الإسلامية؟
فعليكم بالعلم يا إخوة، وعليكم بعلم السلف ومنهجهم، ومنهجهم
في الجرح والتعديل.
وقد وجدنا يحيى بن معين وهو يقال من أشد الناس في الجرح، وجدنا
فيه تساهلاً، ووجدنا العلماء يخالفونه ممن
هم أعلى منه وممن هم دونه، فكم جرَّح وخالفوه؟ وكم عـدَّل وخالفوه؟ وأحمد ابن حنبل
جرَّح وعدَّل وخالفوه في التعديل والتجريح؟ لماذا؟ لأنه عندهم منهج.
والمنهج ليس فلان، كل عالم فهو مكلَّف بإتباع هذا المنهج، فإذا
أخطأ وخالف هذا المنهج، يجب أن تحاكم أقواله بهذا المنهج، هذا ما كان من إجابة على
هذا السؤال.
ولهذا يجب أن يُتعلَّم العلم الصحيح، ويعلموا مناهج السلف في
الجرح والتعديل، ومتى ينتفع الإنسان من التزكية؟ ومتى لا تنفعه التزكية؟ بارك اللـــه
فيــكم))
4- وقال الشيخ ربيع
حفظه الله كما في [الشريط الثاني من تعليقه على كتاب "حادي الأرواح"]:
((قال محمد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن
كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى
وَزِيَادَةٌ}، وهذا إسناد فيه ابن حميد فيه كلام، "محمد بن حميد الرازي"،
وفيه كلام عند المحدثين، يزكيه الإمام أحمد، وينتقده غيره وضعَّفه ويبالغ في تضعيفه،
وممن يضعفه ابن خزيمة رحمه الله، فقيل له: إنَّ أحمد يُعدِّله أو يزكيه، فقال: لو عرفه
أحمد كما عرفناه ما زكاه!.
وهذا منهج يسير عليه أهل السنة
والجماعة وأهل الحديث، وهو أنَّ مَنْ علم حجة على مَنْ لم يعلم، وأنَّ الجرح مقدَّم
على التعديل، وأنه لا غضاضة في هذا ولا نقص من أي إمام يزكِّي رجلاً ثم يأتي من هو
مثله أو دونه فيثبت بالحجة والبرهان الطعن في هذا الرجل الذي زكَّاه ذلكم الإمام.
لا ضير في هذا، ولا حرج، ولا يقال تنقص، ولا يقال مخالف، ولا
يقال شيء، لماذا؟ لأنهم يدورون مع الحجج والبراهين، لا يريدون إلا الحق، ولا يريدون
إلا وجه الله عز وجل، فلا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يقول: والله زكَّاه أحمد فلماذا
أنا أجرحه؟! والله هذا غلط، ما يقولون هذا الكلام، بل يصدعون بالحق، ويتلقاه أئمة السنة
كلهم بصدورٍ رحبة، لا يرون في ذلك حرجاً أبداً، لكن الآن نحن في عصر الظلمات، والجهل
الكثيف، الذي شنَّه أهل البدع والأهواء على منهج أهل السنة والجماعة.
فالإمام أحمد إمام أهل السنة، ما قال أحد: أنَّ مخالفة ابن وارة
وابن خزيمة وغيرهم ممن جرَّحوا "محمد بن حميد"؛ ما قالوا إنهم ينتقصون الإمام
أحمد أو يخالفوه!، لا كلهم سلَّموا.
فتجد أصحاب أحمد وأصحاب الشافعي إذا كان الرجل مدحه أحمد وجرَّحه
غيره والحجة معهم، يقبلون جرح صاحب الحجة، وكذلك أتباع الشافعي، إذا زكى مثل "إبراهيم
بن أبي يحيى"، وجرحه غيره، تلقوا هذا الجرح بالقبول، وما قالوا: والله إمامنا،
والله نتعصب له، لأنه زكَّى فلاناً، ونحن بهذه العصبية العمياء نثبت أركان هذا الرجل
المجروح، وندفع بحجة إمامنا الحجة والبرهان؟! حاشاهم أن يقولوا هذا.
وهكذا يكون تربوا على هذا المنهج المبارك الطيب، ويجب ترك التعصب
لأي شخصٍ كائن من كان!؛ إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، فهو الذي لا ينتقد ولا تقبل
مخالفته من أحد، فإنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم يدور مع الحق أين ما دار، وأصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم كذلك يدور معهم الحق أين ما داروا، ومن عداهم "فكل يؤخذ
من قوله ويرد")).
تنبيه:
قال الإمام ابن حبان في المجروحين: ((سَمِعت إِبْرَاهِيم بن
عبد الْوَاحِد الْبَغْدَادِيّ يَقُول قَالَ صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل: كنت يَوْمًا
عِنْد أبي إِذْ دق علينا الْبَاب فَخرجت فَإِذا أَبُو زرْعَة وَمُحَمّد بن مُسلم بن
وارة يستأذنان على الشَّيْخ، فَدخلت وأخبرت، فَأذِن لَهُم، فَدَخَلُوا وسلموا عَلَيْهِ،
فَأَما بن وارة فباس يَده فَلم يُنكر عَلَيْهِ ذَلِك، وَأما أَبُو زرْعَة فصافحة، فتحدثوا
سَاعَة فَقَالَ بن وراة: يَا أَبَا عبدالله إِنِّي رَأَيْتُك تذكر حَدِيث أبي الْقَاسِم
بن أبي الزِّنَاد، فَقَالَ نعم، حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم بن أبي الزِّنَاد عَن إِسْحَاق
بن حَازِم عَن بن مقسم يَعْنِي عبيد الله بن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: "هُوَ
الطّهُور مَاؤُهُ الْحَلَال ميتَته".. وَقَالَ: فَقَالُوا مَاله؟ قُلْتُ: شَكَّ
فِي شَيْءٍ ثُمَّ خرج وَالْكِتَابُ فِي يَدِهِ فَقَالَ فِي كِتَابِي "مَيْتُهُ"
بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ :مَيْتَتُهُ". ثمَّ تحدثُوا سَاعَة
فَقَالَ بن وارة: يَا أَبَا عبدالله رَأَيْت مُحَمَّد بن حميد؟ قَالَ: نعم. قَالَ:
كَيفَ رَأَيْت حَدِيثه؟ قَالَ: إِذا حدث عَن الْعِرَاقِيّين يَأْتِي بأَشْيَاء مُسْتَقِيمَة،
وَإِذا حدث عَن أهل بَلَده مثل إِبْرَاهِيم بن الْمُخْتَار وَغَيره أَتَى بأَشْيَاء
لَا تعرف لَا تَدْرِي مَا هِيَ، فَقَالَ أَبُو زرْعَة وَابْن وارة: صَحَّ عندنَا أَنه
يكذب، قَالَ: فَرَأَيْت أبي بعد ذَلِك إِذا ذُكِر ابن حميد نفض يَده)).
5- وفي نصيحة للشيخ
ربيع حفظه الله تعالى للسلفيين في مصر قال فيها: ((ومما أحب التنبيه عليه: هو أنَّ
بعض الناس يدَّعون تزكيات صدرت مني لهم، وربما نشروها في الناس، وأنا لا أذكر شيئاً
من ذلكم، وإنما يزكي المرء عمله، فعلى كل مسلم أن يزكي نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح
والأخلاق الإسلامية العالية، وفقكم الله وسدد خطاكم وألَّف بين قلوبكم)).
6- وقال الشيخ ربيع حفظه الله في رسالته [موقف أبي الحسن من
أخبار الآحاد] وهو يتكلَّم عن أحكام علماء الجرح والتعديل: ((لأنَّ أحكامهم قامت على
دراسة واعية وعلم بأحوال الرواة؛ فتكون أحكامهم صائبة وعادلة، لأنها لم تقم على الظنون
والأوهام، وقد يحصل من بعضهم تزكية لبعض الأشخاص بناء على ما يظهر له من حاله، ويكون
الناقد من إخوانه أعلم بحاله: فيؤكِّد هذه التزكية، أو يأتي بما ينقضها)).
7- وقال حفظه الله في كتابه [الحد الفاصل بين الحق والباطل]:
((ومعظم الناس لا يعرفون قواعد الجرح والتعديل، وأنَّ الجرح المفصَّل مقدَّم على التعديل؛
لأنَّ المعدِّل يبني على الظاهر وعلى حسن الظن، والجارح يبني على العلم والواقع، كما
هو معلوم عند أئمة الجرح والتعديل)).
8- وقال في شريطه [المنهج التمييعي وقواعـده]: ((فإذا جرح عالم
بصير شخصاً يـجـب قَبول هذا الجرح، فإذا عارضه عالم عدل متقن، فحينئذ يُدرَس ما قاله
الطرفان ويُنظر في هذا الجرح وهذا التعديل، فإنْ كان الجرح مفسَّراً مبيَّناً: قُدم
على التعديل؛ ولو كثر عدد المعدلين؛ إذا جاء عالم بجرح مفسَّر وخالفه عشرون،..، خمسون
عالماً، ما عندهم أدلة؛ ما عندهم إلا حسن الظن والأخذ بالظاهر، وعنده الأدلة على جرح
هذا الرجل: فإنه يُقدَّم الجرح؛ لأنَّ الجارح معه حجة، والحجة هي المقدَّمة، وأحياناً
تقدَّم الحجة ولو خالفها ملء أهل الأرض؛ ملء الأرض خالفه والحجة معه فالحق معه)).
9- وقال الشيخ ربيع حفظه الله تعالى كما في [شريط "التحذير
الحسن من فتنة أبي الحسن" الوجه الأول]: ((علماء الجرح والتعديل وعلماء الشريعة
الإسلامية فصلوا في هذا الأمر؛ منهم الحافظ ابن كثير في مختصر مقدمه ابن الصلاح:
إذا جرح عالم معتبر يعلم أسباب الجرح والتعديل والخلاف في هذه
الأمور ولم يعارضه أحد في هذا الجرح: فإنه يقبل؛ بارك الله فيكم.
أما إذا عارضه عالم معتبر مثله بتزكية: فحينئذ يطلب من المجرح
أن يقدم الأدلة على ثبوت جرحه وأسبابه، فإذا قدم الأدلة فلو عارضه مائة عالم من كبار
العلماء وأبرزهم: لا قيمة لمعارضتهم لأنهم يعارضون الحجة والبرهان، وهم يعارضون بغير
حجة ولا برهان، والله يقول: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، فالبرهان
يسكت الألوف من الذين خلت أيديهم من الحجج ولو كانوا علماء.
فهذه قواعد يجب أن تعرف، وعليكم بمراجعة كتب علوم الحديث؛ ولا
سيما الموسعة منها مثل: تدريب الراوي، ومثل فتح المغيث للسخاوي شرح ألفية العراقي،
فهذه أمور بديهية عند أهل العلم، فالمنازعة فيها والكلام فيها بالباطل لا يجوز؛ لأنه
يفسد العلوم الإسلامية ويخرب القواعد و...إلى آخره بمثل هذه الأساليب، فلا يجوز للمسلم
أن يطرح للناس إلا الحق ويبتعد عن التلبيس والتحيل)).
وقال فيه:
((أؤكِّد أنه لو زكَّى أبا الحسن أحدٌ من الناس: فإننا نتعامل
مع هذه التزكيات بمنهج الله الحق، ليتبين للناس الصواب من الخطأ، والله لو زكَّاه مثل
أحمد بن حنبل وليس معه حجة: فإنَّ تزكيته لا يجوز قبولها أبداً، لأنَّ الجروح موجودة
التي نادى بها أسلافنا الكرام وتعاملوا بها في دينهم وفي سنة نبيهم وفي رواة حديثهم
وفي شهاداتهم وفي غيرها من أبواب دين الله وستردها الأدلة والبراهين، فلا يفرح أبو
الحسن ولا يفرح غيره، فإنا رأينا القطبيين وعدنان عرعور والمغراوي يلجئون إلى هذه الوسائل
التي لا تغني في دين الله وعند الله وعند أهل السنة لا تغني شيئاً)).
الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى:
1- قال الشيخ عبيد الجابري حفظه الله في شريط [الحد الفاصل بين
أهل الحق وأهل الباطل]: ((فإذا حذَّر عالم من رجل وأقام عليه الدليل بأنه من أهل الأهواء
أو من الجهَّال الذين لا يستحقون الصدارة في العلم والتعليم، وكان هذا العالم معروفاً
بين الناس بالسنة والاستقامة عليها، وتقوى الله سبحانه وتعالى: فإنا نقبل كلامه، ونَحذر
مَنْ حذرنا منه وإن خالفه مئات؛ ما دام أنه أقام الدليل وأقام البينة على ما قاله في
ذلكم المحذَّر منه، فهذا وسعنا، بل هو فرضنا والواجب علينا، وإلا ضاعت السنة.
فإنَّ كثيراً من أهل الأهواء يخفى أمرهم على جمهرة أهل العلم،
ولا يتمكنون من كشف عوارهم وهتك أستارهم لأسباب منها:
- البطانة السيئة التي تحول بين هذا العالم الجليل السني القوي،
وبين وصول ما يُهتك به ستر ذلك اللعَّاب الماكر الغشَّاش الدسَّاس.
البطانة السيئة؛ فلا يمكن أن يصل إليه شيء، حتى أنها تحول بينه
وبين إخوانه الذين يحبهم في الله، فلا يستطيع أن يقرأ كل شيء.
- ومنها: أن يكون
ذلك العالم ليس عنده وقت، بل وقته كله في العلم والتعليم.
- ومنها: أن يكون
بعيداً عن هذه الساحة؛ يكون هذا الشخص مثلاً: في مصر، أو الشام، أو المغرب، أو مثلاً
اليمن، وهذا العالم الذي في السعودية لا يدري عما يجري في تلك الساحة!، ما بلَّغه ثقةٌ
بما يجري في تلك الساحة والساحات؛ فهو جاهل بحاله.
- ومنها: أن يكون
هذا العالم قد نمى إلى علمه وتعلق في فكره أنَّ ذلك الرجل ثقة عنده، فما استطاع أن
يصل إلى ما كشـفه غيره من أهل العلم؛ للأسباب المتقدِّمة وغيرها، لكن نمى إلى علمه
سابقاً أنه صاحب سنة وأنه يدعو إلى الله، وكان أمامه يُظهر السنة وحب أهل السنة والدعوة
إلى السنة، ويذكر قَصصاً من حياته ومصارعته للأفكار الفاسدة والمناهج الكاسدة، ويأتي
له بكتب سليمة، وما درى عن دسـائسه، فإذاً ماذا نصنع؟
نعمل على كلام ذلك العالم الذي أقام الدليل وأقام البينة التي
توجب الحذر من ذلك الرجل من كتبه ومن أشرطته ومن شخصه.
وأما ذلك العالم الجليل فهو على مكانته عندنا؛ لا نجرحه، ولا
نحط من قدره، ولا نقلِّل من شأنه بل نعتذر له؛ نقول ما علم، لو علِمَ ما عَلِمنا لكان
عليه مثلنا أو أشد منا)).
2- وقال الشيخ عـبيد
الجابري حفظه الله في [شريط "فقه التعامل مع أهل السنة وأهل الباطل"]:
((إذا خفي عليكم أمر إنسان اشتهرت كتبه وأشرطته وذاع صيته، فاسألوا عنه ذوي الخبرة
به والعارفين بحاله، فإنَّ السنة لا تخفى ولا يخفى أهلها؛ فالرجل تزكيه أعماله التي
هي على السنة وتشهد عليه بذلك، ويذكره الناس بها حياً وميتاً.
وما تستَّر أحدٌ بالسنة وغرَّر الناسَ به حتى التفوا حوله وارتبطوا
به وأصبحوا يعوِّلون عليه ويقبلون كل ما يصدر عنه إلا فضحه الله سبحانه وتعالى وهتك
ستره، وكشف للخاصة والعامة ما كان يخفي وما كان يُكِنُّ من الغش والتلبيس والمكر والمخادعة،
يهيأ الله رجالاً فضلاء فـطناء حكماء أقوياء جهابذة ذوي علم وكِياسة وفقه في الدين،
يكشف الله بهم ستر ذلكم اللعَّاب الملبِّس الغشَّاش.
فعليكم إذا بُيِّن لكم حال ذلك الإنسان الذي قد ذاع صيته وطبَّق
الآفاق وأصبح مرموقاً يشار إليه بالبنان: أصبح عليكم واجباً الحذر منه؛ ما دام أنه
حذَّر منه أهل العلم والإيمان، والذين هم على السنة، فإنهم سيكشفون لكم بالدليل.
ولا مانع من استكشاف حال ذلك الإنسان الذي حذَّر منه عالم أو
علماء بأدب وحسن أسلوب، فإنَّ ذلك العالم سيقول لك: رأيتُ فيه كذا وكذا، وفي الكتاب
الفلاني كذا، وفي الشريط الفلاني كذا، وإذا هي أدلة واضحة تكشف لك ما كان يخفيه، وأنَّ
ذلكم الذي طـبَّق صيته الآفاق وأصبح حديثه مستساغاً يخفي من البدع والمكر ما لا يُظهره
من السنة)).
وفي الخاتمة أقول:
إذا كانت أقوال العلماء هذه في نقض مَنْ يحتج بتزكية العلماء
في مقابل الجرح المفسَّر؛ فكيف إذا كان بعض الناس يرفع هذه التزكيات في وجه مَنْ يخطِّئ
شيخه الذي يتعصَّب له ويرد عليه في بعض المسائل من غير تجريح له ولا طعن ولا ذم؟!
نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا جميعاً إلى
نصرة الحق وأهله، والرد على الباطل وكشف أهله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.