الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فأهل الضلال والبهتان
لا يتوقف سعيهم في تزيين الباطل وتشويه الحق لحظة من الزمان، بل تجدهم يسعون لهذا الغرض
بكل ما أوتوا من سبيل ولو كان باطلاً مردوداً في العقل قبل النقل.
فبعد أن استعمل
الحلبي وأنصاره مسلك "تتبع رخص العلماء" في طريقة الإلزام والرد على أهل
الحق كما فعلوا في واقعة استقبال سماحة المفتي لعبدالرحمن عبدالخالق لنصرة الحويني
وأمثاله!؛ هذا المسلك الذي أجمع السلف على ذمه، وأنَّ مَنْ تتبع زلات العلماء وأخطائهم
ليستدل بها في نصرة باطله ورد الحق تزندق أو كاد!، وقد قال العلامة الشوكاني رحمه الله
تعالى في [أدب الطلب ومنتهى الأدب ص63-64]: ((وقد جرت
قاعدة أهل البدع في سابق الدهر ولاحقه: بأنهم يفرحون بصدور الكلمة الواحدة عن عالم
من العلماء ويبالغون في إشهارها وإذاعتها فيما بينهم!، ويجعلونها حجة لبدعتهم!، ويضربون
بها وجه مَنْ أنكر عليهم!؛ كما تجده في كتب الروافض من الروايات لكلمات وقعت من علماء
الإسلام فيما يتعلق بما شجر بين الصحابة، وفي المناقب والمثالب، فإنهم يطيرون عند ذلك
فرحاً ويجعلونه من أعظم الذخائر والغنائم))، حتى ظهر فشلهم في الإلزام بهذه
الطريقة وبان ضلالهم وانكشف عوارهم، فراحوا يبحثون عن طريقة أخرى في الإلزام!؛ مع إنهم
لا يرون الإلزام في الأحكام فضلاً عن الردود!، ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم:
((ما ضلَّ قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل))!.
وها هم هذه الأيام
يستعملون مسلك "قياس الشبه" على جهة الإلزام أيضاً؛ فيساوون مثلاً بين علي
الحلبي الذي شارك في مؤتمر يدعو إلى الإخاء الديني والتعايش السلمي؛ ولا يتكلَّم فيه
بكلمة حق!، بل أثنى على صاحب الدعوة في مقال له جديد حول
أحداث سوريا بعنوان [قال سماحةُ الدكتور الشيخ أحمد
هليل: ما يجري في سورية وصمةُ عارٍ في جبين الأمة]
يقول في أوله: ((قال سماحةُ قاضي قضاة الديار الأردنية
إمام الحضرة الهاشمية الأستاذ الدكتور الشيخ أحمد بن محمد هليل حفظه الله ورعاه))، وختمه بقوله: ((جزى الله سماحة
أستاذنا الشيخ أبي محمد خيراً على هذه الكلمة الصادقة الصادعة؛ في وقت عزَّ فيه
من يتكلَّم بالحق والله المستعان))، يساوون هؤلاء بين فعل الحلبي هذا، وبين
الشيخ ربيع حفظه الله الذي حضر مؤتمر للوحدة الوطنية وصدع فيه بالحق ولم يخش لومة لائم!.
هل يستويان؟
نعم يستويان لكن
عند المبطلين الذين يقولون بقياس الشبه [والمراد به هنا:
المساواة بين الأصل والفرع لمجرد الصورة الخالية من الأوصاف والمعاني] من أجل رد الحق
وتزيين الباطل الذي هم عليه ويدعون إليه.
ورحم الله العلامة ابن قيم الجوزية
الذين بيَّن فساد هذا المسلك في [إعلام الموقعين 1/148-150] فقال: ((فصل
"قياس الشبه": وأما قياس الشبه فلم يحكه الله سبحانه إلا عن المبطلين:
فمنه: قوله تعالى إخباراً
عن إخوة يوسف أنهم قالوا لما وجدوا الصواع في رحل أخيهم: "إن يسرق فقد سرق أخ
له من قبل" فلم يجمعوا بين الأصل والفرع بعلة ولا دليلها!، وإنما ألحقوا أحدهما
بالآخر من غير دليل جامع سوى مجرد الشبه الجامع بينه وبين يوسف، فقالوا: هذا مقيس على
أخيه بينهما شبه من وجوه عديدة، وذاك قد سرق فكذلك هذا!!، وهذا هو الجمع بالشبه
الفارغ والقياس بالصورة المجردة عن العلة المقتضية للتساوي، وهو قياس فاسد، والتساوي
في قرابة الأخوة ليس بعلة للتساوي في السرقة لو كانت حقاً!، ولا دليل على التساوي فيها
فيكون الجمع لنوع شبه خال عن العلة ودليلها.
ومنه: قوله تعالى إخباراً
عن الكفار أنهم قالوا: "ما نراك إلا بشراً مثلنا"، فاعتبَروا صورة مجرد الآدمية
وشبه المجانسة فيها!، واستدلوا بذلك على أنَّ حكم أحد الشبهين حكم الآخر، فكما لا نكون
نحن رسلاً فكذلك أنتم!!!، فإذا تساوينا في هذا الشبه فأنتم مثلنا لا مزية لكم علينا؛
وهذا من أبطل القياس!.
فإنَّ الواقع من التخصيص والتفضيل
وجعل بعض هذا النوع شريفاً وبعضه دنياً وبعضه مرؤوساً وبعضه رئيساً وبعضه ملكاً وبعضه
سوقة يبطل هذا القياس؛ كما أشار سبحانه إلى ذلك في قوله: "أهم يقسمون رحمة ربك
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم
بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون"، وإجابة الرسل عن هذا السؤال بقولهم
"إن نحن إلا بشر مثلكم ولكنَّ الله يمنُّ على من يشاء من عباده"، وأجاب الله
سبحانه عنه بقوله: "الله أعلم حيث يجعل رسالاته"، وكذلك قوله سبحانه:
"وقال الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا
بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذا لخاسرون"؛
فاعتبروا المساواة في البشرية وما هو من خصائصها من الأكل والشرب، وهذا مجرد قياس شبه
وجمع صوري!، ونظير هذا قوله: "ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر
يهدوننا".
ومن هذا:
قياس المشركين الربا على البيع بمجرد الشبه الصوري!!.
ومنه:
قياسهم الميتة على الذكي في إباحة الأكل بمجرد الشبه.
وبالجملة: فلم يجيء هذا القياس في القرآن إلا
مردوداً مذموماً.
ومن ذلك:
قوله تعالى: "إنَّ الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم
إن كنتم صادقين. ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها
أم لهم آذان يسمعون بها" فبين الله سبحانه أنَّ هذه الأصنام أشباح وصور خالية
عن صفات الإلهية، وأنَّ المعنى المعتبر معدوم فيها، وأنها لو دعيت لم تجب، فهي صورة
خالية عن أوصاف ومعان تقتضي عبادتها، وزاد هذا تقريراً بقوله: "ألهم أرجل يمشون
بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها" أي:
أنَّ جميع ما لهذه الأصنام من الأعضاء التي نحتتها أيديكم إنما هي صور عاطلة عن حقائقها
وصفاتها؛ لأنَّ المعنى المراد المختص بالرِّجل هو مشيها وهو معدوم في هذه الرِّجل،
والمعنى المختص باليد هو بطشها وهو معدوم في هذه اليد، والمراد بالعين إبصارها وهو
معدوم في هذه العين، ومن الأذن سمعها وهو معدوم فيها، والصور في ذلك كله ثابتة موجودة،
وكلها فارغة خالية من الأوصاف والمعاني، فاستوى وجودها وعدمها، وهذا كله مدحض لقياس
الشبه الخالي عن العلة المؤثرة والوصف المقتضي للحكم، والله أعلم)).
قلتُ:
فمن صور هذا القياس؛ ما عليه المبطلون
– أو قل بحق: المطبِّلون! – الذين حيرتهم مواقف شيخهم من ثنائه على رسائل تدعوا إلى
الإخاء الديني والتعايش السلمي وفق مبدأ الإنسانية والمساواة بين الأديان وحضوره في
مؤتمرات تدعوا لذلك، فلم يجدوا في الجواب عنها مخرجاً إلا طريقة الإلزام التي أضرتهم
ولم تنفعهم!، وأحزنتهم ولم تفرحهم!، وفرَّقت شملهم ولم تجمعهم!.
ومن صور هذا القياس الذي لم
يصدر إلا من جهة المبطلين:
ما فعله مشرفوا الحلبي من مقارنة بين
ثناء الحلبي وإخوانه وأنصاره على أهل البدع والاعتذار لهم والمجادلة عنهم بالباطل بعد
أن انكشف أمرهم للجاهل قبل العالم!، والصغير قبل الكبير!، والبليد المسكين قبل الفهيم
الفطين!، وبين ما ذكره الشيخ ربيع حفظه الله تعالى من [تعريف] لبعض الأعيان والشخصيات
- من أهل البدع أو ممن تلبَّس ببدعة - ذكرها في رسالته الأكاديمية الدكتوراه، كوصفه
لبعضهم بـ (الفقيه) أو (المحدِّث) أو (المفسِّر) أو (الأديب)، ليعرف القارئ تخصص هذه
الشخصية في العلوم الشرعية، وهذه طريقة معمول بها في كل رسائل الماجستير والدكتوراه
والبحوث العلمية، وليس الغرض منها أصلاً الثناء والذكر الجميل!؛ وإنما تعريف القارئ
بهذه الشخصية بأقصر عبارة من غير تبني لما قيل فيها.
ولو فرضنا أنَّ فيها ما يُشعر المدح
والثناء، فلقد اعتذر العلامة الشيخ ربيع حفظه الله تعالى من ذلك وبيَّن السبب فقال
في [مجموع كتبه ورسائله 10/511]: ((إنَّ ما حصل مني من تراجم لمن تلبسوا ببدعة إن كان فيه شيء
من الثناء عليهم بما قاله غيري: فهذا صدر مني قبل سبعة عشر عاماً؛ أيام الطلب، قبل
أن يظهر لي هذا الأصل الأصيل المجمع عليه عند أهل السنة والجماعة [يقصد الشيخ: عدم
ذكر حسنات أهل البدع]، فأنا معذور إنْ شاء الله، ولكن ما بالكم لا تزالون أنتم وشيخكم
عبدالرحمن عبدالخالق تمدحون أهل البدع وتقدسونهم وتدافعون عنهم وتحاربون هذا الأصل
الأصيل الذي أجمع عليه أهل السنة فمن خرق الإجماع وحاربه؟! أليس هذا من أوضح البراهين
أنكم تلبسون رداء السنة زوراً، وأنكم بلاء على الإسلام والمسلمين امتحن الله بكم وبفتنتكم
أهل السنة حقاً؟
ومن بلايا هذه الفتنة أنها تحب الانحراف عن الحق إلى الباطل؛ كما حصل لكثير
منهم!، ولا ترضى الرجوع إلى الحق والتخلي عن الباطل؛ فيالها من داهية دهي بها الإسلام
والمسلمون. وانظر كيف اتخذوا هم وشيخهم هذا المسلك السيئ ديدناً للتعيير)).
فهل يعتذر شيخهم الحلبي من
ثناء واحد عن صاحب بدعة؟!
إذن أين وجه التشابه بين ما يفعله شيخهم
الحلبي مما فعله شيخنا الربيع حفظه الله تعالى؟!
هل يستويان؟
نعم؛ لكن عند المبطلين القائلين بقياس
الشبه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.