الحمد لله والصلاة والسلام
على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
سمعتُ قبل فترة من الزمان
قريبة –قبل نشر كتاب [منهج السلف الصالح] وما تبعه من خلاف وفتنة!- من بعض الإخوة
الثقات أنَّ ثمة خلاف حصل بين طلبة العلم في العراق في مسألة الجمعيات أثناء
تواجدهم في الأردن (!) ضمن دعوة من القائمين على مركز الإمام الألباني رحمه الله
تعالى في حضور دورة في مركزهم.
مما
اضطرهم الأمر أن يرفعوا الحكم في هذه المسألة إلى القائمين على المركز!، وبعد نقاش وحوار بين الجميع،
توصَّلوا إلى جواب في هذه المسألة؛
هذا الجواب رأيته مدوناً في رسالة [البيان الواضح البديع لما جاء في نصيحة العلامة الربيع] لطالبين من طلبة العلم في العراق،
وكذا وجدته في مقال [موقف مشايخنا في مركز
الإمام الألباني من الجمعيات الحادثة -عموماً-، وفي العراق-خصوصاً-] لعماد طارق العراقي المعروف!.
فلما قرأتُ هذه الأسئلة وجوابها رأيتُ فيها ما يحتاج إلى نظرة تأمل، ثم
قرأتها مرة أخرى بتأمل أكثر، فخرجتُ بهذه النظرات.
نظرات في الأسئلة المطروحة
قد ذكر عماد طارق مجموع الأسئلة المطروحة فقال:
((فقد كثر الحديث ومن ثم
الخلاف حول الموقف من الجمعيات الإسلامية
القائمة الحادثة:
ما وجه مشروعيتها؟
وهل ينصح
السلفيون
في العراق بإنشاء مثل هذه الجمعيات في مثل ظرفهم الحالي؟
وما حكم الحادث
من
هذه الجمعيات خارج العراق؟
وما الموقف الشرعي من تعامل
السلفيين في العراق معها؟
وما هي النصيحة التي توجه
للمختلفين من السلفيين في العراق حول ما تقدم؟
عُرِضت هذه التساؤلات وغيرها
على أهل العلم في مركز الإمام الألباني))
قلتُ:
1- متى كثر الحديث والخلاف في
الموقف من الجمعيات؟!
ألم يكن هذا في أول الاحتلال؛
حينما دخل إلى العراق بعض المتعلِّقين بالجمعيات خارج البلد وبدؤوا يدعون لها
ويرغبون فيها!، فلما نُشرت فتاوى العلماء في التحذير من مخاطر الجمعيات الحزبية
انقسم الناس في ذلك بين مستجيب ورافض، ثم الرافضون خاضوا في مسالك حزبية حتى قالوا
بمشروعية التحزب!، ثم قالوا بوجوب الجهاد وأقاموا الرايات!!، ثم خاضوا في تكفير
الناس واستباحوا دماءهم وأموالهم!!!، هذا ما يعرفه السلفيون هنا في العراق بلا
خلاف بينهم ولا مبالغة.
فأين الخلاف؟!
وما
المناسبة في فتح ملف الجمعيات من جديد في هذا الوقت بالذات؟!
وكلام أكابر
أهل العلم فيها –مفصلاً- مدوَّن ومسجَّل، وواقع السلفيين (في العراق) لا نعلم منهم
طالب علم معروفاً يتعامل مع الجمعيات مباشرة!، بل الجميع يحذِّر منها على العموم،
ويحذِّر منها في بلدنا وفي وقتنا هذا على الخصوص، ولم يجن أهل السنة عموماً في
بلدنا من الجمعيات إلا الفرقة والفتنة والضياع.
فإذا كان أمر
الجمعيات –شرعاً وواقعاً- معلوم!، وإذا كان وجودها -في بلدنا- معدوم!!؛ فما الذي
تغيَّر حتى نفتح هذا الملف من جديد؟!
والنبي
صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإنَّ من
الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير؛ فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل
لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه)) [أخرجه ابن ماجه في سننه وابن أبي عاصم في
السنة؛ وقال فيه الألباني في الصحيحة: "وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن"]
2- هل
الواجب على طلبة العلم السلفيين في العراق أن ينشغلوا في إنشاء جمعية وما يترتب
عليها من مسؤوليات وإداريات وتخطيط وتنظيم وتقسيم الأدوار والأعضاء على المساجد
والمناطق ومراقبة ذلك أسبوعياً أو شهرياً؟!!، أم أنَّ الواجب عليهم أن ينشغلوا
بطلب العلم والتعليم والدعوة إلى التوحيد والسنة؟
كم هم
طلبة العلم السلفيين في العراق؟!
وكم من
هؤلاء مَنْ تفرغ للدراسة المنهجية والتعليم المتدرج؟!
وكم من
هؤلاء مَنْ يحرص على تعليم الناس ودعوتهم إلى منهج السلف الصالح عقيدة وعبادة
وسلوكاً؟
الجواب
يعرفه أهل العراق أنفسهم!.
ولكنَّ
البعض يصوِّر حال طلبة العلم وتعليمهم ودعوتهم في العراق على خلاف الواقع ليستحصل
التزكيات من أهل العلم!!؛ والله المستعان.
3-هذه
الجمعية التي يراد إنشاؤها لو خلت من كل المحاذير وحققت المصلحة المرجوة من
إنشائها!، لما كان للتفكير في إنشائها في العراق وجه؛ وذلك لضعف العلم المؤصَّل
عند أغلب السلفيين إلا مَنْ رحم الله!، ولخطورة الوضع الأمني الذي يعيشون فيه!.
فكثير من
السلفيين لا يُمكن لهم أن يفتحوا دورات علمية بل ولا حلقات صغيرة في مساجدهم في
أكثر مناطق البلد!!؛ إلا وهم يتوجَّسون خيفة من الاعتقالات ومن التفجيرات ومن
القتل المنظَّم على أيدي الجماعات الإجرامية والتكفيرية.
فكيف
سيفتحون جمعية؟!!!
4- إنَّ
أصل خلاف طلبة العلم العراقيين في مسألة الجمعيات كان سببه حول حكم الدراسة في
مركز الإمام الألباني الذي تدعمه جمعية إحياء التراث!!، وقبلها اختلفوا في حكم
الدراسة في جمعية البر في البحرين بعد أن دعا فتحي الموصلي مجموعة منهم إليها!،
فكان الواجب أن ينحصر السؤال في هذه المسألة الواقعة أصلاً، لا أن نفترض واقعاً –غير
موجود- ثم نسأل عن حكمه!؛ فهذا من الأمور التي ذمها السلف، ومن التوسع في العبارات
أيضاً.
ولهذا قال
علي الحلبي وفقه الله تعالى للسداد في كتابه [منهج السلف الصالح]: ((مع أنَّ
الكلامَ عن (جمعيّة) واحدة -أو اثنتَيْن!-؛ إلَّا أنِّي رأيتُ كثيراً مِن الشّباب
-وبخاصَّة في (العِراق)- جعلوا حُكم (الجمعيَّات) عامًّا -تبديعاً، وتضليلاً- دون
ضوابطَ، ولا فوارقَ!! ممَّا أوْقَعَ الفُرقةَ بينهم، وشتَّتَ كلمتَهم)).
قلتُ: والعكس صحيح
أيضاً؛ وهو أنَّ البعض جعل الكلام في الجمعيات عاماً –إنشاءاً ومعاملة- دون
ضوابط!!.
5- لماذا
خُصَّ القائمون على مركز الإمام الألباني بالفتوى؛ وكذا خُصَّ معهم الشيخ فتحي؟!
ألا يوجد
غيرهم من أكابر أهل العلم مَنْ تكلَّم في هذه المسألة من قبل!؛ وبعضهم تكلَّم في
شأن أهل العراق خاصة كما سيأتي؟!
فلم لم يكتف
السائلون بفتاوى أهل العلم المتقدمة؟!
ثم كيف
يتحاكم الطرفان من أهل العراق إلى القائمين على المركز وإلى فتحي الموصلي؛ وهؤلاء
جميعاً يتعاملون مع بعض الجمعيات، ويستلمون أموالاً منها، بل ويجادلون عنها؟!
............................. فيك الخصام؛ وأنت الخصم والحكم
أليس هذا
من العجائب؟!
نظرات
في أجوبة القائمين على مركز الإمام الألباني
ثم قال
عماد طارق:
((فكانت
إجابتهم
تتلخص في المحاور التالية:
المحور الأول: لا بد -قبل البحث في
التفصيل- من العناية بالتأصيل، ولا بد من تقعيد كليات شرعية
تضبط
الخلاف في هذه المسألة –كما في غيرها-، وهذه الكليات –هنا- لا يختلف عليها
أحد
من أهل العلم -فيما نعلم-))
قلتُ: كثيراً ما يتفق الناس
على الكليات ولا يقع بينهم خلاف من حيث التأصيل، وإنما يختلفون في التنزيل
والتطبيق؛ لأنهم لا يلتزمون الأصول المتفق عليها!؛ بل جعلوها خاضعة للمصالح
والمفاسد أو قل: للتشهي والأهواء!.
وإلا فكم من الناس مَنْ يوافق
أنَّ تكفير المسلم بفعل الكبيرة من سمات الخوارج، ثم تراه يكفِّر بالإصرار على
الذنب؟!.
وكم من الناس مَنْ يعلم أنَّ
الانتقاص من الصحابة نفاق وزندقة ثم تراه يصف بعضهم بالغثاء؟!
وكم من الناس مَنْ يعلم أنَّ
مجالسة أهل الأهواء تمرض القلب، ثم تراه يجالسهم وينبسط معهم في الكلام؟!
أقول: ثم ذكروا الكليات
فقالوا:
((ومنها:
أولاً:
أنَّ
العبرة
في مسألة الجمعيات وغيرها من التجمعات –الحادثة- بالحقائق والمعاني لا
بالألفاظ
والمباني، وأنَّ الأسماء لا تغير من حقائق المسميات، فلا فرق بين تسميات
الجمعية
والمركز والمنتدى والملتقى –وأمثالها-، فحقيقتها –جميعاً- واحدة من حيث
واقعُها
–أصلاً-.
ثانياً:
الاجتماع
أصل شرعي وضرورة بشرية وحاجة فطرية لا تقوم مصالح
بني آدم إلا بها، والاجتماع المحمود –شرعاً- هو ما كان على مقتضى الشرع وسيلة
وقصداً وعليه يعقد الولاء والبراء، وأما ما كان على خلاف ذلك
فهو
من قبيل الاجتماع المذموم، فإنْ كانت الموالاة والعطاء والتقريب والمناصرة فيه، والمعاداة
والمخالفة والمنع والإبعاد عليه كان اجتماعاً حزبياً ممنوعاً منه شرعاً
وعقلاً
وعرفاً.
ثالثاً: أنَّ الأصل هو مشروعية
العمل الجماعي القائم على
الاجتماع والتعاون والتناصر والتواصي، وهي مطالب شرعية دلت
عليها
نصوص الكتاب والسنة كقوله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى
وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ"، وقوله: "إِلَّا الَّذِينَ
آَمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ"،
وقوله: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ
بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ
المُفْلِحُونَ".
رابعاً: لا تتعلق الحرمة في مسألة
الجمعيات الحادثة بذاتها -اسماً
وبناءً-، وإنما بما تقع به الجمعية –المعينة- من مخالفات شرعية، فالتحريم
فيها
–إنْ كان- فلغيرها لا لذاتها، وهذا يختلف من جمعية إلى أخرى.
ولما تقدم من
أصول
شرعية كلية؛ فقد جاءت فتاوى كبار العلماء: كالرئاسة العامة للإفتاء، والشيخ
ابن
باز، والشيخ الألباني، والشيخ ابن عثيمين، كلها دالة على جواز تشكيل
الجمعيات
والمراكز وغيرهما من المؤسسات الحادثة الداخلة في باب الوسائل الدعوية؛ دون
الوسائل والطرق الحزبية الباطلة)).
قلتُ:
1- وهذه الأصول والكليات من حيث العموم حق لا يختلف فيه أحد
كما قال المجيبون؛ وقد قال الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في رده على عبد الرحمن عبد
الخالق [جماعة واحدة لا جماعات]: ((إني إلى يومي هذا لا أعرف أحداً من السلفيين يحرم العمل الجماعي المشروع
القائم على منهج الكتاب والسنة وما عليه المسلمون قديماً وحديثاً. وأكبر دليل على هذا
واقع السلفيين في كل مكان؛ إذ لهم مدارس وجامعات لها إداراتها ومسؤوليها وأساتذتها
وميزانياتها، ولهم جمعيات في الهند وباكستان وبنجلاديش وغيرها، ولهم مساجد ومشاريع
تقوم كلها على أعمال جماعية. وفي السعودية لهم وزارات عديدة منها وزارة العدل يتبعها
عشرات المحاكم، ووزارة التعليم العام ووزارة التعليم العالي يتبعها الجامعات، وكل ذلك
يقوم على التنظيم الإداري والعلمي والمالي، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارة
الحج . . . إلى آخر الوزارات. وقامت فيها مراكز ومكاتب لدعم الجهاد ولإغاثة المنكوبين
والعون للفقراء والمساكين وغير ذلك من الأعمال الجماعية المنظمة. ولأنصار السنة في
مصر والسودان مدارس ومساجد وأعمال تقوم على العمل الجماعي، وفي اليمن مدارس ومساجد
قائمة على العمل الجماعي، وما سمعنا من عالم أو طالب علم سلفي يحارب العمل الجماعي
المشروع ويحرم ويبدِّع أهله.
وإذا كان القصد من العمل الجماعي هو ما ذكرناه وأشباهه فلا داعي أبداً
إلى التأليف والتأصيل فيه والأخذ والرد الذي أدى إلى الطعن والتجريح وكان ضرره أكثر
من نفعه)).
قلتُ: ولا السؤال عنه أو الفتوى فيه!!.
وأقول: لكن هل واقع الجمعيات اليوم يشبه هذه التجمعات (الإدارية)
(التنظيمية) (المالية) المبنية على التعاون البشري والتكافل الاجتماعي؟ أم مبنية
على التنظيم الحزبي والعمل السياسي المنظَّم غير المشروع؛ وتسببت في الفرقة
والفتنة بين السلفيين؟!
قال الشيخ ربيع في نفس المصدر: ((قد سبق مراراً أنَّ السلفيين أهل
السنة حقاً الذين ينسب إليهم عبدالرحمن عبدالخالق هذه الفتاوى، لا يمنعون من قيام
جمعيات ومؤسسات للبر والإحسان إذا كانت هذه الجمعيات ذات عقيدة واحدة؛ عقيدة الحق
وعقيدة الأنبياء، وذات منهج واحد؛ هو منهج الحق ومنهج الأنبياء، ودعوة واحدة؛ هي
دعوة اللَّـه ودعوة الإسلام الحق.
أما إذا كانت هذه الجماعات والجمعيات قائمة على عقائد فاسدة ومناهج
ضالة، وتنهب أموال المسلمين لمصالحها وأغراضها، وتتضارب مناهجها وبرامجها، وتصادم
عقائدها ومناهجها كتاب اللَّـه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويتبادلون التهم
والاشاعات الكاذبة، وتدور المعارك الدموية فيما بينهم، ويجتمعون حيث يجمعهم الهوى
والباطل ضد دعوة الحق ودعاة الحق، حتى يصل بهم الأمر إلى حرب الجهاد السلفي القائم
على تجمع صحيح وجهاد صحيح وعقيدة صحيحة؛ فيسفكون دماءهم ويسقطون إمارتهم ويهدمون
مدارسهم، فإنَّ مثل هذه الجمعيات والمؤسسات قد أنكرها السلفيون بناء على البراهين
الواضحة من كتاب اللَّـه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح)).
2- ثم إذا لم يكن ثمة فرق -في نظر المجيبين!- بين الجمعيات
وبين المركز والمنتدى والملتقى وأمثالها من حيث الحقيقة وإن اختلفت أسماؤها؛ فكذلك
لم ير السلفيون فرقاً بين الجمعيات المعاصرة وبين الأحزاب من حيث الحقيقة وإن
اختلفت أسماؤها!. قال
الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في المصدر السابق: ((فإنه وإنْ سمى مَنْ يدافع عنهم
جماعات!، فإنَّ مقصوده بذلك الدفاع عن فرق مزقتها الأهواء الحزبية السياسية
والعقائد والمناهج البدعية. وهذا هو الذي يرى السلفيون أنه تفرق محرم؛ حرمه اللَّه
ورسوله وأطبق على تحريمه وذمه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى إلى
يومنا هذا)).
ومع هذا؛ فنحن نلاحظ الفرق بين الذي يتعامل مع الجمعية
مباشرة وبين الذي يتعامل مع مراكزها ومنتدياتها وملتقياتها –فضلاً عن الفرق بين
الجمعيات وتوابعها، وبين العمل الجماعي في مركز أو منتدى أو ملتقى أو هيئة أو لجنة
غير تابعة لجمعية أصلاً!- فالجمعية يجتمع فيها رؤوسها ومموليها وهؤلاء في الغالب
لا يكونون من أهل العلم بل قد يكونون من أهل البدع أصلاً، وفي الجمعية لا تلاحظ
سمة العلم وإنما تلاحظ سمة المسؤولية والإدارة والتنظيم؛ وكأنَّ الداخل فيها داخل
في دائرة حكومية أو في مؤسسة حزبية، أما مراكز العلم والتعليم فالأمر فيها يختلف،
فالغالب فيها سمة العلم والتعليم والتذاكر والمدارسة؛ وفرق ظاهر بين الأماكن التي
تذكِّر بالدنيا وبين الأماكن التي تذكِّر بالآخرة!.
وقال المجيبون: ((المحور الثاني: إنَّ القول بجواز تشكيل
الجمعيات وفق الضوابط الشرعية -والتي من أهمها النزول على أقوال ونصائح
وتوجيهات العلماء المعتبرين، ودوام الرجوع إليهم لمعرفة أحكام ما يستجد من أحداث–
ليس معناه ولازمه أن يجاز ذلك في كل وقت وكل مكان، فمثلاً بالنسبة لواقع السلفيين
في العراق –وفق ظرف البلد الحالي- لا نرى جواز إقامة جمعية
للسلفيين
فيه؛ فإذا تغيرت الظروف والأحوال فيصار إلى مناقشة أهل العلم –مجدداً- للفتوى إما
بالجواز أو بالمنع؛ فلا يصح القول بالجواز مطلقاً، ولا بالمنع المطلق،
ذلك
أنَّ الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، وما كان منها مبنياً على
اعتبار
الموازنة بين المصالح والمفاسد فقد يقال بحرمته في ظرف، ويقال بمشروعيته في
ظرف
آخر)).
قلتُ:
1- ما هي الضوابط الشرعية للقول بجواز إنشاء الجمعيات؟!
ثم هل لها وجود على أرض
الواقع؟!!
يقول
الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في المصدر السابق: ((أقول: نعم؛ ليس هناك نص من كتاب ولا
سنة ولا قول أحد من سلف الأمة ينكر التعاون على البر والتقوى!، بل فيها دعوة حارة إلى
التعاون على البر والتقوى، وقد كان سلف الأمة قد وعى هذه التوجيهات وطبقوها فملأوا
الدنيا براً وإحساناً؛ لكنه ما كان على شكل المؤسسات والجمعيات الموجودة الآن!!، والتي
استفادتها الجمعيات والمؤسسات الحالية من أهل الغرب!، ومع أننا نقول بجواز هذه الجمعيات
القائمة على البر والتقوى؛ إلا أنك أنت وغيرك يعجزون عن الإتيان بأمثلة وصور من تأريخ
المسلمين وتطبيقهم لأعمال البر والتقوى تشابه هذه الصور!!.
ثم
إنني أؤكد لك ما سبق ذكره: أنَّ الإسلام بكتابه وسنته لا يجيز التفرق والتشتت والتنابز
والتناحر والتهالك على المصالح والاستئثار بها والتحزب لأجلها، وعلماء الإسلام كانوا
ولا يزالون يحرمون هذا اللون من التفرق والتحزب مهما لبس من أشكال وألوان!، ومهما ادعى
من الإنجازات!؛ لأنَّ ذلك على خلاف ما شرعه الله وأمر به من الاجتماع على الكتاب والسنة
والاعتصام بهما عقيدةً وشريعةً ومنهجاً، ومصادم لما نهى عنه اللَّه ورسوله من الاختلاف
وتفرق الأمة شيعاً وأحزاباً، وتفريق الدين وتمزيقه إلى ملل ونحل.
فإنَّ ذلك يعرض الأمة للهلاك والعذاب في الدنيا
والآخرة، ويزهد أعداء الإسلام في الإسلام، ويشوهه في نظر هؤلاء الأعداء، فيقولون لو
كان في هذا الدين خير وصلاح لما تفرق أهله فرقاً شتى؛ يعادي بعضهم بعضاً ويهلك بعضهم
بعضاً كما حصل لهذه الجماعات)).
فأين هذه الجمعية التي لم
يتناحر أعضاؤها على المصالح والاستئثار بها والتحزب من أجلها؟!
ولو وجدت؛ فهل العبرة بالغالب
أم بالنادر؟!
2- ثم نزول أهل الجمعيات على
أقوال ونصائح وتوجيهات العلماء المعتبرين، والرجوع إليهم لمعرفة أحكام ما يستجد من
أحداث؛ هل هو إلزام لهم؟! أم إرشاد لا إلزام فيه؟
فإنْ
كان إلزاماً لهم؛ فهذا ينقض أصل ((لا إلزام إلا بنص أو إجماع)) الذي يدندن حوله
المجيبون وأتباعهم!!.
وإنْ
كان إرشاداً؛ فهم على الخيار!.
وأحلاهما
مر.
3-
لماذا هذا الإلحاح على إنشاء جمعية في العراق للسلفيين؟!
أين
هي ثمار وآثار الجمعيات في الدول المستقرة أمنياً!؛ حتى يتطلع السلفيون في العراق
إلى إنشاء جمعية لهم؟!
أليس من القواعد الأصولية
أنَّ المباح إذا غلبت مفسدته مصلحته؛ فإنه يُمنع سداً للذريعة؟
فالبلاد الإسلامية الأخرى قد
جربت آثار تعدد الجمعيات وما حصل منها من أضرار وعواقب وخيمة، فقال أهل العلم
كلمتهم في مثل هذه الجمعيات.
ألا يتعظ أهل العراق بغيرهم
من البلاد؟!
أم لا بد أن يقع السلفيون في
العراق في نفس الفتنة ليصلوا إلى نفس العاقبة والنتيجة؛ حتى تطمئن نفوسهم؟!!
فكيف وفي العراق العلم قليل
والفتن متوالية، ولا يوجد على الإطلاق عالم سلفي فيه!، وإنما هم بعض طلبة العلم
فيهم المتقدِّم وهم أقل القليل، وفيهم ما دون ذلك.
فكيف سيكون حال السلفيين في
العراق -لو أقاموا جمعية- وهم على هذا المستوى العلمي؟!
وبخاصة ونحن نرى مَنْ كنَّا
نظنه كبيراً في العلم والفهم والديانة؛ فإذا به ينساق وراء فتات الجمعيات، وينفتن
بمالها وترفها ورفاهيتها، حتى تستثقله أغلالها فلا يقدر الخروج منها إلا مَنْ رحم
الله تعالى.
ورحم الله تعالى عبد الله بن
المبارك القائل: ((لم أر مالاً أمحق من مال صاحب بدعة؛ اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه
قلبي)).
وقال المجيبون: ((المحور الثالث: إنَّ الجمعيات الإسلامية
-القائمة- ليست على رتبة واحدة
–واقعاً-؛ فلا يصح القول أنها -كلها- بدعية، ولا أنها –جميعاً- حزبية، ولا
أنها –كافة- سلفية.
والعبرة –في الحكم عليها-:
بنظامها الداخلي، وبتوجهات وسلوكيات
وممارسات القائمين عليها، وولاءاتهم وبراءاتهم؛ ثم يكون الحكم عليها –مدحاً أو
قدحاً- بحسب ما قام فيها من موجبات ذلك –شرعاً-، وقد تمدح
في
جوانب وتقدح في أخرى))
قلتُ:
أما قولهم: ((إنَّ الجمعيات الإسلامية -القائمة-
ليست على رتبة واحدة –واقعاً-؛ فلا يصح القول أنها -كلها- بدعية، ولا أنها –جميعاً- حزبية، ولا أنها –كافة-
سلفية)).
هذا القول مجمل!
لكن أين الجمعيات السلفية؛
التي يكون نظامها الداخلي، وتوجهات القائمين عليها
وسلوكياتهم وممارساتهم وولاءاتهم وبراءاتهم منعقدة على نصرة منهج السلف الصالح؟!
لنأخذ مثلاً: "جمعية إحياء التراث
الكويتية"!.
ولننقل فيها حصراً كلام علي الحلبي وفقه
الله تعالى للسداد؛ للننظر في الحكم عليها.
قال في كتابه [منهج
السلف الصالح]:
((قَدْ رَأَيْتُ -فِي
عَدَدٍ مِنَ البُلْدَانِ- خِلافاً كَبِيراً -جِدًّا- إِلَى حَدِّ الفِتْنَةِ!-
حَوْلَ (جَمْعِيَّة إِحْيَاء التُّرَاث الإِسْلاَمِي) -فِي الكُوَيْت-، وَهِيَ
جَمْعِيَّةٌ تَرْفَعُ –في جَليِّ أمرها- شِعَارَ الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّة،
وَالعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّة؛ مجتهدة في تطبيق ذلك، مما يجعلها تصيب أحياناً وتخطئ
أحياناً أخرى.
وَسَبَبُ هَذا الخِلاف
-ثَمَّةَ- طَعْنُ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ السَّلَفِيِّين فيهَا، وَنَقْدُهُم
إِيَّاهَا...
وَبعض هَؤُلاَءِ
العُلَماءُ مُصِيبُون فِي شيء مِنْ نَقْدِهِم [في النسخة الأولى من الكتاب قال: في
كثير من نقدهم!] –وبخاصة فيما وقع من تفريق وفرقة في عدد من البلاد بسببها؛ والبعض
الآخر في كلامه نوع غلو ...
وإِنِّي لأَذْكُرُ
-تَماماً- أَنِّي انْتَقَدْتُ هَذِهِ (الجَمْعِيَّة) -عِنْدَ بَعْضِ رُؤُوسِها،
وَكِبَارِ أَفْرَادِهَا -مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً- ثَلاَثَةَ
انْتِقَادَاتٍ كُبْرَى:
أَوَّلها:
انْشِغَالُهُم الكَبِير بِالعَمَلِ السِّيَاسِي –واستغراقهم فيه-.
وَثَانِيهَا: بعض
المَسَالِكُ الحِزْبِيَّةُ فِيهِم -وَقَد اعْتَرَفَ بِهَا كَبِيرٌ مِنْ
كُبَرَائِهِم أَمَامِي-.
وَثَالِثُها: عَدَمُ
تَبَرُّئِهِم مِنْ رَأْسٍ مِنْ رُؤُوسِهِم السَّابِقِين -وَهُوَ (عَبْدُ
الرَّحْمَنِ عَبْد الخَالِق)- وَقَد انْحَرَفَ مَنْهَجُهُ! نازعاً مَنْزِعَ
التكفيرِ؛ وَهُمْ يَعْرِفُون-!!
وَهَذِهِ فُرْصَةٌ
أُكَرِّرُ فِيهَا نُصْحِي لِهَؤُلاءِ الإِخْوَةِ -رُغْمَ مُخَالَفَتِي لَهُم في
أشياء- بِلُزُومِ التَّبَرُّؤِ مِنْ هَذا الرَّأْس؛ لِمَا يَنْتُجُ مِنْ عَدَمِ
التَّبَرُّؤِ -مِنْهُ- مِنْ شَدِيدِ البلاء والبَأْس!!.
فضلاً عن المُلاحظات
الأخرى التي فَتَحَتْ عليهم أبوابَ شرٍّ كثيرة -عافانا اللهُ وإيَّاهُم مِنها-؛ هم
-لِدَعْوَتِهِم- في غِنىً عنها. لعلهم يستجيبون ويتجاوبون؛ وليس ذلك ببعيد عنهم –جزاهم
الله خيراً-، فقد رأينا منهم بعض التجاوب عياناً زادهم الله توفيقاً)).
قلتُ (رائد آل طاهر): فلو
تركنا باقي الملاحظات!!، ونظرنا في الثلاثة المذكورة [الاستغراق في العمل السياسي،
المسالك الحزبية، عدم البراءة من القطبي المحترق عبد الرحمن عبد الخالق] وعرفنا
أنَّ الجمعية إلى الآن لم تتجاوب مع تلك النصائح!، لكان يكفينا هذا في التحذير من
هذه الجمعية ووجوب مقاطعتها!، فكيف وقد سببت هذه الجمعية فتنة وفرقة بين السلفيين
في كثير من البلاد؟!
فالعجب من الحلبي حين
يقول بعدها: ((وَمَعَ هَذِهِ الانْتِقَادَات -جَمِيعاً- إِلاَّ أَنِّي لاَ أَرَى
مُعادَاتَها، وَلاَ وَمُخاصَمَتَهَا.. وَلاَ أُقِرُّ -البَتَّةَ- ادِّعَاءَ
أَنَّها (قُطْبِيَّة)، أَوْ (تَكْفِيرِيَّة)! -بَلْ أَنَا عَلَى (يَقِين) أَنَّهم
[في النسخة الأولى من الكتاب قال: بِالجُمْلَةِ] على عَكْس ذَلِك-))!!.
ثم راح الحلبي يؤيد
موقفه بما ظنه تأييداً من كلام أهل العلم وممارساتهم؛ وذلك:
1- بتقريظ الشيخ صالح
الفوزان حفظه الله تعالى لكتاب «حُكْم العَمَل الجَمَاعِي» لعَبْد الله السَّبْت،
وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَشَايِخِ هَذِهِ (الجَمْعِيَّة)!!.
2- إقرار الشيخ ابن
عثيمين رحمه الله تعالى لبعض مسالكهم التنظيمية!.
3- زيارة بعض أئمة
الحرم المكي لهم!!، وثناء بعضهم عليها!.
4- تَزْكِياتُ
الشَّيْخ ابْن بَاز، وَالشَّيْخ العُبَيْكَان والشيخ عبد العزيز آل الشيخ والشيخ
صالح آل الشيخ لِلْجَمْعِيَّة.
ثم كرَّ على هذه
المؤيدات بالنقض واحدة تلو الأخرى.
فرفض التقريظ لكتاب
(حكم العمل الجماعي) مع طلب صاحبه لذلك منه!.
وأنكر مسالكهم
التنظيمية التي أقرها الشيخ العثيمين كما نقل عنه!.
ثم لما رأى أنَّ
الشيخين (العثيمين والفوزان) لا يُمكن أن يقرا ما ظنه فيهما (!) قال: ((نعم؛ قد
يكون تجويز الشيخين الفاضلين لهذا الأمر من باب الترتيب والنظام الإداري، لا من
باب الإمارة الحزبية أو البيعة غير الشرعية والإلزام بما لا يلزم))
قلتُ: وهذا هو مراد
الشيخين حتماً من غير (قد)!، والحزبيون لهم أساليب ماكرة في طرح الأسئلة وتحصيل
مرادهم منها!.
وأما زيارة الجمعية
فقد رفض ذلك الحلبي كما صرح في كتابه مع دعوة الجمعية له المتكررة!.
وأما التزكية للجمعية؛
فعلى فرض ثبوت تزكيات أهل العلم لها -ولم ينقلها الحلبي في كتابه مع حاجته الماسة
لها!- فقد صرح في كتابه أنه لم يصدر عنه تزكية مطلقة لهم!؛ وأنه ينتقدها عدة
انتقادات من غير تبديع ولا تضليل!.
فبعد هذا أقول:
فأين المؤيدات وقد
كرَّ عليها الحلبي نفسه بالنقد أو النقض؟!!
وأين قول الحلبي في
موقفه من الجمعية حين قال: ((وَلَسْتُ فِي هَذا المَوْقِفِ بِدْعاً مِنَ
النَّاسِ))؟!
مَنْ سبقك في حكمك هذا؟!
ثم على فرض أنَّ جمعية
إحياء التراث لا تسلك مسلك القطبيين ولا التكفيريين ولا الحزبيين؛ ألا يكفي ما
أحدثت من فرقة وفتنة بين السلفيين في كثير من البلاد كما صرَّح بذلك الحلبي؟!
والشيخ
ابن باز رحمه الله تعالى في فتواه في الجمعيات يقول: ((والجمعيات إذا كثرت في أي بلد
إسلامي من أجل الخير والمساعدات والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف
أهواء أصحابها فهي خير وبركة وفوائدها عظيمة، أما إنْ كانت كل واحدة تضلل الأخرى وتنقد
أعمالها؛ فإنَّ الضرر بها حينئذ عظيم والعواقب وخيمة.
فالواجب
على علماء المسلمين توضيح الحقيقة، ومناقشة كل جماعة أو جمعية، ونصح الجميع بأن يسيروا
في الخط الذي رسمه الله لعباده ودعا إليه نبينا محمد.
ومَنْ
تجاوز هذا واستمر في عناده لمصالح شخصية أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله، فإنَّ الواجب
التشهير به والتحذير منه ممن عرف الحقيقة؛ حتى يتجنب الناس طريقهم؛ وحتى لا يدخل معهم
مَنْ لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه
في قوله جل وعلا: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ".
ومما
لا شك فيه أنَّ كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولاً،
وأعداء الإسلام من الإنس ثانياً؛ لأنَّ اتفاق كلمة المسلمين ووحدتهم وإدراكهم الخطر
الذي يهددهم ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك والعمل في صف واحد من أجل مصلحة
المسلمين ودرء الخطر عن دينهم وبلادهم وإخوانهم، وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس
والجن، فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم وبذر أسباب العداوة بينهم))
وسُئل
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في لقاء الباب المفتوح: فضيلة الشيخ؛ ما هو موقف
المسلم من الجماعات الإسلامية ومناهجها والدعوات الواردة والداخلة في هذه البلاد حفظكم
الله؟
فأجاب
بقوله: ((أنت تعلم -بارك الله فيك- أنَّ هذا القرآن نزل لهذه الأمة إلى يوم القيامة،
وأنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، وأنَّ هذا القرآن حذَّر الله فيه من التفرق، فقال
تعالى: "وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا
جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ"، وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ"،
وقال تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا"،
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالجماعات
التي تؤدي إلى تفرق الكلمة واختلاف القلوب جماعات باطلة!، وأما الجماعات التي لا تؤدي
إلى ذلك كاختلاف المسلمين في المذاهب فهذا مذهبه حنبلي وهذا شافعي وهذا مالكي وهذا
حنفي فإنها لا تضر ما دامت القلوب لم تختلف. لكن مع الأسف الشديد؛ أنا وجدنا اليوم
أنَّ هناك جماعات اختلفت قلوبها، وصار بعضها يضلل بعضاً، بل ربما يكفر بعضها بعضاً،
وتجد الإنسان يحب أن يرى عدواً حقيقة له من الكفار والمنافقين ولا يرى هذا المسلم الذي
خالفه في المنهج، وهذه بلوى، وهي -والله- وصمة عظيمة على مستقبل اليقظة الإسلامية؛
أن يكون هؤلاء المؤمنون يضرب بعضهم بعضاً، ويقدح بعضهم ببعض، وكأنهم يقولون لأهل الكفر
والنفاق والإلحاد: اطمئنوا فإننا سنكفيكم، سنتمزق فيما بيننا، وسيضلل بعضنا بعضاً،
ويبدع بعضنا بعضاً، وهذه مشكلة.
والواجب
على الجماعات الإسلامية كجماعة التبليغ، وجمعية الإصلاح ، و"جمعية التراث"
، والإخوان المسلمين وغيرهم أن يكونوا أمة واحدة، وأن يجلس رؤساؤهم بعضهم إلى بعض ويبحثوا
في نقط الخلاف بينهم ثم يصححوا هذا الخلاف ما دام الهدف واحداً؛ إنْ كانوا صادقين!،
وهو القيام بشريعة الله وإعزاز دين الله، فليكونوا على مائدة واحدة، أما أن يتكلم بعضهم
في بعض من وراء الجدر، وتتمزق الكلمة وتتفرق الأمة، فهذا غلط.
ونأسف
أنَّ بعض الناس يستغل الشباب الصغار ليحزبهم، ثم يقول: احذروا من الجماعة الفلانية،
احذروا من الشخص الفلاني، احذروا من كذا، سبحان الله؛ أنت تريد أن تبني أمة متفرقة
متمزقة فيما بعد؟!!
فأنا
أُحذِّر جداً من هذه الجماعات التي يضلل بعضها بعضاً، وأرى أنَّ الواجب أن نكون أمة
واحدة على هدف واحد، وألا تختلف القلوب مهما اختلفت الآراء والأقوال))
قلتُ: فالجمعيات التي
تفرق كلمة السلفيين وتمزق وحدتهم وتحزِّب الشباب وتجرِّح بالعلماء يجب التحذير
منها حتماً؛ لا أن نهوِّن من مخالفاتها ونزيِّن وجهها القبيح بمجمل من القول،
فضلاً أن نخاصم إخواننا من أجلها أو نجادل عنها!!.
ثم
قال المجيبون:
((المحور الرابع:
وأما
التعاون
والتعامل مع هذه الجمعيات؛ فالأصل أنه من باب التعاون على البر والتقوى،
ولكن
لا يقال بجوازه ولا بمنعه مطلقاً –أيضاً-، على اختلاف صوره.
بل لا بد من
اعتبار
النظر إلى جملة من الأمور قبل الحكم عليه؛ إذا لا بد أن ينظر فيه إلى حال
الجمعية،
وإلى نوع المخالفة الواقعة فيها وحجمها –لو وجدت-، وإلى الدوافع
والعواقب
والمآلات، وإلى نوع التعامل والتعاون ومقداره وحجمه ومصلحته ومفسدته؛ ثم
يعطى
لكل صورة ما يناسبها من حكم)).
قلتُ: وهذا كلام مجمل كذلك، مع أنَّ
الموطن يحتاج إلى التفصيل!، وإلا فمآله إلى أهواء المختلفين وأغراضهم الشخصية.
ونحن ننقل فتوى الشيخ عبيد الجابري حفظه
الله تعالى في حكم الدراسة في دورات تتبناها بعض الجمعيات؛ ثم ليتأمل القارئ بين
كلام أهل العلم المفصَّل، وبين كلام القائمين على المركز المجمل:
قال السائل: مجموعة من الإخوة
يسألون عن مسألة قد تنازعوا فيها وقد قبلوا بك حكماً.
قال الشيخ: الله
المستعان.
قال السائل: الله
المستعان؛ يقولون: لو أنَّ رجلاً سلفياً سمع كلام الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه
الله في المنع من حضور دورة علمية قامت عليها جمعية حزبية!، وهذه الدورة درس فيها
مشايخ: سلفيون، وحزبيون، وحضرها ذلك الرجل بعد سماع قول الشيخ ربيع حفظه الله بأنَّ
هذه حزبية، فحضرها لعذر ما. وهذا الرجل حضر لأنَّ مشايخ سلفيين من أمثال الشيخ علي
الحلبي حفظه الله قد نصحوه بالحضور – على أننا لا نعرف أنَّ الشيخ علي الحلبي كان
يعرف أنَّ هذه الجمعية حزبية أم لا؟! لا ندري بهذا كله-. فقالوا: هل يجوز له حضورها
من أجل الاستفادة مما فيها من دروس أم لا؟ وهل يعتبر حضوره فيها قد خالف أصلاً
سلفياً؛ لأنه لم يأخذ بقول الشيخ ربيع حفظه الله أنَّ هذه حزبية، أم أنَّ هذا هو
محض اجتهاد بين الشيخ علي والشيخ ربيع حفظهما الله؛ أفتونا جزاكم الله خيراً؟.
فأجاب الشيخ عبيد حفظه
الله تعالى:
((الحمد لله وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ إذا ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ
الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" زال اللبس والإشكال، وبقى أصل وهو:
أنَّ هؤلاء المتحزِّبة
الذين ندين الله فيهم أنهم مبتدعة ضلال!، إذا كانوا يُدرِّسون العلوم الشرعية
خالصة محضة ولا يخلطونها بشيء من فكرهم!، وكانت هذه الدروس في المساجد!؛ فإني لا
أرى مانعاً من حضورها لمن عندهم تمييز!، ويستطيع أن يميز بين الغث والسمين والحق
والباطل والسنة والبدعة.
فإذا كانت هذه الدورة
العلمية التي أقيمت في بعض المساجد سواء عندكم أو عندنا أو في أي مكان تضم مشايخ
سلفيين وغيرهم؛ فإنا ندعو الحاضرين تلك الدورة أن يكثروا سواد إخوانهم المشايخ السلفيين!،
وأن يدعوا دروس الحزبيين!؛ إلا ما اضطروا إليه.
وأذكر هاهنا قاعدة عند
أهل العلم قديمة جداً، وهذه القاعدة هي في الحقيقة نظر في رواية المبتدع الذي بدعته
مفسقة كالتمشعر، فهل نقبل روايته أو لا؟
قال قوم: بقبول روايته
مطلقاً.
وقال قوم: لا تقبل
رواية هؤلاء.
وفصَّل قوم: فمنعوا
قبول رواية الداعي منهم إلى بدعته، وأجازوا قبول روايته أو رواياته التي لا يدعو
فيها [قطع في التسجيل].
فالبدعة المفسقة إذا
كان داعية إلى بدعته؛ فهل تقبل روايته أو لا؟ قال قوم على قاعدتهم لا تقبل روايته
مطلقاً، وفصَّل قوم فقالوا يقبل من روايته ما لا يقوي بدعته.
وشاهد هذا؛ فإنَّ من
كانت عنده خبره ومعرفة بالصحيحين وغيرهما يجد الكثير من المبتدعة الدعاة قَبِلَ
الشيخان وغيرهما من روايتهم أو من رواياتهم ما لا تقوى به بدعتهم.
وعلى هذا؛ فإنا نقول:
إذا كان الحزبي داعية حزبية -التي هي ثورة فكرية على السنة وأهلها- إذا كان يقرر
في مساجد المسلمين العلم الشرعي المشروع ولا يخلطه بفكره ومنهجه أو منهج جماعته؛
فإنا نقبل ذلك منه، ولا نمنع من حضوره!.
نعم؛ لا شك أنَّ عدم
الحضور أولى، لكن في كثير من البلدان أهلها فقراء من العلم!، وهم بحاجة إلى من
يعلمهم فاتحة الكتاب فضلاً عن العلوم الشرعية المختلفة والتي أساسها توحيد الله عز
وجل، وإخلاص الدين له.
وكذلك ننبه: بأن لا
يفهم من عبارتنا الإطلاق إذا كانت هذه الدورات العلمية في معاقل القوم التي هي
مغلقة إلا عليهم أو لا يحضرها إلا من يريدون أو أنهم لا يفتحونها إلا إذا لم يأتهم
مشايخ سلفيون، وإذا خلوا بأشياخهم أغلقوها عن غيرهم!!؛ ففي هذه الحال: أنصح بعدم
حضور تلك الدورات العلمية، وإنْ كان يدرس فيها القرآن، وإنْ كان يدرس فيها
التوحيد، وإنْ كان يدرس فيها فقه المذهب؛ لما في ذلكم من تكثير سواد القوم وتغرير
الجهلة بهم بحيث يظنون أنهم من دعاة السنة!.
وهاهنا مسألة تتفرع عن
هذه المسألة؛ وهي إذا حضر شيخ سلفي لدى جمعية منحرفة كجمعية إحياء التراث الكويتية
(!) أو جماعة دار الحديث في بريطانيا ببرمنكهام خاصة فهل يحضر السلفيون دروس هذا
الشيخ السلفي؟!
فالجواب: إذا كانت هذه
الدروس التي يعطيها أخونا السلفي في المساجد العامة التي يغشاها القوم وغيرهم من
المسلمين فلا مانع من حضور دروسه، بل أنصح أن يلتقي السلفيون بأخيهم السلفي [قطع
في التسجيل] ويحاولون الخلوة به ويبينوا له حال القوم.
وإنْ كانت تلك الدروس التي
يقيمها هذا السلفي في معاقل القوم الخاصة بهم -كما أسلفنا- فإني أوصي بعدم حضور
دروسه وإنْ كان محدثكم عبيد الجابري!. وبالله التوفيق؛ وصلى الله وسلم على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين)) [هذه المحادثة منقولة من رسالة "البيان الواضح البديع لما جاء في نصيحة العلامة الربيع"].
قلتُ: نستخلص من كلام
الشيخ الجابري، أنَّ الدراسة في دورة على أيدي المشايخ المرتبطة دروسهم بإحدى
الجمعيات الحزبية –سواء كان المشايخ من السلفيين أو من الحزبيين- لها ضوابط؛ هي:
الأول: أن يأخذ
الطالب الدروس من السلفيين حصراً، ويعرض عن دروس الحزبيين إلا إذا اضطر للدراسة
عندهم؛ وذلك عند عدم وجود أهل العلم السلفيين الذين يدرسون العلوم الشرعية المراد
دراستها، فيضطر الطالب حينها أن يأخذ هذه العلوم على أيدي غير السلفيين.
الثاني: أن لا
يخلط المدرسون –الحزبيون- شيئاً من أفكارهم المنحرفة بتلك العلوم التي يدرسونها.
الثالث: أن يكون
الطالب عنده تمييز بين الحق وأهله وبين الباطل وأهله.
الرابع: أن تكون
دورة علمية؛ فإنَّ كثيراً ما تكون الدورات التي تقيمها الجمعيات قليلة النفع
والعلم، حتى أنَّ كثيراً من الطلاب الذين التحقوا إلى تلك الدورات لم يحصلوا على
ما كانوا ينشدونه من العلم، وإنما هي بعض المعلومات التي يستطيع كل أحد أن يجدها
بمجرد مطالعة أولية في كتب تلك العلوم.
الخامس: أن لا
تكون هذه الدورة في معاقل الحزبيين الخاصة بهم المغلقة عليهم؛ لأنَّ في ذلك
تكثيراً لسوادهم وتغريراً لعوام المسلمين، بل تكون في المساجد العامة التي يغشاها
عموم المسلمين.
السادس: أن ينصح
الطلاب مدرسهم السلفي عند الخلوة به ويبينوا له حال القوم؛ ليخرج من أيديهم، وتكون
دروسه غير مرتبطة بجمعية حزبية.
وأقول: هذه الضوابط
التي ذكرها الشيخ الجابري حفظه الله تعالى؛ أين التصريح بها أو ببعضها على الأقل
في فتوى القائمين على مركز الإمام الألباني؟!
وأقول لمن يريد
الدراسة في دورة علمية مرتبطة بإحدى الجمعيات؛ عليك أن تراعي هذه الضوابط، فإنْ
تحققت فلا مؤاخذة عليك إن شاء الله تعالى، وإنْ لم تتحقق فأنت مؤاخذ، وبهذا نعرف
خطأ من أجاز الدراسة مطلقاً مع الجمعيات، وكذا خطأ مَنْ بدَّع أو ضلل كلَّ مَنْ
يحضر إلى تلك الدورات دراسة أو تدريساً دون النظر إلى الضوابط التي ذكرها الشيخ
عبيد الجابري.
كمثل أحد طلبة العلم المعروفين
في العراق الذي قال في مقاله الذي حذَّر فيه من الجمعيات ومنع الدراسة فيها
مطلقاً؛ حيث قال: ((ولا
يصح قياس الدراسة عند المبتدعة على رواية سلفنا الحديث عنهم؛ لأنه يترتب على ترك الرواية
عنهم ضياعٌ لكثير من الآثار التي ينفردون بروايتها، فأجيزت رواياتهم درءاً لهذه المفسدة، أما ترك تلقي العلم عن
المبتدعة اليوم فلا يترتب عليه ضياع شيء من الدين؛ بل يترتب عليه خير كثير، ولو تُلقى
كتب أهل البدع كلها في اليمِّ لحصل خير عظيم، وعليه فلا يلتفت إلى قول مَنْ جوّز
الدراسة عند هذه الجمعيات
الحزبية البدعية من المنتفعين من هذه الجمعيات!!؛ لأنه مخطئ ومخالفٌ لهدي السلف في هجر المبتدعة وعدم مجالستهم وعدم
سماع كلامهم)).
وقال: ((فمن ذهب إلى هذه الجمعيات السياسية
الحزبية ودرس عندها؛ فإنه يُنصح ويحذَّر
فإن قَبِل فقد نجى، وإنْ أبى فيلحق بهم)).
وقال: ((ولا تغتر بكلام مَنْ أثنى على الجمعيات؛
فإنهم إما قصدوا الجمعيات الخيرية، وإما أنهم لم يعرفوا حقيقة تلك الجمعيات وما فيها من
الحزبيات!، والحكم على الشيء فرع عن تصوّره،
وقد أفتى بمنع الدراسة عندها وعدم التعامل معها مَنْ عرف حقيقتها من العلماء كالشيخ مقبل والشيخ النجمي والشيخ ربيع
وغيرهم، ومَنْ علـم حجة على مَنْ لم يعلـم، والكلام المفسر من الجارح العالم البصير
مقدم على كلام المعدل الذي لم يحط بها علماً وبنى تعديله على ما ظهر له وعلى
إحسان الظن بها)).
قلتُ: وكلام الشيخ
عبيد الجابري لا يختلف عن كلام المشايخ الذين أشار إليهم صاحب المقال، وإنما كلام الجابري
في حال الاضطرار!، مع الضوابط الأخرى؛ فتنبَّه.
أما إذا لم يضطر
الطالب للدراسة في مثل تلك الدورات وذلك عند وجود المشايخ السلفيين الذين يستغني
بهم عن غيرهم، أو لم يراع الضوابط المشار إليها آنفاً، فحينها يُمنع من الدراسة في
تلك الدورات ويُحذَّر منها، وهنا يتنزَّل كلام المشايخ المانعين للدراسة في
الدورات المرتبطة بالجمعيات؛ والله أعلم.
أقول:
ولا بد أن نعلم أنَّ كافة
الجمعيات الدعوية المعاصرة لا تخلو من مخالفات منهجية، وأنَّ أغلب مَنْ دخل فيها
من السلفيين تأثر بها؛ فصار منحرفاً لا يخفى إلا على جاهل أو مجادل، والباقون منهم
يخشى عليهم الانحراف في عاقبة الأمر؛ فالواجب الحذر من الجمعيات بالعموم والتحذير
من مخاطرها وآثارها؛ وأن نعلم أنَّ الجمعيات اليوم صارت أستاراً للأحزاب، واختلاف
الأسماء لا يغير من اتفاق الحقائق.
وأخيراً: ختم المجيبون
فتواهم هذه بقولهم:
((المحور الخامس: يُنصَحُ الأخوة المختلفون
-بخصوص الجمعيات في العراق-: أن لا يجعلوا خلافهم بشأنها من أسباب الفتنة بينهم،
لا سيّما وأنَّ الخلاف –بالاتفاق- لا يبنى على واقع عملي موجود، فضلاً عن أن يكون
مبنياً على تصور واضح للواقع المختلف بشأنه، ناهيك عن ضعف
التأصيل
الشرعي المتعلق بأحكام الجمعيات؛ بما أفضى إلى إعطاء الخلاف أكبر من حجمه
الذي
يستحق، وهو –عند التحقيق- دون ذلك؛ وينبغي: التماس الأعذار، وتحجيم الخلاف؛
فالقضية فيها نظر، ولكل من المختلفين وجهة ورأي قال به طائفة من أهل العلم، فلا بد
من الكف عن إصدار أحكام التبديع، والاتهام بالباطل، فالكل أخوة وأحبة -وإنْ خطَّأ
بعضهم
بعضاً؛ وخالف بعضهم رأي البعض الآخر-، إذ هذا هو الأصل؛ وصلى الله على
نبينا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً))
قلتُ: قولهم ((وينبغي
التماس الأعذار، وتحجيم الخلاف؛ فالقضية فيها نظر، ولكل من المختلفين وجهة ورأي
قال به طائفة من أهل العلم))، كلام سائر على مسلك: ((ويعذر بعضنا بعضاً
فيما اختلفنا فيه))، أو قل: على وجهه الآخر ((لا نجعل اختلافنا في غيرنا سبباً
للاختلاف فيما بيننا)).
وكان ينبغي على المجيبين أن يفصِّلوا
القول فيها بالعلم الشرعي، لا أن يتركوا السائلين على ما كانوا عليه قبل الفتوى!؛
لأنَّ الخلاف ليس بحجة على معارضة الدليل الواضح، وكذا قول بعض أهل العلم –إن وجد-
ليس بحجة، وإنما الحجة النص والإجماع ودليل ثابت مستنبط من النص.
وقال عماد طارق في آخر مقاله:
((قرأها،
وعدَّل عليها، ثم أقرها: الشيخ مشـهور بـن حسن آل سلمان، الشيخ علي بن حسن بن عبد
الحميد
الحلبي، الشيخ محـمـد بـن مـوسى آل نصر، الشيخ فتحي بن عبد الله
سلطان
الموصلي))
قلتُ: نسأل الله تعالى لنا
ولك ولهم السداد في الأقوال والأعمال والأحكام، وأن يرزقنا الإخلاص وحسن الختام.
أبو معاذ رائد آل طاهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.