الأربعاء، 23 يناير 2013

الترهيب والتحذير من فكر دعوتي التقريب والتكفير


الحمد لله الذي يهدي مَنْ يشاء بفضله ومنَّته، ويُفقّه مَنْ يريد به الخير برحمته وحكمته، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله ربُّه بالهدى ودين الحق ليُخرج الجاهل من ظلمته والضال من حيرته، وعلى صحبه وتابعيهم بإحسان السائرين على طريقته والعاملين بسنته؛ أما بعد:
فإنَّ أمَّـة الإسلام أمة وسط بين أهل الغلو والتشديد وبين أهل الجفاء والتمييع؛ قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً))، والوسط هو العدل الذي لا ميل فيه، وهو القصد الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، فعن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة)) رواه الترمذي وغيره، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:  ((الاقتصاد في السنَّة أحسن من الاجتهاد في البدعة)) رواه الحاكم، وقال الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى: ((السنة -والذي لا إله إلا هو- بين الغالي والجافي؛ فاصبروا عليها -رحمكم الله- فإنَّ أهل السنة كانوا أقلَّ الناس فيما مضى وهم أقلُّ الناس فيما بقي؛ الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم؛ فكذلك -إنْ شاء الله- فكونوا))
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع 3/ 381]: ((دين الله وسط بن الغالي فيه والجافي عنه، والله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر: إما إفراط فيه، وإما تفريط فيه. وإذا كان الإسلام الذي هو دين الله لا يقبل من أحد سواه قد اعترض الشيطان كثيراً ممن ينتسب إليه حتى أخرجه عن كثير من شرائعه؛ بل أخرج طوائف من أعبد هذه الأمة وأورعها عنه حتى مرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية... فإذا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين قد انتسب إلى الإسلام مَنْ مرق منه مع عبادته العظيمة حتى أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقتالهم؛ فليعلم أنَّ المنتسب إلى الإسلام أو السنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام والسنة حتى يدَّعي السنَّة مَنْ ليس من أهلها؛ بل قد مرق منها، وذلك بأسباب: منها الغلو الذي ذمَّـه الله تعالى في كتابه... ومنها التفرق والاختلاف الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز...، وأضلُّ الضلال إتباع الظنِّ والهوى))
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى [إغاثة اللهفان 1/ 182]: ((فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخير الناس النمط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين ولم يلحقوا بغلو المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطاً، وهي الخيار العدل لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو الوسط بين طرفي الجور والتفريط، والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف، والأوساط محمية بأطرافها فخيار الأمور أوساطها)).
بعد ذلك نقول:
مرَّ هذا البلد الجريح قبل فترة ليست بالبعيدة –بل لازال أثرها فينا- ببلاء عظيم وفتنة كبيرة؛ ذلك حين تسلَّطت جماعات التكفير والتفجير على رؤوس الخلق وظهرت في أوساط المسلمين بفتاوى التكفير والتقتيل التي لا تفرِّق بين كافر ومسلم وبين كبير وصغير وبين ذكر وأنثى؛ حتى سفكت الدماء البريئة وانتهكت الأعراض المحفوظة وسلبت الأموال المعصومة وهجِّرت عوائل من ديارهم بغير حق وانقطعت السبل ودبَّ الخوف والقلق في البيوت، عاش الناس حينها أياماً عصائب تفرق فيها الصف وتمزقت فيها الكلمة وضعفت فيها القوى فسيطر الغرباء وتسلَّط الغوغاء حتى أذلُّوا وقهروا العباد وخرَّبوا ونهبوا البلاد وعمَّ الظلم والعدوان والفساد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ولكنَّ الظلم ليس له بقاء، ومهما طالت ظلمة الليل واشتدت لابدَّ أن تشرق شمس النهار فتبدد تلك الظلمة، وبخاصة أنَّ المظلوم له دعوة ليس بينها وبين ربه حجاب، وأحسن مَنْ قال:
لا تظلِمنَّ إذا ما كنتَ مقتدراً ...فالظلمُ يَرجِعُ عقباه إلى النَّـدمِ
تنام عينـاك والمظلومُ منتبـهٌ...يدعو عليك وعينُ الله لم تَنَـمِ
اشتكى الناسُ من ظلم الغلاة المعتدين إلى ربهم، فاستجاب الله تعالى دعاءهم ففرَّج الكربة وأزاح الغمَّة وخلَّص الناس من شر المفسدين، وأبدل الحال من خوف إلى أمن ومن ضنك وضيق إلى سعة وانشراح، واستقرَّ الأمر تدريجياً وانحسر الشر وأهله، والحمد لله أولاً وآخراً.
لكن يظهر أنَّ التوسط والاعتدال في الأمر سبيل ليس بالهيِّن على النفوس وبخاصة مع نزغ الشيطان، ولهذا نرى أنَّ سالكين ذلك السبيل قليل والمعرضين عنه كثير؛ قال تعالى: ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)) وقال حاكياً عن جرأة الشيطان: ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)).
فإذا بأُناس يظهرون في هذا الأمن يدعون إلى التقريب بين الفرق والأحزاب على حساب الثوابت والأصول الثابتة بالنصِّ والإجماع؛ فانتقلت الفتنة من الغلو والتكفير إلى التمييع والتقريب؛ وكلاهما طرفان مذمومان.
والأعجب في هذه الأيام أن يظهر كثيرٌ من أولئك التكفيريين الغلاة بوجه التقريب بين الأحزاب وحوار الفرق والأديان؛ والله تعالى يقول: ((مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ))، ومع هذا فقد يكون للرجل لسانان أو وجهان قال صلى الله عليه وسلم: ((مِن شرِّ الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه))، وقال: ((مَنْ كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار)) والمصالح من وراء ذلك.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى [الروح ص257]: ((وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: فأما إلى غلو ومجاوزة، وإما إلى تفريط وتقصير. وهما آفتان لا يخلص منهما في الاعتقاد والقصد والعمل إلا مَنْ مشى خلق رسول الله وترك أقوال الناس وآراءهم لما جاء به؛ لا من ترك ما جاء به لأقوالهم وآرائهم. وهذان المرضان الخطران قد استوليا على أكثر بني آدم؛ ولهذا حذر السلف منهما أشد التحذير وخوفوا من بُليَ بأحدهما بالهلاك. وقد يجتمعان في الشخص الواحد كما هو حال أكثر الخلق؛ يكون مقصِّراً مفرِّطاً في بعض دينه، غالياً متجاوزاً في بعضه، والمهديُّ من هداه الله)).
لكن لا غرابة في ذلك ولا عجب إذا عرفنا أنَّ هؤلاء سائرون على نهج سيد قطب حذو القذة بالقذة؛ ففي الوقت الذي نرى فيه سيد قطب داعية إلى التكفير والتفجير كما قال [في ظلال القرآن2/ 1057].: ((لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بـلا إله إلا الله؛ فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظلَّ فريق منها يردد على المآذن: لا إله إلا الله؛ دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم)) إلى أن قال: ((البشرية بجملتها!!، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله؛ بلا مدلول ولا واقع... وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة؛ لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد – من بعد ما تبين لهم الهدى – ومن بعد أن كانوا في دين الله))، ونصح أتباعه على هذا الفكر فقال: ((ثم أن يتجمَّع هؤلاء الذين يشهدون أن لا إله إلا الله على هذا النحو وبهذا المدلول في تجمع حركي بقيادة مسلمة، وينسلخوا من التجمع الجاهلي وقيادته الجاهلية" [الظلال3/ 1492]، ودعا حزبه إلى العمل في إطار ذلك الفكر فقال: ((إلا أنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم: بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نُظُم الحكم في بلادهم التي يسكنونها!!)) [الظلال 3/ 1451]. وقال في مقالات [لماذا أعدموني ص55]: ((...وهذه الأعمال هي الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم، بإزالة رؤوس في مقدمتها: رئيس الجمهورية، ورئيس الوزارة، ومدير مكتب المشير، ومدير المخابرات، ومدير البوليس، ونسف لبعض المنشآت التي تشل حركة مواصلات القاهرة!!، لضمان عدم تتبع بقية الأخوان فيها وفي خارجها؛ كمحطة الكهرباء والكباري!!، وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري كما يجيء)) وهناك نصوص كثيرة في كتب سيد قطب تدعو إلى التكفير الجماعي وإلى التفجير والقتل حتى شهد شاهدٌ من أكبر المنتمين إلى حزبه بذلك وهو يوسف القرضاوي في كتابه [أولويات الحركة الإسلامية ص110] حيث قال في تحليل شخصية سيد: ((في هذه المرحلة ظهرت كتب سيد قطب، التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضح: بتكفير المجتمع!!، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي بفكرة تجديد الفقه وتطويره وإحياء الاجتهاد، وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع!، وقطع العلاقة مع الآخرين!، وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة!!، والإزراء بدعاة التسامح والمرونة!، ورميهم بالسذاجة والهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية!، ويتجلَّى ذلك أوضح ما يكون في تفسير [في ظلال القرآن] في طبعته الثانية!!، وفي [معالم في الطريق]!!؛ ومعظمه مقتبس من الظلال، وفي [الإسلام ومشكلات الحضارة] وغيرها)).
في ذلك الوقت؛ نرى سيد قطب في جانب آخر من شخصيته يدعو إلى حرية الفكر والتدين بل ويدعو إلى التوادد والانسجام مع الكفار ويفرض على أهل الإسلام حماية عقائدهم؛ فيقول في كتابه [نحو مجتمع إسلامي ص119 – 120]: ((والإسلام لا يكفل لأهل الذمة دماءهم فقط كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قتل معاهداً؛ لم يرح رائحة الجنة"، ولا أموالهم وحرياتهم فقط: "مَنْ ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه"، ثم يدعهم في عزلة اجتماعية، مكتفياً بحماية أرواحهم وأموالهم وحرياتهم!!… كلا.
إنما هو يفسح في رحابه وبين أهله أن يعيشوا مواطنين محترمين!!، تربط بينهم وبين المسلمين صلات المودة والتبادل الاجتماعي والمجاملات العامة!!، فلا يعزلهم في أحياء خاصة، ولا يكلِّفهم أعمالاً خاصة، ولا يمنعهم الاختلاط بالمسلمين، على نحو ما يمنع البيض والسود في أمريكا والملونون في جنوب إفريقيا.
إنَّ الذميين في الإسلام يودُّون ويوادُّون!!، ويعيشون في جو اجتماعي طلق، يدعون إلى ولائم المسلمين، ويدعون المسلمين إلى ولائمهم، ويتم بينهم ذلك التواد الاجتماعي اللطيف!!)).
وقال في كتابه [دراسات إسلامية ص13]: ((وكانت ثورةٌ على طاغوت التعصب الديني وذلك منذ إعلان حرية الاعتقاد في صورتها الكبرى!! قال تعالى: "لا إكراه في الدِّين قد تبين الرشدُ من الغيّ"، وقال تعالى: "ولو شاء ربُّك لآمن مَن في الأرضِ كلهم جميعاً أفأنت تُكرهُ الناس حتى يكونوا مُؤمنين". لقد تحطم طاغوت التعصب الديني لتحل محله السماحة المطلقة، بل لتصبح حماية حرية العقيدة وحرية العبادة واجباً مفروضاً على المسلم لأصحاب الديانات الأخرى في الوطن الإسلامي!!)).
فإذا كان هذا هو حال سيد قطب وهو مجددهم ومرشدهم ومفكرهم الأول فلا غرابة أن يظهر التناقض والتلون في فكر أتباعه بين الحين والآخر؟! فنراهم تارة يحملون فكر التكفير والتفجير والقتل باسم الكفر بالطاغوت وإعلان الجهاد، وتارة يحملون فكر التقريب والحوار بين الأحزاب والفرق ووحدة الأديان باسم حرية الفكر وسماحة الإسلام، وكلا الفكرَين بعيد عن وسطية الإسلام، وقد عانت أمة الإسلام عبر عصور وأجيال ألواناً من المحن والفتن من أثر تلك الدعوتين.
وإذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة بالأمس وسطاً بين الخوارج والمرجئة، فاليوم هي وسط بين التكفير والتقريب؛ فليس أهل السنة يدعون إلى التكفير فضلاً عن التقتيل والتفجير؛ بل أحكام التكفير من خصائص الراسخين في العلم وللتكفير ضوابط وشروط وموانع لا يفقهها كثير من أهل التكفير، يقول الشيخ صالح الفوزان عضو اللجنة الدائمة وهيئة كبار العلماء في بلاد الحرمين [مراجعات في الفقه السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة ص58]: ((الحكم بالردة والخروج من الدين من صلاحيات أهل العلم الراسخين في العلم!!؛ وهم القضاة في المحاكم الشرعية والمفتون المعتبرون، وهي كغيرها من القضايا، وليس من حق كل أحد أو من حق أنصاف المتعلمين أو المنتسبين إلى العلم الذين ينقصهم الفقه في الدين؛ ليس من صلاحياتهم أن يحكموا بالردة!!؛ لأنَّ هذا يلزم منه الفساد!!، وقد يحكمون على المسلم بالردة وهو ليس كذلك، وتكفير المسلم الذي لم يرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام فيه خطورة عظيمة، ومَنْ قال لأخيه يا كافر أو فاسق وهو ليس كذلك؛ فإنَّ هذا الكلام يعود على قائله، فالذين يحكمون بالردة: هم القضاة الشرعيون والمفتون المعتبرون، والذين يُنفِّذون هذا الحكم: هم ولاة أمر المسلمين، وما عدا هذا فهو فوضى!!)).
وليس أهل السنة –كذلك- يدعون إلى التقريب بين الطوائف والفرق والأحزاب التي تختلف فيما بينها في أساسيات الدين وأصول الإسلام التي لا يقوم إلا بها فضلاً عن حوار الحضارات ووحدة الأديان التي يدندن حولها اليوم دعاة السياسة والحكم؛ بل الناس اختلفوا إلى أديان، وأهل الإسلام تفرَّقوا إلى فرق وأحزاب، والحق واحد لا يتعدد، ودين الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل ديناً سواه، والفرقة الناجية والطائفة المنصورة واحدة -وهي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام- وما سواها فهالكة مخذولة، ولا تجتمع الأمة على ضلالة ولو سعى لذلك دعاة التقريب والوحدة والحوار بما أُتوا من جهد.
فهذه يا أهل الإسلام صرخة ترهيب من خطر الانسياق وراء دعاة التقريب، وهذه صيحة تحذير من خطر احتضان دعاة التكفير، فاحذروا –يا رعاكم الله- من الدعوتين، وألزموا دعوة العدل والاقتصاد التي سار على نهجها سلف الأمة الصالح، فلا غلو وتشديد ولا تقريب وتمييع، ((بل نسلك مسلك العدل والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، والوادي بين الجبلين والهدى بين الضلالتين. وقد جعل الله هذه الأمة هي الأمة الوسط في جميع أبواب الدين؛ فإذا انحرف غيرها من الأمم إلى أحد الطرفين كانت هي في الوسط)) [مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/ 242].
وعليكم –يا رعاكم الله- بالدعوة إلى توحيد الله وإصلاح الفرد والبيت والمجتمع بالتي هي أحسن من منطلق قوله تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً))، فكلُّ داعية يبتغي الدار الآخرة ويقتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي عليه أن ينطلق في دعوته في أوساط الناس من بيان التوحيد والتحذير من الشرك لتقوم دعوته على كتاب الله وسنَّة الرسول وبفهم سلف الأمة الصالح وعلمائها العدول.
وبهذا يرفع الله تعالى الذُّل عن المسلمين، وتتحد كلمتهم، وتقوى شوكتهم، وينكسر عدوهم، ويزول عنهم القلق والخوف، ويحل مكانه الأمن والأمان؛ والله تعالى يقول: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)) ونبينا صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: ((سلَّط اللهُ عليهم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)).
ويكون رائد المسلمين تلك الكلمة التي قالها أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه: ((نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله)) كما كان رائد الجيل الأول الذي أعزَّه الله، ويكون منطلقهم في إصلاح الفرد والمجتمع من يقين تلك الكلمة التي قالها الإمام مالك رحمه الله تعالى: ((لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)) والله الهادي إلى سواء السبيل.
وصلَّى الله على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه وتابعيه بإحسان وسلَّم تسليماً كثيراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.