الأربعاء، 23 يناير 2013

مسائل في الأضحية والعشر الأولى من ذي الحجة


1- الأضحية: هي ما يُذبح تقرباً إلى الله عزَّ وجل من بهيمة الأنعام [الإبل، أو البقر، أو الغنم من ضأنها أو معزها؛ (الذكر أو الأنثى)] بعد صلاة عيد الأضحى وإلى قبيل غروب اليوم الأخير من أيام التشريق؛ وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم وإجماع المسلمين؛ قال تعالى: ((وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) الحج/ 36، وينبغي على المسلم أن يُعظِّمَ شعائر الله لأنها دليلٌ على صدق إيمانه وبرهانٌ على تقوى قلبه قال تعالى: ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)) الحج/ 32.  
^ قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ((الإبل أحبُّ إليَّ أن يضحى بها من البقر، والبقر أحبُّ إليَّ من الغنم، والضأن أحبُّ إليَّ من المعز)) ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة - أي: بعير -، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة؛ فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)) متفق عليه، وقال: ((أفضل الرِّقاب أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها)) رواه أحمد وغيره.
 2- حكم الأضحية: اختلف أهلُ العلم في الأضحية هل هي سنة مؤكدة أم واجبة؟ فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها سنة مؤكَّدة؛ وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد في المشهور عنهما، وذهب آخرون إلى أنها واجبة؛ وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد وهو أحد القولين في مذهب مالك.
^ والراجح: أنَّ الأضحية واجبة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كان عنده سَعَةٌ فلم يُضحِ: فلا يقربنَّ مُصلانا)) رواه ابن ماجه وغيره؛ أي: مَنْ كان يملك مالاً يقدر به أن يشتري شاةً أو يشترك في بعير أو بقرة مع غيره فلم يفعل فهو ممنوع من حضور مصلَّى العيد؛ وكأنه فعل منكراً فيُمنع من الاقتراب إلى مجالس الصالحين ويمنع من مصاحبة الأخيار.
^ ووجوبها على كلِّ أهل بيت مسلم في كلِّ عام؛ وليست على كلِّ فرد ولا في عام واحد لقوله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس: إنَّ على كلِّ أهل بيت في كلِّ عام أضحية)) رواه أصحاب السنن الأربعة، فإذا كان أفرادٌ يسكنون في بيت واحد مأكلهم واحد ومشربهم واحد أو كانوا جماعة في رفقة واحدة في سفر أو بلد فيجزئ عنهم أضحية واحدة.
^ فيُجزئ عن كل بيت أن يضحي وليُّ الأمرِ شاةً واحدة من الغنم، ويجوز أن يشترك سبعةٌ عن سبعة بيوت في بقرة واحدة، كما يجوز أن يشترك عشرةٌ عن عشرة بيوت في بعير واحد؛ ولو كان البيتُ يشمل أفراداً كثيرين؛ أخرج الإمام النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر النحر؛ فاشتركنا في البعير عن عشرة، والبقرة عن سبعة))، قال العلامة أبو العلا المباركفوري في [تحفة الأحوذي 5/ 77-78]: ((قلتُ: كما ورد النصُّ أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإبل والبقرة: كذلك ورد النصُّ أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشاة الواحدة؛ إلا أنه قد ثبت الاشتراك في الإبل والبقرة من أهل أبيات شتى، وثبت الاشتراك في الشاة من أهل بيت واحد كما عرفت)).
ولا يُضحي المسلمُ عن ميتٍ بالخصوص لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يفعلوا ذلك؛ إلا إنْ أوصى بوصية من ماله فيجب أن تنفذ وصيته.
^ أما الإكثار من الأضاحي بحيث يضحي عن كل فرد أضحية؛ أو يضحي الأب عن نفسه والأم عن نفسها والأولاد عن أنفسهم فهذا من التباهي المذموم والتفاخر الممنوع؛ وقد ضحى صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، وقد ورد أنَّ الأول قال فيه: بسم الله والله أكبر اللهم تقبَّل هذا عني وعن أهل بيتي، وقال في الثاني: بسم الله والله أكبر اللهم تقبَّل هذا عمَّن لم يُضحِّ من أمتي؛ قال العلامة ابن القيم في [زاد المعاد 2/ 294]: ((وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنَّ الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم كما قال عطاء بن يسار: سألتُ أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إنْ كان الرجلُ يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويُطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما ترى)) وروى الحافظ ابن عبد البر عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: ((ما كنا نعرف إلا ذاك؛ حتى خالطنا أهلُ العراق فضحوا عن كلِّ واحد بشاة!!؛ وكان أهلُ البيت يضحون بالشاة)).
3- شروط الأضحية: يُشترط في الأضحية أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء؛ وهي أربعة:
أ- العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها.
ب- المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجَرَب الظاهر المفسِد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه.
ج- العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها.
د- العجف البين: وهي الهزيلة التي لا مخّ في عظامها.
فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلّم عمّا لا يجوز من الأضاحي؟ فقال: ((أربع لا تجوز في الأضاحي: العرجاء البيِّن ضلعها، والعوراء البيِّن عورها، والمريضة البيِّن مرضها، والعجفاء التي لا تُنقي» قال عبيد بن فيروز قلتُ للبراء بن عازب رضي الله عنه (راوي الحديث): فإني أكره أن يكون نقصٌ في القَرن والأذن؟ - وفي رواية: فإني أكره أن يكون في السنِّ نقصٌ؟ - قال: ((فما كرهتَ منه فدعه، ولا تحرِّمه على أحد)) رواه أحمد وأصحاب السنن.
وسئلَ رجلٌ عليَّاً رضي الله عنه عمَّن ضحى بمكسورة القَرن؟ فقال: ((لا بأس – لا يضرك - أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العينين والأذنين)) رواه أحمد والترمذي، أما إنْ أُزيل القَرن أو الأذن أو الذيل بالكلية فهذا نقص في الأضحية وعيب فينبغي تجنُّبها. والله أعلم  
4- أما عُمُرُ الأضحية: فإذا بلغت الشاةُ السنةَ ثم دخلت في الثانية وهي ما تسمى بـ(الثنية) فتجوز في الأضاحي بالاتفاق، أما دون السنة وهي ما تسمَّى بـ(الجذعة) فقد وقع الخلاف فيها بين أهل العلم؛ والراجح: أنها تجوز فوق الستة أشهر إنْ كانت تُعجب الناظر لكثرة لحمها وحسن أوصافها. فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الجذع تجزئ مما تجزئ منه الثني))، وقال أبو بردة بن دينار رضي الله عنه: يا رسول الله عندي جذعة خير من مسنة؟ قال: ((اذبحها؛ ولنْ تجزئ عن أحد بعدك))، وأما حديث: ((لا تذبحوا إلا مسنَّة إلا أن تتعسَّر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن)) ففيه ضعف.
^ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ((والمسنة: الثنية فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك. فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان. والثني من الغنم ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن)).
5- أما وقت الذبح: فمن بعد صلاة عيد الأضحى ويستمر إلى قبيل غروب شمس اليوم الأخير من أيام التشريق، ومن ذبح قبل صلاة العيد فهي صدقة وليست أضحية وعليه أن يضحِّ غيرها؛ فعن البراء  بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: ((مَنْ ذبح قبل  الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء((، وروى عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: شهدتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: ((مَنْ ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى))
6- ويشرع للمضحي أن يأكل من أضحيته ويدَّخر، ويهدي للمستغني، ويتصدق على الفقير، لقوله تعالى: ((فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ)) وقوله تعالى: ((فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)). فالقانع: السائل المتذلِّل، والمعتَر: المتعرض للعطية بدون سؤال، وقيل: القانع المستغني والمعتر الفقير، وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال في الأضاحي: ((كلوا، وأطْعِموا، وادَّخِروا)) وفي رواية: ((وتصدَّقوا)).
7- وإذا أراد أحدٌ أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة - إما برؤية هلاله أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً -  فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره، أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته؛ وهذا خاص بولي الأمر لا بأهله وأولاده؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة - وفي لفظ: إذا دخلت العشر - وأراد أحدُكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)) رواه أحمد ومسلم، وفي لفظ: ((فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي))، وفي آخر: ((فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً))، ويدخل في الشعر: شعر الرأس واللحية وما تحت الإبطين وما فوق العانة. ويقول عند إرادة الذبح: بسم الله والله أكبر، اللهم تقبَّل هذا عني وعن أهل بيتي، ويجوز أن ينوب عنه غيره إنْ كان عليماً أميناً.
8- ولا يُعطى الجزَّار (القصَّاب) من الأضحية – من لحمها أو جلدها – شيء ولو كان فقيراً؛ فعن علي رضي الله عنه قال: ((أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه – الأضحية-  وأن أقسم لحومها وجلالها وجلودها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئاً)) ثم قال: ((نحن نعطيه)) أي: يُعطى من الأضاحي من غير الذي ذَبح له، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ باع جلدَ أضحيته فلا أضحية له)) فالجلد يتصدَّق به على غير الجزَّار.
9- فضل العشر الأوائل من ذي الحجة: قال صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن أيامٍ العملُ الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام)) - يعني أيام العشر – قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)) متفق عليه. وقال: ((أفضل أيام الدنيا: العشر))، وقد أقسم الله تعالى بها فقال: ((والفجر. وليال عشر))، فقد فسر السلف هذه العشر: أنها عشر ذي الحجة؛ وقال بذلك ابن عباس وابن الزبير وعكرمة ومجاهد وغيرهم، واختاره ابن جرير الطبري وابن كثير في تفسيرهما، وذكرها الله تعالى في قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، وبه قال جماعة من السلف: فرواه مجاهد عن ابن عمر، وسعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الحسن وعطاء وغيرهم.
^ وأما الصوم في هذه الأيام: فعن حفصة زوج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الْعَشْرَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ: الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسينَ) أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد. وأما عرفة: فقد قال صلى الله عليه وسلم فيه: ((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)) رواه مسلم والترمذي واللفظ له.                                                      

(تمَّ جمعها من مجموع كلام بعض أهل العلم)

هناك تعليق واحد:

  1. جزاك الله خيرا شيخنا الحبيب
    على هذا الجمع الطيب وكتب لك الاجر بغير نقصان _نشرت هذا بمجموعتنا الدعويه(التصفيه والتربيه)في الفيس بوك ليشاهده الاخوه وينتفعوا......(وسام ابو حارث)

    ردحذف

أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.