قد اطلعتُ
على مقال [حمل مجمل كلام المتكلم على مفصله وأصوله وطريقته
الشيخ محمد بن عبد الوهاب العقيل] في منتديات كل السلفيين، فوجدتُ أنَّ الكاتب والمعلِّقين
قد خلطوا فيه وخبَّطوا، ولم يستفيدوا مما كتبته أعلاه من أسباب المنع من حمل المجمل
على المفصَّل في كلام البشر، ولا من الفروق آنفة الذكر.
وكاتب الموضوع
لم يميز بين اختصار العالم في موضع وتفصيله في موضع آخر من جهة، وبين المجمل والمفصَّل من جهة أخرى!.
فأقول له:
الاختصار هو
كلام موجز؛ ولكنه حق، نعم قد يُشكل فهمه جيداً على بعض السامعين لضعف مداركهم أو فهومهم؛
فيكون محل الإشكال فهم السامع لا تقصير المتكلِّم.
أما الإجمال
فكلام يحتمل الحق ويحتمل الباطل، فمحل الإشكال تقصير المتكلِّم لا فهم السامع!.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [الرد على
البكري 2/ 702-703]: ((بل الواجب أن
يعبر عن المعنى باللفظ الذي يدل عليه؛ فإن كان اللفظ نصاً أو ظاهراً حصل المقصود، وإنْ
كان اللفظ يحتمل معنيين أحدهما صحيح والآخر فاسد تبين المراد، وإنْ كان اللفظ يُفهم
منه معنى فاسد لم يطلق إلا مع بيان ما يزيل المحذور، وإنْ كان اللفظ يوهم بعض المستمعين
معنى فاسداً لم يخاطب بذلك اللفظ إذا علم أنه يوهم معنى فاسداً؛ لأنَّ المقصود بالكلام
البيان والإفهام. وأما إذا كان اللفظ دالاً على المراد وجهل بعض الناس معناه من غير
تفريط من المتكلِّم: فالدرك على المستمع لا على المتكلم)).
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في
[الصواعق المرسلة 3/ 927]: ((قال تعالى:
"ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"، فنهى عن لبس الحق
بالباطل وكتمانه؛ ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر، ومنه التلبيس وهو التدليس
والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره، فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر
الباطل في صورة الحق وتكلم بلفظ له معنيان معنى صحيح ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه
أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل فهذا من الإجمال في اللفظ!.
وأما الاشتباه في المعنى فيكون له وجهان؛ هو حق
من أحدهما وباطل من الآخر، فيوهم إرادة الوجه الصحيح ويكون مراده الباطل.
فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني
المشتبهة!؛ ولاسيما إذا صادفت أذهاناً مخبَّطة، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب،
فسل مثبِّت القلوب أن يثبِّت قلبك على دينه، وأن لا يوقعك في هذه الظلمات)).
وقال في [الصواعق
المرسلة 2/ 503]: ((وإنْ كان المتكلِّم قد قصَّر
في بيانه، وخاطب السامع بألفاظ مجملة تحتمل عدة معان، ولم يتبين له ما أراده منها؛
فإنْ كان عاجزاً: أُتي السامع من عجزه لا من قصده، وإنْ كان قادراً عليه ولم يفعله
حيث ينبغي فعله: أُتي السامع من سوء قصده)).
وأقول:
كذلك لم يميز
كاتب الموضوع بين رد كلام العالم إلى أصوله من جهة، وبين حمل المجمل على المفصَّل من جهة أخرى.
فرد كلام العالم
إلى أصوله؛ إنما الغاية منه معرفة مذهبه ومراده، ثم يُناقش بعد ذلك سواء كان حقاً أو
باطلاً.
أما حمل المجمل
على المفصَّل؛ فإنما يراد به حمل الكلام المحتمل على الحق، لكون قائله لا يقول إلا
الحق.
لكنَّ القوم
لم يلاحظوا إلى هذا الفرق!!
وأما الخلاف
بين الشيخ النجمي والشيخ العبَّاد في هذه المسألة:
فالشيخ النجمي
رحمه الله تعالى ينظر إلى قاعدة (حمل المجمل على المفصَّل) بحسب ما يريد بها أهل الأصول،
أي حمل الكلام المحتمل (للحق وللباطل) على الكلام الحق حصراً، وهذا لا يكون إلا في
كلام الله تعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، أما كلام البشر فقد يتناقض أحدهم!،
وقد يتغير مذهبه!، وقد يغفل وينسى!، وقد يخالف مذهبه أصلاً!.
وأما الشيخ
العباد حفظه الله تعالى؛ فإنما يريد بـ (حمل المجمل على المفصَّل) في كلام العلماء:
فهم مذاهبهم ومعرفة أقوالهم؛ وهو أنَّ العالم الذي يتكلَّم بكلام يحتمل حقاً وباطلاً
لا ينبغي أن نحمل كلامه على الباطل ما أمكن، وهذا لا يعني حمله على الحق!، بل يُنظر
إلى مفصّل كلامه ومفسّره لنعرف مذهبه قبل أن ننسب إليه شيئاً لا يقول به أصلاً ولا
يتبناه.
وليعرف الجميع:
أنَّ ما ذكره
الشيخ العباد حفظه الله تعالى لا يخالِف فيه الشيخُ النجمي رحمه الله تعالى؛ كما هو
ظاهر كلامه رحمه الله تعالى في رده على أبي الحسن المأربي في هذه المسألة على وجه الخصوص،
فلينظره مَنْ شاء البرهان.
كما أنَّ ما
ذكره الشيخ النجمي رحمه الله تعالى أيضاً لا يمكن أن يخالف فيه الشيخُ العباد، أي لا
يمكن أن يقول الشيخ العباد أنَّ كلام البشر المجمل يحمل على المعنى الحق دائماً، هذا
لا يقوله طالب علم مبتدئ فضلاً عن عالم مثل الشيخ حفظه الله تعالى.
بل الشيخ العباد
حفظه الله تعالى في أحد أجوبته المعروفة المشهورة يدعو إلى حمل كلام المتكلِّم المجمل
إلى مفسره ومفصله سواء كان من أهل الحق أو كان من أهل الباطل؛ فهل هذا يعني أنَّ الشيخ
العبَّاد يصحح مذاهب أهل الباطل؟!
كلا.
بل يعني أنَّ
الواجب لمعرفة مذهب متكلِّم قبل أن يُنسب إليه: أن نرجع إلى أصوله وكلامه المعروف عنه،
هذا مراد الشيخ العباد، ولا يُخالفه أحد في هذا.
ولكنَّ كاتب
الموضوع والمعلِّقين عليه – كعادتهم! – يكتفون بالنقل عن بعض أهل العلم دون تحقيق للمسألة،
وإنما غاية ما يصنعون ضرب كلام عالم بآخر، دون تأمل أو نظر إلى أصل الخلاف ومحله وحقيقته.
وحقيقة منهجهم:
الاحتجاج بالخلاف في ردِّ الأدلة والبراهين!.
ومما يُمكن
أن أنفع به القراء هنا؛ هو ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في نقده لكلام ابن الجوزي حينما
طعن في الحنابلة المثبتين للصفات، مما له صلة بموضوعنا هذا:
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [المجموع
4/ 168-169]: ((فهذا أيضاً من الأمور التي يكثر وجودها في بني آدم؛ ولهذا قد تختلف
الرواية في النقل عن الأئمة كما يختلف بعض أهل الحديث في النقل عن النبي صلى الله عليه
وسلم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، فلا يجوز أن يصدر عنه خبران متناقضان في
الحقيقة، ولا أمران متناقضان في الحقيقة إلا وأحدهما ناسخ والآخر منسوخ.
وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فليس بمعصوم،
فيجوز أن يكون قد قال خبرين متناقضين، وأمرين متناقضين؛ ولم يشعر بالتناقض.
لكن إذا كان في المنقول عن النبي صلى الله عليه
وسلم ما يحتاج إلى تمييز ومعرفة - وقد تختلف الروايات حتى يكون بعضها أرجح من بعض والناقلون
لشريعته بالاستدلال بينهم اختلاف كثير - لم يستنكر وقوع نحو من هذا في غيره؛ بل هو
أولى بذلك، لأنَّ الله قد ضمن حفظ الذكر الذي أنزله على رسوله ولم يضمن حفظ ما يؤثر عن غيره. لأن ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة هو هدى الله
الذي جاء من عند الله وبه يعرف سبيله وهو حجته على عباده؛ فلو وقع فيه ضلال لم يبيَّن
لسقطت حجة الله في ذلك، وذهب هداه وعميت سبيله؛ إذ ليس بعد هذا النبي نبي آخر ينتظر
ليبين للناس ما اختلفوا فيه؛ بل هذا الرسول آخر الرسل، وأمته خير الأمم، ولهذا لا يزال
فيها طائفة قائمة على الحق بإذن الله لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى تقوم الساعة.
الوجه الثاني: أنَّ أبا الفرج نفسه متناقض في هذا الباب؛ لم يثبت على قدم النفي ولا على قدم الإثبات!؛ بل له من الكلام في الإثبات نظماً ونثراً ما أثبت به كثيراً
من الصفات التي أنكرها في هذا المصنَّف.
فهو في هذا الباب مثل كثير من الخائضين في هذا
الباب من أنواع الناس يثبتون تارة وينفون أخرى في مواضع كثيرة من الصفات كما هو حال
أبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي)).
أقول:
فهؤلاء الذين ذكرهم شيخ الإسلام رحمه الله تعالى
أنهم تارة يثبتون الصفات وتارة ينفونها؛ لم يصحح شيخ الإسلام رحمه الله تعالى مذاهبهم!، ولم يحمل أقوالهم على أحسن المحامل!، ولا تكلَّف في ذلك، بل وصفهم بالتناقض.
فما الفرق بين ابن الجوزي، وبين غيره اليوم ممَنْ
يُحمل كلامه على أحسن المحامل ويُؤخذ بكلامه في أحد المواضع ويُعرض عن كلامه في موضع
آخر؟!
بل إنَّ ابن الجوزي عالم مجتهد له علم ومكانة؛
وإنْ غلط في مسائل وزلَّ، فلا يُقارن بأهل الأهواء اليوم حتماً!.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع 4/ 191-192]:
((الأقوال نوعان:
أقوال ثابتة عن الأنبياء؛ فهي معصومة، يجب أن يكون معناها حقاً، عرفه من عرفه، وجهله من جهله. والبحث عنها إنما هو عما
أرادته الأنبياء. فمن كان مقصوده معرفة مرادهم من الوجه الذي يعرف مرادهم فقد سلك طريق
الهدى، ومن قصد أن يجعل ما قالوه تبعاً له؛ فإن وافقه قبله وإلا رده، وتكلَّف له من
التحريف ما يسميه تأويلاً، مع أنه يعلم بالضرورة أنَّ كثيراً من ذلك أو أكثره لم ترده
الأنبياء، فهو محرف للكلم عن مواضعه، لا طالب لمعرفة التأويل الذي يعرفه الراسخون في
العلم.
النوع الثاني: ما ليس منقولاً عن الأنبياء، فمن
سواهم ليس معصوماً، فلا يقبل كلامه ولا يرد إلا بعد تصور مراده ومعرفة صلاحه من
فساده)).
أقول:
فمَنْ لاحظ هذا الفرق الذي ذكره شيخ الإسلام،
علِمَ أنَّ حمل المجمل على المفصَّل – بمعنى حمل كلام المتكلَّم (المحتمل) على القول
(الحق) – لا يكون إلا في كلام الله تعالى وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإنما يُحمل كلام المتكلِّم – سوى الأنبياء
– على مفسره: لنتصوَّر مراده، ثم معرفة صلاحه من فساده.
وقد جاء في وثيقة بيان مكة القديمة، والتي ممَنْ
وقَّع عليه وصاغها عليُّ الحلبي في رد تأصيلات المأربي:
((ثانياً: ما تكرر ذكره من مسألة
(المجمل والمفصل) وما يتعلق بها؛ الحق فيه ما يأتي: مسألة (المجمل والمفصل) مسألة -
بهذا الاصطلاح - لا تبحث إلا في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. بحث
هذه المسألة في كلام العلماء يسمى (إطلاقات العلماء) كما ذكره شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه
الله؛ الإطلاق المغلوط الذي يوضحه ويبينه كلامٌ آخر للقائل نفسه)).
فلماذا لا يتنبَّه القوم إلى هذا الفارق؟!
والله الموفِّق.
الرد على تعليقاتهم
مرة أخرى:
أقول:
أما الذين لا يجيدون إلا الشتم والتهويل في موقع كل المنحرفين
– كعادتهم! - ومنذ أمد طويل؛ فكلُّ إناء بما فيه ينضح، والصراخ على قدر الألم!.
وأقول لهم:
سلوا شيوخكم؛ هل هناك فرق
بين الاختصار والإجمال؟!
أو على الأقل:
ارجعوا إلى معاجم اللغة!
المجمل هو
المبهم.
بينما المختصر
هو الموجز.
وفي معجم لغة الفقهاء: ((الإجمال: إيراد الكلام
على وجه يحتمل فيه معاني متعددة، أو: الكلام الذي دل دلالة لا يتعين المراد بها إلا
بمعين، أو الكلام الذي لا يعرف المراد منه إلا ببيان من جهة المجمل)).
وفي لسان العرب:
((واخْتِصارُ الكلام: إِيجازه، والاختصار في الكلام أَن تدع الفضول وتَسْتَوْجِزَ الذي
يأْتي على المعنى، وكذلك الاختصار في الطريق، والاختصار في الجَزِّ أَن لا تستأْصله،
والاختصارُ: حذفُ الفضول من كل شيء)).
فالاختصار: هو كلام قليل اللفظ كثير المعنى.
قال الشيخ الموفق بن قدامة
رحمه الله تعالى في شرحه على مختصر الخرقي:
(([اختصرت هذا الكتاب] يعني قربته وقللت ألفاظه وأوجزته)) .
وأما الإجمال: فهو اللفظ
الذي يحتمل أكثر من معنى على السواء، ولا مزية لأحدهما على الآخر، ويتوقف
فهْم المراد منه على غيره!.
فأين الإجمال من الاختصار؟!
أو بعبارة أخرى:
الاختصار إيجاز في اللفظ مع
استيفاء المعنى.
بينما الإجمال إتمام اللفظ
مع احتمال في المعنى.
فأين هذا من ذاك؟!
ولا أدري هل
- حقاً - هؤلاء لا يعرفون الفرق بين الأمرين؟!
أم هو مجرد الجدل والهوى؟!
نعم، قد (يتسامح) البعض في اللفظ؛ فيطلق الإجمال
ويريد به الاختصار، كما يقول القائل: (كتبتُ هذا الرد على سبيل الإجمال)، ويقصد: (على
سبيل الاختصار)، فهذا مما يتسامح فيه، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا عُرِف مراده.
لكن:
الاختصار يقابله بسط الكلام.
بينما الإجمال يقابله تفصيل الكلام.
وهذا هو الأصل.
وأما تعليقات المحاور هداني الله تعالى وإياه لما يحب ويرضى:
فأقول له:
يا أخي؛ أسباب الإجمال عديدة:
منها: أن يكون اللفظ يحتمل الحق
ويحتمل الباطل، كقوله تعالى في نبي الله عيسى عليه السلام: ((وروح منه))، فـ(منه) تحتمل
أن يكون معناها: أي خلق منه، وتحتمل أن يكون معناها: أي جزء منه، والثاني باطل بأدلة
كثيرة.
ومنها: أن يكون اللفظ غريباً
يحتمل أكثر من معنى ولا يمكن تعيين المعنى المراد إلا ببيان من المتكلِّم، لكن ليس
فيها معنى فاسد. مثل: القرء؛ هل هو مدة الحيض أم مدة الطهر؟!
...وأسباب أخرى.
فالنوع الأول لا يحمل المجمل على المفصل إلا في
كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يتناقض في جميع المواضع،
ولأنه لا يكون إلا حقاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
[الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 3/ 238]:
((والجواب من وجوه: أحدها: أن تقول إنَّ كلام الأنبياء صلوات
الله وسلامه عليهم لا يكون إلا حقاً وصدقاً، ولا يكون فيه شيء يعلم بطلانه بصريح العقل؛
وإنْ كان فيه ما يعجز العقل عن معرفته بدون إخبار الأنبياء.
ولا يكون كلام النبي الذي يخبر به مناقضاً
لكلامه في موضع آخر، ولا لكلام سائر الأنبياء، بل كل ما أخبرت به الأنبياء فهو حق وصدق،
يصدق بعضه بعضاً، وقد أوجب الله علينا أن نؤمن بكل ما أخبروا به، وحكم بكفر من آمن
ببعض ذلك، وكفر ببعضه؛ فما علم بصريح العقل لا يناقض ما علم بالنقل الصحيح عن الأنبياء،
وما علم بالنقل الصحيح عن بعضهم لا يناقض ما علم بالنقل الصحيح عن غيره)).
وقال السرخسي في أصوله 2/ 64-65: ((وإنما المقصود فيما يأمر الله به عباده الابتلاء، والابتلاء
بعزيمة القلب اعتقاد الحقية لا يكون دون الابتلاء بالعمل، وربما يكون ذلك أهم، ألا
ترى أنَّ في المتشابه ما كان الابتلاء إلا بعقد القلب عليه واعتقاد الحقية فيه.
وكذلك في المجمل الذي لا يمكن العمل به إلا
بعد البيان، يكون الابتلاء قبل البيان بعقد القلب عليه، واعتقاد الحقية فيه، ويكون
ذلك حسناً لا يشوبه من معنى القبح شيء)).
وقال الشاشي في أصوله 1/ 85: ((وحكم المجمل والمتشابه: اعتقاد حقية المراد به حتى يأتي البيان)).
وفي [أصول الفقه الذي لا يسع الفقيهَ جهلُه]:
((وهذا هو الفرق بين المجمل والمشكل، فإنَّ المشكل
قد يعرف المراد منه بالتأمل والنظر في القرائن المصاحبة ونحو ذلك، بخلاف المجمل فإنه
لا يمكن معرفة المراد منه إلا ببيان من المتكلم به. وحكمه: اعتقاد أنه حق، والتوقف
فيه إلى الوقوف على البيان من قبل الشارع)).
فهل يُقال: حكم المجمل في كلام البشر سوى الأنبياء
أنه لا يكون إلا حقاً ولا يشوبه من القبح شيء؟!
أقول:
وهذا الذي أراده السلف الصالح لما نهوا عن استعمال
الألفاظ المجملة والعبارات المشتبهة، لأنها تحتمل حقاً وباطلاً، ولا يمكن أن نجزم في
كلام البشر بأنهم ما أرادوا إلا الحق، بل لو علمنا يقيناً أنهم ما أراد إلا الحق أو
الخير، لبقي الإنكار عليهم في استعمالهم المجمل من الكلام؛ لأنَّ فيه إيهاماً للسامع
وتغريراً كبعض عبارات الطحاوي في صفات الله عز وجل، ولأنَّ فيه سبيلاً لأهل البدع أن
يستغلوا كلامه في غير ما أراد كما صنع الملاحدة الاتحادية في كلام أبي إسماعيل الهروي.
نعم؛ إن أمكن تصحيح الكلام بما يوافق الحق بالقرائن
المتصلة فلا ينبغي التغليط؛ فضلاً عن التجريح!.
لكن محل النقاش (الكلام المجمل) الذي يحتمل الحق
ويحتمل الباطل دون بيان للمراد منه لا في سياقه ولا في تركيبه.
وأما النوع الثاني من الإجمال:
وهو أن يحتمل الكلام عدة معان، وليس في أحدها معنى
فاسد.
فهذا ليس محل خلافنا.
وهو الذي يحتاج إلى مراجعة كلام المتكلِّم في مواضع
أخرى ليُعرف مذهبه ومراده، لا لتصحيح كلامه بما يوافق الحق.
لأنه لا يُنسب لقائل مذهب (أو قول) (أو كلام) غلط
حتى يُعرف مراده؛ إما من القرائن النقلية (المتصلة أو المنفصلة)، أو الحالية.
ثم يُنظر إلى صحته أو فساده.
ثم يحكم بقبوله أو رده.
لكن:
الخلاف معكم في حمل كلام البشر الذي يحتمل (الحق
والباطل) على ما يوافق (الحق)؛ وذلك من باب تصحيح الكلام وحسن الظن وحمل الكلام على
أحسن المحامل كما تزعمون.
أو بمعنى آخر:
أنكم تسارعون إلى تصحيح كلام المتكلِّم الذي يجمل
في ألفاظه ويستعمل العبارات المشتبهة من باب حسن الظن وحمل الكلام على أحسن المحامل
كما تزعمون!؛ دون النظر إلى نهي السلف وإنكارهم على مَنْ يستعمل الألفاظ المجملة والعبارات
المشتبهة في تقرير المسائل الشرعية، بل وأحياناً كثيرة: دون البحث عن مراد المتكلَّم
ومعرفة مذهبه أصلاً!، وكأنَّ الناظر إلى حالكم: يرى عدم تحمل عقولكم أن يغلط (فلان)
في كذا مسألة!.
وإنْ أردتَ مثالاً يوضِّح ذلك:
فهو ما حصل من الحويني حينما وصف المصر على المعصية
بأنه مستحل، ثم أكَّد أنه يريد الاستحلال القلبي فقال: ((هذا واضح الاستحلال فيه، فلا شك
في كفر مثل هذا الرجل. أما مسألة المعصية غير المصر عليها فلا يكفر بها بطبيعة
الحال، وهو مسلم حتى وإنْ عصى)).
أقول:
فهذا الكلام غلطه ظاهر، وليس هو مجملاً، بل هو موافق لمذهب
الخوارج الذين يكفرون بفعل المعصية من غير استحلال لها.
فماذا صنع أصحابك؟!
راحوا يتأولون للحويني!، ويعتذرون له بأنه مجمل وله تفصيل
آخر، ويدافعون عنه، ويطعنون بمَنْ يرد عليه، ويستدلون له ببعض الكلام المتشابة،
حتى بلغ الأمر عند (بعضهم) أنهم فاقوا الحويني في تأصيله!، وهذا رأيتُه بنفسي في
أحد مقالات منتداكم!.
وكأنَّ عقولهم لا تحتمل غلط الحويني!
ثم زاد الحويني الطين بلة في دعوى التراجع فقال: ((فأنا إذا قلتُ: "إنَّ المصر
مستحل" هذا كلام مجمل، ثم قلتُ مثال حتى أبيِّن معنى الكلام
السابق؛
إذا قال رجل: إنَّ الله حرم الربا أو حرم الزنا أو حرم العقوق أو حرم أي شيء
لكني
أفعله، فهذا واضح أنه كفر إباء)).
فهل هذا هو الكلام المفصل؟
وهل هو مقبول عندكم؟!
قال شيخ الإسلام
رحمه الله تعالى في [الصارم المسلول 1/ 516]: ((التكفير لا يكون بأمر محتمل، فإذا كان قد قال: "أنا
أعتقد أنَّ ذلك ذنب ومعصية وأنا أفعله"، فكيف يكفَّر إنْ لم يكن ذلك كفراً؟!)).
ومثال آخر:
رسالة عمان؛ لو فرضنا أنَّها ليس
فيها تصريح للدعوة إلى وحدة الأديان والتعايش السلمي وإلغاء الفوارق بينها!!!،
فالجميع يقرون: أنَّ فيها كلمات مجملة وعبارات مشتبهة تحتمل الكفر والضلال والباطل
وتحتمل أنها عبارات لا بأس بها.
طيب!
ماذا صنع أصحابك؟!
ثناء واسع على الرسالة!
وإقرار وتأييد!
وشرح في عدة حلقات!
ومقالات في بيان محاسنها وميزاتها
وما فيها من أصول بديعة وتقريرات!
ومباركة لها وأنها رسالة نور وسماحة!
ونشر لها ودعوة لتدريسها وتعليمها!
ودفاع عنها!
وطعن ولمز بالتكفير والتطرف في مَنْ
يبيِّن الانحرافات والأباطيل فيها!
وتبرير لما فيها من أخطاء!
وتحسين معاني الألفاظ فيها!
والله - الذي لا يحلف بسواه - وكأنَّ
كاتبها عالم راسخ من علماء المسلمين أو قريب منه!!!.
أقول:
هذا هو معنى حمل المجمل على المفصَّل
عندكم!!
يا أخي بصراحة:
صارت عقولكم لا تحتمل تخطئة مَنْ
تعظِّمونهم!، فضلاً عن جرحهم والكلام فيهم؛ ولو صدر منهم ما يصدر من مخالفات
وانحرافات!!.
وحال (بعضكم) - وهم من آثار دعوتكم
هذه - في تغيرات (محمد حسَّان) الجديدة أكبر برهان، على فساد مثل هذه القواعد.
فانتبهوا وتفطنوا قبل فوات الأوان.
والخلاصة:
أنَّ استعمال الألفاظ المجملة أو المشتبهة من طرق
أهل البدع، ومما ينهى عنه سلفنا الصالح، فمَنْ استعمل لفظاً مجملاً أو مشتبهاً يُنكر
عليه، وهو الملام، ولا يصان ديننا ولا تحفظ أصولنا إلا بما كان عليه سلفنا؛ فليُعلم
هذا جيداً.
وأخيراً:
أحب أن أختم كلامي هذا، بما قال الشيخ العلامة أحمد
النجمي رحمه الله تعالى في رده على أبي الحسن المأربي:
((أمَّا قولك:
"بل سأنقل لك أيها الشيخ الكريم من كتابكم ["أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة"
طبعة الرئاسة العامة للإفتاء سنة (1405)] إلى آخر ما
ذكرتم، ثُمَّ نقلتَ ما قلته في الكلمة الخامسة في الرد على مَنْ نسب
إلى مالك رحمه الله كلاماً في زيارة قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم ونص الكلام كالآتي: "رابعاً: إذا أُشكل كلام
مالك، فعلى الباحث أن يجمع بعضه إلى
بعض وينظر فيه، فإن فسَّر بعضه بعضاً وتبيَّن مراده منه - لا لأنَّه
شرعٌ بنفسه - ولكن لنعلم موقف قائله من الشرع كما هو معلومٌ عندنا، وعند جميع أهل العلم أنَّ قائله من أئمة الدين، وممن
لهم لسان صدق في الآخرين، وهو بنفسه يقول: كل
يؤخذ من قوله ويرد إلاَّ صاحب هذا القبر ويشير إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم، والمهم أنَّ الذي يجب علينا أن
نجمع كلام مالك من مصادره، فإن اتضح الإشكال، وإلاَّ رددنا
ما أشكل منه إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد
نظرنا في كلام مالك فوجدناه يفسِّر بعضه بعضاً".
فأقول: إنَّ هناك اختلافاً بين المسألتين:
حمل المجمل على المفصل لا يجوز
إلاَّ في كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم.
أمَّا إذا أُشكل كلام بعض أهل العلم، وكان له كلامٌ في موضعين أو أكثر، فإنَّه
يجب أن يجمع بعضه إلى بعض، فإنْ تبين الإشكال أخذ به سواء
كان للقائل أو عليه، وسواء صدَّق بعضه بعضاً أو تناقض!، فإنْ صدَّق
بعضه بعضاً دفعت الشبهة عن القائل، وإنْ تناقض حكمنا عليه بالتناقض فهذه مسألةٌ، وتلك مسألة.
وغالباً يحصل في الكلام الذي يكون
فيه احتمال؛ فقد يجذبه الخصم
المبتدع إليه، ويزعم أنَّ هذا القائل يوافق المبتدع في بدعته؛
كما فعلت الصوفية أصحاب وحدة الوجود في حق أبي إسماعيل الهروي.
أما قولك: "فهذا كلام صريحٌ
من فضيلتكم تجمعون كلام العالم بعضه إلى بعض، وتردون ما أشكل
من كلامه".
أقول: إلى هنا كلامه جيد؛ أن يرد ما أُشكل من كلام العالم إلى ما اتضح؛ إذا كان في
أحد الكلامين شيء من التعمية والاحتمال التي تجعل الحكم عليه
مشكلاً، وتجعل المتتبع للكلام في حيرة، وقد يأخذ بعض أهل البدع شيئاً من كلام العالم المشهور
لما فيه من الاحتمال، ولو كان بعيداً ليدخلوه
في صفهم، ويجعلوه من حزبهم ادعاءاً عليه بالباطل كما زعم
في حق مالك في موقف الزائر إلى القبلة أو إلى القبر، وهكذا ما ادعي على أبي إسماعيل الهروي من الكلام الذي اتُّهم فيه، فخرَّجه
أهل العلم على محمل حسن.
والمهم؛ أنَّك مخطئٌ في زعمك هذا،
وأنا قد قلتُ محترزًا: "فعلى الباحث أن يجمع بعض كلامه إلى بعض،
فإن فسَّر بعضه بعضاً؛ لا لأنَّه شرعٌ بنفسه ولكن لنعلم موقف قائله من الشرع".
ألا ترى هذا الاحتراز يا أبا الحسن؟!!
وقد كفانا الله أمرك بإجابات أهل السنة، وردهم عليك، وبالأخص ما كتبه العلامة المجاهد
النبيل أبو محمد ربيع بن هادي غفر الله لنا وله ووفقنا وإياه. وإنَّ احتجاجك بكلامنا
هذا احتجاجٌ في غير موضعه!، وبالله التوفيق.
وأما قولك: "فهذا كلام صريح
من فضيلتكم تجمعون فيه كلام العالِم بعضه إلى بعض، وتردون ما
أشكل من كلامه، وهو المجمل عندي إلى ما يفسره من محكم كلامه الآخر".
وأقول: من هو أنا!، ومن هو أنت!،
حتى نخالف السلف، ويقول الواحد منا: هذا كذا عندي؟!
إنَّه لا يسعني ويسعك والثاني
والثالث إلاَّ منهج السلف، فإذا قلتَ: هذا كذا عندي، ولم يكن لك فيه
سلف، فأنت ضائعٌ تعيش على ادعاءات فارغة، وأظنُّك أحسست بالمفارقة بين المسألتين!!، فقلت: "وهو المجمل عندي".
وأنا لا أمنع جمع كلام العالم الذي فيه
احتمال إلى كلامه الآخر ليتبين بالكلام الآخر؛ هل القائل يسير فيهما على وتيرة واحدة أم أنَّ كلامه الآخر
مناقضٌ للأول؟
بل أنَّ هذا الجمع المقصود منه أن يتبين هل هو مشى مع الحق، والأدلة
في الموضعين، فتعرف نزاهته، أو يتبين ميله في أحدهما، فيدان بذلك الميل.
أمَّا حمل المطلق على المقيد، والمجمل على المبين، والعام على الخاص، فهذا لا يكون
إلاَّ في كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا يكون إلا حقاً.
والله الذي لا إله غيره أنَّه
ما استقر في عقلي أبداً منذ دخلتُ المدرسة السلفية، وعرفتُ
العلم أنَّ كلام الناس يحمل مجمله على مفصله؛ لأنَّ الفارق عظيم، والبون
شاسع، فكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه و سلم لا يتحول ولا يتغير؛
اللهمَّ إلاَّ بالنسخ في زمن تنزل الوحي.
فاتق الله يا أبا الحسن، وجانب
التمويه والتعمية على طلاب العلم، فأنت ستسأل عن كل ما تقول وتكتب.
وقد سبق أن قلتُ أنِّي احترزتُ،
فقلتُ: "لا لأنَّه شرعٌ بنفسه، ولكن لنعلم موقف قائله من الشرع".
وأعني بذلك: أنَّه يحمد إنْ وقف
مع الشرع، ويذم إنْ حاد عنه.
وأنت حينما تحاول تبرير
موقف المغراوي!، وتبرئته مما هو واقعٌ فيه من تكفير المسلمين بالذنب والمعصية
والكبيرة!، وإخراجهم من الإسلام؛ بذلك فضحت نفسك، وتبين أنَّك مناصرٌ لأهل البدع، وبذلك وقع عليك اللوم، والمقت بمداراتك،
ومداجاتك عن المبتدعين، فلا أنت أخرجتهم من البدع، ولا
أنت نجوت منها، وعند الله الملتقى)).
والله يهدي إلى سواء السبيل، وهو سبحانه الموفِّق.
الرد على تعليقاتهم مرة ثالثة:
أقول:
سبحان الله؛ لم أكن أتمنى أن أتوسَّع في الكلام في هذا
الموضوع، ذلك لأني أرى أنَّ هذا الموضوع قد أُشبع الكلام فيه، فلا حاجة للإعادة،
وإنما أردتُ أن يعرف الموافق والمخالف الأسباب التي تمنع من حمل المجمل على المفصل
على سبيل الإيجاز، ثم ليعرفوا حقيقة الخلاف في هذه المسألة.
لكن يظهر أنَّ (بعض) الناس - في المنتديات التي فتحت ذراعيها
لكل المنحرفين على اختلاف توجهاتهم ومناهجهم! - اعتادوا على التكرار والإعادة بين
الحين والآخر، وفي ظني أنَّ هذا من الجدل.
ومع هذا فإنَّ لي على كلامهم وقفتين:
الوقفة الأولى: أنهم شنَّعوا عليَّ وأنكروا مع نوع من السخرية والاستخفاف
والتجريح والكلام القبيح – وهذا على خلاف قاعدتهم في عدم الإنكار والتشنيع على
المخالف في مثل هذه المسائل! – فزعموا أني أتكلَّم على أناس ليس لهم واقع أو
وجود!.
حتى قال أستاذهم: ((وهذه هي نقطة الخلاف ومحل
النزاع!، لذلك حاول "صاحب الإمتاع" أن يحيد عن هذا حينما اتهم مخالفه
بأنه يحمل المجمل على المعنى الحق دائماً!، فها هو يقول: "أما حمل المجمل على
المفصَّل؛ فإنما يراد به حمل الكلام المحتمل على الحق، لكون قائله لا يقول إلا
الحق"!، ولعله يتحفنا بهذا الخصم المتوهم من السلفيين من يكون؟!
وأين صرح بذلك؟! وعلى كل حال أُطمئن "صاحب الإمتاع" أنَّ مَنْ يخالفه من
السلفيين يتفقون معه على بطلان هذا)).
وقال: ((أما وجه الإشكال عنده في المجمل والمفصل في غير الوحي أنه
"يلزم منه أنَّ البشر لا يتناقضون ولا يصدر الباطل منهم!"،
أقول:
وهذا لا يسلم له. ولا أدري من أين أتى المسود بهذا اللازم؟! ولعله
توصل إلى
هذه النتيجة بناء على مقدمته الفاسدة وهي: أنَّ "حمل المجمل على المفصَّل؛
فإنما
يراد به حمل الكلام المحتمل على الحق، لكون قائله لا يقول إلا
الحق"، وعليه: فلا بد للمسود أن يثبت مَنْ ممن يخالفهم هو من
السلفيين
يقول بهذا؟!)).
قلتُ:
لم أتهم
أحداً بهذا باطلاً!، ولم أتكلَّم عن خيال!، وإنما هذا ما قاله نصاً أبو الحسن المأربي في شريط رقم (1) من أشرطته المسماة
بالقول الأمين: ((يقول هنا الإمام ابن القيم:
"والكلمة الواحدة يقولها اثنان "أي يقولها شخصان أو رجلان" يريد أحدهما
بها "أو يريد بها أحدهما" أعظم الباطل ويريد بها الآخر محض الحق "يعني
كلمة واحدة تخرج من شخصين أحدهما مبطل بها والثاني محق بها" يقول الإمام ابن القيم:
"والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عليه". يعني
كيف نحملها؟
على المعنى الحق؟
أو نحملها على المعنى الباطل؟
نرجع إلى سيرة هذا القائل وإلى طريقته ومنهجه الذي
عرف به؛ فنحمل على الحق إنْ كان سنياً، ونحمل على الباطل إنْ كان مبتدعاً)).
قلتُ:
فها هو المأربي يحمل مجمل كلام السني على المفصل،
ويريد بالمفصل الحق، وهذا يعني: أنَّ السني إذا تكلَّم بكلام مجمل يحتمل حقاً وباطلاً،
لا يحمل كلامه إلا على الحق!.
فماذا بعد هذا الكلام يا أُستاذ؟!
وعلام ذلك التشنيع والإنكار يا قوم؟
أقول:
ثم إني أتكلَّم عن قاعدة (حمل المجمل على المفصَّل)
في مفهوم أهل الأصول، لا في مفهوم المأربي وأنصاره!.
فهذه القاعدة عند الأصوليين – وهم الذين نصُّوا
عليها وتكلَّموا بها – لم تُستعمل في كلام البشر!، وإنما استعملوها في كلام الله تعالى
وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنَّ كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه
وسلم لا يمكن أن يتناقض أو يختلف في جميع المواضع، وهذا أمر خاص لا يشارك البشر فيه.
وأهل الأصول يبينون: أنَّ الواجب على المكلَّف
أن يعتقد أنَّ المجمل والمتشابه يراد به المعنى الحق جزماً؛ وإنْ كان فيه ما يحتمل
الباطل ولم يتبين له المعنى الحق فيه، لأنه يجب أن يمتثل لقوله تعالى: ((آمنا به كلُّ
من عند ربنا))، فما دام أنه من عند الله تعالى فلا يمكن أبداً أن يُراد به معنى باطل.
والسؤال الآن:
هل هذا الأمر يُشارك به البشر (سوى الأنبياء)؟!
الجواب: لا.
لماذا؟
لأنَّ البشر (سوى الأنبياء) قد يقع منهم التناقض
والغفلة والنسيان والرجوع عن أقوالهم القديمة وتغير المذهب والغلط والزلة والانحراف
والضلال، فهم غير معصومين، والقاعدة المعروفة: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى
الله عليه وسلم.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا يجب على المكلَّف أن
يعتقد أنَّ القائل الفلاني السني لا يمكن أن يريد المعنى الباطل، بل لا يريد إلا المعنى
الحق، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما تقدم النقل عنه: ((إنَّ كلام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يكون إلا
حقاً وصدقاً، ولا يكون فيه شيء يعلم بطلانه بصريح العقل؛ وإنْ كان فيه ما يعجز العقل
عن معرفته بدون إخبار الأنبياء. ولا يكون كلام النبي الذي يخبر به مناقضاً لكلامه في
موضع آخر، ولا لكلام سائر الأنبياء، بل كل ما أخبرت به الأنبياء فهو حق وصدق، يصدق
بعضه بعضاً، وقد أوجب الله علينا أن نؤمن بكل ما أخبروا به، وحكم بكفر من آمن ببعض
ذلك، وكفر ببعضه)).
قلتُ: وهذا من خصائصهم على باقي البشر.
وهنا يجب أن نميز بين أمرين:
(إرادة الباطل) وبين (إرادة المعنى الباطل).
فنحن بكلامنا السابق لا نثبت للسني إرادة الباطل،
لكن قد يريد في كلامه المعنى الباطل وهو لا يشعر ببطلانه!، وإلا ادَّعينا العصمة للسني
ونحن لا نشعر.
فلا ينبغي لنا أن نبرر كلامه، أو نحاول ونتكلَّف
في جره ليوافق الحق، ومع هذا لا يمكن لنا أن نجزم بأنه يريد الباطل إلا ببراهين أو
قرائن تدل على ذلك.
كما إننا أيضاً لا نجزم بأنَّ فلاناً يريد المعنى
الباطل؛ ففرقٌ ظاهر بين عدم قبولنا إيجاب حمل كلام الناس المجمل على المفصل ليوافق
الحق، وبين الجزم بأنهم أرادوا المعنى الباطل، بل مجرد استعمالهم للكلام المجمل يسوغ
لنا الإنكار والاعتراض عليهم.
وليتأمل السلفي في إنكار الشيخ حمود التويجري
- وبموافقة وتأييد الشيخ ابن باز - على الشيخ ابن عثيمين في مسألة (معية الله الذاتية)؛
رحم الله تعالى الجميع، ليعرف أنَّ الكلام المجمل يُنكر حتى على أئمة أهل السنة الذين
لهم تفصيل مسبق يدفع المعنى الفاسد!.
ثم أقول:
وإذا كان السني لا يريد إلا المعنى الحق في كلامه
المجمل؛ فلماذا أشتد نكير أئمة السلف على مَنْ يستعمل الكلام المجمل؛ بل نسبوه إلى
البدعة؟!.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [درء تعارض
العقل والنقل 1/ 145]: ((فطريقة السلف
والأئمة: أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضاً الألفاظ
الشرعية؛ فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومَنْ تكلَّم بما فيه معنى باطل يخالف
الكتاب والسنة ردوا عليه، ومَنْ تكلَّم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة
أيضاً، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة ورد باطلاً بباطل)).
قلتُ:
فليتأمل القارئ؛ هذا سنيٌّ يرد على أهل البدع
بكلام مجمل يحتمل الحق والباطل، نسبوه إلى البدعة وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة ورد
باطلاً بباطل!.
فكيف بمَنْ ينسب نفسه إلى السلفية وهو يدافع
عن أهل البدع بمثل هذه القواعد؛ كما صنع المأربي مع ضلال سيد قطب في مسألة وحدة الوجود؟!
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في موضع آخر
[المجموع 20/ 540]: ((فإنَّ مَنْ
خاطب بلفظ عام يتناول حقاً وباطلاً ولم يبين مراده توجَّه الاعتراض عليه)).
وقال [درء التعارض 1/ 149]: ((والمقصود هنا: أنَّ الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق
الألفاظ المبتدعة المجملة المشتبهة لما فيه من لبس الحق بالباطل؛ مع ما توقعه من الاشتباه
والاختلاف والفتنة)).
قد يعترض علينا معترض فيقول: القاعدة التي ذكرها
المأربي في التفريق بين السني والمبتدع في مسألة حمل الكلام المجمل على المفصل، قال
بها بعض أهل العلم المعاصرين، فلماذا لا تعترضوا عليهم؟!
والجواب من جهتين:
الأولى: أنَّ كلام أهل العلم يحتج له لا يحتج
به؛ ولو كان جمهورهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع
26/ 202-203]: ((وليس لأحد أن يحتج بقول
أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة: النص، والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته
بالأدلة الشرعية؛ لا بأقوال بعض العلماء!!. فإنَّ أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية
لا يحتج بها على الأدلة الشرعية.
ومَنْ تربى على مذهب قد تعوَّده واعتقد ما
فيه وهو لا يحسن الأدلة الشرعية وتنازع العلماء: لا يفرق بين ما جاء عن الرسول وتلقته
الأمة بالقبول بحيث يجب الإيمان به، وبين ما قاله بعض العلماء ويتعسَّر أو يتعذَّر
إقامة الحجة عليه!، ومَنْ كان لا يفرق بين هذا وهذا: لم يحسن أن يتكلم في العلم بكلام
العلماء!!، وإنما هو من المقلدة الناقلين لأقوال غيرهم!!)).
الجهة الثانية: أنَّ العلماء الذين ذكروا هذا
التفريق ما أرادوا به: أنَّ كلَّ سني لا بد أن يحمل كلامه المجمل على المعنى الحق أو
ما يوافق عقيدة أهل الحق، وأنَّ كل مبتدع لا بد أن يحمل كلامه على المعنى الباطل أو
ما يوافق عقيدة أهل الباطل.
كلا.
ولو فرضنا أنهم أرادوا ذلك؛ لرددنا كلامهم وحذَّرنا
منه.
ذلك لأنَّ السني قد ينطق صريحاً بما يوافق الباطل،
والمبتدع قد ينطق صريحاً بما يوافق الحق؛ وهذا أمر معلوم لا يخفى على طلبة العلم المبتدئين؛
فهل يخفى على العلماء؟!
وإنما أراد العلماء بالسني المشهور بالسنة والذي
له مكانة عند أهل السنة، وليس مرادهم كل سني ولو كانت له قواعد باطلة وشبهات عاطلة!!.
وبرهان ذلك:
أنَّ الشيخ العباد حفظه الله تعالى تكلَّم في
عدنان عرور وحذَّر منه، مع أنَّ قواعد عدنان عرور التي عُرِضت على الشيخ العباد مجملة؛
قد تحمل على الحق وقد تحمل على الباطل، ومع هذا لم يحمله الشيخ العباد على الحق!، بل
أنكرها وحذر الشباب من حضور مجالسه!!، وكذلك الشيخ الألباني رحمه الله تعالى لم يقبل
من عدنان عرور القول بأنها قواعد مجملة تحتاج إلى تفصيل، بل ألزمه التصريح بالرجوع
إلى الحق والصدع به!.
الوقفة الثانية: نقل الأخ المحاور جملة نقول عن علماء ومشايخ الدعوة السلفية
ليبرهن صحة قاعدة (وجوب حمل المجمل على
المفصل في كلام البشر)، ويظهر أنَّ البعض لا
زال لا يفرق بين تحقيق القول وتحريره وبين النقل المجرد!، والنقل لو كان مبنياً على
استقراء لمذهب السلف والبحث عن وجود تأصيل لهذه القاعدة في كلامهم لكان نقلاً مصدَّقاً
ملزماً، لكن مجرد البحث عن نتف من كلامهم هنا وهناك!، في هذا الحال لا يمكن أن تنبني
قاعدة على مثل هذه النتف؛ بل هذه طريقة أهل الزيغ!.
قال
الشيخ العلامة الألباني رحمه الله تعالى في أحد مجالسة المسجَّلة: ((الآثار السلفية إذا لم تكن متضافرة متواترة؛ فلا ينبغي أن
يؤخذ عن فرد من أفرادها منهج، هذا المنهج خلاف ما هو معلوم عن السلف أنفسهم)).
وقال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله تعالى في
رده على مَنْ يستدل ببعض النقول عن شيخ الإسلام لمشروعية الموازنة في الحكم على الأعيان
[منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف ص61]: ((لقد ذهبتم تفتشون في تراث السلف لعلكم تجدون فيه من كلامهم
ومواقفهم ما توقفون به السلفيين الظالمين في نظركم عند حدهم!؛ فلم تجدوا من كلام ولا
مواقف أحد منهم!، من الصحابة، من القرن الأول للتاريخ الإسلامي إلى القرن الثامن، لم
تجدوا شيئاً إلا نتفاً من كلام ابن تيمية الذي كانت حياته كلها جهاداً ونضالاً وهجوماً
على أهل البدع؛ فإذا أدرك أنه قد دمَّر معاقلهم، وثلَّ عروشهم أدركته رقة تشبه رقة
أبي بكر على أسرى قريش يوم بدر؛ فيقول كلمات في قوم قد يكونون قريبين إلى السنة ولهم
مع ذلك جهاد يدافعون فيه عن السنة وعن وأهلها؛ فتأخذون تلك النتف وتسمونها: "منهج
أهل السنة والجماعة"!، وتشنون بها الغارة على البقية من المجتهدين من أهل السنة
الذين تكالبت عليهم فرق الضلال والبدع؛ إنَّ هذه النتف التي تجدونها في كلام ابن تيمية
لا يجوز أن نسميها منهج ابن تيمية!، فضلاً عن أن نسميها منهج أهل السنة والجماعة)).
أقول:
والنقول التي ذكرها الأخ المحاور معلومة عندي،
وهي في الغالب منقولة من كتابات المأربي، وقد ردَّ عليه الشيخ ربيع حفظه الله تعالى
وبيَّن أنه لم يفهم معنى المجمل والمفصل ولا قاعدة حمل المجمل على المفصل عند الأصوليين!،
بل راح يستدل بأي كلام يرد فيه لفظ (مجمل).
قلتُ: وأنصار من قبل ومن بعد على طريقته سائرون
وبأمثلته ينطقون!.
أقول:
لكن لا بأس أن نذكر إشارات تكفي اللبيب على تلك
النقول التي يستدل بها الخصم:
أما كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى الأول
فهو مقيد؛ حيث قال: ((وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ كلمات
مشتبهة
مجملة فيحملونها على المعاني الفاسدة)).
قلتُ: ونحن لا نحملها على المعاني الفاسدة، لكن
في نفس الوقت لا نوجب على الناس حملها على المعاني الصحيحة.
أما قوله رحمه الله تعالى: ((ومعلوم أن مُفَسَّر كلام
المتكلِّم يقضي على مجمله، وصريحه يُقَدَّمُ على كنايته، ومتى صدر لفظ صريح في معنى،
ولفظ مجمل نقيض ذلك المعنى أو غير نقيضه؛ لم يُحمل على نقيضه جزماً حتى يترتب عليه
الكفر؛ إلا من فرط الجهل والظلم)).
قلتُ: ونحن أيضاً كما سبق لا نحمله على النقيض!،
فضلاً عن الجزم بأنه يريد النقيض!!، لكن مع هذا لا نوجب حمله على غير النقيض كما يقول
الخصم، لأنَّ التناقض واقع في كلام البشر سوى الأنبياء كما قال شيخ الإسلام نفسه.
فكيف والمسألة يترتب عليها الكفر؟!
فيكون الإمساك عن حمله على المعنى الذي يترتب
عليه الكفر أشد.
والشيخ ربيع حفظه الله تعالى في رده على شبهة
المأربي: أنَّ الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى قال: ((النبوة: العلم والعمل))، وذكر
أنَّ بعض الناس رموه بالزندقة وشنعوا عليه بسبب هذه الكلمة المجملة، قال الشيخ ربيع:
((فأنت ترى أنَّ الذهبي لم يعد هذا الكلام مجملاً
وإنما صرف المعنى السيئ عن هذا الإمام بالقرائن. ويلوح لي أنَّ العلماء في الأقوال
المكفِّرة يلجأون فيها إلى القرائن وإلى أصل الاستصحاب وهو بقاء ما كان على ما كان؛
لا على حمل المجمل على المفصل على مذهب أبي الحسن)).
وأما قول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ((وأما التصريح باستحباب السفر،
لمجرد زيارة قبره دون مسجده؛ فهذا لم أره عن أحد من أئمة المسلمين، ولا رأيتُ أحدًا
من علمائهم صرَّح به، وإنما غاية الذي يدعي ذلك؛ أنه يأخذه من لفظ مجمل، قاله بعض المتأخرين، مع أن صاحب
ذلك اللفظ، قد يكون صرح بأنه لا يُسافر إلا إلى المساجد الثلاثة، أو أن السفر إلى غيرها
منهيّ عنه، فإذا جُمع كلامه، عُلِمَ أن الذي استحبه، ليس هو السفر لمجرَّد القبر، بل
للمسجد)).
قلتُ: وهذا في معرفة مذهب العالم، ويكون بجمع
كلامه، فليس هو من باب حمل الكلام المحتمل على ما يوافق الحق!، وقد بيَّن الفرق بين
الأمرين الشيخ أحمد النجمي رحمه الله تعالى كما تقدَّم في أعلاه.
فإذا جمعنا كلام العالم هنا وهناك عرفنا مذهبه.
ثم ننظر هل وافق الحق أم لا؟!
أما الذي يحمل كلام السني على المعنى الحق؛ فهذا
لا يحتاج أصلاً أن يجمع كلامه ليعرف مذهبه هل وافق الحق أم لا؟! فتأمل.
أما قول المحاور: ((وفي (الاستقامة (1/ 92) ذكر قول الجنيد:
"التوحيد إفراد القدم من الحدث" ثم قال: "قلت: هذا الكلام
فيه إجمال،
والمحق يحمله
محملًا حسنًا، وغير المحق يُدخل فيه أشياء"...)).
قلتُ:
التوحيد الذي شاع بين غلاة الصوفية هو الفناء
بمعناه الفاسد الذي لا يفرق فيه العابد بين الخالق والمخلوق وبين الرب الأزلي وبين
العبد الحادث.
فكلمة الشيخ الجنيد رحمه الله تعالى هذه كانت
قاصمة الظهر بالنسبة لمَنْ يسلك الطرق الصوفية، لأنها فرقت بين الرب وبين العبد، وهذا
ما لا يقبله الغلاة الملاحدة، ولهذا أنكروا عليه بسببها وفاصلوه.
نعم هي لا تكفي في تعريف التوحيد إلا بالمحمل
الحسن؛ وهذا ما قام به شيخ الإسلام رحمه الله تعالى للشيخ الجنيد، وأيضاً المثال الذي
بعده.
وسيأتي بيان أنَّ الاعتذار لبعض المشايخ والعلماء
قد يقبل للقرائن التي تحيط بهم.
أقول: وكون الكلام المجمل قد ينطق به المحق ويعني
به معناً صحيحاً، أو ينطق به المبطل ويعني به معناً باطلاً؛ لا خلاف في هذا.
وكذلك؛ لا خلاف أنَّ الرجوع إلى سياق الكلام
يرشد إلى
تبيين
المجمل وتعيين المحتمل، وأنه لا ينبغي إهمال ذلك في معرفة
مراد المتكلِّم، كما أشار إليه العلامة ابن القيم.
وإنما الخلاف في الكلام المجمل (المجرد من القرائن والسياق) الذي يتبين
به المعنى والمراد.
وأما الاعتذار للأئمة الكبار والمشايخ المشهورين بالسنة؛ فهذا قد يتسامح
به بعض العلماء، كما ذكرتُ في أصل الموضوع أعلاه، لكن من غير إيجاب، ولا تأصيل عام.
والحمد لله أنني وقفتُ على كلام للشيخ ربيع حفظه الله تعالى يقرر ذلك:
قال في رده إحدى شبهات المأربي [إبطال مزاعم أبي الحسن حول المجمل والمفصل]:
((والحق: أنه ليس كل كلام يتأول ولو من أمثال
شعبة رحمه الله، فلو وقع من شعبة مثل ما وقع من هؤلاء لحكم عليه أحمد وغيره بمثل ما
حكموا به عليهم.
وعلى كل حال قد يتسامح مع بعض كبار أئمة السنة
فيما يند منهم مخالفاً لمنهجهم وعقيدتهم وعلمهم ودعوتهم وذبهم عن السنة وغير ذلك من
القرائن القوية التي تمنع من إرادة المعنى السيئ المخالف لمنهجهم وعقيدتهم الخ.
وقد لا يتسامح بعض العلماء حتى في مثل هذا؛
فلا يلومهم علماء السنة ولا يحاسبونهم ولا يحاربونهم ولا يحتجون عليهم بهذا الأصل المزعوم)).
وقال في موضع آخر لرد شبهة أخرى: ((والحاصل: أنَّ بعض العلماء قد يعذرون بعض كبار العلماء في
بعض العبارات، ولا يعذرونهم في كل شيء!؛ لأنهم غير معصومين. وبعضهم لا يعذرهم؛ كما
هو حال الإمام أحمد ومئات العلماء في عصره الذين لم يعذروا من وقف في القرآن من المنتسبين
للسنة وأهل الحديث!، وكما هو حال العلماء الذين شنعوا على ابن حبان والهروي؛ لأنَّ
كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. وكتب الجرح والتعديل والفقه والتفسير وشروح
الحديث مملوءة بنقد كلام العلماء وغيرهم وتضليل الضالين من المنسوبين إلى السنة وغيرها،
وإنَّ في ذلك لعبرة للمعتبرين الفاقهين)).
وقال في رد شبهة اعتذار شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله تعالى للهروي:
((ولم يحملا المجمل على المفصل المعروف عند الأصوليين،
وإنما أحسنا به الظن لقرائن عظيمة وكثيرة وقويّة؛ وهي جهاده العظيم في نصرة السنة،
فقد كان سيفاً مسلولاً على أهل البدع، وله مؤلفات كثيرة تدعوا إلى السنة وتنافح عنها
وتسحق أهل البدع. ومن مؤلفاته ما نقله أبو الحسن عن الإمام ابن القيم بالنسبة لقوله
الموهم للاتحاد الصوفي.
أما بالنسبة لعقيدة الفناء والجبر؛ فقد أدانه
شيخ الإسلام ابن تيمية بهما، ولم يحمل المجمل على المفصل الذي يزعمه أبو الحسن!، ولشيخ
الإسلام في موضع آخر من المنهاج اعتذار عن كلامه الموهم للاتحاد، فهو تارة يصرح بإدانته
وتارة يعتذر له،
وليس شيء من ذلك من باب المجمل والمفصل)).
قلتُ:
أي أنَّ الإدانة كانت هي الأصل.
وأما الاعتذار فللقرائن المتقدمة.
والخلاصة:
أنَّ ما قد يجده الباحث هنا وهناك في مصنفات العلماء من الاعتذار لكبار
أهل السنة - المشهورين بها المعروفين بمحاربة البدع وأهلها - الذين صدرت منهم كلمات
مجملة مشتبهة فهو من هذا الباب؛ أي للقرائن التي تعرف عنهم من سيرتهم، لكن من غير إيجاب
لهذا الحمل!، ولا تأصيل عام!، ولا طعن ولا تشنيع في حق مَنْ ينكر عليهم ويحذر منهم
من أهل العلم الآخرين!.
فمَنْ تفطَّن لهذا فليحمد الله، ومريد الحق يكفيه الدليل، ومتبع الهوى
لا يكفيه ألف دليل.
والله الموفِّق.
وفي ختام هذه التعليقات على أعضاء منتديات كل السلفيين أقول:
أما الفاحش البذيء (أبو سارية) الذي لا يجيد إلا الشتم والتهويل
والصراخ والعويل فليس لي معه كلام حتى يتعلَّم الأدب في الحوار، ولا أظنه يقدر على
ذلك!.
لكن إنْ فعل!؛ فحينها نردُّ عليه، وسوف يظهر له ولغيره مَنْ الذي بلغ
القمة في الخلط والخربطة والتلبيس!.
وأما قرينه في الشتم (البومرداسي)؛ فمسكين – والله - لا يجيد إلا
التكرار لكلام غيره، فلا يستحق مثله أن يُرد عليه أصلاً!.
وأما الذي يصفني بعدم الفهم (الراجي عفو ربه)، فلا أدري متى يفهم
هو الموضوع، مع إني بسطتُ له الكلام وبينته بما يفهمه حتى العامي؟!
وأقول له:
وعنوان إحدى تعليقاتك ((رؤية رائد
لهذا التعليق كرؤية الحمار للضبع...))،
أليس هذا شتماً وانتقاصاً؟
ثم:
نقلك لكلام السبَّاب - (أبي سارية) - وكله سب وسخرية ثم علَّقتَ عليه
بقولك: ((الضحك على
اللحى له شأن آخر...))، ماذا يعني؟!
أم أنك لا تفهم هذا أيضاً!؛ حتى وصفتَ – مدافعاً عن نفسك – الشتم: بالشدة
في الحق؟!
مع إنكم تحاربون أهل الشدة!
إلا أن تكون شدتكم لا تكون إلا في الحق، وشدة غيركم لا تكون إلا في الباطل؛
على قياس قاعدتكم في حمل المجمل على المفصل!!!.
ثم قلتَ مبرراً:
((لأني أعتبر سكوتك خوفا؛ وهو وجه التشبيه في العنوان - تشبيه الرؤية
بالرؤية -وهذه عندي إن شاء الله تعالى من الشدة المحمودة)).
فمع إني لم أسكت فضلاً أن يكون سكوتي عن خوف!، بل ولن أسكت
بإذن الله تعالى حتى ينكشف حالكم وأباطيلكم للمغترين بكم!.
لكن يا أخي هل عجز قاموسك عن إيجاد تشبيه غير هذا التشبيه
المبتور قصداً؟!
أم أنَّ التشبيه مقصود؟!
أما سؤالك:
((كيف نفرق بين
الاختصار والإجمال ؟؟!!!))
فقد أجبتُك عليه بتفصيل؛ ومما قلتُه:
((الاختصار:
إيجاز في اللفظ مع استيفاء المعنى.
بينما الإجمال: إتمام
اللفظ مع احتمال في المعنى.
فأين هذا من ذاك؟!))
وبينتُ لكم:
أنَّ ما يقع من لبس في فهم
كلام المختصِر؛ يعود إلى إدراك السامع لا قصور المتكلِّم.
وهذا على عكس ما يقع من لبس
في كلام المجمِل؛ فإنه يعود إلى قصور المتكلِّم.
وكذلك وضحتُ لكم:
أنَّ لفظ (الإجمال) في كلام
الناس قد يُراد به (الاختصار)، ولا مشاحة في الاصطلاح حينئذ.
كما يُطلِق البعضُ (العام)
على الكلام المجمل، وكذلك (العام) على المطلق.
لكن طالب العلم يميز بين
ذلك، ولا يخلط، فضلاً عن التلبيس والاستدلال في غير محل النزاع!.
ومع هذا البيان:
عاد (الراجي عفو ربه) ليقول:
((يقع عادة في اختصار العالم إجمال,
إذ لو كان المختصر واضحاً فلا حاجة والحالة هذه إلى تفصيله.
فهل رائد لا يفهم هذا الأمر؛ كما نسب إليه عدم فهم كلام الشيخ
ربيع, أم هي مغالطة مكشوفة, أم أن هناك جواب آخر له؟؟)).
قلتُ:
ما حيلتي معك وأنت لا تفهم
حقاً، ثم تصف غيرك بأنه لا يفهم باطلاً!!!.
سبحان الله!.
يا أخي فرِّق بين الإجمال
والاختصار.
إنْ وقع في كلام المختصِر
إجمال عاملناه كما نعامل المجمِل في كلامه، وانتهى الأمر!.
أما أنك تجعل عادة أهل
الاختصار الإجمال (وهو الكلام الذي يحتمل الحق والباطل كما اتفقنا عليه معكم)!،
وكذلك تجعل عادتهم عدم الوضوح في الكلام!؛ فهذا يعني ذم الاختصار على الإطلاق،
ولازمه ذم كل العلماء الذين اختصروا كلام مَنْ سبقهم من الأئمة!!!.
وإنما الإشكال يقع في فهم
السامع أو القارئ لكلام المختصِر.
أما إنْ أتى المختصِر بعبارة
مجملة محتملة - أو اختصر الكلام اختصاراً مخلاً في المعنى- فحينئذ اللوم يكون
عليه، كما لو فعل ذلك الذي يبسط في كلامه ولا يختصر.
وأقول:
أما ما نُسِبَ إليَّ من عدم
الفهم لكلام الشيخ ربيع حفظه الله تعالى كما تشير إليه وتدندن حوله منذ فترة!،
وكنتُ أتجاهلك!، لأني كنتُ أقول في نفسي لعلَّ الأخ يجهل ما كتبتُه في بيان ذلك،
ولأنَّ هذا الأمر خارج عن موضوع النقاش!، ولهذا فيكفي أن أقول لك الآن:
انظر موضوع ((عودة [[نصب الراية حول موضوع "لم يعملوا خيرًا قط"]]
بعد التعديل للأخ رائد آل طاهر)) في منتدياتكم (!) بقلم أبي
سارية (!!)؛ الذي كان ينقل لي ما أكتبه – في غير منتدياتكم حول مسائل الإيمان
ورسالتي نصب الراية والردود على الحدادية - في منتدياتكم من غير طلب مني ولا مشورة
ولا أذن ولا علاقة بيني وبينه مطلقاً!، واليوم يصفني بأوصاف السوء!، ويصفني بطلب
الشهرة والتعالم والخربطة وسوء الفهم!!!.
أقول هذا: ليعرف الجميع – هنا وهناك
وهنالك - أني لا أهتم لمدح المادحين المغرضين ولا غيرهم، ولا أغتر بذلك، فليقطعوا
الأمل فيَّ أن أكون على شاكلتهم وتوجهاتهم وليرتاحوا!.
أما قولك: ((لقد تصور-باطلا- رائد أو صور له: أن
حمل المجمل على المفصَّل؛ يراد به حمل الكلام المحتمل على الحق، لكون قائله لا
يقول إلا الحق)).
قلتُ في جوابي لكم:
أنَّ هذا ما يريده أهل الأصول في
مسألة حمل المجمل على المفصل، ونقلتُ لكم من كلام بعضهم ما يؤكِّد أنَّ الواجب في
حكم المجمَل: اعتقاد الحقية في كلام المجمِل، لأنه كله من عند الله عز وجل.
فأين جوابكم على هذا؟!
أين؟
أما أنكم تفهمون المجمل والمفصل على
غير ما يفهمه أهل الأصول الذين وضعوه؛ فالإشكال عندكم وليس عندي!!.
ونقلتُ لكم من كلام المأربي بنصه حول كلامه في موضع
المجمل: ((يعني كيف نحملها؟
على المعنى الحق؟
أو نحملها على المعنى الباطل؟
نرجع إلى سيرة
هذا القائل وإلى طريقته ومنهجه الذي عرف به؛ فنحمل على الحق إنْ كان سنياً،
ونحمل على الباطل إنْ كان مبتدعاً)).
فالمأربي يحمل كلام السني المجمل على
الحق دائماً؛ لأنه جعل ذلك قاعدة!!!.
فأين جوابكم عن هذا؟!
أين؟!!!
ولو أنَّ المأربي
اكتفى بكلمة (نرجع إلى سيرة هذا القائل وإلى طريقته) كما أخذها
من العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى، لمعرفة مذهب الرجل، لكان حقاً لا ينازع
فيه.
ولكنه زاد عليه:
فحمل كلام السني على الحق،
وكلام المبتدع على الباطل؛ هكذا على الدوام!!!.
وقد تقدَّم الرد على قاعدة
المأربي هذه.
أما قولك:
((فلنعكس عليه الأمر فأقول:
أن حمل المجمل على المفصَّل؛إنما يراد به حمل الكلام
المحتمل على
الباطل لكون قائله لا يقول إلا الباطل, فإن قال نعم. قلنا: من قال بقولك
من أن
المجمل=الباطل؟
وإن قال لا. قلنا: ألزمت نفسك فلا هو حق ولا هو باطل.
فما موقفك يارائد الآن منه؟؟
إذا أجاب رائد على هذا الإلزام سقط قوله السابق, وإن سكت
فعلى غيظ من
قوة الحق وثقله)).
أقول:
ولماذا أصلاً تعكس الأمر عليَّ؟
ألم تعلم أنَّ شيخكم المأربي يحمل الكلام المجمل الصادر من
(مبتدع) على الباطل؛ لأنه لا يقول إلا الباطل؟!
فعلام الاستغراب؟!
فعند المأربي المجمل = الباطل ......... إنْ صدر عن مبتدع.
وعنده المجمل = الحق ......... إنْ صدر عن سني.
ولازم ذلك:
لا يقول السني إلا الحق!
ولا يقول المبتدع إلا الباطل!
قلتُ:
وكلاهما غلط.
بل قد يقول السني الباطل.
وقد يقول المبتدع الحق.
أليس كذلك؟!
أجب!.
ثم أين قوة الحق وثقله في كلامك وإلزامك؟!!!
بل قطعاً الكلام المجمَل: لا يُحمل على الحق جزماً ولا يُحمل
على الباطل جزماً؛ لأنه يحتمل الأمرين، ولا قرينة على صحة أحدهما، إلا إنْ أتى
البيان والتفصيل.
فيا أخي ارجعوا إلى دراسة المجمل (معناه وحكمه) في أصول الفقه
تعرفوا ذلك!!، وعذراً؛ أنا لا أستطيع أن أشرح لكم في هذا التعليق أكثر مما سبق!.
ولينظر القارئ:
هذا الكاتب (الراجي عفو ربه) استنكر حمل المجمل على (الباطل).
ثم استنكر التوقف!
فماذا يعني؟
يعني: أنه يحمل المجمل على الحق؛ لا محال!!
فأين هذا من قوله: ((لقد تصور- باطلا - رائد أو صور له:
أن حمل المجمل على المفصَّل؛ يراد به حمل الكلام المحتمل على الحق))؟!!
فأقول له:
لم أتصور يا أخي، بل هذه حقيقة مذهبكم وإنْ أخفيتموه أحياناً!
وقوله لي:
((ألزمت نفسك؛ فلا هو حق ولا هو باطل)).
نعم هو كذلك؛ لا يحمل على الحق ولا على الباطل إلا بقرينة
حالية أو مقالية.
لكن لماذا أنت مستغرب هكذا؟!
أليس هذا هو حكم المجمل في أصول الفقه؟!
أجب!
ثم خلافنا معكم:
في حمل المجمل في كلام البشر سوى الأنبياء على المفصل الذي
يساوي المعنى الحق!.
وكذلك خلافنا معكم:
في حمل المجمل على المفصل
لتبرير الأخطاء التي تصدر من بعض مَنْ ينتسب إلى السنة.
بينما أئمة السلف كانوا يُنكرون استعمال العبارات المجملة دون
النظر إلى التفصيل فيها.
وأنتم مع عدم موافقتكم للسلف في إنكار العبارات المجملة على
صاحبها!، تقولون بحمل كلام المجمل على المعنى الحق إنْ كان المتكلم سنياً!!،
هكذا!، وكأنَّ السني لا يقول إلا الحق، فتأمل يا أخي المسألة جيداً!.
وأما قولك:
((وهل قلنا أن الاختصار هو الإجمال؛ حتى تلزمنا بالسؤال عنه أو
نكلف أنفسنا بالرجوع إلى المعاجم؟))
أقول لك:
ألم تقل للسباب (أبي سارية):
((فخلاصة كلامك سؤال لرائد يلفه لفاً, ألا وهو: كيف نفرق بين الاختصار
والإجمال؟؟!!!))
فماذا يعني هذا؟!
يعني أنك لا تفرِّق!.
وعلى هذا الأساس أجابك السباب بقوله:
((أضحك الله سنك أخي أبا عبد الرحمان ونفع بك.
الكلام المختصر هو نفسه المجمل؛ ولكن لاحترافهم التلبيس والتدليس
وخاصة هذا المتهور الباحث على الشهرة بأي ثمن الرائد في التخربيط فانه حاول ذر
الرماد في أعين أصحابه العميان أصلا ..)).
فقول هذا السباب: ((الكلام المختصر هو نفسه المجمل))
فماذا يعني قولك: ((وهل قلنا أن الاختصار هو الإجمال))؟!!!
ثم فرقتُ لكم بين الأمرين، ووعيتم
ذلك، لكن عدتَ وكررتَ فقلتَ:
((وأعيد لك السؤال مع أننا نفرق بين الإختصار والإجمال: كيف تفرق
بين الإختصار والإجمال في كلام العالم؟؟
لأن المختصر وهو كلام قليل اللفظ كثير المعنى فقد
يعتريه
والحالة هذه الإجمال.
والمجمل عندك قد يكون العالم أراد به الاختصار بمعنى أنه قام بالاختصار فوقع منه الإبهام)).
والمجمل عندك قد يكون العالم أراد به الاختصار بمعنى أنه قام بالاختصار فوقع منه الإبهام)).
أقول لك مرة أخرى:
إنْ اعترى كلام المختصِر إجمال أو إخلال: فيُلام هو لا السامع،
ويعترض عليه، ولا يُبرر كلامه فضلاً أن يحمل على المعنى الحق حصراً!.
لكن السؤال:
إنْ لم يعتريه الإجمال؛ فهل يكون مثله (أي الإجمال =
الاختصار)؟!
وكذلك:
الإجمال
إنْ أراد العالم به الاختصار: فيُعامل كما يُعامل المختصِر في كلامه.
فأين وجه
الإشكال؟!
وأما قولك:
((ومحاولة رائد للهروب مني والحمد لله قد باءت بالفشل عند العقلاء,
وبارك الله فيك على فطتنك وتنبهك، فلقد حاول رائد أن يذهب معك بعيداً عن محل النزاع,
وللننتظر سكوت رائد أو سارت مشرقة وسرت مغرباً .. شتّان بين مشّرقٍ ومغربِ)).
سبحان الله!
مَنْ الذي يهرب؟!
مَنْ الذي لا يجيب على الأسئلة والإلزامات؟!
مَنْ الذي ينازع في غير محل الخلاف؟!
مَنْ الذي يسكت؟!
أما تكرار الكلام والعود على البدء؛ فهذا لا يجدي نفعاً يا
أخي!
وأما قولك:
((ومع هذا فهو يخالف واقع تعاملهم, ولأضرب على ذلك مثلاً:
فشيخنا الحلبي اتهمه بعضهم بسب الصحابة أي إرادة الباطل ولم
نسمع لمعنى الباطل هنا أي صوت.
فما موقفك التطبيقي من هؤلاء يا رائد؟؟؟
مع أن جواب رائد النظري عرفناه ولا بأس بذكره حيث قال:
"فنحن بكلامنا السابق لا نثبت للسني إرادة الباطل، لكن قد
يريد في كلامه المعنى الباطل وهو لا يشعر ببطلانه!، وإلا ادَّعينا العصمة للسني ونحن
لا نشعر")).
أقول:
شيخكم الحلبي ينازع في لفظة (غثاء) ولا يعدها سباً إنْ صدرت من
سني، ويعدها سباً إنْ صدرت من رافضي أو مبتدع!!.
وهذا باطل من القول.
فلفظة (غثاء) ليست مجملة!، بل هي كلمة سب وانتقاص صريحة وظاهرة
جداً، لا تخفى على أحد.
فلو صدرت من سني أو مبتدع: فهي انتقاص وسب صريح.
وإذا كان السني قد تصدر منه كلمة الكفر أو قد يقع في الكفر،
فلماذا نستغرب منه أن يقع في أحد الصحابة، أو ينتقصهم أو يعيبهم أو يسبهم، فإن صدر
منه ذلك دل على ضلاله وابتداعه.
ومثال ذلك: ما وقع أخيراً من محمد عيد عباسي في أمير المؤمنين
معاوية رضي الله عنه من سب وانتقاص!.
وكذلك:
استدل شيخكم الحلبي في اتصال معه مشهور: على جواز استعمال هذه
اللفظة (غثاء) في (حق الصحابة!) من غير أن يكون فيها سب وانتقاص بحديث: ((ولكنكم
يومئذ غثاء))!!، فاستدل بوصف النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك على حد زعمه!، ثم
استدرك على نفسه: بأننا لا نفعل ذلك لأنه لا يليق مع مكانة الصحابة!.
وهذا استدلال باطل على باطل!
فهذا هو موطن النزاع مع شيخكم في هذه المسألة.
ولم يرجع شيخكم عن الأولى ولا عن الثانية إلى الآن!!.
وأما قولك:
((ومع أن رائداً قد خالف الشيخ ربيع الذي ينكر ولا يقول بعدم قبولنا إيجاب
حمل كلام الناس المجمل على المفصل ليوافق الحق كما يقول رائدا!!!)).
أقول:
يحاول (الراجي عفو ربه) أن يحدث خلافاً بين كلام الشيخ ربيع
حفظه الله تعالى وكلامي، كما حاول من قبل عماد طارق في نقاشي معه في عدة حلقات!،
ولكنه فشل، وسيظهر للقراء الآن فشل الثاني.
فيقول (الراجي عفو ربه): أنَّ الشيخ ربيعاً ينكر حمل المجمل
على المفصل.
فيزعم أني أخالف الشيخ ولا أنكر ذلك!، وإنما أقول: بعدم قبول
إيجاب حمل المجمل على المفصل.
وهذا – هنا - من تلبيسه لا من عدم فهمه فقط!
يا أخي؛ كيف لا أنكر حمل المجمل على المفصل وعنوان المقال في
الأصل: [إمتاع النظر في ذكر الأسباب التي
تمنع من حمل المجمل على المفصل في كلام البشر]؟
وكيف لا أنكر ذلك وقد قلتُ في أول المقال: ((فالقول بهذه القاعدة
تسويغ لهؤلاء المبطلين وإعانة لهم على إنفاق أباطيلهم وتغرير الناس الجهال بهم))؟.
وكيف لا أنكر ذلك وقد قلتُ أيضاً: ((أنَّ من نتائج
العمل بقاعدة حمل المجمل على المفصَّل في كلام البشر التهوين من الباطل والمخالفات!؛
وليس فقط الاعتذار لصاحب القول المجمل وإنكار جرحه))؟!
وكيف لا أنكر ذلك وأنا قد قلتُ في أحد التعليقات أعلاه: ((لا
يحمل المجمل على المفصل إلا في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه
لا يتناقض في جميع المواضع، ولأنه لا يكون إلا حقاً))؟!
والدليل على أنَّ (الراجي عفو ربه) أُتي من تلبيسه لا من عدم
فهمه:
أنَّ تمام كلامي هو: ((فلا ينبغي لنا أن نبرر كلامه، أو نحاول ونتكلَّف في جره ليوافق
الحق، ومع هذا لا يمكن لنا أن نجزم بأنه يريد الباطل إلا ببراهين أو قرائن تدل على
ذلك.
كما إننا أيضاً لا نجزم بأنَّ فلاناً يريد
المعنى الباطل؛ ففرقٌ ظاهر بين عدم قبولنا إيجاب حمل كلام الناس المجمل على المفصل
ليوافق الحق، وبين الجزم بأنهم أرادوا المعنى الباطل، بل مجرد استعمالهم للكلام المجمل
يسوغ لنا الإنكار والاعتراض عليهم)).
بينما بتر (الراجي عفو ربه) كلامي
وقولي فقال: (("عدم
قبولنا إيجاب حمل كلام الناس المجمل على المفصل ليوافق الحق" كما يقول رائدا!!!)).
وجعل هذا هو مذهبي!
فأقول له:
فأين تكملة كلامي: ((بل مجرد استعمالهم للكلام المجمل يسوغ لنا الإنكار والاعتراض
عليهم)) يا مَنْ
ترجو عفو ربك؟!
بل وأعجب من ذلك كله!:
أنَّ (الراجي عفو ربه) قال في أحد تعليقاته الأخيرة بعد أن سرد
عدة مقاطع من كلامي: ((من هنا نعلم: أنَّ رائداً ينكر أشد النكير: على حمل كلام الناس
المجمل على المفصل))!!!.
أقول:
إذا كان الأمر كذلك؛ فكيف يخالف كلامي كلام الشيخ ربيع يا
هذا؟!
كيف؟
وأصل الإشكال عنده:
أنه فَهِم من بعض تعليقاتي التي ذكرتُ فيها أنه لا يمكن إيجاب
حمل المجمل على المفصل، أني أقول بجواز الحمل؛ وإنما أنكر الإيجاب!، وهذا من عدم
فطنته وفهمه!، لأني أنكر الإيجاب، وأنكر استعمال العبارات المجملة، وأمنع من حمل
المجمل على المفصل، وهذا كله موجود في مقالي وتعليقاتي أعلاه.
فإنكاري لإيجاب حمل المجمل على المفصل في أحد المواضع؛ لا يعني
أني أقول بالجواز كأصل في المسألة!!!.
ولو كان الأمر كذلك؛ لوجب عليك أن تنسب الشيخ ربيعاً حفظه الله
تعالى أيضاً إلى مذهب الجواز لا الإنكار!؛ لأنه قال في أحد المواضع من رده على أبي
الحسن المأربي:
((والحاصل: أنَّ كتب العقائد وكتب الجرح الخاص والعام مليئة
بنقد الناس في أقوالهم وأفعالهم، فبماذا تحكم عليهم وهم لم يأخذوا بأصلك الذي توجبه
على الناس؟! ألا يدل صنيع العلماء أنَّ أصلك الذي تهوش به ليس بأصل، ولو سلكوا منهج
أبي الحسن ودعوا إليه لما وجد نقد)).
فهل نفهم منه أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى
ينكر الإيجاب فقط؟!
لا يمكن أن نفهم هذا هكذا؛ لأنَّ الشيخ أنكر
قاعدة حمل المجمل على المفصل في مواضع أخرى من غير تحديدها بالإيجاب.
فما الفرق؟!
وأين الخلاف؟
وأما قولك:
((قال رائد مخالفاً للشيخ ربيع
وهو لا
يدري!!!: "فلا ينبغي لنا أن نبرر كلامه، أو نحاول ونتكلَّف في جره
ليوافق الحق،
ومع هذا لا يمكن لنا أن نجزم بأنه يريد الباطل إلا ببراهين أو قرائن تدل على
ذلك")).
أقول:
مرة أخرى يحاول (الراجي عفو ربه) أن يحدث خلافاً.
فيزعم أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى يجزم
بأنَّ صاحب الكلام المجمل يريد الباطل!.
وأما أنا فلا أجزم إلا ببراهين أو قرائن تدل على
ذلك.
قلتُ:
ونسبة تلك
الدعوى للشيخ ربيع باطلة، لا دليل عليها من كلام الشيخ.
وإنكار الشيخ ربيع حفظه الله تعالى لحمل المجمل على المفصل؛ لا
يلزم منه الجزم في حمل المجمل على المعنى الباطل، فضلاً عن وصف المتكلِّم بأنه
يريد الباطل جزماً، إلا بقرائن أو براهين تدل على ذلك من عقيدة المتكلِّم وطريقته
وسيرته.
وإنما وجه الإنكار عند الشيخ ربيع:
أنَّ السلف يُنكرون على مَنْ يستعمل الألفاظ المجملة التي
تحتمل الحق وتحتمل الباطل، فلا يبرر الكلام المجمَل، بل يُنكر على صاحبه ويُعترض
عليه دون النظر والبحث عن مفصله هنا وهناك، فضلاً أن يحمل كلامه المجمل على المعنى
الحق مباشرة ودون بحث!.
هذا هو مذهب الشيخ ربيع حفظه الله تعالى.
وهذا الذي أدين الله به.
فأين موطن الخلاف؟!
و (الراجي عفو ربه) لا يعرف مذهب الشيخ ربيع حفظه الله تعالى،
وإنما يردد ما يقوله المأربي وأمثاله عنه فقط.
فها هو الشيخ ربيع يقول في أحد مواضع رده على المأربي:
((ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً؛ نسبوه إلى البدعة
ولو كان يرد على أهل الباطل!!، وقالوا إنما قابل بدعة ببدعة أخرى، ورد باطلاً
بباطل، ولو كان هذا الراد من أفاضل أهل السنة والجماعة، ولا يقولون ولن يقولوا يحمل
مجمله على مفصله لأنا نعرف أنه من أهل السنة)).
قلتُ:
فتأمل قوله
في بعض ردود أفاضل أهل السنة والجماعة: ((ولو كان يرد على أهل الباطل)).
فهل الشيخ
ربيع ينسب لهذا الراد الفاضل السني إرادةَ المعنى الباطل فضلاً عن إرادة الباطل؟!
لكنه حفظه
الله تعالى يوافق السلف الصالح في إنكارهم على مَنْ يتكلَّم بكلام مجمل يحتمل الحق
والباطل؛ ولو كان المتكلم يريد الرد على الباطل.
وأصل
الإشكال عند هؤلاء:
أنهم يرون
الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى يرد على مَنْ يستعمل الألفاظ الصريحة أو الظاهرة في
إرادة المعنى الباطل مثل (غثاء) و (وحدة الوجود كما في ألفاظ سيد قطب) و (الحكم
على الأمة بالردة كما في ألفاظ المغراوي)، فينسبهم الشيخ للباطل والضلال، فيظن
هؤلاء أنَّ الشيخ ينسب مَنْ يتكلَّم بالكلام المجمل (الذي يحتمل الحق والباطل)
لإرادة الباطل!.
وهذا من
تلبيسهم بعدم التفريق بين: (الألفاظ المجملة) وبين (الألفاظ الصريحة أو الظاهرة).
فالألفاظ
المجملة يُنكر على صاحبها؛ ولا تحمل على الباطل ولا على الحق.
وأما
الألفاظ الصريحة والظاهرة فتحمل على المعنى الصريح والظاهر.
فبان
الفرق.
وقد قال
الشيخ ربيع في رده على المأربي:
((ولم يُعر أبو الحسن المأربي أي اهتمام لسياقات كلام مَنْ
يدافع عنهم بحمل المجمل على المفصل، بل إنَّ كلامهم الذي يدافع عنه يكون من الواضح
المبين المفصل فيجعله من المجملات!، وذلك من الشغب والمغالطات!!!، ولم يقف عند هذا
الحد بل تجاوز ذلك إلى رمي من يرد الباطل ويذب عن السنة ومنهج السلف بالغلو ويقذفهم
بشتى التهم ويشتمهم بالألفاظ المقذعة كالأصاغر والأراذل والهدامين والمفسدين وأعداء
الدعوة وخصومها وحدادية ... إلخ.
انظر في النصوص التالية من نصوص مَنْ يدافع
عنهم؛ فهل تراها في غاية الوضوح والصراحة في الدلالة على معانيها، وسياقاتها وسباقاتها
تدل على مقاصد قائليها، أو تراها كما يزعم أبو الحسن من المجملات؟!)).
وقال:
((والأدهى من هذا: أنَّ كلام بعض أهل الباطل واضح صريح في الباطل،
ثم تجد مَنْ يدخله في باب الإجمال!، ويتعلق في نصرة رأيه بأوهى الخيوط والحبال)).
وقال:
((ولسيد قطب كلام نحو هذا في تفسير سورة الحديد (6/ 3479 - 3480) من كتاب الظلال، وقد صرح بذلك في ديوانه
الشعري شعراً ونثراً وأكد ذلك بدفاعه عن عقيدة النيرفانا التي تتضمن عقيدة الحلول ووحدة
الوجود ووحدة الأديان وعقيدة التناسخ. وكل نص من نصوصه واضح وصريح!، وسياقه وسباقه
في غاية الدلالة على مقاصده!.
فإنْ كانت هذه النصوص مجملات فلا يوجد في كلام
البشر كلهم كلامٌ مفصلٌ!!، بسبب هذه السفسطة التي اخترعها عبدالله عزام، وتابعه عليها
القطبيون، والأخوان المسلمون، وعدنان عرعور، ثم أبو الحسن؛ الذي عاش على ذلك دهراً
وأحدث من أجله فتناً لا يرأب صدعها إلا الله، ثم أبدى لنفسه معاذير - الله يعلمها
- ولكنها هل ترأب الصدع العظيم الذي أحدثته هذه الفتنة العمياء؟)).
وبعد أن
نقل مقاطع من كلام المغراوي في التكفير بالجملة قال:
((ومن العجائب والغرائب: أنّ أبا الحسن يجعل هذه النصوص الواضحة
المفصلة الدالة على مقاصد قائلها دلالات واضحة من المجملات!!، فلا ندري على أي منهج
يسير هذا الرجل؟ وبأي لغة يفهم ويعقل؟ ولا ندري من يخاطب بهذه اللغة والتأصيل وبهذا
المنهج الغريب؟)).
وأما مسألة
القرائن والبراهين:
فلما ألقى
المأربي على الناس في أحد مجالسه شبهة فقال: ((وأنا أقول
للذين يخالفون في هذا سأضع عليكم إشكال وأريد الجواب:
ثبت عن شعبة ابن الحجاج وعن مسعر بن كدام الهلالي
أنهما قالا: "إنَّ هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله، وعن الصلاة فهل أنتم منتهون"،
هذا ثابت بالإسناد الصحيح عن شعبة وعن مسعر في شرف أصحاب الحديث وغيره، لو أنا قلت
لك هذه الكلمة، ولم أذكر لك قائلها، هل تشك أنَّ هذا زنديق يطعن في الحديث وأهله ويزهد
في الحديث هل تشك في هذا؟!
العلماء أولوا هذه الكلمة في حق مسعر وفي حق
شعبة، بالرغم أنه ما جاء نص آخر في هذا الموضع بعينه أنَّ مسعراً وأنَّ شعبة يقصدان
بهذا كذا وبهذا كذا، إنما هذا من فهم أهل العلم لأنَّ هذين عالمان من أهل السنة، فكيف
تنسب لهما الزندقة؟)).
تصدَّى له الشيخ ربيع فرد هذه الشبهة من عدة
أوجه؛ فقال:
((1- أنَّ هذا ليس من باب حمل المجمل على المبين عند الأصوليين
أو المفصل!.
2- أنَّ شعبة إمام كبير جداً، بل أمير المؤمنين
في الحديث، وأفنى حياته في تعلمه وتعليمه ونقد رجاله، ويقوم بالرحلة الطويلة الشاقة
في الحديث الواحد؛ فهذه قرائن عظيمة جداً أنه لا يقصد ظاهر الكلام، وقل مثل ذلك في
مسعر رحمه الله.
وقرينة أخرى: أنَّ من أهل الحديث مَنْ يتشاغل
بالغرائب، وقد نهى السلف عن الاهتمام بالغرائب، ووُصِفَ أبو خليفة - تلميذ تلميذ شعبة
- ذلك بالمكاثرة، وقد نقل أبو الحسن مثل هذا.
3 - ممن تأول هذا الكلام الإمام أحمد رحمه
الله لهذه القرائن وغيرها، ولم يتأول لعلماء كبار مثل داود الظاهري ويعقوب بن شيبة.
وكذلك تكلموا في إسماعيل بن علية والمحاسبي
والكرابيسي في قضايا القرآن، فكيف بمن هو مثل أبي الحسن والمغراوي وسيد قطب؟!
ولم يتأول عمر رضي الله عنه لصبيغ ولا ابن
عمر لمعبد الجهني؛ وهو ما كان يعرفه، ولا كان مشهوراً ببدعة عنده، ولا عند غيره، فأعلن
البراءة منه.
والحاصل: أنَّ كتب العقائد وكتب الجرح الخاص
والعام مليئة بنقد الناس في أقوالهم وأفعالهم، فبماذا تحكم عليهم وهم لم يأخذوا بأصلك
الذي توجبه على الناس؟! ألا يدل صنيع العلماء أنَّ أصلك الذي تهوش به ليس بأصل، ولو
سلكوا منهج أبي الحسن ودعوا إليه لما وجد نقد.
مع أنه لا يطبق أصوله في حق أهل السنة مع الأسف
الشديد!!!.
والحق: أنه ليس كل كلام يتأول ولو من أمثال
شعبة رحمه الله، فلو وقع من شعبة مثل ما وقع من هؤلاء لحكم عليه أحمد وغيره بمثل ما
حكموا به عليهم.
وعلى كل حال؛ قد يتسامح مع بعض كبار أئمة السنة
فيما يند منهم مخالفاً لمنهجهم وعقيدتهم وعلمهم ودعوتهم وذبهم عن السنة وغير ذلك من
القرائن القوية التي تمنع من إرادة المعنى السيئ المخالف لمنهجهم وعقيدتهم الخ.
وقد لا يتسامح بعض العلماء حتى في مثل هذا؛
فلا يلومهم علماء السنة ولا يحاسبونهم ولا يحاربونهم ولا يحتجون عليهم بهذا الأصل المزعوم)).
وأما قول
(الراجي عفو ربه):
((فهو بهذا يخالف الشيخ ربيع ولعله
جمهور سحاب, ولعل هذا سر عدم كثرة تعليقهم على موضوعه)).
قلتُ:
لم يكفه إحداث خلاف بين كلام الشيخ
ربيع وبين كلامي!، فراح يشغِّب ويحرِّش بالباطل والتلبيس بيني وبين جمهور الكتاب
في سحاب!!!.
سبحان الله؛ لو أنَّ الكثير من الإخوة
في سحاب علَّقوا على المقال بالثناء لقالوا: شيخوه!...رفعوه!....عظموه!....
ولو حذفوا أحد المقالات لقالوا:
طردوه!...فصلوه!...أذلوه!... قاطعوه!...
ولو دخل بعضهم فأثنى قالوا: لكن جمهورهم
خالفوه!!
ما أعز الإنصاف والله.
ما أدراك يا أخي أنَّ جمهور سحاب
يخالفونني؟!
هل نصَّبوك ناطقاً باسمهم؟!
ثم هل المعيار بالكثرة (الجمهور)!؛
على افتراض وجود هذه المخالفة المفتعلة؟
وأما قولك: ((فالشيخ ربيع ينكر على
من يحمل
المجمل على المفصل كما نسبه رائد للسلف، بل ويحمله على المعنى الباطل؛
بخلاف رائد
فيتوقف في منتصف الطريق وبدون قرائن)).
قلتُ:
تبين بطلان دعواه أنني لا أنكر حمل المجمل على المفصل!، وكذا
دعواه أنَّ الشيخ ربيعاً حفظه الله تعالى يحمل المجمل على المعنى الباطل جزماً!.
وعرفنا من عدة نقول عن السلف أنهم كانوا يُنكرون استعمال
الألفاظ المجملة المشتبهة، ويعترضون على أصحابها، وقد ينسبونهم إلى البدعة، دون
النظر إلى احتمال أنهم أرادوا المعنى الحق، لأنَّ الألفاظ المجملة فيها لبس وتغرير
من جهة السامع لها من عوام الناس أو
المغرض من أهل الأهواء.
وأما التوقف في عدم حمل المجمل على أحد معانيه إلا بقرينة؛
فهذا ما نصَّ عليه أهل الأصول في حكم المجمل، فراجعه يا أخي تفهم ذلك، لكن – لا
تغفل - مع اعتقاد حقية المعنى المراد في مجمل كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى
الله عليه وسلم، لأنه كلٌّ من عند الله، وليس هذا عاماً في كلام كل أحد، فتنبه ولا
تخلط.
وأما قول (المحاور) هداني الله تعالى وإياه لما يحب ويرضى في
آخر تعليقاته:
((الأخوة [أبو الفداء، أبو سارية، البومرداسي، أبو عبدالرحمن]
جزاكم الله خيراً على إثرائكم الموضوع)).
فأقول
له:
يظهر يا
أخي أنك سكتَّ عن متابعة التعليقات اكتفاءاً بما أثراه هؤلاء!!!
فأما أبو الفداء المصري: فناسخ لاصق ليس إلا!، وقد أعاد ما
ذكرتَه أنت من نقولات وأضاف عليها أخرى مثلها!، فلم يزد في الموضوع شيئاً!، ولعله
لم يطلع على تعليقاتكم فضلاً عن تعليقاتي!، وإنما رأى حواراً أو عنواناً في موضوع
المجمل والمفصل، فما أتعب نفسه، فنسخ ولصق، والسلام!.
وأما أبو سارية: فسبَّابٌ، بذيء اللسان، فاحش القول، وليس في ذلك إثراء
للموضوع كما تعلم!.
وأما البومرداسي: فهو مجرد صدى لكلام السباب!، لا يجيد إلا الترديد
والتكرار!.
وأما الراجي رحمة ربه: فلا يفهم الكلام ولا يميز!، والمشكلة أنه يتهم خصمه أنه لا
يفهم!.
فأقول للمحاور:
هل هؤلاء هم أعوانك الذين أثروا الموضوع؟!
خير إنْ شاء الله!
لكن:
لا أدري هل بقي لك عليَّ سؤال أو إلزام؟
فذكِّرني به، وأنا على استعداد أن أجيبك.
وأما سؤالاتي وإلزاماتي لكم فإنها تنتظر أجوبة علمية؛ لا كلمات
شقية ولا تحريشية.
فإن لم تجيبوا عنها فالحمد لله على توفيقه.
وأما حوارك معي في مقالي [الإرشاد]، فقد أعرضتُ عنه أولاً
لكونه مجرد تشغيبات ومغالطات واضحة للقراء، ثم ترددتُ قليلاً في الرد عليك، ثم
قلتُ أنتظر حتى تكمل حوارك، ثم انشغلتُ والله المستعان، لكن بإذن الله تعالى سأحرص
على إيجاد الوقت للرد عليك وبيان تشغيباتك ولو مختصراً.
والله وحده الموفِّق.
أبو معاذ رائد آل طاهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أرجو عند كتابة تعليقك تذكر ما يأتي:
1. تذكر قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
2. تعليقك سيظهر بعد مراجعته من قبل الإشراف إن شاء الله تعالى.
3. يفضل كتابة التعليق باسم لائق، واستعمال اللغة العربية الفصحى قدر الإمكان.